قل ان يدخل المعتقل بايام قليلة كتب المفكر النوبي الدكتور محمد جلال احمد هاشم حول كجبار وكان قد تناول القضية من عدة زوايا . وكنت من اللذين سعدوا بنسخة من الرسالة.
رسالة كجبار ... مرّة أخرى من أجل السّودان لا من أجل قرية
وها انذا وهو في معتقله وبدون استئذان منه اضيف ما بين يدي في هذا المنبر لنرفع الصوت عاليا من خلال هذا المنبر مع كل الشرفاء مطالبين السلطات باطلاق سراحه وسراح كل المعتقلين اللذين زج بهم في المعتقلات والسجون ..
07-26-2007, 02:37 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
كان بودي ان انقل الرسالة دفعة واحدة بدون اضافة او تعديل ولكن لظروفي الفنية الضعيفة سوف احاول نشر ما بين يدي تباعا بدون اخلال. ولاحتمال وجود مشاركات من الاعضاء ساضيف -( من عندي بعض الارقام) - لتتوالى الاضافات ويكون هنالك ربط غير مخل اذاما تواجدت بعض المداخلات من الاعضاء
ويمكن من خلال هذه الصفحة التي تعمدت نقلتها (صورة طبق الاصل) ان يتابع المهتمين محتويات الرسالة
07-26-2007, 02:42 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
حكاية هذا البحث نواة هذا البحث كانت ورقة قدّمتها في المؤتمر العالمي الذي عُقد بجامعة الخرطوم، قاعة الشّارقة، في الثّلاثين من شهر ديسمبر من عام 1999م تحت شعار: الحضارة الأفريقيّة على أعتاب القرن الحادي والعشرين: حالة البحث والعلم. وكان عنوان البحث: "رسالة كجبار: الثّقافة والتّنمية في بلاد النّوبة النّيليّة". في مطلع عام 2000م نُشر البحث بجريدة الصّحافة في خمس حلقات في باب "تيّارات" (في 18 و25 يناير؛ و1، 5، و8 فبراير 2000م). فضلاً عن ذلك، فهو يُشكّل الفصل الثّامن والأخير، ولكن بتصرّف، من كتابٍ لي يقرب من الأربعمائة صفحة من الحجم الكبير بعنوان: جزيرة صاي .. قصّةُ الحضارة: صراعُ الثّقافات وقضايا التّنمية والتّهميش في بلاد النّوبة، فعسى أن ننكبّ عليه قريباً فيكون بين يدي القاريء. وعليه، هذا البحث (الحالي) عن منطقة النّوبة من حيث كونه يتّخذ هذه المنطقة كحالة دراسيّة. ذلك لأنّه يناقش مسألة هامّة لكم تأثّر بها أهلنا في السّودان، كان ذلك على مستوى الإقليم الشّمالي، أو كان على المستوى القومي، كما سيأتي أدناه. هذه المسألة تبدو وكأنّها تتلخّص في جدوى إقامة السّدود من جانب، وفي جدوى إفراغ المناطق المتأثّرة بالسّدود من السّكّان تماماً من الجانب الآخر. إلاّ أنّها تتجاوز كلّ ذلك لتناقش مسألة أهمّ بكثير تتلخّص في كيفية مقاربة التّنمية عبر الثّقافة، من جانب، ومن الجانب الآخر تناقش إشكاليّة قصور الرّؤى الماحق من جهة حكّام السّودان، هذا القصور الذي يكاد أن يودي بالبلاد إلى التّهلكة من حيث ظنّ حكامنا أنّهم ينقذونها. وهذه الإشكاليّة لا تقف بقدميها مهدّدةً لنا ولبلادنا جرّاء قلّة فهمٍ أو قلّة علم ـ وإن لم ننْفِ فقدان القوم أو جلّهم لهذا ـ بل لانعدام ما يُعرف باسم "فنّ الحكم" (Governmentality). وهذا أشبه ما يكون بلوثة تعتري الحكّام ومعاونيهم من وزراء ووكلاء وزارات ومعاونين إلخ، خاصّةً إذا ما طال بهم العهد في الحكم. وطول الحكم في عالم اليوم متسارع الخطى والإيقاع لا يزيد في تقديرنا عن أكثر من سبع أو ستّ سنوات إن لم نقل خمس، خاصّةً في عالمنا الثّالث الذي تحيط به المآذق المدلهمّة. وفقدان فنّ الحكم مردّه إلى فقدانٍ مريع للرّؤية النّاهجة أوّلاً، تعقبه بعد ذلك مخايل البطر بالحكم لاستسهال تسيير أمور العباد والبلاد، فيظنّ الحكّام كما لو كانوا فراعنة زمانهم. وأكثر ما يتجلّى هذا في صغار السّاسة والمعاونين، ذلك لأنّ احتكاك عامّة النّاس بكبار السّاسة حينها يكون دونه خرط القتاد؛ فالشُّقّة بين الحاكم والمحكوم تكون عندها قد اتّسعت على الرّتق، فإذا الذي بينهما بيدٌ دونها بيدٌ من البطر وتصعير الخدود. وتلك هي اللحظة التي أضلّ الله فيها فرعون، فقال: أنا ربُّكم الأعلى. وتلك لعمري حالة حكّامنا في بلاد السّود (أيّ السّودان ـ فقط لتذكير القوم الغافلين بمدلولات الاسم) من زمنٍ ليس بالقصير، بلغ الآن حدّه الأقصى باعتبار ما استدبرنا، فليته أيضاً باعتبار ما سنستقبل ـ آمين.
07-26-2007, 07:57 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
مقدّمة سنحاول في هذا المقال أن نتلمّس طريقاً عمليّاً للخروج من المأذق الذي نرى أن النّوبيّين، وبعدهم آخرين كالمناصير والرّباطاب، قد تورّطوا فيه تاريخيّاً، دون ذنب جنوه. ورسالة كجبار التي نعنيها تبدأ بألاّ يتمّ تكرار سيناريو حلفا (الرّفض والمقاومة، ثمّ الإذعان فالانكسار). على النّوبيّين أن يتّخذوا من رفضهم لمشروع إقامة سدّ كجبار نقطة انطلاق نحو تنمية مستدامة في نفس الوقت الذي تستند فيه هذه التّنمية على إحياء الثّقافة النّوبيّة بكل أجناسها. سنحاول هنا أن نعكس بعداً فاعلاً في مجال التّخطيط التّنموي، انطلاقاً من حقائق واقعيّة، دون حاجة لإغراق أي بقعة من أرض التّاريخ المقدسة.
07-26-2007, 08:02 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
سنتعرّض في هذا المقال إلى الآفاق التّنمويّة، متّخذين من الفعاليّات الزّراعيّة الضّخمة لمثلّث الحوض النّوبي (حلفاـ عوينات ـ دنقلا) مشروعاً نموذجيّاً للنهضة الحضاريّة والثّقافيّة. في سياق هذا سنتعرّض إلى نموذج آخر يقارب التّنمية عبر إقامة السّدود، ونقصد هنا مشروع سدّ مِرْوِي بالشّلاّل الرابع ثمّ بعده كجبار بالشّلاّل الثّالث وربّما سدود أخرى مثل سدّ دال بالشّلاّل الثّاني، وخزّان الشّريك بالشّلاّل الخامس، وغياب الثّقافة في مجمل المراحل التّخطيطيّة لهذه الخزّانات والسّدود، فضلاً عن اتّباع نموذج غرق حلفا بأسلوب وقع الحافر على الحافر. ويتمثل هذا النّموذج الخاسر في المقاربة القائمة على مبدأ التّعويضات، الأمر الذي يشي بغياب البعد التّنموي نفسه. إذ إن التّعويض لا يأتي إلاّ في سياق الفقدان والخسارة، بينما التّنمية هي النّماء والإعمار. في هذا ستعتمد الدّراسة على الملاحظات التي تأتّت لي إبّان زياراتي الميدانيّة لمنطقة المحس في الفترة بين 1999م ـ 2003م، وذلك ضمن مشروع المحس الأثري ـ اللغوي ـ الاجتماعي ـ البيئي، والذي يتبع أساساً لشعبة الآثار، كليّة الآداب، جامعة الخرطوم، ثمّ المشاهدات والملاحظات التي واتتني إبّان عملي ضمن فريق المتحف البريطاني بمنطقة المناصير أعلى الشّلال الرّابع في موسم 2003م ـ 2004م. كما سترد الإشارة والمقارنة فيه أيضاً إلى تجربة السّدّ العالي وإغراق إقليم وادي حلفا. وبما أنّ الأنباء قد تواترت مؤخراً مفيدة بأنّ الجهات الرّسميّة بالسّودان قد قرّرت إقامة سدّ بشلاّل دال شمال عبري لتوليد الطّاقة [جريدة الخرطوم، عدد 13/12/2003]، فضلاً عن معاودتها الآن العمل بمشروع سدّ كجبار، لهذا سيتّخذ من هذا الأمر مناسبة لتسليط الضّوء ولفت الأنظار لمشكلة الفقر التّنموي بالنّوبة النّيليّة، وربط ذلك بالثّقافة، كلّ هذا تأسيساً على فرضيّة أنّ التّنمية بلا الثّقافة تعني تبديداً للجهود، ومدخلاً للفشل، وبالتّالي مزيداً من الفقر. وهذا هو سبب تسمية هذا الفصل باسم كجبار.
الفصل الثاني تكملة - مقدمة 3/3 وهنا يأتي ربط المسألة الثّقافيّة بالمسألة التّنمويّة عبر التّنمية الزّراعيّة المتوسّعة بمثلّث الحوض النّوبي. هذان البعدان هما بمثابة السّاقين اللتين ستقف عليهما النّهضة النّوبيّة. ذلك لأنّ للثقافة فاتورتها، كما للتنميّة فاتورتها أيضاً. ما يحتاج إليه النّوبيّون هو الثّروة في إطار المجتمع النّوبي ككل، وليس في إطار الأفراد فحسب، مع كامل تثمّيننا لهذا الجانب أيضاً. هذه الثّروة هي التي ستدفع فاتورة النّهضة الثّقافيّة من تخطيط وبحوث وبناء لمؤسّساتٍٍِِِ تعليميّة وإعلاميّة وفكريّة إلخ. كما ستدفع هذه الثّروة أيضاً فاتورة التّنمية من بنيات تحتيّة وخلافها.
07-26-2007, 09:24 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
تقوم منهجيتنا في هذا الجانب على دراسة الثّقافة والتّنمية باعتبارهما مكوّنين متكاملين لا بدّ من الجمع بينهما في سبيل النّهوض بمجتمع ما. فالسّياسات في الماضي درجت على مقاربة التّنمية باعتبارها نشاطاً اقتصاديّاً استثماريّاً تحكمه حسابات السّوق الماديّة الصّارمة. وبهذا تمّ إسقاط الثّقافة من الاعتبار، فجاءت أغلب المشاريع التّنمويّة في بلادنا بنتائج عكسيّة، وباءت بالفشل. وقد نبهت بعض الدّراسات الجادة إلي علاقة الثّقافة والتّنمية [أحمد عبدالرّحيم نصر، 1980]، متّخذةً من الفولكلور بوصفه مستودعاً لحكمة الشّعوب مدخلاً ثقافياً للتنميّة. كما حظي الطّب الشّعبي بالكثير من الدّراسات والاهتمامات ممثّلةً في نشاط مجلس أبحاث الطّب الشّعبي، فضلاً عن الدّراسات التي نظمت عن الزّار بوصفه شكلاً من أشكال العلاج النّفسي [المؤتمر الدّولي لدراسة الزّار، معهد الدّراسات الأفريقيّة والآسيويّة، جامعة الخرطوم، قاعة الشّارقة، 1988]. كما حظيت الزّراعة بالعديد من الدّراسات التي قاربتها بوصفها نشاطاً ثقافيّاً ـ اقتصاديّاً [سناءالبطل، 1991؛ مدني محمّد أحمد، 1994].
07-26-2007, 09:29 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
وفي هذا السّياق ترد الإشارة إلي الاهتمام بالتّكنولوجيا الشّعبيّة في مجال النّشاط الزّراعي ممثّلة في السّاقية [محمّد إبراهيم أبو سليم، 1980]، خاصّةً ما ذُكر بخصوص تنميتها [سيد حامد حريز، 1988]. فالسّاقية ـ على سبيل المثال ـ كانت تفي باحتياجات الرّقع الشّريطيّة الضّيقة بامتداد النّيل من الرّي، وذلك لمئات السّنين. ولكن بعد عقود الاستقلال تمّ إدخال الطّلمبات الميكانيكيّة، فكان أن تورّط المزارعون البسطاء في شبكة علاقات إنتاج ووسائل إنتاج لا يملكون عليها سلطة، بخلاف ما كان عليه حالهم إبّان عهود السّاقية التي تُصنع محليّاً وتصان محليّاً ويتم تشغيلها بطاقة حيويّة متجدّدة لا تخلّ بموازنات البيئة. في هذا ذكر لي الأستاذ أبو سليم (حديث شخصي) قائلاً: "إن ذلك نجم عنه تغيير كامل لدورة الزّراعة، حيث اختصر المزارع دورتي الصّيفي والدميرة الأمر الذي أثّر على عمليّة تخصيب التّربة. كما اعتمد المزارع على الوابورات الرّافعة لسقي النّخيل التي أصبحت تُشتل بعيداً عن النّيل فتدنّى إنتاجها". وهكذا ما إن انتهت حرب أكتوبر 1973م وما أعقب ذلك من ارتفاع جنوني لأسعار النّفط، ثمّ أزمة 1978م الاقتصاديّة، حتّى وجد المزارعون بطول الشّريط النّيلي أنفسهم في دوامة انعدام الجازولين والإسبيرات ثمّ تعثّر المواصلات. نتيجةً لكلّ هذا تدهورت الزّراعة على الشّريط النّيلي، فكان أن زادت وتيرة الهجرة من الرّيف إلي المدينة (العاصمة). وفي هذا نذكر أنّ مواطن النّوبيّين أصبحت طاردة لأهليها لدرجة خلوّ بعض الأحياء تماماً من سكّانها. حكي لي بعض أهلنا في السّكوت ـ وهم يضحكون في حزن ـ عن أنّ سقفاً انهار على ساكنيه، فتجمّع أهل الحيّ، إلاّ أنّهم عجزوا عن مساعدة المنكوبين بإخراجهم من تحت الأنقاض. فقد كانوا جميعاً من العجزة وكبار السّنّ الذين مكثوا في قراهم في انتظار فرج الموت.
الدكتور محمد جلال هاشم ، باحث جاد و مثابر . و ناشط مجتمع مدنى من طراز جديد و عنيد. و قد ظل يدهشنا بكتاباته المتعمقة و بحوثه الجريئة. تم أعتقاله عصر يوم 16يونيو2007 ، من مقر طيبة برس - بالخرطوم ، و هو يتهيأ - متطوعاً- لتقديم دروس فى اللغة الإنجليزية لمجموعة من الصحفيين ،فى إطار دورة تدريبية لرفع القدرات الصحفية. هو -الآن- وفق آخر الأخبار ، ما زال معتقلاً بسجن (دبك) الذى نقل إليه فى حوالى يوم 16 يوليو الجارى .و هومعتقل - ضمن آخرين- على ذمة أحداث كجبار دون مواجهته بتهم محددة أو تقديمهم للقضاء ليقول كلمته بشأنهم.ومن المعتقلين الصحفى بجريدة( رأى الشعب)مجاهد عبدالله و الذى يكمل - اليوم- 26 يوليو يومه الخامس و العشرين فى المعتقل .و هناك غيرهمايتوجب على الدولة تقديمهم للقضاء أو إطلاق سراحهم فوراً . فلنصعد النضال لإطلاق سراح كافة المعتقلين . و لنرفع أصواتنا عالية ضد إنتهاكات حقوق الإنسان فى السودان.
07-26-2007, 03:59 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
Quote: تم أعتقاله عصر يوم 16يونيو2007 ، من مقر طيبة برس - بالخرطوم ، و هو يتهيأ - متطوعاً - لتقديم دروس فى اللغة الإنجليزية لمجموعة من الصحفيين، فى إطار دورة تدريبية لرفع القدرات الصحفية.
نعم هذا هو الدكتور محمد جلال الذي وهب نفسه وعلمه لخدمة الوطن . هو كان دائم التنقل بين المجموعات وقطاعات المجتمع المدني والاكاديميات ليعطي وكان يجتهد في العطاء متطوعا. لكي يستنير الكل بعلمه. واليوم هو معتقله قابع يصارع الالم والمرض والظلم والبطش .. لم يذهب الى المعتقل طالبا تقاسم السلطة والثروة . لم يكن من اساب زجه في المعتقل الا ما ابداه من رأي حاجج به السلطات فيما تدعيها انها تنمية في اقليمنا النوبي المستهدف دوما بالاغراق .. رفض ان يكون للظلم والغش معبر من بين جنباته وعلمه. فاراد ان يوصل الحقائق فاوصوله الى المعتقل . اليوم هواحوج الى كلمة الشرفاء لتدوي في جميع اركان السودان تطالب بفك اعتقاله او تقديمه للمحاكمة .. هو وكل من تم اعتقالهم في هذه المعمعة التي افتعلتها السلطات واقدمت الى قتل الابرياء . واعتقال اهل الكلمة. نعم ان لفي صمتنا الغير مبرر . فجيعة ووجيعة اعمق من ظلم السلطات . لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان في الوطن شرفاء .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان في الوطن احرار .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان فينا وبيننا من تعلم الدرس .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان فينا وبيننا من يرفض الظلم ..
07-26-2007, 03:33 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
الثّقافة والتّنمية 3/3 إزاء هذا الانهيار وإزاء فشل العديد من المشاريع التّنمويّة التي لم تكن تعوزها الاعتمادات الماديّة بقدر ما كان يعوزها التّخطيط، انبثق تيّار جديد من الباحثين يقارب المسألة من زاوية ثقافيّة بحتة [عزالدّين بخيت، 1996]. ويقوم هذا التيّارالجديد على معالجة مشاكل الفقر الجماعيّة في مجتمعات الدّول النّامية من زاوية ثقافيّة، أي أن تتّخذ الثّقافة مدخلاً لفهم وتخطيط القضايا التّنمويّة، ومن ثمّ حلّها. وتمّ تعريف الثّقافة إجرائيّاً في هذا السّياق على أنّها "... البرمجة الجمعيّة للعقل، والتي بها يمكن أن يتمّ تمييز الفرد المنتمي لمجموعة، أو صنف من النّاس عن غيره من المنتمين لمجموعات أو أصناف أخرى" [هوفستيد، 5:1991]. ويبدي عزالدّين بخيت أسفه لانغلاق المسألة التّنمويّة داخل أضابير الحسابات الاقتصاديّة، ومن ثمّ يقدّم أطروحة جيّدة في تفصيل كيف أنّ العامل الثّقافي في الفقر الجماعي، وكذلك المقاربة الثّقافيّة يمكن أن تلعبا دوراً مهماً في رفع الفقر عن المجتمعات [عزالدّين بخيت، 1996: 17-23]. إذن يمكن للنّوبيّين أن يستشرفوا عهداً من النّماء والازدهار، ذلك إذا ما ربطوا بين التّنمية والثّقافة. لنرى إمكانيّة ذلك!
07-26-2007, 05:43 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
تقع كجبار في إقليم المحس والذي يقع بدوره على النّيل ما بين حنّك وتومبوس بأعلى الشّلاّل الثّالث جنوباً وحتى جبل دوشا ـ واوا شمالاً. وتمثّل المنطقة حدوداً ما بين سهول السّكوت النّيليّة شمالاً وسهول منطقة كرمة جنوباً، وذلك لتميّزها بالصّخور والتّربة الحجريّة، فضلاً عن الجبال والشّلاّلات والتي أكبرها شلاّل كجبار [ديفيد إدوارد وعلي عثمان، 1994: 3]. عند هذا الشّلاّل الثّالث يُزمع إقامة سدّ كجبار، نسبة للقرية المتاخمة التي تبعد عن دنقلا مسافة 111 كلم. وجاء اقتراح السّدّ أوائل التّسعينات ليصبح مشروعاً له هيئة اعتباريّة بحلول 1995م. عندها هاج النّوبيّون النّيليّون، وارتفع صوتهم محتجّين على فكرة السّدّ من حيث المبدأ. وقد ظلّلت موقفهم هذا ذكريات تهجير مواطني وادي حلفا منتصف السّتينيات لدى قيام السّدّ العالي بأسوان، وما صاحبها من إحساس بالمرارة والخذلان. وتبلورت هذه الاحتجاجات في تأسيس "اللجنة القوميّة لإنقاذ الإنسان والتّراث بالنّوبة السّودانيّة" التي تكوّنت في مصر، انطلاقاً من جمعيّة صاي بالقاهرة ومركز الدّراسات النّوبيّة، من بعض رموز العمل النّوبي الذين كان يقع أغلبهم تحت طائلة المعارضين السّياسيّين لنظام الحكم القائم بالسّودان، فضلاً عن أنّ أغلبهم كانوا ممّن قاتلوا وناضلوا بضراوة ضدّ تهجير أبناء حلفا في مطلع السّتينات. وقد قامت هذه اللجنة بجهود مقدّرة في مخاطبة الجهات الحكوميّة، والدّوليّة، ومنها جمهوريّة الصّين المشاركة في المشروع، ثمّ اليونسكو، فضلاً عن المؤسّسات الماليّة الدّوليّة التي أبدت استعدادها لتمويل مشروع السّدّ. من ذلك مخاطبتهم لرئيس مجلس الإدارة ببنك التّنمية الإسلامي بجدة بقولهم: "لقد راعنا أن يكون لمؤسّستكم دور في هذا المشروع الكارثة. والذي قوبل بالرّفض المطلق من أبناء المناطق المتضرّرة بقيام الخزان" [خطاب بتاريخ 12/11/1999م].
07-26-2007, 05:46 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
وبلغت قلّة الحيلة بهؤلاء المقاتلين القدامى حدّ التّعريض بمنافاة المؤسّسة الماليّة السّعوديّة لمبادئ الدّين الإسلامي (الحنيف)، وذلك في قولهم: "وفي هذا السّياق تبيّن لنا أنّ بعض البنوك الدّوليّة، والتي لا تستهدي في ممارستها بالدّين الإسلامي الحنيف، تقوم بالحفاظ على الموروثات الإنسانيّة، وتحرص على عدم التّعرّض لها بالإغراق أو الضّرر". وعليه فهم يأملون في أن تراجع المؤسّسة الماليّة موقفها مدفوعة بمقاصد الدّين الإسلامي الذي يزيّن اسمها. وفي الختام انتقوا لهم آيّةً قرآنيّة تذهب في معناها أنّه لا يضرّ مع اسم الله شيء ـ لا في الأرض ولا في السّماء. أي أنّهم معتصمون باسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء. ويكشف هذا عن المدى الذي ذهب إليه النّوبيّون في نضالهم المجيد من أجل الحفاظ على أوطانهم. وتعيدنا هذه الأحداث إلى سيناريو تهجير أهالي حلفا. إذ لم ينتفع النّوبيّون شيئاً من احتجاجاتهم الصّارخة ومظاهراتهم العارمة التي نظّموها أينما وجدوا على وجه المعمورة. فقد قام السّدّ وتمّ التّهجير. ومهما اتّبع المقاتلون القدامى من حيل، فإنّهم لن يبلغوا الشّأو الذي بلغه داؤود عبد اللطيف من حيث التّحايل والتّكسير من الدّاخل، وكان آنذاك مسئول الحكومة عن التّهجير [راجع بعض تفاصيل محاولاته لتعويق سير التّهجير في: مصطفى محمّد طاهر، 1996: 100-101]. ولكن كلّ ذلك باء بالفشل، وما ذلك إلاّ لسبب بسيط هو أنّ الحكومة ـ كما هو العهد بها ـ تملك القوّة الماديّة القسريّة، هذا دون أن نذكر شيئاً عن عصا القوّة الغاشمة الغليظة. عليه، مواجهة السّلطة تحتاج إلى سلطة موازية، هي في رأينا سلطة الجماهير المنظّمة، ذات الهدف الواضح، والإستراتيجيّة الأوضح، ثمّ التّكتيكات الفاعلة والنّاجزة، وهو ما سنأتي له لاحقاً. من جانب آخر يبدو كما لو أنّ للحكومات وجهة نظر موضوعيّة بشأن السّدود والخزّانات، ذلك أنّه طالما كانت هناك شلاّلات فإنّ إقامة الخزانات والسّدود عليها تصبح بديهة تنمويّة. ومنطقها هنا بسيط هو أنّه ليس خطأ الحكومات أنّ أغلب الشّلاّلات تقع في بلاد النّوبة ومناطق الحضارات القديمة. ولكن كلّ هذا يبقى بلا معنى إذا كانت الجدوى الاقتصاديّة والتّنمويّة من إقامة السّدود والخزّانات محلّ تساؤل وشكٍّ عطيمين، كما هو الحال في قضيّة كجبار، وباقي السّدود. وقد صدقت اللجنة القوميّة لإنقاذ الإنسان والتّراث النّوبي عندما ذكرت في مذكّرة مناشدتها للحكومة الصّينيّة "أن النّوبيّين لم ينكبوا في تاريخهم الطّويل والعريق مثل ما نكبوا في هذا القرن، إذ تعرّضت أراضيهم للإغراق أربع مرات كان أوّلها في 1902، وآخرها في عام 63/1964" [مذكّرة بتاريخ أكتوبر 1997] . وقد خلصت المذكّرة إلى أنّ ما لا يمكن أن تراه وتتصوّره "... هو أن يغرق ما تبقّى منه للمرّة الخامسة بقيام سدّ كجبار دونما مردود اقتصادي أو اجتماعي يذكر يستدعي التّضحية بالإنسان والإرث النّوبي ..." [المصدر السّابق]. وهكذا يمكن أن يتمخّض كلّ هذا الجهد النّبيل عن لا شيء، مثلما حدث في حالة حلفا القديمة، أي مجرّد فرفرة مذبوحين. ولكن المواجهة النّوبيّة الآن بخصوص كجبار تختلف نوعيّاً ـ على الأقلّ في جانب بعينه ـ عن المواجهة والمقاومة الخاصّة بحلفا، حسبما سيرد أدناه.
07-26-2007, 12:45 PM
abubakr
abubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044
شكرا ولياب ..كنت قد استلمت نفس الكتاب او تلحيص له وللاسف فقدته مع ملفات كثيرة .. في زحمة اشياء كثيرة لا يجب ان ننسي جلال ورفاقه الصامديين في زنازين المخابرات السودانية والتي هي فوق كل قوانين الارض في بلادنا التي يتبجح حكامها من انقلابيين ومن التحق بهم بان هنالك قضاء وعدالة... التضامن من اجل المطالبة باطلاق سراحهم واجب فقضيتهم ليست شخصية ولكن هي قضية السودان البلد المفجوع بابنائه من حكام
07-26-2007, 04:04 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
نعم ان لفي صمتنا الغير مبرر . فجيعة ووجيعة اعمق من ظلم السلطات . لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان في الوطن شرفاء .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان في الوطن احرار .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان فينا وبيننا من تعلم الدرس .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان فينا وبيننا من يرفض الظلم ..
07-26-2007, 08:35 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
في حالة السّدّ العالي كان منفّذ المشروع دولة أخرى (مصر) بموجب اتّفاق رسمي موقّع عليه مع حكومة السّودان. ولعلّ هذا الظّرف والعامل الواقعي هو ما دفع المثقّفين النّوبيّين إلى اتّخاذ بند التّعويضات مدخلاً للمناورة والمقاومة. وقد انتهت بهم هذه المقاربة إلى الانصراف عن البعد التّنموي للمسألة ككلّ؛ ذلك لأنّ التّعويضات، كما ذكرنا آنفاً، ضدّ ـ تنمويّة anti-developmental . فعندها عُوّض النّوبيّون لخسارة ممتلكاتهم وتضحياتهم، وذلك بعد التّشاور حول كيفيّة التّعويض، عيناً أم نقداً. وفي هذا وقع النّوبيّون عامّةً والصّفوة خاصّةً في الشّرك، فجاء تكتيكهم قائماً على المبالغة في قيمة التّعويض [حسن فهيم، 1972: 6]. وكان حسن دفع الله، معتمد حلفا آنذاك، قد ناقش مسألة التّعويضات وخلص إلى أنّها عادلة بكل المعايير [حسن دفع الله، 1975]. وفعلاً ربّما تكون هذه هي الحقيقة، طالما كانت تعويضات.
07-26-2007, 08:40 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
بخصوص هجرة النّوبيّين من حلفا، كان رأي داؤود عبد اللطيف أن يُرّحلوا إلى وادي الخَُوْي جنوب كُكّا [مصطفى محمّد طاهر، 1996: 90-94]. وكان هذا أقرب الآراء إلى الصّواب، بحكم أنّها منطقة نوبيّين. لكن فات على النّوبيّين وصفوتهم ـ منذ الشّروع في المباحثات بين مصر والسّودان ـ أن يقدّموا مقترحاتهم التّنمويّة غير القائمة على اجتثاث الجذور عبر عمليّة تهجير هي أقرب إلى النّفي. وحتى الآن لا يعلم أحد العامل الذي حال دون بقاء النّوبيّين على أراضيهم فوق الكنتور الذي تقف عنده المياه. لقد تمّ تفريغ بلاد النّوبة المتاخمة حدوديّاً بين البلدين، ومن ثمّ نفيهم في عمليّة يجمع عليها النّوبيّون على وصفها بالمأساة. وحتى الآن لم تندمل جراحات تلك التّجربة التي انسكبت دماً قانياً ملوّناً كلّ أغانيهم [محمّد عبد السّلام عبد المنان، 1996]. تُرى هل فعلاً لم يفكّر الذين خطّطوا لبناء السّدّ العالي لدى معالجتهم لمشكلة النّوبيّين المتأثّرين، في الإمكانات التّنمويّة الهائلة؟ فقيام بحيرة بضخامة بحيرة النّوبة فرصة ذهبيّة لأحلام التّنمية الورديّة كيما تتفتّق في كلّ لون وشكل. دع عنك الإمكانات الهائلة للتّنمية الزّراعيّة، بدالّة توفّر الماء والأرض، ولنأخذ إمكانات الزّراعة السّمكيّة وحدها؛ كيف يمكن أن تقوم صناعة كهذي دون قوّة بشريّة؟ إذ لا تنمية بلا قوّة بشريّة! ويبقى السّؤال التّالي لغزاً محيّراً: ما الذي حال دون بقاء النّوبيّين عند الكنتور 183 فأعلى، علماً بأنّ المياه لم تصل أبداً إلى الكنتور 182 وهو الكنتور المحدّد للبحيرة؟ ويزداد تعجّبنا عندما نعلم بأنّ السّلطات المسئولة عن تنفيذ سدّ مِرْوِي بأدنى منطقة المناصير قد اتّبعت الخطّة المصريّة القائمة على الإفراغ التّام للسّكّان من المنطقة المتأثّرة، وذلك بأسلوب وقع الحافر على الحافر. وتكاد لا تعرف دهشتنا الحدود عندما نعلم بأنّ نفس هذه الخطّة الجهنّميّة سوف تُتّبع لدى إقامة خزّان كجبار بالشّلال الثّالث، وبعده خزّان دال بالشّلال الثّاني، وبعده خزّان الشّريك بالشّلاّل الخامس بوسط منطقة الرّباطاب. .
07-26-2007, 08:43 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
والآن وردت الأنباء تُفيد بأنّ الحكومة المصريّة تعمل بجدٍّ بغرض إعمار وتأهيل المنطقة التي أفرغتها من السّكان، وذلك تحت غطاء ما يُعرف بمشروع توشكي. فمن الذين سيعمّرون تلك المنطقة: أهلها التّاريخيون، أم عموم المصريين؟ إذا كان الأوّل، فتفريغ المنطقة كان خطأ، وإذا كان الثّاني، فإنّه دليل على الاستهداف الثّقافي على المستوى الحكومي في مصر والسّودان للمجموعات الثّقافيّة غير العربيّة. هذا طبعاً دون أن نتعرّض لفقدان المفاوض السّوداني للحكمة والبصيرة، كأن يطالب مثلاً أن تعمّ خدمات السّدّ العالي ـ طاقةً وريّاً ـ كلّ المنطقة المتأثرة به. إذ إن طلباً كهذا يستند في الأساس على بقاء النّوبيّين في مواطنهم التّاريخيّة. وتبقى الحقيقة المرّة في أنّ النّظام المصري الآن ولمدى السّنوات الماضية قد قام بتهجير أعداد ضخمة من بدو صحراء سيناء (الذين اشتُبه في موالاتهم لإسرائيل طيلة سني احتلالها للمنطقة) والعديد من بطون قبائل الفلاّحين بالدّلتا، في المنطقة النّوبيّة المصريّة التي أُخلي منها أهلها النّوبيّون بقوّة السّلاح [راجع: محمّد جلال هاشم، 2006b بالإنكليزيّة]. ويبقى السّؤال الذي لم يكتب له المولى عزّ وجلّ أن يُجاب عليه حتّى الآن: لماذا الإفراغ التّام للمنطقة المتأثّرة من أهلها وسكّانها الذين يمكن أن يُستعان بهم في أيّ مشاريع تنمويّة مستقبليّة في البحيرة أو على ضفافها؟ هذا بافتراض أن التّفكير في مثل هذه المشاريع لم يدر على خلد الذين فكّروا في هذه السّدود .
07-27-2007, 02:12 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
الأنهار الإطمائيّة وعدم جدوى إقامة السّدود عليها 1/4
ولكن، يا سادتي، دعونا نتساءل عن جدوى إقامة الخزّانات من أصلها. فكما أشرنا من قبل، يذهب رأي الكثيرين، انطباعاً لا تحقّقاً، إلى أنّ إقامة الخزّانات والسّدود من البديهات التّنمويّة، ذلك لأنّها يمكن أن تُنتج الطّاقة اللازمة لأيّ عمليّة تنمويّة وصناعيّة. فبمجرّد الفراغ من بناء السّدّ، تصبح تكلفة توليد الطّاقة أقرب إلى المجّانيّة. هذا كلّه قد يكون صحيحاً، إلاّ أنّه ليس حكماً مطلقاً. والسّؤال الفرعي هنا هو: إلى متى يمكن أن يستمرّ هذا الحال؟ ويقودنا هذا السّؤال إلى مسألة الإطماء والرّسوبيّات السّنويّة. ففي نهر تبلغ كمّيّة الإطماء والرّسوبيّات السّنويّة فيه ما مقداره 181 مليون طن [حسب الدّراسة التي قامت بها الشّركة الكنديّة المكلّفة من قبل إدارة السّدّود (راجع التّحقيق الوارد في جريدة آخر لحظة، عدد 274، الثّلاثاء 1/5/2007م الموافق 13 ربيع الثّاني 1428هـ، الصّفحة 8]، تصبح مراجعة جدوى إقامة الخزّانات والسّدود أمراً أكثر من منطقي. وفي الحقيقة ما اعتمدته إدارة السّدود من أرقام بهذا الشّأن لا يخلو من أخطاء لا تجوز. فنسبة الإطماء في نهر النّيل الأزرق وحده تبلغ 170 مليون طنّ سنويّاً؛ وتبلغ نسبة الإطماء في نهر عطبرة فقط 60 مليون طنّ سنويّاً. عليه، نسبة الإطماء فيما بعد التقاء النّيل بنهر عطبرة تبلغ 230 مليون طنّ سنويّاً. وأرجو ألاّ يندهش القارئ إذا علم أنّ هذه النّسب مأخوذة استناداً إلى المعدّلات الدّنيا، وليس العليا؛ بمعنى آخر، يمكن لنسبة الإطماء أن تزيد في معدّلاتها العليا عن هذا بكثير، بل بدرجة قد لا يمكن للعلماء التّنبّؤ بها. عليه، لا يجوز اعتماد ما قالت به إدارة السّدود بهذا الشّأن، كما يجوز أن نتشكّك في علميّة بيوت الخبرة التي قدّمت هذه النّسب لإدارة السّدود.
07-27-2007, 02:15 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
الأنهار الإطمائيّة وعدم جدوى إقامة السّدود عليها 2/4
ليس هذا فحسب، بل إنّ نسب الإطماء المشار إليها أعلاه، تختصّ بكميّة الطّمي العائم في الماء، وليس الرّاكد في قاع البحيرة. فالطّمي الرّاكد لا توجد حتّى الآن أيّ دراسات علميّة عنه، وبالتّالي لا يمكن لأيّ عالم يحترم نفسه أن يُفتي فيه. ماذا يعني هذا؟ إنّه يعني، ببساطة ـ إن كانت في هذا الأمر بساطة ـ أنّ نسبة رسوب الطّمي في القاع، وهو الشّيئ الذي يعنينا هنا بالدّرجة الأولى، ممّا لا يمكن التّنبّؤ به. أي يمكن لبحيرة ما أن تمتلئ بالطّمي في مدّة قصيرة للغاية بعكس كلّ التّوقعّات. فهل يعلم القارئ الكريم أنّ كمّيّة الإطماء القاعي لبحيرة خزّان الرّوصيرص بلغت في التّسع أعوام الأولى ما نسبته 25%؟ لكن يا سادتي ماذا تعني هذه الأرقام المليونيّة؟ إنّها تعني ـ فيما يبدو أنّ الخبراء متّفقون عليه ـ أنّ إقامة أيّ خزّان أو سدّ على نهر النّيل، فيما بعد التقاء الأبيض والأزرق غير مجدية تنمويّاً، خاصّةً بعد التقاء النّيل بنهر عطبرة، وذلك نسبةً لمشكلة الإطماء. فحسبما يقول به خبراء مياه النّيل والرّي، تفقد هذه السّدود والخزّانات ما نسبته 30% من حجم المستودع المائي كلّ 20 عاماً. إذن في الأربعين عاماً التي هي عمر السّدّ العالي، تعني أنّه فقد ما مقدره 50% من سعته الاستيعابيّة على أقلّ تقدير، وهي نسبة أكثر من ضخمة من قدرته الاستيعابيّة. وكي نتصوّر المشكلة بصورة أفضل، علينا تذكير القرّاء أنّ الأربعين عاماً الأخيرة هذه كانت كافية لتحويل خزّان خشم القربة إلى دلتا رسوبيّة ضخمة لدرجة أنّ الخزّان فقد 80% من سعته الاستيعابيّة. أي أن خزّان خشم القربة لم يعد فقط صالحاً بالمرّة لتخزين الكمّيّة التي من أجلها بُني، بل سيصبح غير قادر لتخزين أيّ مياه بعد حوالي 20 عاماً من الآن. وما عانى منه خزّان خشم القربة، كانت نتيجته تأخير فقدان السّدّ العالي لما نسبته 15% إلى 20% من القدرة الاستيعابيّة. ولكن الآن بعد أن لم يعد خزّان خشم القربة قادراً على إمساك أيّ نسبة من الطّمي، أصبح مصير السّدّ العالي محسوباً بحوالي خمسة إلى سبعة عقود على أحسن الفروض والأحوال. عليه، الفشل يتهدّد أيضاً السّدّ العالي نفسه، ما لم تقام سدود أخرى بإمساك الطّمي عنه (وفي هذا نظر وتأمّل!).
07-27-2007, 02:19 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
الأنهار الإطمائيّة وعدم جدوى إقامة السّدود عليها 3/4
فإذا كان في مقدور السّودان أن يعيش بدون خزّان خشم القربة، فليس في مقدور مصر أن تعيش بغير السّدّ العالي. وإذا لم تتّخذ مصر الاحتياطات اللازمة، فلن يكون من المستبعد أن نشهد بعد مائة عام من الآن هذه السّدود، بما فيها السّدّ العالي، وقد جرت المقاولات والعطاءت لتدميرها. ولنتذكّر أنّها في النّهاية ليست سوى جدران سميكة القواعد، وبالتّالي يمكن أن يحيق بها ما حاق بجدار برلين. ولكن ماذا يمكن أن تفعله مصر بهذا الخصوص؟ أقصر الإجابات أن تسعى لبناء عدّة خزّانات وسدود إطمائيّة على النّيل بأعلى أسوان. أي أن تُقام العديد من السّدود والخزّانات داخل الأراضي السّودانيّة، ذلك لأنّ السّودان لا يزال يحتفظ بعدد خمسة شلاّلات صالحة لإقامة مثل هذه الخزّانات. فإذا علمنا بأنّ دولتنا السّنيّة قد شرعت بالفعل في بناء الخزّانات والسّدود بعدد أربعة شلاّلات (ذلك لأنّ خامس هذه الشّلالات، وهو شلاّل السّبلوقة السّادس، سينجم عنه غرق العاصمة إذا ما أقيم عليه سدّ)، جاز لنا أن نتساءل عمّا إذا كان ذلك إنقاذاً لمصر المؤمّنة، حتّى لو لم يجنِ منه السّودانيّون أيّ خيرٍ. وتزداد الدّهشة أكثر إذا علمنا أنّ هذه السّدود والخزّانات ستُقام من مال دافعي الضّرائب السّودانيّين وليس المصريّين. وعلى أيّ حال، نخلص من كلّ هذا بشيء جدّ خطير، ألا وهو عدم جدوى إقامة الخزّانات والسّدود على نهر النّيل، وانتفاء كون ذلك خياراً إستراتيجيّاً عند التّخطيط التّنموي. فمن الواضح أن المصريّين في ورطة كبيرة، ولا يعرفون لها حلاًّ. فعلى حدّ قول يحي عبد المجيد [1997: 189] عن وضع الزّراعة بمصر: انخفض إسهام الزّراعة في إجمالي النّاتج المحلّي من 33.3% عام 1955 إلى 20% عام 1990، كما انخفضت العمالة الزّراعيّة من 56% من السّكّان إلى 10% على مدى الفترة ذاتها [بالاستناد على ما ذكره أبو زيد وراضي، 1992]. ويصل معدّل الفاقد من الأراضي الزّراعيّة ـ بسبب تجريف التّربة وبناء المدن ـ إلى حوالي 12000 هكتار في السّنة. ولا تزال ثمّة فجوة كبيرة بين الأراضي المستصلحة والأراضي الزّراعيّة الأصليّة، بسبب القيود المفروضة على هجرة العمالة الزّراعيّة، كما أنّ هناك نسبة كبيرة من الأراضي لم تحقّق المستهدف من الإنتاج. وتعاني الأراضي القديمة في مصر بسبب الزّراعة المكثّفة والهبوط الواضح في الإنتاجيّة.
07-27-2007, 02:21 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
الأنهار الإطمائيّة وعدم جدوى إقامة السّدود عليها 4/4 كما أكّدت بريطانيا على لسان وزيرة خارجيّتها أنّ مصر مهدّدة بفقدان ما نسبته 80% من تدفّق النّيل [جريدة الحياة، عدد 1442، الإنين 14 مايو 2007م الموافق 26 ربيع الثّاني 1428هـ، الصّفحة الأولى]، وذلك بسبب التّغيّرات المناخيّة. وبالطّبع يدخل الإطماء في صلب هذه المشاكل. إذن المسألة واضحة! ولكن الأوضح من ذلك ممّا ينبغي لأيّ حكومة مسئولة أن تقول به، هو أنّنا في السّودان غير مسئولين عن حلّ مشاكل مصر بما لا يتّفق ومصلحة دافعي الضّرائب السّودانيّين. ولهذا يرى النّوبيّون أنّ رفض إقامة هذه السّدود، ومناهضة إقامتها، لا يجوز النّظر إليه إلاّ بوصفه عملاً وطنيّاً يتنافس عليه المناضلون. ليس ذلك فحسب، بل لا ينبغي أن يتمّ حصر القضيّة، لا في أهل كجبار ولا في النّوبيّين، بل ينبغي لكلّ وطني غيور أن ينبري بالأصالة عن نفسه، مدافعاً ومنافحاً عن مكتسبات الوطن المهدّد.
07-27-2007, 02:32 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
نعم، الإطماء مشكلة، لكن ماذا عن الكهرباء؟ - 1/4 نعم يحتاج السّودان إلى الكهرباء، مثله في ذلك كمثل أيّ دولة على وجه المعمورة. فهل يا تُرى يمكن لسدود إدارة السّدود أن تمدّنا بما نحتاج من كهرباء؟ ظلّت إدارة السّدود تُكرّر في كلّ مجلس ومقام أنّ كميّة الكهرباء الموّلدة من سدّ مِرْوِي ستبلغ 1200 ميغاواط، فهل هذا صحيح؟ وهل هذا ممّا يقول به العلم، أم أنّ المسألة لا تعدو كونها كلاماً سياسيّاً للاستهلاك؟ بناءً على عبدالله محمّد إبراهيم [1984: 11]، لا يمكن أن نحصل على أكثر من الكّميّات التّالية من الكهرباء من كلّ سدٍّ على حدة: 1. خزّان الرّوصيرص:ـــــــــــــــــ250 ميغاواط 2. خزّان سنّار ـــــــــــــــــــــ 30 ميغاواط 3. خزّان خشم القربةـــــــــــــــــ13 ميغاواط 4. خزّان جبل أولياـــــــــــــــــ30 ميغاواط 5. خزّان السّبلوقة (الشّلاّل السّادس ـ مقترح)ــــ120 ميغاواط 6. خزّان الشّريك (الشّلاّل الخامس ـ مقترح)ـــ250 ميغاواط 7. سدّ مِرْوِي (الشّلاّل الرّابع ـ تحت التّشييد)ـــ600 ميغاواط 8. سدّ كجبار (الشّلاّل الثّالث ـ مقترح)ــــــــــ500 ميغاواط 9. السّدّ العالي (الشّلاّل الأوّل)ــــــــــــــ2100 ميغاواط 10. خزّان أسوان (الشّلاّل الأوّل)ــــــــــ 345 ميغاواط
07-27-2007, 02:34 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(17) الفصل الثاني -من اجل السودان ..لا من اجل قرية
نعم، الإطماء مشكلة، لكن ماذا عن الكهرباء؟ - 2/4 في هذا نلاحظ نقاطاً جدّ خطيرة، فكلّ الكهرباء المتحصّل عليها في مصر والسّودان من السّدود المقامة على نهر النّيل الرّئيسي لا تزيد عن 3915 ميغاواط. أكثر من ذلك نلاحظ أنّ المعلومة التي قدّمتها إدارة السّدود بخصوص الكهرباء المتحصّل عليها من سدّ مِرْوِي لا تسندها الدّراسات العلميّة. فمجمل ما يمكن أن نحصل عليه من كهرباء لن يتجاوز ما مقداره 600 ميغاواط، أيّ نصف ما تشدّقت به أرقام إدارة السّدود. وكم وكم تقرّحت حناجر العلماء، مشيرين في مجالسهم وفي المنتديات ووسائط الإعلام (ومنهم العالم الدّولي يحي عبد المجيد) إلى أنّ كمّيّة المياه المفترض أن يحبسها سدّ مِرْوِي لن يكون في مقدورها أن تُنتج ما مقداره 1200 ميغاواط من الكهرباء. فمن أين يا تُرى تحصّلت إدارة السّدود على هذه الأرقام التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ ولكن إدارة السّدود بالغت عكسيّاً في مقدار الكهرباء التي ستتحصّل عليها من سدّ كجبار؛ إذ لم تَنِ تُكرّر أنّ الخزّان المفترى عليه سيُنتج ما مقداره 300 ميغاواط فقط؛ هذا بينما تُشير الدّراسات العلميّة أنّه يمكن أن يُنتج ما مقداره 500 ميغاواط. فلماذا هذه السّياسة الغريبة التي تقوم على الإظهار هناك والإخفاء هنا؟ بالطّبع لا نحتاج إلى كبير ذكاء، دع عنك الاحتياج إلى عبقريّة فذّة، كي نستنتج السّبب؛ فإنتاج ما مقداره 500 ميغاواط من الكهرباء من شأنه أن يُغرق المنطقة من كجبار صعوداً إلى النّصف الشّمال من جزيرة مقاصر قبالة مدينة دنقلا العرضي، أي عاصمة الإقليم الشّمالي. فإظهار معلومة كهذه من شأنه أن ينسف الاستقرار في الإقليم. فهل ما تقوم به الدّولة هنا، ممثّلة في إدارة السّدود، يمكن النّظر إليه باعتباره نوعاً من المخاتلة والمراوغة؟
(18) الفصل الثاني -من اجل السودان ..لا من اجل قرية
نعم، الإطماء مشكلة، لكن ماذا عن الكهرباء؟ - 3/4
ولكن كلّ هذا لا يُجيب عن سؤالنا الرّئيسي، وهو ماذا نفعل كيما نحصل على الكهرباء؟ بالطّبع بالتّوليد الحراري، أي بالبترول في بلد أعلن أنّه أصبح من أكبر مصدّري البترول؛ أو أن نلحق بركب الأمم فنقوم بتوليده من الطّاقة النّوويّة، فضلاً عن العديد من البدائل الصّديقة للبيئة (راجع الجزء الخاص بذلك في الفصل الثّالث أدناه). لكن، هل هذا يعنين يا سادتي، الاستغناء نهائيّاً عن فكرة توليد الطّاقة عبر السّدود النّيليّة؟ بالطّبع لا! فمع عدم جدوى إقامة السّدود والخزّانات أدنى النّهر، ثبتت جدوى إقامتها بأعلى النّهر، وعلى وجه الأخصّ أعلى النّيل الأزرق. فبحسب دراسة الجدوى التي قامت بها واحدة من أكبر بيوت الخبرة العالميّة في هذا الخصوص، وذلك بناءً على طلب من كلٌّ من إثيوبيا والسّودان ومصر [ألان بيتس وآخرون، 2007]، يمكن إقامة ثلاثة سدود ضخمة بأعلى الهضبة الإثيوبيّة على النّحو التّالي: 1. السّدّ الحدودي The Border Dam (فوق الحدود السّودانيّة/ الإثيوبيّة)، ويبلغ ارتفاعه 84.5 متراً، ويُنتج ما مقداره 1400 ميغاواط من الكهرباء. 2. سدّ مَنْدايا Mandaya Dam (داخل الحدود الإثيوبيّة)، ويبلغ ارتفاعه 164 متراً، ويُنتج ما مقداره1620 ميغاواط من الكهرباء. 3. سدّ مَبِيل Mabil Dam (داخل الحدود الإثيوبيّة)، ويبلغ ارتفاعه 113.6 متراً، وينتج ما مقداره 1200 ميغاواط من الكهرباء. وأوّل ما نلفت النّظر إليه أنّ هذه السّدود ستقوم بالشّراكة بين الدّول الثّلاث. فلماذا لا نسمع بها، مع أنّ هناك علماء سودانيّون قد شاركوا في إجراء الدّراسات، فضلاً عن أنّها قد تحمل لنا الخلاص من مشكلة بناء الخزّانات والسّدود هنا وهناك، هذه المشكلة المتطايرة التي أقضّت مضاجع أهلنا الآمنين بالقرى والنّجوع النّائية؟ ثمّ ما الغرض من بناء الخزّانات هنا وهناك إذا كانت هذه السّدود ستكفي هذه الدّول الثّلاث مجتمعة؟ ثمّ كيف بالله جاز لإدارة السّدود، وهي التي تعلم علم اليقين بأمر هذه السّدود الضّخمة داخل الحدود الأثيوبيّة، أن تزعم بأنّ خزّان أو سدّ مِرْوِي سوف ينتج ما مقداره 1200 ميغاواط متساوياً في ذلك مع سدّ مَبِيل المشار إليه أعلاه؟ وفي الحقيقة لا تعرف تساؤلاتنا المشروعة نهاية.
(19) الفصل الثاني -من اجل السودان ..لا من اجل قرية نعم، الإطماء مشكلة، لكن ماذا عن الكهرباء؟ - 4/4
ولكن ماذا عن مشكلة الإطماء في حال قيام هذه السّدود داخل الحدود الإثيوبيّة؟ نعم، سيكون هناك طمي، لكن نسبةً لعمق الوديان الجبليّة الشّاهقة التي ستشكّل جدار البحيرة، والتي قد تصل إلى أكثر من عمق 1000 متراً، أي بعمق كيلومتر كامل وأكثر، فإنّ المدّة الزّمنيّة التي سيستغرقها ترسّب الطّمي لن تقلّ عن 300 عام بأيّ حال من الأحوال، وليس مجرّد عدّة عقود كما في الخزّانات والسّدود المقامة أدنى نهر النّيل. ولا أعتقد أنّنا سنختلف في أنّ مدّة 300 سنة ذات جدوى اقتصاديّة وتنمويّة. ليس هذا فحسب، بل إحدى الفوائد التي سنجنيها هنا في السّودان تتمثّل في تطويل مدّة التّدفّق الفيضي لنهر النّيل الأزرق. فالتّدفّق الفيضي لهذا النّهر المتسارع الخطى لا تزيد عن ثلاثة أشهر في أحسن الأحوال محدثاً في بعضها حالات فيضانيّة كارثيّة جميعاً نعلم بها؛ أمّا في حال قيام هذه السّدود، فإنّ التّدفّق الفيضي سيمتدّ إلى تسعة شهور على أقلّ تقدير، وبانتظام فيضي لم يُعهد في هذا النّهر الجامح منذ أن جرى في الأزل. نعم سنعاني من قلّة، بل ربّما انعدام الطّمي من أمواهه الدّفّاقة بما قد يؤثّر سلباً في الكثير من أنماظ الزّراعة والحياة النّهريّة، لكنّك لا يمكن أن تنال الكهرباء دون تضحية ما. أخيراً، نُشير إلى أنّ هذه السّدود لن تتضرّر منها أيّ مستوطنات بشريّة ذات خطر، ذلك لأنّها ستُغرق أقلّ قدر من الأرض. فهي تعتمد على أسلوب التّخزين الرّأسي، نسبةً لشواهق الجبال التي ستوفّر جداراً طبيعيّاً للبحيرات المتمخّضة عنها.
في حال قيام السّدود، لم لا يمكن الاستقرار على ضفاف البحيرة؟ (1/2)
هذا السّؤال لا يختصّ فقط بحالة أهل حلفا، بل أيضاً بحالة أهلنا المناصير الذين وافقوا مبدئيّاً على إقامة السّدّ، ولكنّهم طالبوا بعدم النّزوح بعيداً عن ضفاف البحيرة، فكان أن حصلوا على عهدٍ من حكومة ولاية نهر النّيل التي يتبعون لها. ولكنّهم خُذلوا في ذلك المرّة تلو المرّة، فحكومتنا السّنيّة كما لو كانت تتّبع المثل القائل: "كلامُ الليل يمحوه النّهار". عليه، دعونا نتأمّل في السّؤال التّالي: ماذا عن جدوى استقرار المتّأثّرين بقيام أيّ خزّان حول البحيرة النّاجمة ـ خاصّةً أهلنا المناصير؟ بالطّبع هناك مشاكل تجابه أيّ مشروع من شأنه مباشرة الاستيطان بأيّ مكان. لكن ما هي المشاكل التي تُحيط باستيطان النّاس حول بحيرة صناعيّة لخزّانٍ ما؟ في هذا الشّأن، قامت الجهات الرّسميّة بإجراء الدّراسات التي يبدو أنّ من قاموا بها يتحلّون بالتّأهيل العلمي والمهني لذلك [راجع التّحقيق الوارد في جريدة آخر لحظة، عدد 274، الثّلاثاء 1/5/2007م الموافق 13 ربيع الثّاني 1428هـ، الصّفحة 8]. فماذا قالوا يا تُرى؟ قالوا إنّ المشكلة الأساسيّة التي تحول دون هذا الاستيطان هو الإطماء ـ كذا! أيّ أنّ نسبة 181 مليون طنّ سنويّاً من الطّمي والرّسوبيّات تُشكّل العقبة الأولى التي تحول دون استيطان النّاس حول البحيرة، دون أن يمثّل ذلك مشكلة بخصوص جدوى إقامة الخزّان أو السّدّ! هذه الرّسوبيّات لا تحوّل السّدّ ببحيرته إلى مجرّد دلتا ضخمة تصلح لزراعة أيّ شيء فحسب، بل تقتله، ومع ذلك لا تمثّل مشكلة في هذا الخصوص. ولكن، في المقابل، نفس هذا الطّمي والرّسوبيّات، التي من شأن تنميتها أن تكون هناك قوّة بشريّة كبيرة، تُمثّل مشكلة تحول دون استيطان نفس هذه القوّة البشريّة حول البحيرة. تصوّروا يا سادة، أنّ هذا ما قالت به بيوت الخبرة التي استشارتها الجهات الرّسميّة والمسئولة عن حماية حقوق المتأثّرين بقيام هذه السّدود.
07-27-2007, 11:15 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
في حال قيام السّدود، لم لا يمكن الاستقرار على ضفاف البحيرة؟ (2/2)
الأمر الثّاني الذي ذكرته بيوت الخبرة التي استشارتها الجهات الرّسميّة بخصوص استحالة استقرار النّاس حول البحيرة، كان مشكلة عدم استقرار منسوب المياه بالبحيرة، الأمر الذي يزيد من صعوبة الرّي والسّقيا، فضلاً عن عدم وجود أراضي كافية للزّراعة. وهذا قول يصعب على المرء تصديقه؛ فإذا كانت هذه هي فعلاً النتائج التي توصّلت لها بيوت الخبرة، فهي تجعل المرء يتشكّك إمّا في أهليتها المهنيّة، أو في نزاهتها. تُرى يا سادتي، بالقياس إلى التّكلفة الكلّيّة لبناء السّدّ نفسه، كم تبلغ تكلفة بناء التّرع وتركيب الطّلمبات لريّ حوض بيّوضة المتاخم للبحيرة، وذلك ريثما يفقد السّدّ نفسه جدواه بعد عدّة عقود من الآن ـ أي في حياة الكثير من المتأثّرين؟ ثمّ يا سادتي، ماذا عن جميع المستوطنات البشريّة التي قامت حول البحيرات الصّناعيّة في العالم؟ وما كنّا سنقوم بتوجيه مثل هذا السّؤال لو لم تحمل لنا الأنباء أنّ دولة مصر المؤَمّنة تقوم الآن بملء الفراغ السّكّاني حول بحيرة السّدّ العالي، وهو الفراغ الذي تسبّبت هي فيه بنفس هذه الذّرائع الواهية. ليس ذلك فحسب، بل حملت لنا رياح الأنباء أنّ مصر المحروسة تبني ميناءً دائماً (رغم تذبذب منسوب المياه) في حلفا. فكيف تسنّى لهم ذلك في بحيرة أكبر من بحيرة سدّ مِرْوِي، بينما لا يمكن لنا أن نقوم بذلك؟ ولماذا لم تقوم مصر بتشييد هذا الخزّان قبل أربعين عاماً؟ والمؤسف في كلّ هذا أن مصر تجتهد بجدّ لملء الفراغ السّكّاني في بحيرة النّوبة، لا بأهلها النّوبيّين الذين أُجبروا على إخلاء قراهم بحدّ السّيف، بل بملايين الفلاّحين المستجلبين من جهات بعيدة، مثل صحراء سيناء والدّلتا. وما يزيد في إيلامنا ـ نحن السّودانيّين ـ أنّ مصر ستقوم بملء الفراغ السّكّاني الذي اشترطته قبل أربعين عاماً، لا في أراضيها فحسب، بل في الأراضي السّودانيّة أيضاً [لمزيد من التّفصيل في هذا، أنظر أدناه في الفصلين الرّابع والخامس].
07-27-2007, 11:18 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
إن يكن قد فات على صفوة النّوبيّين السّودانيّين لدى مقاومتهم لإغراق حلفا القديمة، أن يُطالبوا ببقاء أهلهم على ضفاف البحيرة كشرط أساسي للموافقة على قيام السّد، فقد فات عليهم أيضاً أن ينتبهوا للإمكانات التّنمويّة الهائلة، لا للبحيرة فحيب، بل للحوض النّوبي، وهو الذي لم يكن يكلّف أكثر من رحلة غير شاقّة باللاندروفر. كلّ هذا فات على صفوة النّوبيّين، لكن لم يفت على البسطاء من أهل حلفا الذي مكثوا في أرض الأجداد متحدّين بذلك الحكومتين في مصر والسّودان. ولولا بقاء هذه الثّلّة الطّيّبة من القوم الأوّلين لما بقيت حلفا في الخريطة. وقد تمّ لهم هذا عبر سلسلة من المعاناة التي لم تنته فصولها حتّى الآن. فبصعود منسوب المياه ظلّوا هم أيضاً يصعدون إلى أعلى. ثمّ كان أن اكتشفوا أنّهم والمياه ليسوا وحدهم الصّاعدين؛ لقد كانت الثّعابين والعقارب وكل هوام الأرض تصعد معهم. ثمّ اكتشفوا شيئاً آخر تأذّوا منه كثيراً؛ لقد ترك المهاجرون خلفهم كلابهم، والتي تجمّعت زرافاتٍ ووحدانا وشرعت في مهاجمة النّاس والبهائم. وبعد أشهر طويلة من المعاناة خاضها هذا الشّعب المهجور، أحسّت الحكومة بعد ثورة أكتوبر بوخز الضّمير، فكان أن قامت بإعادة مدّ السّكك الحديديّة مرة أخرى بعدما كانت قد سحبتها من مدينة وادي حلفا. وهكذا بقيت حلفا، وكذلك بقيت المرارة في حلوق أهلها الذين مكثوا فيها، وهي مرارة يستحيل معها العيش بينهم دون تذوّقها. إنّها مرارة خذلان الحكومة وخذلان أهل السّكوت والمحس ودنقلا الذين واصلوا حياتهم العاديّة بعد غرق حلفا وكأنّ شيئاً لم يكن؛ ثمّ خذلان الأهل والأقارب الذين انكسروا وقبلوا بالهجرة. فالذين هاجروا فقدوا إحساسهم بعمق الاستمراريّة التّاريخيّة التي كانوا عليها، وأصبحوا كالمنبتّ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، بينما فقد الذين بقوا نفس الشّيء، وأكثر من ذلك فقدوا ثقتهم، أو كادوا، في باقي النّوبيّين، وآلوا على أنفسهم ألا ينعم واحد من هؤلاء بحلفا إذا قُدّر لها أن تزدهر. حتّى سُكنى البلد حُرّمت عليهم.
07-27-2007, 11:24 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
وأخيراً قنع الذين هاجروا من الغنيمة بالإياب، فلم يجدوا غير مشروع الاستعراب ينتظرهم في شتاتهم Diaspora في مدن السّودان. لقد أصبح النّوبيّون في حلفا الجديدة يحاربون غولاً اسمه شجرة المسكيت التي انتشرت كنبت شيطاني في كلّ بقعة أرض: في الحوّاشة، الشّارع، الحوش .. إلخ. وفي الحقّ، فقد وجد النّوبيّون أنفسهم ومنذ مجيئهم إلى البطانة، في بيئة غريبة عن ثقافتهم تماماً. لقد عاش مجتمع بأكمله خارج سياق ثقافته، أي في فراغ ثقافي. لهذا نرى أنّ أسباب فشل مشروع التّنمية الزّراعيّة بحلفا الجديدة ينبغي أن يُبحث عنها في العوامل الثّقافيّة. فقد توافرت أغلب الشّروط الماديّة للتنميّة بحلفا الجديدة، لكن غاب العامل الثّقافي فباء المشروع بالفشل والخسران. هذا ما كان من حال النّوبيّين في مسألة حلفا القديمة، فماذا تُرانا فاعلين في مسألة كجبار ودال والشّريك ومِرْوِي؟ بخصوص كجبار ومقاومة النّوبيّين لإقامة الخزّان منتصف تسعينات القرن العشرين، ذهبت اللجنة القوميّة لإنقاذ الإنسان والتّراث النّوبي (كنموذج لمؤسّسات المجتمع النّوبي العاملة في هذا المجال) إلى التّأكيد أنّ النّوبيّين في منطقة سدّ كجبار وغيرها، يرفضون قيام السّدّ فكرةً ومبدأ. وهذا صحيح، إلاّ أنّهم لم يقدموا بديلاً تنمويّاً، بالرّغم من الفعالية التّنمويّة الواعدّة التي إذا ما تبنّوها يكونوا قد أسّسوا لأنفسهم أرضيّة صلبة يقفون عليها في مناجزتهم لأنظمة الحكم "السّدوديّة" في السّودان. ذلك بدلاً من الاعتماد على لغة ولهجة آمرة في كلّ الخطابات دون أن تسندها في الواقع أي سلطة حقيقيّة يتمتع بها قائلها. فماذا تُرانا فاعلين؟ لنرَ!
ونــ24ــواصل ...... الفصل الثالث - مشروع النّهضة النّوبيّة
الى جماهير الشعب السودانى الصابرة بكل اتجاهاتها السياسية والعرقية,فى كل مكان فى العالم ترقبوا قريبا موقع شبكة SUDA TUBE السياسيه السودانية الاولى من نوعها حيث يمكنكم فى أى وقت ومن أى مكان كنتم أن تقولوا كل ماتريدون وتوجهوا أسئلتكم وارائكم بحرية كاملة بالصوت والصورة للمسؤلين فى السلطة والمعارضة. ياجماهير الشعب السودانى يجب أن يكون صوتكم عال ومسموع.عليكم أن تقوموا برفع فيديوهاتكم بمجرد الاعلان عن بدأ العمل بالموقع.يجب أن نسمع صوتنا عاليا وداويا لكل من تلاعب باولادنا وبناتنا واقتصادنا ومستقبلنا.لن نخاطبهم بالكتابة بعد اليوم بل سيسمعوا أصوات الملايين من كل اركان العالم.سيسمعوا ويروا الامنا ومطالبنا.سيسمعوا ويروا ماسينا وما ارتكبوه في حقنا من ظلم وهوان. هيا بنا أيها الاخوة والاخوات سجلوا شرائطكم وقولوا ماتريدون بكل قوة وحرية واستعدوا لبداية الموقع .الاخوة والاخوات السودانيون قى كل مكان يمكنكم عند بدأ العمل بالموقع أن ترفعوا تسجيلات الفيديو من الاماكن التالية:
يتكوّن هذا الحوض ممّا يُعرف باسم الصّحراء النّوبيّة، وتسمّى نوبيّة لأنّ نوع التّربة التي بها تسمّى ـ جيولوجيّاً ـ بالنّوبيّة. هي صحراء لأنّها غير عامرة، لكنّها ليست رمالاً كما قد توحي بذلك كلمة صحراء. أمّا طبوغرافيا هذه الرّقعة فمستوية، وتعتبر أرضاً بكراً عالية الخصوبة. وهذا الحوض عبارة عن مثلّث تمتدّ أضلاعه من حلفا، فدنقلا، فجبل عوينات، فحلفا مرّة أخرى. وباستخدام تكنولوجيا قوقل للأرض، مقرونة بزيارات ميدانيّة للحوض قام بها الباحث، يمكن تقريبيّاً تحديد الرّقعة التي تغطّيها المساحة الرئيسيّة التي يشغلها الحوض، والذي يقع بين خطّي الطّول N22:00:00/N20:00:00 ، بمسافة تبلغ 224 كلم من الجنوب باتّجاه الشّمال، إلى بين خطّي العرض E25:00:00/ E30:00:00، من الشّرق باتّجاه الغرب بمسافة تبلغ 280 كلم، لتعطينا ما مجمله مساحة 15 مليون فدّان تقريباً، قابلة للزّراعة بعد استصلاح يسير لعدد قليل منها، ما يعني أنّ هناك عدد 13 مليون فدّان على أقلّ تقدير لا تحتاج إلى أيّ استصلاح زراعي بالمرّة، أي يمكن أن يُشرع بالزّراعة فيها فوراً. هذا باعتبار مساحة المربّعين ونصف، فإذا أضفنا إلى ذلك الشّريط الزّراعي الموازي لدنقلا العجوز حتّى دنقلا العرضي، قد تزيد المساحة لتبلغ حوالي 18 مليون فدّان، منها 16 مليون فدّان صالحة للزّراعة على أقلّ تقدير.
07-28-2007, 10:20 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
ويوجد في هذا الحوض أكبر مستودع للمياه الجوفيّة في أفريقيا والشّرق الأوسط على الإطلاق. إذ "تبلغ سعة هذا الحوض حوالي 5500 مليون متر مكعب في حين أن جملة التّغذية [من النّيل ونهر عطبرة] في هذا الحوض تقدّر بحوالي 136 مليون متر مكعب. وتزيد هذه التّغذية إذا تمّ استغلال هذا المورد وبدأ في ضخّ المياه" [المنظّمة العربيّة للتنميّة الزّراعيّة، 1983]. وتقبع هذه المياه الجوفيّة الهائلة في أعماق لا تتجاوز الخمسين متراً بأيّ حال، بينما تنخفض حتّى 15 متراً. وقد "دلت التّحاليل الكيميائيّة للمياه المستخرجة من طبقات الرّسوبيّات النّوبيّة على جودة هذه المياه وعذوبيّتها وصلاحيّتها للاستعمال سواء كانت لشرب الإنسان والحيوان والاستعمالات المنزليّة أو للزراعة أو للصناعة" [المنظّمة العربيّة للتنميّة الزّراعيّة، 1990]. كما إنّ نسبة الأملاح الذّائبة مثاليّة، فضلاً عن عدم وجود مواد ضارة أخرى [المصدر السّابق]. ونشير إلى أنّ هذه المنطقة لم تُعرف في أدبيّات المنظّمة العربيّة إلاّ باسم "الصّحراء النّوبيّة"؛ أمّا الاسم الذي نتعامل به في أدبيّاتنا، وهو الذي ساد وانتشر استخدامه، وهو "مثلّث الحوض النّوبي" فهو ما افترعناه في دراستنا الأولى المشار إليها في الملحوظة الهامشيّة أعلاه. .
مشروع الحوض النوبي للتنمية الزراعية المتوسّعة -.- 1/3
هذه الأراضي الشّاسعة يمكن أن توزّع على الجمعيّات التّعاونيّة للنّوبيّين من دنقلا حتّى حلفا في شكل حيازات كبيرة. كما يمكن أن تمنح الأسرة الفرديّة ـ خاصّة المعدمة منها ـ عدّة فدادين لزراعتها كحيازات صغيرة. ويُمكن أن تخصّص زراعة هذه الأراضي للفواكه بأنواعها، فضلاً عن التّمور والموالح المحسّنة. كما يُمكن أن تصحب كلّ ذلك حركة تصنيع غذائيّة بمعايير ضبط جودة عالية للمنافسة في الأسواق العالميّة، ذلك لأن السّوق الأوروبّيّة ينبغي أن تكون الهدف الأوّل. هذا يستدعي إقامة المطارات، والسّكك الحديديّة والطّرق المعبّدة، فضلاً عن الجسور العديدة لتيسير التّنقّل من ضفّة إلى أخرى. أمّا التّصدير عبر مينائي بورسودان وسواكن فأغلب الظّنّ أنّه عالي التّكلفة لعدّة أسباب أوّلها تعبيد طريق مختصرة عبر الجبال التي تقع بين النّيل والبحر الأحمر، خاصّة وأنّ هذه الرّقعة خالية من المياه سطحيّة وجوفيّة. أمّا بخصوص التّصدير عبر مصر، فهذا أقرب إلى المستحيل إن لم نقل غير آمن. فمصر بلد زراعي يصدّر منتجاته إلى أوروبا، لذلك ليس من المتوقّع أن تساعد على خلق منافس لها. هذا دون أن نذكر شيئاً عن أطماعها التّوسّعيّة في السّودان عامّة ومثلّث الحوض النّوبي خاصّة. وتجمع الشراكة لمشروع الحوض النّوبي بين طرفين رئيسيّين: وطني ودولي. في جانبها الوطني تمثّل جماع الشّراكة حزمة الاتحادات الزراعية التعاونية بأقاليم النوبة النيلية الأربعة (دنقلا، المحس، السكوت، وحلفا). وفي هذا لا ينبغي أن نتساءل عمّا إذا كان هذا سينال رضى النّظام الحاكم ـ ديموقراطيّاً كان أو ديكتاتوريّاً؛ إذ هذا حقُّنا، وهو ما ينبغي أن نناضل، بل ونحارب من أجله. عليه، ينبغي أن يتوجّه نضالُنا لدفع الحكومة (أيّ حكومة)، لا لتعلن موافقتها فحسب، بل لتعطي ضمانتها للمستثمرين الدّوليّين. توزّع المساحة المزروعة بالأفدنة على كل إقليم، ومن ثم توزّع على كل قرية ممثلة في مشروعها الزراعي على أن توزّع هذه بدورها على مزارعي القرية ليقوموا بمهمة الزراعة والمتابعة والحصاد حتى مرحلة التعبئة وذلك تحت إشراف الهيئة العليا للإتحادات الزراعية التعاونية بالتنسيق مع الجهات الممولة، أي الطّرف الدّولي والذي تقوم فيه الشّراكة بجمع حزمة من شركات السيوبرماركت بأوربا (بين العديد منها، يمكن أن نتمثّل بالمحال الآتية: تيسكو TESCO، سينزبري Sainsbury، ماركس آند سبنسر MARKS & SPENCERS، كو أوب CO OP إلخ) بضمانة الاتّحاد الأوربي ضمن حملة رفع الفقر عن أفريقيا. .
07-28-2007, 10:28 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
مشروع الحوض النوبي للتنمية الزراعية المتوسّعة -.- 2/3
هذا فيما يخصّ مساحة الحوض النّوبي، وهي زراعة لا تحتاج إلى رعاية يوميّة، مثل الحبوب والخضروات. إذ يمكن للمزارعين أن يشرفوا عليها من على البعد وهم في قراهم على النّيل. أمّا في موعد الحصاد، فيمكن أن تقوم شركات خاصّة أو عامة باستجلاب عمّل اللقيط الموسميّين. أمّا فيما يخصّ الحيازات الصّغيرة على الشّريط النّيلي، فيمكن استثمارها في زراعة الخضروات (البصل الأخضر، الجرجير، الخيار، البقدونس، الشّمار، الفلفل الأخضر ... إلخ)، لنفس شركات السّيوبرماركت المشار إليها أعلاه. فمثل هذه الزّراعة تحتاج إلى رعاية يوميّة، ويمكن أن تنشأ على أساس المحميّات البلاستيكيّة، وأن تقوم على أساس الزّراعة العضويّة Organic لزيادة قوّة منافستها عالميّاً. بهذا، يتحرّر مزارعونا من مشاكل زراعة القمح وباقي الحبوب، التي سيكون من الميسور استجلابها من الخرطوم، أو حتّى من الخارج طالما كانت هناك ثروة تُتيح قدراً ميسوراً من الرّفاهيّة والنّماء. بخصوص التّصدير، لا شكّ أنّ أفضل وسيلة هي الطّائرات، خاصّةً وأننا سنتعامل مع تصدير الفاكهة لأسواق العالم الأوّل. حتّى يتمّ هذا، يمكن أن تُعقد البروتوكولات مع ليبيا لترتيب التّصدير عبر ميناء بنغازي على البحر الأبيض المتوسّط للاتّجاه مباشرةً إلى أوروبا. ففضلاً عن عدم كونها بلداً زراعيّاً يخشى المنافسة، فإنّ مثل هذا البروتوكول يمكن أن يشكل لها تدفّقاً مستمراً للمواد الغذائيّة الطّازجة، وهذا أمر هي في حاجّة له. وبخصوص التّصدير عن مصر، فهذا دونه خرط القتاد؛ فمصر جانباً عن كونها بلداً زراعيّاً يمكن أن يثشكّل لها مثل هذا المشروع منافسة حرجة، لها أطماع في الحوض النّوبي، حيث تنظر له باعتباره العمق الإستراتيجي لامتصاص أزماتها الزّراعيّة والسّكانيّة (أنظر أدناه). .
07-28-2007, 10:30 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
مشروع الحوض النوبي للتنمية الزراعية المتوسّعة -.- 3/3
أمّا بخصوص الطّاقة للمشاريع التّعاونيّة الكبيرة، فتحتمل المسألة عدّة حلول: بالتّوليد الحراري في بلد أعلن أنّه أصبح مصدّراً للبترول، أو بوسائل الطّاقة المتجدّدة من شمس وطواحين هواء. كما يمكن أن تشمل البروتوكولات مع ليبيا استيراد الوقود أيضاً. أمّا بالنّسبة للحيازات الصّغيرة على النّيل، فيمكن ضخّ المياه وإنتاج الطّاقة معاً وفي آنٍ واحد بالدّمج ما بين التّكنولوجيا الحديثة (طلمبة الماء والدّينمو المولّد للكهرباء) والتّكنولوجيا الشّعبيّة ممثّلة في السّاقية. وقد تمّ وضع الدّراسات الأوّليّة لجدوى هذا المشروع، والذي يتمثّل في منظومة تروس تضاعفيّة مصنوعة من الأخشاب كتلك التي كانت تدور بها السّاقية، على أن تُدار بدورها بدولاب يتمّ تركيبه على أكتاف خشبيّة توضع متعارضة على مركبين خشبيّين ـ هذا من قبيل تطوير تكنولوجيا السّاقية. هذا النّظام ليس مجرّد أضغاث أحلام، بل أمر واقعي؛ فأوروبّا بأنهارها التي في أغلبها لا تزيد عن جداول تصريف مياه الخريف عندنا، تعمل بمثل هذه السّواقي التي يُطلقون عليها اسم الطّاحونة، مائيّةً كانت Watermill، أم هوائيّة Windmill. إذن لا داعي أبداً لمسألة السّدود التي استشرى أمرها بشكلٍ استراب منه الكثيرون. بهذا يمكن أن نطلب من النّوبيّين الذين هجروا أوطانهم ـ ليس أهالي حلفا المهجّرين فقط ـ العودة إلى أرض الأجداد لصنع الحضارة والرّفاهيّة مرة أخرى. وبهذا يمكن أن تنهض تنمية زراعيّة عالية الجودة والإنتاج بالحيازات النّيليّة الضّيّقة من ملكال بأعلى النّيل الأبيض والرّوصيرص بأعلى النّيل الأزرق، نزولاً إلى حدود بحيرة النّوبة حيث يكاد يتوقّف التّيّار. وعندها أيضاً تبدأ التّنمية عبر الزّراعة السّمكيّة المتوسّعة، فضلاً عن مشروع تنمية الحوض النّوبي، غرب النّيل. .
07-29-2007, 01:32 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
كما ذكرنا ينبغي أن تكون التّنمية الاقتصاديّة متلازمة مع التّنمية الثّقافيّة، ليكوّنا معاً مشروع النّهضة النّوبيّة، وذلك في إطار وطني يستهدي بمصالح السّودان. عليه، في جانب الثّقافة، يبنغي العمل على تطوير اللغتين النّوبيّتين بالشّريط النّيلي (المحسيّة والدنقلاويّة ـ الكنزيّة) كيما تصبحا لغة تعليم في المراحل الأوّليّة، ومن ثمّ الصّعود بها إلى أعلى، هذا دون إغفال للغة العربيّة والإنكليزيّة. ويبدأ هذا بالطّبع بإدخال اللغة النّوبيّة كمادة دراسيّة عاديّة، ثمّ بعد ذلك تتحول إلى وسيط تعليمي. لكن لا مناص من اتّخاذها وسيطاً تعليميّاً في مرحلة ما قبل الأساس وفي سنتي الأساس الأوّليّتين حسبما دعت إلى ذلك اليونسكو [اليونسكو، 1988]. وتستدعي كلّ هذه العمليّة النّهضويّة تحريك مجمل أجناس الفولكلور النّوبي، ذلك لأنّ اللغة تدرّس عبر آدابها من حكاية، أساطير، تاريخ، غناء، أحاجي، ألغاز ... إلخ. هذا نوع من الشّغل تحكمه العلميّة والتّأنّي والصّبر [للمزيد من التّفاصيل حول كيفيّة مقاربة إحياء التّراث النّوبي يمكن مراجعة: محمّد جلال هاشم، 1997]. لإنجاز هذا يتوجّب رصد الميزانيّات المطلوبة مع توفير الكادر البشري المؤهّل؛ كلّ ذلك من الضّرائب المتحصّل عليها من عائدات هذه المشاريع. هذا يعني أن يتمّ تخطيط الجانب التّنموي مع الجانب الثّقافي في عمليّة مركبة واحدة دون فصل بينهما. ويجعل هذا التّخطيط التّنموي تخطيطاً ثقافيّاً معنيّاً بكلّ أدوات ومؤسّسات الثّقافة والوسائط المعرفيّة الأخرى من وسائل اتّصال جماهيري، ومسرح ومهرجانات. بهذا يمكن أن نتوقّع من النّوبيّين أن يلعبوا دوراً تاريخيّاً في رفعة بلادهم، وهو دور هم حقيقون به مسنودين بكلّ إرثهم الحضاري التّليد. .
07-29-2007, 01:38 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
للمرء أن يُعجب كيف ذُهِل مُتعلّمةُ وصفوة النّوبيّين عن إدراك الفاعليّات التّنمويّة الهائلة لمثلّث الحوض النّوبي الذي كان يمكن أن يسع النّوبيّين المتأثرين بالسّدّ بمصر والسّودان على السّواء. فتلك الصّفوة لم يكن يعوزها العلم اللازم، إذ حازته عبر أعلى مؤسّسة تعليميّة آنذاك؛ كما لم تكن تعوزها السّلطة، إذ كان لها وجود مكثّف على قمّة الهرم الإداري والحكومي آنذاك. لكن يزول العجب إذا علمنا أنّ تلك الصّفوة كانت في الواقع رأس الرّمح في استعراب النّوبيّين. لقد حكمت ميكانيزمات التّمركز والتّهميش على كلّ أبناء وبنات الهامش السّوداني هجران الأهل والأوطان والرّحيل إلى وسط السّودان إذا ما أرادت أن تنال حظّاً عالياً من التّعليم والاستوظاف. في هذا الإطار كان وسط السّودان الذي تسود فيه الثّقافة العربيّة هو المسرح الذي جرت عليه عمليّة التّمركز. هذا لا يعني بالضّرورة أن أهل وسط السّودان هم الذين مارسوا التّمركز والتّهميش؛ فالمركز هو مركز سلطوي والهامش هو هامش سلطوي [لمزيد من التّفاصيل حول ذلك، راجع: محمّد جلال هاشم، منهج التّحليل الثّقافي، ط 5. قيد الطّبع]. قد نجد إنساناً ينتمي ثقافيّاً إلى مناطق الهامش، لكنه ينتمي أيديولوجيّاً إلى المركز، والعكس صحيح أيضاً. ويكمن مصدر اللبس في أنّ عمليّة التّمركز قد تمّ تسويقها أيديولوجيّاً عبر الأجندة الثّقافيّة لوسط السّودان المستعرب. .
07-29-2007, 01:40 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
بخلاف مرحلة الطّفولة والصّبا والزّيارات المتقطّعة أو الموسميّة، عاشت تلك الصّفوة النّوبيّة كلّ حياتها، طيلة سنيّ الدّراسة والعمل، بوسط السّودان بعيدة عن أهلها وأوطانها. وبذلك دشّنت، عن وعيٍ وإرادة من بعضها وعن اتّباعٍ من البعض الآخر، مشروع حداثتها الذي يمرّ عبر بوّابة استعراب النّوبيّين. فمع أنّ تلك الصّفوة عُرفت بالتزامها تجاه قضايا أهلها والدفاع عنها من مواقعهم بالدّواوين الحكوميّة وأروقة الحكم والسّلطة، إلاّ أنّها كانت تعوزها أي رؤيّة فكريّة متعلّقة بالمشروع الثّقافي النّوبي والذي يتمثّل أساساً في المحافظة على اللغة النّوبيّة لينطلق منها نحو الجوانب الثّقافيّة مجملاً. وجماع هذا الوعي الأيديولوجي يتمّ تكثيفه بإسقاطه على الأرض، وهنا يكتمل للهويّة نضجها لتتحوّل إلى مشروع واضح المعالم مطلبيّاً. كان كلّ هذا يعوز تلك الصّفوة. فبالرّغم من أنّ اللغة النّوبيّة كانت لغة الأمّ بالنّسبة لتلك الصّفوة نساءً ورجالاً، نشأ أبناؤها على العربيّة دون النّوبيّة، أي نشأوا على الاستعراب، مع كثيرٍ من التّحامي والتّجافي للغة النّوبيّة إن لم يكن لأهلهم القرويّين أيضاً. وهذا هو مردّ ذلك التّوتّر الذي شاب العلاقة بين الشّباب النّوبي القروي (أي الذي نشأ في القرية على اللغة النّوبيّة) وبين الشّباب النّوبي المتمدين (أي الذي نشأ في المدينة على اللغة العربيّة) وذلك عندما قدم الأوّل إلى المدينة لمواصلة تعليمه فلم يجد غير منازل تلك الصّفوة مسكناً ومزاراً، ريثما يتمّ استيعابه هو نفسه داخل المشروع الاستعرابي وذلك عندما يتزوّج وينجب. واليوم عندما نجد أطفالنا ينشأون على العربيّة في قرانا النّوبيّة ذلك لتعمّد آبائهم وأمهّاتهم تحاشي وتحامي اللغة النّوبيّة، فإنّ هذا هو مشروع الاستعراب الذي رادته تلك الصّفوة. وللمرء أن يتساءل، تُرى كيف سيتمكّن النّوبيّون من اجتياز المفازة، مفازة التّهميش والاستهداف، دون أن يستصحبوا معهم تراثهم ولغتهم؟ ليس هذا فحسب، بل كيف يمكن أن يكسبوا المعركة دون أن يُقيموا تحالفاً راشداً وقويّاً مع القوى التي تخوض نفس المعركة، لكن من جبهات أخرى جغرافيّاً وجيبوليتيكيّاً؟ ثمّ هل فعلاً تهيّأ النّوبيّون لخوض هذه المعركة بوصفهم إحدى مجموعات الهامش؟ دعونا نتساءل إلى أيّ مدى تورّط النّوبيّون في ماكينة التّحامل والتي تُعتبر أحد أقوى الأسلحة النّفسيّة لا لخلق التّهميش فحسب، بل لتكريسه؟ فالنّوبيّون، أدركوا ذلك أم لم يُدركوا، قد أولوا وجوههم صوب سكّة االنّضال، وعلم الله هي سكّةٌ غير شارعة ولا سالكة.
