دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
للشيوعيين فقط.
|
الجذور التاريخية لانهيار الاتحاد السوفيتي محمد سعيد القدال [email protected] 2003 / 3 / 5
عندما سئل شو ان لاي - اول رئيس للوزراء في الصين بعد الثورة- عن رأيه في الثورة الفرنسية التي وقعت عام 9781، قال إن أوان تقييمها لم يأت بعد• ولعله قصد الى اشياء متعددة ربما من بينها أننا كلما ابتعدنا من الحدث التاريخي كان تقييمنا له أكثر موضوعية• ولكن تقييم الثورة الفرنسية لم ينتظر حتى يحين ذلك الأوان• فخلال القرنين الماضيين تناولها المؤرخون من كل جوانبها، ووفدوا اليها من كل حدب وصوب، ونشروا مئات الدراسات، ومازالت الدراسات تترى• فهل آن الأوان لتقييم الثورة البلشفية والتجربة السوفيتية عامة >إن تقييم تلك التجربة قد بدأ في الواقع وهي لما تزل في مهدها• ولكن بعد انهيارها انفتحت المزيد من السبل للمزيد من الدراسات النقدية التي تجاذبتها مختلف الاتجاهات والمقاصد• ولسنا هنا بصدد تقييم التجربة السوفيتية خلال الحقب الست التي اشرقت خلالها على الارض بنورها في أحيان كثيرة، ولكننا سوف نحاول إبراء بعض الاخطاء الكامنة في الجذور التاريخية، وكانت تنخر فيها مثل دابة الارض حتى انهارت كما انهارت منسأة سليمان أمام دهشة الجن• فهذه الورقة ليست دراسة للتجربة السوفيتية عبر مسارها الطويل نسبيا، وإنما نتناول الجذور التاريخية لست جوانب سلبية• أولاً:يطرح انهيار الاتحاد السوفيتي سؤالا، بل ربما اسئلة، حول الماركسية وجدواها وقابليتها للتطبيق على الواقع• وكلها اسئلة مشروعة، وستظل تفرض نفسها شئنا ان ابينا• ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي هو انهيار لتجربة خاصة ببلد معين• اما الماركسية فهي منهج له تجلياته الكونية المختلفة، وتيار متدفق انسكبت فيه مختلف الاجتهادات والتجارب، كان بعضها بعيد المدى عميق الغور، وكان بعضها الآخر في خلاف بيّن معها، وبعضها الثالث في عداء سافر مع الاتحاد السوفيتي• وإذا كان الاتحاد السوفيتي السابق قد طغى على الماركسية بنفوذه المادى والمعنوى، فإن انهياره لا يعني زوال الماركسية، فقد اصبحت الماركسية إرثا فكريا اندغم في نسيج التراث البشري• ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي لابد ان يلقى بظلال كثيفة علي الماركسية• وفي هذا الصدد قال آينشتاين: >عندما تتصادم أسس اية فكرة مع عملية تجسيدها، فإن هذا التصادم في حد ذاته يجب ان يدلنا علي ان هنالك خللا ما في مكان ما• لابد ان نبحث عنه ونكتشف موضعه<• (النص من كتاب محمد حسنين هيكل، زيارة جديدة للتاريخ، ص 402)• فهل الخلل في الماركسية أم في الاسلوب الذي طبقه الروس بها ام في مجمل تعاملهم معها، وهل من سبيل للتفريق بينهما؟ والأسئلة ما تفتأ تتوالى ولن يتوقف تدفقها، فالأمر مثير للجدل ومثير للّغط ومثير للتأمل• لقد صيغت الماركسية في قمة الثورة الصناعية والتطور الرأسمالي واللبرالية• وكانت امتدادا لعصر الاستنارة الذي سطعت شمسه في سماء اوربا منذ القرن الثامن عشر• واغترفت من معين التراث الانساني، ومن الفكر الاوربي في القرن التاسع عشر، وهو قرن صيرورة تاريخية حركت فيه البرجوازية مسرح التاريخ ايما حراك• فكانت الماركسية من نتاج ذلك الحراك• لقد انفلتت الماركسية من احشاء النظام الرأسمالي من ثنايا التاقض الفاحش بين الثورة والفقر• ودرست الماركسية النظام الرأسمالي وكشفت التناقض الكامن فيه، وطرحت آفاقا لمجتمع جدي تتقلص فيه الفوارق حتى تنقرض• والماركسية لها جانبان الاول المنهج الذي توصل اليه ماركس ومن سار معه على الدرب والثاني الاستنتاجات التي توصل اليها عند تطبيق ذلك المنهج أما المنهج فهو جزء من التراث البشري، ويختلف تطبيقه من مفكر لآخر ومن مجتمع لمجتمع وقد اندهش ماركس من بعض الاستنتاجات الجامدة التي ادعى اصحابها انهم ماركسيون، فقال قولته الشهيرة: >إذا كانت هذه هي الماركسية، فأنا لست ماركسيا<• لقد التقط بعض المفكرين من غير الماركسيين جوهر الماركسية يقول المؤرخ البريطاني البروفيسور بترفيلد: >توجد أدلة عديدة على وجود روح جديدة في الدراسات التاريخية، التي يمكن ان تعزى الي نفوذ ماركس لقد اسهمت الماركسية في كل الدراسات التارخية اكثر مما يعترف به غير الماركسيين لقد صححت الفهم القديم الذي يتحاشى القضايا الاساسية ويعالج التاريخ كحقل لنشاط افكار مجردة< وتبعه البروفيسور فنلي قائلاً: >ان الماركسية قائمة في تجربتي الفكرية لقد وضع ماركس نهاية لأية فكرة تقول ان دراسة التاريخ هي نشاط مستقل، كما وضع نهاية للاستنتاج الذي يقول ان مختلف اوجه النشاط البشري من اقتصادي وسياسي وديني وثقافي، يمكن معالجتها بمعزل عن بعضها البعض<• (النصان من كتاب جون لويس، ماركسية ماركس، الفصل عن ماركس والتاريخ ترجمة محمد سعيد القدال قيد النشر)• وليس ما قاله المؤرخان البريطانيان هو الكلمة النهائية والحجة الدامغة، ولكن اوردناه لانه تلخيص فيه دقة وبراعة لجوهر المنهج الماركسي• وادرك ماركس علي ايامه ان انماط الانتاج التي توصل الي انها حكمت تطور المجتمع الاوربي، لايشترط انها تنطبق على المجتمعات الاخرى فبعد دراسته لبعض المجتمعات الشرقية، صاغ >نمط الانتاج الآسيوي<• وحتى هذا ليس الاخير فالمنهج مفتوح لدراسة المجتمعات البشرية والتعرف على مراحل تطورها ويتصدى المنهج للاجابة عن سؤال جوهري: هل هناك قانون يحكم تطور المجتمعات البشرية ام انها تسير عشوائيا؟ ويتبعه السؤال الثاني: واذا كان هناك قانون فهل هو قطعا القانون الذي يحكم حركة الطبيعة؟ وبرز هنا امران الاول ان لكل مجتمع خصوصيته التي يجب وضعها في الاعتبار عند دراسة تطوره والثاني ان افكار البشر ومجمل تصرفاتهم لها استقلال نسبي في مسار تطورها يختلف عن مسار الطبيعة الصماء وهذا ما اعطى الماركسية مرونتها• ولم تبق الماركسية وقف علي ما قاله ماركس، رغم انها اتخذت اسمها منه، ولا على ما قاله انجلز ولينين وكل الرواد الأوائل فقد غدت لها اضافات واجتهادات شتى على امتداد كوكبنا ان الماركسية ليست عقيدة لها كهنة يحرسونها، ولا هي مقولات لا يأتيها الباطل من خلفها ومن أمامها• ولايوجد شخص يمكنه ان يدعى انه مرجعيتها وحامي حماها• والاصوات التي ارتفعت عاليا في الآونة الأخيرة تنادي باعادة النظر في الماركسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، جاءت متأخرة، لان اعادة النظرلم تتوقف اصلا منذ ان طرح ماركس افكاره بجرأة حول النظام الرأسمالي ومستقبله• ولمن الارتباط الطويل بين التجربة السوفيتية والماركسية، يجعل فك الاشتباك بينهما امرا لايخلو من مشقة ولكنها مشقة لن تقف امام البحث العلمي، وهو قادر علي قهرها• لقد صيغت الماركسية في قمة التطور الرأسمالي وانفتاحه اللبرالي واخذت تستشرق افق ما بعد ذلك التطور وترسم معالمه فيصبح من الطبيعي ان تكون المجتمعات التي بلغت نفس مرحلة ذلك التطور الذي صيغت فيه الماركسية، هي اخصب تربة تصلح لتطبيقها كما تتفتح الماركسية وتزدهر اذا تم التعامل معها باعتبارها منهجا يمكن ان يساعد علي فهم التركيب الاجتماعي ومسار تطوره، بالذات في المجتمعات التي لم تبلغ بعد ذلك المدى من التطور ولكن عندما انتقلت الماركسية للتطبيق لاول مرة في التاريخ كان ذلك في روسيا القيصرية• ثانياً: كيف كان الوضع في روسيا عندما انتقلت اليها الماركسية وطبقت فيها عمليا؟كانت روسيا في مطلع القرن العشرين اكثر البلدان الاوربية الكبيرة تخلفا فالطبقة العاملة ضعيفة لا تتعدى 4% من العاملين ويشكل عبيد الارض في النظام الاقطاعي غالبية المجتمع، ويرزحون تحت ظروف قاسية فجرت صدامات ومآسى، عكس الادب الروسي الرفيع ضراوتها وبقى الاقطاع عبء روسيا التاريخي وحكم البلاد نظام قيصري بوليسي باطش قهر الناس واذلهم وكانت الكنيسة الارثوذكسية اكثر الكنائس المسيحية عسفا في منهجها وبقيت روسيا رغم مجهودات بطرس العظيم وكاترين العظيمة، بعيدة عن روح عصر النهضة وزخم البرجوازية اللبرالي كانت روسيا تتنفس برئتين غير اللتين تنفست بهما اوربا التي خرجت منها الماركسية لقد تركت القرون الطوال من التسلط والهيمنة القيصرية بصماتها علي منهج الحياة في روسيا• ولكن لم تكن روسيا ساكنة فقد انفجرت فيها حركات اجتماعية وسياسية ضد القهر والتخلف وبرزت فيها قوي سياسية لها اهداف متباينة واساليب مختلفة واخذ المنفى فس سيبريا يستقبل مئات الثوار واحتضنت اوربا مئات اخرى من المهاجرين، الذين احتكوا بالتيارات الثورية هناك وكانت الماركسية وقتها حمالة لواء الثورية في اوربا وانهمك المهاجرون من الثوار الروس في نقاش عنيف وصاخب ومحتدم كانوا يبحثون عن افق وكانوا يسعون لصياغة برنامج لعملهم السياسي ولمستقبل بلادهم وفي ذلك المناخ المفعم بالحوار والجدل ولد حزب البلاشفة وهم الاغلبية التي بقيت مع لينين عندما انقسم حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي عام 3091م وتعكس كتابات لينين في تلك الفترة ذلك المناخ السياسي الصاخب والحوار الفكري المحتدم والذين يطالعون كتاباته اليوم قد يجدون فيها رتابة لايستسيغونها ولكن كان ذلك هو الواقع الذي تخاطبه وتصطرع معه انها كتابات من النوع المقاتل >polemic< واصبح الجدل المنفتح من الصفات المميزة للبلاشفة• وقدم الثوار الروس اسهامات اساسية للماركسية وتقف كتابات بلخانوف ولينين بارزة في هذا المجال ولا شك ان الواقع الروسي المتخلف قد القى ببعض ظلاله علي تناولهم وعلي طرحهم وهذا من لب الماركسية فالافكار مهما كان سموها فانها لاتحرج من فراغ اذ لاينفك الواقع الذي خرجت منه يلقي عليها بعضا من اثره وتختلف درجات ذلك الاثر، ولكن يبقي له حضوره في بنيانها الفكري• ولم يكن البلاشفة الحزب الوحيد في المعترك السياسي فقد كانت الساحة تموج باحزاب واحزاب، كلها تسعي لتغيير واقع روسيا المتخلف وتحويلها الي مجتمع صناعي حديث فالبلاد كانت حبلي بالثورة وفي ذلك المناخ اندلعت الحرب العالمية الاولى عام 4191، وخاضتها روسيا بجانب معسكر الوفاق المكون من بريطانيا وفرنسا ضد معكسر الوسط المكون من المانيا والنمسا وكانت الحرب هي العامل الذي هيأ المسرح للتغيير• كشفت الحرب هشاشة النظام القيصري فلم تكن روسيا صنواً لحليفتيها بريطانيا وفرنسا، ولا كانت ندا لالمانيا التي تحترب معها فمنيت بهزائم متلاحقة وللحرب ويلاتها التي انحطت ثقيلا علي كاهل الناس واخذ السخط والتذمر يتصاعدان بين العمال والفلاحين وبين الجنود في جبهة القتال وكانت القيصرية ضعيفة وفاسدة ويساندها تحالف هزيل من النبلاء وبعض الاحزاب وقيادة عسكرية جاهلة تحولت بعض هجمات الالمان الي مذابح واصبح النظام القيصري عاجزا عن التصدي لمشكلات البلاد العسكرية والمدنية فانفتح الصراع حول السلطة اكثر من ذي قبل بل ان السلطة اصبحت في الشارع في متناول من يمد يده ويستولي عليها وفي فبراير/ مارس 7191، تفجرت الاضرابات والتمرد بين العمال والجنود وكان القيصر بعيدا في الميدان يقود جيوشه المنهزمة ورفض جنرالاته ضرب التمرد في العاصمة لان الذين قاموا به مثلهم من الروس• وتشكلت في العاصمة قيادتان ثوريتان الاولى لجنة الدوما >البرلمان< المؤقتة، وتسيطر عليها العناصر البرجوازية، ونفوذها قوى في الريف والثانية مجلس سوفيت العاصمة ويتكون من العناصر الثورية ويسيطر على الشارع وادى تطور الاوضاع الي تنازل القيصر عن العرض لاخيه فانفتح الصراع حول السلطة اوسع من ذي قبل• وكانت هناك ثلاثة احزاب سياسية ثورية المنشفيك ونفوذهم قوى في سوفيتات المدن ثم الاشتراكيون الديمقراطيون ونفوذهم في الريف اخيرا