دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
االامين العام لحزب البعث السودانى يكتب دراسة هامة عن التنوع الثقافى والوحدة
|
التنوع الثقافي والوحدة الوطنية: الهوية القومية في السودان بين العروبة والافريقية: هل هناك أسس للتكامل؟ 2003/09/29 محمد علي جادين هناك الان اتفاق عام وسط النخبة السياسية السودانية حول التعدد والتنوع الاثني والثقافي والديني في السودان. ويتجسد ذلك بشكل خاص في مقررات مؤتمر اسمرا 1995 التي تمثل موقف التجمع الوطني الديمقراطي بأطرافه الشمالية والجنوبية المختلفة واتفاقية الخرطوم للسلام 1997 التي تمثل موقف حكومة الانقاذ وحزب الجبهة الاسلامية القومية وبعض القوي الجنوبية المتحالفة معها. ويتضمن ذلك بالضرورة اعادة النظر في المكونات الاساسية المعتمدة في تحديد الهوية القومية للسودان وعملية الاندماج الوطني الجارية داخل الكيان السوداني الموحد بارتباطاته العربية والافريقية في ارتباطها بتسوية وطنية تاريخية ترتكز علي الديمقراطية والمساواة في حقوق المواطنة وواجباتها.. الخ. ويجد هذا التوجه مساندة ودعما اقليميا ودوليا ممثلا في مبادرة الايقاد وشركاء الايقاد والمبادرة المصرية الليبية المشتركة. ولكن رغم كل ذلك فان الموقف من هذه المسألة لا يزال يتسم بعدم الوضوح والتردد في تعيين حدود هذا التعدد والتنوع واستحقاقاته المباشرة ودوره العملي في الحياة الوطنية وبناء الدولة الوطنية الموحدة. وهذا الجانب يشكل اهم عوامل استمرار الحرب الاهلية وامتدادها للشمال وكذلك تدويل الازمة السودانية بشكل عام كما هو حادث الان، ودفعها في اتجاه تفكيك وحدة البلاد وتمزيقها علي اسس دينية وعرقية. ومع غياب الديمقراطية واتساع الازمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد، ادت تعقيدات الصراع السياسي الي تحويل قضايا الهوية من مجالها الثقافي الي المجال السياسي واستخدامها في الاثارة والتحريض والاستقطاب وتصوير السودان كمجموعات قبلية واثنية متصارعة، وبالتالي تهديد وحدة الكيان السوداني.. فهل يعكس ذلك صراعا اثنيا وثقافيا لا فكاك منه الا بتفكيك وحدة البلاد علي اسس عرقية ودينية؟ هل هو توجه لاثنية السياسة السودانية كما يقول د. حيدر ابراهيم؟ ام هو مجرد انعكاس متضخم للازمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد؟ وبجانب كل ذلك.. اين موقع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقضايا بناء الدولة الوطنية؟ هل اصبحت تابعة لقضايا الهوية؟ ام ان العكس هو الصحيح؟ بالطبع لا يمكن التقليل من شأن مشكلة الهوية وموقعها في مجمل قضايا التطور الوطني.. ولكنها بالتأكيد ليست القضية الاساسية ولذلك فان مواجهتها لا يمكن ان تتم بمعزل عن قضايا التطور الوطني الاخري. وبهذا الفهم تتناول هذه الدراسة تطور مفهوم الهوية القومية لدي الحركة الوطنية في مراحلها الاولي واشكاليتها الراهنة، بتركيز علي الجنوب وامكانية اندماجه ومشاركته في بناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والافريقي والدولي، وضمن ذلك تتطرق الدراسة لبعض افكار الاكاديمي والمثقف السوداني الجنوبي القيادي د. فرانسيس دينق حول هذه المسألة والعوامل المؤثرة في المحافظة علي وحدة السودان او تفككه.
حركة الاستقلال الوطني ومشكلة الهوية
الاعتراف بواقع التعدد والتنوع الاثني والثقافي والديني يعني ان السودان ليس امة او قومية موحدة، حسب التعريف العلمي لمفهوم الامة والقومية، اي ان هويته مركبة من عدة قوميات بعضها مكتمل النمو وبعضها الاخر لا يزال في طوره القبلي لم يتبلور قوميا بعد. ومن هذا الفهم جاءت انتقادات البعض لمفهوم الهوية القومية في السودان لدي الحركة الوطنية في مرحلة النضال من اجل الاستقلال واتهامها بالتركيز علي العروبة والسلام والهوية العربية الشمالية وتجاهل المكونات الاخري، خاصة المكون الافريقي، وتجاهل حقائق التعدد والتنوع الاثني والثقافي والديني في البلاد. وفي العادة تربط هذه الانتقادات بخصائص استعلاء عرقي وثقافي كامنة في الثقافة العربية الاسلامية والهوية الشمالية بشكل عام ومنطقة الوسط بشكل خاص (راجع كتاب صراع الرؤي لفرانسيس دينق) فهل يمكن ان نلصق مثل هذه الاتهامات بخصائص ثابتة في اي ثقافة كانت؟ ام هي نتاج ظروف اقتصادية اجتماعية محددة وسيطرة فئات اجتماعية بعينها علي مجري الحركة الوطنية في تلك الفترة؟ وهل مفهوم الهوية والتعدد والتنوع هو مفهوم ثابت وسرمدي لا يتبدل ولا يتغير؟ ام انه خاضع للتطور مثله مثل كل المفاهيم الاخري؟ لقد ظهر مفهوم الوطنية والهوية الوطنية بمعناه الحديث مع بدايات الحركة الوطنية الحديثة (الاتحاد السوداني واللواء الابيض) في ظروف مواجهة الاستعمار البريطاني والنضال من اجل الاستقلال، ووقتها كان السودان دولة تعاني من ضعف عمليات الاندماج الوطني وفي بدايات احتكاكها بالحضارة الغربية وعملية التحديث. ولذلك جاء التركيز علي اللغة العربية والاسلام بحكم دورهما الاساسي في بناء الكيان السوداني وتعزيز وحدته الوطنية طوال الفترات السابقة للحكم الثنائي (راجع كتاب حوارات الهوية لعبد العزيز الصاوي) وذلك في ظروف كان هذا الكيان يعاني فيها من سيطرة القبيلة والطائفية. ويكفي هنا الاشارة الي موقف القوي المهيمنة التقليدية من ثورة 1924 بكل ما كانت تحمله من مفاهيم جديدة حول الهوية الوطنية وغيرها وتطور هذا المفهوم بعد ذلك في نشاط الجمعيات الادبية والفكرية بعد هزيمة الثورة وفي المدارس الفكرية التي تأسست في بداية الثلاثينات (ابو رو، ودمدني، الموردة.. الخ).. ومن ثم تبلورت السمات العامة لهذا المفهوم في حركة مؤتمر الخريجين، خاصة مذكرته للحاكم العام 1942 حول تقرير المصير والحكم الذاتي التي ركزت علي التعليم والتجارة والغاء السياسة الجنوبية وتوحيد شطري القطر.. الخ، وظهرت هذه السمات بعد ذلك في برامج وشعارات الاحزاب السياسية المختلفة، وكانت كلها تعادي القبلية والطائفية وتعتبرها مهددة للوحدة الوطنية والوعي الجديد وتدافع عن الوطنية السودانية بركائزها العربية الاسلامية. واستند هذا التوجه في خطوطه العامة علي العوامل الاساسية المؤثرة في بناء الكيان السوداني وتعزيز وحدته الوطنية، خاصة في المناطق الشمالية، كما حددها المجري العام لعمليات الاندماج الوطني الجارية في تلك المناطق منذ صعود السلطنات العربية الاسلامية في القرن الخامس عشر مرورا بالحكم التركي المصري ودولة المهدية حتي مجيء الحكم الثنائي. فالسودان بحدوده الراهنة، لم ينشأ مع الحكم الثنائي او حتي الحكم التركي المصري وانما تبلورت تركيبته التقريبية خلال فترة السلطنات الاسلامية في الوسط والشمال والغرب (سنار، الفور، تقلي، المسبعات) وذلك نتيجة تطورات اقتصادية اجتماعية وسياسية عديدة ( راجع كتابي تاريخ السودان الحديث للقدال وحوارات الهوية للصاوي). وسيادة الثقافة العربية الاسلامية في الشمال لم تأت نتيجة دعم ومساندة الحكم الثنائي، كما يقول فرانسيس دينق كتاب ديناميات الهوية وانما نتيجة تطورات داخلية عديدة، ويستند هذا التوجه ايضا الي ظروف كرد فعل لسياسات الادارة البريطانية في احياء القبلية والطائفية في الشمال ولسياساته الخاصة بفصل الجنوب وعزله عن الشمال (قانون المناطق المقفولة، محاربة اللغة العربية والاسلامية وحركة التجار الشماليين والادارة والتعليم في الجنوب.. الخ) وساعدت علي نمو هذا المفهوم وتطوره عوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية عديدة تشمل نشوء طبقة وسطي (التجار، الجلابة، الافندية) في المدن والقري ومنتشرة في كل مناطق البلاد. وهناك ايضا ارتباط هذه الطبقة بالنشاط الحديث في المدارس ومكاتب الدولة والسوق وثقافتها العربية الاسلامية وهويتها الشمالية، ومن خلال كل ذلك لعبت دورها في نشر الوعي الجديد لمفهوم الوطنية السودانية. ولذلك سيطر هذا التوجه في نشاط الادباء والشعراء والمغنيين وبرزت تأثيراته في كل المدارس الفكرية والثقافية السائدة في تلك الفترة، وفي برامج الاحزاب السياسية رغم الخلافات الظاهرة في شعاراتها (السودان للسودانيين، وحدة وادي النيل، الكفاح المشترك) فكها كانت تركز علي وحدة الكيان السوداني وعلي دور اللغة العربية والاسلام في مكونات هويته الوطنية ووحدته وتماسكه، وتتجاهل المكونات الاخري نتيجة ظروف وعيها في تلك الفترة، لكن ذلك لم يمنعها من مقاومة السياسة الجنوبية الخاصة بعزل الجنوب عن الشمال او اهمال المناطق الاخري في الغرب والشرق وغيره رغم ارتباط الاحزاب الاساسية بطائفتي الختمية والانصار وتأثير ذلك سلبيا في توجهاتها الفكرية والسياسية. وفي نهاية الاربعينيات نجحت مقاومتها هذه في الغاء السياسة الجنوبية، عندما تراجعت عنها الادارة البريطانية في مؤتمر جوبا 1947 اعادت ربط الجنوب بالشمال في اطار السودان الموحد. وهذا المؤتمر جاء نتاجا لمقاومة حركة الخريجين لتلك السياسة واسباب اخري خاصة بالسياسة البريطانية بعد الحرب الثانية وبدخولها في ترتيبات الحكم الذاتي واستقلال السودان، وفي هذا الاطار تمثل العامل الحاسم في الموقف البريطاني، حيث اشار السكرتير الاداري الي صعوبات فصل الجنوب عن الشمال وربطه بشرق افريقيا. واكد ان شعب الجنوب شعب افريقي زنجي، لكن عوامل الجغرافيا والاقتصاد تفرض عليه الارتباط في مستقبله بالسودان الشمالي العربي والشرق اوسطي (كتاب ديناميات الهوية لدينق) وفي نفس العام ظهر تردد هذا الموقف في مذكرة رسمية كانت لا تزال تدور حول امكانية فصل الجنوب عن الشمال في النهاية بتحويل المسألة برمتها الي لجنة دولية في وقت مناسب وهكذا فرضت السياسة الجديدة بمشاركة شمالية محدودة ورغم تحفظات الجنوبيين المشاركين في المؤتمر ووافقوا في النهاية استنادا الي ضمانات بريطانية بحماية خصوصية الجنوب ومصالحه في مواجهة الشمال.
مؤتمر جوبا والهوية المزدوجة
استقبلت الحركة الوطنية نتائج المؤتمر باعتبارها انتصارا لتوجهاتها الاساسية وبالتجديد لمذكرة مؤتمر الخريجين للحاكم العام ومطالبتها بالغاء السياسات الجارية وتوحيد شطري البلاد. وكانت تري ان مجرد الغاء تلك السياسات واستبدالها بسياسة معاكسة كفيل بحل مشكلة الجنوب واندماجه في الشمال، وذلك من خلال فتح الطريق لتعريبه ونشر الاسلام واللغة العربية في ربوعه.. وهي نظرة تتماشي مع مفهومها لمشكلة الهوية القائمة علي التبسيط والتركيز علي دور هذين العاملين في بناء الكيان السوداني وتعزيز وحدته الوطنية (راجع كتاب السودان: الدولة المضطربة لبروفسور ودوارد). اما النخبة الجنوبية، فقد ركزت علي الدفاع عن خصوصية الجنوب، استنادا الي السلطة البريطانية في البداية وعلي التعامل مع الحكومات المركزية في الفترات اللاحقة، بهدف تعظيم مكاسبها الخاصة والمكاسب الاقليمية للجنوب بشكل عام مع تجاهل كامل لاهمية بناء حركة سياسية فاعلة ومتفاعلة مع رصيفتها الشمالية. كان المؤتمر حدثا هاما يفتح الطريق لاعادة ربط الجنوب بالشمال ومشاركته في بناء سودان موحد علي اسس ملائمة. وكان يمكن ان يساعد في تطوير مواقف الحركة الوطنية في الشمال حول قضايا الهوية والوحدة الوطنية في اتجاه توسيع مفهومها التبسيطي ليشمل الجنوب بتمايزاته التاريخية والثقافية والاثنية عن الشمال العربي المسلم في عمومه، ويستوعب تركيبة السودان المعقدة وهويته المزدوجة وخصوصية انتمائه ودوره العربي والافريقي وذلك بالبناء علي ما حققته من انجازات في هذا المجال في الفترات السابقة، خاصة في جوانب تركيز الانتماء الوطني وبناء تنظيمات سياسية وثقافية ونقابية وطنية في مواجهة الانتماءات لانشدادها لتركيبتها الاقليمية الجنوبية وتحولها في معظم الاحيان الي معبر حقيقي لتطلعات الجنوب (كتاب الدولة المضطربة لودوارد). الواقع ان القضية ليست في تخيير السودان بين عروبته وافريقيته، بقدر ما هي في التعامل مع حقائق الواقع كما هي، وفي التركيز علي المداخل التي توحد البلاد وتمكنها من القيام بدورها. فالسودان حسب د. فرانسيس يمثل افريقيا مصغرة وجسرا للتواصل بين القارة الافريقية والشرق الاوسط وهذا الوصف يعبر بشكل محدد عن خصوصية انتماء السودان عموما، والشمال بشكل خاص ودوره في محيطه العربي والافريقي. وبذلك يمكن القول بأن العروبة والافريقية اصبحتا مندمجتين بشكل كبير في شمال السودان ولم يعد من الممكن التمييز بينهما. وهو بذلك يكون الاكثر تمثيلا للقارة الافريقية بالمقارنة مع اي منطقة افريقية اخري بما في ذلك جنوب السودان (راجع بروفسور مدثر عبد الرحيم) ود. فرانسيس دينق نفسه يشير الي ان هذه الهوية المزدوجة تشكل عامل تدعيم وتعزيز للوحدة الوطنية ولدور السودان في المحيطين العربي والافريقي (كتابا ديناميات وافارقة عالمين) ويشير ايضا الي تداخل ثقافة الدينكا وديانتها مع ثقافات الشرق الاوســـــط والديانات السماوية الكبري في المنطقة وذلك يعني ان هناك الكثــــــير من المشتركات التي يمكن تنميتها وتطـــــويرها لمصلحة بناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والافريقي. وهنا نشير الي ان احتمال الاصل الشلكاوي للفونج يمثل مدخلا هاما في هذا الاتجاه.
وضع الجنوب
في الجانب الآخر يختلف الوضع في الجنوب وتنطبق عليه التعريفات ذات الطابع السوسيولوجي، المرتبط باوصاف الاثنية والقبلية اكثر من اوصاف القومية وشبه القومية، وذلك يعني انه لا يزال في طور التكوين والتبلور ولم يستكمل مقومات تكوينه القومي بعد (كتاب ازمة المصير للصاوي) ولكن ذلك لا يقلل من قيمته الانسانية وحقيقة خصوصيته واختلافاته التاريخية والثقافية عن الشمال. ورغم كل ذلك يمكن القول انه يتميز بهوية (اقليمية) موحدة (كتاب السودان لودوارد) هوية فوق قبلية، افرزتها عوامل عديدة شملت: السياسة البريطانية تجاه المنطقة حتي عام 1947 (السياسة الجنوبية) ودور المتعلمين في فترة ما بعد الاستقلال، تجربة الحرب الاهلية الاولي (54 ـ 73) والثانية (83 ـ 000)، تجربة الحكم الذاتي الاقليمي 72/1983 الخ بالاضافة الي التطورات السياسية والاجتماعية اللاحقة واتساع الفئات الرأسمالية الجنوبية النامية والتأثيرات السلبية والايجابية للعلاقة مع الشمال وغيرها. ويدخل في ذلك تأثيرات حركة تحرير شعب السودان التي اصبحت في فترات وجيزة تكتسب طابع المعبر الحقيقي عن وحدة وتطلعات الجنوب كهوية اقليمية موحدة رغم شعاراتها حول السودان الجديد وهي حقيقة يشير اليها ايضا فرانسيس دينق، رغم تركيز كتاباته حول الجنوب علي الدينكا بشكل خاص والقبائل النيلية بشكل عام، لكنه لا يتناولها بشكل مباشر مقارنة بالآخرين (المرحوم جوزيف قرنق والاكاديمي قبرائيل بادال الخ) وتماما كما هو الحال في الشمال، لا يمكن الحديث عن التنوع الاثني والثقافي في الجنوب بعمومية او وحدات قبلية معزولة بعضها عن بعضها وتجاهل عملية التفاعل والتمازج الجارية وسطها. وفي هذا الاطار تشير الوقائع الي وجود ثلاث مجموعات جنوبية كبيرة تمثل درجة من الانتماء فوق ـ القبلي. وهذا الوضع يساعد في فتح الطريق لتبلور كيان