إنّ ما يبدو في ظاهره تداعياً تنمويّاً في بلاد النّوبة هو في الواقع تداعي ثقافي يقوم شغله الأساسي على تفكيك البنيان الاجتماعي عبر محق الهويّة، وبالتّالي جعل المجتمع يعيش في حالة من اللاتوازن والفراغ الذي يتمّ ملؤه بأدوات ثقافيّة وافدة إلى المجتمع. ويكون ناتج هذه العمليّة تحوّل المجتمع من الثّقافة النّوبيّة إلى ثقافة أخرى مهيمنة. وهيمنة الثّقافة "الأخرى" هذه تكمن في الواقع في استحوازها على مؤسّسة السّلطة والدّولة. لذلك في إنفاذها لمشروعها الأيديولوجي هذا، تستعين الثّقافة المهيمنة بمؤسّسات الدّولة من قضاء وبوليس ومؤسّسات خدميّة وتعليميّة، فضلاً عن وسائل الإعلام الجماهيري. استمرّت هذه العمليّة في شغلها هذا لقرون، كما نجحت في مسعاها هذا إلى حدٍّ كبير في العديد من مناطق السّودان، خاصّةً في وسطه. إلاّ أنّ الأطراف السّوانوأفريقيّة المهمّشة ظلّت تقاوم هذا المشروع بضراوة بلغت حدّ الحرب الأهليّة. إذن، هذا المشروع أصبح الآن من غير الممكن إنفاذه، ذلك لأنّ مجموعات الهامش ـ بحكم روح العصر ـ قد اكتسبت وعياً مستقلاًّ بهويّتها الثّقافيّة وبحقّها في النّهوض والنّماء عبر ثقافاتها. ويجعل هذا مقاربة أمر التّنمية بين هذه المجموعات الثّقافيّة محكوماً في مجمله بالمحرّكات الثّقافيّة نفسها. فهي إمّا أن تنهض عبر ثقافاتها، أو أن تغرق في دوّامة من صراعات التّفكيك الاجتماعي اللولبيّة، والتي أفضنا فيها أعلاه. وتبديد الجهد والزّمن هذا من الصّعب تعويضه في زمن متسارع الوتائر كما هو الحال في القرن الحادي والعشرين. وهذا ما يجعل من مسألة مقاربة التّنمية لهذه المجموعات عبر ثقافاتها ضرورة يحتّمها الواقع المعاش. فهذا الواقع الملحّ يوجّه رسالة واضحة للثّقافة المهيمنة كيما توازن أيديولوجيّاً مع الثّقافات الأخرى وذلك كيما تبقى هي نفسها. فإمّا هذا أو الطّوفان.
07-29-2007, 01:47 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
تساوق التّداعي التّنموي والتّداعي الثّقافي-0-2/3 ربّما يرى البعض أنّه من الخطأ الفادح أن نختزل كلّ سوءات الهيمنة الثّقافيّة والاقتصاديّ في نظام حكم بعينه كلّ عمره لم يتجاوز العقدين من الزّمان. ولكن، في المقابل نرى أنّه من الأدعى للعقلانيّة والحقّانيّة أن نواجه الواقع، ونعترف به كمعطى بغية تغييره وفق مبادئ الحرّيّة والعدل والسّلام. ويدعونا هذا التّوجّه للنظر إلى عمليّة الأسلمة والاستعراب في سياقها الأيديولوجي الاجتماعي على أنّها ظلّت تحكم مسرح الحراك الثّقافي والاجتماعي والديموغرافي لقرون خلت، وأنّ ما يحدث اليوم، وإن كان حلقة من مسلسل طويل، إلاّ أنّه يمثّل آخر المنحدر، ألا وهو نشوب الحرب الأهليّة التي ربّما ظلّت ساقيتها تدور وتدور في خفاء لسنين خلت، بل ربّما لقرون. واليوم آن لهذه السّاقية أن تقف، إذ ما عادت تروي غير خشبها وحطبها؛ عليه لا بدّ من تفكيكها. لقد دخل السّودان منذ استقلاله وحتّى الآن فى متوالية عدديّة من الفشل. فكلّ نظام حكم كان أفشل من سابقه ديمقراطيّاً كان أم عسكريّاً. وكان القاسم المشترك الأعظم لهذه الأنظمة ـ ولا يزال ـ هو عمليّة الأسلمة والاستعراب [لمزيد من التّفاصيل، راجع: محمّد جلال هاشم، منهج التّحليل الثّقافي، ط 5، قيد الطّبع]. عليه، هذا الفشل هو فى الواقع فشل ثقافى؛ إنّه فشل مشروع الأحاديّة الثّقافيّة فى إدارة أزمات بلد متعدّد الثّقافات.
07-29-2007, 01:53 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
تساوق التّداعي التّنموي والتّداعي الثّقافي-0-3/3 وبما أنّ الثّقافة التي هيمنت على الحراك الثّقافي والاجتماعي والاقتصادي والسّياسي عبر الخمسة قرون الماضية كانت الثّقافة العربيّة الإسلاميّة، وبما أنّ مشروع الأحاديّة القائم على الأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة ظلّ يستمدّ مشروعيّته من هاتين الثّقافتين (الإسلاميّة والعربيّة) الكريمتين، فإنّ احتمالات أن يُزجّ بهما في هذا الصّراع تبقى عالية من كلا طرفي الصّراع، المركز والهامش. والأمر كهذا، يبقى على حملة الثّقافة العربيّة الإسلاميّة دور كبير، بل ورئيسي في تنزيههما من هكذا تبعة. وهذا ما نحن بصدده في دراستنا هذه. فبوصفي نوبيّاً، أو بجاويّاً، أو دينكاويّاً، أنظر إلى الثّقافة العربيّة (ليس بالضّرورة العروبة) والإسلاميّة (ليس بالضّرورة تيّاراً أو مذهباً دينيّاً بعينه) باعتبارهما كسباً حضاريّاً عليّ أن أقاتل في سبيل ألاّ أخسرهما. هذا مع كامل التزامي تجاه ثقافتي النّوبيّة ولغتي النّوبيّة. فالمرء الذي ينتمي لثقافتين يجد نفسه في وضع أفضل من ذلك الذي ينتمي إلى ثقافة واحدة؛ والمرء الذي ينتمي إلى ثلاثة ثقافات فما فوق، يجد نفسه أفضل من ذلك الذي ينتمي إلى ثقافتين فقط. كما إنّ الدّماغ الذي يتكلّم لغتين يعمل بطريقة أفضل من ذلك الذي يتكلّم لغةً واحدة فقط؛ والدّماغ الذي يتكلّم بأكثر من لغتين يعمل بطريقة أفضل من ذلك الذي يتكلّم لغتين فقط ... وهكذا دواليك. نــــواصل - الفصل الرّابع- الحوض النّوبي بين تفريط السّودان وأطماع مصر
07-29-2007, 02:11 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
وقبل ان نواصل لنا ان نذكر المتابعين بان الباحث د. محمد جلال هاشم ما زال في معتقله .....
Quote: فلنتضامن من اجل المطالبة باطلاق سراح المعتقلين
ففي صمتنا الغير مبرر . فجيعة ووجيعة اعمق من ظلم السلطات . لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان في الوطن شرفاء .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان في الوطن احرار .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان فينا وبيننا من تعلم الدرس .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان فينا وبيننا من يرفض الظلم ..
07-29-2007, 04:06 AM
Imad Khalifa
Imad Khalifa
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 4394
Quote: ففي صمتنا الغير مبرر . فجيعة ووجيعة اعمق من ظلم السلطات . لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان في الوطن شرفاء .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان في الوطن احرار .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان فينا وبيننا من تعلم الدرس .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان فينا وبيننا من يرفض الظلم ..
ولنكثف الحملات لمحاصرة النظام المتهالك لاطلاق سراح الشرفاء.
07-29-2007, 04:58 AM
حمزاوي
حمزاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2002
مجموع المشاركات: 11622
الاخ welyab واصل الطرح ونحن نطالع واتمنى ان تستطيع وضع البحث كله ان كان متوفرا لك فى ملفات مطبوعة جاهزة لنزيد من علمنا قليلا والله يفك اسره هذا الرجل الوطن
07-30-2007, 10:51 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
الشكر موصول للجميع ولضعف امكانياتي الفنية وعدم معرفتي في طريقة اضافة كامل الملف وسوف اواصل نقل المذكرة بهذه الشكلية وعلى استعداد تام بارساله عبر البريد لمن يرغب او مطبوعا (مسحوب على ورق) زيادة في نشر ما اعتقل من اجله هذا المناضل البطل !! بريدي [email protected]
07-30-2007, 11:08 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
في هذا الجزء سنقوم بتبيان كيف يمكن للأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة أن تنسف الاستقرار لتحرق به السّودان، إذا ما تُرك لها الحبل على الغارب. ونسف الاستقرار في السّودان سيكون المتضرّر الأكبر منه الثّقافة العربيّة الإسلاميّة، باعتبار أنّ منسوبيها يملكون ما يخسرونه. فلأمرٍ ما بدأ حمل السّلاح ضدّ الدّولة المركزيّة (أيّ الإسلاموعروبيّة) أوّل ما بدأ من قبل أناسٍ يمكن وصفهم بالمجموعات السّودانوأفريقيّة، أي أولئك الذي ينتمون إلى ثقافات أخرى غير العربيّة والإسلاميّة، حتّى لو استصحبوهما معهم، كالأنقسنا وجبال النّوبة، ثمّ البجا والفور والآن النّوبيّون، ثمّ من قبل ذلك جميعاً أغلب مجموعات الجنوب.
07-31-2007, 01:22 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
يقول السّودانيّون عن مارس إنّه شهر الكوارث. وحقّاً كان شهر مارس من عام 2004م عامراً بالأنباء الكارثيّة بالنّسبة للنّوبيّين بوجه خاص، وذلك في سلسلة الكوارث اليوميّة التي ظلّ عموم أهل السّودان يُبتلون بها، كفّارة ذنبٍ و"فطّاسة" روح. وفي الحقِّ، كأن حكم المولى الرّحيم ألاّ ينصلح الحال بين النّظام الحاكم بمصر ونظيره السّوداني إلاّ وتنفلق حبّةُ ذلك عن شرٍّ مستطير لا يقع رُزؤه أوّل ما يقع إلاّ على النّوبيّين. فقد أوردت جريدة الرّأي العام [عدد 2347، الخميس 13 محرّم 1425هـ الموافق 4 مارس 2004]، وبالتّرتيب مع جريدة الأهرام (أي أن يُنشر المقال المعني منزامناً في الصّحيفتين) مقالاً خبريّاً لمحمود مراد (وهو مصري ولنتذكّر اسمه لأنّنا سوف نتوقّف عنده فيما بعد) بعنوان: "حوار مع وزير الإعلام السّوداني: الزّهاوي إبراهيم مالك: خطاب إعلامي مصري سوداني جديد لتعميق التّكامل". ورد في المقال الخبري ما يلي: قال الزّهاوي مالك وزير الإعلام والاتّصالات في السّودان إنّ زيارته التي تمّت إلى القاهرة منذ أيّام كانت مثمرة جدّاً وقد التقى خلالها بالدّكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء، والسّيّد صفوت الشّريف وزير الإعلام الأمين العام للحزب الوطني، والسّيّد أحمد ماهر وزير الخارجيّة، وعدد من المسئولين، كما التقى بالسّيّد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدّول العربيّة، وزار المؤسّسات الصّحفيّة وهيئة الاستعلامات ومدينة الإنتاج الإعلامي، وأكّد أنّه قد تمّ الاتّفاق مع المسئولين المصريّين على خظاب إعلامي جديد، مشترك بين مصر والسّودان، لترسيخ وتعميق فكرة التّكامل بين البلدين. إذن فكلّ هؤلاء المسئولين، بدءاً من رئيس مجلس الوزراء انتهاءً بالأمين العام لجامعة الدّول العربيّة، لإرساء خطاب إعلامي جديد بين مصر والسّودان، وذلك تكريساً للتّكامل بين البلدين بما يعود بالفائدة لكلا الشّعبين. ويواصل المقال: وقال الوزير في حوار خاص مع الأهرام إنّ نتائج الاتّفاقات التي تمّت سيبدأ تنفيذها خلال أيّام ومنها تدريب الكوادر الإعلاميّة السّودانيّة من الصّحافة والإذاعة والتّلفزيون بكافّة أفرعها في القاهرة حيث تتوافر الإمكانات الكبيرة والخبرات البشريّة والتّقنيّة الحديثة سواء في المؤسّسات الصّحفيّة والإعلاميّة أو في الأكاديميّات والمعاهد العلميّة. كذلك تمّ الاتّفاق على تدعيم أكاديميّة السّودان لعلوم الاتّصال بخبراء إعلاميّين مصريّين عن طريق المنتدى المصري السّوداني الذي يُعدّ هو الآخر إنجازاً مهمّاً، إذ تمّ إنشاء المنتدى ليضمّ خبراء وشخصيّات مهتمّين بالشّأن السّوداني ليكون آليذة غير حكوميّة للتّكامل وتحقيق أهدافه. ثمّ يذهب المقال الخبري إلى إيراد معلومة تنسيق قيام سلسلة ندوات مشتركة بين الأهرام والمنتدى المصري السّوداني.
07-31-2007, 01:26 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(37)الفصل الرّابع خطاب إعلامي جديد 2/2 ثمّ يذهب المقال الخبري إلى إيراد معلومة تنسيق قيام سلسلة ندوات مشتركة بين الأهرام والمنتدى المصري السّوداني.
ممّا يلفت نظرنا في هذا المقال الخبري، الذي كُتب أصلاً لجريدة الأهرام القاهريّة، ثمّ نُشر متزامناً في جريدة الرّأي العام السّودانيّة بترتيب مع الأولى، أنّه يُشير إلى ما يسمّى (المنتدى المصري السّوداني) الذي يضمّ خبراء وشخصيّات مهتمّة بالشّأن السّوداني، ممّا يعني أن هؤلاء الخبراء ليسوا سودانيّين بل مصريين ترجيحاً. كما إنّ هذا المنتدى سيقدّم العون للحكومة (المصريّة طبعاً) لجهة إكمال مشاريع التّكامل ـ وهي مشاريع لا يفصح عنها المقال، بالرّغم من الإشارة إليها غمزاً ولمزاً. ثمّ سيقوم هذا المنتدى بالتّنسيق مع الأهرام بإجراء العديد من حلقات التّدارس والنّقاش في شئون سودانيّة. ومع غرابة كلّ هذا الأجندة التي يفصح عنها هذا المقال واشتماله على أمور جديرة بالتّعليق استفساراً و/أو استنكاراً، نجد الأغرب أن يُذكر جميع هذا في سياق حديثٍ منسوب للوزير سوداني. ثمّ أغرب من كلّ هذا أن يُنشر مثل هذا القول النُّكر في صحيفة سودانيّة. ومصدر تعجّبنا يكمن في أنّ هذا المقال الخبري (ولاحظ تسميتنا له)، مع ما فيه من أعاجيب، تلفُّ به إشكاليّة متعلّقة بالذّكاء المهني. فإمّا أن يكون كاتبه ممّن عازهم الذّكاء دماغيّا ومهنيّاً، أو أنّه لم يتحرّ سبك مقاله لاستهوانه بقرّائه السّودانيّين ـ دع عنك المسئولين الذين إمّا فعلاً قد صدر منهم ما يُنسب إليهم، أو أنّ الكاتب المصري قد تقوّل عليهم. إذن فهناك خطاب إعلامي جديد بين مصر والسّودان، وقد بدأت طلائع هذا الخطاب تتجلّى عبر خطّة مصريّة متماسكة على ما فيها من فظاظة مهنيّة واشتطاط سياسي، ثمّ "استكراد"، يوازيها في الجانب الآخر خطاب إعلامي سوداني لا يستحقّ أن يُطلق عليه مصطلح "خطاب" إلاّ في كونه يتميّز بالتّخبّط وعدم التّنسيق والتّداعي، في أفضل الأحوال، أو الانبراش وبيع قضيّة شعب بأكمله، في أسوأ الحالات. دعونا نرى إلى أيّها ينتمي الخطاب الإعلامي والسّياسي السّوداني الرّسمي وغيره، فيما يخصّ العلاقة بين مصر والسّودان، متّخذين من قضيّة الحوض النّوبي مثالاً. .
07-31-2007, 01:33 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
في يوم 31 مارس (شهر الكوارث) 2004 جاء في جريدة الصّحافة السّودانيّة (عدد 3892) وفي الصّفحة الأولى وذلك نقلاً عن القاهرة ـ وكالات الأنباء ـ ما يلي: "كشف مسئول كبير في وزارة الزّراعة السّودانيّة عن اتّجاه لطرح نحو 6.1 مليون فدّان في مدينة وادي حلفا على مسافة قريبة من الحدود المصريّة، أمام الشّركات المصريّة وفق عقود انتفاع طويلة الأجل". نُسبت تلك التّصريحات للدّكتور صادق عمارة (وزير الدّولة للزّراعة حينها)، والذي، حسبما جاء في الصّحيفة، واصل قائلاً: ... إنّ السّودان الذي يمثّل عمقاً إستراتيجيّاً لمصر يتيح أراضيه للزّرّاع المصريين، وأنّه توجد مساحات هائلة تتطلّب الجهد والعمل ومنها مساحة خصبة تصل إلى نحو 6.1 مليون فدّان في منطقة أرقين على مسافة قريبة من الحدود المصريّة في شمال السّودان. وقال الوزير لصحيفة الأهرام المصريّة إنّه تجري الآن عمليّة مسحها بالكامل وتقسيمها إلى مساحات متدرّجة تبدأ بألفي فدّان وتصل إلى خمسين ألف فدّان، لطرحها أمام الشّركات المصريّة التي تمتلك الجدّيّة والخبرة، وسيكون ذلك بعقود انتفاع طويلة الأجل. ولنلاحظ هنا أنّه لم يأتِ ذكر لأيّ مشاركات استثماريّة سودانيّة في هذا التّصريح، دع عنك أن يُذكر النّوبيّون أصحاب الأرض الذين تمّ اقتلاعهم بالقوّة المادّيّة القسريّة من أرضهم التّاريخيّة. فهم أولى النّاس النّاس بأيّ خير تتمخّض عنه هذه الأرض الطّيّبة. فإذا علمنا بأنّ النّوبيّين ـ خاصّةً منذ نشرنا لمقالنا المشار إليه آنفاً في مطلع عام 2000م ـ قد بدأوا يولون هذه المنطقة جُلّ اهتمامهم باعتبارها نصيبهم من السّلطة والثّروة، أدركنا مدى الانزعاج الذي يمكن أن يكون قد أصابهم من هذه الأخبار التي تتناقلها الصّحف، دون أن يصدر عنها بيان رسمي من قبل الجهات المسئولة.
07-31-2007, 01:39 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
في الخامس من أبريل عام 2004م، أي قبل يوم واحد من الذّكرى التّاسعة عشرة لثورة أبريل 1985م، ورد العنوان التّالي بالصّفحة الأولى: "السّودان ومصر يوقّعان اتّفاقيّة الحريّات الأربع" [جريدة الصّحافة، عدد 3897، بتاريخ الإثنين 15 صفر 1425هـ الموافق 5 أبريل 2004م]. كما ورد نفس الخبر وفي الصّفحة الأولى بجريدة الأيّام، ولكن مع فارق ربّما كان خطأً مطبعيّاً من الأيّام أو الصّحافة (لا يهمّ) أو جزءاً من ثقافة "الكلفتة" التي ضربت بأطنابها في بلادنا منذ أمدٍ ليتمّ تكريسها بما لم يسبق في زمن الإنقاذ الكالح؛ [عدد 7859، بتاريخ الإثنين 14 صفر 1425هـ الموافق 5 أبريل 2004م] فقد ورد التّاريخ العربي مختلفاً بينهما. ضمّ الوفد السّوداني بالإضافة إلى السّيّد رئيس الجمهوريّة كلاًّ من السّادة الوزراء الآتية أسماؤهم: مصطفى عثمان إسماعيل (الخارجيّة ـ عن المؤتمر الوطني الحاكم)، الزّهاوي إبراهيم مالك (الإعلام ـ عن حزب الأمّة جناح مبارك الفاضل)، مجذوب الخليفة (الزّراعة ـ عن المؤتمر الوطني الحاكم)، جلال الدّين الدّقير (الصّناعة ـ عن الحزب الاتّحادي الدّيموقراطي جناح زين العابدين الهندي). أمّا الوفد المصري، فقد ضمّ بالإضافة إلى السّيّد رئيس الجمهوريّة كلاًّ من السّادة الوزراء الآتية أسماؤهم: عاطف عبيد (رئيس الوزراء)، يوسف والي (الزّراعة)، حسين طنطاوي (الدّفاع والإنتاج الحربي، صفوت الشّريف (الإعلام)، وأحمد ماهر (الخارجيّة). بخصوص الاتّفاقيّة ورد في الصّحافة: "ووقّع إسماعيل وماهر في حضور البشير ومبارك على اتّفاقيّة الحريّات الأربع (التّنقّل، والعمل، والإقامة والتّملّك)". وفي ذلك "ذكر [وزير الإعلام المصري] أنّ الحرّيّات الأربع بشأن التّنقّل والعمل والإقامة والتّملّك سواء بالنّسبة للأراضي أو العقارات أو المنقولات أو الشركات والشّراكة ...". أمّا مصطفى عثمان إسماعيل (وزير الخارجيّة السّوداني) فقد صرّح للصّحفيّين بمطار الخرطوم وذلك عقب عودة الرّئيس عمر البشير من القاهرة واصفاً التّوقيع على الاتّفاقيّة بقوله: "... التّوقيع على اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع ... إنجاز تاريخي ...".
07-31-2007, 01:46 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
أثارت هذه الأنباء المفاجئة مخاوف وقلق النّوبيّين، فتنادَوا ذرافاتٍ ووحدانا للتشاور وتبادل الرّأي بخصوص ما أُعلن. وكانت دار اتّحاد المحس والنّادي النّوبي بالخرطوم مسرحاً للعديد من اللقاءات التّلقائيّة والتي سرعان ما تبلورت في جسم أطلقوا عليه اسم "مجموعة العمل النّوبي". قامت المجموعة بجمع معلومات سريعة عمّا نُشر، حيث تكشّفت لهم أشياء مثيرة للقلق، منها أنّ هذا المشروع لم يمرّ عبر قنوات جهاز الاستثمار القومي، كما إنّ الأراضي التي يستهدفها هذا المشروع لا تقع في الحقيقة بمنطقة أرقين غرب وادي حلفا، بل بالحوض النّوبي الذي يبدأ بعد حوالي 30 إلى 50 كلم غرب النّيل. تكثّفت تحركات النّوبيّين في الدّاخل وفي دول الشّتات، مستنكرة لما رأت أنّه بيع للنّوبيّين ولأراضيهم. إزاء تحرّك النّوبيّين قامت وزارة الزّراعة بإصدار بيان أعلنت فيه أن المساحة المقصودة ليست 6.1 مليون فدّان، بل 1.6 مليون فقط، مشيرةً إلى أنّ الرّقم الأوّل جاء خطأً. بيد أنّ الجانب المصري ـ والذي يشكل مصدر المعلومات الرّئيسي في هذه القضيّة حتّى الآن ـ لم يبذل أيّ جهد لتصحيح هذه المعلومة. أدّى هذا إلى ازدياد اهتمام العديد من القطاعات النّوبيّة بهذه القضيّة، خاصّةً عندما تبيّن أنّ الحكومة المصريّة قد قامت قبل ذلك ببيع أراضي النّوبيّين المصريّين بنفس الطّريقة دون أن يكون لأصحاب الأرض نصيب [لمزيد من التّفاصيل حول ذلك، راجع: محمّد جلال هاشم، 2006 بالإنكليزيّة].
07-31-2007, 01:49 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
وهكذا تمكّنت مجموعة العمل النّوبي من صياغة مذكّرة ضافيّة رُفعت في يوم 18 أبريل 2004 إلى السّيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتّحدة بخصوص الحوض النّوبي. خاطبت المذكّرة السّيد الأمين العام قائلةً: نكتب لك، نحن النّوبيّين النّيليين بالسّودان، هذا الخطاب بوصفكم السّكرتير العام للهيئة التي تمثل المجتمع الدّولي. إنّ هذه بمثابة رسالة استغاثة يبعثها لكم أناس مسالمون حوّلتهم فضيلة السّلام هذي إلى ضحايا. وقد ذهبت المذكّرة إلى حدّ اتّهام الحكومة السّودانيّة ببيع مواطنيها لأسباب سياسيّة وأيديولوجيّة مشيرةً إلى أنّ: ... المفاوضات جرت على أعلى المستويات مع الحكومة المصريّة، وذلك في سبيل تمكين توطين ملايين الفلاحين المصريّين بأسرهم في مثلّث الحوض النّوبي (حلفا ـ عوينات ـ دنقلا) داخل السّودان. وقد تبيّن أنّ الهدف من هذه الخطوة هو حماية الهويّة العربيّة في السّودان من خطر تنامي الوعي بالأفريقانيّة في السّودان عامّة وفي أوساط النّوبيّين خاصّة. ثمّ كشفت المذكّرة عن الخطّة التي من خلالها سيتم إضفاء المشروعيّة والصّفة القانونيّة على عمليّة البيع: وقد تمّ الإعلان عن كلّ هذا تحت ستار خطة أطلق عليها "الحريّات الأربع" والتي تسمح نظريّاً للسودانيّين والمصريّين على حدٍّ سواء بامتلاك الأراضي الزّراعيّة والاستقرار في كلا البلدين. ... إذ ليس هناك أراضي زراعيّة يمكن للمستثمرين السّودانيّين أن يحوزوها في مصر، بينما هناك أراضي وفيرة في السّودان ينظر إليها المصريون بطمع بغية امتلاكها. ... لم يأت ذكر للنّوبيّين في كلّ هذه العقود التي أبرمت بليلٍ.
07-31-2007, 03:27 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(42) الفصل الرابع باعونا مجّاناً ثمّ فتحت مجموعة العمل النّوبي النّار على النّظام الحاكم بالسّودان متّهمةً إيّاه بالتّآمر مع مصر: هذا النّوع من الصّفقات لم يُعهد توقيعه أبداً والسّودان يحكم بالنّظام الدّيمقراطي. لقد كانت أنظمة الحكم العسكريّة الدّيكتاتوريّة هي الأسوأ للسّودان، الأفضل دائما لمصر، حيث يسهل التّعامل معها لتمرير سياسات مصر التّوسّعيّة. ففي حالة السّدّ العالي منتصف القرن العشرين وفي الحالة الرّاهنة كان لمصر نظام عسكري ديكتاتوري في الخرطوم كيما تتعامل معه. بعد ذلك فتحت المذكّرة النّار على مصر متّهمةً إيّاها باستهداف النّوبيّين، والعمل الدّؤوب على طمس هويّتهم: لقد كان مثلّث الحوض النّوبي متاحاً للنّوبيّين لتوظيفه قي أغراض التّنمية والتّوطين، وذلك عند البدء بالتّفاوض لإنشاء السّدّ العالي بأسوان منتصف القرن العشرين. ذلك كان هو الحلّ الأفضل حيث كان بمقدور النّوبيّين (المتأثرين بمصر والسّودان) البقاء بأوطانهم التّاريخيّة على ضفاف المخزون المائي لبحيرة النّوبة، وذلك في إطار تدشين التّنمية الزّراعيّة المتوسّعة للحوض النّوبي. وكان في إمكان المصريّين أن يعرضوا للنّوبيّين مدّهم بالطّاقة والماء، إذا كانت رفاهيّة النّوبيّين تهمّهم في شيئ. على العكس من ذلك كان المصريّون يريدون منطقة الخزّان خالية تماماً من سكّانها الأصليّين (أي مجمل النّوبيّين المتأثّرين بمصر والسّودان). مصر الإمبرياليّة * ثمّ قامت المذكّرة بتوجيه الاتّهام الصّريح لمصر زاعمةً أنّ لها أطماعاً توسّعيّة بالسّودان: لقد كان لمصرـ ولا زال ـ أطماعها الاستعماريّة بالسّودان، ذلك بوصفه الفناء الخلفي لها. لهذا كلّما قلّ عدد السّكان بالمنطقة، كلّما سهل احتلالها. ... إنّ مصر لم تتخلّ عن أطماعها التّوسّعيّة في السّودان منذ الاستعمار المصري ـ التّركي (1820م-1885م). وقد جاءت شراكتها مع بريطانيا في الاستعمار الثّنائي (1899م ـ 1956م) امتداداً لتلك الأطماع. والآن مع إرهاصات تفكّك السّودان إلى دويلات ضمن تداعيات احتمال انفصال الجنوب، فإنّ مصر تخطّط لضمّ الإقليم النّوبي النّيلي بالسّودان والذي يقع أسفل إقليم الشّايقيّة، وذلك تحت ادّعاءات حماية أمنها المائي. ولتوكيد هذا الزّعم أشارت المذكّرة إلى أنّ مصر: * ... لا تزال تحتلّ منذ عدّة عقود مثلّثي سرّة، شمال حلفا، وحلايب، على البحر الأحمر. ولكن يبقى مثلّث الحوض النّوبي (حلفا ـ عوينات ـ دنقلا) هو الهدف الإستراتيجي لمصر، حيث تعمل لضمّه لما يُسمّى "مشروع توشكى" بمصر العليا. * وتمضي المذكّرة في تقديم تفصيلات أكثر لما تراه أطماعاً مصريّة في السّودان: إنّ مصر تخطّط لإقامة مثلّثها الاستعماري الاستيطاني الأكبر بالسّودان، والذي يمتد من جبل عوينات عند تقاطع الحدود السّودانيّة ـ الليبيّة ـ المصريّة حتّى حلايب على البحر الأحمر، على أن تكون دنقلا هي رأس المثلّث الجنوبي. بعد هذا، وكعادة النّوبيّين في الاتّكاء على تاريخهم الضّارب في القدم، تقول المذكّرة دعماً لوجهة نظرها: وفي الحقيقة فإنّ بلاد النّوبة (السّودان) ومصر ظلّتا عبر التّاريخ تمثّلان دولتين مستقلّتين يفصل بينهما الشّلاّل الأوّل بأسوان كحدود طبيعيّة. وعندما كانتا تتّحدان أحياناً، فإنّ ذلك كان يتمّ عبر القوّة الماديّة القسريّة النّاجمة عن الاحتلال. والآن عندما تحتلّ مصر بلاد النّوبة، وعندما تحكم مصر النّوبيّين، فإنّ ذلك يعني أنّ حدوداً فارقة عمرها سبعة ألف سنة قائمة على الطّبيعة والثّقافة والعرق قد أُزيلت نهائيّاً من قبل المصريّين بما يحقّق مصلحة مصر فقط.
07-31-2007, 04:42 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
بعد ذلك تخلص المذكّرة في مخاطبتها للسّيد كوفي عنان بمجمل مطالب بالغة الأهمّيّة: 1. على منظّمة الأمّم المتحدة أن تباشر التّحرّك لحماية النّوبيّين النّيليين بالسّودان بنفس الطّريقة التي تحرّكت بها فيما يخصّ مجموعات الهامش الأفريقيّة الأخرى قبل فوات الأوان عندما يُسفح الدّم النّوبي. إنّ الخطر في حالة النّوبيّين يأتي من حكومتي الخرطوم والقاهرة العروبيّتين. 2. يجب أن يُعترف بحق النّوبيّين في تنمية الحوض النّوبي الذي يحدّه مثلّث حلفا ـ عوينات ـ دنقلا من قبل حكومة الخرطوم العروبيّة. 3. باستثناء النّوبيّين، لا يجوز السّماح بأيّ مشاريع استثمار استيطانيّة، محليّة كانت أم دوليّة، في الحوض النّوبي. 4. ينبغي أن تكشف العقود السّريّة المبرمة بين حكومتي الخرطوم والقاهرة فيما يتعلّق بالاستثمار في مثلّث الحوض النّوبي للرّأي العام.
وهاج النّوبيّون وماجوا
كانت تلك المذكّرة بمثابة ضربة البداية لمباراة طويلة لم ينته شوطها الأوّل حتّى الآن. فقد نشطت منظّمات المجتمع المدني النّوبيّة في الدّاخل والخارج، وهذا ضرب من النّشاط عُرف به النّوبيّون منذ عهود قديمة وهم فيه روّاد. من جانبها واصلت الحكومة على النّفي، ثمّ النّفي، ثمّ النّفي، بينما سيل الأخبار المناقضة لنفيها تترى من القاهرة بين الفينة والأخرى. في هذا برزت عدّة تنظيمات سياسيّة نوبيّة، أغلبها ممّن تأسّس في عقد التّسعينات من القرن العشرين؛ وقد أعلن بعضها استعدادها لحمل السّلاح في حال دخول المصريين الحوض النّوبي. وكان للمواقع النّوبيّة الإلكترونية العديدة، مثل المنتدى النّوبي العالمي (www.nubian-forum.com)، وموقع قريتي عبري/تبج (www.abritabag.net)، ثمّ موقع جزيرة صاي (www.jazeratsai.com)، ثمّ موقع قرية عمارة (www.3amara.com)، والعديد من مواقع القرى الأخرى مثل صولب، أرنجتّي، بِنّا، السّرّاريّة وكرمة ـ كلّ هذه المواقع كان لها دور كبير في تعبئة الرّأي العام النّوبي، بمصر والسّودان.
07-31-2007, 04:46 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
انقضى عام 2004م والعديد من المسئولين الحكوميّين قد نفَوا وشدّدوا النّكير في أنّ الذين يردّدون مقولات بيع الحوض النّوبي للمصريّين ما هم إلاّ أعداء للثّورة والوطن، إذ إنّ ما يردّدونه لا يعدو أن يكون بضاعة معارضة كاسدة لن تجد من يشتريها من الشّعب، نوبيّين أو غير نوبيّين. وقد بدأ مسلسل التّراجع عمّا ورد بجريدة الصّحافة المشار إليها أعلاه، إلى أنّ الرّقم الصّحيح هو 1.6 مليون فدّان وليس 6.1 فدّان التي وردت كخطأ فنّي. ليس ذلك فحسب، بل ذهب الدّكتور صادق عمارة (وزير الدّولة بوزارة الزّراعة) إلى التّنبيه لدى ملاقاته للعديد من النّوبيّين، صدفةً أو تدبيراً، إلى أنّه كنوبي (كذا!) لا يمكن أن يقوم بعملٍ كهذا. وقد تصدّت للدّفاع عن نزاهة الرّجل إزاء ما يُقال من أنّه فعل ذلك إحدى سكرتيرات مكتبه من النّوبيّات، فشرعت في تدبيج البيانات في المواقع النّوبيّة ثمّ في إحدى غرف الـ Pall Talk النّوبيّة، مبديةً استعداد السّيّد الوزير للمشاركة في الغرفة للرّدّ على استفسارات المواطنين الذين أقلقهم ما ورد في مذكّرة مجموعة العمل النّوبي. وبالفعل، نجحت تلك الحملة المضادة في شقّ صفوف النّوبيّين، فإذا هم بين مصدّق ومكذّب لما ورد. فالأمر في نهاية المطاف تحوّل إلى "كلام جرايد"، وليس أكذب في عرف الشّارع السّوداني من ذلك.
ونواصل _ الفصل الخامس- ندوات مركز الأهرام - هل طُرح السّودان في البورصة؟
07-31-2007, 01:47 AM
حيدر حسن ميرغني
حيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27685
Quote: ومن اجل إطلاق د. محمد جلال لابد أن تظل كل البوستات المتعلقة بقضية كجبار في الاعلى
نعم ان لفي صمتنا الغير مبرر . فجيعة ووجيعة اعمق من ظلم السلطات . لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان في الوطن شرفاء .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان في الوطن احرار .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان فينا وبيننا من تعلم الدرس .. لنرفع الصوت عاليا لتدرك السلطات ان فينا وبيننا من يرفض الظلم ..
08-01-2007, 12:18 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
الفصل الخامس ندوات مركز الأهرام هل طُرح السّودان في البورصة؟
وعند جُهينةَ الخبرُ اليقينُ
ولكن ما إن أطلّ عام 2005م حتّى طالعتنا ملفّات الأهرام الإلكترونيّة بقولٍ نُكر لم يُسبق عليه مسئول سياسي سوداني من قبل. فقد حمل لنا شهر يناير من ذلك العام إفادات نُسبت لإثنين من المسئولين السّودانيّين، أوّلها بتاريخ 7 يناير وتخصّ اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين (كان وقتها وزير الدّاخليّة ـ الآن وزير الدّفاع) وذلك في معرض لقائه بجمع غفير من العلماء والخبراء والباحثين المصريّين بمركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة (http://www.ahram.org.eg/archive/index.asp?CurFN=file5.htm&DID=8359) الذين تحلّقوا حوله مستفسرين عن المشروع، ثمّ محقّقين عن جدواه. والإفادة الثّانية تلك التي تخصّ الدّكتور الصّادق عمارة، وكان وقتها وزير الدّولة بوزارة الزّراعة، وذلك بتاريخ 21 يناير (http://www.ahram.org.eg/archive/index.asp?CurFN=file1.htm&DID=8373) في سياق ندوة نظّمها أيضاً مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة. وقد بدا واضحاً من الأسئلة والمخاوف التي رفعها العلماء والخبراء بالمركز حول جدوى وعواقب مشروع استيطاني خطير كهذا، كما لو أنّ النّظام المصري قد دفع بالمسئولين السّودانيّين لتبديد هذه المخاوف، وإظهار المشروع باعتباره مطلباً سودانيّاً قبل أن يكون مصريّاً. وهذا ما يبدو واضحاً ممّا نُسب إلى المسئولَيْن المعنيّين أنّهما قد قاما به بأكثر ممّا خطّط له المصريّون. نُسب إلى اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين قوله: "ركّز الوزير السّوداني في حديثه إلى خبراء وباحثي مركز الدّراسات على أنّ التّصوّر بأنّ النّظام السّوداني هو الذي يحتاج إلى مصر في هذه المرحلة ولذلك يبادر إلى طرح هذه الأفكار هو تصوّر قاصر ومبتسر ... ولذا فإنّ إستراتيجيّة التّعاون هذه ليست نابعة من رؤية سياسيّة تستند على أمن نظام هنا أو هناك وإنّما هي رؤية إستراتيجيّة لمستقبل مشترك". وقد يسألُ سائلٌ: ولكن هل صدقت ملفّات الأهرام؟ وفعلاً تُرى ما هي درجة المصداقيّة التي تتمتّع بها ملفّات الأهرام التي سنتناول بالعرض والتّحليل مضابط ومحاضر ندواتها فيما يخصّ تهمة بيع الحكومة السّودانيّة مثلّث الحوض النّوبي لمصر بغية توطين ملايين الفلاّحين المصريّين؟ في الحقيقة يهمّنا الوقوف على أمر مصداقيّتها في القليل وفي الكثير. فإن هي عُدمت المصداقيّة، فهذا شأن لا يخصّ فقط من تقوّلت عليهم. إذ عندها حُقّ لنا ولجميع قطاعات الشّعب السّوداني أن نطالب ساستنا بعد تسجيلهم للإدانة الدّامغة لهكذا تقوّل، أن يراجعوا أنفسهم في علاقتهم ببلدٍ يفتري عليهم بهذا المستوى. وإن هي كسبت معركة المصداقيّة، حُقّ لنا وجميع قطاعات الشّعب السّوداني أن نُراجع أمر ساستنا الذين يبدو كما لو أصابهم مسٌّ من جنون السّلطة (وهو شيء شبيه بجنون البقر)، فنعمد إلى مواجهتهم ولو كان في ذلك حتفنا، وليحيا بعد ذلك الوطن. لكن ليت الأمر توقّف عند مصداقيّة الأهرام المصريّة؛ إذ ما قالته الأهرام هناك، قالته أيضاً هنا في السّودان، وعبر صفحات العديد من الصّحف السّودانيّة التي طفقت تردّد ذلك في سرور وحبور، كحبور العبد لدى استعادة سيّده له، والعياذُ بالله. إذن، تعالوا لنرى!