البلاشفة وكانوا اضعف الحزبين قاعدة ولكنهم اكثر دقة في التنظيم وانضباطا في الحركة، ويقودهم لينين بعبقريته الفذة في قراءة الواقع• وفي هذا المنعطف الحاد، عاد لينين من المنفي وكان مجيئه نقطة تحول حاسمة كتب عنه المؤرخ البريطاني فيشر يقول: >وقد كفلت له حيويته الفائقة ونشاطه الجم وعقله الماضي، ونشاطه الالمعي المتوقد، ونظرته الواضحة الجلية، وموهبيته الشخصية النادرة بين الروس في الكلام الموجز والفعال، وسرعته في انجاز الاعمال، وقدرته التي يكاد يكون فيها منقطع النظير علي جعل نفسه مرهوب الجانب، كفلت له هذه الصفات تفوقا وسيطرة علي اتباعه الثوريين<• ولم يكن فيشر من المتحمسين للبلاشفة وقائدهم اما الصحفي الامريكي جون ريد صاحب كتاب >عشر ايام هزت العالم< فلم يخف حماسته لعبقرية لينين، ولقدرته الكارزمية التي لايعتمد فيها على الخطابة المنفعلة وانما علي التفكير الرزين الهادئ والاقناع ومخاطبة العقل، وهي القدرات التي سيطر بها علي اقرانه وعلي الجماهير• وادرك لينين عند عودته توازن القوى الدقيق فوجد البلاشفة في اتفاق مع المنشفيك ومع الحكومة المؤقتة ولم يعجبه ذلك الموقف في وقت كانت فيه السلطة قاب قوسين او ادنى فكتب مقالته الشهيرة >موضوعات نيسان<، التي اعتبرها بعض اتباعه ضربا من الجنون فقد دعا فيها الي عدم التعاون مع الحكومة المؤقتة، وتأميم الارض، واقامة حكومة جمهورية سوفيتية ولكنه لم يناد باسقاط الحكومة فورا، لان ذلك مستحيل بدون ان يتغير مزاج السوفيتات وقال ان الجماهير مهتمة بالثورة اكثر من ولائها لاي حزب، وهي سوف تساند من يعطيها الثورة، والحكومة المؤقتة غير قادرة على ذلك وصاغ البلاشفة شعارات الثورة الثلاثة: السلام- الخبز- الارض، التي بلورت طموحات الناس وجذبتهم الي مواقع البلاشفة ويقال ان امرأة صاحت قائلة: >احببت الثورة وكرهت البلاشفة< اذا صحت الرواية فهي تعكس قوة الشعارات التي طرحوها• وكانت الاحداث تتلاحق سراعا وفي مثل هذه الظروف فان التفكير السريع المرتب، هو القادر علي حسم الموقف وكان لينين يمتلك تلك المقدرات فادرك ان توازن القوى يسمح بالاستيلاء على السلطة فصاغ مقالته الشهيرة الاخرى >الثورة والدولة<، التي فتحت الطريق امام البلاشفة للمضى قدما والاستيلاء علي السلطة• ووضع البلاشفة بقيادة لينين خطة دقيقة وبارعة، مستفيدين من اخطاء محاولتهم الاولى في يوليو 7191م وفي اكتوبر استولى البلاشفة على السلطة في انتفاضة خاطفة خلال عشرة ايام هزت العالم وسوف يقف امامها التاريخ مليا لروعتها وتفردها بين الثورات التي شهدها التاريخ• تبرز من هذا العرض بعض الحقائق التي نحتاج ان نتدبرها اولها ان الوضع الثوري في روسيا لم يكن من جهد البلاشفة وحدهم فقد تضافرت فيه جهود احزاب واوضاع متشابكة، ساهمت كلها في تعميق ازمة النظام القيصري ولكن البلاشفة خطوا اللحظة التاريخية بعمل خاطف، كانت لحظة مليئة بالتناقضات• وثانيها ان الاستيلاء علي السلطة تم من اعلى بانتفاضة ثورية بارعة نفذها حزب البلاشفة ولكن البلاشفة اخذوا يتحدثون باسم جماهير العمال والفلاحين باعتبارهم هم الذين قاموا بالثورة، دون ان يكون لتلك الجماهير المبادرة التاريخية في المشاركة الشاملة والفعالة في تحقيقها لقد وجد البلاشفة انفسهم امام وضع متناقض: القيام بثورة برولتارية بدون برولتاريا، فقام نظام بالتعاون مع فلاحين لم يكونوا يناضلون في سبيل اهداف اشتراكية• وثالثها ان حزب البلاشفة عندما استولى على السلطة لم يصل المرحلة التي سماها انطوان قرامشي >هيمنة الحزب< (hegemony of the party )، ولكن افضل ان اسميها التأهيل التاريخي والمقصود بالتأهيل التاريخي ان تصل الطبقة الاجتماعية المرحلة التي تؤهلها للاستيلاء علي السلطة بواسطة الحزب الذي يمثل طموحها التاريخي وبهذا يكون الاستيلاء علي السلطة تطورا منطقيا مع حركة التاريخ وليس تغولا من اعلى والمقصود بالتأهيل التاريخي ايضاً ان يصبح للحزب السياسي قدرات واسهامات في مختلف مجالات الحياة، تجعله قادرا علي تسييرامور المجتمع عندما يستولى علي السلطة واذا حانت للحزب فرصة لاستلام السلطة قبل ان يتهيأ لها تاريخيا، فهذا لا يعني الاحجام عنها بحجة عدم التأهيل، وانما عليه ان يستولى عليها ويتأهل اثناء ممارسته لها، ولا يتوهم ان الاستيلاء علي السلطة قد حقق ذلك التأهيل وهذا يتوجب ان ينفتح الحزب على القوى السياسية الاخرى ويفضى اليها وتفضي اليه، ومن خلال تلك الممارسة يتحقق التأهيل التاريخي ولايكون انفتاح الحزب على القوى الاخرى لمجرد تبرئة الذمة، وانما ينبع من احساس عميق بضرورته بدون ذلك فان المأساة واقعة لا محالة وهناك فرق بين المأساة والصراع السياسي فهل حدث هذا بعد استيلاء البلاشفة على السلطة؟ الامر الرابع ان الاستيلاء علي السلطة من اعلى ثم الهبوط الى القاعدة لتثبيت السلطة، له سلبياته ومنزلقاته الخطيرة فالاستيلاء على السلطة من اعلى مع ضعف القاعدة الاجتماعية، دفع البلاشفة للجوء الي استعمال الاجهزة للحفاظ على السلطة فابتعدوا عن الجماهير وضعف الاعتماد علي الحوار والجدل مع القوى السياسية الاخرى، فناقضوا تاريخهم الذي قام على الحوار والجدل وفتح لهم الطريق لبداية التأهيل التاريخي وكانت نظرية الحزب التي صاغها لينين تحمل في احشائها جرثومة التسلط، بالذات في المجتمع الروسي الذي لم يعبر مرحلة اللبرالية ولم يألف اجواءها المنفتحة فالحزب المنضبط الذي كان انضباطه اداة فعالة في الاستيلاء على السلطة، تحول الى اداة للمحافظة على السلطة في وجه المعارضين لها وتحولت الديمقراطية المركزية وهي قلب نظرية الحزب اللينيني الي مركزية ديمقراطية او ربما مركزية خاوية من اي محتوى ديمقراطي وهو امر ليس بمستغرب بالنسبة لتراث المجتمع الروسي• ولعل روزا لكسمبيرج هي التي لخصت الامر قائلة: >اخذ الحزب يتحدث باسم البرولتاريا، ثم اخذ الجهاز يتحدث باسم الحزب، ثم اخذ القادة يتحدثون باسم الجهاز، وانتهي الامر الى ان فردا واحدا اخذ يتحدث باسم الجميع<• ثالثا: بعد الاستيلاء على السلطة جاءت مرحلة ممارستها الفعلية وتطبيقها بدأ البلاشفة في تطبيق الاشتراكية كما فهموها وصاغوها في برنامجهم وحمل ذلك التطبيق معه ايجابيات، كما حمل معه ايضا سلبيات ومآسى وكان الطموح كبيرا فالانتقال الي الاشتراكية لا يعني فقط الانتقال من نظام استغلالي الي نظام اقل منه درجة في الاستغلال مثل الانتقال من نظام الرق الى الاقطاع او الاقطاع الي الرأسمالية وانما هو انتقال من نظام ينتهي فيه استغلال الانسان نهائيا وهذا يستوجب نقلتين في آن واحد: الانتقال من نظام الى نظام آخر والانتقال من مجمل انظمة الاستغلال الي نظام يختلف عنها جميعا انه نقلة حاسمة الى تأهيل التاريخ البشري، وتحتاج الى اكثر من اجراءات ادارية انها تحتاج الى تأهيل تاريخي وتهيؤ نفسي واجتماعي فهل كان حزب البلاشفة والمجتمع الروسي مؤهلين تاريخيا للقيام بتلك المهمة التاريخية المصيرية؟ بدأ حزب البلاشفة بنقل روسيا من بلد اقطاعي شبه رأسمالي الي بلد اشتراكي ان النقلات الاجتماعية لا تتم بحرق المراحل قبل ان يتهيأ لها المجتمع ويملك القدرات للقيام بها كما ان التحولات الاجتماعية تحتاج لمشاركة الجماهير التي لها مصلحة في تحقيقها ومن الصعب مشاركة الجماهير العريضة واغلبهم من الفلاحين الذين يحتاجون الى نقلة ترتفع بوعيهم الاجتماعي يمكنهم من تلك المشاركة وادرك لينين خطأ تلك الفترة فقال عام 1291م: >من الواضح اننا فشلنا لقد كنا نريد بناء مجتمع اشتراكي جديد وفقاً لصيغة سحرية، في حين تستغرق هذه العملية عشرات السنين وعديد من الاجيال••• فلا يمكن في لحظة تغيير عقليات الناس وعاداتهم المكتسبة منذ عدة قرون<• فهل يمضي البلاشفة في تطبيق البرنامج الذي ادركوا خطأه، أم يتراجعون عنه؟ تراجع البلاشفة باعلان السياسة الاقتصادية الجديدة التي عرفت باسم >النب< من اختصار اسمها بالانجليزية NEP - New Economic Policy• والنب ليست مجرد تراجع تكتيكي اومجرد برنامج اقتصادي جديد، رغم ان هذا هو الفهم المتداول عنها ان النب رؤية ايديولوجية متكاملة انها تقول بالصوت العالي ان تطبيق الاشتراكية دون العبور علي مرحلة التطور الرأسمالي ضرب من الاستحالة بمعنى آخر التطور ليس حرق مراحل، وانما عملية جدلية ونشوء وارتقاء وبمعني ثالث فان النب تعني اعادة نظر شاملة لمنهج البلاشفة وليس لبرنامجهم فحسب وبمعنى رابع تعني النب ادراك الخلل الذي ينشأ بين النظرية والتطبيق، والتصادم الذي يقع بينهما وكان يمكن ان تؤدى النب الي فتح آفاق رحبة للبلاشفة لولا ان غلفتها اردية المنهج الروسي السوداء، فاحالتها الى حاشية اكاديمية لقد ادرك لينين قبل غيره وبجلاء الخلل الذي نشأ من التطبيق وهو ادراك اهله له ذهنه النفاذ في قراءة الواقع ولكن مهما كانت قدرات الرجل الرفيعة فانها لاتستطيع ان تخترق كل حجب الواقع الروسي الملبد بغيوم التخلف• وحملت النب في احشائها تناقضا فقد فتحت المجال للتطور الرأسمالي واقتصاد السوق، ولكن تحت سيطرة الدولة البلشفية ونهجها المركزي في التخطيط الاقتصادي فاعطت بعض الفئات حرية المبادرة الرأسمالية تحت سيطرة الدولة، فلا المبادرة الرأسمالية تستطيع ان تنطلق تحت هيمنة الدولة والتخطيط المركزي سيتخلي كليا عن دوره في قيادة المجتمع فاصبحت النب رغم نبل مقاصدها تكبل خطا النقلةالتي ارادت ان تحققها فالخطأ الذي وقع في البداية، لايمكن تلافيه بمنهج منفتح مثل النب فحسب، بل لابد ان يصاحب ذلك منهج مكتمل اكثرانفتاحا• رابعا: برزت مشكلة الديمقراطية بشكل حاد وتنتقد الماركسية الديمقراطية اللبرالية باعتبارها ديمقراطية الطبقة البرجوزاية التي تحرم الطبقات الاخرى المشاركة الفعلية ويتقصر دور تلك الطبقات علي مجرد الذهاب الي صناديق الاقتراع للادلاء باصواتهم وينتهي دورهم بعد ذلك وحتى الادلاء بالاصوات لا يتم بالحرية المطلوبة لان الاستغلال الذي ترزح تحته تلك الطبقات يحرمها من حرية الاختيار، لان الاستغلال قيود تكبل وعيها ومن اجل تطوير الديمقراطية لتصبح ممارسة حرة بحق، لابد من انهاء الاستغلال الطبقي حتي تنكسر تلك القيود، ويصبح الناس احرارا في ممارسة الديمقراطية ولا يعني هذا النقد القضاء علي الديمقراطية اللبرالية وانما تطويرها ان اسشراف المستقبل بدون الاعتماد على الماضي، يجعل التطور مبتورا وعرضة للتطويح فالمنهج الماركسي لايريد قطع الصلة مع الرأسمالية والديمقراطية اللبرالية، وانما يريد ان يشيد فوق ذلك الارث مجدا علي مجد• ان الديمقراطية تعني في الاساس احترام الانسان، واحترام ذاتيته، حتى يشارك في صنع القرار وتنفيذ القرار، وليس اتخاذ القرار وتنفيذه نيابة عن الجماهير وهذا ما عبر عنه نهرو قائلا: >كنت ادرك بعد التجربة السوفيتية ان هناك شرطا اساسيا لنجاح الاشتراكية وهو مشاركة الناس في التفكير وفي الفعل والآفاق< أما ان تتحول سلطة الشعب التي يمثلها الحزب الي بيروقراطية الحزب، فهذه دكتاتورية اشد ضراوة من دكتاتورية النظام اللبرالي البرجوازي• وقع ذلك الخلل في روسيا لسببين اساسيين الاول منهج الحكم القيصري المشبع بالتسلط والقهر الذي القي بارثه البغيض علي التجربة السوفيتية ان هيمنة التراث المنغرس في المجتمع لا تنتهي بمجرد الاعلان عن نهايتها، ولا تنتهي بالنوايا الخيرة والثاني نظرية الحزب التي صاغها لينين، وفي قلبها مبدأ الديمقراطية المركزية وقد راج المبدأ ودافع عنه الثوريون لانه يجعل الحزب يتحرك كجسد واحد دون ان تقعد به التناقضات فيرتفع اداؤه ويكون اكثر فعالية وقد تمكن البلاشفة من الاستيلاء علي السلطة، لانهم كانوا حزبا متماسكا ومتسقا في حركته ولكن الديمقراطية المركزية التي كانت اداة فعالة في لحظات النهوض الثوري قد لا يكون لها الدور نفسه في حكم البلاد، لان الحكم تتداخل فيه شتى التيارات التي قد لا تتفق مع طرح البلاشفة فتتحول الديمقراطيةالمركزية الى اداة لقهر المعارضين وكان من الممكن الا تكون الديمقراطية المركزية بذلك التسلط لولا التراث القيصري الذي يعشش في جنبات المجتمع الروسي فيفرخ كلما سنحت له الفرصة وينقض علي الاعداء باسم القيصر او باس الثورة او باسم الشعب لقد عاشت الاحزاب السياسية في اوروبا الغربية لقرون دون ان تكون الديمقراطية المركزية نصا في لائحتها وطقسا يعلو ولا يعلي عليه• كانت الديمقراطية في حاجة الي جرعات مكثفة من العدالة الاجتماعية حتي تصبح فعالة في ادائها وقد حقق النظام السوفيتي قدرا كبيرا من العدالة الاجتماعية لم يشهد مثله اي نظام اجتماعي في التاريخ، وسيبقي من مفاخر النظام السوفيتي وتحديا تاريخيا ينتصب فيوجه كل الذين شرعوا اسلحتهم لينهالوا بها علي التجربة بعد زوالها ولكن تحقيق تلك العدالة الاجتماعية تم علي حساب الديمقراطية وليس تطويرا لها، وعلي حساب الانسان فالتجربة التي خرجت ترتاد افقا جديدا للانسان، حطت بثقلها علي كاهله وسيبقي هذا من منزلقات النظام السوفيتي الذي انتقل ارثه الي كثير من الانظمة التي كانت تترسم خطاه من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية• كما ان الهاجس السوفيتي باللحاق بالغرب، جعل الغاية الانسانية للاشتراكية تتبخر، وصارت التنمية اولوية الاولويات وغاية في حد ذاتها واصبحت الادارات المركزية البيروقراطية تخنق مبادرات القاعدة لكي تحافظ علي قرارات القمة وتفرض خضوعا اعمى علي كل المواطن، وتفرض عليه احيانا طاعة عمياء وهذا على نقيض ما قاله لينين من ان مبادرة الملايين من البشر تحمل دائما شيئا اكثر نبوغا من الافكار الاشد نبوغا (قارودي، الاصوليات المعاصرة، ص 33 باريس، 2991م)• خامسا: حقق البلاشفة ثلاثة انجازات بعضها ملاحم بطولية ثبتت اقدامهم في السلطة ولكن كان لبعضها سلبياتها الاول الانتصار في حرب التدخل فما ان انتهت الحرب حتي بدأت الدول الرأسمالية تستجمع قواها لتقضي على الدولة البلشفية الفتية يساندها انصار الاقطاع والقيصرية وكانوا يستهدون بشعار تشرشل الذي دعا فيه الى: >خنق البلشفية في مهدها< فهاجمتها جيوش من اربع عشرة دولة فهب الروس بقيادة البلاشفة والجيش الاحمر للدفاع عن الوطن الأم، وقدموا تضحيات جساما ودحروا التدخل الاجنبى وكان انتصارا للبلاشفة وللشعب الروسى واعتقد البلاشفة ان وقفة الشعب الروسي للدفاع عن الوطن الام، هي وقفة مطلقة بجانبهم وتوهموا ان الشعب الروسي يمكن ان يقدم تضحيات مماثلة لتنفيذ برنامجهم الاقتصادي ويبدو ان الانتصار العسكري يملأ الناس بالزهو، والزهو في الحسابات السياسية خطير، وقد يقود الي تقديرات مدمرة• الامر الثاني عندما اندلعت الحرب العالمية كانت هناك ثلاث امبراطوريات متداعية وهي النمساوية والعثمانية والروسية وتفككت الامبراطوريتان النمساوية والعثمانية وتمكن البلاشفة من لم شمل الامبراطورية الروسية، وحافظوا عليها وكان ذلك بلا شك انجاز، ولكن خدمتهم شتى الظروف، ولم يكن انجازاً بلشفيا خالصا• ثالثا، البرنامج الاقتصادي الطموح الذي اخرج روسيا من مستنقع الاقطاع ووضعها في الطريق لتصبح دولة صناعية ذات شأن ولكن كان لذلك الانجاز ثمن باهظ فقد قمعت المعارضة البرنامج بعنف وضراوة ولعل اسطع مثال ما حدث للكولاك ولن تجدي هنا التبريرات والحجج الواهية• فالكولاك جزء من الشعب الروسي واختلافهم مع برنامج البلاشفة ما كان يستدعي مثل ذلك العنف الذي جوبهوا به كما ان التأميم لصالح الدولة مع قبضة الحزب القوية حول السوفيتات من مجالس عمال وفلاحين ونواة لديمقراطية جديدة، الي مجرد ترس في الآلة البيروقراطية فقد تحولت المركزية الديمقراطية بفعل المنهج الروسي الي بيروقراطية صماء حتى عجزت عن تجديد نفسها فشاخت• سادسا: اخطأ البلاشفة في التعامل مع قضيتين هما الدين والقومية فلم يفرقوا بين العقيدة الدينية والمؤسسة الكنسية وهذا الخلط لعنة كثير من الانظمة في تعاملها مع الدين فبدلا من التصدى للمؤسسات التي تشوه الدين وتخضعه الى نظم الحكم المتسلطة، هاجموا العقيدة التي ترسخت في وجدان الناس ووجدوا فيها برد اليقين ان الدين ينسق علاقة الانسان بالكون ويعطي وجوده بعدا شاسعا ومعني عميقا فما استطاع البلاشفة الغاء ذلك اليقين وخلقوا حاجزا بينهم وبين الفئات التي تستظل به• والتعامل مع قضية القومية ايضا من الامور الشائكة فالقومية تمنح الانسان انتماء فوق الارض، وتختلج فيها مشاعر جياشة وقد تبقي مكبوتة، ولكن من العسير ازالتها وقد عبر البلاشفة عن فهم واضح لقضية القومية، سواء في تعريفها او في اعطاء القوميات حق الانفصال اذا اردت ذلك حسب ما ورد في الدستور السوفيتي واخذت كثير من الحركات تسترشد بطرحهم المستنير ولكن في التطبيق العلمي، ومع تطور الدولة السوفيتية، اخذ الطرح المستنير يتراجع لتحل محله سياسات تخضع القوميات لهيمنة الدولة المركزية بل ارسل الاتحاد السوفيتي دبابات محمولة علي الطائرات لاخضاع قوميات خارج حدوده واذا كان للسوفيت تبريراتهم في اتخاذ تلك الخطوة في صراع الحرب الباردة فهذا لا ينفي انها كانت قمعا لمشاعر قومية، انفجرت فيما بعد في حركات لم يهدأ لها جنب حتى اليوم• خاتمة: لعل النقاط الست السابقة قد لا تغطي كل الجوانب المتعلقة بالجذور التاريخية التي ادت الى انهيار الاتحاد السوفيتي ولكن ربما تفتح منافذ تساعد علي حوار حول الظاهرة التي اخذ انهيارها كثيرا من الناس علي حين غرة ولاشك اننا كلما ابتعدنا عنها زمنيا كلما كان تناولنا لها اكثر موضوعية، واقرب الي التاريخ منه الي السياسة• وعلى الرغم من ان بعض هذه السلبيات قد تبدو بينة وربما رآها البعض بديهية الا ان الظروف التي انتصرت فيها الثورة البلشفية صحبها ضجيج وانتشاء وتنفس البعض الصعداء لزوال الحكم القيصري، فلم يلتفت اليها، او لعلها توارت خلف اصوات النشوة والفرح ومهما كان حجم تلك السلبيات فانها لن تمحو دور الاتحاد السوفيتي في التاريخ وهذا موضوع له مجال آخر• امريكا•
نقلاً عن جريدة الحرية (السودان) 31 يناير 2003
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: للشيوعيين فقط. (Re: ابوالقاسم ابراهيم الحاج)
|
كيف حاصر الجمود أطروحات ماركس وأنجلز عن الاشتراكية؟ محمد ابراهيم نقد [email protected] 2002 / 8 / 29
1- كيف حاصر الجمود أطروحات ماركس وأنجلز عن الاشتراكية؟ كرس الجمود تصوراً خاطئاً، فحواه أن الماركسية حولت الاشتراكية إلى نظرية علمية شاملة مكتملة. وأن التجربة السوفيتية تجسيد لتلك النظرية – أي النموذج الذي يتمحور حوله أي تطور لاحق للنظرية، ومركز الإشعاع الذي يضيء الدروب للتجارب التالية. تأثرنا بذلك الجمود، وأخذنا ببعض مسلماته. إسهامنا في انتقاده وتبديد غشاوته إسهام في التحرر من إساره – أو بالمصطلح الدارج: التحرر من إرث الستالينية. إذ أن ستالين هو الذي دشن ذلك الجمود بمصطلح الماركسية اللينينية، الذي اتخذه غطاء ايدولوجياً لتصوره الجامد للاشتراكية حتى غدا المصطلح نفسه أداة من أدوات الجمود والنصوصية والتأويل والتبرير. ومع ذلك فالتحرر من إسار الجمود والصراع ضده في كافة أشكاله التقليدية أو المستحدثة ليس عملية فرز شكلية تستبعد الستالينية "والعودة للأصول" – أي لأفكار ماركس وانجلز أو لينين، واعتبارها النظرية العلمية الشاملة والمكتملة للاشتراكية "والكلمة الأخيرة" في كتابها. هذا جمود في ثوب جديد. الانعتاق من قيد الجمود يعني الدراسة الناقدة للفكر الاشتراكي منذ نشأته – قبل الماركسية وما عاصرها وما تلاها من إسهام مفكرين كثر، كان أبرزهم لينين كمفكر وقائد ثورة ورجل دولة، وما تسهم به مدارس اشتراكية معاصرة متعددة المشارب والرؤى. العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة – يظل مشرع الأبواب والمسارب على كل جديد في ممارسة وتجارب وتفكير وتطلعات الإنسان: يرسي علماء ومفكرون مناهجه وأسسه وقواعده، ثم يتجاوز التطور استنتاجاتهم. وقد يصبح بعضها قديماً عائقاً للتطور. ثم يأتي بعدهم أو في تزامن مع عصرهم – علماء يستخدمون مناهج العلم في انتقاء وتجاوز ما تقادم ويصوغون الجديد الذي أفرزه التطور – دون انتقاص أو نفي عدمي لإسهام الرواد. فكل رائد في مجال العلم محكوم بظروفه وعصره. وشأن كل علم طبيعي أو اجتماعي، لا تسير عملية التطور في خط مستقيم صاعد. لقد عرف تاريخ العلوم، وحاضرها أيضاً، أزمات ركود وجمود وأحياناً رجعة إلى ما قبل العلم ومناهجه. تحصر هذه الورقة وظيفتها في إماطة اللثام عن ذلك التطور الخاطئ، وما تناسل عنه من نظريات واستراتيجيات جامدة، لم تتوقف عند ادعاء أن الاشتراكية نظرية علمية شاملة مكتملة، بل وتعدت إلى اعتبارها تصميماً صارم الأطر والقسمات لا ينقصه سوى التطبيق – مع هامش لتمايز بلد عن آخر في التطبيق. فشل التجربة السوفيتية تعالجه ورقة أخرى، ولا يدخل في موضوعنا إلا عرضاً. الورقة تتحرك في الساحة العامة لتقييم إسهام ماركس وانجلز ولينين في صوغ نظرية علمية للاشتراكية، وحدود ذلك الإسهام نظرياً وتاريخياً، وتأكيد حقيقة أولية موضوعية وبسيطة عتم عليها وصادرها الجمود، هي أن هناك علماء ومفكرين وقادة اشتراكيين أسهموا في بلورة الفكر الاشتراكي والانتقال به نحو النظرية العلمية. ولم ينكر أو يجمد ماركس أو انجلز أو لينين – حتى في حالات الاختلاف – عطاء أولئك المفكرين والقادة. الجمود حصرها في "الماركسية اللينينية" مسقطاً انجلز وعشرات المفكرين، ورافعاً لينين إلى مصاف ماركس. ثم توسع في مساحة المصطلح، فأتت صيغة: تعاليم ماركس – انجلز – لينين – ستالين، ثم أضيفت افكار ماوتسي تونق بعد انتصار الثورة الصينية ثم بدأ تقليص الساحة و"مقص الرقيب" بعد المؤتمر العشرين للحزب السوفيتي عام 1956. وما كان للحذف والتقليص انعتاقاً من الجمود، كان اختلافاً في الدرجة، في المقدار لا في الماهية والنوع … وحتى بعد البروسترويكا ما كان متاحاً أو ميسوراً مجرد طرح التقييم الموضوعي لمكانة ماركس ومكانة لينين في الفكر الاشتراكي سواء مع الشيوعيين السوفييت. (كانت قناعتهم الراسخة أن لينين هو قائد ومهندس الثورة ومؤسس روسيا الحديثة ودولة الاتحاد السوفيتي العظمى. وأنه كان مدركاً لظروف روسيا واختط لها برنامجاً خاصاً أصيلاً تنتقل به بالتدريج نحو الاشتراكية، يختلف عن برنامج ماركس. ولو أن الحزب تقيد بذلك البرنامج لكان بالإمكان تفادي المآسي والخسائر التي تسبب فيها برنامج ستالين). وقد تفسر هذه الحالة النفسية التي تضفى على لينين مسحة من قداسة إحجام وتردد المافيا وغلاة المعادين للاشتراكية في روسيا اليوم عن المساس بلينين رغم هجومهم الكاسح وعلى طول الجبهة وفي عمقها، على سجل تاريخ الحقبة السوفيتية1. ظاهرة مماثلة أو مقاربة في الصين، حيث النقد لسياسات القفزة الكبرى والثورة الثقافية يطال كائناً من كان، ولا يقترب من ماوتسي تونق الذي بادر بطرح وقيادة تلك السياسات … على أن هذا يدخل في باب التاريخ السياسي للفكر الاشتراكي والتجربة الاشتراكية في روسيا المتخلفة والصين الأكثر تخلفاً، ولا يمس جوهر ما نحن بصدده في وظيفة الورقة وموضوع السمنار. نبتدر مداولات السمنار بفقرات موجزة تكشف النقاب عن كيف حاصر الجمود أطروحة ماركس وانجلز حول صوغ نظرية علمية للاشتراكية. ثم صبها الجمود في قوالب ومواصفات مغلقة، تم حصرها في التجربة السوفيتية. الفقرة الأولى: في أول عمل مشترك لهما – (كتاب الأيدولوجيا الألمانية 184 وهما يقتربان من استيضاح نظرتهما للتاريخ والمجتمع، أي المفهوم المادي للتاريخ أو التفسير المادي للتاريخ – طرح ماركس وأنجلز أطروحة صوغ نظرية علمية للاشتراكية، كناتج عن دراستهما الناقدة لمجمل عطاء الفكر الاشتراكي السابق والمعاصر لهما. ولم يدعيا طوال حياتهما ونضالهما المشترك أنهما صاغا نظرية علمية شاملة مكتملة ونهائية للاشتراكية. لم يدعيا أنهما صاغا نظرية كونية الأبعاد سرمدية المدى. وبعد أربعة أعوام من كتابهما المشترك الأول، توليا بتكليف من مؤتمر عصبة الشيوعيين صوغ المبادئ التي توحد حولها المؤتمر في (البيان الشيوعي) عام 1848، فأكدا في إحدى فقراته: الاستنتاجات والخلاصات التي يتوصل إليها الشيوعيون لا تستند بأي حال على أفكار أو مبادئ اخترعها أو اكتشفها هذا أو ذاك من دعاة الإصلاح الكوني الشامل، إنما يعبرون، وبصورة عامة لا اكثر، عن علاقات ماثلة، نابعة من صراع طبقي دائر فعلاً، ومن حركة تاريخية متواصلة تحت أبصارنا. وتقيدا بهذا المنهج العلمي الناقد حتى تجاه (البيان الشيوعي) نفسه، فلم يعتبراه إنجيلاً للاشتراكية أو الشيوعية، بل أعلنا في مقدمات طبعاته المتلاحقة أن بعض أساسياته تخطاها الزمن، وانه تمكن إعادة صياغة البيان كله بطريقة مختلفة لو صيغ في فترة لاحقة. وعندما احتدم الصراع في الحركة الاشتراكية الألمانية والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، طالب أحد قادة ذلك الحزب – ف. لاسال – في ستينات القرن الماضي بوضع برنامج تفصيلي للمستقبل الاشتراكي. اعترض ماركس وأسس اعتراضه على سببين: الأول – العلم كفيل بإنجاز هذه المهمة في المستقبل استناداً إلى الواقع الملموس والمعطيات الملموسة، والثاني – إن وضع برنامج تفصيلي سيدفع الفكر الاشتراكي للانزلاق في مأزق مفكري الاشتراكية الخيالية. وواصل انجلز ذات الفكرة وذات الموقف في الصراع ضد مجموعة من الاشتراكيين الفرنسيين – في سبعينات القرن الماضي – الذين حاولوا تسخير بعض أفكاره وأفكار ماركس ومنهجهما لتشييد تصاميم جامدة وقطعية عن الاشتراكية، فتوجه إليهم بقوله: "لكن عما سيحدث بعد الثورة الاجتماعية، فإن ماركس لا يقدم في هذا العدد سوى تلميحات معتمة غائمة. وكرر انجلز ذات الفكرة في مقدمته للجزء الثالث من رأس المال: "قد يتوقع المرء في مؤلفات ماركس تعريفات جاهزة مفصلة حسب الطلب، قابلة للتطبيق مرة وإلى الأبد". ثم شرح استحالة ذلك بحسب منهج الديالكتيك الذي ينتهجانه هو وماركس. وأضاف في ذات الفقرة: إدراك الأشياء وعلاقاتها المتبادلة، كأشياء متغيرة وليست ثوابت مكتملة، يعني أن تصوراتها الذهنية، أي الأفكار المعبرة عنها خاضعة هي الأخرى للتغير والتحول، وليست مكبسلة في تعريفات جامدة، وأنها تتطور خلال تشكلها التاريخي أو المنطقي. وتجاه أولئك الاشتراكيين الفرنسيين وتخريجاتهم الجامدة، كانت قولة ماركس الشهيرة: "كل ما أعرفه أنني لست ماركسياً! الفقرة الثانية: أحيط كتاب انجلز (الاشتراكية الخيالية والاشتراكية العلمية) بهالة من التهويل والتأويل. حتى غدا وكأنه السفر الشامل الكامل للنظرية العلمية الاشتراكية. وصفته آخر الطبعات السوفيتية (دار التقدم – موسكو – 1948 – الطبعة العربية) بأنه كتاب عبقري يحتفظ بأهميته الثابتة بوصفه كنزاً لا ينضب له معين للنظرية الماركسية!! مع أن ماركس الذي أسهم مع انجلز في وضع بعض فصول الكتاب، وصفه بأنه مدخل للاشتراكية العلمية. وقال عنه انجلز أنه عرض للسمات الأساسية للاشتراكية العلمية. وكان الكتاب قد صدر أصلاً كفصل من فصول كتاب انجلز (ضد دوهرنق). كيف طرح انجلز نظرية علمية للاشتراكية في كتابه؟ أول ما يلفت النظر، أن انجلز حدد وحصر إسهام ماركس، الذي مايزه عن علماء عصره، في اكتشافين، الأول: المفهوم المادي للتاريخ، والثاني: فائض القيمة بوصفه سر أسرار الإنتاج الرأسمالي. ثم أضاف انه بفضل هذين الاكتشافين أصبحت الاشتراكية علماً. أو توفرت المقومات لتصبح نظرية علمية2. لم يكتف انجلز بإضفاء طابع العلم على الاشتراكية بفضل إسهام ماركس، إنما طرح مهمتين تفصحان عن أن ذلك الطابع العلمي كان مازال في بداياته أو معالمه الأولية – المهمة الأولى: "تنحصر الآن وقبل كل شيء في مواصلة تطوير هذا العلم في كل تفاصيله وعلاقاته المتبادلة، والمهمة الثانية: إن مهمة الاشتراكية العلمية هي التعبير النظري عن حركة تغيير المجتمع الرأسمالي، ودراسة الظروف التاريخية لذلك التغيير. وعليه فالاشتراكية ذات الطابع العلمي ليست وصفة جاهزة للتطبيق، وعلى الذين يقتنعون بها أو يسترشدون بها أن يتحملوا واجب وعبء تطوير كل تفاصيلها وعلاقتها المتبادلة، وبمعنى آخر، استخدامها كمنهج لدراسة ومعرفة المجتمع الرأسمالي والتعبير النظري عن حركة تغييره ودراسة الظروف التاريخية لذلك التغيير ومن ثم صوغ المستقبل الاشتراكي. أبرز هذا الجانب المنهجي العلمي في كتاب أنجلز عن الاشتراكية، وربما في كل أعمال ماركس، يكتسب أهمية خاصة في دحض الجمود الذي صور الماركسية والاشتراكية العلمية كما لو كانتا مذهباً فلسفياً شاملاً وكونياً، ومن ثم مغلقاً ومكتفياً بذاته، مثل مذهب هيجل الفلسفي ومذاهب غيره من الفلاسفة الكلاسيكيين، برغم جهد ماركس وانجلز في شرح وتوضيح لماذا كان مذهب هيجل آخر مذاهب الفلسفة الكلاسيكية ونهايتها. وفي مقدمته لكتابه (ضد دهرنق) الذي كان كتاب (الاشتراكية) أحد فصوله، ذكر أنجلز أنه اضطر لتبويب كتابه في ثلاثة فصول هي الفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية – ليسهل عليه التعامل مع كتاب دهرنق الذي حملت فصوله ذات العناوين – وليس لوضع مذهب مقابل مذهب، أي فلسفة شاملة مقابل فلسفة شاملة. ومن جانب آخر، فإن الكتيب الذي أصدره لينين بعنوان (المصادر الثلاثة والمكونات الثلاثة للماركسية)، كانت وظيفته الشرح والتبسيط لمن يريدون معرفة أوليات الماركسية، ويتضح ذلك من قول لينين نفسه: لم يترك لنا ماركس وانجلز كتاباً أو مؤلفاً شرحا فيه بالكامل منظومة آرائهما في الطبيعة والمجتمع والتفكير، ولا غرابة في ذلك، إذ لم يحدث قط أن اعتبرا أن النظرية التي وضعاها نظرية مكتملة بصورة نهائية. فالماركسية ليست رسماً تخطيطياً ملزماً للجميع، ليست جملة من الاستنتاجات التي لا تحتمل الخطأ، إنها هي طريقة وأسلوب لإدراك كل ما هو موجود في حركته وتغيره. الفقرة الثالثة: كان لينين اكثر وضوحاً عندما أعلن إبان ثورة اكتوبر 1917: نحن لا ندعي أن ماركس والماركسيين يعرفون الطريق إلى الاشتراكية في أدق تفاصيله. نحن نعرف الوجهة العامة وحسب. ثم أعلن بعد الثورة: لقد تغير تصورنا للاشتراكية تغيراً جذرياً بعد الثورة. كان لينين مدركاً لتخلف روسيا اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وهشاشة قاعدتها الرأسمالية بالمقارنة مع دول غرب أوربا الرأسمالية – انجلترا وفرنسا وألمانيا الخ – ولهذا راهن على أن يؤدي اندلاع الثورة في روسيا – بوصفها أضعف الحلقات في سلسلة الدول الرأسمالية وتتمتع بحركة ثورية اشتراكية نشطة – إلى اشتعال الثورة في بلدان غرب أوربا تباعاً، أو على الأقل في ألمانيا، كشرط لانتقال روسيا للاشتراكية بما تقدمه لها ألمانيا الاشتراكية من دعم ومساندة في التمويل والتصنيع والعلوم والتكنولوجيا والخبرة والخبراء – ومن جانب آخر كانت فكرة علاقة التكامل بين ثورة روسيا والثورة الاشتراكية في غرب أوربا مكان اهتمام ومناقشة منذ العقود الأخيرة للقرن التاسع عشر بين الاشتراكيين والحلقات الماركسية في روسيا وبين ماركس وانجلز، وفي اجتماعات الأممية الثانية، كما تبين رسائل ماكس وانجلز إلى صحف ومفكرين اشتراكيين روس في نوفمبر 1877 وأبريل 1885، وظلت مكان مناقشة في الأممية الثانية حتى عشية الحرب العالمية الأولى. وكان هناك اتفاق عام أن ثورة روسيا البرجوازية الديمقراطية وشيكة، وأن البرجوازية الروسية عاجزة عن قيادتها، ولابد أن تلعب الطبقة العاملة الروسية الدور القيادي فيها في تحالف مع الفلاحين. لكن ثورية روسيا لا تستطيع بمفردها الانتقال للإشتراكية إلا إذا تزامنت معها ثورات اشتراكية في غرب أوربا – هذا ما توضحه على الأقل الرسائل المتبادلة بين لينين وكاوتسكي في تلك الفترة، قبل أن يتفاقم الخلاف داخل الأممية الثانية حول شعار إدانة الحرب العالمية الأولى بوصفها حرباً لمصلحة الامبريالية، وواجب تحويلها إلى حروب أهلية ضد الحكومات الامبريالية على جانبي جبهة القتال تتمخض عنها ثورات اشتراكية في انجلترا وفرنسا وألمانيا والنمسا الخ. ونتج عن الخلاف الانقسام والقطيعة والعداء في الحركة الاشتراكية الأوربية، الذي تعرفنا عليه في كتاب لينين حول كاوتسكي. عندما أدرك لينين أن رهانه كان خاطئاً، فلم تندلع الثورة في غرب أوربا، بل وفشلت بوادر الثورة في ألمانيا والمجر، وتعرضت روسيا للحرب الأهلية وحرب التدخل والحصار، طرح برنامج (السياسة الاقتصادية الجديدة) التي اعتمدت على تعدد القطاعات الاقتصادية – اقتصاد مختلط – قطاع دولة – قطاع خاص – قطاع انتاج متوسط وصغير – قطاع تعاوني – امتيازات وضمانات لرأس المال الأجنبي، ومبدأ الطوعية في التحاق الفلاحين بالتعاونيات، والحافز المادي للعاملين لرفع الانتاجية، واستقلال نقابات العمال وحقها في الإضراب وغير ذلك من السياسات والإجراءات التي كانت الأدبيات السوفيتية تجملها تحت عنوان (برنامج لينين للتحولات الاشتراكية في روسيا) كنظام اجتماعي يستند إلى شبكة من التعاونيات المسيرة ذاتياً، أو نظام اجتماعي لمنتجين تعاونيين أحرار متحضرين. وكان وصول روسيا المتخلفة لذلك النظام يتطلب حقبة تاريخية كاملة. من تبسيط الأمور اعتبار موت لينين المبكر – وعجزه حتى عن ممارسة دوره القيادي منذ محاولة اغتياله برصاصة مسمومة – السبب الرئيسي في التعقيدات اللاحقة للتجربة السوفيتية، وإن كان القضاء عليه هدفاً مشتركاً لأعدائه داخل روسيا وخارجها (من بين الأقوال المأثورة عن تشرشل – وكان من ألد خصوم الثورة السوفيتية وأكثرهم إصراراً على حرب التدخل للقضاء عليها – قال: كان ميلاد لينين كارثة على روسيا السوفيتية). التقويم الناقد للتجربة الاشتراكية السوفيتية يشمل بالضرورة برنامج وسياسات لينين وتصوره للاشتراكية، كمدخل لابد منه للتقييم الناقد لما آلت إليه التجربة بعد وفاته، أو ما يطلق عليه فترة الستالينية. وهذا ما تناولته ورقة أخرى في السمنار. خلاصة: مقاصدنا من هذا السمنار وما يليه من سمنارات لا تنحصر في الدراسة الناقدة لماضي الفكر الاشتراكي على ضوء التجارب الاشتراكية، بل تتجاوزه نحو امتلاك معرفة أفضل بحاضره وإضافة معرفة جديدة لتشكيل مستقبله وتجديد رؤاه وآفاقه، بترقية مناهجه وآلياته وإشكالياته، بما يؤهله لاستيعاب معطيات العلم ومستجدات العصر. وفي أوجه المقاصد ذاتها نعالج أزمة الجمود في الماركسية، بوصفها أحد الروافد النظرية للفكر الاشتراكي – ولا يغير من هذه القناعة كون أحزاب الاشتراكية الديمقراطية في غرب أوربا، ومن انتمى إلى محفلها الدولي من القارات الأخرى، قد أسقطت من الماركسية من مصادرها النظرية بقرار من أحد مؤتمراتها في الخمسينات تحت وطأة الحرب الباردة. ولا نضيف جديداً حين نعيد ونؤكد العلاقة العضوية الوثيقة بين الفكر الاشتراكي وحركة العاملين والدفاع عن مصالح العاملين والكادحين والمسحوقين في النضال السياسي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومن أجل أن يتحرر الإنسان من الاستغلال والعوز والحاجة والاستلاب، وأن ما يحقق ذاته وانسانيته، إنتاجاً وإبداعاً ومسئولية تضامنية عن مصير المجتمع الإنساني.
