|
مشهد من بيت العرقي
|
مضى، أكثر من ثلاث سنوات، على أول لقاء لي بفتاة تدعى مها الخاتم. رأيتها، قبل نحو ثلاثة أشهر تقريبا، وهي خارجة، بكل ذلك البهاء الكوني المطلق، من مطعم لبناني في نواحي الميرلاند الراقية بمصر الجديدة. كانت تسير برفقة المدعو عادل سحلب. عيناي تدمعان.
الآن، وهنا، على باب هذه الكتابة، لا أدري، على وجه الدقة، يا أصدقائي الأعزاء، كم من أعوام عجاف حسوما، وأعوام غيث رخاء، مرت على ذلك اللقاء الموغل حثيثا في القِدم والنسيان. أحيانا، يخيل لي أن ما حدث لم يكن في نهاية المطاف سوى شكل آخر لهذيان المنفى. لكن ما حدث كان كابوسا لم أفق منه بعد. تمنّيتُ على الله لحظتها بكل جوارحي، بركة دعاء الوالدين، وما تبقى لي من ذرات إيمان قليلة أن تقع عليهما وقع الصاعقة على حقل أخضر عينا أحد المتطرفين ليعلما بعد علقة ساخنة كيف يمكن للمرء أن يسير محترما، في مثل هذ البلاد، ومراعيا لمشاعر الآخرين. أجل، يا أصدقائي الأعزاء، يمكنكم أن تقوموا بوضع صورة سحلب هذا داخل أي قاموس لغويّ آخر في العالم من غير أن تقوموا بوضع كلمة تعريفية واحدة، إلى جانبه. وقتها، وأنا متأكد تماما من هذا، أن الأعمى نفسه، سيشير إليه دونما تردد، قائلا "وغد"!.
على مشارف ذلك الغروب، كما لو أنهما سيحلقان في أية ثانية، كانا يتمشيان على الرصيف أسفل أشجار البونسوانا المتتابعة بزهورها الحمراء الآسرة في اتجاه ميدان المحكمة القريب. كنت أقف وقتها وحيدا بائسا ملاصقا لعامود نور في انتظار باص يقلني إلى نواحي الألف مسكن قريبا من شقتي في حيّ عين شمس الشرقية لشراء حصتي اليومية من خمر مباركة مُرة المذاق تدعى "العرقي". كان يقوم بتصنيعها بعض المنفيين الغرباء داخل شققهم المؤجرة خلسة. وكما لو أن الكون لا يحوي أحدا غيرهما، كانت تسند رأسها بإطمئنان على كتفه، واضعة يدها اليسرى حول وسطه في تراخ، مداعبة شعرها الحر الطليق بيدها الخالية من آن لآن، دافعة برأسها كله إلى الوراء، قبل أن تعاود النظر إليه بتلك الملامح الحالمة، وهو، لعنة الله عليه، ظلّ يطوّق بيده اليمنى خصرها النحيل ماسكا بزمام مشاعرها بينما يتكلم. لا يتوقف أبدا عن الكلام. "وغد حقيقي". كنت أتأمّل المشهد في وقفتي تلك بشيء من رثاء. ولا أدري إن كان قد خطر لها في تلك اللحظة أنها تنصت إلى الشيطان الرجيم نفسه أم لا. لاحقا أخبرتني مها الخاتم نفسها، أثناء تلك الاستراحات التي تتخلل ممارسة الجنس، أنها كانت في طريقها إلى أن تمنحه شرف فضّ غشاء بكارتها. من المؤسف حقا، يا أصدقائي الأعزاء، إدراك المرء أنه ظلّ ينصت إلى الشيطان طوال الوقت، بعد حدوث الكارثة، حيث لا سانحة لتقويم المسار هناك.
يتبع:
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-21-10, 10:09 AM |
Re: مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-21-10, 11:34 AM |
Re: مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-21-10, 11:45 AM |
Re: مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-21-10, 08:07 PM |
Re: مشهد من بيت العرقي | حبيب نورة | 11-21-10, 09:14 PM |
Re: مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-22-10, 05:33 AM |
Re: مشهد من بيت العرقي | ناذر محمد الخليفة | 11-22-10, 05:28 PM |
Re: مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-22-10, 08:16 PM |
Re: مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-23-10, 00:52 AM |
Re: مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-23-10, 09:00 AM |
Re: مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-24-10, 10:13 PM |
Re: مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-26-10, 07:43 PM |
Re: مشهد من بيت العرقي | عبد الحميد البرنس | 11-27-10, 08:11 AM |
|
|
|