صدر حديثاً من دار الحضارة للطباعة والنشر بالقاهرة، كتاب : (المناطق المُهمَّشة فى السودان : كفاح من أجل الأرض والهوية) للكاتب/ عادل شالوكا، ويقع الكتاب فى (344) صفحة من الحجم المتوسط مقاس (14 × 20 سم)، ويُعرض حالياً بمعرض القاهرة الدولى للكتاب الذى يستمر حتى العاشر من هذا الشهر، كما سيُعرض لاحقاً بمعرض مسقط الدولى للكتاب فى الفترة من 24 فبراير - وحتى 5 مارس 2016 / ولاحقاً بمعرض البحرين الدولى فى الفترة من 24 مارس - وحتى 3 أبريل 2016، وتقوم دار المصورات للنشر- السودان، بعرض الكتاب ونشره.
ويقول المؤلف إن فكرة الكتاب بدأت عقب إندلاع الحرب الثانية فى جنوب كردفان / جبال النوبة فى السادس من يونيو عام 2011، حيث يقول إنه قد تأكَّد له بإن المُعاناة والحروب المُستمرة هو المصير المحتوم للمناطق المُهمَّشة فى السودان، فما أن تُخمد حرب حتى تندلع أخرى أكثر ضراوة وعلى نطاق أوسع، ليكون مصير السُّكان فى نهاية الأمر الموت والدمار واللجوء، والنزوح، والتشرُّد دون ذنب أو جرم إرتكبوه سوى إنهم ينتمون إلى هذه المناطق حسب رأى الكاتب الذى يرى إنه منذ العام 1955م إلى يومنا هذا إستمرت الحروب التى تشنُّها الحكومات المركزية ضد المناطق المُهمَّشة فى السودان والتى تطالب بحقوقها فى الدولة السودانية التى مارست عليهم طُغمتها الحاكمة ظلماً وقمعاً تاريخياً، ويرى إن ذلك أدَّى فى نهاية الأمر إلى إنفصال جنوب السودان وقيام دولة مُستقلة فى 9 يوليو 2011، ويرى المؤلف إن الأحزاب والقوَى السياسية السودانية لم يكن لديها مواقف إيجابية تجاه الحروب التاريخية بما فيها الحرب الأخيرة التى فرضها المؤتمر الوطنى على شعب جبال النوبة والنيل الأزرق فى العام 2011 مع إستمرارها فى دارفور منذ العام 2003م، بل إن بعض هذه الأحزاب شاركت فى القمع و الحروب التاريخية ضد الهامش، كما يرى أيضاً إن المجتمع الدولى لم يكن جاداً فى التعامل مع الحرب الأخيرة، ولم يقم بأى موقف جاد لإيقافها ومُعاقبة المجرمين أو الضغط على الحكومة بصورة جادة لمعالجة قضايا هذه المناطق بصورة عادلة وجذرية، أو حتى فتح المسارات لتقديم المُساعدات الإنسانية للمدنيين فى المناطق المتأثرة بالحرب، فبدلاً عن ذلك مارس المجتمع الدولى ضغوطاً للوصول إلى إتفاق سلام بين أطراف الصراع فى السودان دون وضع الإعتبار لتفاصيل أو فحوَى ومضمون أى إتفاق سيتم توقيعه، وكمُراقب لهذه التحرُّكات يرى الكاتب إن أى إتفاق لا يخاطب القضايا الأساسية سيكون مصيره الإنهيار فى المستقبل مثلما حدث لإتفاق أديس أبابا عام 1972م عندما وقَّع الجنوبيون إتفاق سلام مع نظام مايو فى عهد الرئيس جعفر نميرى كان محل تحفُّظات البعض وعلى رأسهم الدكتور/ جون قرنق دى مبيور الذى كان حينها ضابطاً صغيراً فى قوات الأنيانيا بقيادة الجنرال/ جوزيف لاقو، ويقول المؤلف إن قرنق تحفَّظ على تلك الإتفاقية بإعتبارها هشَّة ولا تُلبى طموحات شعب جنوب السودان.
