مشهد من بيت العرقي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 11:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-21-2010, 10:09 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مشهد من بيت العرقي

    مضى، أكثر من ثلاث سنوات، على أول لقاء لي بفتاة تدعى مها الخاتم. رأيتها، قبل نحو ثلاثة أشهر تقريبا، وهي خارجة، بكل ذلك البهاء الكوني المطلق، من مطعم لبناني في نواحي الميرلاند الراقية بمصر الجديدة. كانت تسير برفقة المدعو عادل سحلب. عيناي تدمعان.

    الآن، وهنا، على باب هذه الكتابة، لا أدري، على وجه الدقة، يا أصدقائي الأعزاء، كم من أعوام عجاف حسوما، وأعوام غيث رخاء، مرت على ذلك اللقاء الموغل حثيثا في القِدم والنسيان. أحيانا، يخيل لي أن ما حدث لم يكن في نهاية المطاف سوى شكل آخر لهذيان المنفى. لكن ما حدث كان كابوسا لم أفق منه بعد. تمنّيتُ على الله لحظتها بكل جوارحي، بركة دعاء الوالدين، وما تبقى لي من ذرات إيمان قليلة أن تقع عليهما وقع الصاعقة على حقل أخضر عينا أحد المتطرفين ليعلما بعد علقة ساخنة كيف يمكن للمرء أن يسير محترما، في مثل هذ البلاد، ومراعيا لمشاعر الآخرين. أجل، يا أصدقائي الأعزاء، يمكنكم أن تقوموا بوضع صورة سحلب هذا داخل أي قاموس لغويّ آخر في العالم من غير أن تقوموا بوضع كلمة تعريفية واحدة، إلى جانبه. وقتها، وأنا متأكد تماما من هذا، أن الأعمى نفسه، سيشير إليه دونما تردد، قائلا "وغد"!.

    على مشارف ذلك الغروب، كما لو أنهما سيحلقان في أية ثانية، كانا يتمشيان على الرصيف أسفل أشجار البونسوانا المتتابعة بزهورها الحمراء الآسرة في اتجاه ميدان المحكمة القريب. كنت أقف وقتها وحيدا بائسا ملاصقا لعامود نور في انتظار باص يقلني إلى نواحي الألف مسكن قريبا من شقتي في حيّ عين شمس الشرقية لشراء حصتي اليومية من خمر مباركة مُرة المذاق تدعى "العرقي". كان يقوم بتصنيعها بعض المنفيين الغرباء داخل شققهم المؤجرة خلسة. وكما لو أن الكون لا يحوي أحدا غيرهما، كانت تسند رأسها بإطمئنان على كتفه، واضعة يدها اليسرى حول وسطه في تراخ، مداعبة شعرها الحر الطليق بيدها الخالية من آن لآن، دافعة برأسها كله إلى الوراء، قبل أن تعاود النظر إليه بتلك الملامح الحالمة، وهو، لعنة الله عليه، ظلّ يطوّق بيده اليمنى خصرها النحيل ماسكا بزمام مشاعرها بينما يتكلم. لا يتوقف أبدا عن الكلام. "وغد حقيقي". كنت أتأمّل المشهد في وقفتي تلك بشيء من رثاء. ولا أدري إن كان قد خطر لها في تلك اللحظة أنها تنصت إلى الشيطان الرجيم نفسه أم لا. لاحقا أخبرتني مها الخاتم نفسها، أثناء تلك الاستراحات التي تتخلل ممارسة الجنس، أنها كانت في طريقها إلى أن تمنحه شرف فضّ غشاء بكارتها. من المؤسف حقا، يا أصدقائي الأعزاء، إدراك المرء أنه ظلّ ينصت إلى الشيطان طوال الوقت، بعد حدوث الكارثة، حيث لا سانحة لتقويم المسار هناك.


    يتبع:
                  

11-21-2010, 11:34 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    كانت تلك الشقق التي يباع الخمر داخلها تسمَّى "بيوت العرقي". لكنّ قليلا من الزبائن من بين أولئك المنفيين وكثيرا من ذوي الحساسية المرضية المفرطة الذين قام المنفى بتحويلهم مع مرور الوقت وتعاقب السنوات إلى شعراء في سبيل الحرية ظلوا يدعون تلك البيوت باسم "الواحة واهبة الفرح المعبأ في الزجاج". إذا لم يتفوهوا بمثل هذا الهراء فالشيطان الرجيم نفسه لن يعلم مقدار ثقافتهم الرفيع. أكثر ما ظلّ يثير غيظي، في هذا الكون الفسيح برمته، لحظة أن يشرع أمثال هؤلاء المثقفين في مناقشة قضايانا المصيرية، بمثل تلك العبارة "إن جوهر الأزمة الصاعد يكمن في كيمياء التساكن". الشيطان وحده يعلم ما هذا!.

    كانت بيوت العرقي تحتل موقعها عادة في الطابق الأرضي أوالأخير من كل بناية سكنية لأسباب قد تتعلق بمحاولة إخفاء تلك الروائح القوية المنبعثة من داخلها، ما أمكن. ظلَّت هذه البيوت تكتسب أهمية متزايدة بعد أن فقد عدد من بين أولئك المنفيين الأوائل أبصارهم في أعقاب شراء خمور مصرية تالفة مرة واحدة وإلى الأبد. أذكر أن البعض من بين أولئك العميان الذين استقروا في ذاكرة المنفيين كضحايا لخمر رديئة قد بدأ يخبر معارفه تحوطا من حدوث اختراقات أمنية قد تتم من قبل النظام الديكتاتوري أن يقوموا بالضغط على رسغه بصورة معينة إذا حدث وأن صادفوه في مكان عام. كان يقول لهم بشيء من الحذلقة:
    "هذه شفرة تأميني"!.

    كان الأعمى، رد الله بصره، يستشعر في نفسه أهمية عجيبة. كما لو أنه الحارس الشخصيّ للأميرة ديانا. أذكر بوضوح حزين أنني تلقيت منه مرة صفعة بعد أن قمت بالضغط مازحا على مكان يقع ما بين صدره وبطنه. كان يقوده وقتها رجل لم يتعرّف عليَّ من قبل. لا أذكر أنني عدت لاحقا إلى تكرار مثل تلك المزحة السمجة. ما أذكره الآن بشيء من أسى أن للأعمى يد حَمَّال في ميناء مزدحمة. لم تكن له أبدا يد عاملة خياطة في مصنع للملابس الجاهزة. أجل، هذا العالم من الجدية بمكان. بدأ يفقد حسّ الفكاهة لديه منذ أمد بعيد. أحيانا أتساءل بيني وبين نفسي مندهشا من بصيرة يد الأعمى الثاقبة بينما أتحسس موقع تلك الصفعة عند منتصف وجهي تماما قائلا: ما الذي يمكن أن يحدث لي لو أنني قمت يومها بالضغط على مؤخرته. الوغد، سيعتقد آنئذ وبما لا يدع مجالا للشك أنه قد وقع هذه المرة في قبضة لو ط ي، لا جاسوس.


    يتبع:
                  