08-01-2007, 12:27 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
الخبراء في حضرة اللواء الآن دعونا نستعرض بعضاً ممّا نُسب إلى اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين، في لقائه بخبراء وباحثي مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة، ممّا فهمه الكثيرون على أنّه استجداء لمصر كيما تحتلّ السّودان شمال السّودان: شدّد اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين في عرضه على أنّ مجرى نهر النّيل في المنطقة الواقعة بين الخرطوم حتّى وادي حلفا في الشّمال أكثر طولاً من ذلك الجزء من النّهر الذي يمرّ في الأراضي المصريّة وأشار إلى مفارقة هائلة تتمثّل في أنّ سكّان مصر الذين يتركّزون بشكل أساسي حول ضفّتي النّهر يبلغون تقريباً 70 مليون نسمة بينما يعيش 1.2 مليون نسمة فقط في المسافة من الخرطوم إلى وادي حلفا. وإذا كانت التّقديرات تشير إلى أنّ عدد سكّان مصر سوف يصل إلى 100 مليون نسمة بعد عشرين سنة من الآن فأين سوف يذهبون وإلى أين سيكون التّوجّه المصري لمعالجة هذا الموقف؟ ولكن السّيّد اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين (فيما نُسب إليه) لا يجيب عن هذا السّؤال ذي التّداعيات الخطيرة، بل يتركه لذكاء الخبراء، ثمّ القرّاء من بعدهم. ثمّ إن هي إلاّ هُنيهة، فإذا به يُمطرنا ـ خبراءَ وقرّاء معاً ـ بسيل من الإجابات والتّبريرات التي نظر إليه الكثيرون على أنّها يمكن أن تُوصف بأيّ شيء إلاّ الذّكاء، دع عنك الكرامة والوطنيّة: في هذا الإطار أشار الوزير السّوداني إلى أنّ مصر اتّجهت اهتماماتها السّياسيّة والفكريّة والثّقافيّة طوال الخمسين عاماً الماضية إلى الشّمال ولم تلتفت إلى حدودها الجنوبيّة وأنّه قد حان الوقت لوضع إستراتيجيّة تكفل تحقيق المصالح الحيويّة لقطري وادي النّيل حيث إن الأوضاع الحاليّة تستوجب أن يكون التّحرّك المصري هو باتّجاه السّودان على الأقلّ لحل مشاكل مصر الغذائيّة والسّكّانيّة وفي الوقت نفسه المساهمة في تحقيق التّنمية والاستثمار الأمثل للموارد في السّودان بشكل متوازن ومتبادل لمصلحة كلا الطّرفين. جانباً عن بطلان مقولة إنّ مصر قد انصرفت عن إيلاء الشّأن السّوداني ما يستحقّ من اهتمام خلال الخمسين عاماً الماضية، تجدر الإشارة إلى أنّ هذه المدّة تتطابق مع الفترة الزّمنيّة التي تمّ فيها توقيع اتّفاقيّة السّدّ العالي، وإغراق ذلك الجزء من الإقليم النّوبي، ثمّ إفراغ المنطقة من السّكّان تماماً. ومع تحرّي السّيّد "الوزير السّوداني" لتحديد حيثيّات الاستفادة المصريّة (حلّ مشاكل مصر الغذائيّة والسّكّانيّة ـ على الأقلّ) يترك لنا حيثيّة الاستفادة السّودانيّة في إجمالها دون تفصيل.
08-01-2007, 12:34 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
ثمّ يواصل اللواء وزير الدّاخليّة (فيما نُسب إليه) في عرضه لأراضي السّودان المختلفة، داعياً المصريّين كيما يأخذوا منها باليمين وباليسار: وقال اللواء عبد الرّحيم إنّ مصر اتّجهت إلى استصلاح بعض الأراضي الصّحراويّة في مشروع توشكي أمام السّدّ العالي لاستصلاح 600 ألف فدّان وأكّد أن ما صُرف على هذا المشروع كان من الممكن وبكلّ سهولة أن يستثمر لاستصلاح ما يزيد عن ثلاثة ملايين فدّان في السّودان وأنّ هناك بالفعل مساحات جاهزة للزّراعة في كلٍّ من المديريّة الشّماليّة وكسلا والقضارف مساحتها 4 مليون فدّان وأشار إلى أنّ إجمالي الأراضي الزّراعيّة القابلة للزّراعة في السّودان هي 220 مليون فدّان وأنّ المستغلّ منها هو 40 مليون فدّان فقط في حين أنّ كلّ سكّان مصر يعيشون على 6 مليون فدّان. وتبلغ هذه الملهاةُ المأساةُ قمّتَها عندما يتفنّن الجانب السّوداني في مناوراته لإقناع الجانب المصري بالاستيطان في السّودان تحت غطاء الاستثمار حلاًّ لمشاكل مصر الغذائيّة والسّكّانيّة (على الأقلّ). فالأصل في سوق مثل هذه الحجج أن يقوم بها الجانب المصري (المتهافت) لإقناع الجانب السّوداني (المتمنّع). أنظروا إلى هذا التحاجج الذي ساقه وزير الدّاخليّة السّوداني (فيما نُسب إليه) في لقائه العجيب ذلك بخبراء وباحثي مركز الأهرام: وأنّه إذا كانت تكلفة استصلاح الفدّان الواحد في مصر تبلغ عشرة أضعاف استزراع الفدّان في السّودان فإنّ النّظرة الاقتصاديّة الرّشيدة تستوجب أن تتمّ هذه العمليّات والمشروعات في الأراضي السّودانيّة لصالح البلدين. ثمّ فجأةً، وبعد هذا مباشرةً، تنكمش أراضي السّودان المتعدّدة تلك، لتصبح منطقة بعينها: ولمزيد من التّوضيح [توضيح للخبراء المصريّين في مجال الاستثمار يقوم به لواء في الجيش السّوداني ـ كذا] ضرب الوزير السّوداني بعض الأمثلة المحدّدة وقال بأنّ منطقة ’أرقين‘ جنوب الحدود السّودانيّة المصريّة مباشرةً بها أراضي خصبة قابلة للزّراعة مساحتها 1.5 مليون فدّان وأنّ هذه المنطقة يمكن بدء العمل فيها فوراً وبإمكانها استيعاب مئات الآلاف من الأسر المصريّة لتشغيل مثل هذا المشروع وأنّ هذا يحقّق مصالح عديدة لمصر من بينها تخفيف حدّة البطالة واستثمار اقتصادي بعائد مربح واستثمار إستراتيجي بتوفير الغذاء بالاعتماد على الذّات. ولنا أن نعجب من مقولة "الاعتماد على الذّات" هذه؛ إذ أين الاعتماد على الذّات عندما تنهب دولة (مصر) موارد دولة أخرى (السّودان) لمجرّد أنّ موارد هذه الدّولة الأخرى قد نامت عن ثعالبها النّواطيرُ؟ ثمّ لنا أن نعجب أكثر للكيفيّة التي بها يمكن لقرية صغيرة (أرقين) أن تتمخّض عن أراضٍ بهذا الحجم؟ ثمّ تُرى كم من مئات الآلاف سيقف عندها هذا الرّقم العجيب من الأسر المصريّة؟ نصف مليون، أم ثلاثة أرباع المليون، أم المليون نفسه؟ ثمّ ماذا يعني فعليّاً عدد "مئات الآلاف من الأسر المصريّة"؟ للإجابة على هذا السّؤال علينا أن نقوم بمضاعفة عدد كلّ أسرة في المتوسّط سبع مرّات على أقلّ تقدير، لنكوّن فكرة عمليّة عن العدد الكلّي الذي الرّقم الذي نُسب إلى الوزير السّوداني. وعلى أيّ حال، إذن فما ردّده النّوبيّون عن مسألة بيع الحوض النّوبي للمصريّين تحت دعاوى الاستثمار بينما الاستيطان هو المقصود، يتجاوز الشّائعة ليصبح موقفاً رسميّاً لا يبوء به إلاّ النّظامان الحاكمان في السّودان ومصر، أو أحدهما.
08-01-2007, 12:41 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(47) الفصل الخامس أرض السّودان أولى بها مصر من الأفارقة (1/3)
ليت الأمر وقف عند هذا، فذلك اللقاء ينسب إلى السّيّد وزير الدّاخليّة تعريضه بأقوام سودانيّين أصلاء، ليصفهم بأنّهم دخلاء وغرباء، وذلك في معرض بكائه على انحسار الاستيطان المصري بالسّودان: نجد أنّ هناك هجرات مستمرّة من غرب أفريقيا إلى منطقة دارفور والتي وصلت إلى 7.5 مليون نسمة بينما نجد مجموع المصريّين المقيمين في السّودان لا يتجاوز عشرين ألفاً وأنّ هذا وضع غير طبيعي ولا يتّفق مع ما بين البلدين من وشائج ... . ونشير هنا إلى أنّ منطق المقابلة يقودنا إلى نتيجة طبيعيّة وهي أنّ عدد المهاجرين من غرب أفريقيا والبالغ 7.5 مليون نسمة هو نفسه وضع غير طبيعي ولا يتناسب مع الفروقات العرقيّة والثّقافيّة بين السّودان وبين غرب أفريقيا (التي لا تزال تُسمّى ’بلاد السّودان‘، فتصوّر!). وقد عدّ الكثير من القطاعات النّوبيّة ذلك من المضحكات المبكيات، إذ حكى العديدون منهم كيف جمعهم السّيّد اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين أوائل عام 2002م (وهو إذّاك وزير الدّاخليّة) بإحدى القاعات بالخرطوم ليبشّرهم بأنّهم قد أرسوا الاتّفاقيّات مع مصر لتوطين ملايين الفلاّحين المصريّين بأقصى الشّمالية التي كادت أن تخلوَ من سكّانها الأصليّين (أي النّوبيّين) مقابل ازدياد الهجرة إليها من وافدي غرب أفريقيا. ولهم في ذلك اللقاء حكايات عن السّيّد اللواء لا مجال لذكرها هنا، لكنّها لا تخرج عمّا نُسب إليه أعلاه. فهل هذا يعني أنّ هناك موقفاً سلبياً واضحاً للسّيّد وزير الدّاخليّة (الوزارة المعنيّة بالهجرة) من قطاع عريض (7.5 مليون نسمة) من الشّعب السّوداني؟ هذا بالرّغم من أنّ هؤلاء النّاس الطّيّبين قد هاجروا إلى السّودان منذ أزمان طويلة تصل في الكثير منها إلى نفس المدّة التي تتعلّق بهجرة العرب إلى السّودان.
08-01-2007, 12:49 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(48) الفصل الخامس أرض السّودان أولى بها مصر من الأفارقة (2/3)
في تاريخ 15 سبتمبر 2005م صدر عن وزارة الدّاخليّة (وكان عليها اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين)، رئاسة قوّات الشّرطة، الإدارة العامة للسّجلّ المدني، فرع الشّئون القانونيّة، بالرّقم و د/س م/م ت/ الأمر رقم (1) لسنة 2005م الموسوم بعنوان "ضوابط التّحرّي في الجنسيّة السّودانيّة بالميلاد والتّصديق بها"، مصدّقاً عليه من قبل السّيّد/ لواء شرطة علي عبدالله علي (مدير إدارة السّجلّ المدني). ورد في افتتاحيّة ذلك الأمر ما يلي: حفاظاً على الهويّة السّودانيّة ومنعاً لأيّ شخص من التّمتّع بها دون أن يكون مستحقّاً لها قانوناً وتأميناً وضبطاً للهويّة وتبسيطاً لإجراءات الحصول على الجنسيّة، وعملاً بالسّلطات المخوّلة لي بموجب المادّة (13) (أ) من لائحة الجنسيّة السّودانيّة لسنة 2005م ـ أصدر الأمر الآتي نصّه ... كما وردت في خاتمة الأمر تحت المادّة (1) الفقرة (ح، 7) ما يلي: يجب أن يكتب في حالة منح الجنسيّة عن طريق الأم السّودانيّة بالميلاد أو الأبوين السّودانيّين بالتّجنّس أو عن طريق التّوطّن بالسّودان قبل 1956م على شهادة الجنسيّة عند استخراجها وعلى يسار رقم شهادة الجنسيّة عبارة (منحت عن طريق الأم السّودانيّة بالميلاد أو عن طريق الأبوين السّودانيّين بالتّجنّس أو عن طريق التّوطّن بالسّودان قبل 1956م بحسب الحال) باللون الأحمر لتمييزها. بعيداً عن التّعليق على هذا التّحرّي الدّقيق لمسألة "ما قبل عام 1956م" ثمّ هذا الإزراء المؤسّسي، وبطريقة رسميّة من قبل الدّولة, بأيّ إنسان استحقّ الجنسيّة السّودانيّة عن جدارة كما استحققناها جميعا، دعونا نقف في المادّة (1) الفقرة (ح، 4، ب)، التي جاءت لتحدّد نوع القبائل التي ينبغي للمتحرّي أن يأخذ حذرَه في التّعامل مع أبنائها المطالبين بالجنسيّة السّودانيّة، وتقرأ: "القبائل الوافدة وهي الفلاتا، الهوسا، البرنو" فقط، أي القبائل التي قدمت من غرب أفريقيا، حتّى لو كان قدومُها إلى السّودان قد حدث قبل ألف عام. فكأنّما العربُ في السّودان ليسوا بوافدين؛ وكأنّما أهراماتُ نبتة ومروي قد بناها العربُ في السّودان. ومع هذا، برغم الاشتطاط في العنصريّة والعنجهيّة، كان يمكن لوزارة الدّاخليّة في زمن اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين أن تنال قدراً من الاحترام ولو كان ضئيلاً إذا ما احترمت ما سنّته من تقنين وإجراءات. ففي لقائه المشهود بخبراء مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة، وفي معرض شرحه للأبعاد القانونيّة والسّياسيّة لمشروع الاستيطان المصري ببلاد النّوبة بشمال السّودان، ورد ما نُسب إلى لسانه ما يلي: أشار الوزير السّوداني إلى أنّ اتّفاقيّة الحريّات الأربع الموقّعة بين مصر والسّودان والتي تتعلّق بحريّة التّنقّل والإقامة والعمل والتّملّك توفّر إطاراً قانونيّاً مناسباً تماماً لتفعيل إستراتيجيّة التّعاون هذه خاصّة وأنّ السّودان هو الذي بادر بطرح [كذا] هذه الاتّفاقيّة للتّعاون مع مصر ... بالإضافة إلى أنّ القانون السّوداني يسمح بازدواج الجنسيّة كما يمنح حقّ المواطنة بعد الإقامة لمدّة خمس سنوات وأنّه في ظلّ نقص السّكّان في شمال السّودان [ينقطع الكلام هنا ممّا يُشير إلى احتمال الحذف]. إذن ستُمنح الجنسيّة السّودانيّة للمصريّين بمجرّد أن يقضوا خمس سنوات فقط من عمر استيطانهم الأبدي بالسّودان. ولهم الحقّ، كلّ الحقّ، أولئك النّوبيّون الذين تعجّبوا عن أيّ سودان يتحدّث اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين. ثمّ لهم العتبى، كلّ العتبى، حتّى يرضَوا أولئك السّودانيّون الأعزّاء، الأُصلاء الذين رفدت إلينا بهم سهوب بلاد السّودان وغابات أفريقيا السّوداء وهضابها، إن غرباً أم شرقاً أم جنوباً، ممّن سعت قوانين وإجراءاتُ هذه الدّولة العجيبة إلى الإزراء بهم والتّشكيك في سودانيّتهم. وفي الحقّ فإنّ أهلنا ممّن عناهم هذا الغمز واللمز الرّسمي، لهم أفضال لا تُحصى على بلدنا السّودان، ثمّ على بلاد السّودان جمعاء. ووجودهم في أفريقيا وبلاد السّودان قديم، يعود في أحدثه إلى غزو العرب المسلمين لبلاد المغرب [لمزيد من التّفاصيل، يرجى مراجعة: الطّيّب عبد الرّحيم الفلاّتي، 1994؛ محمّد أحمد بدين، 1996؛ عبدالله عبد الماجد إبراهيم، 1998]. والإزراء الرّسمي وغير الرّسمي بهذه المجموعة الكريمة، والتي تعارف النّاس على تسميتهم بالفلاّتة تارّةً، وتارّةً أخرى بالهوسا، أو الغرّابة، ينطوي على تناقض عجيب. وكنت لاحظتُ أنّ أغلب الذين يستهدفون هذه المجموعات الكريمة من الشّعب السّوداني، يعودون في جذورهم البعيدة أو القريبة إليها، فانظر في ذلك وتأمّل! وهذا يعكس لنا بوضوح حالة الاغتراب والاستلاب التي يعيشها بعض، أو أغلب، أهل السّودان، ممّن كرّمهم المولى بهويّةٍ أفريقيّة سوداء. ولكنّهم لم يرضَوا بما قسمه المولى لهم، فعمدوا إلى التّحايل، فتلبّسوا هويّاتٍ ما أنزل الله بها من سلطان، فغدَوا أضحوكةً بين الأمم، والعياذُ بالله.
08-01-2007, 12:52 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
ومن أعاجيب هذا التّحامل، وصلته بأفاعيل الأيديولوجيا وقدرتها في تغريب المرء من هويّته، ما كنتُ أشرتُ له في بحث لي [محمّد جلال هاشم، منهج التّحليل الثّقافي، ط 5. قيد الطّبع]، من أنّ أغلب من حكموا السّودان خلال المائة سنة الماضية فقط يعودون في أصولهم البعيدة أو القريبة إلى قبائل الفولاني، ولو لجّوا في الإنكار. إذن المسألة أصبحت واضحة: إذا أنكرتَ هويّتَك واستبدلتها بهويّة عربيّة، ومن ثمّ سخّرّتَ نفسك لخدمة أغراض الهويّة الجديدة في مجالي السّلطة والثّروة، حتّى لو دفعك ذلك لإعلان الحرب ضدّ الغلابى والمساكين ممّن ينتمون لهويّتك الأصليّة، فإنّك لا محالة ستنال كلا السّلطة والثّروة، دون أيّ اعتبار لأصلك العرقي أو الثّقافي. وهذا لعمري هو المركز الذي أسهبنا في الكتابة عنه [أنظر: المرجع السّابق]، منبّهين إلى أنّه غير عرقي وغير جغرافي، بل مركز سلطوي تسيطر عليه نخبة معدودة من شتيت أمشاجٍ إثنيّة وثقافيّة، وتمارس التّهميش عبر أجندة الثّقافتين العربيّة والإسلاميّة، وهما من ذلك براء. ويأتي قولي هذا في الإشارة إلى ما يقوله بعض النّوبيّين، ممّن ذهب إلى تبرير استيطان ملايين المصريّين، مقارناً ذلك باستيطان مجموعات الفولاني والهوسا ـ هذا فضلاً عن نعرة عنصريّة بغيضة تصدر من كثير من النّوبيّين، مثقّفين وعامّة، إزاء القوم الطّيّبين، مستبطنين في ذلك ذات الموقف الأيديولوجي الإسلاموعروبي. وهذه غفلة فكريّة وسياسيّة لن يتمكّن النّوبيّون من خوض معاركهم النّبيلة ضدّ المركز، طالما كانوا يستبطنون ذات مواقف المركز العنصريّة الظّالمة. لهؤلاء لا يملك المرءُ إلاّ أن يقول: أللهمّ أدخلنا في زمرة صُرحاء الفولاني، إنّها زمرةٌ طيّبة؛ أخرجنا من زمرة نُكراء الفولاني، إنّها زمرةٌ خبيثة.
08-01-2007, 12:57 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(50) الفصل الخامس نكتة حكوميّة: جوّال الفاصوليا وملوة اللوبيا
لا ينبغي أن نغادر هذا المقام دون أن نتطرّق لمسألة قانون الجنسيّة السّودانيّة؛ فهذا القانون أمره عجيب. ولكم أن تعلموا، سادتي، أنّنا السّودانيّين، وحدنا دون جميع خلق الله على وجه المعمورة، الذين تُطالبنا دولتُنا بأن نُثبت سوادنيّتَنا ونحن داخل بلدنا، وذلك عبر الحصول على وثيقة الجنسيّة. فجميع دول العالم تأخذ الشّعب في إجماليه على أنّهم مواطنون، وذلك عبر وثيقة البطاقة الشّخصيّة فقط. ثمّ بعد ذلك تعمد الدّول ـ جميع الدّول ـ إلى حصر الأجانب، ذلك لأنّ حصرهم أقلّ تكلفة باعتبار قلّة عددهم المقترض. وهذا أدخل في الحسّ العام Common Sense والمنطق السّليم؛ فإذا كان لديك جوّال من الفاصوليا تُخالطه ملوة من اللوبيا، فأردتَ أن تفصل بينهما حيث إنّ أغراض استخدام وتجهير الفاصوليا غير أغراض استخدام وتجهيز اللوبيا، فإنّ المنطق السّليم يقول بأن تفرز القليل من الكثير، أي اللوبيا من الفاصوليا. هذا ما يقول به المنطق، لكن كيف للمنطق أن يخترق حكومات المركز السّنيّة بجلدها السّميك؟ ذلك لأنّ حكوماتنا، ومنذ الاستقلال تفعل العكس، إذ تعمد إلى الفاصوليا، فتلقطها كالدّجاج حبّةً فحبّة. ولكم أن تصدّقوا أنّه منذ الاستقلال وإلى الآن، لم يبلغ عدد السّودانيّين الذي قامت مؤسّسة الدّولة العجيبة هذي بالتقاط حبّة فاصوليتهم تعداد العشرة مليون شخص حصلوا على بطاقة الجنسيّة. فكيف وعلى أيّ أساس قام تعداد السّكان، والذي ظلّ يقفز كلّ عشر سنوات، من 12 مليون قبيل الاستقلال، حتّى فاق الثلاثين مليوناً الآن؟ ولكن هذا ليس نهاية المهزلة؛ فإذا أردت أن تستخرج جواز سفرٍ لك، فيلزمك أن تُثبت أنّك سوداني وذلك بإحضار وثيقة الجنسيّة. أمّا إذا أردت أن تستخرج جواز سفر لابن أو ابنتك القاصرين ـ مثلاً ـ، فإنّ وزارة الدّاخليّة، وتحديداً إدارة الجوازات والجنسيّة، لن تقبل منك وثيقة الجنسيّة خاصّتك، بل ستطالبك بإحضار وثيقة البطاقة الشّخصية، وذلك لعدم كفاءة وثيقة الجنسيّة في إثبات أيّ شيء. فإذا كانت الجهة الرّسميّة التي صدّقت لك بوثيقة الجنسيّة، لا تعترف بها، فماذا يا تُرى تكون وظيفة هذه الوثيقة التي تميّز بها شعب السّودان دون جميع شعوب الأرض؟ لمزيدٍ من التّفاصيل حول هذا الأمر أحيلُك عزيزي القاريء إلى بعض كتابي بهذا الشّأن: 2006a، بالإنكليزيّة؛ منهج التّحليل الثّقافي، ط 5، قيد الطّبع.