ويقول شالوكا إنه ومع تزايد الضغوط الدولية لدفع الحكومة والثُوار للجلوس على طاولة المفاوضات، قام بإعداد هذه الدراسة والتى تطرَّق خلالها لعدة قضايا تُشترك فيها بعض المناطق المُهمَّشة فى السودان والتى ركَّز دراسته عليها (جبال النوبة، الفونج، ودارفور) وذلك لتشابه الخصائص الثقافية والإجتماعية والإقتصادية من جهة، وتشابُه المظالم التاريخية التى وقَّعت عليها من جهة أخرى على حد قوله، ويقول إنه قَصد أن تظل هذه القضايا حاضرة فى فضاء السياسة السودانية لتبقى السراج الذى يضىء الطريق نحو نيل الحقوق التاريخية والتوصُّل للتسوية الشاملة العادلة، ومعالجة الأزمات التاريخية بصورة جذرية، ويؤكد إن هذه القضايا غير خاضعة للمساومات السياسية أو ضغوط المجتمع الدولى أو غيرها من المُغامرات، فالحرب كما يرى شالوكا ستظل مُستمرة فى هذه المناطق حتى لو تم توقيع إتفاقيات (صُورية) نتيجة للضغوط، لأن ذلك سيكون بمثابة الهُدنة مثلما حدث لشعب جنوب السودان فى أديس أبابا (1972)، ومثلما حدث فى إتفاقية الخرطوم للسلام (1997)، ونيفاشا (2005)، والقاهرة (2005)، وأبوجا (2006)، وإتفاق الشرق (2006)، وإتفاق الدوحة للسلام (2011)، وغيرها من الإتفاقيات التى تجاوزت فى مجملها "الأربعين" إتفاقية، ويعتقد الكاتب إن شعوب المناطق المُهمَّشة قادرة على الكفاح المُسلَّح لأكثر من (100) عام أخرى حال عدم مُخاطبة ومعالجة هذه القضايا بصورة جذرية حسب رأيهِ. مُلخَّص الكتاب :- يبدأ المؤلف فى مقدمة الكتاب بقوله : منذ أن إحتل محمد على باشا السودان عام 1821 بواسطة إبنه إسماعيل، صار للكيانات الإجتماعية الموجودة آنذاك دولة "إعتباطية" بحدود معروفة قُدِّرت بمليون ميل مربع، وحكومة مركزية تُدار من الخرطوم، ويرى إن كل ذلك تم دون مشاورة الكيانات والمجتمعات المُكوِّنة للـ"دولة الجديدة" بإعتبار إن الأتراك إحتلوا الأراضى السودانية بقوة السلاح وفرضوا نمط الدولة المركزية فى مجتمع "ما قبل رأسمالى – ما قبل برجوازى" غير مُستوفى شروط الدولة الحديثة وذلك حتى يسهُل لهم نهب الموارد البشرية والمادية "المال والرجال" - الهدف الإستراتيجى للغذو - ومنذ ذلك التاريخ كما يرى الكاتب، كانت قضايا النوبة، والفونج، ودارفور مُرتبطة بالأرض والهوية إلى يومنا هذا وفقاً للسياسات التى وضعها المُستعمرون الأتراك ومن بعدهم الإنجليز وأخيراً الحكومات التى سُميت بالوطنية "جُزافاً" وهى لا تمت إلى الوطنية بصلة على حد وصفه. فالأتراك والبريطانيين والنُخب السياسية التى تعاقبت على حكم السودان كما يرى المؤلف، ساهموا جميعاً فى تراكم المظالم التاريخية الناتجة عن الإقصاء والقمع والتهميش المُتعَّمد إجتماعياً، وثقافياً، وإقتصادياً، وسياسياً. ويُؤكِّد إن قضيتى الأرض والهوية تُمثِّل محورين رئيسيين فى الصراع الدائر فى السودان منذ عهود بعيدة، ويرى إن التهميش والإقصاء الذى تم لشعوب هذه المناطق إرتكز بصورة أساسية على سيطرة النُخب والحكومات المركزية على أراضى هذه المجموعات وتهميشها إقتصادياً، ويُؤكِّد إرتباط هذا الأمر بقضايا الهوية ذات الأبعاد الثقافية، فهو يرى إن تغيير هوية هذه المجموعات أو طمسها بكل محدداتها (لغة، أسماء، معالم، ... ألخ), هو المدخل الرئيسى لمصادرة أراضيهم والسيطرة عليها بعد إبعادهم عنها بشن الحروب المُستمرة والتى تُمثِّل هدفاً إستراتيجياً للنُخب الحاكمة منذ خروج المُستعمر. وهذا كما يرى شالوكا يُفسِّر الرابط بين شعوب النوبة، والفونج، ودارفور بإعتبار إنتمائها للمجموعات الزنجية فى السودان، وهى نفس