قومي او اكثر حول كبري القبائل الجنوبية (الدينكا) او حول تحالف بين المجموعة النيلية الكبري (الدينكا، النوير، الشلك) التي تشكل حوالي 60% من سكانه وذلك رغم عوامل الانقسامات القبلية والسياسية والشخصية، وتدعم مثل هذا التوجه تطورات ما بعد الاستقلال التي خلقت الاساس الموضوعي لوحدة المنطقة. ويعتمد ذلك بشكل رئيسي علي تطور مفاهيم طبقة المتعلمين حول هذه المسألة وعلي آفاق علاقة الجنوب بالشمال ومحيطه الافريقي المجاور وهي مفاهيم لا تزال تتراوح بين الانفصال والوحدة الفضفاضة مع الشمال وبين وحدة المنطقة وتجزئتها وبين البحث عن هوية اقليمية جهوية خاصة ومعاداة الثقافة العربية والهوية الشمالية. وهنا يلاحظ ضعف المساهمة الجنوبية في هذا المجال فيما عدا ما توصل المرحوم جوزيف قرنق (قيادي شيوعي اعدمه النميري) حول استحالة اندماج المجموعات (القومية، القبلية الجنوبية) مع القومية العربية الشمالية لتكوين قومية سودانية موحدة، وذلك لأن الاخيرة استكملت نموها وتبلورها القومي ولا يمكن اللحاق بها. لذلك يري ان الطريق الوحيد المفتوح امام هذه المجموعات هو تطور جماعاتها الكبيرة وتبلورها في عدد من (الوحدات القومية) في اطار سودان موحد، اذا ما توفرت ظروف ديمقراطية ملائمة (كتاب أزمة المصير للصاوي) وفي عام 1970 اقترح تحديد لغة او لغتين من لغات الجنوب لتكون لغة قومية للاقليم بكامله (كتاب الماركسية لعبد الله ابراهيم) وهو ينطلق هنا من النظرة الماركسية للمسألة القومية في تلك الفترة وتجربة الاتحاد السوفييتي في هذا المجال ويرجع ظاهرة التفاوت الاقتصادي الاجتماعي بين الجنوب والشمال الي السياسات البريطانية والقوي المهيمنة الشمالية، اي الي جذورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويتعامل مع حقائق التنوع في الجنوب والشمال بحدودها وحجمها الحقيقي، بعكس ما نشهده حاليا من مبالغة وتضخيم لحقيقة التنوع وحجمه ومن نظرة تربط ظاهرة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بهيمنة (الوسط الشمالي والثقافة الشمالية) واسقاط اي امكانية لتعايش المجموعات المختلفة وتفاعلها وتطورها الطوعي في وحدات ثقافية كبيرة في اطار سودان موحد. وفي نفس الاتجاه يناقش المرحوم عبد الخالق محجوب، سكرتير الحزب الشيوعي السابق في كتابه (حول البرنامج) مقترحات حول تطور (ثقافات المجموعات/القومية ـ القبلية غير العربية) خاصة المجموعات الجنوبية (لاحظ تعبير المجموعات القومية ـ القبلية الذي يجمع بين مرحلتين في تطور المجتمعات) وذلك عن طريق تطوير ثقافاتها ولغاتها والتوسل بها في التعليم والنهضة الثقافية الشاملة باعتبارها جزءا من مكونات الثقافية السودانية العامة ويربط هذه المقترحات باستفتاء لاعادة تجديد وحدة الجنوب والشمال (هل يعني ذلك تقرير المصير؟ والواقع ان اعلان حزيران (يونيو) 1969، واتفاقية اديس ابابا 1972 يتضمنان ايضا اعلانا صريحا للهوية الاقليمية للجنوب مقابل الهوية العربية الشمالية، بسبب اختلافاته الثقافية التاريخية. ويلاحظ هنا عدم اهتمام (حركة تحرير جنوب السودان) وقتها بقضايا اللغة والثقافة المرتبطة بقضية الهوية ولذلك اهملت هذا الجانب في الاتفاقية وفي ممارساتها العملية بعد ذلك رغم ارتفاع صوتها في الدفاع عن خصوصية الجنوب وثقافاته الافريقية في مواجهة نزعات الهيمنة والاستعلاء الكامنة في الثقافة العربية الشمالية. ويبدو ان مفاوضات مشاكوس الجارية الآن لا تركز هي الاخري علي هذه الجوانب. المهم من خلال ذلك يمكن ان يلعب الجنوب، واي مجموعة اخري يفرزها التطور الواقعي، دوره في اعادة النظر في المكونات الاساسية المعتمدة في تحديد الهوية الوطنية وغيرها. ويرتبط ذلك بشرط اساسي يتمثل في توفر الديمقراطية في الدولة والمجتمع واعتبار المواطنة هي اساس الحقوق والواجبات. وضمن هذا الاطار يمكن الوصول الي تسوية وطنية تاريخية تفتح الطريق لبناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والافريقي. الخلاصة ناقشت الدراسة تطور مفهوم الوطنية عند الحركة الوطنية في مراحلها الاولي حتي السنوات الاولي للاستقلال، ودور هذا المفهوم مع ظروف اخري في وضع العلاقة الشمالية ـ الجنوبية في مجري المواجهة والاقتــــتال لأول مـــرة في تاريخها. وتطـــــرقت الي تطور هذا المفهوم في الفترة اللاحقة، في اتجاه مفهوم يعبر عن حقائق الواقع السوداني. وتعرضت الي ان مشكلة الهوية في الوقت الحالي تتمثل في توجهين متطرفين، متناقضين ومتشابهين في نفس الوقت. الأول يضع الدين في مواجهة الهوية الوطنية ويستند الي الاسلام واللغة العربية ومعاداة كـــــل الثقــــافات والاديان الاخري، ويحاول فرض مفهومـــــه هذا بالقوة والاكراه، وتمثله الجبهة الاسلامية القومية وحكومة الانقاذ والثاني يتركز وسط الحركة الجنوبية وبعض الدوائر الشمالية. وهو توجه معاكس للتوجه الأول ويضع الانتماء السوداني والافريقي في تناقض موهوم مع الانتماء العربي الاسلامي في الهوية السودانية. وهو ايضا توجه احادي يعمل علي نفي الهوية العربية الشمالية لمصلحة هوية افريقية مزعومة. وتري الدراسة انه لا سبيل الي مواجهة هذه المشكلة