بقايا تاكسي ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 06:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة جلال داوؤد(ابو جهينة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-11-2006, 05:25 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22761

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بقايا تاكسي ...

    تتمدد جدران البيت و تكبر حتى تسع كل زوايا الخواء بدواخله ..
    يقف متفرساً في كل ما حوله ، يُمْلي ناظريه و هو يجوب بهما كل أنحاء المكان...
    يجول ببصره في الشارع يستعرضه بيتاً .. بيتاً
    وجوه الجيران تتأرجح ملامحها في ذاكرته ..
    تطفو أحداث و مساجلات على سطح ذاكرته المتعبة ..
    إنتابته مشاعر شتى قبْل أن يطرق الباب الذي غاب عنه خمس سنواتٍ طوال..
    غالَبَ دمعة تقف على أطراف مقلتيه و هو يتأمل بقايا عربته ( التاكسي ) تقبع أمام منزله ..
    دون أن يشعر هتف هاتف من دواخله المتلهفة :
    ( أهذا أنت يا رفيق الدرب ؟ أراك تقف متماسكاً أكثر مني ... هل أبوح لك بسر ؟ شوقي إليك كان يخالط حنيني إلى تراب البلد و الأهل ...)
    رغم الظلام الحالك .. كان يرى كل تفاصيله عبْر ما يختزنه في عقله من مواقف و أحداث ..
    إندلق مخزون أيامه الخوالي دفعة واحدة .. كبوابة مشرعة تؤدي إلى تصفح سِفْر قديم تختلط فيه بداياته و نهاياته...
    رمقه و حزن يكسو وجهه و يغمر كيانه ...
    هيكل بلا أحشاء ..
    بقايا مقاعد بلا حشايا ..
    نوافذ بلا زجاج ..
    و مقابض مخلوعة عنوة ..
    تلاشى اللون الأصفر الذي كان يتلألأ تحت الشجرة الضخمة عقِبَ كل تلميع على شارع النيل أمام ( القراند هوتيل ) و ( فندق السودان) ..
    أخذ نفَسا عميقاً .. و تنهد ..
    و هو يتأبط حقيبته بيد و بيده الأخرى يتحسس جسد العربة الساكن ..
    كأنَّ عِبْق الصندل الذي كانت تُصِر زوجته على ( تبخير ) كل أركانه به لا زال يفوح كما كان في الأيام الخوالي فيظل يشده إلى إبتسامتها طيلة مشاويره في حنايا العاصمة و أزقتها و حواريها حتى موعد قيلولته و هو يحكي لها تفاصيل يومه و هو يغالب النعاس.
    لم يتمالك نفسه .. و قد هيجته الذكرى.
    تدارك دموعه قبل أن تنزلق .. فغيَّر مجرى تسارُع الصور في مخيلته..
    ربَتَ على هيكل العربة .. بدأ بمقدمتها ....
    مسح على بقايا طبقة الطلاء المخشوشنة برفق و حنو ..
    ها هو المكان الذي كانت تتدلى منه ( المراية ) ..
    لم تعد هناك ..
    إنداحت عشرات الوجوه من مكان ( المراية ) تعكس وجوه زبائنه القدامى و هو يرنو إليهم عبْرها تارة و تارة يُبْقي نظره على الشارع ..
    تنامى إليه لغطهم و أحاديثهم و قفشاتهم و كأنها لا زالت تتمسك بأهداب المقاعد و سقف العربة و أرضيتها..
    خطرفات جاره السكِّير الذي كان دائماَ يصادفه أول كل شهر في ( المحطة الوسطى ) حاملاً كيس الورق المتخم و رائحة الخمر تفوح منه وضح النهار ...
    ضجة الوقوف عند بوابة المستشفى الميري ..
    شاى ( بت المِنا ) كثير السكر .. تطفو على سطحه حبات ( الهبهان ) تهرول في إتجاه حركة الملعقة بيد ( ست المنا ) .. و زخات بخور ( التيمان ) تطغى على الغبار المتصاعد من زحمة المتكالبين على باب المستشفى للدخول ( بعواميد ) الطعام.
    و هنا كانت تتأرجح ( السبحة العتيقة ) التي أهدته إياها عمته ..
    أما هنا فكان يرقد ( المصحف ) ... ملفوفاً في قطعة من القماش الأبيض ..
    أدخل رأسه برفق من جهة باب السائق ..
    تنامتْ إليه أصوات أغنيات قديمة تختلط بكم هائل من موسيقاها و إيقاعاتها ..
    تخيل نفسه يدخل المفتاح ليفتح الباب صباحاً و هو ( يبسمل و يحوقل ) ...
    نظر إلى ( الدريكسون ) الذي أمسك به أول مرة بعد أن ذبح ( خروف الكرامة ) و بَصَمَ بالدم على ظهر التاكسي و على جنباته..
    إنزلقتْ ذكرى أول مشوار .. و هو يجول بأمه على شارع النيل عملاً بالنَذْر الذي قطعه على نفسه ...
    ( ندْراً علىْ لو إشتريت التكسي ... أول مشوار بفسحك في الخرطوم دي كلها ... شارع شارع ) ...
    إبتسامة أمه يومها التي كانت تنم عن الرضا و السعادة الغامرة لا زالت ترقد على بقايا مقدمة العربة كصورة في إطار عتيق .. و دعواتها يتردد صداها في جنبات الهيكل الخاوية ..
    و من هذا الباب دخل العسكري ليلكزه بهراوته قبل أن يجرجره زملاؤه خارج التاكسي لأنه تجاوز ساعات ( حظر التجول ) .. و تنهال عليه الصفعات و هو يحاول جاهداً أن يتحاشاها و يُسْمعهم تبريراته .
    قفزتْ إلى مقدمة ذاكرته ليلة أن أحستْ زوجته بآلام المخاض ...
    ليلتها لم يجد الداية التي كانت تباشرها فقد سافرت فجأة لواجب عزاء..
    و أصر التاكسي ليلتها أيضاً على عدم التحرك و كأنه يتآمر هو الآخر على قدوم مولوده الأول .. ..
    عندما أتى بالداية من الحارة الأخرى .. قالت له : ولدك دة إن شاء الله حيكون بخيت و سعيد ..
    همهم في دواخله : وين السعادة و البَخَت يا حاجة ؟
    ترك ولده في الرابعة من عمره ...
    و ها هو يعود إليه بعد غربةٍ حفرتْ في روحه أخاديد نازفة ... يعلم الله كيف و متى تُنْكَأ ...
    غمرته سعادة تلك الأيام ..
    إنفرجت أساريره و هو قاب قوسين من أسرته و حفاوتها الدافئة ...
    أفاق على سكون الشارع .. و على وقفته التي طالت يسبح في بحيرة تأملاته.
    شعر بضجيج الهدوء المُطْبِق ..
    و صَمْت عربته يكاد يملأ المكان بصخب عارم..
    شلال ذكرياته التي سافرتْ به ثم ألقتْ برحالها على عتبات بيته و ساكنيه ، يلفه تماماً .. و يجرفه بعيداً.
    طرق الباب بيد مرتجفة .. و هو يرمق ( التاكسي ) من طرف خفي و كأنه يستأذنه الإنصراف عنه..
    إنفتح باب بيته و أطلتْ زوجته ..
    شهقتْ متراجعة و غير مصدقة ..
    ثم نضح وجهها بفرحة مباغتة ..
    هتفتْ بإسمه بصوت مخنوق ...
    سرعان ما أطلقتْ زغرودة يخالطها بكاء في هستيريا متواصلة ... و هي تنادي أولادها ....واحداً تلو الآخر في سعادة و بهجة طفولية غامرة..
    عندما عانقها طويـلاً ... و دفن وجهه بين طيات عبقها الراقد بين حناياه أبداً .. خُيِّل إليه بأن هيكل العربة المتهالك قد إكتسى رونقه الأصفر القديم و أنه وقف على ( لساتكه ) الأربع و أطلق حشرجته القديمة لينطلق به مرة أخرى ليجوب شوارع الخرطوم...

    ***

    ( أبو جهينة .... من بانوراما الأيام الخوالي )
                  

09-11-2006, 05:51 AM

مجاهد عبد الرحمن
<aمجاهد عبد الرحمن
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 1190

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بقايا تاكسي ... (Re: ابو جهينة)

    أبو جهينة انا سعيد أن تكون هذه أولى مداخلاتي في اعمالكم الجميلة ولا أستطيع أن أكتب أكثر من أنك كاتب مجيد لفن الكتابة.
    رعاك الله أيها الفنان .

    (عدل بواسطة مجاهد عبد الرحمن on 09-11-2006, 06:00 AM)

                  

09-11-2006, 07:37 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22761

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بقايا تاكسي ... (Re: مجاهد عبد الرحمن)

    مجاهد

    تحياتي و تقديري

    سعدت بمداخلتك جداً و عليها أشكرك.

    كما أشكرك على كلماتك الطيبة و سعيد بصداقتك ..

    دمت و كن بخير
                  

09-11-2006, 06:03 AM

انعام حيمورة
<aانعام حيمورة
تاريخ التسجيل: 06-29-2006
مجموع المشاركات: 11094

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بقايا تاكسي ... (Re: ابو جهينة)

    يآه يأبو جهينة قصة قمة في الروعة أحب مثل هذه القصص .....


    فلقد تذكرت حينما أتي والدي من غربته وساحكي لك كيف كان ذلك .....



    مرت سنين عديدة فاقت الـ 17 سنة على غربته كان متعودا ان يأتي في كل سنة في اجازته الى ان حدثت له ظروف آخرها كان مرضية ....

    في كل مرة يتصل - حينما كان الاتصال صعب يقول خلاص قربت .. الى ان اعلن قدومه بعد شهر .. قلت له ياريت ياابوي انوم الشهر دا كلو ّّّّّّّّّّّّّّّّّّ!!!!!!!!!!!!. ( وحتى الان عندي هذه العادة عندما انتظر قدوم شخص لزيارة او او احب ان انوم حتى اكسر مرارة الانتظار ...

    في يوم من أيام رمضان - خرجت من البيت للمذاكرة بالصباح استعداد لقدوم الامتحان وحينما آتية الى المنزل ركبت حافلة - خسرت في وسط الطريق بالضبط في الامتداد بعد السوق الشعبي بذي 300 متر او اكتر قليلا ...

    وانا اقف انتظر حافلة أخرى وإذ بتاكسي مارق من السوق الشعبي. اقسم بالله انها مسافة لا يستطيع الانسان ان يميز منها.
    علق ذهني بذاك التاكسي القادم .. قلت في نفسي .. يارب يكون الفيه دا أبوي ....

    وفي اثناء هذه السرحة مع نفسي إذ يمر بي التاكسي ورأيت ابوي وصرخت دون ان أشعر بنفسي أبوي أبوي وهو لم يلحظ لي ولكن سواق التاكسي قال له هذه البنت تنادي ابوي ابوي ... ووقفوا على مسافة بعيدة جدا تساوي لتلك المسافة التي تفصلني عن شارع السوق الشعبي ... وركضت وإذ بالتاكسي ياتي اليي يحمل ما انتظره سنينا اربعة فاكثر وشهرا اخير ....


    الى الان أعشق التاكسي ولونه الاصفر وحتى بقاياه
                  

09-11-2006, 02:30 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22761

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بقايا تاكسي ... (Re: انعام حيمورة)

    إنعام

    Quote: في كل مرة يتصل - حينما كان الاتصال صعب يقول خلاص قربت .. الى ان اعلن قدومه بعد شهر .. قلت له ياريت ياابوي انوم الشهر دا كلو ّّّّّّّّّّّّّّّّّّ!!!!!!!!!!!!. ( وحتى الان عندي هذه العادة عندما انتظر قدوم شخص لزيارة او او احب ان انوم حتى اكسر مرارة الانتظار ...


    بجيك راجع ..
                  

09-12-2006, 00:21 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22761

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بقايا تاكسي ... (Re: ابو جهينة)

    هاأنذا أعود لك يا إنعام

    Quote: وانا اقف انتظر حافلة أخرى وإذ بتاكسي مارق من السوق الشعبي. اقسم بالله انها مسافة لا يستطيع الانسان ان يميز منها.
    علق ذهني بذاك التاكسي القادم .. قلت في نفسي .. يارب يكون الفيه دا أبوي ....


    قلب المؤمن دليله.

    هذه الجملة يمكن أن تكون مشروع قصة جميلة. فهل تأذني لي بأن أقتبس فكرتها ؟

    شكرا سيدتي على المداخلة الفخمة ..

    كوني بخير و حفظ الله
                  

09-11-2006, 03:01 PM

البعيو

تاريخ التسجيل: 12-07-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بقايا تاكسي ... (Re: ابو جهينة)

    ابوجهينة
    عوافى
    روعة جد
    كما عودتنا دائماً
    لك الشكر

    تخريمة:
    بس انشاء الله يكون العفش وصل
                  

09-12-2006, 03:43 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22761

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بقايا تاكسي ... (Re: البعيو)

    عزيزي البعيو

    سلام كبير

    شكرا على المداخلة البهية.

    إتكاءة :

    Quote: بس انشاء الله يكون العفش وصل


    الزول دة عفشو بيجي قبال يجي هو ...

    كن بخير
                  

09-13-2006, 01:13 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22761

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بقايا تاكسي ... (Re: ابو جهينة)

    الأخت إنعام

    تحياتي

    Quote: وفي اثناء هذه السرحة مع نفسي إذ يمر بي التاكسي ورأيت ابوي وصرخت دون ان أشعر بنفسي أبوي أبوي وهو لم يلحظ لي ولكن سواق التاكسي قال له هذه البنت تنادي ابوي ابوي ... ووقفوا على مسافة بعيدة جدا تساوي لتلك المسافة التي تفصلني عن شارع السوق الشعبي ... وركضت وإذ بالتاكسي ياتي اليي يحمل ما انتظره سنينا اربعة فاكثر وشهرا اخير ....


    الفرق بينك هنا و بين بطل قصتنا .. هو أن بطل القصة أتى يجرجر رجليه بعد طول غربة إلى بقايا عربته التي تقف شاهدة على زمان جميل و تقف متأهبة على مشاهدة اللقاء مع أسرته.

    أماأنت فقد كنت أسعد حظاً .. فكمية الشوق و الحنين لديك .. أعطاك شحنة من التخمين العفوي و حساً عاليا فعرفت أن من بالتاكسي هو والدك.
    صلراحة .. موقف يقشعر له البدن ..
    عموماً مثل هذه اللقاءات بعد طول غربة تحفزني جدا.
    شكرا تاني
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de