المجموعات التى عانت من الرق والإسترقاق لفترات طويلة منذ عهود بعيدة، إضافة إلى ذلك التهميش الثقافى، والإجتماعى، والإقتصادى "تهميش مُركَّب مُتعدد الأبعاد" بواسطة نُخب الوسط والشمال النيلى الحاكمة طيلة فترة ما بعد خروج المُستعمر. ويُؤكِّد الكاتب إن ما يجمع هذه المناطق بخلاف التاريخ المُشترك، تشابُه ما تعرَّضت له من سياسات ومُمارسات وإنتهاكات جسيمة بواسطة الحكومات المركزية بلغت درجةً تشَّكل فيها الشعور، والإحساس، و الوعى الجمعى بعدم الإنتماء إلى الدولة التى كانوا يوماً ما حُكَّام ممالكها (مملكة الفونج – ممالك دارفور – مملكة تقلى)، ويقول إنه ولهذه الاسباب فقد ركَّز دراسته على هذه المناطق رغم وجود مناطق مُهمَّشة أخرى مثل شرق البلاد، وأقصى شمالها، ووسطها فى الجزيرة، وغيرها من المناطق الأخرى. إعتمد الكاتب فى هذه الدراسة على المنهج (الوصفى التحليلى) لعرض وتناول ما تعرَّضت له هذه المناطق - ولا زالت - من قمع تاريخى وتهميش مُمنهج. وقد إستعرض فى الجزء الأول من الكتاب الباب الأول - الفصل الأول - مؤسسة الرق وتاريخها فى السودان وكيفية تأثيرها على التركيبة الإجتماعية للسكان وما تبع ذلك من تكوين "رؤوس أموال رمزية" لبعض الكيانات والمجموعات الإثنية الأمر الذى خلق الفوارق بينها وبين الكيانات الأخرى وأثر ذلك على البنية الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية. الفصل الثانى تناول فيه مفهوم التهميش وأشْكاَله، وهو مفهوم – كما يقول الكاتب - حاول البعض إفراغه من مضمونه بممارسة التدليس وزر الرماد فى العيون، والقفز على الحقائق بحجة إن جميع السودانيين مُهمشين، وغيرها من محاولات الهاربين من الواقع، والرافضين للإنصاف كما يرى المؤلف، حيث أكَّد إن التهميش درجات وينقسم إلى : تهميش "بسيط"، وتهميش "مُركَّب" متعدد الأبعاد. الفصل الثالث خصَّصه الكاتب لتناول قضايا الهوية وكيف حاولت النُخب المُتعاقبة على السلطة فى السودان فرض هوية أُحادية إقصائية على حساب الكيانات السكانية الأخرى، مما أدَّى إلى نشوب الحروب وبالتالى عدم الإستقرار فى البلاد. والباب الثانى تناول فيه قضايا الأرض والقوانين المُتعلقة بها وكيف تم إستخدامها فى إستغلال الأراضى فى المناطق المُهمشة لصالح الرموز والرأسماليين والتُجار "الجلَّابة"، والجلَّابة كما وضَّح الكاتب هم عبارة عن : فئة وشريحة "إقتصادية – إجتماعية Socio-economic"، تشكَّلت فى العهد التركى المصرى بتحالف ضم (التُجَّار / رجال الدين / الحُكام) وأغلبهم من شمال السودان والمجموعات ذات الأصول العربية، ويقول الكاتب إن المفهوم توسَّع فى الوقت الراهن ليضم قطاعات واسعة من المُنتفعين وأصحاب المصالح فى الأنظمة الحاكمة، و"الجلَّابة" كمُصطلح كما يرى شالوكا، لا يرتبط بلون، أو جنس، أو إثنية. وتناول الكاتب أيضاً كيف سيطرَت نُخب المركز على أراضى الهامش، وكيف تم تمليكها للآخرين. وقد تعرَّض فى الباب الثالث لتطور الوعى السياسى لدى الكيانات المُهمَّشة وكيف ساهم ذلك فى قيام الحركات الثورية كآلية لرفض سكان هذه المجتمعات للظلم والقمع والتهميش, الباب الرابع – الفصل الأول - تناول فيه الكيفية التى تشكَّلت بها وضعية الـ"مركز – هامش" وكيف إستطاعت الكيانات الإجتماعية والثقافية المُسيطرة على السلطة والثروة فى السودان أن تُحافظ على "الثوابت" التاريخية التى أعطتهم هذه الوضعية, وقد تساءَل الكاتب ((هل مرَّ السودان عبر التاريخ بعدة "أنظمة" أم "نظام" واحد؟