وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 02:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-02-2012, 09:41 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم

    كنت أهمّ بمطالعة أخبار الوطن في موقع "سودانيزأونلاين"، وكان صباحا عاديا من صباحات مدينة سيدني في أستراليا، عندما تسللت زوجتي إلهام إسماعيل، على غير العادة، بحذر تام، حتى إنني لم أشعر مطلقا بوقفتها تلك، وراء الكرسي الذي أجلس عليه قبالة شاشة الكومبيوتر. لم يمضِ سوى نحو الدقيقة، حتى أحسست (في قاع الهوَّة العميقة للضياع) براحة يدها، وهي تربت برفق وحنو بالغين على كتفي، حاملة بذلك عزاء بدا أنها أعدته منذ الساعات الأولى للصباح بقدر عال من "التعاطف"، أو"التفهم". لقد كانت إلهام إسماعيل تدرك بوضوح حزين أن ما بين طيّات الأخبار الواردة في ذلك الصباح أمر سيحدث وقعه دمارا هائلا في نفسي. وقد كان.

    قالت "كنت أعلم". هززت رأسي في صمت. قالت "حال الدنيا وسيف النصر يطلب منك أن تكتب". كانت تظن أنها تمد لي طوق النجاة الملائم في مثل تلك الأحوال. أخيرا، قلت أخاطبها "إذن!، مات أحمد الطيّب عبدالمكرم"، بذات النبرة الحزينة المشبعة بالأسى والملتاعة لرجل يعلم جيّدا أنه بدأ للتو في مغالبة أمر لا طاقة له به، البتة.



    يتبع:
                  

11-02-2012, 09:45 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 25108

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    البركة فيكم يابرنس
    اسأل الله أن يجعل ذكركم له في رضوانه عليه
                  

11-02-2012, 11:20 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: حيدر حسن ميرغني)

    مضى الآن نحو خمس سنوات على آخر مكالمة بيني وبينه، وكان قد سبقها سنوات ممتدة على آخر لقاء عياني لي به عند بداية هذه الألفية في القاهرة، حيث عاد وقتها من الوطن في مهمة قصيرة ما، هو نفسه الذي بذل من قبل الرفض سخيا لمنحة اللجوء إلى أمريكا، مرجحا بذلك العودة طوعا إلى (وطن الجدود). لعله كان يبحث عن تربته. وكنت أثناء هذه السنوات، أوتلك السنوات، ولا أزال منشغلا بأمور حياتية متشعبة، كان من بينها تبعات الرحيل الباهظة من كندا إلى أستراليا، ناهيك عن مواصلة المعافرة في مسودة رواية أنفقت في كتابتها ولا أزال سنوات. كان كلما أوشكت على الوصول، أكتشف أن ما قمت به لم يكن سوى مراوحة دائريّة في المكان، وأنني في الواقع لم أصل إلا بقدر ما يكون الوصول إلى نقطة البداية، لأبدأ عناء إعادة الكتابة مجددا. لكن، ووسط كل هذا وذاك الزحام، كان مجرد الشعور أن أحمد الطيب عبدالمكرم يتنفس في مكان ما بمثابة سبب وجيه آخر لمواصلة الصمود. والآن، الآن الآن، وقد مضى وقت على الفجيعة، أجدني لا أزال أشعر على نحو متزايد باليتم، كما لو أن أبي لم يسبقه في رحلة العبور إلى ضفة لم يعد منها سوى من مات بالصرخة. لكن هذا، لحظة أن أتأمّله ثانية، ليس يتما، بل شعورا كثيفا مقبضا وخانقا تماما أن العالم بعد غيابه صار أكثر وحشة، وأنني بالذات صرت مثقلا بكوابيس الفقد بأكثر مما ينبغي للراسيات أن تحتمل.



    آمين، يا حيدر.
                  

11-02-2012, 12:01 PM

سيف النصر محي الدين
<aسيف النصر محي الدين
تاريخ التسجيل: 04-12-2011
مجموع المشاركات: 8995

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    البركة فيكم يا برنس. جيتك في الظروف دي تمنعنا من اظهار الفرحة اللائقة بها.
                  

11-02-2012, 06:06 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: سيف النصر محي الدين)

    في أثناء تلك المكالمة، وهي مكالمة ثلاثية بيني وبينه وإلهام إسماعيل، بدا وكأن أحمد الطيّب عبدالمكرم، قد أخذ يدرك بحدس باطني مبكر جدا أن قسمة الكلام بيني وبينه تلك المقدرة لنا من قبل الرب في الأعالي خلال هذه الحياة الزائلة توشك أن تنفد، لحظة أن أخذ يخاطب زوجتي إلهام إسماعيل على حين غرة، قائلا "عبدالحميد هذا.. وديعتنا لديك". عيناي تدمعان، الآن. مَن يوصي مَن على مَن ولِمَ الوصايا؟. وفي أثناء المكالمة نفسها، أبدى أحمد سعادته أنني عثرت على رقم هاتفه بعد سنوات من الغياب. كان حريصا على التواصل. وقد أخذت حيرتي تزداد من نبرة الرجاء المتواترة في صوته. كما لو أنه يريد أن تصلني رسالة يعلم هو جيدا أنني لا أريد لها أن تصل. ألا وهي "إقامتي في الحياة أوشكت على النفاد". كانت مياه روحي قد أضحت عكرة وفي مدار لم تعد قادرة فيه على الرؤية من بعد. كان يقول لي بتهذيبه المعهود "لا أسألك أن تهاتفني شهريا، أودوريا، ولكن رجاء أن تفعل كلما أُتيح لك ذلك". وعدته في المقابل على أمر كنت أعلم في قرارة نفسي جيّدا أنني أكثر حرصا عليه منه. وهو ما لم أفعل إلى أن نعاه الناعي أخيرا.



    شكرا، يا سيف، ففقد مثل أحمد لابد أن يشغل الذهن بحسابات عدة: ما الحياة؟.
                  

11-02-2012, 06:51 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    في أحد أيام القاهرة تلك، كنت أقف وراء سور سطح البناية الأسمنتي القصير، على بعد أمتار قليلة من غرفة غاردن سيتي المؤجرة لأحمد، في انتظار خروجه للذهاب إلى مكان ما، وكنت لا أزال أتأمّل تفاصيل العالم على هدى الضوء الأشهب الشحيح للغسق الآخذ في العتمة، عندما تناهى صوت أحمد قريبا مني "أتدري"؟. وأخذ يجيل ناظريه هنا وهناك. تماما، كما لو أنه يقتفي آثار الخطى التي خلفها مسار تأمّلاتي تلك على الأشياء. قال أخيرا كمن يضع لبنة مفقودة تماما في المكان المحدد لها من بناء الأفكار الذي بدأ ينهض في ذهني أثناء تواريه داخل الغرفة "هذا النشاط البشري في مجمله". وصمت. قال "تارة تنظر إليه فتجده خاليا من المعنى، وتارة أخرى يبدو ذا جدوى وغاية". هكذا، كان يحلو لأحمد أحيانا أن يقول إنه لحظة أن يحاورني يشعر كمن يفكر بصوت عال. أجل، كان التقارب بيننا قائما إلى درجة أن الدهشة تتملك كلانا. ولو تأخر أحدنا ثانية لسبقه الآخر إلى نفس الفكرة. ولا أكاد أقول ذات الصياغة. ولعل ذلك، لا يعود إلى تلك الأرضية المشتركة الواسعة على مستوى التردد إلى المنابع المعرفية والتراثية في بعدها الإنساني الشامل فحسب، بل كذلك إلى طبيعة ما يجهد كلانا من محاولة إعتماد منهج عقلاني في النظر والمقاربة ما أمكن. هكذا، في أثناء حواراتنا المتصلة لسنوات، بدا لي جليّا أن أحمد الطيّب عبدالمكرم ظلّت تتنازعه رؤيتان للعالم، وهما رؤيتان أعتقد أنه لم يتخل عنهما معا حتى النهاية، بل لم ير في اجتماعهما ذاك معا تعارضا ثنائيا، أوحتى تناقضا. لقد ظلتا تتعايشان في نفسه مثلما يتعايش الزيت والماء داخل كوب واحد. تلتحمان ولا تمتزجان، وأعني جدوى النشاط البشري وعبثيته في آن. الرؤية الأولى ألهمته بامتياز صفة ذلك "المثقف العضوي" في بعدها الغرامشي، أما الثانية فكانت على ما سبق صفة "القلق الوجودي" التي أبدع كامي في توصيف وتحليل مختلف أبعادها أثناء تناوله لأسطورة سيزيف. وهي سمة ملازمة على أية حال لما كان يطيب لأحمد نفسه أن يسميه "الوعي الشقي".
                  

11-02-2012, 11:58 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    البركة فيكم يا حميد

    الف حمدلله على السلامة وتحياتنا الى إلهام والعيال
                  

11-03-2012, 00:14 AM

طارق جبريل
<aطارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: elsharief)

    جبر الله الكسر يا حبيب


    افتقدناك
                  

11-03-2012, 04:11 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: طارق جبريل)

    ربما للفكرة الأخيرة تحديدا، أولتلك السمة الملازمة للوعي الشقي، يعود سلوك أحمد الطيب المترفع عفيفا ودوما عن الخوض في وحل الصراعات الصغيرة البائسة، على النقيض هنا بمكان من حسن موسى على أصالة طرحه الجارح في كثير من الأحيان. ولعل دافع أحمد يتمثل هنا كذلك في أنه يبحث غالبا عن التيارات الباطنية المنتجة لحركة البؤس لا عن التبديات الهشة لذلك البؤس، وهو ما يضعه قريبا من مهدي عامل الذي يحلو له أن يناقش ظاهرة ما في أعلى تجلياتها وأكثر تبدياتها اكتمالا. وقد أدرك أحمد في هذا المقام أهمية الحياة وقصرها من أن تنفق في ما يسميه أحمد الطيب نفسه بكثير من الأسى "أحزان لا مبرر لها". وأحمد إذ يتعاطف وفق هذا النحو وذاك مع المآل البشري المحكوم سلفا بالفناء أوالعدم، يتحول هو نفسه تدريجيا إلى عنوان وتمثيل حيّ دال على "التسامح" و"المحبة" في آن. ربما لهذا لم ينفك عبدالمكرم يردد على مسامعي، بوصفي "الشقيق الأصغر" حسب توصيفه هو أحيانا للعلاقة القائمة بيننا، لا سيما خلال لحظات الحدة المدمرة في طبعي والتي ظللت أخفيها بلا جدوى تحت ستار كثيف مما يبدو للوهلة الأولى "طيبة يأكل الغنم من راحتها"، قائلا "الحياة معركة لم ينتصر فيها أحد". وأحمد هنا يبدو لي على الأقل ظاهريا على النقيض من صديقي الراحل القدير إبراهيم أصلان، الذي أخذ مسألة "الحياة" بغريزة البقاء، لحظة أن أخذ يخاطب أحد أبناء جيله من الراحلين في سنّ مبكرة، قائلا "ما أعاننا على البقاء (أنت يا مَن هناك) أننا كنّا أكثر قسوة منك وأقلّ طيبة". وعودة إلى عبارة "الحياة معركة لم ينتصر فيها أحد"، إذ ينسبها أحمد إلى الأمريكي وليم سارويان. بدا لي لاحقا أن أحمد الطيب قام مع تقدم الوقت بتحوير تلك العبارة وزحزحتها عن أصلها الصياغي الأول بالرغم من إبقائه على الجوهر. كذلك، بدا لي لاحقا أن الوطأة الثقيلة لخطى الزمن، على ذاكرة أحمد المنهكة بتعب المنفى، قد دفعت به هنا إلى الخلط ما بين سارويان وصاحب المقولة الأصلي، وأعني به مواطنه، ذلك (الأكثر تأثيرا على كتاب القرن العشرين من أمثال ماركيز)، ألا وهو داهية الأساليب السردية صاحب الفخامة "وليم فوكنر". وإذا لم يكن الأمر كذلك، دعنا نقرأ معا، في هذا السياق، أخي أحمد، ما ورد على لسان "كونتن" في مستهلّ الفصل الثاني من (الصخب والعنف)، وبالمناسبة لعل في ما يقوله كونتن تاليا ما ينير لي قليلا الطريق إلى تقبل فكرة موتك:

    "... كانت تلك ساعة جدي، وعندما أهداني إياها أبي قال:

    كونتن، اني أعطيك ضريح الآمال والرغبات كلها. وإنه لمن المناسب إلى حد العذاب أن تستخدمها لتكسب النهاية المنطقية الحمقاء لاختبارات الإنسان جميعها، وهي التي لن تنسجم وحاجاتك الشخصية أكثر مما انسجمت وحاجات جدك أوأبيه. إني أعطيك إياها لا لكي تذكر الزمن، بل لكي تنساه بين آونة وأخرى، فلا تنفق كل ما لك من نَفَس محاولا أن تقهر الزمن لأن ما من معركة ربحها أحد، قال أبي. لا بل ما من معركة حارب فيها أحد، فالميدان، لا يكشف للمرء إلا عن حماقته ويأسه، وما النصر إلا وهم من أوهام الفلاسفة والمجانين".
                  