نواصل ونرتقي بدراستنا في الفكر الاشتراكي عبر آلية السمنارات (دون إلغاء أو استبعاد آلية أخرى كالبحث والمقالة)، ونشرع في إعداد أوراق تعالج قضيتين: 1- مستقبل التجربة الاشتراكية في الصين وكوريا الديمقراطية وفيتنام وكوبا: ندرس ونبحث بما هو متاح لنا – دراسة موضوعية صارمة، لا تحد من موضوعيتها رغبات ذاتية آيدولوجية أو استنتاجات متعجلة – مع حقنا في التحفظ الناقد على ما تنشره الوثائق الرسمية لتلك الأحزاب والحكومات. 2- المنطلقات النظرية للتحولات الاشتراكية التي تطرحها الأحزاب والجماعات والمدارس الفكرية – أحزاب اشتراكية وأحزاب شيوعية وجماعات اليسار الجديد الخ – في بلدان الرأسمالية المتطورة: في غرب أوربا واليابان والولايات المتحدة وبعض الدول الآسيوية وفي أمريكا اللاتينية، وبعدها تنتقل لقضايا أخرى. مايو 1997م
هوامش: ما زالت حكومة يلتسن عاجزة عن نقل جثمان لينين المحنط في الميدان الأحمر خوفاً من غضب الرأي العام الروسي – وفي أوساط الرأي العام الغاضب أقسام مستنيرة لا توافق على تحنيط لينين، لكنها ترى في هجوم حكومة يلتسن على لينين هجوماً على استقلال وسيادة روسيا. 2 المفهوم المادي للتاريخ لم يحتكر اكتشافه ماركس – بل اعترف ماركس وانجلز أن العالم الأمريكي ل.هـ.مورقان (1818-1881) توصل لذلك المفهوم بصورة مستقلة من خلال دراساته للمجتمعات القديمة وعلوم الآثار والأجناس. وقد اعتمد على نتائج دراساته واستنتاجاته انجلز في وضع كتاب (اصل العائلة). وقبل ماركس ومورقان بأربعة قرون توصل ابن خلدون في مقدمته للعناصر العلمية الأولية للتفسير المادي للتاريخ … وفائض القيمة كمقولة في علم الاقتصاد السياسي أخذها ماركس عن علماء الاقتصاد السابقين له. وبصفة خاصة ال Physiocrats وتابع تطورها لدى آدم سميث ثم ريكاردو وبقية علماء الاقتصاد. وأوضح ماركس أين اختلف مع اولئك العلماء في مصدر فائض القيمة وتراكم رأس المال والاستغلال الرأسمالي للعاملين.
---------------------------------------------
قضايا سودانية أوراق حوار غير دورية العدد الرابع والعشرون اكتوبر 2000
| |
|
|
|
|
|
|
Re: للشيوعيين فقط. (Re: ابوالقاسم ابراهيم الحاج)
|
عبد الخالق محجوب 2005 / 11 / 1
يمكننا أن نقسم هذه المؤسسات تقسيما وظيفيا على الوجه التالى تقريبا :
أ - المصارف ب - مؤسسات انتاجية ج - مؤسسات للتجارة والتوزيع
بداية علينا الفصل بين المؤسسات المؤممة والمصادرة وذلك لأن أهداف التأميم والمصادرة تتباين و لايمكن اعتبارها متطابقة تطابقا تاما ، فالتأميم فى البلدان المتخلفة يستهدف أحد أمرين :
أ - وضع يد الدولة على مراكز استراتيجية فى الاقتصاد الوطنى قصد تحريره من القبضة الأجنبية ، قصد تنفيذ الخطة الاقتصادية المركزية بحيث يمكن تخطيط تلك المراكز الاستراتيجية حتى تتيسر ظروف مواتية لتحقيق أهداف الخطة .
ب - أو وضع يد الدولة على أنشطة اقتصادية بعينها يمكن من ورائها توفير فائض اقتصادى يسهم فى تحقيق خطة التنمية أو فى التزامات الدولة فى الانفاق غير المنتج مما هو ضرورى لرفع مستوى معيشة السكان . ولأن الثورة السودانية ثورة وطنية ديمقراطية - أى لأنها ثورة تستهدف فى المقام الأول استكمال عوامل التحرر الوطنى ثم التقدم الاجتماعى ، فاتأميم يتوجه أولا لخدمة هذا الغرض وأعنى لتحرير اقتصادات البلاد من النفوذ الأستعمارى والتبعية ، مواقع هذا النفوذ كانت وبعضها مايزال ، فى الميادين التالية :
1 - المصارف ، وقد تحقق الآن وضعها فى يد الدولة السودانية ولكن من المهم مراجعة عدة اتفاقيات والتثبت فعلا من أنها لا تؤثر على استقلالنا (مجموعة اتفاقيات مع صندوق النقد وخاصة قانون السحب الخاص) . وأن نتأكد من مدى نفوذ سياسة هذا الصندوق على البنك المركزى وأن نراجع سياستنا فى اجتماع محافظى الصندوق الخ .
2 - التجارة الخارجية ماهو حجم نصيب الدولة فى هذا القطاع الآن وبعد التأميم من الضرورى أن كون هناك وضوح كاف حول هذه المسألة حتى نستطيع رسم سياسة صحيحة ، لأن الدولة يجب أن تسيطر فى آخر الأمر كليا على التجارة الخارجية .
ما هو حجم نصيب الرأسمالية السودانية فى هذا الميدان ؟ علينا أن نوجه بالالتزام (بتوظيف) جزء من أرباحها بطريقة فعالة .
1 - لدعم الخزينة
2 - للاسهام فى ماحددت الخطة الخمسية من التزامات القطاع (الخاص) فى حقل الصناعة كما علينا أن نعمل منذ الآن على توظيف كادر سودانى مقتدر ..الخ
3 - شركات التأميم بصورها المختلفة وهذه المؤسسات هامة لحركة الصناعة والتجارة ..الخ
بالاضافة الى هذا فلدى هذه الشركات أرصدة كبيرة يمكن أن تلعب دورا فى التنمية فى الميزانية العامة ..الخ
من المهم تدريب كادر سودانى يعمل فى الدولة قصد تأميم هذه الشركات .
ان المصادرة فى هذه الفترة الوسيطة من الثورة الوطنية الديمقراطية تعتبر عقوبة اقتصادية على أصحاب المال (الرأسماليين) الذين يخرجون على قوانين وأوامر الدولة المالية والاقتصادية وبهذا (يضعفون) التخطيط المركزى ومؤشراته المختلفة التى رسمتها الدولة . وبما أن هذا الاجراء السياسى الاقتصادى الاجتماعى أجراء خطير فى هذه المرحلة التىمازالت فيها العناصر الرأسمالية مدعوة للاسهام فى مدان اتنمية وتنفيذ الخطة الخمسية وأكثر من 42% للقطاع الرأسمالى فى الخطة الخمسية . من المهم أن لا تقتصر المصادرة فى اطار سيادة الدولة على رعاياها . يجب أن تحاط المصادرة بالتالى :
1 - وضع تريعات دقيقة ومفصلة ومحكمة تشمل الجرائم التى تستودب توقيع عقوبة المصادرة
2 - تعرض الأموال المختلفة على دائرة قضائية لها القدرة على الحسم السريع فى القضايا ، وذات قدرات سياسية أيضا برئاسة عضو من مجلس قيادة الثورة مثلا .
لماذا نقترح هذا ؟
أ - لأن فى هذا ضمان لانتفاء الفساد وتفادى القرارت الذاتية التى ربما طوحت فى كثير من الأحيان عن الموضوعية .
ب - لادخال الطمأنينة فى قلوب أصحاب المال الين تحتاج اليهم البلاد اللى استثماراتهم فى هذه الفترة مدركين جيدا أن العلاقات الرأسمالية ، ما زالت تمتد الى أعماقمجتمعنا ، الى خلاياه الأساسية .
فالتموين الذىيقوم به الرأسماليون فى كل بقاع البلاد هذا العمل أمر حيوى لا بالنسبة لاقتصاد البلاد وحسب بل بالنسبة لأمن السلطة ولبقائها ، وتمويل الزراعة وخاصة فى القطاع التقليدى (فول ، سمسم ، كركدى ..الخ) يقوم به رأسماليون وهكذا ..
المصدر : أخبار الاسبوع - يوليو 1970
وثيقة ل.م. حول تقييم انقلاب 25 مايو 1969
تمثل هذه الوثيقة تلخيصا لأفكار عبدالخالق محجوب فى تقييم انقلاب مايو
من المهم فى هذه الظروف أن يتحد الحزب الشيوعى السودانى حول تحليل ماركسى للانقلاب العسكرى الذى حدث صباح اليوم 25 مايو 1969 . اذ أنه بدون اللجوء اللى التحليل الماركسى العلمى الذى يقود خطوات حزبنا والحركة الثورية لاكثر من عشرين عاما ، فاننا نضل الطريق ونقع فى شرك التحليلات الذاتية المدمرة للعمل الثورى ، ولا يمكن لنا أن نقدم هذا التحليل الا فى ضوء تكتيكات حزبنا المقررة فى مؤتمره الرابع وفى كافة اجتماعات هيئاته القيادية، وآخرها اجتماع اللجنة المركزيةفى دورة مارس 1969 والمضمن فى الوثيقتين "الوضع السياسى الراهن واستراتيجية وتكتيك الحزب الشيوعى السودانى". "وفى سبيل تحسين العمل القيادى بعد عام من المؤتمر الرابع ".
1) يرى الحزب الشيوعى أن بلادنا بعد فشل اضراب فبراير 1965 واجهت ثورة مضادة لجأت للعنف فى مراحلها المختلفة .
2) بنى تكتيك الحزب الشيوعى منذ تلك الفترة على أساس الدفاع تمهيدا للهجوم .
3) الخط الدفاعى يعنى تجميع الحركة الشعبية وتمتين مراكزها وفى مقدمة ذلك توحيد الحزب الشيوعى أمام هجمات الثورة المضادة العنيفة والفكرية أيضا .
4) بنضوج الظروف الموضوعية يتحول تكتيك الحزب الى الهجوم وسط حركة شعبية واسعة .
5) تنتصر الحركة الشعبية بمعنى وصول الحلف الديمقراطى تحت قيادة الطبقة العاملة للسلطة. الاضراب الذى دعا له اتحاد العمال فى وجه الهجمة اليمينية على حكومة اكتوبر الأولى والتى بلغت ذروتها فى فى فبراير 1965 وقادت الى استقالتها فعلا وتشكيل حكومة ذات اتجاه يمينى. وتشكيل حكومة وطنية ديمقراطية عندما تنضج الأزمة الثورية وسط الجماهير الحديثة .
6) لايرى الحزب الشيوعى لاستكمال مهتم الثورة الوطنية الديمقراطية والانتقال بالثورة الى آفاق الاشتراكية بديلا لنشاط الجماهير وتصديها لكل مهام تلك الفترة .
7) يشكل هذا الحلف الوطنى الديمقراطى من جماهير الطبقة العاملة فى القيادة وجماهير المزارعين والبرجوازية الوطنية والمثقفين الثوريين والأقسام الثورية فى القوات المسلحة التى تضع نفسها فى خدمة ذلك الحلف .
يضع الحزب الشيوعى فى اعتباره كافة الاحتمالاتالتى ربما طرأت على علاقات القوى السياسية فى البلاد عبر هذه الفترة ، فكان يضع احتمال لجوء القوى الرجعية لاقسامها المسلحة فى الجيش لاقامة دكتاتورية عسكرية . وأقر أيضا سير النظام الرجعى نحولكن فى نفس الوقت كان الحزب الشيوعى يرى أيضاو دكتاتورية مدنية الخ. وهذه الاحتمالات جميعها لم تخرج عن كونها امتداد للثورة المضادة فى البلاد .
9) ولكن فى نفس الوقت كان الحوب الشيوعى يرى أيضا أنه ربما لجأت فئات اجتماعية من بين قوى الجبهة الطنية الديمقراطية فى البلاد الى الانقلاب العسكرى. وموقف الحزب الشيوعى من هذه القضية لخصته اللجنة المركزية فى دورتها الاستثنائية فى مارس 1969 على النحو التالى :
" أكد تكتيك الحزب الشيوعى أنه لابديل للعمل الجماهيرى ونشاط الجماهير وتنظيمها وانهاضها لاستكمال الثورة الديمقراطية. وليس هذا موضوعا سطحيا عابرا فهو يعنى أن الحزب الشيوعى يرفض العمل الانقلابى بديلا للنضال الجماهيرى والصبور والدؤوب واليومى بين النضال الجماهيرى . وبين النضال الجماهيرى يمكن حسم قضية قيادة الثورة ووضعها بين قوى الطبقة العاملة والشيوعيين ، وهذا هو الأمر الحاسم لمستقبل الثورة الوطنية الديمقراطية فى بلادنا . أن التخلى عن هذا الطريق واتخاذنا تكتيك الانقلاب هو اجهاض للثورة ونقل لمواقع قيادة الثورة فى مستقبلها وفى حاضرها الى فئات أخرى من البرجوازية والرجوازية الصغيرة . وهذه الفئات يتخذ جزء منها موقفا معاديا لنمو حركة الثورة كما أن جزءا آخرا منها (البرجوازية الصغيرة) مهتز وليس فى استطاعته السير بحركة الثورة الديمقراطية متصلة ، بل سيعرضها للآلام ولاضرار واسعة . وهذا الجز أختبر فى ثورة اكتوبر فأسهم فى انتكاسة العمل الثورى فى بلادنا
10) ماهى طبيعة أحاث هذا الصباح - الأثنين 25 مايو 1969 - وما هو وضعها الطبقى ؟
ْ- ما جرى صباح هذا اليوم انقلاب عسكرى وليس عملا شعبيا مسلحا قامت به قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية عن طريق قسمها المسلح .
