|
حين أطل المحجوب في كمبردج (1)
|
بقلم: صلاح الباشا [email protected] قد لا تسمع أجيال عديدة في بلادنا وفي الوطن العربي علي السواء بهذا الإسم الذي ظل متقداً ووهاجاً في التاريخ السياسي السوداني والعربي والدولي الحديث ، وقد تسمع به ولكن ربما لا تدرك تفاصيل ما قدمه لوطنه ولأمته العربية في سنوات المحن والشدائد ، فرحل الرجل ولم يجد عطاءه الثر حظه من توثيق وتخليد داخل حزبه أوداخل الوطن الغالي أو في أي مكان وسط أمته العربية التي من أجلها كانت له صولات وجولات ومجاهدات في جلسات الأمم المتحدة بتوظيفه لتلك اللغة الإنجليزية الرفيعة الراقية نيابة عن الأمة العربية ودفاعاً عن أراضيها إثر الإحتلال الإسرائيلي لها بعد هزيمة الخامس من حزيران/يونيو 1967م حينما فوضه كل العرب للتحدث بإسمهم في الأمم المتحدة إبان تلك الفترة العصيبة المفصلية من تاريخ الأمة العربية. وهاهو الوفاء يأتي ولكن من خارج دائرة بلاده ، بل ومن خارج خارطة الوطن العربي الذي بدأت إنهزاميته تستبين وبكثافة هائلة مؤخراً . نعم... يأتي الوفاء لمنجزات أولئك الرجال من أمثال الراحل المقيم السيد محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان ووزير خارجيته أيضاً في حقبة الستينيات ، يأتي الوفاء من عاصمة الضباب - لندن- ومن أعرق جامعاتها ( كمبردج) التي أبت إلا أن تعطي الرجال حقها ، فجاءت الفكرة من هذه الجامعة العريقة التي كم تخرج فيها العشرات من علماء السودان والعرب في الدراسات العليا من مختلف كلياتها ، حيث إحتف مركز الدراسات السودانية قبل أربعة أعوام بذكري المحجوب بمناسبة مرور ربع قرن علي رحيله الذي حدث في1976م. وقد تبني الفكرة الدكتور صلاح بندر الذي يدير ذلك المركز في كمبردج ، حيث شارك العديد من أهل الفكر والفن والسياسة وفي مقدمتهم الدكتور منصور خالد في إسبوع الإحتفاليات التي قدمت عدة سمنارات عن السودان . فالمحجوب كان بأدائه السياسي المتميز يضفي علي ساحة السياسة رونقاً جميلاً من الخطابة المقنعة بتلك اللغة السلسة التي لاتعرف الإبتذال مطلقاً حيث كان له صوتاً قوياً واضح المعالم وله دوي قوي ومؤثر ، فكانت قسمات وجهه تغطيها صرامة بائنة تمثل الجدية في الطرح والإنضباط في الأداء ولكن لا تلمس فيها مسحة قسـوة أو عنجهية أو تسلط أهوج ، فقد كان الرجل موسوعي الثقافة وواسع الإطلاع وخطيب رطب المعاني وعميق اللغة وديمقراطي الطرح. كانت للمحجوب مداعبات نقدية شهيرة لخصومه السياسيين من حزب الإتحاديين في جلسات البرلمان حينما كان زعيماً للمعارضة، ولكنه كان ينسي كل ذلك فور الإنتهاء من الجلسة حيث تجد يده تشتبك في يد زميله اللدود والرمز الإتحادي الذي رحل مبكرا عقب إنتفاضة أكتوبر بشهور قليلة وهوالراحل الأستاذ مبارك زروق المحامي وهما خارجين مع بعض في إتجاه بوفيه مبني البرلمان في مبناه القديم بالخرطوم وهو مقر المجلس التشريعي لولاية الخرطوم حاليا ،وكان ذلك يمثل أرقي أنواع القيم في أدبيات التسامح السياسي والإيمان المطلق بثقافة التعدد وتباين الآراء حيث ظللنا نفتقد لسنوات طويلة مثل تلك الثقافة بقيمها الباهرة ، فلقد رحلت بعد رحيل جيل المحجوب ورفاقه كل تلك القيم المتحضرة المتمثلة في طهارة الحكم وأدب التسامح السوداني العجيب ، وغابت كل تلك الخصال دفعة واحدة عن الساحة السياسية في السودان إلي غير رجعة دون أن يرث منها السياسيون في كل الأنظمة اللاحقة ولو نسبة عشرة بالمائة منها ، لتحل بدلاً عنها لغة العنف والقسوة والإقصاء ... و نواصل الرحلة مع المحجوب في حدث تاريخي وعجيب آخر ،،، *** نقلاً عن الخرطوم
|
|
|
|
|
|