11-21-2010, 11:45 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    وصلت أخيرا إلى بيت أشوك في نواحي الألف مسكن. امرأة سوداء بدينة ربعة في منتصف العمر تقريبا. ظلت لسبب ما تلف ساقها اليسرى دائما بشريط طبي متسخ. ما إن تبادلك العرقي مقابل تلك الحفنة القليلة من المال حتى تعود في صمت وخطى قصيرة بطيئة وتجلس بلا مبالاة على كنبة خشبية في أحد جوانب الصالة وتتابع النظر بمسكنة وتسليم غريبين إلى شاشة تلفاز صغير ظلَّت تتبدل مشاهدها المصوَّرة بلا صوت، لا تستجيب بعدها سوى لطرقات قادم جديد. كما لو أنها تدعو الله في صمتها ساهرة الليل إلا قليلا أن يرزقها بمزيد من تلك الرؤوس البشرية التي عصف بها الحنين إلى بلادها البعيد. كنت أجد عندها من حين لآخر بعضا من بين أولئك المنفيين ممن يؤثرون الجلوس في ضيافتها لدقائق أو أكثر لتناول ما يعرف في "أدبيات العرقي" بمصطلح "كأسات الطريق"، وحتى هؤلاء لم تكن أشوك تتبادل معهم كلمة واحدة، عدا لحظة أن يطلبون منها مزيدا آخر من الشراب وأحيانا تجدهم وقد تلبستهم حالة شعرية غريبة من نوعها في العالم قاطبة فيشرعون بالتفوه بعبارات مثيرة للحيرة من شاكلة "أجمل من الخمر كيفية العثور على الخمر".

    هذه المرة، يا أصدقائي الأعزاء، وجدت في معية أشوك ما بدا لي مثقفين ضليعين من عُملة فلسفية نادرة تذكرك لوهلة بحوارات أفلاطون في "الجمهورية"، مع أولئك السوفسطائيين. كانا في منتصف مناقشة جادة حول ما أخذا يدعوانه على نحو مكرر بمزيد من هراء التفهم "مفهوم الحرية بمذاقه المدهش الفريد". كما لو أنهما يرتلان نشيد الإنشاد. كانا من الاستغراق بمكان إلى درجة أنهما لم يردا على تحيتي، بل لم يلتفتا كذلك حتى إلى وجودي على مقربة منهما كما لو أن مسألة دخولي ومغادرتي لبيت أشوك مسألة من شأنها أن تهدد مسار استمنائهما الفكري العتيق في أية لحظة. فجأة، تحرَّكت كوامن الشر كلها في داخلي.

    وقفت بينهما داخل تلك الصالة بلا صوت. أخذا يتطلعان إليَّ من قعدتهما المتقاربة تلك بذهول وحيرة لا نهائية. "هل من شيء بوسعنا القيام به تجاهك"، سألني أحدهما بتهذيب جم. كاد ذلك أن يطفيء جذوة الشر الموقدة في دواخلي للتو. "هيا، امسح بهما الأرض حالا"، سمعت الصوت وهو يتردد في أعماقي. قال الآخر بشيء من نفاد الصبر "بالمناسبة، يا هذا، أنت تقطع علينا تسلسل نهر الأفكار الدافق". عندئذ، عندئذ فقط، وضعت على ملامحي تعبير وجه إمام على وشك أن يلقي بخطبة عصماء شديدة اللهجة على رؤوس مصلين أنفقوا نصف نهارهم ممارسين الغش داخل الأسواق. قلت لهما مستشهدا بأسماء مفكرين وفلاسفة وكُتّاب غربيين من صنع خيال اللحظة المحض وحده "أيها الأصدقاء، أعذراني، فما قد سمعته منكما للتو لهو أمر لا ينتمي في جوهره اليقيني المتهافت إلى مفهوم المناقشة الإيجابية كما حدده وليم الإسبارطي في نظريته المعنونة باسم رعشة الجسد". في الواقع، بدا صمتي القصير المباغت بديعا ومؤثرا. وكنت أشعر، بعد تجرع ثلاث كؤوس، أثناء مشاهدة تلفاز أشوك الصامت، وكأن الفيلسوف المدعو مهدي عامل يقبع في مكان ما داخل رأسي. تجرأ آنئذ أكثرهما سُكرا، وسألني بتقعر "كيف". قال الآخر كالمتفهم "أجل، كيف، يا هذا، تكون المناقشة مخصيّة، برأيك"؟!.

    قلت مواصلا حديثي بالحذلقة التي يعجز الشيطان الرجيم نفسه في الأخير عن فهم مغزاها "بمعنى أن فضاء المناقشة يتم تصويره في هذه الحال وفق جدلية تلميذه الفذ ستيفن كولجاك كلقاء سريري يجمع في لحظة غضب ثوريّ ما بين إرادتين متوافقتين كما لو أن معركة تنشب رحاها تحت رعاية الشيطان الرجيم نفسه ما بين رجل عارم الشهوة وامرأة شبقة لتوليد ما أسماه بيتر كوبنهاجن نفسه في مرحلة تالية "الدلالة المثمرة لغريزة البقاء، ثم ليلة سعيدة، أيها الأصدقاء". تركتهما آنذاك حائرين ثملين فاغري الفم ميتين تماما بتأثير وقع الصدمة بينما يتابعانني بنظرتين واجمتين متجمدتين: واحدة مصدقة وأخرى متشككة.

    أخيرا، حزينا وحيدا بائسا، عدت إلى شقتي، غرفة، حمام، ومطبخ. مجرد مستطيل أسمنتي صغير جرى تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء لا يفصل بينها باب، أو ستارة. بدأت أتجرع كأسات العرقي. وقد خطر لي أن أقوم بواسطة خيالي الداعر بتجريد بعض المشاهد التي رأيتها قبل ساعات في الميرلاند. حذفت صورة عادل سحلب تماما. أحللت نفسي في مكانه. أغمضت عينيَّ. قطعة فقطعة، قمت بنزع ثيابها. لم يمضِ وقت طويل، حتى شرع موضوعي الخاصّ في التوغل ببطء داخل ثنايا العالم الحميم لمها الخاتم.
                  

11-21-2010, 08:07 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    "إن معرفته الغريبة والعميقة في آن معا قد جعلتني أدرك أن العالمية التي اعتقدنا أننا تمكّنا منها، نحن طلاب الثانوية المزهوين بأنفسهم زهوا مفرطا، لم تكن لتُكتسب بالقراءة والمناقشة المستعجلة، بل بأعوام من الجهد المضني"، من مذكرات الكاتب اليهودي النمساوي ستيفان تسفايج. ومع اختلاف الخلفيات، على مستويات عديدة، إلا أنني على مستويات المصائر وجدت في تلك المذكرات (عالم الأمس) الكثير من أوجه التلاقي بينها وبين مذكرات الفلسطيني إدوارد سعيد!.
                  

11-21-2010, 09:14 PM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    جميل يا برينس
                  

11-22-2010, 05:33 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: حبيب نورة)

    شكرا، حبيب نورة، لكل هذا البهاء.
                  

11-22-2010, 05:28 PM

ناذر محمد الخليفة
<aناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    كل عام وإنت بخير يا برنس ..!!
                  

11-22-2010, 08:16 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: ناذر محمد الخليفة)

    والقابلة، أخي ناذر، تتحقق أماني الجميع الطيبة. شكرا.
                  

11-23-2010, 00:52 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    http://www.daralhayat.com/portalarticlendah/205110

    أعلاه رابط، وهو أحد فصول مسودة الرواية التي لا أزال أعمل عليها، وقد تم نشره اليوم في الملحق الثقافي لجريدة الحياة اللندنية. لكن هذا الفصل بعد أن بعثته لهم اشتغلت عليه كثيرا. ربما يتاح لي لاحقا نشره هنا عبر نسخته المعدلة في بوست منفصل.
                  

11-23-2010, 09:00 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    في الواقع، لا توجد فصول ضمن سياق هذه المخطوطة، بالمعني الصارم لكلمة فصول، كما نجد ذلك في سياق الأشكال التقليدية التي استقرت في الأذهان كرواية. نعم هناك أحداث، تطورات تحدث على صعيد الشخصيات، حبكة، وكل ذلك الهراء، لكن المسألة هنا أشبة بنظرية (فوضى النظام)، التي اشتغلت عليها بذكاء بعض أفلام السينما الأمريكية والبولندية. فما يبدو متنافرا متباعدا على السطح ثمة خيط لا مرئي يربط بين مختلف أجزائه فيما نفس الخيط يكتسب ظهوره شيئا بعد شيء. اعتماد هذا الشكل ليس اعتمادا اعتباطيا في تصوري. إننا هنا نتحدث عن النفسية المتشظيّة للمنفيّ وتبعثر ذاكرته المجلوبة على المغادرة والنسيان والمحو.
                  

11-24-2010, 10:13 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    ستيفان تسفايج، Stefan Zweig، كاتب يهودي نمساوي، انتحر في عام 1942 في البرازيل مع زوجته، سبق لي أن قرأت كتابه النقدي (بناة العالم) بجزئية في كندا، بعد أن دلني إليه لأول مرة صديق عراقي يكتب الشعر على قدر من عمق الرؤيا. هذه الأيام أقرأ في سيرته الذاتية بنوع من التوحد على مستوى تلك الأصعدة الجمالية المتعددة، سواء الشعر أوالموسيقى اوالرواية أوالسيرة الذاتية للكبار أمثال بلزاك ودوستوفيسكي وجيمس جويس وبتهوفن وباخ وشتراوس آخر عظماء الموسيقى في العالم مرورا بمكسيم غوركي وتلك اللحظات التي قضاها أثناء تقمص الحالة الإبداعية لرودان في فرنسا وانتهاء برصده العميق والشمولي لما تم قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها في أوربا. هذا الكاتب كلما فرغت من عمل له تشعر أن العالم لم يعد هو العالم. مما يشي برصانة هذا الكاتب قوله عن طريقته في الكتابة "تزعجني كل زيادة، وكل زخرفة، وأي شيء غامض النشوة، ومبهم، وكل ما يعيق نمو الرواية، أوالسيرة، أوالمناقشة الفكرية، فالكاتب الذي يحافظ باستمرار على مستواه صفحة بعد صفخة، والذي يستحوذ على انتباه القاريء استحواذا تاما حتى السطر الأخير، إن هذا الكاتب فقط هو الذي يمنحني متعة كاملة".
                  

11-26-2010, 07:43 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    ثمة قارئة، يبدو لي، عبر حدس ما، أنها من نواحي الشام أوأكراد العراق، قامت مشكورة بالتعليق على عملي الأخير المنشور، وفق السياق أعلاه، في ملحق الحياة اللندنية الثقافي الأخير (آفاق). يسرني أن الكتابة تبني بيني وبين الآخرين جسورا لا حوائط:

    Quote: قصة - وداعاً
    كاتب التعليق : آلآء الفرّآ التاريخ : الخميس, 11/25/2010 - 07:08.
    في وقتٍ ننتَظِر فيهِ مآهُو بدِيهيٌّ من الآخرِين .. لآآ نجرُؤ على مطَآلبتِهِم بشيءٍ خآصّةً عندمَآ تخُوننَــآآ أنفُسُنــــآآ ونبحَث فيهَآ عن ردّةِ فعلٍ مآ فلآآ نجِدهـــآآ ..~
    لَو كآنَ وليَم شعَر بكلّ الغضَبِ الذِي بحثَ عنهُ في دوآخلِهِ ولم يجِده .. ولَو فآرَ الدَم في عرُوقهِ فعلآآ .. ولو ثأَر لنفسِه وقتَهَــآ "ربّمَآ" مَآ كنتُ لأتعَآطَف معهُ مع أنّ أمآندَآ تستَحِق مآهُو أكثَر من ذلِك .. |~
    الصّمتُ والصّدمَة التِي غلّفتُه لثلآآثةِ أيآمٍ كآنَت كآفيَة تمَآمًآ لأن يتأكَد من أنّ أمثَآل أمآندَآ ومثلَ تلكَ الفعلَةِ لن يتكَررُوآ قي حيَآتهِ ثآنيَة .. ولكِن هذَآ لآآ يهِمّه الآنَ أبدًآ ..!!
    قَد نُخبِر وليَم يومًآ مَـــآ بالطرِيقَةِ المُثلَى للثأرِ لأنفِسنآ وقلُوبنَآ المَوؤُدةِ .. حينَ نجِدهَآ ..
    قصّة قصِيرة رآئِعة حقًـــآآ ..
    تقَبّلوآ مرُورِي ورأيي المُتَوآضِع
                  

11-27-2010, 08:11 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشهد من بيت العرقي (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: قصة - وداعاً
    الثلاثاء, 23 نوفمبر 2010
    عبدالحميد البرنس
    استيقظت متأخراً. الشمس تضع قدمها على عتبة النافذتين. أماندا نائمة. على ملامحها تعبير ميت. لعلها عادت على مشارف الصباح. أتذكر طرفاً مما حدث. لم أكن أفكر في أمر محدد. كنت أقرأ داخل غرفة المكتب بلا مبالاة بعضاً من تلك الرسائل التي ظلّت ترد إلى بريدي الإلكتروني من منفيين غرباء لا يزالون يكابدون شظف العيش في القاهرة. كانتا، أماندا ومليسيا، كبرى شقيقاتها، تستعدان للذهاب وحدهما إلى أحد الملاهي الليلية. مليسيا، لا تصلح لأن تكون حجر الزاوية في بناء بيت. تركتْ في معية زوجها أربعة توائم. وتفرغت تماماً لمغامراتها. لا أتذكر لها لحظة حنين، مثل الضيف، ألقى برحاله بين قوم مجهولين ورحل صوب المجهول بلا ذكرى، بلا شوق، بلا قلب يهفو لنداء يتلمس طريقه بحثاً عن أمومة غائبة. لعلها في هذا تسلك مثلما أسلك مع وجوه الماضي البعيد.

    كان لدي شعور غامض أن طريق أماندا لن تفضي في النهاية إلى شيء. أذكر أنني اعتذرت عن عدم مرافقتهما. كنت مُتعباً. مرأى أماندا وهي نائمة الآن إلى جواري يخبرني أنني لا أزال أسيراً لتلك الهواجس. طبعت على جبينها قُبلة. سرت صوب الحمام. تعودت على عادة ترك باب الحمام مفتوحاً. وقد بدأت أتفهم إلى جانبها أن التوحد بستان ينطوي على الاختلاف والعزل بين أنواعه يُميتها. شيء ما جعلني أوصد الباب هذه المرة. كما لو أن روحاً غير مرئية تتربص بي الدوائر في مكمن ما داخل الشقة. أخيراً، أنهيت تنظيف أسناني بينما أدندن بموشح أندلسي قديم: «أيها الناس فؤادي شَغِف/ وهو في بَغيِ الهوى لا يُنصِف».

    هذا يوم سبت آخر. في الوقت متسع إلى أن تستيقظ أماندا. كنت أسير نحو المطبخ المفتوح على الصالة، محكوماً بالرغبة في صنع كوب من القهوة، لا شيء يعكر صفو الهدوء، سوى أزيز الثلاجة. فجأة وقعت عيناي على رجل. كان ينام على الكنبة. بنظرة، أدركت ما حدث أثناء نومي. كنت أواجه تحديات وجودي كرجل للمرة الأولى. أسود البشرة، طويل القامة، في نحافته شيء من تواريخ الفقر المدقعة وراء البحار. لاح داخل ضوء الصباح المتأخر الكثيف واثقاً غير هيّاب. لا بد أن لديه وقتاً كافياً لخلع ملابسه وارتدائها على نحو لم يفقده أناقته. فتح إحدى عينيه. لم ينسني هول الصدمة أن أرد على تحيته الصامتة بإيماءة. يا للسخرية، قمتا الوقاحة والتهذيب في موقف لا يحتمل الجمع بين النقائض. تركتُه يواصل نومه.

    لم تجتاحني ثورة الأعماق، ولا غلت الدماء داخل عروقي، لم أطلب ثأراً من غريمي، لم أقم بتقديم دمها على مذبح الغيرة، لم ألتهب حتى بقصائد الشرف الرفيع. وجدتني بعدما أيقظتها أقف على رأسه. أذكر أنه اعتدل من نومته جالساً كما لو أنه كان ينتظرني. قلت له بصوت ميت «اخرج الآن من بيتي». بدا متردداً وهو يتقدمني بخطوة. يا للوقاحة، أخذ يصلح ما فسد قليلاً من ردائه. ثم توقف داخل الطرقة. لكأنه يهم بوداعها وراء باب غرفة النوم الموارب. «من هنا»، كنت أشير إلى باب الشقة.

    وجدتها مرتدية ثيابها. لا تزال تحدق إلى الأرض. دعوتها للحضور إلى غرفة المكتب كما لو أنني بصدد اجتماع رسمي. هناك، حاولت الحديث عن «الشرف». لم أفلح. رفعت رأسي بصعوبة. كما لو أنني أراها للمرة الأولى. بكتْ، انتحبتْ، توالت دموعها حتى خلت أنها لن تتوقف. جسدها الذي أعرفه جيداً أخذ ينتفض بشدة. كنت أجلس وراء المكتب الخشبي مواجهاً نافذته الزجاجية. كانت قابعة إلى يسار المكتب. على بعد لمسة مني. قالت «ليس لدي ما أدافع به. لو تنشق الأرض الآن وأغوص داخلها. ما حدث حدث. ليس بوسعي تغييره». قلت: «كم من الوقت يلزمك لحزم حقائبك والرحيل من هنا، يا أماندا؟». قالت «القليل». بعد لحظات مشحونة بالصمت المعدني نفسه «أريدك أن تعلم أنني لم أحب من قبل رجلاً آخر مثلما أحببتك أنت ولا أزال. قد لا تصدقني. لكنها الحقيقة. وما حدث كان مجرد غباء. لا أدري، يا وليم». من جوف تلك الإطراقة الأسيانة «سأحضر للملمة أغراضي ريثما تهدأ قليلاً». في جلستي تلك، وصوت باب الشقة يفتح ويغلق، اجتاحني شعور لا نهائي بالوحشة. لكأن شيئاً زحف في داخلي ومات. ظللت بعدها لثلاث ليال لا أكلم أحداً، لا أحد يكلمني. ظهر اليوم الرابع، بدا كما لو أنني قمت بتصفية أحزاني. كنت مجرد صفحة بيضاء.

    كان العصر يقترب من نهايته، عندما أخذ يتناهى بوق بإلحاح غريب من أرض خلاء تقع غرب البناية مباشرة. خيل إلي كما لو أنني أسمع صوتها. حين نظرت أستطلع الأمر عبر إحدى نوافذ الصالة رأيتها بالفعل. أشارت لي بمقابلتها في الأسفل. هناك، تبينت وجود ثلاث فتيات كن بصحبتها. قالت إنها حضرتْ كي تسلمني النسخة الإضافية من مفتاح الشقة. وقالت بغموض إنني لم أستيقظ لحظة أن جاءت ليلاً لأخذ ما تبقى من متعلقاتها الشخصية وإنها لم تؤذني لأنها لا تزال تحبني. كنت أنصت في شرود. لم يثرني مرأى السيارة التي تقودها. بل طريقتها العملية في الكلام. لكن صوتها لأن فجأة وتكسرت قساوته. قالت وهي ممسكة بباب العربة وقدم على الأرض وأخرى بالداخل:

    «وليم؟، أهذه هي النهاية»؟.

    أومأت برأسي.

    «أكل شيء انتهى»؟.

    أشحت بوجهي بعيداً:

    «لم يُترك لي خيار».

    «يا إلهي، ما زلت أحبك».

    «مع السلامة، يا أماندا».

    في تلك الفسحة الخالية، وقفت أرقب العربة وهي تندفع محدثة صريراً عالياً، تابعتها وهي تنحرف صوب شارع سيرجنت القريب، وحين اختفت وتوارى هديرها في عمق الهدوء الحزين للغروب، أدركتُ بشيء من الحياد أنه لم يعد لي «بعد اليوم» بقاء «في هذه المدينة».


    http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/205110
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de