- أدى هذا الانقلاب الى تغيير فى القوى الاجتماعية التىكانت بيدها القوات المسلحة ونعنى قوى الثورة المضادة .
- طبيعة هذا الانقلاب نبحث عنها فى التكوين الطبقى للمجلس الذى باشر الانقلاب (مجلس الثورة) وفى التكوين الجديد للقيادات هذا البحث يشير الى أن السلطة اليوم تتشكل من فئة البرجوازية الصغيرة فى البلاد .
بهذا أصبحت مهمة الحزب الشيوعى فى تطوير الثورة فى بلادنا والوصول بها الى تأسيس الجبهة الوطنية الديمقراطية بقيادة الطبقة العاملة - أصبحت هذه المهمة تنجز : 1 - تحت سلطة طبقة جديدة هى فى واقع الأمر بمصالحها النهائية من قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية فى البلاد . 2 - تحت ظروف أزيحت فيها الثورة المضادة عن قمة السلطة .
أ) اذا استطاعت الطبقة الجديدة أن تقبض على زمام الأمور فى القوات المسلحة وتبقى السلطة بين يديها ، فان ظروفا جديدة تتهيأ لتطور الثورة الوطنية الديمقراطية وانتصارها فى انجاز مهام مرحلة التطور الوطنى الديمقراطى وفتح آفاق الاشتراكية ، ذلك التطور الذى لن يتم الا بمبادرة الجماهير وقيادة الطبقة العاملة .
ب - من المؤكد فى حالة بقاء هذه السلطة أن تتأثر بالجو الديمقراطى العام فى بلادنا وبالمطالب الثورية للجماهير وليس لها طريق آخر . وستلقى الفشل اذا ماحاولت أن تختظ لنفسها طريقا يعادى قوى الثورة السودانية .
ج . لكيما ترتبط السلطة الجديدة ارتباطا عميقا فى الاهداف وفى المنهج بالقوى الديمقراطية لا بد أن يلعب الحزب الشيوعى دورا بارزا أولا فى دعم وحماية هذه السلطة أمام خطر الثورة المضادة ، وثانيا أن يحتفظ بقدراته الايجابية فى نقد وكشف مناهج البرجوازية الصغيرة وتطلعاتها غير المؤسسة لنقل قيادة الثورة من يد الطبقة العاملة الى يدها . فالبرجوازية الصغيرة ليس فى استطاعتها السير بحركة الثورة الديمقراطية بطريقة متصلة . وثالثا فى الاهتمام البالغ بنشر الأيدلوجية الماركسية بين صفوف الحزب وصفوف الجماهير الثورية وخاصة الطبقة العاملة . وأن أى تراخ فى هذا الميدان يؤدى الى انتشار أفكار الديمقراطيين الثوريين من البرجوازية الصغيرة مما يعد انتكاسة بين الجماهير الثورية .
ومهما كان المنهج الذى تسلكه السلطة الجديدة فان تطور الثورة الوطنية الديمقراطية يعتمد على درجة تنظيم الجماهير ومستوى وعيها ومقدرتها الفعلية فى النضال والوحدة والالتفاف حول مطالبها الأصلية ، العريقة ، الأساسية التى تستهدف التغيير الاجتماعى الديمقراطى . ولهذا فان تأييد حركة الجماهير للسلطة الجديدة مرتبط بمدى استجابتها لهذه المطالب وسيرها فى طريق الارتباط بالشعب . وفى هذا الصدد على الحركة الشعبية أن تتفادى الأخطاء التى حدثت فى اكتوبر ، وتتجنب التأييج الأجوف الذى يساعد العناصر الوصولية والانتهازية التى تتمسح بأعتاب كل سلطة جديدة .
ومن جهة أخرى فان قوى الثورة المضادة لن تقف مكتوفة الأيدى وستوجه هجومها نحو الحركة الثورية لعزل السلطة السياسية الجديدة والضغط عليها ومن قم ضربها للعودة للحكم من جديد . وهذا يفرض علي كل منظمات الحركة الجماهيرية رفع درجة يقظتها وتماسك صفوفها فى وحه هجوم الثورة المضادة .
كل هذا يعتمد نجاحه على تماسك فروع الحزب والارتفاع بمستوى الوحدة والانضباط والوضوح الفرى والسياسى حول خط الحزب وتكتيكاته التى صاغها المؤتمر الرابع وطورتها اللجنة المركزية ، وبصفة خاصة فى دورة مارس هذا العام . (1969 )
ان اللجنة المركزية للحزب الشيوعى تهيب بكل الأعضاء والفروع والمناطق أن يدعموا وحدة الحزب الفكرية والسياسية والتنظيمية . وأن يؤمنوا الحزب من الأفكار الضارة وأن يكرسوا كل جهدهم ووقتهم لتنظيم الجماهير ورفع مستوى الحركة الشعبية فى البلاد للسير فى طريق استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: للشيوعيين فقط. (Re: ابوالقاسم ابراهيم الحاج)
|
كيف أصبحت شيوعياً؟
عبد الخالق محجوب 2004 / 12 / 7
نص جدير بالقراءة إن هذه الحوادث لها خطورتها وهي في رأيي تمسني شخصياً لأنني أنتهج السبيل الماركسي في ثقافتي وتصرفاتي وأومن بالنظرية العلمية الشيوعية، وكل معارفي وأصدقائي يعرفون منذ زمن بعيد هذه الاتجاهات والثقافة التي احملها، وأنني أتحمل مسؤولية إزاء هؤلاء الأصدقاء والمعارف وبينهم من يحمل اتجاهات معادية لأفكاري وبينهم من حضي بثقافة إسلامية أو مسيحية، وبينهم الشخص العادي الذي يضطرب في الحياة دون فلسفة أو ثقافة.
إن انزعاج هؤلاء الأخوان يضع على عاتقي مسؤولية أدبية في توضيح رأيي وفق الثقافة التي اعتنقها ثم أن المدرسة الثقافية الشيوعية من المدارس الفكرية التي تعيش في بلادنا منذ فترة طويلة...... إن اهتمامي الكبير بمصير هذه الثقافة التي اعتز بها وأكن لها كل احترام ..... يلقي عليّ أيضاً مسؤولية في توضيح موقفها إزاء الحوادث الأخيرة.
عبد الخالق محجوب
لكي أوضح الموقف وغوامضه استميح القارئ عذراً إذا بسطت له جزءاً من تجربتي المتواضعة: كيف أصبحت شيوعياً؟
تجاربي
في نهاية الخرب العالمية، عندما دبّ الوعي الوطني في أرجاء بلادنا انتظمتُ كغيري من الطلبة المتحمسين في غمار هذه الحركة يحدوني أمل هو المساهمة في تخليص بلادي من النير الاستعماري، تحدوني حالة الفقر والبؤس التي كان وما زال يحس بها جميع المواطنين المتطلعين إلى مستقبل مشرق مليء بالعزة والكرامة، وقد علقت الآمال حينذاك على زعماء حزب الأشقاء في تحقيق تلك الأهداف التي أمنت بها. وهكذا وبهذه الآمال العريضة ودعت وفد السودان في مارس (آذار) من عام 1946 .
ولكن هذه الآمال العراض والأماني الحلوة ابتدأت تتضاءل أمام ناظري في القاهرة، وبعيدا عن أعين السودانيين دب التراخي في بعض هؤلاء الزعماء واستسلموا للراحة الشخصية. وفي غمار هذه الحياة الجديدة تناسى هؤلاء الزعماء ما قالوه بأن " قضيتنا لا يحلها اى من الذين ودعونا في الخرطوم واستقبلونا في القاهرة"..... تساءلت ضمن عدد من الشباب الحر، لماذا يتنكر الرجال لما قالوه بالأمس؟ ما هو السر في هذه التحولات التي طرأت على الزعماء ولا يدري الشعب كنهها.
نظرية سياسية
وبمجهودي المتواضع وحسب حدودي الفكرية اتضح لي أن هؤلاء الزعماء لا يحملون بين ضلوعهم نظرية سياسية لمحاربة الاستعمار وإنهم ما أن دخلوا غمار مجتمع متقدم معقد كمصر حتى صرعتهم النظريات المتضاربة فأصبحوا يتقلبون كما تشاء مصالحهم، عرفتُ أن الاستعمار له نظريته السياسية التي يحارب بها الشعوب الضعيفة وان هذه النظرية نشأت على تطور الرأسمالية الأوربية خلال القرن الخامس عشر. وإذا كان لشعبنا المغلوب على أمره أن يتحرر فلابد أن يسير على هدى نظرية توحد صفوفه وتصرع الاستعمار - على هدى نظرية تسلط أضوائها على كل زعيم أو متزعم ولا تترك له الفرصة لجني ثمار جهاد الشعب لنفسه - على هدى نظرية سياسية تخلص الشعب من الجهل والكسل الذهني الذي يتركه كقطع الشطرنج تحركه أيادي الزعماء أينما شاءت.
لقد هداني هذا الجهد المتواضع إلى النظرية الماركسية - تلك النظرية السياسية التي نشأت خلال تطور العلم والتي تقوم على أساس اعتبار السياسة والنضال من اجل الأهداف السياسية علما يخضع للتحليل. ولأول مرة عرفتُ أن الاستعمار ليس شيئا أبديا وإنما هو تطور اقتصادي للرأسمالية الأوربية وانه كبقية الأنظمة خاضع للتطور أي انه سينتهي ويحل محله نظام جديد. وهكذا عرفت أن جميع الزعامات السياسية التي لم تهتد إلى هذا التحليل العلمي للاستعمار واكتفت بإثارة العواطف ضد "الأجانب" لم تصل إلى أهدافها ولم يجن الشعب المؤيد لها ما كان يصبو إليه، أسماء كثيرة تحضرني - سعد زغلول وغاندي ومصطفى كمال أتاتورك وغيرهم. واقتنعتُ بأن زعمائنا يسيرون في نفس الطريق وإننا لن نجني من ورائهم أكثر مما جنت الشعوب الأخرى التي سارت وراء تلك الأسماء.
تناسق الماركسية
وكشخص وضعته ظروف الحياة لا كزارع أو صاحب أملاك - بل كمتعلم نال من بعض التعليم المدرسي، كان لابد لي كغيري أن أقوم بجهد لأنال شيئا من الثقافة ينفعني في تطوير فكري وتوسيعه. ولم أكن أهدف إلى أي ثقافة ولكن الثقافة التي تعطي تفكيرا غير مضطرب أو متناقض للظواهر الطبيعية والاجتماعية... إن النظرية الماركسية تمتاز بالتناسق ولأول مرة تضع قيماً عالية للأدب والتاريخ والفن والفلسفة مما كنا نعتقد أيام الدراسة إنها بطبيعتها لا يمكن أن تكون لها قيم أو تستعملها قواعد وإلا فقدت طبيعتها. إني كفرد يحاول تثقيف نفسه وجدت في النظرية الماركسية خير ثقافة وأنقى فكرة.
إن تجربتي البسيطة توضح أنني لم اتخذ الثقافة الماركسية لأنني كنت باحثا في الأديان، ولكن لأنني كنت وما زلت أتمنى لبلادي التحرر من النفوذ الأجنبي - أتمنى وأسعى لاستقلال بلادي وإنهاء الظروف التي فرضت علينا منذ عام 1898، أتمنى واسعي لإسعاد مواطني حتى تصبح الحياة في السودان جديرة بأن تحيا - ولأنني أسعى لثقافة نقية غير مضطربة تمتع العقل وتقدم البشرية إلى الأمام في مدارج الحضارة والمدنية.
الشيوعية والإسلام
هل صحيح إن الفكرة السياسية الشيوعية في السودان تدعو لإسقاط الدين الإسلامي؟ كلا أن هذا مجرد كذب سخيف. إن فكرتي التي أؤمن بها تدعو إلى توحيد صفوف السودانيين... ضد عدو واحد هو الاستعمار الأجنبي وبهدف واحد هو استقلال السودان وقيام حكم يسعد الشعب ويحقق أمانيه، وان القوى التي تقف حائلا دون إسعاد وحرية السوداني المسلم أو المسيحي... لا يمكن أن تكون الإسلام لأننا لم نسمع أو نقرأ في التاريخ إن الجيش الذي غزا بلادنا عام 1898 هو القرآن أو السنة ولم نسمع أو نقرأ في بوم من الأيام إن المؤسسات الاحتكارية البريطانية التي تفقر شعبنا جاءت على أساس الدين الإسلامي أو المسيحي. إن الفكر الشيوعي ليس أمامه من عدو حقيقي في البلاد سوى الاستعمار الأجنبي ومن يلفون حوله، فأين هذا الهدف من محاربة الدين الإسلامي؟
إن الفكرة الشيوعية تدعو في نهايتها إلى الاشتراكية حيث يمحي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. أين هذا الهدف من محاربة الدين الإسلامي؟
إن الفكرة الشيوعية تدعو إلى إخضاع العلم والمعرفة لحاجيات البشرية من بحوث علمية وطبية وأدبية وتشذيب الإنسان من الخوف والحاجة بإنهاء الظروف الاقتصادية والفكرية التي تنشر الخوف من المستقبل وتدفع الإنسان تحت ضغط الحاجة إلى درك لا يليق بالبشر من سرقة ودعارة واحتيال وكذب. أين هذا الهدف من محاربة الدين الإسلامي؟
بقي أن أقول للدوائر التي أصدرت هذا المنشور: إن الرجل الشريف يصارع الفكرة السياسية بالفكرة السياسية ويعارض فكرة معينة بالحجة والمنطق. إن محاولة تزييف أفكار أعدائكم - أو من تتوهمون إنهم أعداؤكم - بهذه الطريقة الصغيرة لا تليق، فوق أنها عيب فاضح. أما أساليب الدس فهي من شيم الصغار جداً حتى ولو كبرت أجسامهم وتوهموا في أنفسهم علو المقام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: للشيوعيين فقط. (Re: ابوالقاسم ابراهيم الحاج)
|
في الإستعمار و الدولة الوطنية: تعليق على بعض من تراث عبد الخالق محجوب
مجدي الجزولي [email protected] 2005 / 3 / 4
يحمد لدار عزة للنشر أنها أتاحت لمثلي فرصة الإطلاع على بعض مما كتبه أحد السودانيين الأذكياء، شهيد فكره و نضاله عبد الخالق محجوب، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني حتى إغتياله في 28 يوليو 1971 . يعيب المكتبة السودانية أنها تفتقر لعمل موثق حصين يؤرخ لرجل هو عرّاب الحداثة السودانية؛ حداثة فكرية منعها عن إكتمال بدرها بطش السلطان و رصاص قاهر مقهور، و حجبها عن كامل جمهورها ضباب ايديولوجي كثيف و لسان اليمين الطويل. ربما جاز لنا على أعتاب "سودان جديد" و بعد إنحسار مد العقائد السياسية ان نفكر بهدوء و رويّة في سعي خلاق و سباق لمد فتور الحياة الفكرية و السياسية و الثقافية السودانية بناضج من الخيال و "العلم النافع" ماركسي الوجد و سوداني الوجدان، كتب بلغة لا تخجل من تعيين العدو إسماً ولا تمل من الحلم، في زمان لم تكتمل فيه بعد سطوة "بريتون وودز" و كعبة نيو يورك الأمميّة، زمان عرف نساءاً و رجالاً لا تشتريهم دولارات إمبراطور واشنطن الباطش منهم شهيدنا، فأي قائمة يمكن أن تضمه و رفاقه سوى قائمة لوممبا، اليندي، جيفارا .. و غيرهم لا تعلمونهم الله يعلمهم. بسبب من فتنة التنافس الحاد و الدموي على مقاعد السلطة السياسية لم تنل افكار محجوب كبير إهتمام بحثي خارج دوائر الحزب الشيوعي السوداني التنظيمية، حيث اكتفى معظم اهل الأكاديميا بالختم الايديولوجي لسعي الرجل الفكري و السياسي سبباً لإستبعاده من قائمة احسن القول و تصنيفه من ضمن الزبد الذي يذهب جفاءاً و هو مما ينفع الناس حقاً و لو بعد حين. إن إدراك سبق محجوب يتطلب عيناً قارئةً متحررةً من الاحكام المسبقة و الجاهزة، تذهب أبعد من اسطورة "الخطر الشيوعي" و تعي القيمة المفصلية لجهاد محجوب في دفع حركة الإستقلال الوطني و تثويرها بما يتجاوز صالونية الأحزاب و مناوراتها الميكافيلية. العمل الفكري و السياسي الجماهيري لمحجوب لا يستقيم عدلاً تقييمه فقط وفق مقولة "الشيوعية سقطت في بلدها" برغم صحتها كمعلومة، فالرجل لم يكن سوفييتياً يعمل في السودان! لا مناص عند طلب حقيقية المسألة من موضعة سعي محجوب في إطاره المكاني و الزماني بكامل شروطه الإقتصادية-الإجتماعية و السياسية و الثقافية، عندها قد يتبين لمن أراد العدل أن القضية المركزية لشيخ الشيوعيين السودانيين كانت الإستقلال الوطني و التحرر من الإستعمار، في هذا الصدد كتب عبد الخالق محجوب في مقالته "كيف أصبحت شيوعياً"، قائلاً: ” بمجهودي المتواضع إتضح لي أن هولاء الزعماء >زعماء حزب الأشقاء< لا يحملون بين ضلوعهم نظرية سياسية لمحاربة الإستعمار و أنهم ما أن دخلوا غمار مجتمع متقدم معقد كمصر حتى صرعتهم النظريات المتضاربة فأصبحوا يتقلبون كما تشاء مصالحهم، عرفت أن الإستعمار له نظريته السياسية التي يحارب بها الشعوب الضعيفة و أن هذه النظرية نشأت على تطور الرأسمالية الأوروبية خلال القرن الخامس عشر. و إذا كان لشعبنا المغلوب على أمره أن يتحرر فلا بد أن يسير على هدى نظرية توحد صفوفه و تصرع الإستعمار، على هدى نظرية تسلط أضواءها على كل زعيم أو متزعم و لا تترك له الفرصة لجني ثمار جهاد الشعب لنفسه، على هدى نظرية سياسية تخلص الشعب من الجهل و الكسل الذهني، الذي يتركه كقطع "الشطرنج"، تحركه ايدي الزعماء أينما شاءت.“[1] عند محجوب الإستعمار حالة لا تنتهي بخروج الجيش الغازي و تحقيق عضوية الأمم المتحدة و ما يلزم الدولة من تشريفات و طقوس، تلك جنة النخبة الذي ترث الملك الإستعماري، و التي بحكم رضاعتها من ثدي الدولة "الكولونيالية" و تدجينها في مؤسساتها الفوقية و بحكم موقعها الطبقي تلعب دور الخليفة الوريث لتدشن مرحلةً جديدةً من الإستعمار أرخص في الكلفة المادية، أقل ضرراً بالصورة المعنوية "للرجل الأبيض"، و أكثر فعالية في نهب موارد الشعب لصالح البرجوازية الأوروبية، فهي- أي النخبة الوطنية – لا تستطيع تحقيق ما يفوق تغيير علم و رسم الدولة بينما تبقى شبكة العلاقات الإقتصادية و السياسية الإعتمادية و الإستغلالية التي تربط الدولة المستقلة حديثاً بالإستعمار في مكانها، و ذلك في إتساق تام مع مصالح النخبة بما هي نواة لبرجوازية محلية ناشئة تعيش على أفضليتها التعليمية و الإقتصادية النسبية بالمقارنة مع عامة الشعب و تحتكر بذلك صناعة الرأي العام و قيادة الدولة و إدارة المؤسسات الإنتاجية و لها القدرة على عقد الصفقات و لعب دور الوسيط و الوكيل المحلي للمصالح الرأسمالية الدولية، بما يضمن لها الإعتراف و الدعم الخارجيين و النفوذ الداخلي. على هذا الأساس ليس من المستغرب أن تستمر غربة الدولة عن مواطنيها بعد تحقيق الإستقلال، فهي ما تزال جسم غريب تائه في البحر الشعبي، تعيد تدوير الإرث السياسيي، الإقتصادي، القانوني و الإداري للإستعمار دون كبير تغيير يطرأ عليه ليناسب الاهداف و المهام الملقاة على عاتق دولة يصارع شعبها الفقر و الجهل و المرض و يسعى لإعادة إكتشاف ذاته و إصلاح ما أفسده داء الحكم الأجنبي. في هذا الصدد كتب محجوب: ” بجهاز الدولة في قطاعاته العليا عناصر ذات أثر روضها الإستعمار الأجنبي، و بحكم ما حولها من تشريعات تدربت على إحتقار الجماهير الشعبية، و بحكم إمتيازاتها تتطلع للدفع الرأسمالي تحت سيطرة الإستعمار الحديث و القديم. إن المراكز الأساسية لهذه العناصر تقوم بين أجهزة السلطة.“[2] إنتهجت النخبة الحاكمة و المتنفذة أساليب متعددة في تدعيم مشروعيتها السياسية، لم تقم في مجملها على تصورات عملية و واقعية لمجابهة القضايا المعيشية و التنموية الضاغطة في بلد فقير و ملغوم، بل كانت في أغلبها صياغات فجة و عاطفية لعناصر الهوية الدينية و اللغوية (الإسلام و العروبة)، جوهرها الولاء الطائفي التقليدي، ما أن تحقق الإستقلال السياسي حتى بدا بوارها بل حمقها حين الإعتبار في الكارثة الإنسانية و السياسية التي سببها تعامل الأحزاب الإنتهازي مع قضية البناء الوطني والتي انفجرت ملتهبة و دموية في تمرد 1955. تنافست الحكومات المتوالية في الشمال دكتاتورية و برلمانية على تعقيد مشكلة الجنوب و تحويلها إلى احدى ورقات التنافس السياسي على مقاعد السلطة. ” أصبحت العداوات خلال فترة رئاسة (محمد أحمد) المحجوب (1965) أشد ضراوة من أي تجربة سابقة عاشها الإقليم بما في ذلك فترة حكم عبود العسكري. و من المفارقات تمت إدانة حكم الجنرال العسكري عبود، بالتحديد لإتهامه بالفظائع التي ارتكبها في الجنوب، و بالرجوع إلى الماضي، يبدو واضحاً بأن الأحزاب الشمالية كانت أكثر رغبة في إستغلال مشكلة الجنوب للقضاء على نظام عبود العسكري، من سعيها لإيجاد حل سياسي للمشكلات.“[3] في نفس العام قدم عبد الخالق محجوب خطابه الشهير أمام مؤتمر المائدة المستديرة في الخرطوم بصدد قضية الجنوب و الذي تجاوز فيه بإمتياز الرؤى الذاتية و الإستعلائية للسياسيين الشماليين، مقدماً تحليلاً واقعياً للقضية ربط فيه بين المطالب السياسية للجنوبيين و مهمة التحرر الوطني و الصراع الطبقي في البلاد بعد أن سجل سابقة مجيدة في المناقشة العامة لدور الرق المحوري في القضية: ” إن التغييرات التي شملت بلادنا امتدت أيضاً لمفاهيم الدوائر السياسية المختلفة فانتصر صوت العقل و أصبح هناك إتفاق جماعي حول وجود مشكلة و قضية في الجنوب و أن الحل الديمقراطي السلمي هو السبيل، بعد أن عانينا سنوات عدة من سياسة الإرهاب و البطش و إراقة الدماء. و كنا نأمل لو شملت تلك التغييرات مفاهيم بعض اخواننا هنا الذين يسموننا بأحفاد الزبير باشا، و نحن نقول لهم بصراحة و وضوح، نعم نحن أحفاد الزبير باشا، فنحن لا نتهرب من تاريخنا، لكنا ننظر إليه نظرة موضوعية ناقدة، و في غير مرارة، نستفيد منه الدروس و نستقي منه العبر، فتجارة الرقيق التي تتحدثون عنها كثيراً كانت مدفوعة من المستعمر الأوروبي و لمصلحته و هي عار عليه في تلك العهود و عار على كل من نفذها.“[4] يمضي محجوب في خطابه ليطور الفكرة الجنينية التي طرحها و رفاقه في الجبهة المعادية للإستعمار قبل تمرد 1955 و التي صاغتها اللجنة التنفيذية في إجتماعها بتاريخ 21 سبتمبر 1954 و نشرتها جريدة الصراحة 28 سبتمبر 1954: ” ترى اللجنة أن حل مشكلة الجنوب يتم على الأساس التالى : تطوير التجمعات القومية فى الجنوب نحو الحكم المحلى الذاتى فى نطاق وحدة السودان“، أرفقت اللجنة موقفها بمقال تفسيري جاء فيه أيضاً: ” كذلك نقر بأنه ليست لدينا وجهة نظر محددة عن الموقف بين القوميات السودانية الأخرى فى الشمال والشرق ، الا أنه مما يبدو لا توجد مشكلة حالية بالنسبة لها . ولكننا من ناحية المبدأ لا ننكر أنه اذا جاء وقت ، حتى ولو كان بعد الاستقلال بفترة طويلة واقتضت ظروف هذه القوميات نوعاً معيناً من الحكم الداخلى فيجب أن ينفذ .“ في مرحلة لاحقة قدم محجوب تصوره لمهام إستكمال الإستقلال في مرحلة "الثورة الوطنية الديمقراطية"، المناط بها تصحيح المسار الإقتصادي و السياسي للبلاد في إتجاه تحقيق مطالب الجماهير الشعبية الغالبة و تهشيم جهاز الدولة القديم "الإستعماري"، و ذلك في وثيقة "حول البرنامج" التي كتبها في معتقله بالشجرة في يونيو1971، فيها يطور و يفصل ما أجمله برنامج المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي السوداني 1967 وفق القاعدة الماركسية القائلة بأولوية الممارسة و ضرورة التعلم المتواصل من التجربة الماثلة و الواقع الملموس. حدد محجوب في وثيقته أولويات العمل بالقول: ” نبدأ بتحديد القضية الأساسية في الثورة الديمقراطية، و التي تتفرع منها كل القضايا الأخرى لتلك الثورة. أعتقد أن قضية الثورة الإقتصادية (التنمية) هي تلك الحلقة. فإذا كان العدو الإستراتيجي الأساسي لثورتنا الوطنية هو الإستعمار الحديث و الحلف البرجوازي شبه الإقطاعي في الداخل، و أن الهدف الأول للثورة الوطنية الديمقراطية هو دعم و تطور السيادة الوطنية.. فإن هذا غير ممكن من غير النهوض الإقتصادي و بناء مجتمع صناعي و زراعي.“[5] بعد أن قدم وصفاً تحليلياً لمصادر الفائض الإقتصادي الازم لتحقيق تنمية قوى الإنتاج يواصل محجوب جهده ليشمل بنقده الهياكل الإجتماعية و السياسية التي تعوق النمو الإجتماعي-الإقنصادي بما فيها البيروقراطية و جهاز الدولة الإستعماري، ثم ليحدد إطاراً نظرياً لتثوير نظم و مناهج التعليم، كونها تلعب الدور المركزي في تهيئة العنصر البشري؛ أساس و هدف التنمية: ”إن المجتمع الصناعي-الزراعي المتقدم يبنيه الإنسان السوداني الذي يتحرر من تلك العوامل و يخرج من نطاق الخوف إلى رحاب المعرفة حيث يحتل الإنسان مركزاً كريماً بوصفه أكرم الكائنات، إن تحرر الجماهير الكادحة من ذلك الخوف و من مؤسساته الإجتماعية لا يتم بالتشريع و القهر بل بنشر المعرفة اليومية، بالثورة الثقافية التي تخرج من منابت المجتمع و تهز قاعه ضجيجاً و حركةً، هو إنتصار الإرادة الديمقراطية و المعرفة و الوعي بين الجماهير، و الوعي أساسه حرية الإختيار و الإقتراب من الحقيقة، و القهر و التشريع و حجب الإختيار ليست من وسائل إكتشاف الحقيقة في شئ.“[6] في ختام وثيقته أورد محجوب نقداً للديمقراطية الليبرالية و ممارستها في السودان (1956-1958 ، 1964-1969)، و التي شارك فيها الحزب الشيوعي السوداني حتي طرد نوابه من البرلمان في نوفمبر 1965 ، في تقويض صارخ و معيب للدستور و للحقوق السياسية للناخبين و نوابهم، الحادثة التي فتحت الباب واسعاً للمغامرات الإنقلابية و انتهت بإغتيال قيادات الحزب في يوليو1971 و من ضمنهم عبد الخالق محجوب، الذي سجل في حقه محمد أحمد المحجوب هذه الكلمات المضيئة: ” إن إعدام زعيم الحزب الشيوعي السوداني يشكل نهاية عهد التسامح و الحلول الوسطى في حياة السودان السياسية، انني اعرف عبد الخالق محجوب منذ 20 سنة. كان يتحلى بنزاهة و شجاعة بالغين. و كانت الأخلاق السودانية تأتي في الطليعة في تفكيره السياسي. و قد ساهم كثيراً في ايجاد توافق بين تاريخ السودان الإسلامي و الآراء الماركسية الثورية- و هذا ما جعلني دائماً أصف الحزب الشيوعي السوداني بانه حزب سوداني لا يدين بالولاء لموسكو أو أي بلد شيوعي آخر في العالم.“[7] كتب الأستاذ كمال الجزولي كتاباً غنياً و فريداً عن إشتباك الشيوعيين السودانيين مع الديمقراطية : كمال الجزولي، الشيوعيون و الديمقراطية في السودان، دار عزة، الخرطوم 2003، ليس في إستطاعتي الإضافة عليه. قد يستنكر الكثيرون توجيه النقد للديمقراطية الليبرالية في زمان يعتبره ايديولوجيو واشنطن نهاية التاريخ، لكن السؤال يظل مشروعاً ليس من أجل الهدم و لكن من أجل البناء، ليس من باب الرياضة الذهنية بل لأنه سؤال موضوعي و لازم عند الإعتبار في المسافة القائمة بين المشاركة الشعبية في إتخاذ القرار السيلسي و الإداري، الرقابة الشعبية على أداء الدولة، رفع مستوى معيشة الجماهير، توفير الخدمات، تحقيق الكفاية و العدل و صيانة كرامة الإنسان و بين حصاد برلمانية شكلية تتحكم فيها أغلبية حزبية ميكانيكية يقول عنها رائدها: ” لقد تمكنا من التخلص من أسيادنا الأجانب، و لكننا عجزنا عن محو الفقر و المرض و الجهل. لقد عجزنا عن القضاء على عنصر الخوف الذي زرعته أجيال من الحكم الأجنبي في نفوس شعوبنا. لقد فشلنا في المحاولة التي قمنا بها لتأمين مستوى أعلى للمعيشة و الصحة و التعليم لشعبنا.“[8] هذه المحصلة القاسية يعزوها المحجوب في إتفاق مع عبد الخالق للعلاقات الإقتصادية الإستغلالية التي ما زالت تربط المستعمرات السابقة بالدول الإمبريالية؛ ” سعت الدول الإستعمارية- أي بكلمة أخرى الدول الرأسمالية الغربية- خلال بقائها الطويل في بلداننا، إلى إبقاء إقتصادياتنا قائمة على إنتاج المواد الأولية التي كانت تصدر إلى بلدان العالم الغربي الحاكمة علينا. و قد حددت هذه الدول الرأسمالية سعر تلك المواد، لأنها في الواقع، كانت الشارية الوحيدة. لقد استخدمت موادنا الأولية في صناعة السلع الخالصة ثم أعيد تصديرها إلينا بأسعار حققت ارباحاً طائلة، للحكام. و حتى بعد الإستقلال، بقيت طريقة التعامل هذه مستمرة. إذ لم يكن في وسع البلدان الحديثة الإستقلال أن تعيد تنظيم إقتصادها بين ليلة و ضحاها.“[9] السودان لم يبتعد كثيراً عن هذا الوصف بعد ما يفوق الثلاثين عاماً من كتابته، بل إنفجرت قضايا التنمية والمشاركة الشعبية أو بلغة البروتوكولات الثروة و السلطة حروباً و صراعات مسلحة، ترتد عن حداثة الطبقة الى أوليّة العرق و الإثنية، لتضع نهاية لعهد التسامح و الحلول الوسطى، ليس فقط في الحياة السياسية بل في الحياة السودانية على الإطلاق، ولذلك سبب بائن، فعندما عجزت الأحزاب و الطوائف عن مخاطبة و تلبية حاجيات الجماهير الشعبية في الجهات و المدن، لم تبقى سوى روابط الدم و العرق معبراً للمظلمة الطبقية، التي تناسلت بخميرة من إهمال و إستغلال قضايا القوميات المذكورة آنفا، لتصبح ذات رؤوس عدة: دينية و جهوية و عرقية و لغوية. للإنجليز مثل يقول "إن الحقائق أشياء عنيدة"، لذا من المفيد تقديم وصف إحصائي[10] لبعض مؤشرات غليان المرجل الذي يخرج منه أباليس السودان: عدد السكان 33,5 مليون نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي (2003) 460 دولار امريكي معدل وفيات الرضع تحت سن العام (2003) 63 من كل ألف ولادة حية معدل وفيات الأطفال تحت سن الخامسة (2003) 93 من كل ألف ولادة حية معدل وفيات النساء أثناء الحمل و الولادة (2000) 590 من كل مائة ألف ولادة نسبة السكان الذين يستغلون صرف صحي مناسب 34 % تغطية التطعيم ضد السل للأطفال تحت سن العام (2003) 53 % تغطية التطعيم ضد شلل الأطفال تحت سن العام - 3 جرعات (2003) 50 % تغطية التطعيم الثلاثي الأطفال تحت سن العام (2003) 50 % تغطية التطعيم ضد الحصبة للأطفال تحت سن العام (2003) 57 % تغطية تطعيم النساء الحوامل ضد التيتانوس (2003) 35 % معدل إنتشار مرض الأيدز للفئة العمرية 15 – 49 (تقدير نهاية 2003) 2,3 % عدد الأطفال (الأعمار 0 – 17 ) الأيتام لجميع الأسباب 1,3 مليون نسبة الأمية بين البالغين الذكور (2000) 31 % نسبة الأمية بين البالغين الإناث (2000) 54 % نسبة الإلتحاق بالمرحلة الأولية من الأطفال الذكور (1998 – 2002) 50 % نسبة الإلتحاق بالمرحلة الأولية من الأطفال الإناث (1998 – 2002) 42 % إجمالي نسبة الإلتحاق بالمرحلة الثانوية - الذكور (1998 – 2002) 34 % إجمالي نسبة الإلتحاق بالمرحلة الثانوية – الإناث (1998 – 2002) 30 % نسبة سكان الحضر 39 % نسبة سكان الريف 61 % نصيب الصحة من الميزانية المركزية (1992 – 2004) 1 % نصيب التعليم من الميزانية المركزية (1992 – 2004) 8 % نصيب الدفاع من الميزانية المركزية (1992 – 2004) 28 % بينما يكتب "جماعة" الحكومة و الحركة دستور الفترة الإنتقالية و تتقلص عضلات قيادات الأحزاب في إنتظار الإنتخابات لابد من التفكير في الوسائل و الطرق و أشكال التنظيم اللازمة لتجذير وعي الجماهير في كل السودان بطبقية قضيتهم المشتركة، و ضرورة تكامل جهودهم، في وحدة يستقوون بها على الأوليغاركية الجديدة (حكم القلة) التي تؤسس لها بعناد أخرق بروتوكولات طه - قرنق و يسيل لثروتها و سلطتها لعاب "سماسرة" التهميش و المحررون الكذبة؛ وحدة هدف و عمل تمنح شكلانيات الديمقراطية مضموناً إقتصادياً و إجتماعياً، يكبح جماح السوق و السلاح و يحقق مطالب الجماهير في حدها الأدني على الأقل: الحرية و الخبز و السلام. إذ أنه ”يمكن للأساليب الديمقراطية أن تشجع النضال العلني ضد البنى السلطوية القائمة، مما يعد أمراً جيداً، ولكن يمكن احتواء هذا النضال عادة، ويمكن قمعه ضمن نطاق الدستور. بكلمة أخرى، يمكن إستبدال نظام ديكتاتوري ضمن بنية رأسمالية، بنظام "ديمقراطي" ضمن البنية نفسها. “[11] في حال تقاصرت قامة العاقلين من بنات و أبناء السودان عن هذا الجهد، و هذا النضال الحيوي فإن إرادة الجماهير ستبقى أسيرة عند حكومة كاد أمرها يشبه حال ملوك سنار عشية الغزو التركي، يجلسون على عرش خرب، و محررين إنتهازيين كزعماء القبائل الذين سعوا إلى محمد على طالبين تدخله في شئونهم المصطرعة[12]. هذه المقارنة " الشاطحة " تقفز إلى الذهن حين تأمل دور أطراف النزاع السوداني، من جمعتهم قسمة نيفاشا و من هم خارجها، في التحضير لسودان جديد- قديم تحكمه القوى الدولية عبر بعثة يرأسها مندوبها السامي في الخرطوم المستر برونك، مدعومة بقوة مسلحة قوامها ما يفوق العشرة آلاف فرد، تكاد مجالات المهام الموكلة لها تماثل مسؤوليات سلطة وطنية ذات سيادة، تشمل السياسة و الرأي العام (بما في ذلك توجيه بإنشاء إذاعة خاصة ببعثة الأمم المتحدة في السودان)، حكم القانون، حقوق الإنسان، الشئون المدنية، الإنتخابات، نزع سلاح و تسريح و إعادة دمج القوات، جهود الإغاثة، حماية السكان المدنيين، التتمية و قضايا المرأة[13]. ذكر رئيس الجمهورية في إحدى خطاباته الحاشدة امام جموع أهل النيل الأبيض أن ثورة الإنقاذ إمتداد للثورة المهدية، تداعي الأحداث يدفع المرء أن يقول ربما هي كذلك، لكن منزوعة " الثورة " فما جمعت أهل السودان ضد مغتصب، و لا أعطت الأرض لمن يزرعها، و لا ألغت ضريبة جائرة، بل جاءت تحملها الدبابات، شنت حرباً غليظة على آمنين، فقدت ثقة أهل الجنوب قبل أن تكسبها أول مرة، إغتصبت الأرض من أصحابها، و أودعت من أسمتهم المعسرين السجون، و ماثلت إرث المهدي و خليفته في فرض دينها و شريعتها على عموم العباد قسراً، محاربة الجيران الأقربين و من لا قبل لها بهم عبر البحار إمعاناً في التيه و الفتوة، دفع معارضيها إلى أحضان القوى الأجنبية حمقا وعناداً، ثم شاخت قبل أن تبلغ الحلم لتنقسم على نفسها، تأسر شيخها، و تبعث شياطين العرق و القبيلة أحياء يمشون بين الناس. التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه حافل بالدروس و العبر، فما للإنقاذ من "كرري" و لن تفديها أرواح أحد عشر ألف سوداني، كما ليس لقادتها جلد و شموخ عبد الله التعايشي و علي ود حلو و أحمد فضيل إذ يستقبلون رصاص الغزاة و هم جلوس على "فروتهم" الوطنية. فبراير 2005
[1] "الأيام" 05/10/1954 ، منشورة ضمن عبد الخالق محجوب، دفاع أمام المحاكم العسكرية، ط 1 ، دار عزة للنشر، الخرطوم 2001، ص 20 [2] الماركسية و قضايا الثورة السودانية: نص التقرير العام المجاز في المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي السوداني- أكتوبر 1967 ، دار الوسيلة، الخرطوم، بدون تاريخ، ص 110 [3] د. فرانسيس دينق، صراع الرؤى؛ نزاع الهويات في السودان، ترجمة د. عوض حسن، ط2 ، مركز الدراسات السودانية، القاهرة 2001، ص 136 [4] خطاب عبد الخالق محجوب أمام مؤتمر المائدة المستديرة- الخرطوم 1965، الجزء الأول، تسجيل صوتي منشور على الموقع الإلكتروني www.omdurman.us [5] عبد الخالق محجوب، حول البرنامج، ط 1، دار عزة، الخرطوم 2002، ص 10 [6] المصدر السابق، ص 44 [7] محمد أحمد محجوب، الديمقراطية في الميزان، ط 2، دار النهار، بيروت 1982، ص 246 [8] المصدر السابق، ص 279 [9] المصدر السابق، ص 280 [10] منظمة اليونسيفwww.unicef.org [11]رالف ميليباند، الإشتراكية لعصر شكّاك، ترجمة نوال لايقة، ط 1، دار المدى، بيروت 1998، ص 57 [12] د. محمد سعيد القدال، تاريخ السودان الحديث 1820 – 1955، ط 2، مركز عبد الكريم ميرغني، أم درمان 2002، ص 37 [13] تقرير أمين عام الأمم المتحدة لمجلس الأمن حول السودان، معمم بتاريخ 31 يناير 2005، www.un.org[/B]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: للشيوعيين فقط. (Re: Adil Al Badawi)
|
الاستاذ: عادل البدوى. لك التحية . شكرا على المرور, والمواضيع الموجودة مفيدة للتأريخ ومعرفة الاحزاب السودانية من خلال مصادرهم وهذا اصدق مما قد يكتب على السنة الاخرين.
أعجبنى مقال الزعيم: محجوب وتناوله لسيرته ومسيرته بإيجاز غير مخل.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: للشيوعيين فقط. (Re: خالد العبيد)
|
الاستاذ: خالد العبيد. المحترم. لك التحية.
يا حبذا لو ترفد لنا بمزيد من المقالات والدراسات التى تتكلم عن مرحلة من تاريخ الحزب. لان الاجيال الحالية فى امس الحاجة لمعرفة ودراسة مرحلة تاريخية ساهم فيها الحزب وزعاماته فى الحياة السياسية والاجتماعية للسودان. ونحن منتظرون. لك الشكر.
| |
|
|
|
|
|
|
|