، وهل هو نظام "سياسى" أم "إجتماعى" )) وفى ردهِ على السؤال يرى إن البلاد مرت بنظام إجتماعى مُسيطر واحد بواسطة مُكوِّنات "إجتماعية" تُمثِّل الثقافة الإسلاموعروبية إعتبرها الكاتب "أوليقارشية إجتماعية" وهذا النظام الإجتماعى يتغيَّر ويتشكَّل حسب الظروف التاريخية وفى إطار توزيع الأدوار، إذ لا توجد فوارق تُذكر بين مُكوِّنات هذا النظام الذى تربطه "ثوابت وطنية" تقوم على عنصرى الدين (الإسلام) والثقافة (العروبة). وفى الفصل الثانى إستعرض شالوكا كيف تبنَّت الحكومات المركزية "الحرب" كهدف إستراتيجي لإفراغ المناطق المُهمَّشة من السكان والسيطرة الكاملة عليها فى إطار سياسة "الأرض المحروقة"، والإبدال والإحلال بمنح الأرض للآخرين وتوطينهم فيها، والفصل الثالث خصَّصه لعرض إتفاقيات السلام التى تم توقيعها لحل أزمة هذه المناطق والتى لم تُغيِّر الأوضاع كثيراً، وقد طرح الكاتب فى الفصل الأخير - الرابع - بعض المُقترحات التى يرى إنها ربما تصلُح كحلول يُمكن أن تنهى الحروب والصراعات الطويلة فى هذه المناطق بصورة نهائية، مما يُوفِّر الأمن والإستقرار والتعايُش، وفى هذا الشأن إستعرض المؤلف نماذج لبعض الدول التى أعطت حكماً ذاتياً لسكانها فى إطار النظام الفيدرالى الذى إستعرضه كمفهوم وممارسة، وتطرَّق لمزاياه. ويقول المؤلف إنه إتبع أيضاً منهج التحليل الماركسى و"ماديته التاريخية" لتتبع سير تشَكُّل الوعى الثورى لدى الكيانات المُهمَّشة فى السودان، وتطوُّر أشكال الصراع (السياسى / الإجتماعى / الثقافى) والذى إتَّخَذ أشكالاً وأنماط مُختلفة تطوَّرت حسب مُقتضيات الظروف والمراحل التى مرت به، بالإضافة إلى إستخدامه لمنهج التحليل البنيوى لوصف "البنية السياسية" والقوانين التى تحكُم اللعبة السياسية فى السودان، وتأثير هذه البنية على مجريات الأحداث التى وصلت فى قمة مراحلها إلى إنفصال جنوب البلاد وتأسيس دولة مُستقلة، ولا زالت تُهدد بالمزيد من التفتت والإنشطار على حد وصفهِ. ويؤكد شالوكا إنه ناقش فى هذا الكتاب العديد من القضايا العميقة والجوهرية التى تقع فى خانة المسكوت عنه فى التاريخ والحاضر وخاطبها بوضوح، ويُؤكِّد إن التطرُّق لمثل هذه القضايا لا يستهدف فئة أو مجموعة، ولا يهدف إلى نبش المطمور وتجديد الجراح، بقدر ما يُساعد على تشخيص وتشريح الأزمة من جذورها بغية الإعتراف بالحقائق التاريخية والتصالح مع الذات ومع الآخرين، والوصول إلى مرحلة القطيعة التاريخية بالماضى، مما يُمهِّد الطريق للتساكُن مع الآخر والتعايش مع الأغيار، ويقول إن تاريخنا الإجتماعى والسياسى مُوغل فى الكراهية والعنصرية والإحتراب والإقتتال بين المكوِّنات الإجتماعية لدرجة إستخدام بعضها ضد الآخر منذ عهد المستعمر وإلى يومنا هذا، و يؤكِّد إنه لا خيار أمامنا سوا القبول بهذا التاريخ والواقع المُظلم والإعتراف به، بإعتبار إن هذا هو الطريق الوحيد والصحيح فى سعينا الدؤوب لبناء وطن يسع الجميع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة