الأخوة الأحباب
سلام ليوم جديد
سلام للقامة صلاح الباشا سلام للإبداع بشرى الفاضل
وسلام لكل من علق: الأخ عادل- الأخ خالد- الأخ الصاوي- وأختي لنا
سأبدأ بك أخي خالد معتذرة عن التعليق، وقلتها في بوست آخر: من أراد أن يسحبني لحوار رشاشي (باستدعاء كل ما بجعبته عن حزب الأمة او الصادق) فإنني سأفشل في مثل ذلك النزال انا امرأة سوسيومترية (تخصصية) -وهذا قصور نعم- ولكن رحم الله امرأ عرف قدر نفسه.. يقول عن مثلنا علم السيكولوجيا أصحاب السيليكتف بيرسبشن.. ولن اقدر أن أتتبع وقع الرشاش.
ولنأتي للأستاذ الفاضل صلاح الباشا كم كانت طلته رائعة وأشكره عليها، وأقول: لا أحلم أن أكون مثل الصادق في كل ولا حتى بعض جيناته (أقصد معنويا لأني ماديا بي نصفها): لقد قالتها لي قبل ذلك فتاة أثيوبية كانت تعمل معنا في القاهرة حيث كنت أرافق والدي أقوم بأعماله المكتبية- استاءت من ضيق صدري فقالت لي
why don't you be like Abouy (she used to call him Abouy as he requested) wallahi I have never seen like Abouy
في تلك اللحظة طعنتني وهي التي لم تعلم عن (أبوي) الكثير مما أعلم ويعلمه كثيرون غيري أشعرتني بقصوري أن أكون منتسبة له- وحينما حكيت لأحد أخوتي مستاءة مما وجهته لي تلك الفتاة التي لم تربطها معنا تواريخ ولا مشاعر ولا أي شيء غير أواصر إنسانية وأجرة نظير خدمة- قال لي قولي لها:
And you will never see like him
ارتحت. وأنا لا أحلم أن أكون مثله ناهيك عن وصول. ربما هو مدخل فرضه عليك قلم مهذب.. ولنأت لقلب ما كتبت
تذكرني كلماتك عن الحلم والواقع مقالا كنت كتبته من قبل (منشور في هذا البورد) عن كتاب دكتور عبد الله علي إبراهيم (الإرهاق الخلاق) فقد ناقشت في ذلك المقال الجدلية القائمة أبدا بين مشروعيتين:
مشروعية الحلم ومشروعية الواقع.
كل من يلعق حلمه يؤوب للواقع مسبحا
وكل من يتعمى عن واقعه يتحدث عن الحلم كأنما لا يوجد سواه
فمن نحن وسط كل ذلك؟ هل نحن الواقع؟ هكذا تقول كل القراءات السياسية الشائعة (السريعة في نظري) إذ نوصف بالتقليدية وبالطائفية ولكن لنا رأيا آخر
حزب الأمة تجمع لعدة عناصر كلها تؤمن ببرنامج حد ادنى، ولكل منها طموحه، ونظرته لتاريخه
إنني من قوم هم الحلم الذي قامت عليه هذه البلاد (لا أقصد جينيا بل عقديا): حلم الوحدة والتحرر من المذاهب ومن الطرق ومن القبائل وبناء الدولة الفتية القوية التي تعرف فيها الأسر بشكل جديد يتجاوز العصبية ويلقي بالأنساب في النيل ويحظر نحاسات القبائل (عزتها ورمزها)..وو.. حلم يريد أن يشكل واقعا جديدا مغايرا: تلك كانت المهدية
كثيرون ايدوا المهدية في ثورتها على ظلم الترك وفي تمثيلها لعزة سودانية وليدة، ولكن حينما عنى ذلك تكون دولة تدك كل آلهتهم وتغير أعرافهم فإنهم بمشروعية واقعهم رفضوا ذلك بنفس المنطق القديم (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة) والذي كثيرا ما رد عليه في القرآن بأن الحق ليس بالضرورة طريق الآباء.
نعم هزمت المهدية بمنطق داخلي برع في رسمه محجوب مالك في كتابه عن (المقاومة الداخلية للمهدية)، ثم تلى مشروع (نحو مشروعية معارضة المهدية) الذي أسهم فيه الدكتور عبد الله علي إبراهيم بمقاله عن المهدية والكبابيش يظهر كيف كان الكبابيش يستنكرون الدولة التي تريد تسفيه أحلامهم الموروثة، والدكتور عوض السيد الكرسني في مقاله عن الدواليب وكيف أن خبرتهم ووصية أبيهم كانت تؤكد بطلان المهدية.. هذه هي مشروعية الواقع التي فتت في عضد مشروعية الحلم: المهدية
المهدية بذرة حلم أستاذي صلاح- ونحن نحن ثمرته – وفي حلمنا نحمل تفاصيل حلمها على عكس ما تسوقه أقلام كثيرة (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) . ولكن ما هو موقفنا من الواقع.. إنه ليس موقف المهدية على أي حال.. علمتنا التجربة!.
بعد الاستعمار وبعد التضييق الشديد على الأنصار برز من بين الجموع (ولم يكن له سند في هرمية المهدية ) برز عبد الرحمن المهدي ولم يكن ينقص من ذلك الحلم شيئا ولكنه أراد أن يغير الآلية لأن العبرة بالخواتيم، وتغيير الآلية كانت تعني تغيير الموقف من الواقع. ولأن التصدي بمنطق الحلم الأبي الذي ظهر في الانتفاضات المهدوية على أيدي بواسلنا (ود حبوبة والسيد حامد وغيرهما) خلفت ليس فقط هزائم بل قيودا أكبر وبعدا أكبر من الحلم.
قال المسيح عليه السلام: بثمارها تعرفونها: إن خطة مواجهة الواقع بحدة تورث ريثا في تحقيق ذات الحلم.
صحيح أن قوة الحلم الأبية وصمودها الشاعري كما حدث في كرري تلاقي مزاجنا.. ولكن
قبل ذلك- كان رسول الله - صاحب الحلم (الرسالة) أميل للحديبية- وكان عمر المارد في قوته وإبائه يراها (الدنية في ديننا) وعام الحديبية ذاك هو الذي أزلف القبائل للإسلام وقوى عضده وحينما أراد المشركون أن ينكصوا كان المارد قد تكوّن- الحديبية درس في أن الحلم يحتاج لمعايشة الواقع (هونا ما) يحتاج لفترة حضانة كما يقول الاقتصاد. إن أعظم الأحلام هي التي يرفدها صبر وروية – اسألونا نحن النساء أدرى بذلك فالمولد الذي ترون يتطلب صبرا طويلا للأشهر التسعة، ويتطلب بعد ذلك أكثر. ولذلك فإنني كلما أردت أن أمدح رجلا قلت أنه كأنه أم!.
تشكل وعي عبد الرحمن عبر الحلم- تصدقه في ذلك رؤى ومبشرات نحن غير معنيين بها هنا ولكننا معنيين بتمسكه بذلك الحلم. دخل عبد الرحمن حديبيته: وكان الطريق ليس عاما بل نصف قرن. وهنالك شواهد كثيرة أنه مشى في درب المهدية لا يحيد ولكن بخطة جديدة. كانت المهدية قد حاربت على جبهتين: جبهة الاحتلال (الترك ومن بعد ذلك الغزو الخارجي) ثم جبهة المجتمع (بكل قبليته وتطرقه وبعده عن التوحيد وطباع غلبت على أفراده مثل الاتكالية والعنجهية وقلة المثابرة وهبوط الهمم) حاربت المهدية على الجبهتين بضراوة فماذا جنت: تحالف عليها الاثنان الغازي وقطاعات هامة في المجتمع (وما ورقتي الدكتورين إبراهيم ثم الكرسني إلا دليل على ذلك التحالف غير المقدس وبالرغم من ذلك فإن له بمقياس الواقع مشروعية لدى الكاتبين). ماذا كانت خطة الإمام عبد الرحمن أمام ذلك:
- هادن المجتمع في حديبية طويلة فلم تظهر صيحات الرفض بل بهدوء خط أسلوبه في كل شيء. لم يقف مع المواقف التقليدية ضد تعليم النساء بل سنده وسند رائده بابكر بدري. لم يقف مع المواقف المحافظة على العادات الاجتماعية المبنية على المباهاة في الأعراس والفرش لدى الميت (والمهدية كانت ألغتهما) بل قلل من أيامها واستحدث أشياء مثل مهرجان الزواج. وهكذا لم يصدر أوامر بمصادرة الأموال لصالح بيت المال كما في المهدية –وأنى له- لكنه كان يخط طريقه بشكل أكثر هدوءا، ويمكن تتبع ذلك في كل مناحي حياته.
- هادن المستعمر: وطمأنه أنه لن يتخذ أسلوب كرري ولا ود حبوبة، ورمزا لذلك أهدى سيف والده (إنه يتبع والده في الحلم وليس الآلية) اهداه للملك جورج الخامس وكم كانت تلك الحادثة مجلب سخط عليه من بعض الأنصار ومن غيرهم. ولكنه لم يأبه لأنه كان يقصد ذلك الفعل بكل ما يعني وضع السلاح: اتخاذ آلية مدنية. لقد كان من بين الأنصار من يتوق للآلية الأولى فهي لها سحرها كما لموقف عمر (رضي الله عنه) سحره، قال عكير الدامر:
القفطان أملصو لباسو فيك ما بخيل بتخيل فيك الدروع وركوب عواتي الخيل
وقد انطلت الحيلة على البريطانيين أنفسهم حتى خرج عليهم في آخر أمره بما لم يعهدوه (عشية الفتح) وحاولوا الالتفاف عليه بالحزب الجمهوري الاشتراكي وما أفلحو، لقد أدركوا أخيييييييييييرا أن عبد الرحمن المهدي لم يكن صديقا كما بدا لهم. ويروي لنا هذه القصة حسن أحمد إبراهيم (وهو ليس من كتابنا يا عادل) في ورقته عن (عبد الرحمن المهدي وبراعة المناورة السياسية) ثم في كتابه عنه. يروي خيبة ظن البريطانيين فيه في وثائقهم هم الذين ظنوه قد تخلص من حلم أبيه. ويقول انه كان يعامل البريطانيين كشعب لا يمتلك قدرات ذكاء عالية.. ويحق له فقد استطاع أن يقلب على رأسهم الطاولة حينما لم يكن يمكنهم أن يعيدوا ترتيب تلك الأوضاع من جديد.
وقال في ذلك عكير نفسه:
جهاد المهدي سيف سلاه يلمع ضاوي
وحكمو في الرقاب اللي الشرع بتلاوي
وانت جهادك اللين وبالهدواة تداوي
اختلفو السيوف إلا الضرب متساوي
(آسفة حفظي ليس جيدا إذا وجد حافظ فليصححني)
عبد الرحمن المهدي لم يحارب الواقع كما يجب بقياس مزاج (الوقفة النبيلة: وهذا تعبير د. عبد الله علي إبراهيم) ولكنه حاربه بالقدر الذي يحقق فيه الحلم وكلما صعد درجة من الحلم تطلع لأخرى لأن حلم المهدية لا زالت بيننا وبينه عقود وعقود.
وإذا كنا قد انتهينا من (غلوتية) الحلم والواقع فإني أدلف إلى نقاشي لمفهوم التنمية الثقافية (باعتباره تحقيق للحلم على أرض الواقع ) في منبر آخر: يقول د. سعد الدين إبراهيم " لكل ثقافة عدة وظائف تشمل الحفاظ على القيم والتقاليد والتراث ومن ثم على الهوية الحضارية، وتشمل تطوير القيم والمعايير والسلوكيات بحيث يتكيف حاملو هذه الثقافة مع متغيرات بيئتهم الداخلية والخارجية. الوظيفة الأولى تضمن الاستمرارية المجتمعية، والوظيفة الثانية تضمن التقدم المجتمعي".
إنني أعتقد حقا أن الفسيلة العظيمة التي غرستها المهدية على الأرض السودانية والتي اقتاتت منها حركة النمو الثقافي فيه لم تكن تلك المفاهيم أو القوانين والنظم، بل هي النمو الثقافي من داخل الثقافة ومن داخل الدين. وما أخذه البعض على ذلك النمو الثقافي أنه كان في طوره الأول مفاجئا وأشبه بالهدم من الداخل بدلا عن التطوير، فقد كانت المهدية صريحة جدا في لفظ المعوقات الثقافية التي رأتها "مبعدة من الله ورسوله".. تلك الحدة التي أسلمتها للاستقطاب وقضت- ضمن عوامل أخرى- على دولتها. فقد تمت بصورة عز على الكثيرين اتباعها مما حدا بحركة "مشروعية معارضة المهدية" أن تتعاطف معهم وتغفل حتى الإشارة للغائية وراء كل تلك التصرفات –من توحيد للبلاد وتكوين لقوميتها الوليدة وما يستصحب ذلك ما إلغاء مفاهيم العزة والتفاخر القبليين، وتحريرها من حكم أجنبي غاشم، وتجديد الفقه الديني المتجمد منذ القرن الرابع عشر الهجري.. الخ- أغفل رواد هذه الحركة تلك الغائية ولم يروا سوى مشروعية المعارضة من خلال القراءات الثقافية الداخلية لأصحابها –حتى لو كانت تلك المعارضة التي أفلتت الغائية مرهونة لإرادة المستعمر وترضى أن تعمل كأداة من أدواته، بل إنه حينما سقطت الخرطوم قال شاعرهم: بشرى لجيش بالفتوح فقد ظفر!..
أقول، لست هنا بصدد تقييم الذين وقفوا مع أو ضد المهدية فرب ألف موقف صحيح برغم تناقض أصحابه إذ أنني لست من معتنقي فكرة أن للحقيقة وجها واحدا، ولكنني أشير إلى أن التغيير الثقافي الحاد يؤدي إلى مشاكل أخرى، وفي المهدية، فإن هذا الخط تم استدراكه لاحقا على يد البعث الثاني للمهدية في عهد الإمام عبد الرحمن. هنا كان العمل للتطوير الثقافي مستندا على التدرج لا يثير ضجيجا. والكثيرون ينظرون لذلك الأسلوب نظرة ريبة، فهو لا يرضي المزاج الشاعري ولا ما تربينا عليه من وقفات ماردة كانت المهدية معينها الأول، ولكن أهم ما في المهدية أنها تحمل بذرة تطورها المستمر ومعالجتها لأخطائها عبر مقولتها المحورية في ذهنية هذا الكيان: ولا تعرضوا لي بنصوصكم عن الأقدمين إنما لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.
لقد تهت في خطابي لك أستاذي صلاح بين دروب كثيرة، ويمكن أن أواصل لأذكر لماذا نحن حلم أيضا (ولسنا محض واقع) بل الواقع صب ضدنا وحتى ونحن حاكمون لا نحكم بل تحكم الآلية التي خطها المستعمر ضد المهدية، وفي عقول المثقفين (وهم نخبة البلاد المتحكمة في ذهنية المتنفذين فيها سواء في الخدمة المدنية أو القوات المسلحة) في عقول المثقفين تحكم آلية أحمد خير ومن لف لفه. استمع للإذاعة السودانية (نحن في خارطتها أسماء منبوذة لا مبرر لوجودها) ولهذا فمهما كانت نية عبد الله خليل فيما فعل حين تسليمه السلطة، فقد كان أبلغ من دفع ثمن تسلم قيادة البلاد العسكرية البلاد بالقوة هم نحن، وفي أي منبر سيخرج فيه هيكل الدولة تشوهاته أو ثقافة المثقفين أثقالها سنكون أول من نجلد.
