|
دارفور .. جرح الوطن !! بقلم د. عمر القراي
|
د. عمر القراي
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) صدق الله العظيم
كانت آخر خدع نظام الأخوان المسلمين، للشعب السوداني، الدعوة الى الحوار، التي قدمها بصورة مبهمة و (مدغمسة) السيد رئيس الجمهورية ..
ولقد تصور بعض الذين لا زالوا يأملون، في ان يفعل الاخوان المسلمون خيراً، ولو مرة واحدة في حياتهم، أن هذه الدعوة للحوار، سيصاحبها ما يعزز مصداقيتها، من وقف لاطلاق النار، وعقد اتفاقيات سلام، وتحسين الوضع العام للحريات، والتجاوز عن مصادرة الصحف، ورفع الرقابة القبلية والبعدية عنها، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وايقاف جهاز الأمن، من منع الشرفاء من الصحفيين، من الكتابة. ولكن حكومة الأخوان المسلمين، تفوقت على نفسها في السوء، والبعد عن قيم الدين وقيم الإنسانية، وأدارت مرة أخرى، آلة التقتيل، وحرق القرى، وخطف واغتصاب الفتيات، بعد أن أدارت ظهرها للشعب، الذي وعدته بالحوار !!
فقد جاء (على الأقل حوالي 4000 من مليشيا حمدتي "قوات الدعم السريع" وصلوا على عربات لانكروزر "حجير" حوالي الساعة 1:30 مساء يوم الخميس. بدأوا باطلاق النار فقتلوا 31 من القرويين في الحال وجرحوا 23 آخرين على حسب ما استطعت احصاءه. العدد الكلي للقتلى غير معلوم لأن كل الناس فروا وتركوا قرية "حجير تونجو" خالية تماماً. حتى الآن هنالك 53 اسم معروفة للذين قتلوا في "حجير" يوم الخميس. رجال المليشيا نهبوا المنازل ثم اشعلوا فيها النار. وقاموا بالقبض على 20 إمرأة وفتاة واغتصبوهن. هناك فتيات ونساء لا زلن مفقودات. أيضاً هنالك آلاف من القرويين محاصرين ومطاردين في الصحراء بعد ان نهبت منهم كل ممتلكاتهم وهربوا. هنالك اعداد كبيرة يعتقد انها لجأت الى معسكر السلام في محلية "بيلل". آخرون هربوا الى معسكر "كلمة" في محلية نيالا ... بعد ان احرقت قوات الجنجويد الجديدة المسماة "قوات الدعم السريع" 35 قرية في ناحية "حجير تونجو" يوم الخميس واصلوا يوم الجمعة واشعلوا النيران في قرية "أم قونجا" و"تاني دليبة" و"توكوماري" و"حميدة" و"بركة تولي" و"عفونا" وقرى اخرى)( إفادة أحد الفارين لراديو دبنقا -1/3/2014م). ولقد أكدت صدق هذه الرويات التي نقلها راديو دبنقا، جهات من خارج السودان، فجاء (قالت "أمور الماجرو" مسئولة برنامج الأغذية العالمى بالبلاد ان هجوم الجنجويد على المدنيين بجنوب دارفور أدى إلى نزوح حوالي 20 ألف معظمهم من النساء والأطفال . وأضافت في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، اليوم "وصل نحو عشرين ألف نازح جديد معظمهم من النساء والأطفال"، مضيفة ان النازحين جاءوا من قرية سانيا ديليبا على بعد نحو 35 كلم من مدينة نيالا عاصمة ولاية دارفور الجنوبية. وقالت ان فريق من البرنامج ستوجه اليوم إلى المنطقة لتحديد عدد المحتاجين للمساعدات، وأضافت أنه "فى الوقت نفسه فإننا نرسل قافلة تحمل 90 طنا من الطعام". وقامت فرق تقييم منفصلة أمس بتعداد النازحين الذين وصلوا إلى مخيمى "كلمة" و"السلام" للنازحين فى منطقة نيالا، وقالت إنه "مع جميع عمليات النزوح التى تحدث، فإن هذين المعسكرين يستقبلان واصلين جدد". وأضافت أنهم جميعا نزحوا بسبب عنف مليشيا ما يسمى بـ "قوات الدعم السريع" . ومن ناحية أخرى منعت أجهزة الأمن القوة المشتركة لقوات حفظ السلام في دارفور من الدخول للقرى التي دمرتها مليشيا الجنجويد مدعومة بالجيش والأجهزة الأمنية الأخرى. وأعربت القوة المشتركة في بيان عن قلقها الشديد من ازدياد أعمال العنف في ولاية جنوب دارفور موضحة أنها نجمت " من تدمير قرى عدة بسبب إحراقها ونزوح العديد من المدنيين". وقال المتحدث باسم القوة، كريستوفر سيسمانيك: "بما أنه لا يمكننا الوصول إلى هذه المناطق، فإنه لا يمكننا إعطاء أرقام محددة ولا القيام بمهمتنا على أكمل وجه". وحمّل القائد مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان عمر البشير شخصياً مسؤولية جرائم الإبادة الجديدة التي تتواصل لليوم الخامس على التوالي على أكثر من 60 قرية بجنوب دارفور. وقال في تصريح لـ "حريات" أمس، ان مليشيات الجنجويد بقيادة حميدتي معززة بقوات من الجيش وجهاز الأمن والإحتياطي المركزي ، قتلت أكثر من 200 شخص وإغتصبت 40 فتاة ونهبت 30 ألف من الماشية، في اليوم الخامس لهجومها على قريتي حجير تونا وأم قونجا 20 كيلومتر من مدينة نيالا، كما أحرقت ودمرت ونهبت أكثر من 60 قرية صغيرة بولاية جنوب دارفور)(حريات 4/3/2014م). هذا هو سجل حكومة الاخوان المسلمين من العار !!