خارج اطار مواجهة الأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد، وفي مناقشتها لهذين التوجهين توصلت الي مفهوم واقعي موضوعي محدد للهوية الوطنية، يرتكز الي تكوين قومي مزدوج: هناك هوية عربية اسلامية غالبة في الشمال وهوية اقليمية في الجنوب وتنوع اثني وثقافي في اطار هاتين الهويتين والوطنية السودانية المشتركة. وينطلق هذا المفهوم من واقع تطوره خلال سنوات ما بعد الاستقلال، وترجع جذوره الي فترة السلطنات العربية الاسلامية، خاصة سلطنة سنار (4051 ـ 1281)، ففي هذه الفترة كان السودان يسير في اتجاه الوحدة والاندماج الوطني لاستكمال كينونته الوطنية بتكوينها المزدوج وتنوعها الثقافي الحالي تقريبا، اي قبل مجيء الحكم التركي المصري. وذلك يعني ان تكوين السودان بشكله الحديث قد بدأ منذ تلك الفترة. ومع ميلاد الحركة الوطنية الحديثة تطور هذا المفهوم علي اساس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات والمشاركة في تقرير مصير الوطن. وتلازم هذا التطور مع انحسار النظرة التي تربطه بالاسلام واللغة العربية فقط ليستوعب الجنوب وتعقيدات التركيبة السودانية وخصوصية انتمائها ودورها العربي والافريقي، وفي اطار هذا المفهوم الواسع يمكن استيعاب وتنمية ثقافاته وهويته الاقليمية ويمكن ايضا اخراج الاسلام والعروبة السودانية من مأزقها الراهن النابع عن السياسات الجارية تجاه الحرب الاهلية وقضايا الهوية والوحدة الوطنية. والمدخل الي ذلك يتمثل في التمييز بين الهوية القومية الشمالية من جهة والقوي السياسية والاجتماعية المهيمنة المرتبطة بهذه الهوية من جهة اخري، ومن ان الاسباب الجوهرية التي ادت الي ادخال البلاد في ازمتها الوطنية الشاملة الراهنة بما في ذلك مفاهيم الاستعلاء الثقافي وممارسة الاستبعاد والتهميش في الحياة الوطنية تتمثل في الطبيعة الفكرية والسياسة لهذه القوي المسيطرة وليس في مفهوم مختل للهوية بشكل محدد.. وامكانية اصلاح الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الناتجة من ذلك ليس في نفي الهوية الشمالية او التقليل من شأنها، وليس في فرض الاخيرة بالقوة والاكراه علي المجموعات الاخري، بل في توفير الشروط الضرورية لتوسيع المشاركة في الحكم وبناء الدولة الوطنية. والسبيل الي ذلك يتمـــثل في استعادة الديمقراطية كشرط اساسي والمحـــافظة علي وحدة البلاد وتمكين الجميع من المشـــاركة في اعادة بناءها علي اسس وطيــــــدة وهـــــذا لن يتم خارج اطار تسوية وطنية تاريخية، تشارك فيها كل القوي السياسية والاجتماعية في الشمال والجنوب علي السواء. وفي اطار ذلك يمكن للسودان ان يلعب دورا اساسيا في محيطه العربي والافريقي، وفي العلاقات العربية، الافريقية وفي ضمان امن واستقرار المنطقة وذلك انطلاقا من ان امنها اما ان يكون عربيا وافريقيا مشتركا او لا يكون علي الاطلاق. كاتب وسياسي من السودان 8
|
|
|
|
|
|
|
|
موقف البعث من الاتفاقية (Re: altahir_2)
|
الجمعة 26/9 جريدة الصحافة / الاضواء طالبا بضرورة اشراك القوى السياسية حزبا الامة و البعث يرحبان باتفاق نيفاشا
رحب حزب البعث السودانى باتفاق نيفاشا المبرم بين الحكومة و الحركة الشعبية حول قضايا الترتيبات الامنية و اعتبر عضو المكتب السياسى للحزب محمد وداعة الله ، الاتفاق بأنه خطوة هامة فى اتجاه استعادة الديمقراطية و تحقيق السلام فضلا عن صيانة حقوق الانسان و أكد وداعة فى تصريح للصحافة على موقف حزب البعث الداعى لضرورة اشراك كافة القوى السياسية خلال المرحلة المقبلة ودعا الحكومة لاتخاذ مواقف تؤكد جديتهانحو الالتزام بتحقيق التحوال الديمقراطى عن طريق رفع حالة الطوارئ و الغاء القوانين المقيدة للحريات الى ذلك رحب حزب الامة باتفاق نيفاشا و اعلن على لسان النائب الاول لرئيس الحزب الدكتور عمر نور الائم دعمه و مساندته للاتفاق كونه مرضى للطرفين المتحاربين وشدد نور الدائم على اهمية اشراك القوى السياسية فى القضايا المتعلقة بالحكم و التحول الديمقراطى باعتبارها قضية تهم جميع الفعاليات السياسية وو صف نائب اول رئيس الحزب الاتفاق بانه انجاز عالج قضية معقدة ظلت تشغل الطرفين طيلة الفترة الماضية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: االامين العام لحزب البعث السودانى يكتب دراسة هامة عن التنوع الثقافى وال (Re: altahir_2)
|
اخبار وتعليقات
+ قدم الرفيق محمد علي جادين امين السر ورقة بعنوان " دروس مستخلصه من اتفاقية اديس ابابا " في ندوة سودانية- مصريه- لبنانيه بعنوان " مستقبل السلام والوحدة الوطنيه في السودان " عقدت في الخرطوم اواخر يوليو الماضي . نظم الندوة من الجانب السوداني مركز الدراسات السودانيه ومركز دراسات الشرق الاوسط وافريقيا وجريدة الصحافه ومن الجانب المصري مركز البحوث الافريقيه بالاضافة الي مركز دراسات الوحدة العربية ومقره بيروت. وحسب النظام الموضوع للندوه فقد علق علي الورقة الفريق عبد الماجد حامد خليل وزير الدفاع الاسبق بصفته احد الذين شاركوا في صنع الاتفاقيه.( نص الورقه سيرسل لاحقا ). كذلك ظهر توقيع الرفيق امين السر ضمن قائمة تضم مجموعة من القيادات السياسيه ورموز الابداع والثقافه والفكر ( الطيب صالح، محجوب شريف، محمد المكي ابراهيم، فاروق كدوده، الخ..الخ.) في المذكرة التي قدمت لرئاسة الجمهوريه اثر تصاعد تيارات التطرف الديني وتهديدات القتل التي وجهتها جماعات التكفير لعدد من المثقفين. + عاد الرفيق محمد سيد احمد عتيق ، ممثل الحزب في هيئة قيادة التجمع الوطني الديموقراطي، من القاهره بعد زيارة عمل التقي خلالها بقيادات التجمع لمتابعة اخر التطورات المتصلة بعمل التجمع والاوضاع السياسية عموما. + تلقت اللجنة المنظمة لمؤتمر المرأة المنعقد وفق قرارات التجمع الديموقراطي ترشيحات الحزب من بين عضويته النسائيه لحضوره. + شارك احد الرفاق في المؤتمر السنوي ل " مشروع دراسات الديموقراطيه في الدول العربيه " الذي يعقد في اليوم الاخير من اغسطس كل عام بجامعة اكسفورد البريطانيه ويحضره مجموعة من المثقفين والاكاديميين العرب القياديين. ينظم المؤتمر الدكتور علي الخليفة الكواري من قطر والدكتور رغيد الصلح من لبنان ( تعليق : هاتان الشخصيتان كانتا من قيادات البعث في قطريهما انقطعت صلتهما بالحزب منذ فتره نتيجة حالة الجمود التي عاشها ووقوعه تحت سيطرة العقليات اللاديموقراطيه ). + من ضمن الاشارات المتزايده لترسخ مكانة الحزب في مرحلته الجديده بدوائر الفكر والثقافه ورود كتاب ازمة المصير السوداني كمرجع في دراسة لدكتور عبد الله محمد قسم السيد الذي يعمل بجامعة ابسالا في السويد حول موضوع الهويه. (تعليق : رسالة المكتب السابقه كانت قد اوردت نبأ الاستعانة بكتاب " الثورة المهديه، مشروع رؤيه جديده لجادين والصاوي في دراسة لدكتور حسين ادم الحاج حول ازمة العلاقة بين دار فور ووسط السودان. وقد تفضل المؤلف بأرسال نسخه كامله من الدراسه المكونة من سبعة اجزاء الي المكتب مبديا رغبته في الاطلاع علي بقية المؤلفات الحزبيه حيث تطوع الرفاق في السودان بتزويده بنسخه من كتاب الرفيق امين السر حول الديموقراطيه والوحدة الوطنيه. دراسة د. الحاج تتميز برصانتها والتزامها بمناهج البحث العلمي رغم وقوعها في منزلق تحميل الوسط النيلي العربي مسئولية الازمة العامه وفي دارفور وهو مانختلف فيه معه جذريا.. ولاشك ان اهتمامه، مع ذلك، بالتواصل الفكري مع ادب الحزب في مرحلته الجديده يعني ان رؤية حزبنا البناءة والمستنيره لمفهوم العروبه بدأت تعطي ثمارها في حل ازمة الوحده الوطنيه ). + طلب المسؤولون بجريدة الصحافه تزويدهم بمقالات بصورة منتظمه وذلك بعد معاودتها الصدور ضمن مشروع دار صحفية كبري نتيجة الاندماج مع صحيفتي الحريه والصحافي الدولي ستصدر عنه ايضا مجلتان احداهما باللغة الانجليزيه. + تلقت منظمة الحزب في بريطانيا نداء من " مركز العوده " ، وهو مؤسسة فلسطينية- عربيه مقرها لندن تعمل بطريق علمية مدروسة ووفق خطة طويلة الامد لابقاء قضية عودة الفلسطينيين حيه، تطلب فيه الاشتراك بحملة لتصحيح معلومات خاطئة وردت في اطلس اصدرته دار النشر العالمية المعروف " هاربر كولينز " .
مكتب الاعلام الخارجي حزب البعث العربي الاشتراكي السوداني
| |
|
|
|
|
|
|
حوار فكري وسياسى بين البعث والحركة (Re: altahir_2)
|
محضر مختصر للقاء بين وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان ووفد حزب البعث العربي الاشتراكي علي هامش جلسات المؤتمر الثاني للتجمع الوطني الديموقراطي التقي الوفدان ظهر يوم الاحد 10 /9 / 2000. ضم وفد الحزب ( مع حفظ الالقاب ) محمد علي جادين ويحي الحسين ومحمد وداعة الله وسعيد حمور ومحمد سيد احمد عتيق .. ووفد الحركة الشعبية جون قرنق ومنصور خالد وياسر عرمان ونيال دينق وبازرعه واخرين. ياسر عرمان : افتتح اللقاء بقوله : علاقتنا قديمه ووصلت ذروتها عام 1990 بلقاء بيننا وبين الاخ تيسير مدثر في اديس ابابا حيث تم توجيه الدعوة لنا لزيارة الحزب والدولة في العراق الا ان احداث الكويت ثم الحصار حالت دون تنفيذها.. بعد ذلك استأنفنا الاتصال في مارس 2000 الماضي بمدينة اسمرا.. ننظر اليكم كجزء من قوي السودان الجديد .. نلتقي معكم في قضايا رئيسيه ونمثل جبهة واحدة مهما كانت الخلافات، ومواضيع الخلاف هي التي تحتاج الي اللقاءات المباشره..مثلا اسم حزبكم يخلق بلبلة خاصة حول هوية السودان.. ثم هناك موضوع ورد في "الهدف " يتحدث عن ما اسماه علاقات الحركة الشعبية مع امريكا.. ونستطيع ان نتفق علي برنامج عمل مشترك. جادين : اهتمامنا بالحركة بدأ منذ فترة طويله، ومنذ صدور المانيفستو عام 1983 وكتابات جون قرنق ومنصور خالد.. وفي عام 1985 التقينا في لندن مع جون لوك واخرين.. الاتفاق عام 1990 تعثر بسبب المتغيرات السياسيه خاصة حرب الخليج الثانيه.. ننظر للحركة من خلال العنصر الايجابي الابرز فيها وهو انها اول حركة ذات جذور جنوبيه تطرح فكرها ونفسها في اطار سودان موحد.. ودخول الحركة في التجمع خلق امكانية واسعة للتفاعل بينها وبين القوي السياسية الاخري.. مسألة الاسم في حزبنا هي مسألة تاريخيه وفيها تركيز علي الهوية العربية الشماليه، وهي لاتخص حزب البعث وحده: الانتماء العربي ظهر في الحركة الوطنية السودانيه منذ بداية ظهورها في حركة اللواء الابيض وثورة 1924، وفي حركة الخريجين في الثلاثينيات والاربعينيات وخاصة جمعية ابوروف المعروفة بأتجاهاتها القومية العربيه ثم الاحزاب الاتحادية بعد ذلك، فالاتحاديون توجههم قومي عربي ومع ارتباطات السودان العربيه، كذلك حزب الامه مع خصوصية ارتباطه بالثورة المهديه، حتي الحزب الشيوعي هو في التحليل النهائي حزب شمالي مرتبط بالهوية الشماليه، كل هذه الاحزاب قاعدتها شماليه ولم تنجح في خلق امتدادات حقيقيه في الجنوب… والاحزاب الجنوبيه حصرت نفسها في هويتها الاقليميه الجنوبيه.. الاسم " حزب البعث العربي الاشتراكي " لم يسبب لنا مشكله في السابق، بالعكس اذكر عند قيام الجبهة العربية الاشتراكيه في بداية الستينيات قابلها الطلاب الجنوبيون في جامعة الخرطوم بترحاب شديد منطلقين من قولهم لنا انكم اوضح من الاخرين في التعبيرعن الهوية العربية الشمالية دون تردد .. المشكلة الحقيقة ليست في الاسم وانما في المحتوي السياسي والاجتماعي للحركة السياسية المعينه وفي نظرتها للقضايا الوطنيه.. تمسكنا بالهوية العربية لم يمنعنا من التركيز علي القضايا السودانيه منذ البدايه.. الحرب الاهليه في الجنوب كانت عاملا مهما في تنمية وعينا بالتركيب القومي المزدوج للهوية السودانيه: هناك تمايز اساسي بين الجنوب والشمال، وهناك تنوع اثني وثقافي وديني داخل الشمال لكنه تنوع درجي " في الدرجه" وليس تنوعا نوعيا كالتمايز بين الجنوب والشمال.. هناك نظرة تطرح مسألة التنوع في السودان بشكل غير محدود، هذه النظره تتركز وسط المثقفين الجنوبيين بشكل رئيسي، ولكن هذا غير مفيد ولايعبر عن الواقع.. في الشمال تلعب اللغة العربية والاسلام دورا رئيسيا في تماسك ووحدة الهوية الشماليه أي الهوية عربية اسلاميه.. والعروبه في السودان هي واقع تاريخي وجغرافي وثقافي وبشري لايمكن نكرانه، والثقافات الوطنية الاخري، خاصة في الجنوب، هي ايضا واقع تاريخي وثقافي وبشري لايمكن نكرانه، والمطلوب ليس الغاء هذه الثقافات بل توفير الشروط الضرورية لتنميتها وتفاعلها مع بعضها في اطار الوطنية السودانيه المشتركه..هنا خصوصية السودان وخصوصية انتمائه العربي والافريقي.. الطيب صالح يقول ان السودان عربي وغير عربي وافريقي وغير افريقي، أي هو عربي افريقي.. هذا هو وعينا بمسألة الهوية السودانيه، هناك في داخلها تنوع وتمايز اساسي بين الشمال والجنوب، وهناك تنوع اخر داخل الشمال والجنوب كل علي حده. في الجنوب تكونت هوية اقليميه لاسباب سياسية تاريخيه. الحرب الاهليه وتجربة الحكم الذاتي في السبعينيات لعبت دورا هاما في ذلك .. في المستقبل قد تتبلور هذه الهوية الاقليميمة الجنوبيه حول القبائل النيليه او حول قبيلة الدينكا بأعتبارها اكبر المجموعات الاثنية هناك. في اعتقادنا ليس هناك صراع هويات في السودان .. ظهور هذه المسأله في السنوات الاخيره هو انعكاس للازمة الوطنية الشامله الجارية في بلادنا. هذه الازمه قديمه ونظام الجبهة هو الذي تسبب في استفحالها والوصول بها الي نهاياتها عندما ربط سياساته بالجهاد واستئصال المجموعات الثقافية والاثنية الاخري.. هناك فعلا اضطهاد اقتصادي اجتماعي وثقافي وهناك تجاهل للجنوب والمناطق المهمشة.. ولكن هذا الاضطهاد والتهميش وصل الان الي المركز واواسط السودان نفسه والسبب ليس الثقافة العربيه الاسلامية الشماليه بل هو القوي الاجتماعية المهيمنة والمسيطرة علي السلطه منذ الاستقلال وخاصة الانظمة العسكريه، وهذا يعني انه نتاج سياسات محدده وسيطرة قوي اجتماعية محدده، شمالية اساسا، لكن لها امتداداتها في الجنوب والغرب والشرق وغيره.. المهم ان نعيد الصراع الي مجاله الاقتصادي الاجتماعي، بذلك يمكننا معالجة مشكلة الهويه بموضوعيه. والمدخل لمعالجة هذه المشكله يتطلب اشاعة الديموقراطيه علي اساس المواطنه.. وفي هذه القضايا هناك مجال واسع للاتفاق والعمل المشترك.. نعتقد ان الحركة الوطنيه لم تبلور مشروعا وطنيا شاملا في فترة مابعد الاستقلال لاسباب تتعلق بتركيبتها ونشأتها وتطورها.. وهذا الحديث يشمل كل اطرافها .. التجمع الوطني طرح في الفترة الاخيره مشروعا وطنيا شاملا، صحيح انه غير مفصل ولكنه يفتح الطريق لبناء سودان ديموقراطي موحد ومستقل ومتفاعل مع محيطه العربي والافريقي والدولي، لذلك نحن نتممسك به كصيغة يمكن ان تستمر لفترة طويله قادمه بعد اسقاط النظام الحالي. اخيرا النظرة الاستعلائيه لازالت موجوده باشكال ودرجات متفاوته.. اما ما ذكرته عن المقال الوارد عن الحركة الشعبيه في " الهدف " فهو لايمثلنا وانما هو صادر عن مجموعة التكتل في حزبنا والتي لازالت تصر علي ان تحمل اسم حزب البعث وعلي تسمية صحيفتها بأسم " الهدف " والمقال الذي ذكرته لايمثلنا ولايعبر عنا. منصور خالد : هناك تطور ايجابي، ولكن من المفيد ان ننظر نقديا للماضي.. النظرة الاستعلائية موجوده في فكر كل النخب منذ ثورة 1924 .. والارضية الفكرية التي تنطلق منها عقلية الهيمنه والتهميش موجوده في تفكير النخبة السودانية طوال تاريخها.. هذه النخبة تنظر مثلا لاي حركة جنوبية بأعتبارها حركة انفصاليه، واطروحاتها الفكرية والسياسية تبعد المجموعات الوطنية غير العربيه وغير المرتبطة بثقافة الوسط، حتي مؤتمر الخريجين يتحدث نشيده عن الانتماء لامة العرب دون ان يذكر الانتماء الافريقي .. هذا السودان تكون عبر تفاعل طويل بين المجموعات الوطنية والمجموعات الوافده ومن خلال ذلك جاءت هوية السودان التي يجب ان نعمل جميعا علي بنائها كهوية مشتركة تجمع كل السودانيين. ياسر عرمان : هذا نقاش اولي، هناك مايجمعنا كما ان هناك مالانتفق عليه. من اخطائكم كحزب بعث في اعتقادي انكم بدأتم بالاهتمام بقضايا الوحدة العربيه قبل الوحدة الوطنيه السودانيه فلنبحث اولا في كيف نكون سودانيين قبل كل شئ.. كذلك مفهومكم للثقافة العربية الاسلاميه يحتاج لتفصيل اكثر. جادين: بالعكس نحن مهتمون بالقضايا الوطنية السودانيه طوال تاريخ حركتنا.. ظروف الواقع ساعدتنا علي ذلك… صحيح نحن نؤمن بالوحدة العربيه وهي جزء من شعاراتنا وشعارات حركة التحرر القومي العربيه في النصف الثاني من القرن العشرين..مع تراجع حركة التحرر القومي العربية والافريقيه تراجعت شعارات الوحدة في الفترة الاخيره، والان في عالم مابعد نهاية الحرب الباردة هناك ضرورة للتكتلات الكبيره..مثلا منصور خالد يقبل الوحدة العربيه كوحدة لها دور وظيفي في عالم التكتلات الكبيره. ويمكن ان نأخذ هذا الفهم ايضا لوحدة او وحدات افريقيه كبيره.. الظروف الراهنه كشفت لنا علاقات جديده مع ارتريا واثيوبيا والقرن الافريقي، علاقات لم نهتم بها في الفترة السابقه، لكنها الان تفرض نفسها.. السودان بتركيبه القومي المزدوج يمكنه المشاركة في كل هذه التوجهات الوحدويه دون أي تناقض.. ومع ذلك لم تكن مسألة الوجدة العربيه شاغلنا الرئيسي، اهتمامنا الاول كان بالقضايا الوطنيه: الديمقراطيه ووحدة الكيان السوداني والتنمية الاقتصادية والاجتماعيه. جون قرنق : مستعدون للعمل مع الجميع، بل نريد ان نعمل مع الجميع.. كان يجب ان نبدأ من مكان ما فبدأنا او انطلقنا من الجنوب.. هي بداية فرضت نفسها.. وضرورة ان يبدأ المرء من مكان ما تذكرني بالمقولة الفرنسيه : سئل الفرنسي عن سبب تحية الفرنسيين للمراة بتقبيل يدها فرد قائلا : " ياسيدي يجب ان نبدأ من مكان ما" .. لحزب البعث الحق في ان يسمي نفسه بالعربي لان له الحق في التعبير عن العروبه كواقع وكحقيقه.. لااعتقد ان هناك تصور لوحدة السودان له اساس واضح ومكتمل حتي الان.. السودان متعدد ومتنوع يحتاج لهوية مشتركه.. الوحدة الحالية وحدة مفروضه لمصلحة قوي السودان القديم، لذلك نحن طرحنا شعار سودان جديد يشترك فيه الجميع. نحن لسنا ضد العروبة والاسلام، كما اننا لسنا ضد الهويات الاخري.. من اجل بناء السودان الجديد مستعدون للعمل مع الجميع.. العروبة في السودان واقع ومن حقها ان تعبر عن نفسها ولامانع من العمل معها .. كذلك اذا جاء النوبة او البجه او غيرهم باسمائهم لانمانع من العمل معهم.. السودان له خصوصياته المتنوعة المتشابكه، وامامنا قضية كبيره يجب ان نتصدي لها : كيف يمكننا استقطاب وتعبئة كل الاقوام والجماعات حول سودانيتها؟ نظرتنا للسودان الجديد تنطلق من الهوية السودانيه واحترام التعدد والتنوع .. التجربة الامريكية تفيدنا كثيرا في ذلك، فالامريكيون عبارة عن مجموعات عرقية وثقافية كثيره، فهنالك مثلا ايرلنديون امريكان، وافارقة امريكيون، وامريكيون عرب الخ .. ولكن ترتبط كل تلك المجموعات بالهوية الامريكيه .. والمطلوب الان ليس مصالحة من اجل تقسيم كراسي الحكم او اقتسام كعكة السلطه كما كانوا يقولون عقب انتفاضتي 1964 و 1985 ، وانما اعادة هيكلة التركيب السياسي والاقتصادي. ياسر عرمان: دعونا نسمع عن رؤيتكم للتجمع وقضاياه والمطلوب من المؤتمر ومشكلة حزب الامه. جادين: هناك ضعف وبطء في اداء التجمع في الداخل والخارج، والعلاقة بينهما غير واضحه، وهناك ربكة ناجمة عن موضوع الحل السياسي الشامل وحزب الامه.. اذن فأن القضايا الهامة التي تستحق التركيز والاهتمام نوجزها في الاتي : ( 1) المحافظة علي التجمع موحدا ومتماسكا في اطار مواثيقه وبرامجه، وذلك لفترة طويلة قادمه بأعتباره اساس الوحدة الوطنيه السودانيه والمشروع الوطني المطروح. ( 2 ) الاهتمام بالداخل كأساس للعمل وان نتيح له مشاركة واسعة في اعمال هيئة قيادة التجمع، وفي هذا من المهم تحديد الوسائل. (3) تحديد المطلوب بالضبط من الحل السياسي الشامل وتحديد متطلباته دون ان يؤثر ذلك في نشاطنا في مجالات الخيارات الاخري.. نربطه باجراءات تهيئة المناخ والتنسيق بين المبادرتين. ( 4 ) بالنسبة لحزب الامه عودته للتجمع ضروريه لان الخلاف غير جوهري كما هو واضح ومعلن. المؤتمر حسم مسألة الهيكله وخيار الحل السياسي الشامل.. ابتعاد حزب الامه يصب في مصلحة النظام، واهماله يدفعه للمصالحة مع النظام، كما اننا سنفقد العناصر المؤيدة للتجمع داخل حزب الامه وهي كثيره ومؤثره في الساحة السياسيه. محمد وداعة الله : الحكومه في اضعف حالاتها.. الانتفاضة ممكنة وفرصها واسعة والمطلوب هو خلق اتصال منظم بين الداخل والخارج وتوفير الدعم المالي اللازم للداخل وان يكون ذلك الدعم مباشرا لتجمع الداخل ممثلا في السكرتاريه.
| |
|
|
|
|
|
|
|