11-03-2012, 07:29 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    على سطح بناية غاردن سيتي نفسها، ثمة موقف حدث، لا أزال أذكر تفاصيله، حتى لحظة الكتابة هذه، بشيء من الابتسام. كان عبداللطيف علي الفكي قد أقبل وقتها، قادما من ليبيا في طريقه إلى ماليزيا، وقد حلّ ضيفا على أحمد. بدا لي مدهشا تماما أن أرى عبداللطيف وهو يعامل مخطوطاته بقدر كبير من الحنان والمحبة. وهو الأمر الذي شمل بتعدد ألوان أقلامه وجمال خطوطه حتى ترجمته لكتاب رولان بارت الضخم "خطاب العاشق". عبداللطيف يأخذ مسألة الكتابة بقوة. وهو إلى ذلك يفيض فكاهة إذا كان المكان ضاجا بحميمية وصدق الآخر. عبداللطيف ينكمش إزاء الخواء. ويصفو أكثر إذا تحدث عن ثلاثة: والدته، ابنه علاوي، ومحمد عبدالحيّ. وفي ذلك المساء، حلّ على سهرة أحمد صلاح الزين ويحيى فضل الله وخطاب حسن أحمد وغيرهم. لكنني وصلت في اللحظة التي أخذ فيها الجميع في المغادرة. ولم يتبق في الأخير سواي وعبداللطيف وأحمد. كانا يتهيآن لمغادرة السطوح ودخول الغرفة استعدادا للنوم، عندما دفع بي الشيطان الرجيم نفسه إلى النظر من فوق حاجز السطوح الأسمنتي القصير إلى أسفل، حيث توجد بلكونة شقة زميلنا الصحفي "مزمل"، وصادف أن رأيت هناك واحدا من أكثر شخصيات القاهرة في تلك الأيام إزعاجا وثرثرة. صوته عال، عيناه زائغتان لا تستقران على حال، ويقفز خطفا من حديث لآخر بلا ترابط. هكذا، ما إن ألقيت عليه تحية الإسلام، حتى غادر شقة مزمل وصعد تلك السلالم القليلة لملاقاتنا في الأعلى. وبدأ الكلام. ولما كنت مرهقا، افترشت أرض الغرفة، تاركا السرير والكنبة وطبعا الثرثار لعبداللطيف وأحمد. ثم أصبح الصبح، وما إن استيقظت مشبعا براحة النوم، حتى تناهى لي صوتهما فوق رأسي. كانا جالسين ينظران إليَّ في رقدتي تلك. عبداللطيف في صمت مشحون بالكلام. وأحمد يواصل الضحك، وهو يشير إليَّ بالسبابة قائلا "سواها ولا يخاف عقباها". لقد وضح لي جليّا أن الثرثار لدماثتهما الجمة لم يتركهما إلا بعد شروق الشمس، أوقبله بقليل.
                  

11-03-2012, 10:15 AM

الرفاعي عبدالعاطي حجر
<aالرفاعي عبدالعاطي حجر
تاريخ التسجيل: 04-27-2005
مجموع المشاركات: 14684

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    البركة فيكم واحسن الله العزاء .









    ...........................................حجر.
                  

11-03-2012, 03:26 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: الرفاعي عبدالعاطي حجر)

    هكذا، كما في شقة ميدان هارون بمصر الجديدة، بدا حضورنا العابر، على سطح البنايات، بمثابة أجنحة ملائمة، في كثير من الأحيان، لاستخلاص ما هو جوهري من ركام ما هو يوميّ تارة، ولرؤية الأشياء على نحو مختلف تارة أخرى. هكذا، كان أحمد الطيّب يعشق وجود (أفق) أثناء كتابة شيء ما. الأفق!، ذلك الفراغ، أوالمنظر الجميل، أوالامتداد الواسع للفضاء أمام نافذة مشرعة حيث يوجد كاتب ما يتأمّل في تفاصيل العالم من وراء مكتب بينما يحترق صدره بدخان سيجارة ما. حسنا، كنت أجادل أحمد هنا في أهمية الأفق أثناء الكتابة، زاعما كنصّاب ولا بد أن الأفق يوجد في داخلي. ولعل ما عضّد مسألة الولع بالرؤية المغايرة للعالم في نفس أحمد، كما في نفسي كذلك لاحقا، ذلك الطفل الكبير المشاغب، الحزين بنبل، المتسق قولا وفعلا، الثوريّ بلا منازع، مصنع الأحلام ذو الورديات الثلاث، المميز بنبرة صوته بدءا ومنتهى، وأعني بشّار الكتبي.


    الشريف، رحم الله أحمد، التحايا وصلت وأتتك عائدة بعشر أمثالها.
                  

11-03-2012, 04:25 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان بشّار الكتبي، إذ حلّ أخا في تلك الشقة المشتركة، أقبل لتوّه من ليبيا، وقد شمله على ما بدا إعياء كونيّ "من قمة رأسه حتى أخمص قدميه". ومع ذلك، بدا لي بشّار الكتبي، الذي قضى وقتها سرطان القضايا العامة على الحيّز الخاص في دواخله أويكاد، عنيدا.. مشاكسا.. مستعدا للصدام في أية لحظة. ولعل ذلك وسم حتى تلك اللحظات المتاحة للمزاح: "كيف أحترق بالعرقي هنا، بينما التيجاني الطيب يتمتع بالويسكي، على الجانب الآخر من المدينة"؟!. لكنّ نبرة بشار ظلّتْ تنطوي في كثير من الأحيان على ذلك الوقع الخفيّ المسالم الذي يستبطن عادة ما يمكن تسميته "تصريحات عنيفة لبطل معتزل". وإذا جلس بشار ساكنا، منطويا على نفسه، محدّقا في الفراغ، كنت تحسّ بلهب البراكين تتفجر في شرايينه بلا صوت، في عينيه تطل للداخل أكثر مما للخارج معارك وبطولات غير مرئيّة أومؤجلة أوجار تحويلها ل"الأجيال القادمة"، أطرافه تتحرك في ثباتها توثبا كما لو أن المرء بحاجة أخرى لقرن آخر لتحقيق تلك الأحلام وما أضيق الحياة أوالعالم. ومن هناك، إذا أصغى المرء جيّدا، ومن هناك، من أعماق قلبه، كانت تتناهى بحماس منقطع النظير، تلك الأغنيات الثوريّة الممجدة للحرية، تماما كتراتيل موَّقعة تخطو صوب آذان لا تريد في العادة أن تسمعها.
                  

11-03-2012, 05:10 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    ربما لهذا وذاك، كان أحمد الطيّب عبدالمكرم، يعجب بأمر غريب يدعى "الضباب"، بل يفتتن به، بالدهشة التي اعتبرها أرسطو مفتاحا للمعرفة. كنّا وقتها نستأجر شقتين صغيرتين منفصلتين، على جانبي فيلا قديمة، بمنطقة الهرم بغربي القاهرة. كانت ملكيتها تعود إلى ما ظللنا نسميه "عمّي إبراهيم". أحد خريجي جامعة القاهرة خلال خمسينيات القرن الماضي. لم يكن لديه على ما بدا ليفعله، وهو الموظف بالمعاش، سوى العناية دوريا بمقبرة عائلته في صعيدي مصر، ثم ولا ريب العناية بأمر الشقتين المستأجرتين. كان بعد رحيلي إلى منطقة المنيل دائم التردد على أحمد، مشددا عليه أثناء ذلك أن يغلق باب الشقة جيّدا بعد خروجه، قائلا في كل مرة "الحرامي ما تسهلوش المهمة بتاعتو". كان ما يبهج أحمد هنا يتمثل في ما تنطوي عليه تلك العبارة المصرية الدارجة من دلالات متجاوزة لمراميها المباشرة. إنه يطرب كثيرا للرمز أوالعلامة.
    في ذلك الصباح، والمركبة العامة تعبر كوبري قصر النيل، شاقة طريقها صوب ميدان التحرير، تناهى صوت أحمد الطيّب عبدالمكرم، على حين غرة، بذلك الفرح الطفولي المشع، قائلا "يا سلام!!!... الضباب"!!!!. وأخذت أنظر مندهشا لحماسه المباغت ذاك إلى مرمى نظرته على الجانب الآخر من النيل، وكان ذهني منشغلا في تلك اللحظة بشطائر الكبدة المتبلة على جانب من شارع القصر العيني، فإذا البنايات العالية تلك مغلفة جميعها بالفعل بالضباب، تبين ولا تبين. وكمن أدرك حيرتي تلك، قال "كيف ياخ؟!!، الضباب يغيّر ملامح الأشياء". حسنا، يا أصدقائي وصديقاتي، ليأكلني الشيطان، ثم ليرمي بما تبقى من عظامي في بيت النمل الأبيض، لو أنني كنت أشعر قبلها عميقا بالوجود الساحر في غموضه لذلك المدعو "الضباب". ومن هنا، من هنا تحديدا، تتكشف شخصية أحمد عن تلك المرونة العالية في النظر إلى الناس والأفكار والأشياء، بوصفها كائنات أوموجودات أوتصورات ذات منحى حراكيّ، مراوغ، ومتغير في آن، وهذا لعمري هو بعينه الشك الخلّاق مقابل تلك المقولات التي ظلت تنظر إلى هذه المعرفة أوتلك كثوابت أزليّة، وقد قيل "الحقيقة تبدو ولا تبين".


    ود جبريل، عزاء أحمد موصول للجميع، أتابع جهودك لأجل الفيتوري بمحبة، تحياتي لك وله وللجميع.
                  

11-03-2012, 10:23 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    صاحب قصة (السرة ولعنة الوحل) بنيويّا تكوينيّا:












    البركة في الجميع، أخي حجر.
                  

11-03-2012, 10:53 PM

صلاح شعيب
<aصلاح شعيب
تاريخ التسجيل: 04-24-2005
مجموع المشاركات: 2954

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    أخونا عبد الحميد البرنس
    بارك الله فيك على هذا الوفاء، ورحم الله أحمد الطيب عبدالمكرم
    وكان هو جزء من تاريخنا الذي تسجل في القاهرة..وما زلت أذكرك جيدا وأنت
    مشغولا بمزاورة أركان الثقافة والفكر ومركز الدراسات تحمل صمتك وكتبك، وكأني ألمحك تضمها بين أبطيك ثم تتحدث
    عن الأدب. كانت تلك أيام بحجم القرنفل إستزدنا فيها من قاهرة المعز وصحبة أحمد عبد المكرم الانسان الشفيف.
    أعزيك يا حبيب وواصل في الكتابة..وبالأمس كنت أشاغل صديقنا بكري جابر الذي جمعتنا الأيام في القاهرة
    وطالبته ألا يتوقف عن الكتابة..كانت شلتنا تلك أجمل مما تصورنا وقتها. أين إبراهيم سلوم، واين أحمد اب نعوف..ومصطفى كبير
    ومحمد أبوسن، وعبد المنعم عجب الفيا..وغيرهم. لك ولنا العزء وليرحم الله أحمد الطيب والمكرم عندك.
                  

11-03-2012, 11:21 PM

Bushra Elfadil
<aBushra Elfadil
تاريخ التسجيل: 06-05-2002
مجموع المشاركات: 5252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: صلاح شعيب)

    يا عبد الحميد
    أعزيك واعزي عادل القصاص وصلاح شعيب وكل أصحابكم وكل من عرف أحمد الطيب عبدالمكرم
    هذا الهامس الضاج الدواخل . فقده فقده هائل. تراسلنا في شهوره الأخيرة قبل أن تتوقف أجراس الحرية واستكتبني فيها لثلاث أسابيع
                  

11-04-2012, 03:52 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: صلاح شعيب)

    كانت رعدة شملتني ليلة أمس، لحظة أن خطر لي أن أحدهم ربما شارك في هذا البوست ورسم صورة ما عني شخصيا، تماما مثلما أفعل هنا مع مكرم وصحبه، وها أنت تريني صورة متوارية عني شخصيا خلف هذا الركام من التجارب والنسيان. يا للسنوات، يا صلاح!.
                  

11-04-2012, 04:42 AM

Rawia
<aRawia
تاريخ التسجيل: 11-23-2002
مجموع المشاركات: 8396

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    عبدالحميد ربنا يخفف عنك وعننا حزننا على مكرم
                  

11-04-2012, 05:16 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: Rawia)

    أحمد الطيّب عبدالمكرم، على المستوى الثقافيّ، ناقد حصيف حاذق واسع الاطلاع، وهو (كما أعتبره) ساهم، عبر منتوجه المنجز، مع آخرين مثل عجب الفيا ومعاوية البلال وأسامة الخواض وعبداللطيف علي الفكي وأحمد ضحية ولمياء شمت وغيرهم، في إنقاذ الرؤية إلى الأعمال الإبداعية أوالأدبية (خاصّة) من براثن الوقوع التاريخيّ بين فكيّ النقدين الآيديولوجي والانطباعي. وعلى الرغم من غنى أدواته، إلا إنه تمّ استهلاكه في واقع فقير على نطاق واسع، وغالبا بلا رحمة، ((سواء)) على مستوى المقابل المادي لقاء نشاطه في مجال الصحافة الثقافية.. وقد كان يسرّ لي في القاهرة موضحا أن هاجسه المركزيّ يتمثل في كيفية تأمين قيمة الإيجار الشهريّ لمرقده (على بؤسه غالبا). هنا، أذكر بوضوح حزين تلك الأفراح الصغيرة التي ظلّت تغمر وجهه كلما توافر لنا شيء من لحوم البقر أوالدجاج. وقد كان طباخا ماهرا في حدود القليل المتاح. طباخ صقلته عيشة الغرباء المتوحدين، إلى درجة التبجح الحميد من شاكلة "كيف تصنع طبقا شهيّا"، بينما يكرر تلك اللازمة "إتَّ (هكذا كان ينطق (أنت) كسوداني قح) قايل الطبيخ دا شنو؟!. ما تجريب". ويضحك، أويبتسم، قبل أن ينتقل بسلاسة، وقد فرغ من (تقليب الحلة للتو)، إلى مواصلة الحديث كما يحدث كثيرا عن أحد أصدقائنا المعتمدين مثل هربرت ماركوز، أوفرانتز فانون، وغيرهما... أو((سواء)) على مستوى استغلال حبّه غير المشروط لكل ما هو سوداني، أويمتّ إلى السودان بصلة ما، حتى ولو اتسم هذا (السوداني) بالقشريّة أوالزيف أوانعدام الأصالة مطلقا. وكنت دائم التحذير له هنا من خطر الوقوع في فخ تبديد الطاقة أوالجهد في واقع سمته العام التخلف. إذ يجد المثقف نفسه ملزما في كثير من الأحيان على الحديث في كل شيء وعن كل شيء نائيا بذلك عن أهم ما يميز روح العصر: التخصص.

    وعلى الرغم من أن أحمد الطيّب عبدالمكرم توقف عن كتابة القصة، إلا أن منجز أحمد النقديّ، على قلّته قياسا لحجم إمكانياته الفعليّة، يكشف عن كون أنه عمل مشبع بالمحبة والصبر والتفهم وبالكثير من الألمعية. كناقد، برهن أحمد على سعة اطلاعه والمام دقيق بمختلف مراحل وتقلبات المشهد السرديّ في السودان على وجه التخصص. وهنا، أجده عن حق من أميز أولئك النقاد الذين اعتمدوا البنيويّة التكوينيّة في مقاربة النصوص الإبداعيّة. إذ له فهم عميق وحصيف بمقولات جورج لوكاتش ولوسيان غولدمان. لقد اختبر أحمد عمل ذلك المنهج، بمفاهيمه ومقولاته الأساسية مثل "الجوهري" و"الوعي الكائن" و"الوعي الممكن" و"الرؤيا للعالم" و"ماذا قال النصّ وكيف قال ذلك"، ب"تمهر مكين"، على حد تعبير الناقدة الحصيفة لمياء شمّت. ومنطلقا من واقعة كون العمل الأدبي تمثيلا نوعيّا لرؤية جماعيّة، على الرغم من أن انجازه في الأخير يتمّ بجهد فرديّ خالص، بحث أحمد ونقّب كاشفا بذلك وعلى وجه الخصوص عن تجليات ما يسميه هو ""أسئلة الهويّة"، بوصفها المفتاح الأساس لمقاربة واقع الأزمة الشاملة في بلد مثل السودان بالغ التعدد والتنوع العرقيّ والثقافيّ، واصفا هنا ومحللا مسارات تلك الأسئلة وتمثيلاتها الإبداعيّة في أعمال كبار كاتباتنا وكتابنا مثل ملكة الدار محمّد والطيب صالح وإبراهيم إسحق.
                  

11-04-2012, 07:17 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    السارد القدير بشرى:

    قرأت مداخلاتك بشأن أحمد أخيرا في غير مكان. وهي المداخلات الوحيدة من بين ما قرأت أعلمتني أن رحيله كان اقتلاعا من حياة أحبها بقوة. إذ تمكن منه ذلك الداء الخبيث. لا أدهش أكثر لا سيما لحظة أن ارى تلك الصورة التي جمعته مع النعمان قبل شهرين تقريبا من وفاته. كان واضحا وصول الداء على تلك الملامح لو لا أن أجراس الخطر لدينا معطلة منذ الميلاد. لا أدهش أكثر أن أحمد ظلّ على ما بدا حاملا الداء متحاملا على نفسه إلى أن غدا واسع الانتشار. كما لو أن أحمد لم يهب الموت سوى أسبوعين. ولما بحث عن أخبار موته في "اليوتوب"، ورأيته ابن الأنثى نفسه "محمولا على آلة حدباء"، بدأت أدرك كل شيء ولا شيء في آن.
                  

11-04-2012, 08:17 AM

ميسرة سيد أحمد
<aميسرة سيد أحمد
تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 3175

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    جبر الله كسركم أخي عبدالحميد البرنس
    عودتك للكتابة أثلجت صدورنا ولكن حزنكم

    على فراق أحمد عبدالمكرم أوقفنا كثيراً

    لك منا ألف تحية وللمدام والأولاد
    وتغمد الله الفقيد بواسع رحمته ،،،
                  

11-04-2012, 11:41 AM

Amin Mahmoud Zorba
<aAmin Mahmoud Zorba
تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 4578

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: ميسرة سيد أحمد)



    قل يامتسع سعه برحمتك


    ....

    وسعنابلطف صبرك
                  

11-04-2012, 11:47 AM

محمد سنى دفع الله
<aمحمد سنى دفع الله
تاريخ التسجيل: 12-10-2005
مجموع المشاركات: 10986

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: Amin Mahmoud Zorba)

    اكتب وامسح احزاننا
    واكتب واغسل احزانك
    كان المنى ان نلتقي في ظرف غير هذا الظرف الكئيب
    خفوت يا برنس خفوت
    لك حار التعازي ولاحمد الرحمة والمغفرة وجنة عرضها السماوات والارض
                  

11-04-2012, 02:34 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: محمد سنى دفع الله)

    البركة فيكم في عزيزنا عبدالمكرم عليه الرحمة
    ربنا يصبركم علي الفقد الكبير .
    حال الدنيا يا عبدالحميد
    ..
    تحياتي لك والأسرة الكريمة
                  

11-04-2012, 06:18 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: Osman Musa)

    آمين، يا راوية.
                  

11-04-2012, 08:57 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    هنا كتابة قديمة، تعود إلى الثلث الأول من العام 2005، وأعتقد أن أحمد اطلع عليها:

    Quote: حين عثرت عليه مصادفة ذلك النهار القاهري.. بدا وكأني عثرت على شيء غال فقدته منذ زمان بعيد.. شيء ذو مسحة إنسانية خالصة!.



    آنذاك طرقت باب صحيفة الخرطوم لأول مرة. سألت عن المحرر الثقافي. أشار أحدهم إلى أحمد عبدالمكرم الذي دعاني إلى الجلوس قبالته. أعطيته الأوراق كي تقدمني إليه. كان بالإمكان سماع الضجيج المتناهي إلى الطابق الثامن من أسفل البناية. وكذلك الصوت المكتوم لكوب الشاي يضعه الساعي أمامي. قبل أن يمضي إلى غايته في هدوء.



    عندما بدأ وراء مكتبه في قراءة تلك الأوراق.. أخذت بدوري أتطلع إلى صفحة وجهه يطل منها فرح غامض.. كانت ملامحه طفولية تماما.. مع أني قدرت أن الرجل يقترب من الأربعين سعيا.



    كان ذلك بحق مثيرا للدهشة:

    أن تحتفظ بالبراءة إلى هذا الوقت!.




    ثمة شيء آخر مثير للدهشة..... اكتشفته في شخصية أحمد مع رصانته المعرفية ومرور الوقت:

    أن له قدرة لا نهائية على احتمال الابتذال أو التعايش معه كصديق !.







    نواصل الرحلة مع أحمد.
                  

11-04-2012, 10:07 PM

Muna Khugali
<aMuna Khugali
تاريخ التسجيل: 11-27-2004
مجموع المشاركات: 22503

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    وكنت أمني النفس برجوعك وهومي الي المنبر ليرجع معكم بعض من زمن صدق نشتاق له!

    البركة فيك وفي كل من احب أحمد الطيب عبد المكرم..

    .........
    .........

    أرجو أن تبقي معنا وأن لا تذهب..
    فلا الأحزان تنتهي ولا مشاغل الحياة لها حدود تقف عندها..
    ألا أننا نستطيع معا أن نخفف من أوجاع قلوبنا..
                  

11-04-2012, 11:08 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: Muna Khugali)

    ميسرة الزعيم: الفقد واحد، أشكرك، معلنا أنني اتابعكم في بوست "الزقازيق" كلما أُتيح لي، بصمت ومحبة. تحياتنا كذلك للأخت العزيزة منى والعيال ولك.


    Quote: شأن الأشياء الجميلة أحيانا.. تحل للوهلة الأولى خائفة مرتعشة مذعورة.. وهي تدلف إلى وجود بائس أدمن رؤية القبح طويلا.. هبط أحمد عبد المكرم إلى مصر في أحد فنادق العتبة الرخيصة حقا.

    وقتها أقبل من ليبيا فقيرا بائسا.. لا يسنده سوى ثراء إنساني.. قدرة على كتابة رصينة.. وأمل في حياة تسمح بفتح كوة للتفكير أو التأمل.

    هناك.. في ذلك المكان المقبض.. عثر عليهم مصادفة.. "كيد مدت خلال الموج لغريق".. كانوا من ملح الأرض.. تجار شنطة صغار.. قدموا للتو من الوطن بأحلام كبيرة ووسائل محدودة.. بادلهم حبا بحب.. فأطلقوا عليه بمرور الوقت لقب "الأستاذ".

    هكذا.. حين يعود ليلا من احدى الندوات بمعدة خاوية ورأس أثقلها حوار حزين أثناء الطريق مع معاوية نور أوألتوسير أوملكة الدار محمد أو وليم سارويان.. كان يجد إلى جانب سريره بعض طعام اقتسموه له.. وكلمات صادرة من قلوب طيبة: "كيفك الليلة يا أستاذ".

    كنا نجلس في العراء أمام شقة السطح المؤجرة في "مصر الجديدة".. القمر يسبغ على الأشياء لمسة مخملية ناعمة.. نسائم طرية تزيل رهق النهار اللافح شيئا فشيئا.. كان كل شيء يدعو للبهجة.. لدينا لحمة محمرة على الصاج.. أفراح صغيرة على المنضدة.. وذكرى تجار الشنطة البعيدة البعيدة.

    كان بعضهم يحلم بزواج من بنت "كلما قلت لها شيئا تضحك".. كان بعضهم الآخر يهمس في أذن "الأستاذ".. قائلا بين جدران الفندق الخانقة إن له أمنية أن تلمس أمه بيديها شباك الرسول.. لكن أغلبهم كان يسهم في البعيد.. راجيا من الله بكل جوارحه ألا يضع في طريقه أحد رجال الجمارك الأشقياء!.
                  

11-04-2012, 11:29 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    آمين، يا زوربا.


    Quote: "هذه أحزان لا مبرر لها".

    تلك لازمة أحمد عبدالمكرم خلال المواقف الأكثر حلكة.

    لا ينفعل. ولا يطلب ثأرا. إذ يضع بصمته على الأحداث السيئة وفق ذلك النحو البارد.. يجردها من بعدها اليومي.. واضعا إياها داخل مفهوم ما يلامس حركة مجتمع بكامله.


    هكذا لم تكن تشغله في العادة التفاصيل الصغيرة لحياة البشر الفانية. ربما لهذا لم يستمر (أحمد الناقد الفذ) في كتابة القصة طويلا. وهو هنا عكس القاص صلاح الزين صاحب الفضول الجميل الذي يحاول أحيانا أن يتوغل بجدية مدهشة في شخصية شعرة ساقطة على مبولة في حمام عام.

    لذا كان يحلو لي خلال فترات السكن معا أن أشاكس ذهنه ببعض موضوعات الكتابة القصصية.. كنت أضيف إلى ذلك الكثير من الخيال الجامح.. حتى أني أدعيت مرة أن لي علاقة وثيقة الصلة مع شجرة الكافور العتيقة أمام البناية المجاورة.. وأن هذه العلاقة لا تتم إلا عبر نافذة إحدى الجارات.. أحمد في كل مرة كان يردد وهو يضحك ماسحا دموعه: والله يا عبد الحميد يا أخي!.

    بيد أن أجهزته النقدية بدأت تأخذ منحى أكثر جدية.. حين طالع ذلك الجنون.. كعالم ذي ملامح منطقية.. عبر نصي القصصي غير المنشور (زاوية لرجل وحيد في بناية).. إن الخيال يعمل دائما على ثراء الواقع وتوسيع أبعاده المحدودة.

    لقد كان ذهنه ينصرف غالبا إلى هناك. بالتحديد إلى تاريخ أو واقع المشهد الثقافي في السودان. ها أنت تراه يبحر بأسى في الأيام القصيرة لمعاوية محمد نور. لكأنهما صديقان حميمان. غاب أحدهما. وظل الآخر يقلب في صناديق الإرث الجميل بأصابع ماهرة ذات لمسة مستقبلية ما.. لمسة أعقبها أنا برثاء العقاد لمعاوية:

    بكائي على ذاك الشباب الذي ذوى
    وأغصانه تختال في الروض نامية
    تبينت فيه الخلد يوم رأيته
    وما بان لي أن المنية دانية

    لكن أحمد لا يلبث أن يتناول عمل صديق آخر يتنفس هواء المنفى في ليبيا. هكذا حين يحضر عبداللطيف علي الفكي إلى القاهرة.. تكون لديك الأرضية الملائمة لنقاش حول ترجمته الرائعة لكتاب رولان بارت الضخم " خطاب العاشق".

    هكذا هكذا..

    هكذا يتحدث أحمد عن أولئك المفكرين والمبدعين على نحو يجعلك تجالس القاص الأمريكي وليم سارويان في حانة معتمة.. أو لكأنك من بين شهود العيان لهيئة فانون وهو يقدم إستقالته مديرا لمستشفى بليدة في الجزائر قبل أن يلتحق بصفوف الثوار.. أو لكأنك ترى الضعف الذي أصاب والد كازنتزاكي وهو يستند بثقله كله على ظهر باب الحوش بعد أن رأى ابنه بعد غياب طويل فجأة.

    لقد كان "التفكير".. كرؤية نقدية للعالم.. هو المفتاح الأساسي لفهم شخصية أحمد عبدالمكرم. حتى أنه كان يرى الصداقة مواصلة للتفكير بصوت عال. وذلك في تصوري يعكس أعلى أشكال التواصل الإنساني.. أن يصير وجود الآخر مكونا أصيلا ضمن مكونات أخرى في نسيج بنائك الروحي.

    لكن أحمد عبدالمكرم بدا خائفا خلال ذلك النهار القاهري البعيد.

    آنذاك دعينا لوليمة غذاء في بيت عم الصديق السمؤال أبوسن في المهندسين. كنا نسير في اتجاه تلك الشقة. وقد غادرنا للتو مركبة عامة.

    كان أحمد يتكلم عن جماليات المكان ل(باشلار). كنت أنصت إليه وفي نفسي حنين إلى (وجه فتاة من بيونس إيرس لا يريد أن يتذكرني). هكذا كانت نجواي الداخلية تمر لسبب ما عبر رثاء بورخيس لبورخيس. فجأة أخذ صوته هيئة صفقة تتكسر تحت قدم ثقيلة في خريف جاف. قلت له:ماذا. أشار بعينيه إلى عربة ذات لون نبيتي تسير ببطء على نحو يكاد أن يلامسنا.

    كان داخل العربة رجلان بنظارات شمسية. وفي مقاعدها الخلفية ثمة سلاح نصف آلي. كان واضحا أنهما ضابطا أمن. كان عنف الجماعات المصرية المتأجج وقتها ذا صلات بأحداث المشروع الحضاري في السودان. أوضحنا لهما وجهتنا بيد أني عاتبت أحمد بعيد ذلك مباشرة على كل ذلك الرعب الذي أطل من عينيه العسليتين على نحو كاد أن يقول خذوني.

    وأخذ يتلفت حوله.

    كانت العربة قد اختفت في مكان ما وراء أشجار البنسوانا التي أخذت تفقد أوراقها وزهورها الحمراء منذ فترة. بينما بدت أفكاره حول جماليات المكان عاجزة عن السير أكثر.. وهي تنطفيء واحدة واحدة مثل أنوار قصر كبير آخر الليل.

    أحمد حكى لي بعيد ذلك أنه فعل الشيء نفسه في مقهى "علي بابا" المطل على ميدان التحرير. وكادت أن تحدث كارثة حقيقية..

    في ذلك النهار ذهب في صحبة الكاتب يحيى فضل الله القادم للتو من السودان ليجريان حوارا حول تجربته الإبداعية. لم يلبثا سوى دقائق حتى دلف نفر من ضباط الشرطة اتخذ مجلسه إلى مائدة تقع إلى الجوار. ارتباك أحمد الذي عانى تجارب قاسية مع الأمن الليبي دفعه إلى القيام ومخاطبة أولئك الضباط بأدبه المعهود موضحا على نحو أثار حيرتهم أنه يجري فقط حوارا مع كاتب سوداني لصحيفة الخرطوم.

    كان ذلك مبررا كافيا لينال أحمد في أعقاب ذلك دشا باردا من التأنيب جاء هذه المرة من الساقي "علاء" الذي تدرب على فتح زجاجات "ستيلا" ببراعة. "يا بيه إنت مالك.. يا عمي في حد سألك م الأول ولا حاجة.. دا إنت في حمايتي هنا". علاء كان يبالغ قليلا. لكنها بدت فرصة ملائمة لرسم بطولة أمام خوف بدا مطلقا.

    تلك صورة بشرية أخرى لأحمد.. صورة كائن غريب في عالم بلا منطق.. كائن يبحث في الكتابة عن وطن آمن.. عن خلاص من إرث روحي بالغ الثقل!.





    للحديث عن عبدالمكرم بقية.


    وجوه من رحلة التعب
                  

11-05-2012, 04:38 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    أجل، أخي المبدع محمد السني، كان المنى أن نلتقي في ظرف آخر، لكنّ هذا ظرفنا الذي وصفته أنت بالخفوت الخفوت. كما لو أن الفجر يعقب أشد درجات الليل حلكة. وغسيل الحزن لا يذكرني في هذا المقام سوى بأحمد. كان يغسل الآحزان من نفوس الآخرين تماما كما يتنفس. أذكر هنا اللقاء التالي لي به مباشرة. ولم يمضِ على لقائي الأول به ذاك في صحيفة الخرطوم سوى أيام قليلة. واصلنا الحديث حول تلك الأمور الثقافية العامة. لم نتطرق أبدا إلى أمر خاصّ من شاكلة "كيف تعيش في هذه المدينة القاهرة كحديثِ عهد بالتخرج من الجامعة". ولما هممت بوداعه، قال لي لحظة، وذهب وأحضر عدد ذلك اليوم من الصحيفة. وهناك، عند الباب، أعطاني العدد ومعه ورقة من فئة العشرة جنيهات بدت كما لو أنها خرجت من مصنع صك النقود للتو. وقال بذلك الفيض الإنسانيّ الغامر "لا تتكلم". كنت أسير بعدها في الشارع شاعرا بجمال هذا العالم المترع بالإخاء.
                  

11-05-2012, 07:37 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22495

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    أحسن الله عزاءكم أخي البرنس وغفر له

    تحياتي لك وللأسرة الكريمة
    رغم إنقطاعنا عنك عبر هذا العالم الأسفيري، إلا ما خطته أناملكم هنا نختلس نظرات القراءة من حين لآخر

    دمتم
                  

11-05-2012, 09:46 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: ابو جهينة)

    هي حال الدنيا، يا عثمان. التحية لك وللأسرة الكريمة.


    Quote: عبد المكرم.. رحيل النص الباذخ


    د. وجدي كامل-السودان

    بنهاية سبعينيات القرن الماضي كنا صبية نسحب أقداماً من ندوة إلى معرض، ومن نقاش ثقافي بجامعة إلى فيلم نوعي بمركز ثقافي أجنبي أو بنادي السينما بمصلحة الثقافة.

    كانت الخرطوم تنسج غيوماً من الأفكار الطليعية الطموحة بمزاحمة من جيل جديد أطلق عليه التشكيلي عبدالله بولا فيما بعد (جيل الأولاد أبات مخلايات ).

    كنا نتوق إلى ملمح سياسي وواقع اجتماعي مختلف ومتجاوز بتصديرنا لعلامات تميزنا في الملبس والشكل والكلام، ننوع قراءاتنا ونعمق مصادرنا المعلوماتية وننتشر في كل حدب وصوب دونما تردد أو مخافة لشيء.

    أحمد الطيب عبد المكرم كان واحداً منا، غير أنه كان أكثرنا للاستماع والانزواء والتأمل وامتصاص انفجاراتنا اليومية أحياناً.

    شاب فارع الطول، نحيف البنية، يتدفق محبة، يحرسه أدب، ويحيطه أتزان، وتقوده طيبة يدخل بها دون استئذان إلى قلوب الجميع.

    كان أحمد يعمل فنياً آنذاك بكلية الطب بجامعة الخرطوم. بسيطاً في جملته، عميقاً في فكرته عبر مجموعة من التجارب القصصية التي قرأناها له. عرفني عليه محمد مصطفى الأمين الناقد السينمائي ومعه القاص عادل القصاص عندما زاراني بمنزلنا بالخرطوم بحري ذات مساء.

    ست سنوات قضيتها في دراسة السينما بموسكو، ولكني كنت أحرص على أن التقيه كل ما عدت في إجازة سنوية إلى الخرطوم. كنت ألاحظ أن أحمد بدأ يتجه إلى الكتابات النقدية ويهتم برواد الرواية والقصة القصيرة السودانية، مستعيناً في ذلك باستيعاب عميق لكافة مناهج النقد الأدبي الحديث.

    شارك أحمد ومنذ تلك الأيام بكثافة ونشاط بائن في سائر الفعاليات الثقافية والحوارات اليومية التي قادها أبناء جيله من الشباب ومن أهمهم أسامة الخواض وبشرى الفاضل وعبداللطيف علي الفكي ومحمد خلف والسر السيد، الذين تمكنوا بتحالف مع الجيل الذي سبقهم، وفي مقدمته كمال الجزولي ومحمد المهدي بشرى وعلي المك وشيوخ مثل جمال محمد أحمد من تأسيس اتحاد الكتاب السودانيين وافتتاح مقر له بمنطقة المقرن. رحل عبد المكرم إلى ليبيا لفترة عمل فيها بمكتب صحيفة العرب التي كانت تصدر من لندن،ثم إلى القاهرة، إلى صحيفة الخرطوم وأضحى المحرر الثقافي لها في مهجرها.

    عبر عموده فضاءات ويوميات النشر الثقافي التقى صديقنا، وصادق، وعاشر عن قرب، وعرف عن كثب، مجاميع من الأسماء الثقافية الهامة التي استضافتها القاهرة في تسعينيات القرن الماضي فكتب عنهم ونشر لهم وحاور من حاور منهم. ويمكن وصف الصفحة الثقافية اليومية والملف الأسبوعي لصحيفة الخرطوم وقتها بأنه من أميز خزانات الكتابة الثقافية للسودانيين في العقود الأخيرة. عاد الناقد الفذ إلى السودان في بدايات هذا القرن وانضم إلى أسرة مركز عبد الكريم ميرغني حيث اضطلع بمهمة مدير الأنشطة والتوثيق فساهم في خروج عدد مقدر من الندوات التي أدارها وكذلك جملة من الإصدارات من كتب وغيرها.

    عاد لفترة لصحيفة الخرطوم وعمل متعاوناً مع عدد من المراكز الثقافية ومنها مركز العدالة الإفريقية ومركز مالك الثقافي بالدمازين الذي تبادل معه حباً بحب حتى لحظة تدميره وقصفه بآلات الحرب.

    أحمد عبد المكرم وفي رحلته الثقافية والإنسانية القصيرة، البليغة تربصت به الأمراض ولاحقته منذ القاهرة، حيث عانى من الالتهاب الرئوي وفاجأه مرض السكر في الخرطوم، وتابعه الضغط وآلام الغضروف وشظف العيش كمرض ثقافي عام تدارى منه طيلة حياته بملاءات من كرامة فريدة وعفة قل أن تجد مثلها في هذا الزمان.

    قبل شهرين حادثته من الدوحة وكالعادة كان يحكي متفائلاً عن وكالة صحفية قام بتأسيسها مع نفر من أصدقائه الكثر، فوعدته بأن أبحث مع مجلة الدوحة إمكانية مكاتبتهم من الخرطوم، ولكن كان قد افترس جسده المرض الذي لا علاج منه وانتشر في الجسد الطيب، وقضى عليه، لكنه لم يقض على فضاء جميل وحميم اسمه روح أحمد عبد المكرم.



    http://www.aldohamagazine.com/article.aspx?n=...0121101#.UJd6XW_Mj-4
                  

11-05-2012, 05:44 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: وكنت أمني النفس برجوعك وهومي الي المنبر ليرجع معكم بعض من زمن صدق نشتاق له!

    البركة فيك وفي كل من احب أحمد الطيب عبد المكرم..

    .........
    .........

    أرجو أن تبقي معنا وأن لا تذهب..
    فلا الأحزان تنتهي ولا مشاغل الحياة لها حدود تقف عندها..
    ألا أننا نستطيع معا أن نخفف من أوجاع قلوبنا..



    speechless

    نحن نسلم عليك، من هنا، يا منى.
                  

11-06-2012, 07:15 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    أبا جهينة: البقاء لله. تحياتنا كذلك لك ولأفراد الأسرة الكريمة، كنت أثناء توقفي عن الكتابة هنا أتابع كتاباتكم من حين لآخر كما لو أنني أستظل بشجرة وارفة في نهار قائظ.





    مرثيّة لأحمد الطيّب عبد المكرم (قبل أن أقول له: وداعا أخي):
                  

11-07-2012, 11:02 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    لعلك، حقا، تشتاق لمعرفة ما حدث بعد اقتلاعك؟!:
                  

11-07-2012, 11:14 AM

Dr.Elsadig Abdalla
<aDr.Elsadig Abdalla
تاريخ التسجيل: 12-10-2005
مجموع المشاركات: 2198

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    البركه فيكم يا برنس وربنا يجعله آخر الأحزان ...

    وبالله تاني ماتطول الغيبه...
                  

11-07-2012, 03:48 PM

فيصل نوبي
<aفيصل نوبي
تاريخ التسجيل: 09-16-2005
مجموع المشاركات: 14194

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: Dr.Elsadig Abdalla)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالو إنا لله و إنا اليه راجعون
    صدق الله العظيم


    حسبك و حسبه الله يا صديق
    نسأل الله له الرحمة و المغفرة و لك الصبر
    تحياتنا لك و لام العيال
                  

11-08-2012, 06:41 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: فيصل نوبي)

    تحياتنا موصولة لكما، الصادق ونوبي، رحم الله أحمد، وأرجو أن أعود للتواصل لاحقا ولكن بعيدا عن مثل هذا الفقد الباهظ. ودمتم هنا وهناك.


    Quote: لعلك، حقا، تشتاق لمعرفة ما حدث بعد اقتلاعك؟!.

    حسنا، أخي، لا تشعر بالخذلان، كما لو أنّك تترنح ولم تجد حين الحاجة الماسَّة كتف صديق إلى جوارك، إن قلت لك: لا شيء على غير المتوقع حدث. لا شيء. ظلّ الليل والنهار يتعاقبان بمقدار. والدجاج الدجاج، يا مُكرَّم، كعهدك القديم به، "يلقط الحبة ويجري وهو فرحانا". أجل، لكأنّ "عيونه خرز". العراء، كذلك، لم يتوقف، لثانية واحدة، عن بثّ حنينه ذاك للغطاء. أما الضوء، عربيد الأثير ذو العين القزحيّة الملتويّة من نعومة، والذي لم يدع حانة في الفضاء السديميّ إلا غشاها، فلا يزال يرقص، بخطى وثنيته الأولى نفسها، على تلك الأوراق المبللة بقطْرِ الندى. والهواء، كعادته التي تعلم، لا يني يحدث صوتا، كلما تخلل الفروع، أوالتفّ حول الساق صاعدا كدعاءٍ نحو سماء بدا كما لو أنها لا تعبأ بأحزان أحد، لو لا الرجاء.

    هكذا، أخي، لا شيء على غير المتوقع حدث. لا شيء. غير أن أغصان روحي أمست أكثر ثقلا. لا لأن عشّاقا علقوا عليها خلسة مراجيح أحلامهم. لا لأن ثمارا مُرة نمّتْ في غير موسمها. لا بل لأن العصافير التي درجتْ، في أوقات المغيب، على أن تبيتَ مغنيّةً على أغصانك، لم تجد في مكان غرسك سوى الفراغ، فأخذتْ تحوِّم دائرة حول نفسها ملتاعة، إلى أن لجأتْ إليَّ أخيرا من يأس وتعب. فقط، لو تعلم أنت كم عانتْ عصافيري طوال تلك الليلة من نواح العصافير الوافدة؟!.

    الآن، وقد غادرتني العصافير مجتمعة صوب مسعاها النهاريّ، أواصل التحديق، بأسى لا يليق سوى بعابر سبيل يعلم جيّدا أنه لن يصل قطّ إلى غاياته، في ساقك المنتزعة من الجذور حديثا، مدركا أن المنشار القادم لا محالة يعمل حينا برفق، وحينا بقسوة فاتها أن تدرك رقة رغباتنا الأصليّة في البقاء. وأتساءل إن كان في هذا ما يدل على أننا مكثنا معا في بلاد الآخرين، مثل شجرتين وحيدتين منعزلتين في تقابلهما ذاك على جانبيّ شارع معتم آخر الليل؟!.



    وداعا، صورتي في المرآة.



    مرثيّة لأحمد الطيّب عبدالمكرم
                  

11-11-2012, 11:45 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    حواريّة:




    "فضلا، قل لي، أخي، ما فائدة كل ذلك التحصيل المعرفيّ ومآلك الآن هناك"؟!.
    "كان ذلك، يا عبدالحميد، مجرد بحث عن معنى في عالم بدا خاليا من معنى".
    "كما لو أنك تعطي لما كان حياتك معنى سبق لجورج لوكاتش أن وهبه لمفهوم (الرواية)"؟.
    "هو كذلك (بحث متفسخ في عالم متفسخ)".
    "إذن، ما نتيجة بحثك ذاك"؟.
    "لا أهمية تذكر لذلك، الآن"؟.
    "كيف"؟.
    لأنني وجدت المعنى في عملية البحث نفسها، لا في نتائجه".
    أتعني أن رحلة البحث لِذاتها جوهر والغاية عارض"؟.
    "تقريبا".
    "هل خرجت بشيء آخر من رحلتك"؟.
    "الرفقة ساقا الرحلة".
    "أكاد أسير أغلب الطريق، دون رفقة".
    "ويلك أنت تزحف".
    "ما العمل"؟.
    "الترفع، التسامح، والمحبة.. أشجار تأوي إليها الطيور".
    "ماذا رأيت أثناء الرحلة"؟.
    "أشياء رآها الناس، كما رأى بورخيس".
    "هل تحن للعودة"؟.
    "قليلا".
    "هل لي أن أعرف، لماذا"؟.
    "كيما أقول لمن فاتني وداعهم إني أحبهم".
    "أراك تصمت، أخي"؟.
    "إني متعب".
    "نم هانئا".
    "متى نلتقي، يا عبدالحميد، ثانية"؟.
    "لو مِتُّ الآن، يا أحمد، لماتت (روايات) عديدة في دواخلي".
    "ذلك قول صديقنا كازنتزاكي".
    "كان عليك أن تفكر مثله. أن تقف عند ناصية شارع مزدحم. تتسول من كل عابر سبيل بضع دقائق من عمره. لا لشيء. سوى أن تكمل تلك الكتب العالقة. لكنك كنتَ أكثر أنفة مما توقعت".
    "لا تحزن، أخي".
    "لا عليك، يا مُكرّم، فتلك مجرد دموع، لا أكثر".
                  

11-12-2012, 08:17 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    الكتابة في ظل وادي الفقد:
                  

11-12-2012, 10:56 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    خلال النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، ولعل الوقت مساء، إذ كان من الصعوبة بمكان تحديد الزمن داخل جحر الفأر الذي كنت أُسميه من باب الطرافة وحدها "قصر البرنس"، طرق أحدهم الباب. ولم يمهلني، بينما أتراجع مفسحا أمامه المجال كيما يستقر على ذلك الحيّز الضيّق الذي أبقته أرتال الكتب من الكنبة الجلديّة القديمة المهترئة ذات اللون الأخضر الحائل، وهو يقول على الطريقة المصريّة "مجدي حسنين.. تعيش أنت". وبدا عليه، تاليا، وشبح إبتسامة غير مفهومة بالمرة لا يزال على فمه، وكأن شيئا لم يكن. كيف لا!، وقد ألقى للتو خبرا عن قضاء الراقصة فيفي عبده صيف ذلك العام في مارينا. أنا، الذي ظلّ واقفا لحظات بدت كدهر، لا يدري ما يفعل أويقول، سألته أخيرا "كيف". كاد أن يضحك. قال "ذبحة صدريّة"، أوشيئا من هذا القبيل. هذا الناعي، كلما أُتيح لي الوقت خلال تلك السنوات للعبادة، أطلب من الله خاشعا أن يقصف به الأرض، بلا تأخير!.





    يتبع:
                  

11-12-2012, 11:11 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    كان مجدي حسنين قاصّا من نواحي القليوبيّة على طريق القاهرة- الإسكندريّة الزراعي. التقيته أول مرة خلال بدايات النصف الأول من تسعينات ذلك القرن. كان ذلك في مبنى مجلة أدب ونقد القديم في شارع عبدالخالق ثروت. شاحب الوجه. ثمة حزن نبيل يأخذ في الإطلالة خلسة من داخل عينيه من حين لآخر. متعب غالبا. وإن لم تخن الذاكرة، الإصبع الوسطى في يده اليمنى مفقودة. لم أسأله عن سبب ذلك مطلقا. كثير التدخين. لكنّ أكثر ما ظلّ يميز مجدي حسنين، السكرتير السابق للمجلة المذكورة، بل ويجعل وجهك يتهلل فرحة كلما رأيته هنا أوهناك، هو تلك الإبتسامة الأكثر طيبة من نوعها في العالم قاطبة.

    هذه أول مرة أكتب فيها شيئا خاصّا عن مجدي حسنين.

    الشاعر شعبان يوسف، مدير الورشة الإبداعيّة بضاحية الزيتون، أخذ يذكّرني خلال عودتي الأخيرة للقاهرة بعنوان خبر قمت بصياغته للحياة اللندنيّة وقتها عن الرحيل المر لمجدي حسنين (خادم الثقافة لا يخدمه أحد). أذكر أن إبراهيم أصلان، وهو يتسلّم مني مسودة الخبر، هزّ رأسه في صمت، وكعادته، في مثل تلك الأحوال، لم يعلّق بشيء. كنت قد تعودت تماما على صمت أصلان الناطق لا سيما في المواقف المثيرة للأسى. وكان ذلك يعني يا للحسرة أن العمر لم يمهل مجدي حسنين كيما يضع بصمة خاصة في هذا المجال. هكذا، تماما، كأحمد الطيّب عبدالمكرم نوعا ما، أنفق مجدي حسنين جلّ طاقاته في خدمة طاحونة نعلم جميعا أنها تدعى "الصحافة الثقافيّة". ثم.. وقفة رجل في منتصف الثلاثين على بلكونة صغيرة في خلفيّة مبنى مجلة أدب ونقد القديم تطل على أسطح مبان داخليّة عريقة منخفضة تتناثر عليها تلك الأشياء القديمة التي لم يعد يرغب فيها أحد. يرتدي بنطلون جينز وقميص أزرق باهت. يلفه صمت داخليّ ناطق. عيناه تقلبان في أفق وسط البلد القاحل ناحية شارع 23 يوليو.. ذلك كل ما تبقى في ذاكرتي الآن من مجدي حسنين، كأمر لا يمكن نسيانه.


    يتبع:
                  

11-13-2012, 04:00 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    في مساء اليوم التالي مباشرة، في حوش داخليّ واسع بعض الشيء من مبنى حزب التجمع ومجلة أدب ونقد الجديد في شارع كريم الدولة خلف ميدان طلعت حرب، بدا صديقي حلمي سالم، الراحل كذلك خلال هذا العام، كصاحب شرعيّ لجنازة لا تزال رطبة. لكنه في أثناء التأبين أثار إستيائي تجاهه كشاعر، لحظة أن أخذ يلقي مرثية لمجدي حسنين، على حين غرة. كنت ولا أزال أعتقد أن الكتابة عن الأصدقاء في مثل تلك الأحوال تتم بعد اكتمال دورة حزننا الأكثر مدعاة للحزن عليهم.

    الآن، أجدني متلبسا بالكتابة عن أحمد عبدالمكرم، بعد مرور شهر من رحيله، وهي المدة نفسها التي تكرر خلالها مشهد استيقاظي من النوم في الساعات الأولى من الصباح، بعينين دامعتين، وقلب تمشي في خلاياه أقدام أشياء تحدث ذات الوقع الدافق الحزين لأغنيّة وحيدة لا تني تسير على الجليد بقدمين حافيتين آخر الليل. أما قطب الأقطاب، شيخي الجليل الطيب صالح، فقد أخذ مني أشهرا لرثائه، ولم ألتقيه إلا مرة واحدة وعابرا. كان ذلك في حضور السارد الكبير عادل القصاص في مبنى الجامعة الأمريكية بالقاهرة. أمد الله في عمر القصّاص وبارك في عطاياه الإبداعيّة التي يصفها البعض بمصطلح "بيضة الديك" لندرتها. أذكر هنا أن عادل القصّاص قدم نفسه للطيب صالح بوصفه أحد كُتّاب المشهد السردي اللاحق في السودان. نطق ذلك بحياء قد يغري بالتطاول في مقام الجاهلين ببواطن الأمور. أما أنا فلم أتفوه بشيء في حضورهما. أي شيء. لم أتفوه، حتى بقلبي.
                  

11-14-2012, 03:19 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: كان المنى ان نلتقي في ظرف غير هذا الظرف الكئيب
    خفوت يا برنس خفوت



    في كون النار الجديدة تولد من خفوت النار القديمة (محمد الجزار وحسين الصادق وربيع طه وآخرون):
                  

11-14-2012, 06:37 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    إلى حين عودة:


    في القسم الثاني (1880- 1896)، من رواية ايزابيل أليندي (صورة عتيقة)، تصف بطلة الرواية أورورا دل بايي، ذلك الجزء من الرحلة التي كان عليها أن تقطعها من تشيلي في صحبة الجدّة لعلاج الأخيرة في لندن عبر سلسلة جبال الأنديز، حيث "قطاع الطريق الذين يرابطون في تلك العزلات"، وحيث "منحدرات تنفتح من الجانبين عن أشداق جهنمية متأهبة لابتلاعنا". لقد أسرني تماما وصفها لذلك الجزء من الطريق ذي الدلالة الرمزيّة الفاتنة "كان الدرب يبدو مثل أفعى رفيعة لا متناهية تنزلق بين تلك الجبال الهائلة التي تشكل العمود الفقري لأمريكا. ما بين الصخور تنمو بعض الشجيرات المزعزعة بقسوة المناخ والتي تتغذى على خطوط ماء خفيفة. ماء في كل مكان، شلالات، جداول، ثلوج مائعة؛ الصوت الوحيد هو الماء ووقع حوافر الدواب على قشرة الأنديز القاسية. حين نتوقف، يلفنا صمت سحيق مثل دثار ثقيل، فقد كنا دخلاء ننتهك حرمة العزلة التامة في تلك الارتفاعات". لكن أكثر ما أسرني، وهو جوهر مساهمتي التالية، هو وصفها لما أعقب الاستراحة وقضاء الليلة في "ملجأ المسافرين": (وقبل أن نغادر، تركنا في المكان حطبا، وكيس فاصولياء، وزجاجة خمر للمسافرين التالين).
                  

11-15-2012, 04:31 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    هكذا، ككاتب ظلّ يستحوذ عليه السرد شيئا فشيئا، أخذ يتركز جلّ جهدي، وسط هذا الخفوت، في محاولة جعل "ملجأ المسافرين" أكثر قابليّة للعيش ما أمكن، حتى إنني منذ فترة لا أكاد أجد وقتا للتذمر، أولربما لصبّ لعناتي على مَن ترك المكان لي، وذهب مخلفا وراءه الكثير من أشكال الخراب. ولو أن الوقت أسعفني، من بعد ذلك، لتركتُ عند المدخل على طاولة صغيرة بطاقة أخبر فيها أولئك العابرين من بعدي أنني أرجو لهم إقامة أكثر هناءة في "ملجأ المسافرين". ومَن يدري، فقد يحالفني الحظّ قليلا، فأترك لهم، كذلك، زجاجة من الماء البارد في نهار قائظ، والكثير.. الكثير الكثير.. من تلك الحكايات البيضاء الممتعة.
                  

11-16-2012, 10:31 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    على مستوى عام، إذ نقارب ذلك (الخفوت)، قد أتحدث، وهو ما لن أنتوي فعله تفصيلا هنا، عن الخفوت، بوصفه أحد مظاهر ما نكابد من أزمة شاملة، من حيث هي (أي الأزمة) عجز الخطابات والأشكال السياسية والاجتماعية السائدة عن تجاوز ما ظلّ يطرحه الواقع المتجدد من مشكلات نوعيّة. فهذا شأن المتخصصين. كعلماء السياسة أوالمجتمع. إن لم أقل (بالدرجة الأولى) شأن تلك الخطابات والأشكال المأزومة نفسها. وهو شأن يستلزم من تلك الخطابات والأشكال القيام بدءا بمراجعات ذاتيّة جذريّة على أكثر من مستوى. وإلا تجاوزها الزمن، إن لم يفعل حتى الآن، وتحولتْ، من ثم، إلى كائنات متحفيّة مثيرة، في أفضل حال، للأسى. وقد بدا، في أحيان كثيرة، كما لو أنه لم يتبقَ لها، على مستوى الفعالية، سوى الاحتماء الهش بالتجانس المنجز للقطيع المتآكل. لكن التراكم التاريخيّ، لتلك الخطابات والأشكال التقليديّة، قد يشكل مادة غنيّة، وهو كذلك بالفعل، على مائدة خطابات وأشكال أخرى في طور النشوء أوالتكون، أخذت تطرح نفسها، منذ مدة، كحوامل بديلة ذات محمولات مغايرة. سواء على مستوى نقد، أونقض المناهج الثنائيّة، تلك الموجهة لرؤية الخطابات والأشكال التقليديّة، في مقاربة الواقع العصيّ على أحكام القيمة الفوقية. أوعلى مستوى الدفع بقضايا الهويّة، في مجتمع برغم الانفصال الواقع لا يزال ينطوي على قدر عال من التعدد والتنوع الإثني والثقافي، بوصفها (أي القضايا) الجوهر المحرّك، على الأقل راهنا، للصراع. أوحتى على مستوى الوعي بأهميّة تناول ما هو محليّ على ضوء تلك التأثيرات المتزايدة للعولمة. لن أتحدث، كما أسلفت، عن هذا وذاك، ليس لأن هذا وذاك يقعان خارج نطاق تخصصي وحسب، بل لأن ما أسماه المبدع محمد السني (خفوتا) كان تعبيرا بالغ الدلالة برغم رنّة المرارة عن واقع الحال، أي إنه لم يذهب، شأن المتشائمة، إلى التعبير عما يحدث بوصفه (اظلاما كليّا)، أو(اعتاما تامّا)، إذ تبرز، هنا وهناك، نقاط ضوئية، وإن بدت خافتة، أي لم تتحول بعد إلى تيار عام متماسك ذي تقاليد متراكمة، إلا إنها تعكس في تصوري بالفعل، تلك التشوقات الجمعية في البحث عن حساسية جديدة، تلبي متطلبات واقعها المتحوّل، سواء على مستوى الغناء، أوالتمثيل، أوالسياسة، أوالأطر والصيغ الثقافية، أوغير ذلك من مجالات الحياة الأخرى. (نحن محكومون بالأمل)، على حد تعبير أخي سعدالله ونوس، وهو أمل ليس كالأمل الذي يمكن أن تمنحه لحائر.. (ست الوَدِع)!.
                  

11-17-2012, 03:56 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    هامش:

    في ذلك المساء الصيفيّ، جاء أحمد عبدالمكرم، حديث العهد بالقاهرة، إلى شقتي الواقعة قرب ميدان المطريّة، حاملا شنطة أوراق جلديّة (أين هي الآن؟)، بدت جديدة، ذات لون بنيّ داكن، لِسستتها المعدنيّة السوداء اللامعة مجرى ثلاثيّ الأبعاد. أما هو، فقد بدا كما لو أنه خرج للتو من محل لبيع الملابس المستعملة. هناك، داخل الصّالة المضاءة ذات النافذة الخشبيّة المشرعة على ظلمة أرض خلاء، رأى شقيقتي الطالبة بكليّة علوم الأزهر، لأول مرة. كانت تشاركني سكنى تلك الشقة. وقد درجت على تذكيري، كلما رأتني منكبا على كتاب، قائلة "لن تجني من وراء ذلك سوى الجوع"، اوشيئا من هذا القبيل. كانت عمليّةً بقسوة الماس. وكانت مشحونة تماما بالتطلعات إلى درجة أن الحياة لم تمنحها الكثير. لم تمضِ سوى دقائق، على جلسته تلك بيننا، وقد مرّ عليها الآن قرابة العشرين عاما، حتى أخذها معي، بسلاسة وطواعيّة تامّة من جانبها، إلى عوالم رحبة من الثقافة والأدب. أقسم بالله ثلاثا، وإن شئتَ أنت "سبعا"، أن شقيقتي تلك، لم تكن تعلم قبلها شيئا عن ذلك الشخص الذي يدعى "غابريال غارسيا ماركيز"، إلا بذلك القدر الذي يمكنني (أنا شخصيّا) من الخوض في علم نحو اللغة اليابانيّة. ومع ذلك، أخذتْ ملامحها تفيض بالفرحة، بل السعادة، كما لو أنها تنصت بجوارحها مجتمعة لقصّة من قصص "رقيّة بِت خالتي حرم"، بينما هو يواصل الحكي قدما، عن تلك الظروف القاسيّة التي وُضِعَ خلالها كتابٌ الشيخ فرح ود تكتوك وحده يعلم ما الدافع من وراء تسميته "مائة عام من العزلة"!.
                  

11-18-2012, 07:11 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    abdalmokram2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    أي نصّ كان موضع تفاعل من ذهنك، وقتها؟!.
                  

11-24-2012, 08:41 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    إلى حين عودة:

    "ففي نهاية المطاف، ليس من شيء عميق في الواقع. لأنّك حين تبلغ الواقع، في الأربعين أوالخمسين أوالستّين، تكتشف أنّه لا يتجاوز الأقدام الستّ عمقا والثماني عشرة قدما طولا، في باطن الأرض"/ وليم فوكنر، موسيقى سوداء وقصص أخرى، ترجمة: سامر أبو هوّاش، دار الآداب، 2009.
                  

11-24-2012, 11:32 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    "لقد كان فوكنر أوفى شياطيني"/ ماركيز:
                  

11-25-2012, 06:04 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    هكذا، ذات صباح جدّ قريب، توقفت طويلا، عند ذلك الجزء، من قصة فوكنر "الميسترال (ريح الشمال)"، وكان وليم فوكنر المولود عام 1897، في نيو ألباني بولاية ميسيسيبي، قد كتبها عام 1926، متأثرا بأجواء رحلته شابا إلى أوربا. وكشأن أغلب أعمال فوكنر عند تلك المرحلة، رُفضت بضع مرات من قبل بعض المجلّات، "حتى وضعها الكاتب جانبا"، ولم يُتح له نشرها تاليا إلا بعد مرور أكثر من عشرين عاما. وهذا طبيعي، بالنسبة لكاتب أحدث ثورة في مجال السرد، على اكثر من مستوى، في وقت بلغ فيه السرد تلك القمم العليا، على يد مارسيل بروست وجيمس جويس، ناهيك عن ذلك الحضور الضخم لديستوفيسكي. أجل، كان من العسير تقبل السرد الفوكنريّ، الذي ينطوي على كل ذلك التعدد والتنوع الأسلوبيّ، إلى درجة أن البعض رأى فيه ضربا من الفوضى الذهنيّة أوالهذيان، حسبما ورد في مقدمة جبرا إبراهيم جبرا لرواية "الصخب والعنف"، في نسختها العربيّة. ولعل ذلك ما وقف حائلا بيني وبين فوكنر، لفترة قد تقارب العشرين عاما، على الرغم من الإشارات الإحتفاليّة والكثيرة إليه، من جانب كاتب عملاق مثل ماركيز. إن تأثير فوكنر على ماركيز واسع وعميق، حتى إنني أتساءل أحيانا كيف تميز ماركيز بعد كل ذلك، بل وأكثر من ذلك، لا يتورع ماركيز في مقال له عن بيل كلينتون، أن يضمّ فوكنر ابن بيئة الجنوب الأمريكيّ إلى قائمة كتّاب الكاريبي، في معرض حديث عن لقائه بالرئيس على مائدة عشاء، وقد أخذ كلينتون يلقي في ثناياها من الذاكرة واحدا يصفه ماركيز "من أكثر مقاطع الصخب والعنف تعقيدا".
                  

11-25-2012, 06:44 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    هامش، على خلفيّة أجواء التصوف الآسرة لديه، هل نرى أثر أقدام مبدعنا الكبير الطيّب صالح على أرض هذا الجزء من قصّة فوكنر (ريح الشمال)؟:

    "... ثم ظهرت الفتاة بثوبها الأبيض وما عدت أشعر أنّني كاثوليكي. كانت ثيابها كلها بيضاء، بلا معطف، تمشي هيفاء ورشيقة. لم أعد أشعر برغبة بعد، ناظرا إلى فستانها الأبيض يحملها إلى مكان ما أوهي التي تحمله إلى مكان ما: على أيّ حال، كان يمضي معها، يتحرّك حين تتحرّك، ولأنها تتحرّك يفقدها حين تضيع لأنّه يتحرّك معها ويمضي معها إلى لحظة الفقدان. أتذكّر الآن أنّني حين سمعت قصّة "ثو" و"وايت" و"إفلين نسبيت" بكيت. بكيت لأنّ إفلين التي كانت كلمة. كانت رائعة وضائعة وإلّا لما كنت سمعت بها. إذ كان عليها أن تضيع لكي أجدها وكان عليّ أن أجدها لكي أضيّعها. وحين علمتُ أنها كبيرة كفاية بحيث يكون لديها ابنة بالغة أو ابن أو ما شابه، بكيت، لأنّني أضعت نفسي عندئذ ولم يعد ممكنا أذيّتي بالفقدان. رحت أتأمّل الفستان الأبيض، مفكّرا، ستكون قريبة منّي خلال ثانية أكثر ممّا ستكون قطّ، ثم سترحل بفستانها الأبيض إلى الأبد. ستختفي في الغروب إلى الأبد. ثم شعرت أن "دون" يراقبها أيضا ثم رأينا الجندي يقفز على درّاجته الهوائيّة. مشيا معا (يقصد فوكنر الجندي والفتاة) ولبعض الوقت وقفا هناك في الشارع، بين الناس، متقابلين، لكن دون ملامسة. ربّما ما كانا يتكلّمان حتى، لا يهمّ كم طال وقوفهما، فالوقت لم يكن مهمّا. ثم لكزني "دون"، قائلا: "انظر إلى الطاولة الأخرى". كان الشبان الخمسة جميعا قد التفتوا نحو المشهد؛ ومن وقت لآخر يد، ذراع، سرّ، توميء، وجوههم كلّها في اتّجاه واحد. مالوا إلى الوراء، من دون أن يديروا رؤوسهم، ووقف النادل، الصينيّة على وركه – شخص ساخر مربوع أكبر سنّا من الجدّ لاست نفسه- ينظر أيضا. أخيرا استدارا ومضيا معا في الاتّجاه الذي جاء منه، وهو يجرّ الدرّاجة. وقبل أن يغيبا عن البصر توقّفا ووقفا متقابلين ثانية بين الناس، من دون أن يتلامسا على الإطلاق. ثم تابعا طريقهما.
                  

12-08-2012, 09:28 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

12-11-2012, 08:37 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    إلى حين عودة قريبة:
                  

12-11-2012, 09:48 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    المحبة في بعدها الصوفي الرحب، الشغف بالحياة، المثابرة على استكشاف جماليات النصوص، التجاوز عن الضعف والاحتفاء به قبلا كلازمة إنسانية ثم محاولة الارتقاء به تاليا، موضع الذات والآخر معا في العالم، الادراك العمليّ لكون الاحترام كسب شاق، لا حزمة عطايا تفرضها جملة المصالح الضيّقة الأكثر مدعاة للشفقة، البحث عن الجوهر المُشكّل للظواهر العارضة، إحياء الإنسان، تجنب الوقوع ما أمكن في أحكام القيمة المجانية، الصراع الخلّاق، حق الاختلاف ومشروعيته، تطابق القول والفعل كملمح أخلاقي أعلى، التحرر الذاتي من مختلف أشكال الاستلاب، مقاومة الجاذبية الفاتنة للانتصارات الوقتية الصغيرة الأكثر فاعلية في بناء منظومة الوهم، سعة الأفق، المعنى العام، والمعرفة النقديّة.

    يتبع:
                  

12-11-2012, 10:06 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    تلك عناوين مفتاحيّة، وربما كان بالمستطاع إضافة المزيد، بصدد شخصيّة أحمد الطيّب عبدالمكرم، ويمكنني التعبير هنا، بصيغة أخرى، وعلى نحو مختصر، مؤكدا أن أحمد الطيب عبدالمكرم، وفق ذلك النحو، كان تجسيدا حيّا، بل تمثيلا رمزيا بالغ الدلالة لما أسماه غرامشي "المثقف العضوي"، وهي ذات الفكرة التي أخذ صداها يتردد تاليا في أعمال كل من ألتوسير وفرانتز فانون، وإن أضاف الأخير بجلاء قاطع مسألة "حمل السلاح"، حتى لا يتصدق المثقف على شعبه بما أسماه "فضلات"، ويعني فانون بالفضلات هنا "في مرحلة الثورة" ما حدده في السياق نفسه "كمنتوجات فكريّة أوجماليّة". وهذا المنحى، في شخصية عبدالمكرم، كمثقف عضوي، يمكن توصيفه وتحليله، من جوانب عدة، سواء على مستوى ما أحرزه من تراكم معرفي، أوعلى مستوى اعتماده منهجا عقلانيا في تحصيل ذلك التراكم، أوعلى مستوى درجة عمق ارتباطه بالقضايا العامة.


    يتبع:
                  

12-11-2012, 02:06 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    وأحمد الطيّب عبدالمكرم، كإنسان فان مثلنا، إذ كان يأكل الفول والطعمية والعيش الجينز في القاهرة بمتعة عالية، قد يشير، في هذا السياق أوذاك، إلى موضع خلل ما، سواء على صعيد الممارسة العمليّة، أوعلى صعيد الفكرة أوالمفاهيم، إلا إنه لا يني يعمل، في كلتا الحالين، على تحرير مسار الحوار ما أمكن، من رواسب المرارات الذاتيّة، ومن كل ما تمليه اللحظة في راهينيتها وثقلها الحيّ الضاغط من شوائب وعوامل لا عقلانية، مركزا على دوره الخاصّ كصاحب وعي مفارق في إحداث التغيير هذا أوذاك، كما لو أنه أحد شخصيات خوليو كورتاثار في سياق حواريّة "لماذا نتضايق من جهل بعض الناس أومن فظاظتهم، في حين أننا، لا أنتَ ولا أنا، فعلنا شيئا لتطويرهم؟". إن أحمد الطيّب عبدالمكرم يبحث دائما، حتى داخل ما يبدو أكثر المواقف ابتذالا، وبالصبر الكظيم نفسه لجبال العاديات، عن ذلك التيار الباطني العميق المُشكِّل لحركة النهر على السطح، إن جاز لي استخدام مثل هكذا استعارة. إن أحمد الطيب عبدالمكرم، بهذا المعنى، أوكما وصف أحدهم ميشال فوكو في بداياته، بمثابة "أركيولويجي جديد"، وإن قصرت به وسائله الماديّة، وعمره القصير، عن المضي قدما في عملية الحفر هنا وهناك. إنه يُذكِّر بما أسماه عبدالله علي إبراهيم "نموذج الموهبة المهدرة". المثال اللاحق لمشاريعنا الفكريّة أوالإبداعيّة المؤودة. إنه "ممحوق" على مجتمع "كثير المطالب".

    يتبع:
                  

12-11-2012, 06:40 PM

هشام الطيب

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 1708

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    الف رحمة ونور عليك يا مُكرم
    والبركة فيكم يا برنس،، دفناه وكنا نعلم تماماً أننا ندفن تلك الملامح الأليفة،
    ابتاسمته الجميلة،
    حديثه الخلوق،
    واخلاقه التي لا تشبه خلائق البشر..!
    تعرّفتُ إليه في أيام صحيفة أجراس الحُريّة، في العام 2010
    وقتها كنتُ أعمل كمحرر متعاون بالصحيفة اثناء دراستي الجامعيّة
    وكان هو مرشحاً لمنصب رئيس التحرير وقتها.
    بعد انتهائي من الدراسة 2011م أخبرته بأنني أرغب في صقل عملي الاعلامي..
    وبالفعل وجّهني وأرشدني وكتب لي عدداً من رسالات التوصية لألتحق بها في عدد من الدورات التدريبية
    لكن فترةٍ وجيزة حتى جاءنا خبر وفاته كالصاعقة
    موته كان فاجعة وصدمة جعلتني اتساءل لماذا يرحل الطيّبون دائماً؟؟؟ لماذا؟
    ليتقبلك الله بمغفرته ورحمته وليُسكنك فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا
    إنا لله وإنا إليه راجعون
                  

12-11-2012, 07:24 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: هشام الطيب)

    وأشير هنا، من باب الأمثلة العمليّة، إلى لقائين حدثا في القاهرة، يفصل بينهما سنوات، واحد جمعني به في شقته تلك بالهرم مع محمد سعيد بازرعة، وآخر جمعني به ونفر في شقته تلك بالسيدة زينب. بازرعة الذي بدا خارجا للتو من الأحراش كان أقرب في هيئته العامة إلى النموذج الجيفاري في نبلهِ وثوريته التي أخذت تلتمع مثل ضوء غرق في كأس من الويسكي. وربما لعيشه الممتد في ظلال الزعيم، بدا ياسر عرمان، وطوال تلك الجلسة، كشيءٍ أُخرج للتو من ظرف عليه طابع أحد المراسيم الدبلوماسيّة. ما أردت قوله، في هذا السياق، إن أحمد الطيب عبدالمكرم، هنا أوهناك، لم يخرج عن توازنه الإنسانيّ والفكريّ القديم، لا بمعنى جلوسه داخل منطقة رماديّة ما، بل بالمعنى الذي يفيد بقدرته على التحكم بالانفعالات في بلد وصف الطيب صالح في الموسم حال ناسها لحظة الغضب قائلين "يا ابن الكَلْب". ذلك توازنه المعهود، اللهمّ إلا بالقدر الذي يعمل الصوفيّ، إذا اجتاحه فيض التجليات، على "التحديق بلا وجه والرقص بلا ساق"، حسب أقوال الفيتوري. وذلك بالضبط ما كانت تفعله في أحمد عبدالمكرم فكرة تتسم بأصالة، لوحة متقنة، أوبيت من الشعر أخذ في قلب نظام العالم في دماغه رأسا على عقب.
                  

12-12-2012, 11:53 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    إلى حين عودة:

    كتب أخي هشام الطيب عن مواراة جثمان شقيقنا أحمد الثرى، قائلا:

    Quote: دفناه وكنا نعلم تماماً أننا ندفن تلك الملامح الأليفة،
    ابتاسمته الجميلة،
    حديثه الخلوق،
    واخلاقه التي لا تشبه خلائق البشر..!


    Quote: وكتب النمساوي ستيفان تسفايج عن مواراة جثمان فرويد في منفاه، قائلا:

    ولما أنزلنا، نحن الأصدقاء، تابوته في ثرى إنجلترا، علمنا أننا قد أعطيناها خير الرجال في بلادنا.
                  

12-13-2012, 09:20 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    أخي هشام، تحية طيبة، وعزاء أحمد موصول لكل مَن رغب متسلحا بالوعي في تغيير وجه الحياة للأفضل، لكنّ قلب أحمد وسع حتى نقيض هؤلاء كذلك، بل وما بين هؤلاء وهؤلاء من تلاوين. وبعد، أوهكذا، أنت لا تدفن هنا جثمانا فحسب، بل تُوْدِعُ باطنَ الأرض بعضا من القليل المتبقي، في ظلّ تلك الحاجة الماسّة والمتزايدة لأمثاله. إنها مأساة النُّدرة. عصيّة على الإشباع. تماما، كما نسمة عبرت خطفا في خلايا نهار قائظ. والأكثر مدعاة للأسى أن تتذكر عبور تلك النسمة منقوعا بالعرق.

    للحديث بقية:
                  

12-13-2012, 10:41 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)





    تلك الحوارية النادرة ، آخر ما سجّل ابن عبد المُكرم في دوحة حياته القصيرة الرائعة .
    تكتشف أنت طول باعه في النقد الأدبي وبرفقته مجموعة نيرة من المبدعين .
    لم ألتقيه جسداً ، ولكن روحه دوماً تُحلق بيننا .فشراكة الوعي والثقافة
    تقربك من اصدقاء العمر الذين لم تلتقِ بهم في دنياك ....

    خسارة كبيرة أخي الأكرم : البرنس


    *
                  

12-13-2012, 06:33 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبدالله الشقليني)

    ولعمري، أخي هشام، وصفك ذاك دقيق لأحمد (في أحوال لم أُعايشها)، أوهكذا، دون أن أعرف حتى على وجه الدقة (كيف)، غدت سنوات عمري في المنفى أكثر عددا من جملة تلك السنوات التي أنفقتها في الوطن. وذلك صوت ميلان كونديرا "مَن يعش في الغربة، يمشي فوق فضاء خاو، مجردا من شبكة الرعاية الاجتماعيّة التي تحيط به. كل كائنٍ بشريّ بلاده الأمّ، حيث تُوجد عائلته وأصدقاؤه، وحيث يستطيع أن يتحدث باللغة التي تعلّمها في الصغر دون مشقة". وكنت في أعقاب عودة أحمد طوعا إلى تراب الوطن، أُوصي في تلك الأيام كل مَن يُصاب بنوع من الحيرة في عاصمة بلاده، أومَن يرغب في السفر إلى الخرطوم، بالذهاب إلى رحاب أحمد الطيّب عبدالمكرم، فعنده ظني به دائما تُقضى الحوائج على قلّة المتاح دوما لديه. فأي مقياس للنفوذ أوالغنى أتحدث عنه هنا؟.

    وأذكر ذلك المساء في القاهرة، عندما ذهبت صحبة أحد الأصدقاء بعد قراءة عمليه الجميلين (بيضة النعامة) و(مزاج التماسيح)، لملاقاة الكاتب الكبير رؤوف مسعد، على إحدى طاولات كافتريا محطة مصر، بينما يقوم بوداع مسافرتين إحداهما مصريّة إلى السودان. لم يفتني وأنا ألمس قدرة الهولنديّة الاستثنائيّة على الإصغاء أن أدفع إليها بتوصيّة لأحمد. علمتُ لاحقا أنهما تزوجا. الهولنديّة نفسها وأحمد. هكذا، حين يبدو وقع الأشياء متناغما على طبلة الروح، ويعرف الاستقرار أخيرا طريقه إلى مهاجع الغرباء، يكون العمر قد انصرم، أويكاد. كان رؤوف مسعد أشبه بروح قلقة بين جدران جسد بدا أنّه تمّ استهلاكه لعقود بكثافة. لكأن تجربة سجنه في السابق طبعت عليه بصماتها مرة وإلى الأبد. شأن صديق عمره صنع الله إبراهيم. وبعد مرور أكثر من عقد، وكنت أتابع من كندا كتاباته على صفحات جريدة الحياة اللندنيّة من حين لآخر، قلت للشاعر علي عطا، المحرر بمكتب الحياة بالقاهرة، إن كتابات رؤوف الأخيرة لم تعد تنطوي على ذلك الزخم والحيويّة الذين ميّزاه وقت أن صنع اسما. ولا غرابة أن يقول إبراهيم أصلان في مثل هذه السياقات ككاتب جاد طويل النفس إنه يكتب في العادة بجسمه كله.
                  

12-14-2012, 11:27 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    إلى حين عودة:

    Quote: لم ألتقيه جسداً ، ولكن روحه دوماً تُحلق بيننا
                  

12-14-2012, 05:55 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    أخي الشقليني، أسعد الله أيامك بكل خير. أنا، كذلك، لي أصدقاء، وُجِدوا في زمان آخر، وعاشوا في مكان وآخر لم أذهب إليه قطّ. لكنني لحظة أن رأيت آثار أقدامهم، على "طريق القوافل البشريّة السائرة عبر القرون بلا توقف أوعزاء"، أسعدني أنّني أنتمّي إلى نوعهم الإنسانيّ، وقد وَحّد بينهم هدف أن يجعلوا من طريق القوافل رحلة أقلّ مشقة وأكثر يسرا. هكذا، في الغياب التّامّ للقمر، لم تعد القوافل تواصل الزحف وسط حلكة مطبقة، بعد أن رفع صديقي الحميم توماس إديسون يده، وأنار ليل مدينة نيويورك لأول مرة في التاريخ. كذلك، أخي الشقليني، لم تعد الوحشة لعنة أبديّة، في يد السلطة الناريّة والمهيبة للصحراء، بعد أن أخذ غناء صديقي رامبو يمشي قريبا من الأرض كسحابة. وكانت روحي، إذ تبحث أحيانا في شتاء وحدة عامّي الأول في كندا عن ذكرى دافئة كمواساة، تستعيد بشغف معايشة حدث تمّ في سكون إحدى المكتبات العامّة بيني وبين صديقي الشاب فان جوخ "لا يا صديقي، لن أضع اسمّي على هذه اللوحة، وسيمر وقت، ويدركون عندها من الأسلوب وحده أنها تنتمّي لي".

    أجل، أخي الشقليني، رحيل أحمد الطيّب "خسارة"، على ما تنطوي عليه اللفظة الأخيرة من فداحة فقد كليّ، نهائيّ، مطلق، وأبديّ، لا تعويض يعادله عندي بالذات في هذا العالم. كما لو أن مبنى الملاجيء القليلة الآمنة في حياتي فقد ركيزة.
                  

12-15-2012, 06:13 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    خاتمة أولى:

    على مدى الأعوام الثلاثة الماضيّة، واصلت العمل، بصورة مكثّفة، على مسودة رواية تقارب أحوال الكائن خارج بيئته الأصليّة، وحتى الآن، على صعيد النقد الذاتيّ، بدت النتائج مخيبة. وفي مثل هذه الأحوال، تقتضي الخبرة أن أصرف النظر عن متابعة ذلك العمل، إلى أن يستدعيني ذات يوم بنفسه. وفي المقابل، أخذت تلح عليّ في الفترة الأخيرة فكرة معاودة العمل على مسودة رواية (الأمنجي السابق)، بينما تتقافز بين خلايا ذهني مثل كرة المطاط، إحدى مقولات وليم فوكنر الجماليّة "كَلبُ الصيد الجيّد إنّما هو جيّد لأنّه يكره الحيوانات التي يطاردها لا لأنّ لديه حاسّة شمّ أفضل. ليس أنفه الذي يقوده؛ إنّه كرهه".

    خاتمة أخرى:
                  

12-15-2012, 11:00 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وأذكر في الكتاب أحمد الطيِّب عبد المكرم (Re: عبد الحميد البرنس)

    وأكتب مودعا أخي أحمد الطيّب عبدالمكرم "ومع هذا فالحياة جميلة".
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de