إن "قوات الدعم السريع"، التي أنشأتها الحكومة، بدعوى القضاء على الحركات المسلحة في دارفور، فأعادت بها سيرة الجنجويد السيئة، مرة أخرى، لم تواجه الحركات المسلحة، وإنما ضربت البسطاء العزل من المدنيين، ومع ذلك أحتفلت بها الحكومة، فجاء (تعهد قائد قوات الدعم السريع اللواء العباس عبدالعزيز، بطرد المتمردين وحسم المتفلتين وعصابات النهب بولاية جنوب دارفور، وتأمين الطرق الرابطة لولايات دارفور. ووصلت القوات نيالا يوم الإثنين، وسط استقبال رسمي وشعبي تقدمه الوالي آدم محمود جارالنبي وقال والي جنوب دارفور، في احتفال استقبال القوات، إن "قوات الدعم السريع" تم تدريبها وتمكينها في العمل العسكري، وتعمل وفق ضوابط وأسس عسكرية لمهام محددة، وأضاف أن استعراضها لقوتها في الولاية، رسالة مهمة للحركات المتمردة والمتفلتين من جهته قال قائد قوات الدعم السريع اللواء العباس عبدالعزيز، إن قواته ستكون لها مهام أخرى بجانب طرد المتمردين من كل مناطق دارفور)(الراكوبة 3/4/2014م).
ولا يحدثنا أحد بأن "قوات الدعم السريع" قوات نظامية، مقيدة بالقانون، أو انها تعمل وفق ضوابط قانونية، للقضاء على الحركات المسلحة، التي يعتبرها النظام متمردين.. وذلك لأن هذه القوات نفسها، اعتدت على المواطنين، المدنيين، العزل، في مدينة الأبيض، قبل أيام من جرائمها في دارفور، حتى ان حاكم شمال كردفان، إعتذر لجماهير الابيض عن جرائمها !! فقد جاء (اعترف والى شمال كردفان احمد هارون ان مليشيا الجنجويد ارتكبت سلسلة من الأحداث المؤلمة والمؤسفة بحق مواطنى الابيض والقرى المحيطة بالمدينة. ووصف هارون تلك الاحداث بالصادمة، وقدم فى بيان اعتذارا لاهالي الولاية، وعبر عن اسفه للاحداث التي شهدتها ولايته من عمليات قتل وإغتصاب ونهب وسلب شبيه بما جري في دارفور. وقال هارون فى بيانه ان المليشيا المتهمة باعمال القتل، والمسماة "قوات الدعم السريع"، هى قوات نظامية، عددها كبير وتتبع لهيئة العمليات بجهاز الأمن الوطنى والمخابرات جُندت حديثاً لمهام وطنية، دون تحديد طبيعة هذه المهام .... وكانت مدينة الابيض قد شهدت احتجاجات عارمة نددت بالفظائع والإنتهاكات التى ارتكبتها مليشيا الجنجويد من عمليات قتل وإغتصاب ونهب وسلب، وطالبت بطردها فورا من الولاية، والقصاص من مرتكبى تلك الجرائم والانتهاكات)(حريات 10/2/2014م).
إن حكومة تفعل هذا بشعبها، بعد ان دعته للحوار، لا شك أنها لا تعتبر ابناء دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، من ضمن هذا الشعب، وإنما الشعب عندها هو الذي يقطن " مثلث حمدي"!! وأن سكان الهامش تجب ابادتهم، لأنهم ليسوا عرباً، ويمكن ان يضاف إليهم البجا في الشرق والنوبة في اقاصي الشمال!! ومن عجب، ان هذا الموقف العنصري البغيض، لم يجد إدانة من الأحزاب الكبيرة، التي رضي قادتها بتكريم هذا النظام المجرم، المغتصب للسلطة، بل هرعوا إليه يشاركونه أكذوبة الحوار البلقاء !!
إن أهالي دارفور، وحركاتهم المسلحة، ومثقفيهم في مختلف انحاء السودان، وفي الشتات، مدفعون دفعاً بهذه الحكومة الرعناء، ومن يواليها من الاحزاب الإنتهازية، والضعيفة، الى السعي الجاد للإنفصال. فهم يرون أهلهم يقتلوا، وقراهم تحرق، وممتلكاتهم تنهب، ونساءهم تغتصب، والأحزاب التقليدية، التي دعموها منذ نشأتها، تتخلى عنهم، وتبيع قضيتهم بمصالح ضيقة، تغذيها اوهام "الجلابة"، واحلامهم في بقاء السودان، على حاله التقليدي القديم، دون تغير جوهري في الفكر، وفي توازنات تقسيم السلطة والثروة. وإذا تم انفصال دارفور – لا قدر الله- فإن حكومة الاخوان المسلمين، ستقول ان أهالي دارفور هم الذين اختاروا الانفصال، كما زعمت من قبل في أمر الجنوب، بعد ان دفعت الجنوبيين دفعاً، بشتى الممارسات الإجرامية، حتى اختاروا الابتعاد، مهما كلفهم أمر انشاء دولتهم الوليدة من عناء.
ولو كان في حكومة الاخوان المسلمين رجل رشيد، لنصحهم بأن الحل العسكري لن يجدي في مشكلة دارفور، بل لن يحل أي مشكلة في العصر الحاضر .. وإنما قصاراه ان يسوقهم الى طاولة المفاوضات، كما حدث لهم في أمر الجنوب. فبعد ان ملأوا الدنيا ضجيجاً بالجهاد، ووظفوا الإعلام لساحات الفداء، وضللوا البسطاء بان الملائكة يحاربون معهم، وبعد ان افقدوا البلد شبابها، من الجانبين، ومواردها التي وظفوها لشراء السلاح، هزموا في الحرب، واضطروا لأن يعقدوا اتفاقية السلام، التي خلصلوا منها الى تقسيم السودان، وفقدان الجنوب!! وهاهم الآن، يكررون نفس الأخطاء، وبخسائر أكبر في ارواح المواطنين، مما يجعل الواجب الوطني الأول، هو الوقوف في وجههم، والاعتراض على جرائمهم، وازالة نظامهم الباغي، قبل أن يمزق بقية الوطن. ومادامت حكومة الاخوان المسلمين، تشن حروبها ضد الشعب، فليس غريباً ان تفشل عن عمد مفاوضات السلام، في اديس ابابا قبل أيام !! لأنهم يخططون لحملات جنجويد في جبال النوبة، والنيل الأزرق، لن يهزموا فيها الحركة الشعبية، وإنما سيقتلون العزل من المدنيين البسطاء، كما فعلوا الآن في دارفور.
اقد قامت 32 منظمة حقوق انسان، منضوية تحت تجمع يعرف باسم (تجمع مراقبة البشير)، بارسال خطاب الى 15 مكتب للبعثات الدائمة للأمم المتحدة، بالدول الاعضاء في مجلس الأمن، و122 دولة هي أعضاء ميثاق روما، ومما جاء في ذلك الخطاب ( اليوم 4 مارس 2014 يؤرخ الاحتفال بمرور خمسة سنوات على أول مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس البشير. الآن في عامها الحادي عشر، فإن دارفور تعاني من أطول عملية تطهير عرقي في التاريخ ، ومع ذلك فإن البشير قد تهرب من العدالة لنصف عقد من الزمان، وهو لا يزال نشطاً في تكرار فظائعه في دارفور، وفي السودان ككل. منذ عام 2003م حوالي 300000 شخص قتلوا حسب التقارير، آلاف القرى قد دمرت عمداً، وعلى الاقل 3 مليون مدني قد اجبروا على النزوح، في دارفور وحدها. وهناك ملايين اكثر مستهدفة الآن من نظام البشير في جنوب كردفان، والنيل الأزرق، وابيي، وباقي انحاء القطر... إن الفشل في تحميل البشير مسؤوليته ليس له آثار مدمرة في داخل السودان فحسب، ولكنه يبعث بالرسالة الخاطئة، الى قادة مثل الرئيس السوري الأسد وآخرين يرتكبون العنف المتطرف في انحاء العالم-ترجمة الكاتب)
(http:// bashirwatch.org)
إن السيد عمر حسن أحمد البشير، رئيس الجمهورية، أحد رجلين : إما انه موافق على ما يجري الآن في دارفور، من تقتيل للمواطنين الأبرياء، وحرق لقراهم، ونهب لممتلكاتهم، وخطف واغتصاب بناتهم، فيكون قاتل، ومجرم حرب، ومدمر لوطن، وساعي في الأرض بالفساد.. أو أنه لا يوافق على ما حدث، ولا يريده، ولا يرضاه، ولكن الجنجويد خرجوا عن سيطرة حكومته، والحكومة عاجزة عن مواجهتهم، ولا تستطيع ان توقفهم، أو تسترد السلاح منهم، فهو إذاً حاكم ضعيف، خرجت أمور البلاد من يده، وعجز عن ان يسيطر عليها، فلماذا لا يتنازل عن الحكم، ويقابل ربه مخطئاً عاجزاً، بدلاً من ان يقابله مجرماً قاتلاً ؟!
د. عمر القراي
|
|
|
|
|
|