لقد أردت أن تجعلنا نجد في الحلم المستحيل إزاء الواقع الرذيل حالة تعذر حدة المحتدين تجاهنا (كأن الواقع لا يعنينا برذالته!).. ووالله لو كنا نستدعي أحلامنا وننقم على واقعنا الذي يذلنا وعلى سياط الظلم التي تلهب قلوبنا وأطنان السباب التي نتعرض لها من أقلام تعرف كيف تكون الكتابة أشد وقعا من السياط .. لو كنا نواجه ذلك الواقع بمثل ما يجابه به أولئك المحتدين مجرد ظهورنا في المنابر لما أبقينا عليها من دابة.. اسأل عبد الرحمن المهدي كم تعرض من الأذى وهو يقطع النهر يركب المعدية عاما كاملا ويسلم على الناس في أكفهم ولا يردون عليه السلام إذا عرفه الناس تواروا عنه من سوء منبته(!!!!) واسمه (!!!!) وابتعدوا عنه كما يبتعد الصحيح من الأجرب، شتموا المهدية والمهدي وشتموه وما غلق دونهم بابا ولا أوقع سبابا، يروى أنه كان يذهب بعربته في طريق معين وكلما مرت بأحد الشوارع تصدى له رجل وتعرض للسيارة فسبه وسب أباه وتوعده وهو ما يزيد عن السلام، وفي يوم مر بالطريق فلم يأت الرجل فأرسل يسأل عنه قيل له طريح الفراش مريض، فأرسل من يعوده ويتكفل بالعلاج. وحينما ضاقت بسلاطين (صاحب السيف والنار في السودان) وقد فعل بكل أسر المهدية العجب العجاب لم يجد غير عبد الرحمن المهدي يسأل عنه ويعيش على فيضه.. وذلك فيض لقلب حاقد في آخر عمره لا يطلب منه جزاء ولا شكورا..
ولهذا وتذكرا لذلك الأثر فإن أية حيدة عن لغة الأخ عبد العاطي (ليس بحزب ولا سوداني ولا للأمة له علاقة من قريب أو بعيد) أي لغة تبتعد عن هذه الحالة ولو بمجرد (حزب ساي) أراها لغة محمودة.. وحينما قال بشرى الفاضل إنه حزب وكمان يحيي مجهوداته (التي استنكرها عبد العاطي) فإنني ارتجفت فرحا وتساقطت دموعا.. فانظر أستاذي أنظر من هو الذي حلمه بعيد .. بعييييييييييييييييييييييد ولكنه يفوت الآخرين صبرا وحلما وعملا.. وسيرى الله ورسوله والمؤمنون.
وأنا لا أقصد بتحقق الحلم استلام السلطة بالطبع، لأن أعدادنا تؤهلنا لها إذا جاءت انتخابات، ولكن السلطة (كراسيها) يمكن أن تكون بلا أية فائدة في تحقيق البرنامج إذا كانت كل الخدمة المدنية والقوات النظامية ورجل الشارع القارئ والكاتب كل هؤلاء يقتاتون من أقلام في غالبيتها مسمومة تجاه حزب الأمة. هذا الوضع ينطبق على الحال إزاء المثقفين حتى الديمقراطية الثالثة، ولكني ازعم أنه حدثت لنا فتوحات بين عوالم المثقفين والكتاب في الآونة الأخيرة ساهمت فيها أسباب كثيرة بتغير الانطباع ووعي الدرس من جانبنا ومن جانب قطاعات كثيرة من المثقفين على حد سواء.
ولكني أخلص إلى أن بعد الحلم وبعد إمكانية تحققه هي أدعى بالحكيم أن يطيل صبره ويتزلف للحقيقة وإقناع الناس بها عبر الحكمة والموعظة الحسنة، إن الحدة اللامحسوبة هي فعل اثنين: مقتدر باطش (كما هي أفعال أمريكا اليوم)- أو يائس من الإصلاح ولم يبق له سوى نفث حسرات يأسه في كلمات مرة. وهذا أقرب للانتحار عبر القلم. هذه الحكمة وطول البال الذي أقصده ليس من باب الانهزامية للواقع ولا أن نلعق أحلامنا كما تأكل الهرة أولادها بل أن نصبر عليها وعلى آلامها كما تصبر الوالدة على ألم الطلق وهي تعلم أن في آخره مقدم وليدها الحبيب. وما ضاع حق وراءه مطالب، والسايقة واصلة، ولا بد من صنعا وإن طال السفر.