تعانق والديك بعد طول غياب. و يلامس خدك خدودهم ، فتسري في جسدك ( كهرباء ) ألف ميقاحب و أمان. تشتم فيهما رائحة الحنان الذي تجرعته صغيرا. و تعانق إخوتك بعد طول غياب ، فتتنسم عبق هذه العلاقة الحميمة الممتدة إمتداد عمرك. و تعانق أصدقاءك ، و أنت تستعرض شريطا طويلا من الذكريات الحلوة و الأيام الخوالي.
نمتاز كسودانيين بهذا العناق الذي وصفه أحد مشايخ السعودية بأنه سلام الرجال الصحيح و ليس سلامهم الذي يجعلك ( تمد قدومك طول اليوم ) و كأنك طفل رضيع أضاع ثدي أمه في عتمة الغرفة، و خاصة أن هذا النوع من السلام ماركة ياسر عرفات لا نستسيغه.
عناقنا كان عناقا حارا لا نفك إشتباك بعضنا البعض إلا بعد أن تنساب كلمات كثيرة من الترحاب أو العتاب السريع ، أو دمعات مسكوبة تبلل ( عظام الترقوة ).
حتى إن صادفت أحدا لا تعرفه مع أحد معارفك ، لا بد أن يشمله العناق عملا بالمثل ( من حضر القسمة فليقتسم )، و لكنه عناق ( نص كم ) يخلو من الحميمية ، عناق حذر و كأنه فاتحة معرفة جديدة.
لنر الآن كيف صار سلامنا :
يقابلك أحدهم ، فينحني قليلا و كأنه يعاني من ( الديسك أو الغضروف ) و بطرف أصابع اليد عدا الإبهام ، يخبط على كتفك خبطة خفيفة و كأنه يفاجيء ذبابة ترقد على ذلك الكتف. و البعض عندما تنحني هذه الإنحناءة لتربت على كتفه ، يكتفي بأن يتلقاها دون أن يفعل نفس الحركة ، فينتظرك حتى تنتهي من تربيتك ، و يلاقي يدك الممدودة بيده الممدودة في إسترخاء ( هذا إن كان هناك زعلة خفيفة أو عتاب سيأتي في الطريق.). و هناك سلام اليد باليد ، بطرقة ( تصحي الكانوا نايمين ) كالسواقي إياها.
إذن فقد حدث إنحسار للمصافحة و العناق ، لا ندري ، هل هي من متطلبات العصر ، أم ( شحت ) العواطف و الحميمية ؟
أما ترحيبنا اللفظي فينحصر في إختصارات لا نفهمها إلا نحن :
سلام هوى. آآ يا فلان. كيف ؟
ها يا زولة ... وين الحى بيك ؟
أو بسرعة غريبة و فائقة و كأنه رشاش كلاشنكوف تنطلق السلامات أثناء العناق ( كيفنك ، عساك طيب ، الجيت منهم ، بركة الجيت طيب ، الله يعافيك ، الوليدات ، الأهل) ، و لا ينتظرون الرد على كل سؤال ، و كأنهم يقصدون بإعطاءك إياها حزمة واحدة و لا يحتاجون للرد الآن لأن لا وقت لديهم للجلوس و الونسة و سؤالك عن كل هذا ، و بهذا يكونوا قد ( طلعوا ) من اللوم ، المهم إنت جاوب علي مهلتك بينك و بين نفسك.
على كل ، هي فاتازيا سودانية نتمنى أن تدوم بالحرارة ( الكانت قبيل ).
رغم غيبتك الطويلة منذ آخر لقاء لنا هناك ، إلا أن حضورك له دهشة وصول إنسان عزيز بعد طول غيبة. فلا تطول علينا أيها المبدع الشفيف.
الأخ هوبلس : لك تحياتي و تقديري : أنا أوافقك الرأى تماما ، فحرارة اللقاء أو السلام هي تيرمومتر يفضح ما بداخلك ، تماما كالعيون. سلمت أخي
قرشو الأصيل : لك ودي و إعزازي : يقولون ( الما عندو كبير يشتري كبير ) أو ( من فات قديمو تاه ) ، و سنظل نتعلق بحبال عاداتنا الأصيلة إن شاء الله و نورثها لأجيالنا القادمة ، دمت أخي الكريم.
ما زالت الحميمية موجودة في مصافحتنا وسلامنا كسودانيين وان قل التواصل بفعل عوامل التعرية التي اجتاحت سودان العزة في السنوات الاخيرة ودايما سلامنا بيكون مثار تندر الاجناس العربية الاخرى لكن يمكن ده جزء من اهتمامنا ببعضنا البعض والحنية التي يتصف بها السودانيين عموما فقط اخشى ان تنال عوامل التعرية من هذه المصافحة ايضا
06-07-2003, 01:34 PM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22757
سلامنا يا أختي المفضالة لا يمكن بالطبع أن يفقد حميميته كما قلت أنت ، و لكن عوامل التعرية هذه نخاف أن تصبح ( تصحرا ) ثم ( جفافا ) و بعدين تبقي يابسة زى الجلد فوق الراكوبة.
عوامل التعرية هذه التي نخاف منها ، نتمنى أن تعود للسودان عافيته في كل المناحي و على وجه الخصوص ( سلامنا الدافيء ).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة