دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
د. منصور خالد...تلقيح الفتن والرثاثة البُدائية....اشاعة الاباطيل
|
عامان من السلام : حساب الربح والخسارة (13)
تلقيح الفتن والرثاثة البُدائية
اشاعة الاباطيل
لم ندهش قليلاً أو كثيراً عندما نددت صحيفة «الانتباهة» بالدعوة التي أطلقها السيد مبارك المهدي للمستثمرين و رجال الأعمال الشماليين للتوجه للجنوب. لم ندهش لأن تلك الصحيفة لم تجد منذ نشأتها ما تتساند عليه لاقناع الناس بأهدافها الانفصالية غير اشاعة الاباطيل عن كل ما هو جنوبي، ثم عن كل ما يتصل باتفاقية السلام الشامل. ليس من حقنا في ظل نظام تعددي أن ننكر على أي مواطن أن يدعو لما يؤمن به، بما في ذلك الدعوة لانفصال الجنوب عن الشمال أو فصل الشمال عن الجنوب، شريطة أن يحترم الدعاة، وهم ينشرون دعوتهم، قيماً تواطأت عليها الانسانية، وقواعد ألزم بها دستورنا الحاكم والمواطن على السواء. من القيم الانسانية نبذ العنصرية، ومن قواعد الدستور احترام «التنوع الثقافي والاجتماعي للشعب السوداني هو أساس التماسك القومي، ولا يجوز استغلاله لاحداث الفرقة»
(المادة 4 (ج)).
نبدأ بما هو أدنى، ألا وهو الاباطيل،. قال صاحب «الانتباهة» وكأن لأهل السودان «قنابير»: لا أدري ما إذا كان الرجل (يعني مبارك) قد سمع بأخبار الأمبررو الشماليين الذين طردوا من قبل حكومة بحر الغزال و الرعاة الشماليين الذين طردوا من قبل حكومة أعالي النيل '' (الانتباهة 7/12/2006). وتَواتَر الحديثُ، بعد، عن قبائل الامبررو الشماليين وما تعانيه في الجنوب على يد حكومته، في أكثر من خمس مقالات في الصحيفة. ليس للموضوع أهمية حتى ننهك طاقتنا للرد عليه لولا ما فيه من افتراض لجهل القارئ، وكشف لتحامل الصحيفة على حكومة الجنوب وعلى الاتفاقية، حتى فيما لا يد لها فيه. أمبررو، أولاً، ليسوا بشماليين وانما هم قبيل من الفولاني ظل ينزح من غرب افريقيا الى السودان جرياً وراء المرعى، وزاد من حدة هجرته الجفاف والتصحر في السهل الافريقي في السبعينات حتى وصل بعضهم الى النيل الأزرق جنوباً والنيل الأبيض شرقاً. وفي نهاية السبعينات استقر بعضهم في منطقة الدمازين بعون من شيخها المك يوسف حسن عدلان الذي حدد لتحركهم مناطق معينة في مسارات الرعي. رغم ذلك، أخذت تلك الجماعة تنتدح بأبقارها الى الجنوب القصي حتى مناطق المورلي في الاستوائية مما قاد الى صراعات دامية بينها وبين ذلك القبيل. بيد أن المشكل الذي يعاني منه الجنوب اليوم، اضافة الى اندياح الامبررو القادمين من النيل الأزرق الى الجنوب الاستوائي، هو الأفواج الجديدة منهم التي دفعها عدم الاستقرار في شرق تشاد للهجرة الى مناطق لم يفدوا اليها ولم تألفهم من قبل مثل بحر الغزال ومناطق الزاندي في الاستوائية.
لا شك في أن الذين يدركون أبعاد الصراع على الموارد في دارفور بين الرعاة والمزارعين المستقرين لا يتمنون خلق بؤرة جديدة للصراع حول الموارد في السودان، هذه المرة في جنوبه. كما ان الذي يتابع سيرة القبائل الرعوية في الشمال والجنوب لا يجهل المشاكل المتعددة التي تنجم بين هذه القبائل في الظروف السياسية العادية (أي ظروف السلام) حول مسارات الرعي : بين الدينكا والنوير في الجنوب أو بين الرزيقات والمعاليا في الشمال، على سبيل المثال. هذه الصراعات بين القبائل ذات الحقوق التاريخية المعروفة تُعالج عبر مجالس الصلح التي تقودها القيادات الطبيعية لهذه القبائل دون أي تدخل من السلطة أو تحريض من الصحف. وبدهي أن تزداد حدة هذه النزاعات في ظروف الحرب، أو تلك التي تعقب الحرب، خاصة عند عودة النازحين الى مواطنهم القديمة. هذه أمور لم تغفل عنها الاتفاقية إذ نصت على تكوين مفوضية قومية، ومفوضيات ولائية، للأراضي، على رأس واجباتها معالجة المشاكل الناجمة عن الصراع حول ملكية أو استخدام الأراضي وفقاً للأعراف السائدة.
ليست هذه وحدها هي القضية، القضية، في حالة الداعية لفصل الجنوب عن الشمال، أو دفع الجنوب للانفصال عن الشمال انفصالاً غاضباً بلا وفاق أو هوادة، هى : ما الذي سيفعل مع كل قبائل السودان الرعوية التي تُحازي الجنوب ان قُدِر للجنوب الانفصال عن الشمال على الوجه الغاضب الذي يتمناه. نشير الى البقارة و المسيرية و الحوازمة في دارفور و كردفان الذين يتجهون بابقارهم الى بحر الغزال واعالي النيل الكبرى، أو الصبحه و اولاد حميد و عرب رفاعة الهوى الذين لا موطن لهم و لأبقارهم في فترات الجفاف غير أعالي النيل. الذين تعنيهم حياة هؤلاء، دون أن تتملكهم الأوهام الايديولوجية، يقبلون على هذه القضايا كما ينبغي أن يقبل عليها عقلاء القوم، ويسعون لخلق أرضية للتعايش السلمي من أجل حماية المصالح المشتركة. فمثلاً، في الرابع عشر من ديسمبر من العام الماضي، مثلاً، تداعى المهتمون بمشاكل القبائل الرعوية لاجتماع بقاعة اتحاد المصارف أسهم في الاعداد له وزارة الثروة الحيوانية، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، وخبراء سودانيون في مجال البيئة والمراعي. في ذلك الاجتماع شارك ثلاثة وزراء من الجنوب وعضو برلماني جنوبي وكان من بين مواضيع البحث : معوقات النظام الانتاجي للرحل، وضبط مسارات الرعي، وايجاد البدائل للرعاة. ولسوء الحظ كان النقاش مقصوراً على استقرار الرُحل في الشمال دون أن يتطرق الى مسارات الرعي جنوباً، وعل هذا الموضوع يلقي اهتماماً من الجهات التي رعت ذلك المؤتمر.
الانفصال كعلاج !
لصاحب الانتباهة رأي في الانفصال يقول فيه ان الحالة التي يعيشها السودان حالة مَرَضية، وان الاصرار على بقاء الجنوب كجزء من الوطن هو مصدر الداء، لذا سيعافى السودان ان بتر الجنوب : فـ '' المشكلات التي يتخوف الناس من حدوثها اذا تم الانفصال لا تختلف كثيراً عن الآثار الجانبية للدواء، فقد تضطر احياناً الى بتر الرجل المصابة «بالغرغرينا» (الانتباهة 22/11/2006). ذلك المقال كان رداً على رأي نقيض للاستاذ محجوب عروة. وكم استحسنا الرأي الرصين الذي ابداه كاتب تناول فيه تشريح صاحب '' الانتباهة '' للحالة السودانية، قال الكاتب : '' لا يظن البعض من اصحاب دعاوى الانفصال ان دعواهم لو تحققت سوف تحل الاشكال القائم ما لم يحدث توافق قومي يصنع الاستقرار. فمثلاً، لو افترضنا ان انفصالاً وشيكاً سوف يحدث للجنوب عن الشمال، فأن حرباً كالتي تدور في دارفور سوف تُنتج نفس الظاهرة. وبهذا المنهج سوف نتحول الى دولة قد اصابها مرض السكري يقتطع منها السياسيون من أمثال الطيب مصطفى كل حين قطعة، دون التفكير في حقنها بالانسولين '' (صهيب حامد، ألوان 6/12/2006). هذا ما أسميناه تداعي مكعبات الدومينو. ولا شك في أن الكاتب لم يكن يقرأ المستقبل في كرة بلورية كالعرافين، بل يترجم الواقع السياسي الذي امامه ترجمة دقيقة. ولعله، ولعل غيره، قرأ الحديث المطول لـ '' المجاهد الاسلامي '' ـ بحكم ما كان ـ الدكتور خليل ابراهيم (أخبار اليوم 22/11/ 2006) منذراً فيه بانفصال دارفور، وهو الذي حارب باستماتة من قبل للابقاء على الجنوب كجزء من الوطن. مثل هذا الحوار صار مشروعاً في الجو الديموقراطي الذي نعيش فيه، والذي اشاعته اتفاقية السلام. فلو رغب احد ان ينتقد موضوعياً اساسيات نظام الحكم السابق في أجهزة الاعلام لما استطاع. ولربما أصابه مكروه بسبب رغبته هذه على يد مجاهدي التلفزيون، قبل أن ينقض عليه جلاوزة الأمن. فلنحمد لنايفاشا هذا الجو المعافى على الأقل.
تلقيح الفتن
بيد أن صاحب الانتباهة يلح على الذهاب الى ما هو أبعد عن الحوار الموضوعي حول قضيته : أولاً باثارة الفتنة بين أهل السودان على أساس عرقي. ثانياً بالاساءة الى الجيش الشعبي الذي هو، بنص الدستور، جزء من القوات الوطنية المسلحة، وبلغة لو استخدم احد غيره ما هو ادنى منها بكثير عن القوات المسلحة السودانية لاودع غياهب السجون. ثالثاً بالحديث عن قيادات الحركة الشعبية بأسلوب لم يسبقه اليه الا النازيون واساطين الابارثايد عندما دعوا الى اقامة جيتوهات لليهود أو مناطق سكن محددة للافارقة السود. رابعاً الايماءات العنصرية، إذ ما ورد له حديث عن الحركة الشعبية أو الجيش الشعبي أو الجنوبيين الا وصحبته كلمة الغاب. هاكم النماذج : في مقال تحت عنوان '' لقد بلغ السيل الزبى ''، قال '' لطالما حذرنا من ترتيبات نايفاشا الأمنية التي ادخلت جيشاً حاقداً مليئاً بالمرارة ومتعطشاً ومتحرقاً للتشفي والانتقام الى قلب البلاد. جيشاً لا يعرف غير ثقافة البندقية وشريعة الغاب (الانتباهة 20/11/2006). وفي مقال آخر قال : '' ان اهم الاولويات ينبغي ان تتمحور في نزع السلاح غير المرخص به مع ابعاد الحركة الشعبية (يعني الجيش الشعبي) من جبل اولياء وسوبا وغير ذلك من المناطق بحيث تبعد معسكرات تلك القوات بما لا يقل عن سبعين كيلومتراً عن العاصمة، وكذلك ينبغي تنظيم حراسة الشخصيات القيادية في الحركة الشعبية، وأرى ان يرحل هؤلاء المسئولون جميعاً الى منطقة محددة ويستحسن ان تكون في اطراف العاصمة '' (الانتباهة 29/11/2006). وحتى فيما يتعلق بطلاب الجامعات من الجنوبيين، والذين نقطع بأنهم جميعاً نالوا تعليمهم الثانوي، ان لم يكن الابتدائي، في مدارس الشمال، الحقوا، هم الآخرون، بالغاب. ففي مقال له حول الأحداث المؤسفة في جامعة جوبا كتب صاحب «الانتباهة» عن تلك الجامعة التي أصبحت الحركة الشعبية، كما قال، على رأس الاتحاد فيها '' أنها الغابة، بل أن الحركة الشعبية تدخل حرم جامعة أكتسبت مكانة كبيرة وسمعة بين الجامعات الى حين هبت عليها رياح نايفاشا ''. ترى كم هو مغيظ هذا الرجل بسبب فلاح منسوبي الحركة الشعبية في قيادة اتحاد الطلاب. وعلى أي، جميل أن يهتم صاحب «الانتباهة» بموضوع العنف في جامعاتنا التي «أكتسبت مكانة كبيرة وسمعة بين الجامعات»، ولكن أجمل من ذلك أن لا يُغِيب عن ذاكرته أن للعنف في الجامعات السودانية تاريخاً قديماً سبق نايفاشا، وكان من أدواته السيخ والسلاح الأبيض.
فوبيا الشيوعية و الرثاثة البُدائية
توالت أيضاً مقالات صاحب '' الانتباهة '' عن اختراق الحزب الشيوعي للحركة الشعبية، والشيوعي، حسب دستورنا اليوم، حزب شرعي يعقد الندوات، ويلتقي المسئولين، ويشارك في الجهاز التشريعي للدولة. الاشارات لذلك الحزب تستدعى الى الذاكرة أمراً آخر هو أبلسة الخصوم بهدف القضاء عليهم، لا بالحجة والمنطق، وانما بوسائل يحرمها ذلك الدستور. من ذلك قوله في التعليق على ورقة الدكتور الواثق كمير التي طرحها على اتحاد الكتاب السودانيين حول السودان الجديد: '' لم ينس (أي الواثق) التطرق لعلاقة الدين بالدولة وفقاً لمفهوم الرجل المناهض للاسلام وشريعته ووفقاً لرؤية الحزب الشيوعي السوداني المتحالف مع الحركة الشعبية في حربها على الدين والهُوية العربية الاسلامية ''. (الانتباهة 30/10/2006).
صاحب الانتباهة رجل اعيا رهطه، وكم ظلم الناشر الأريب محجوب عروة السناتور يوجين جوزيف مكارثي ظلماً عظيماً حينما أسمى صاحب '' الانتباهة '' مكارثي السودان. قال عروة : '' إن الحالة المكارثية شبيهة بحالة صاحب «الانتباهة»، وهى '' حالة نفسية و هوس فكري و سياسي '' (السوداني 13/12/2006). مكارثي كان بحق مهووساً سياسياً بلغت عنده الفوبيا أو الرُهاب (الهلع المرضي من شئ ما) حداً عظيماً. هذا الشئ، في حالة مكارثي، هو الشيوعية. وقد حمل الهلع منها السناتور لأن يتهم بالشيوعية رجالاً مثل الممثل العظيم شارلي شابلن والشاعر اودين. وعلى أي، فقد وجد مكارثي من يردعه عندما أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي قراراً باغلبية ثلثي أعضائه يدين فيها هوس مكارثي وتحقيقاته التي اعتبرها المجلس وصمة في جبين الديموقراطية.
صاحب الانتباهة، مع هوسه السياسي بالشيوعية، حتى بعد أن تخلى عنها الأمين العام لحزب الطبقة العاملة، ميخائيل قورباشوف، تملكه رُهاب آخر ضد الحركة الشعبية تشوبه عنصرية لا تخفى، والعنصرية رثاثة بدائية، بل هى، في بلد متنوع الاعراق مثل السودان، مدعاة للفتن. وفي ذات مرة ثارت ثائرة صاحب الانتباهة، كما تَلَوح لنا في احدى مقالاته، ضد الصحافي الجرئ الطاهر ساتي الذي طالب مجلس الصحافة بمساءلة الرجل عما لمس فيه خروجاً عن القيم والاعراف الصحفية. بيد أن الأمر أفدح، ففي ما يكتبه صاحب الانتباهة، اخلال فادح بالدستور، خاصة المادة 39 (3) التي تلزم '' كافة وسائل الاعلام بأخلاق المهنة وبعدم اثارة الكراهية الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الدعوة للعنف أو الحرب ''. إزاء ذلك، نتساءل عن إن كنا نملك أي حق ادبي في الدعوة الى الزام أحزاب السودان باحترام الدستور، في الوقت الذي نسمح فيه لفرد واحد ان ينتهك الدستور كل يوم امام ناظر أجهزة تنفيذ القانون. كم من هذه الأجهزة التي تلاحق الأحزاب الشرعية بالتقارير، والصحف المسئولة بالاغلاق، والصحافيين الشرفاء بالتوقيف، قد توقفت، هى الأخرى، مرة واحدة لقراءة ما تنشره هذه الصحيفة، والتمعن في انعكاساته الأمنية المحتملة، وانتهاكه البين للقانون الأساس الذي يعلو على كل قانون؟
هو إدمان الشمولية وحسب
صاحب الانتباهة أيضاً كان داعية لشمولية، ألفها، و جلي أنه عاجز عن أية حياة سياسية غيرها، خاصة تلك التي توفر أرضاً منبسطة يعدو فيها الجميع على قدم المساواة. لهذا، ينتابنا شك بأن اكثر ما يؤذيه في الاتفاقية هو التحول الديموقراطي، وأن اكثر ما يقلقه في انفتاح الحركة الشعبية على الشمال هو تهديدها لمشروعه الانفصالي والشمولي في آن واحد. و ما الحديث عن التغلغل الشيوعي في الحركة، والذي تشاركه فيه الوكالة التي درجت على دس السم في الدسم، الأخت غير الشقيقة للانتباهة، الا غطاء لتلك النوايا غير المعافاة. ولعل الشيوعيين أنفسهم يتساءلون، كلما قرأوا تلك الصحيفة، ان كان هناك حزب شيوعي غير حزبهم الذي يعرفون أفلح في حشد الملايين لاستقبال الراحل قرنق في الساحة الخضراء، وفي استدعاء عشرات الآلاف لتأبينه في نادي المريخ، وفي اقناع شيوخ الطرق الصوفية وابناء زعماء العشائر المرموقين للانضمام اليه ؟
أياً كان الحال، لو كان صاحب الانتباهة يملك الحد الأدنى من الاحترام لعقول قارئيه الشماليين لأتبع كل مقال من مقالاته عن الحركة الشعبية و التغلغل الشيوعي فيها بمقال آخر يبين فيه للقراء طبيعة السودان الشمالي الذي ينشد ؟ فالذي يؤسس منبراً للدعوة السياسية يترجى منه الناس أن يبين لهم مقومات تلك الدعوة، وكيف يريد أن يؤسس لها، والى أين سيقودهم بها. ففي الشمال، مثلاً، شيوعيون من '' أولاد البلد '' ، باللغة التي يصنف بها البعض في دواخله أهل السودان رغم الهمهمة بالاحاديث الشريفة الناهية عن تمييز الناس على أساس أعراقهم . من '' أولاد البلد '' الشيوعيين هؤلاء الشايقي و الجعلي و الدنقلاوي، فما الذي ينتوي أن يصنع بهم صاحب '' الانتباهة ''، رغم رأيه ورأينا في أفكارهم وتوجهاتهم، في دولة الشمال التي ينتوي أن يقيم ؟ أي مكان سيضعهم فيه، لاسيما ومن بينهم من اختار الشعب بمحض اختياره في دوائر الخرطوم، عاصمة بني شمال.
الى جانب ذلك، ما الذي سيفعل بقبط السودان و هم أصحاب حق أصيل فيه ؟ و ما الذي سيصنع بالميرغني الذي لا يميز في تنظيمه السياسي بين المسلم والمسيحي ؟ ولعلنا نسترجع من الذاكرة قول والده العظيم للحاج عوض أبوزيد رحمه الله عندما جاءه مستفسراً عن رغبة قبط المسالمة في الانضمام لاتحادات الختمية : ''هم أخوان لكم، و عملكم الجماعي الخيري لن يمنعكم من الذهاب الى المساجد ولن يمنعهم من الذهاب الى الكنيسة''. أو ستبقى في دولة بني شمال التي يسعى لتأسيسها صاحب المنبر كنائس لهؤلاء يتعبدون فيها أم أنه سيلحق من تبقى منهم في السودان باخوتهم في استراليا وبرايتون؟ نسترجع من الذاكرة أيضاً ما قاله الميرغني للقاضي الراحل احمد الشيخ البشير عندما أنبأه عن حدث استغربه وهو يتدارس في أمر الترشيحات للمحاكم الأهلية. اندهش القاضي الراحل لوضع المرحوم مقار سيدهم، أحد المتقدمين للوظيفة، كلمتي '' قبطي ختمي '' في خانة الديانة في وثيقة الترشيح. قال السيد علي : '' أمثال هؤلاء هم الذين نريدهم في محاكمنا '' ، أو سيكون لهؤلاء القبط السودانيين مكان في محاكم دولته الجديدة ؟ ثم ما هو موقفه من القوى السياسية الأخرى ممن يطلق عليهم الأستاذ قطبي المهدي اسم الحركات العنصرية المسلحة : دارفور، جبال النوبة، شرق السودان ؟ وما الذي سيصنع بالفن الغنائي الشمالي، أسيتولى أمره بالتمزيق ليطهره من الرجس كما فعل من قبل إبان اشرافه على جهاز التلفزيون ؟ وما هو مكان النصارى من جماعة هليلويا في المؤتمر الوطني، أو سيأمرهم باللحاق بـ '' بني جنسهم '' ؟ ثم أخيراً ما هو موقفه من رجال الطرق الصوفية، أسيطلق على كل من انكر و استنكر مواقفه منهم نعت الشيوعي كما فعل مع ازرق طيبة، أو نعت الساذج كما اسمى الشيخ عبدالعال المكاشفي الذي أعلن انضمامه للحركة الشعبية ؟ أو لعله سيستتيبهم قبل السماح لهم بالبقاء في دولة بني شمال ؟ ثم ما هو رأيه في وثيقة حقوق الانسان دون تحايل عليها بالحديث عن صحيفة المدينة الغراء، أو بالتمتمة عن ما كان عليه الحال في فجر الاسلام وضحى الاسلام وظهر الاسلام، فهذه أمور نعرفها جيداً. الحقوق التي نتحدث عنها اليوم هى تلك التي ينص عليها دستورنا ذو الأصل النيفاشي.
أهل الشمال الذين يدعوهم صاحب المنبر لموالاته يريدون اجابة منه على هذه الاسئلة، ثم فليسطر، من بعد، كل ما عَنَ بخاطره حول الحركة والجنوبيين ومن والاهم. حقاً، إن كان لاتفاقية السلام فضل واحد، فهو أنها وضعت الغلاة من أمثال صاحب '' الانتباهة '' في امتحان عسير، وذلك من حسابات
|
|
|
|
|
|
|
|
ما يكتبه صاحب الانتباهة، اخلال فادح بالدستور، خاصة المادة 39 (3) (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: بيد أن الأمر أفدح، ففي ما يكتبه صاحب الانتباهة، اخلال فادح بالدستور، خاصة المادة 39 (3) التي تلزم '' كافة وسائل الاعلام بأخلاق المهنة وبعدم اثارة الكراهية الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الدعوة للعنف أو الحرب ''. إزاء ذلك، نتساءل عن إن كنا نملك أي حق ادبي في الدعوة الى الزام أحزاب السودان باحترام الدستور، في الوقت الذي نسمح فيه لفرد واحد ان ينتهك الدستور كل يوم امام ناظر أجهزة تنفيذ القانون. كم من هذه الأجهزة التي تلاحق الأحزاب الشرعية بالتقارير، والصحف المسئولة بالاغلاق، والصحافيين الشرفاء بالتوقيف، قد توقفت، هى الأخرى، مرة واحدة لقراءة ما تنشره هذه الصحيفة، والتمعن في انعكاساته الأمنية المحتملة، وانتهاكه البين للقانون الأساس الذي يعلو على كل قانون؟ |
http://www.rayaam.net/articles/article26.htm
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما يكتبه صاحب الانتباهة، اخلال فادح بالدستور، خاصة المادة 39 (3) (Re: Nazar Yousif)
|
Quote: شكرا يا عبد الفتاح..
أكرر اقتراحي بجمع كل المقالات الأخيرة للدكتور منصور خالد في بوست واحد..
ياسر |
وأكرِّر هذا الشكر لك، يا عبد الفتاح، كما أشكر الدكتور ياسر الشريف وأثني على اقتراحه بجمع المقالات في بوست واحد إذ إنّني أعتبر هذه المقالات، التي عكفت على متابعتها عبر صحيفة الرأي العام طيلة شهر يناير وخلال الاسبوع الأول من فبراير، دروس "عَصُر" مجانية ومتقنة في أمر ماشاكوس ونيفاشا والدستور الانتقالي
تكمن فائدة هذه المقالات في أنّها بيّنت للكثيرين (على الأقل لكاتب هذه السطور) أنّ ما حصل عليه أهل السودان، عبر مبادئ بروتوكول ماشاكوس ونصوص اتفاقية نيفاشا ومواد دستور السودان الانتقالي 2005، لأمر عظيم وربّما غير مسبوق في السياسة السودانية فقد أوقف هذا النصر الحرب مؤكّداً على أنّ الحكمة الوحيدة في الحرب، أي حرب، أن تضع أوزارها ويا لها من أوزارٍ وضعتها تلك الحرب الأطول في إفريقيا. عليه، فإنّها لجريمة، تستدعي كل الكدح لمكافحتها، أن تجهض تلك المبادئ والنصوص والمواد على بوابة التلكؤ (المغرض؟!) في تنفيذ الاتفاقية. أقول قولي هذا وأحمد لمقالات الدكتور منصور خالد أنّها تنبّه إلى ما يخشاه الكثيرون من أن تُفرغ الاتفاقية لتصبح إلى ما يشبه الإله الجاهلي المدعو سعداً فنأتي، حينها، سعداً طلباً لبركة الوحدة والتداول السلمي للسلطة وما إليه من بركات فتروّع الدماء المسفوحة عند قدميه ما طلبنا فنتفرّق شذر مذر لنكفُر به منشدين مع ذلك الشاعر الجاهلي:
أتينا إلى سعدٍ ليجمع شملنا فشتّتنا سعدٌ فلا نحن من سعد وهل سعد إلا صخرة في تنوفة من الأرض لا تدعو لغيٍّ ولا رشد
هذا، ونسأل الله أن يكضِّب الشينة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. منصور خالد...تلقيح الفتن والرثاثة البُدائية....اشاعة الاباطيل (Re: Abdelfatah Saeed Arman)
|
د. منصور خالد
عامان من السلام : حساب الربح والخسارة (15)
المصالحة الوطنية والمطالب التعجيزية
تضمنت اتفاقية السلام الشامل نصاً حول الوحدة الوطنية وتضميد الجراح باعتبارهما عنصرين مهمين من عناصر شمولية الحل واستدامة السلام. جاء في النص: ''يتفق الطرفان على بدء مصالحة وطنية شاملة و تضميد الجراح في جميع انحاء القطر كجزء من عملية بناء السلام. و تقوم حكومة الوحدة الوطنية بصياغة آلياتها و اشكالها'' (الفقرة 17 من بروتوكول ماشاكوس). وابانت مصفوفة تطبيق الاتفاقية المعالم الرئيسة لهذه العملية، مثال ذلك حملات يشارك فيها الاعلام، المؤسسات التعليمية، حملات الاحزاب السياسية، منظمات المجتمع المدني، القادة الدينيون، قادة القبائل. وكجزء من عملية تضميد الجراح أيضاً أوردت المادة 226(7) من الدستور أن على رئاسة الجمهورية انشاء لجنة مؤقتة للنظر في تظلمات من احيلوا للتقاعد أو فصلوا لاسباب سياسية تقدم توصياتها لرئاسة الجمهورية''.
كلا الواجبين لابراء لنا منهما حتى ينفذا، ولم ينفذا بعد، ولأسباب. لو أبطأ القارئ العجول الحكم على ما أوردناه عَرَضاً في المقالات السابقة حول الوحدة الوطنية لكان أجدى، فلننتظر. تلك الأسباب تتضح بجلاء عند النظر الى ما اعتبره المعارضون شروط لزوم للانخراط في مصالحة وطنية قوامها اتفاقية السلام الشامل.
رؤية التجمع الوطني للاتفاقية
عقب التوقيع على البروتوكولات الستة لاتفاقية السلام الشامل في 26/5/2004 تدارس التجمع الوطني الديموقراطي، كما أصدر حزب الأمة، وثيقتين أبديا فيهما رأيهما حول الاتفاقية من بعد أن رحبا بنهاية الحرب وحلول السلام. في ترحيبه بالبروتوكولات، انطلق التجمع مما أسماه ''حقائق أساسية'' تتلخص في الآتي :
× إنهاء الحرب كمدخل رئيس '' لمواجهة الأزمة المزمنة والتي ازدادت استفحالاً في ظل نظام الانقاذ''.
× ''خلخلة تركيبة النظام الشمولي بما يمهد لتفكيكه لصالح نظام ديموقراطي تعددي''.
× ''خلق واقع جديد يوفر مناخاً للصراع السياسي السلمي''.
× ''احتواء البروتوكولات على جوانب تلبي تطلعات الشعب'' مثل الالتزام بالتحول الديموقراطي، حق تقرير المصير للجنوب، جعل الوحدة خياراً جاذباً.
في نفس الوقت نعى البيان على البروتوكولات إغفالها لموضوع تصفية الكوادر في الخدمتين العسكرية والمدنية، وتبنى بعض حقوق الانسان الواردة في العهود والمواثيق الدولية واسقاط بعض آخر، وسيطرة طرفي الاتفاق على الحكم بنسب حدداها لنفسيهما. دعا التجمع من بعد، للمصادقة على الاتفاقية عبر مؤتمر قومي تشارك فيه كل القوى السياسية، كما نادى بشيئين آخرين: الأول وضع مشروع قومي للاجماع الوطني تلتزم به كافة القوى الوطنية، ويحكم الفترة الانتقالية، ويُبنى على أساس التراضي. والثاني اجراء مصالحة وطنية ترتكز على المحاسبة والمساءلة في انتهاكات حقوق الانسان والفساد المالي والاداري خلال السنوات الماضية. وفي سبيل تحقيق ذلك دعا التجمع الى تعبئة الجماهير واستنهاضها من أجل '' فرض التحول الديموقراطي ''ومن أجل أن''تصبح الاتفاقية شاملة''. النصوص التي أبرزناها بالبنط العريض في ما لخصنا من وثيقة التجمع، وكما سنفعل مع وثيقة حزب الأمة، ذات أهمية قصوى في التحليل الذي نحن بصدده.
رؤية حزب الأمة للاتفاقية
وفي 17/6/2004 خرج حزب الأمة على الملأ بوثيقة ضافية لم تترك فقرة في البروتوكولات الستة الا وتناولتها بالتحليل، بل بالجرح والتعديل. ذلك التحليل أو الجرح ـ أسمه ما شئت ـ سبقته مقدمة عن جهود حزب الأمة، من وجهة نظره، لتحقيق السلام بدءاً بمؤتمر كوكادام ( مارس 1986)، ثم عبوراً بكل المبادرات السلمية التي شارك فيها مع الآخرين أو قام بها منفرداً. تلا ذلك تحليل، من وجهة نظر الحزب أيضاً، للظروف التي قادت الطرفين للاتفاق. وكحال التجمع أعلن حزب الأمة تأييده للبروتوكولات، كما أبان وجوه اعتراضه عليها، وفق ما أسماه ''معايير موضوعية لتقييم عملية السلام''. من دواعي التأييد: انهاء الحرب ومنع استخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية، اقرار مبدأ الحلول الوسطى والتنازلات المتبادلة، التخلي عن الاستبداد الذي يقود لفساد الحكم، برنامج التحول الديموقراطي، الاعتراف بالتعدد الديني والثقافي والاثني.
ذلك هو القليل الذي أصابت فيه الاتفاقية، في نظر حزب الأمة، وما تبقى منها استُجرح وصار أهلاً للتعديل، إن كان له أن يصيب قبولاً عند حزب الأمة. تنبأ حزب الأمة أيضاً في وثيقته بالفشل للاتفاق ''مثل اتفاقية اديس ابابا 1972 واتفاقيات السلام من الداخل'' بينما بقيت، كما جاء في الوثيقة، اتفاقية كل الأحزاب السودانية 1953 التي مهدت الطريق للاتفاقية الانجلومصرية .1954 وحول هذه النقطة بالذات، غاب عن ذهن من صاغ تلك الوثيقة أمران: الأول هو أن اتفاقية اديس ابابا ''الثنائية'' أصبحت هى برنامج حكومة انتفاضة أبريل 1985 (حكومة الأحزاب الديموقراطية والقوى الحديثة) لحل مشكلة الجنوب، ولحكومة الحزبين من بعدها، رغم شعار محو آثار مايو مما يعني أنه لم يكن لتلك القوى السياسية حل غيرها. الثاني هو أن اتفاقية الأحزاب السودانية ، هى أس المشكل. فالاتفاقية التي وصفتها وثيقة حزب الأمة باتفاقية كل الأحزاب السودانية كانت في الواقع ''اتفاقية'' كل الأحزاب الشمالية '' إذ لم يشارك فيها سياسي أو تنظيم جنوبي واحد، رغم تلاقيها في مصر للتقرير في أمور منها مصير الجنوب.
في وثيقة حزب الأمة قضايا لن نقف عندها لأنها لم تعد ذات موضوع إذ عالج الدستور بعضها مثل اخضاع القوات المسلحة للقرار المدني الديموقراطي التعددي (المادة 144 (3))، أو لم تكن أصلاً ذات موضوع مثل ''أن يكون الدستور القومي مهيمناً على سواه من نظم قانونية''، فذلك أمر حُسم في ماشاكوس قبل التوقيع على البروتوكولات الستة (الفقرة 311)، بالرغم من أنه مبدأ قانوني لا يحتاج لتوكيد. ومثل ''ضرورة كسب تأييد الجيران وكذلك المجتمع الدولي العريض للاتفاقية، الا إذ احتسبنا أن مجلس الأمن والاتحاد الافريقي والجامعة العربية ودول الايقاد لا تمثل المجتمع الدولي العريض.
وعلنا، ان أردنا رواية كل ما جاء من نقد للاتفاقية في وثيقة حزب الأمة لما استوفاه هذا المقال وذلك الذي يليه، لذلك نورد أهم العناصر في تلك الوثيقة:
× ''قيام النظام المصرفي على أساس نظامين ''خطأ'' لأن الصيغ المسماة أسلامية اكثر ربوية من سعر الفائدة الذي يمكن اعتباره عائداً تعويضياً تجيزه الشريعة''.
× تبني الاتفاقية لعدد من الحقوق واسقاط أخرى مثل '' حق كل فرد في ادارة بلاده وحقه مثل غيره في تقلد الوظائف العامة''.
× عدم ''انشاء مفوضية مستقلة للحقيقة والمصالحة واقتراح اجراءات تصححية ''، إذ ''هناك مظالم تمثلت في صور التعدي على الدستور والقانون ونقض العهود والتفريط في السيادة الوطنية واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة كما تمثلت في جرائم ضد الانسانية وحقوق الانسان ومخالفات جنائية ومدنية يتوجب مخاطبتها بالآليات المناسبة''.
× ''انشاء مفوضية للمسلمين لمراجعة التشريعات الحالية '' التي ترى غالبية المسلمين انها معيبة وغير اسلامية''.
× ''الموافقة على تطبيق الشريعة ولكن ليس على اجتهاد نظام الانقاذ (الزكاة والمصارف مثلاً). لذلك ينبغي النص على أن التشريعات في هذا المجال مفوضة لأغلبية المسلمين كما يقررها ممثلوها المنتخبون انتخاباً حراً''.
× ''غياب المواثيق المؤسسة لبناء الوطن: ميثاق ديني، ميثاق ثقافي، نسوي، صحفي، نقابي''.
تبع ذلك النقد الضافي اقتراح بخلق آليات لاستدامة الاتفاقية هي: أولاً، المجلس القومي السوداني الذي يتكون من الحكومة الحالية (حكومة الانقاذ)، الحركة الشعبية، القوى السياسية الممثلة في الجمعية التأسيسية 1986، القوى التي أفرزتها المقاومة المسلحة للانقاذ، الشخصيات الوطنية. ويتمتع هذا المجلس بالصلاحيات التالية: التصديق على ما اتفق عليه الطرفان، تصحيح البنود البين ضررها، التحكيم فيما اختلف فيه الطرفان. يكون لهذا المجلس مراقبون هم: دول الايقاد، شركاء الايقاد، مصر، ليبيا، نيجيريا، جنوب أفريقيا، الامم المتحدة، الاتحاد الافريقي، الجامعة العربية، منظمة الفاتيكان، اسقفية كانتربري.
هذه الرؤى فيها ماهو مرغوب لاستدامة الاستقرار السياسي مثل التراضي على مشروع قومي يهدي العمل السياسي خلال الفترة الانتقالية، والعمل المشترك لانجاز التحول الديموقراطي، وفي الحالتين لن يتحقق التراضي أو العمل المشترك ان توسلنا لتحقيقهما بأدوات تجهض الاتفاقية مثل الدعوة للمصادقة على الاتفاقية بواسطة مؤتمر قومي (التجمع)، أو مجلس قومي (حزب الأمة). في تلك الرؤى أيضاً، لاسيما ما جاء في اطروحات حزب الأمة، ما لا محل له من الاعراب، إذ بينه وبين الذي تلاقي الطرفان في مفاوضات السلام لمعالجته بون شاسع. مثال ذلك، اعادة النظر في القوانين المنسوبة للشريعة، والتي لا تطبق الا في شمال السودان، أو في النظام المصرفي الاسلامي، والذي لا ينطبق بدوره الا على ولايات الشمال. فمع أهمية الموضوعين لأهل الشمال، إلا ان منطق الأشياء يقول إن الذي يجادل بشأنهما لن يكون بأية حال من الأحوال هو الحركة الشعبية الداعية لنظام يفصل الدين عن الدولة.
نكرر ونعيد أن الاتفاقية وثيقة من غير مثال. فهي ليست كالمواثيق التي درجنا على اصدارها عقب كل انتفاضة، يصوغها فرد أو أفراد في الساعة الحادية عشرة، ليختلفوا حولها بعد الساعة الثانية عشرة، بقليل أو كثير، وبالجملة أو التفاريق (القطاعي). هي اتفاق لحل مشكل متجذر، ولهذا ذهب صانعاها الى معالجة جذور المشاكل، ولا يكون ذلك الا بعملية جراحية. تلك العملية شملت تغييراً جوهرياً في الجسم السياسي السوداني، وفي هياكله الدستورية، وفي منظومته الادارية، كما احدثت في الاقتصاد تحولاً في النموذج المثال (paradigm shift) الموروث منذ الاستعمار. ولضمان الالتزام بما تواصيا عليه، اتفق الطرفان على ضمانات لانفاذ الاتفاق، وجداول للتطبيق، ومرجعيات داخلية وخارجية يعود لها الطرفان، في حالات الاختلاف. اكمال تلك الاتفاقيات استغرق من الطرفين.... عاما (من بداية مفاوضات ماشاكوس الى نهاية مفاوضات نايفاشا)، وشارك في الحوار العشرات من السياسيين والعسكريين والاقتصاديين والقانونيين. ورعت التفاوض، بل لعبت فيه دور الوسيط بصورة مباشرة، اربع دول افريقية (كينيا، يوغندا، اريتريا، اثيوبيا)، وأربع دول غربية (الولايات المتحدة، بريطانيا، النرويج، ايطاليا)، وبصورة غير مباشرة دولتان افريقيتان (جنوب أفريقيا، نيجيريا). كما أسهم في التفاوض بابداء الرأي وتوفير المعلومات كبريات المؤسسات الدولية: الامم المتحدة فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية، البنك الدولي حول قضايا التنمية واعادة التعمير والتأهيل، صندوق النقد الدولي بشأن كليات الاقتصاد والنقد والعملة الجديدة وتقدير حسابات النفط.
وحال اكماله، تم اشهار الاتفاق بتوقيع أربع عشرة دولة ومنظمة (الرئيسان الكيني واليوغندي نيابة عن الايقاد، وزير خاجية مصر، نائب وزير خارجية ايطاليا، المبعوث الخاص لمملكة هولندا، وزيرة التعاون النرويجية، وزير التنمية الدولية البريطاني، وزير خارجية الولايات المتحدة، رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي، الاتحاد الأوربي، منتدى شركاء الايقاد، امين عام الجامعة العربية، ممثل الامين العام لامم المتحدة). كما تمت خلال التفاوض مشاورات واسعة بين الحركة الشعبية والتجمع في مقر قيادة الراحل قرنق بجنوب السودان وفي نيروبي، ومع رئيس التجمع، مولانا الميرغني، في نايفاشا، دون أن نزعم أن هذه المشاورات ارتقت الى مستوى المشاركة في التفاوض. كما وقعت مشاورات مع قيادات حزبية مختلفة ارتحلت الى موقع التفاوض (الحزب الاتحادي الديموقراطي، حزب الأمة بشقيه، الحزب الشيوعي السوداني، يوساب). وعقب التوقيع على الاتفاق انتقل الراحل قرنق بفريقه المفاوض للقاهرة للالتقاء بالتجمع وقيادته والحوار معه على مدى اسبوع كامل مما مهد لاتفاق القاهرة في 16 يناير .2005
لكل هذا، يصبح الظن بامكانية اعادة النظر في الاتفاق على الوجه الذي قال به التجمع أو حزب الأمة ظناً لا يتسق مع طبائع الأشياء في دنيا السياسة الواقعية. وفي حالة الجنوبيين، وهم القاعدة الراكزة للحركة الشعبية، تستدعي لذاكرتهم أية محاولة لاعادة النظر في الاتفاقية تجارب خرق العهود مع الجنوب، والتي تفوقت فيها احزاب الشمال على نفسها. ولعله من المدهش حقاً أن لا يجد حزب الأمة في كل نماذج الاتفاقيات ذات الطابع القومي التي يقنع الحركة بجدواها، ويقدمها كنموذج بديل لاتفاقها الثنائي مع حكومة الانقاذ، غير اتفاقية 1953 التي عزلت الجنوب عن المشاركة في تقرير مستقبله.
اتفاقية السلام الشامل المصونة اقليمياً ودوليا أصبحت الاساس للعمل السياسي، بل أصبح العمل السياسي الحزبي، بنص الدستور، مرتهناً لقبولها. هذا هو الوقع والواقع لا يبدل الا بأدوات الواقع. بالطبع، هناك دوماً بديل آخر هو تغيير الواقع بالعنف، ولكن هذا لا يحدث الا عند انسداد الافق، وانعدام البدائل السلمية، وتوافر أدوات العنف لدى الراغب في اللجوء اليه، ومن أراد أمراً فليتدبر عواقبه. فالفعل السياسي لا يقوم على التمني، وانما على الاحتمالات القابلة للتحقيق، والفرص التي يمكن اهتبالها لتحقيق الغايات. وفي سنوات الاحتراب كثيراً ما كانت بعض الأحزاب الشمالية تتحدث عن الانتفاضة الوشيكة التي ستقتلع النظام من جذوره، ويتحدث فريق منها عن التأييد الكبير الذي يحظى به وسط القوات المسلحة، والذي سينتهي بانحياز الجيش الى جانب الشعب عندما تهب ثورته.
كان للراحل قرنق رأي مغاير، لا كفراً بالعمل الجماهيري، ولكن لقراءته الموضوعية للمشهد السياسي السوداني. قال الراحل لرفاقه في التجمع: لا تظنوا أن السودان هو سودان أكتوبر 1965 وأبريل .1985 في هاتين المرحلتين كان الحكم بيد أنظمة تفتقد الأرضية الشعبية، وكان الجيش موحداً، وكانت التنظيمات الاجتماعية (النقابات) على قدر من الاستقلالية. أما في عهد الانقاذ فقد اختلف الوضع، فالجيش لم يعد واحداً، بل أُفرغ من أغلب كوادره المهنية غير الحزبية وانشئت بمحازاته جيوش دورها الأهم هو تحييده إن تحرك. والنقابات جميعها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من التنظيم الحاكم. كما أن الحزب الحاكم ليس حزباً معزولاً بل هو حزب خاض معكم المعارك وشارك في الانتفاضات ولهذا يُدرك المقاتل، ويعرف كيف يتحسب للانتفاضات والانقلابات. ثم هو حزب مسلح. فان افترضنا ان ذلك الحزب لا يمثل الا خمسة بالمائة من أهل السودان، لكم ان تتصوروا ما الذي يستطيع أن يفعله خمس أفراد مسلحون بالكلاشينكوف في خمس وتسعين مواطناً أعزلاً؟ ابحثوا، اذن، عن صيغة أخرى لحماية جماهير الانتفاضة التي تنتوون اشعالها. تلك كانت هى بدايات العمل العسكري للتجمع، والذي كان الجيش الشعبي يمثل فيه غطاء الردع العسكري، في حين كان التجمع يمثل الغطاء السياسي للعمل الجماهيري، خاصة في الشمال. فما هو الحال الآن وقد انحسر غطاء الردع العسكري. بل ما هو الحال بعد أن صار النظام الذي كان معزولاً دولياً واقليمياً شريكاً في السلم تحت رعاية اقليمية ودولية. هذه ليست دعوة لبث اليأس، بل لحث الناس على التقويم الصحيح للمواقف، خاصة من يظن أن أي تجمع غاضب ضد قرار جائر هو قداحة لإشعال الانتفاضة الشعبية.
| |
|
|
|
|
|
|
|