ونواصل في الفصل الخامس - ملفّات الأهرام- الدّكتور الصّادق عمارة.. مندوب رئيس الجمهوريّة
08-05-2007, 00:35 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(51) الفصل الخامس ملفّات الأهرام: الدّكتور الصّادق عمارة- مندوب رئيس الجمهوريّة
الآن دعونا نستعرض جوانب من التّداعي والتّهافت الذي قام به الدّكتور الصّادق عمارة، وقتها وزير الدّولة بوزارة الزّراعة، لدى لقائه بالخبراء المصريّين بتاريخ 21 يناير (http://www.ahram.org.eg/archive/index.asp?CurFN=file1.htm&DID=8373)، وذلك حسبما نسبته إليه ملفّات الأهرام في سياق ندوة نظّمها أيضاً مركز الأهرام للدّراسات الإستراتيجيّة. وقد شارك السّيّد صادق عمارة في تلك النّدوة لا بوصفه وزير الدّولة للزّراعة فحسب، بل بوصفه: المكلّف رسميّاً من الرّئيس السّوداني عمر البشير ومن الحكومة السّودانيّة بمسئوليّة التّكامل الزّراعي بين البلدين في إطار العلاقات الثّنائيّة التّكامليّة التي ترعاها اللجنة العليا المشتركة ويتولّى الملفّ الخاص بها وزيرة التّعاون الدّولي فايزة أبو النّجا في مصر، والدّكتور مجذوب الخليفة وزير الزّراعة في السّودان. وهنا ننقل الصّيغة الحرفيّة للتّقديم الرّسمي الذي ابتدر به مدير النّدوة الحديث. كما قيل في تقديمه أيضاً: وكان الدّكتور عمارة قد أجرى في القاهرة الأسبوع الماضي اتّصالات عديدة بهذا الخصوص مؤكّداً أنّه مكلّف من الرّئيس البشير بسرعة العمل وأنّ الرّئيس بشير قال له إنّ الرّئيس حسني مبارك مهتمّ بمنطقة أرجين [أرقين] والمشروعات التي تقام فيها. عليه يكون الدّكتور الصّادق عمارة قد تفاوض في هذا الموضوع بوصفه ممثّلاً للحكومة السّودانيّة. عليه، سيكون من الصّعب للمرء أن يقبل بالدّفوعات التي قدّمها فيما بعد عندما كشف النّوبيّون هذه الوثيقة للرّأي العام النّوبي والسّوداني، إذ جاء إلى النّادي النّوبي بالخرطوم ونفى نفياً قاطعاً أن يكون قد أدلى بهكذا حديث لأيّ جهة. ومع كلّ هذا، لم نسمع عن نفي رسمي، لما ورد بملفّات الأهرام، التي كان ينبغي أن تُلاحق رسميّاً في تقوّلها على رئيس الجمهوريّة عمر البشير، دع عنك وزيري الزّراعة مجذوب الخليفة والصّادق عمارة. تبدأ النّدوة التي قدّمها محمود مراد بقول الأخير: "دقّت ساعة العمل الجاد بين القاهرة والخرطوم لتنفيذ مشروع للتّكامل بين مصر والسّودان، يعدّ نموذجيّاً بكلّ المقاييس والمواصفات ...". ومع أنّ السّيّد مقدّم النّدوة لا يشرح لنا بالنّسبة لمن يُعدّ هذا المشروع نموذجيّاً بكلّ المقاييس والمواصفات، بالنّسبة لمصر، أم للسّودان؟ إلاّ أنّ الإجابة على هذا السّؤال الهام ستقفز من بين السّطور عمّا قليل كما تقفز أسماك البحر عندما تستبدّ بها النّشوة. بعد هذا التّقديم انبرى الدّكتور الصّادق عمارة قائلاً: لقد اكتملت القناعات وآن الأوان لدفع عجلة التّكامل .. ومن هنا وقع الاختيار على ’أرجين‘ [يقصدون ’أرقين‘] لتكون نموذجاً قابلاً للتّوسّع .. وهذا الاسم للمنطقة نسبة إلى القرية السّودانيّة المسمّاة به والتي تقع على حدود مصر مباشرةً بمسافة عدّة أمتار .. وهي تحديداً على مسافة 65 كيلومتراً من مدينة أبو سمبل المصريّة التي ينتهي عندها خطّ السّكّة الحديد المصريّة، والفكرة ببساطة تعتمد على أنّها أرض طيّبة .. وتروى من مياه النّيل مباشرةً كما يوجد بها أكبر خزّان للمياه الجوفيّة في أفريقيا وهو الحوض النّوبي .. وتصلح جدّاً للزّراعة .. والإنتاج الحيواني .. بما يغطّي احتياجات مصر ويفيض للتّصدير [التّرقيم عن طريق التّنقيط جاء هكذا في الأصل]. هذا القول وحده يكفي كقرينة دالّة على أنّ المقصود هنا هو الحوض النّوبي وليس قرية أرقين. فالسّيّد الوزير يقول بصريح العبارة بأنّ إطلاق الاسم ’أرقين‘ على المنطقة المعنيّة يعود إلى القرية، الأمر الذي يعني أنّ المنطقة المعنيّة أكبر بكثير من قرية أرقين. فإذا كانت هذه المنطقة تروى من النّيل مباشرةً، تُرى ما هي مناسبة الإشارة إلى أنّها تقع بجوار أكبر خزّان للمياه الجوفيّة بأفريقيا؟
08-05-2007, 00:39 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
ونلاحظ كيف تُظهر مضابط النّدوة السّيّد وزير الدّولة للزّراعة، كما لو كان يتهافت في استجدائه للخبراء المصريّين، كيما يقتنعوا بفكرة المشروع، وذلك في تبسيطه لمشروع خطير كهذا، فضلاً عن قوله ".. وتصلح جدّاً للزّراعة .. والإنتاج الحيواني ..". ثمّ لا يقف عند هذا، بل يحاول، كرفيقه اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين، أن يُحاضر [كذا] الخبراء المصريّين إلى ما فيه خير بلادهم: فإنّ مصر تستورد حاليّاً ستّة ملايين طن قمح وخمسة ملايين طن من الذّرة الصّفراء ومليون طن فول صويا غير الزّيوت والسّكّر وغيرها .. فلم لا تنتج هذا بل وتصدّره .. ولم لا تنتج الأرز ـ مستخدمة خبرتها ـ وتصدّره بكميّات كبيرة إلى العالم؟ ولكن ماذا عن حقوق النّوبيّين في منطقتهم هذه؟ هنا يأتي الرّدّ المنسوب للسّيّد الوزير جاهزاً وخالياً من الحصافة: بهذا وغيره تصبح أرجين منطقة تكامل نموذجيّة وهي جاهزة .. وخالية من السّكّان إذ تنتشر حولها تجمّعات قبائل نوبيّة ... . ولكن السّيّد الوزير لا يعطينا أيّ أرقام بخصوص تجمّعات قبائل مواطنيه النّوبيّين التي يستخفّ بها كما لو كانت كغُثاء السّيل لا يعبأ الله بهم، هذا بينما لم تخنه الإحصائيّات الدّقيقة وبالملايين عندما تعلّق الأمر باحتياجات السّادة المصريّين. وعلى أيّ حال، هذا القول إمّا أنّه يكشف عن قدر ومكانة النّوبيّين الوضيعة في نظر حكومتنا المصونة، أو أنّه يكشف عن نفس المكانة الوضيعة للنّوبيّين في نظر حكومة مصر المحروسة (أو قُل: مصر المؤمّنة) ـ هذا إن لم يكن الأمران معاً، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله. تُرى ما الذي يخبّئه القدر لنا، نحن السّودنيّين، الذين ظللنا نتدهور من حالق الحضارة إلى حضيض التّخلّف بسرعة مذهلة ومنتظمة، كما لو كنّا جلمود صخرٍ حطّه السّيلُ من علٍ؟
08-05-2007, 00:41 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
حتّى الآن وردت أسماء الكثيرين من المسئولين، بدءاً باسم السّيّد عمر البشير (رئيس الجمهوريّة)، ثمّ اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين (وزير الدّاخليّة حينها)، ثمّ الدّكتور الصّادق عمارة (وزير الدّولة بوزارة الزّراعة)، ثمّ اسم الدّكتور مجذوب الخليفة (وزير الزّراعة حينها وإلى الآن)، ووزراء آخرين من بعض الأحزاب الحليفة. فهل هناك أسماء أخرى يا تُرى. ونرفع هذا السّؤال بجهة الإنكار، واللجّ فيه، الذي باشرنا به المسئولون السّودانيّون، من قبيل ذلك الذي قام به الدّكتور الصّادق عمارة في النّادي النّوبي بالخرطوم، والذي ـ باستخدام ألفاظ النّوبيّين ـ نفى هذه الوقائع التي طفحت بها صفحات الأسافير بطريقة (شُكُّو .. لُكُّو)، أي (أبداً .. أبداً). إذن فهذا جميعُه محض افتراء من المصريّين! حسنا! فإذا كان هذا ما افتراه المصريّون، وعبر واحدة من أعرق مؤسّساتهم البحثيّة، تقوّلاً على المسئولين السّودانيّين، بدءاً من السّيّد الرّئيس انتهاءً بوزراء الدّولة، فلم لم يصدر أيّ نفي رسمي، ثمّ احتجاج رسمي يُطالب الجانب المصري بالاعتذار عن هذه التّقوّلات؟ دعونا نستمرّ في استعراضنا لنرى، إذ عمّا قليل سنرى كيف لم يفوّت المصريّون أيّ فرصة لذكر اسم أيّ مسئول له ضلع أو شبهة ضلوع في هذا الأمر الخطير.
08-05-2007, 00:50 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(54) الفصل الخامس ما بين التّوسّع المصري وتحرير حلايب
تُرى إذا كانت المنطقة المقصودة هنا هي الحوض النّوبي، إلى ماذا إذن تُشير كلمة ’وغيره‘ في جملة ".. بهذا وغيره ..." من الحديث المنسوب للوزير الصّادق عمارة أعلاه؟ فهل هناك مناطق أخرى؟ هنا سرعان ما تقفز علينا سمكة الإجابات، فنقرأ في الفقرة التي تلي ذلك مباشرةً: والمنطقة مرتبطة بشبكة طرق ... منها نهر النّيل، ومنها الطّريق البرّي بين أبو سمبل ـ دنقلا وهناك توجيهات بإتمامه فوراً وقد جرى بحث هذا من قبل بين وزير النّقل السّوداني: السّمّاني الوسيلة [حينها؛ الآن يشغل وزير الدّولة بالخارجيّة عن الحزب الاتّحادي الدّيموقراطي جناح زين العابدين الهندي] وبين وزير النّقل المصري الدّكتور عصام شرف واتّفقا على طريق من أبو سمبل في مصر إلى مدينة دنقلا ـ شمال السّودان ـ ومنها يتفرّع شرقاً إلى مدينة القضارف، ثمّ إلى إثيوبيا، كما يتفرّع طريق آخر غرباً .... ويقول في النّدوة المهندس علي الهيتمي: ولأنّ الطّرق مهمّة في التّنمية .. فقد علمنا هذا في الفترة الأخيرة، واتّفق الدّكتور محمّد إبراهيم سليمان وزير الإسكان والمرافق العامة والمجتمعات العمرانيّة مع معالي محمّد طاهر جيلا [هل يقصد "إيلا"؛ ولنا أن نعجب، إن كان ذلك كذلك، كيف ارتدّ المسئول المصري بطريقة انعكاسيّة إلى عادة المصريّين الرّسميّة في نطق أسماء المسئولين السّودانيّين بطريقة خاطئة كأنّما هي أسماء ما أنزل الله بها من سلطان] وزير النّقل السّوداني [حينها] على شقّ طريق برّي بموازاة البحر الأحر من الحدود المصريّة السّودانيّة حيث ينتهي الطّريق المصري المرصوف، ويمتدّ حتّى ميناء بورسودان ... . وهكذا يشرع المسئول المصري في تعداد الطّرق التي من شأنها أن تخترق الأقاليم السّودانيّة شمالاً وشرقاً وغرباً. ولا نريد أن نلفت نظر القارئ إلى أنّ هذه هي نفس مصر التي تحتلّ حلايب ومثلّث سرّة بأدنى وادي حلفا لعقود وعقود، بل نلفت نظره إلى أنّ هذا هو نفسه النّظام الذي زعم أنّه جيّش الجيوش وأعلن النّفرة الكبرى لتحرير حلايب من قبضة المصريّين. ثمّ أنظر إلى الرّسالة المبطّنة التي تشتمل عليها معلومة أنّ ابن البجا (إن كان المقصود فعلاً محمّد طاهر إيلا) هو الذي يفاوض المصريّين من أجل أن يتوسّعوا في الشّرق. ومثلُه في ذلك كمثل الرّسالة التي تنطوي عليها حقيقة أنّ اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين والدّكتور الصّادق عمارة كليهما من النّوبيّين. وفي هذا تأكيد لقولنا الذي يا طالما ظللنا نسوقه بخصوص مفهوم التّهميش، وكيف أنّه ليس جغرافيّاً كما ليس عرقيّاً، بل هو سلطوي. فمنذ الاستقلال لم يزد عدد أبناء البجا من الوزراء عدد السّتّة، بينما قد يفوق عدد الوزراء النّوبيّين عدد السّتّمائة. ومع ذلك ما أفاده النّوبيّون من ذلك العدد الكبير يساوي ما أفاده أهلنا البجا من ذلك العدد الضّئيل، أيّ صفر. ولو انعكست الآية لما كان هناك فرق. عليه ينبغي أن يُحاكم هؤلاء الوزراء بالبرامج والأيديولوجيّات التي يصدرون منها، لا باعتبار الإثنيّات التي ينتمون إليها بالدّم، بينما قد لا ينتمون إليها فكراً وروحاً وعملاً [في ذلك راجع: محمّد جلال هاشم، منهج التّحليل الثّقافي، ط 5. قيد الطّبع].
08-05-2007, 00:52 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(55) الفصل الخامس هل هناك مناطق أخرى يا ترى؟ دعونا الآن نتأمّل مسألة شبكة الطّرق العنكبوتيّة التي يزمع القوم إنشاءها في شمال وشرق السّودان، ويزعمون بأنّهم قد حصلوا في ذلك على العون كلَّ العون من الحكومة السّودانيّة. تُرى ما هي قصّتها؟ لفهم ذلك قد نحتاج إلى ربطه بما نُسب إلى السّيّد اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين [أنظر أعلاه] لنفس المجموعة من الخبراء والباحثين، في معرض حثّه لهم بقبول مشروع توطين ملايين المصريّين في السّودان: "وأنّ هناك بالفعل مساحات جاهزة للزّراعة في كلٍّ من المديريّة الشّماليّة وكسلا والقضارف ..."، عندها وجب علينا اتّخاذ الحذر من هكذا مشروع. فالمسألة ربّما كانت تتعلّق فعلاً بالمشروع الأمريكي البريطاني الرّامي إلى تفكيك الدّول الكبيرة بالمنطقة وتقسيمها إلى دويلات صغيرة على غرار نظام الدّولة المشيخيّة الذي تقوم عليه دول الخليج العربي، حيث لا يمكن للواحدة منها الدّفاع عن نفسها إزاء أيّ خطر خارجي دون مساعدة لوجستيّة مباشرة من إخدى الدّول العظمى (أمريكا طبعاً). ففي نفس اللقاء يقول الدّكتور الصّادق عمارة: "هناك تفصيلات كثيرة لم نقلها ...". وليت الأمر توقّف عند هذا الحدّ، إذ واصل في انحداره بطريقة رأسيّة، ليصل دركاً سحيقاً في الرّياء ومسح الجوخ، بما لم يألفه السّودانيّون أبداً في تعاملهم مع العرب عموماً والمصريّين خاصّة.
08-05-2007, 00:57 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
وما يجعلنا نذهب إلى أنّ الموضوع كلّه محاولة مصريّة لإقناع المؤسّسات العلميّة الأكاديميّة لتقبل وتبارك مشروعها المتهافت الذي يقوم على الاستيطان في السّودان تحت غطاء الاستثمار هو تبادل الأدوار بين مقدّم النّدوة، محمود مراد، وهو صحفي يبدو كما لو كان مكلّفاً بتسويق هذه الصّفقة، وبين المسئولين السّودانيّين. تأمّلوا معنا ما يقوله محمود مراد: وبالنّسبة للنّقطة الحسّاسة .. وهل تكون الأرض ملكيّة خالصة أم حقّ انتفاع فإنّني أقول في ضوء مناقشاتي مع المسئولين السّودانيّين ـ وعلى مستوى رفيع ـ إنّ هناك دراسة حول التّمليك تأسيساً على اتّفاقيّة الحريّات الأربع بين البلدين وهي: حقوق ’السّفر والإقامة والعمل والتّملّك‘. والنّظام المعمول به حاليّاً ومن الآن هو الحصول على الأرض بعقد ’حقّ الانتفاع لمدّة خمس وخمسين سنة وتجدّد‘ ويمكن أن تكون ـ وهذا ميسور ـ لمدّة تسع وتسعين سنة، قابلة للتّجديد ... . ويعكس هذا الخلفيّة التي صيغت عليها اتّفاقيّة الحريّات الأربع، الأمر الذي يجعل المرء يفكّر في ما قالت به مجموعة العمل النّوبي، عندما زعمت بأنّ المسألة كلّها تمثيليّة الغرض منها ذرّ الرّماد في عيون الشّعب حتّى لا يرى بأمّ عينيه الوطن يُباع في الدّلالة الدّوليّة. ويبلغ سوء الإخراج جرّاء "الكلفتة" النّاجمة عن العجلة الماحقة قمّته عندما يقوم مقدّم النّدوة بإعلان حيثيّات لاتّفاق رسمي لم يُعلن عنه من قبل. ثمّ يبلغ التّناقض قمّته عندما يُثبّت ما سعى اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين إلى نفيه، وذلك بالنّظر إلى الموضوع باعتباره إستراتيجيّة أمنيّة. فهو يقول: "فالمسألة في صالح البلدين بل أقول في مصلحة الأمن القومي لكليهما .. مع وجود مصلحة اقتصاديّة واستثماريّة لمن يشارك ويستثمر .. ومن يسارع سيحصل على أفضل المواقع ..". ثمّ يبلغ التّهافت والتّداعي قمّته ليكشف عن مستوى من الانتهازيّة مارسته مصر في حقّ الشّعب السّوداني مرّات ومرّات وذلك كلّما واتتها الفرصة، ولا تُلام في ذلك طالما كانت تستخدم أذرعة سودانيّة ورسميّة. يقول محمود مراد (المصري ـ لاحظ!): أضيف إلى أنّه إذا كانت هناك رغبة وإرادة لتنفيذ منطقة التّكامل هذه .. فلا بدّ من الإسراع، وأنا أدعو هنا القطاع الخاصّ للتّحرّك الفوري قبل أن يفوت الوقت ونقول ’يا ليتنا‘ ونفاجأ بآخرين هجموا عليها ... . ولكم صدق في قوله هذا مع ما فيه من درجة عالية من الانتهازيّة؛ فإذا كانت "البلد هاملة"، إذن فلنهجم عليها نحن قبل أن يهجم آخرون. إذ كيف يُلام المصريُّ على انتهازيّته في الهجوم الكاسر للإجهاز على السّودان، عندما يكون ردّ الوزير السّوداني (الصّادق عمارة) على مثل قوله ذلك: ... فهذا صحيح لكن العالم يتحرّك ونحن لا نتحرّك .. . تُرى من يعني بقوله "نحن"؟ هل يعني مصر (الدّولة المؤَمّنة) أم تُراه يعني السّودان (الدّولة المُكفّنة)؟
08-05-2007, 01:08 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(57) الفصل الخامس دعك من أرقين، فالأمر كلّه استيطان 1/2 رفع العديد من الخبراء والباحثين بالمركز صوتهم متسائلين عن الضّمانات في ألاّ تعصف متغيّرات السّياسة السّودانيّة بهذا المشروع الاستيطاني الذين نطقت به السّطور دون أن يجرؤ أحد على ذكر كلمة استيطان. فإذا لم يكن الموضوع كلّه استيطانيّاً، فكيف بالله يمكن فهم ما قاله محمود مراد: "ربّما أضيف أنّه سيجري تخطيط المنطقة وتقسيمها وتحديد مساحتها ..". وهذا القول قد يبدو متناقضاً بالإشارة إلى أنّ مساحة المنطقة هي التي بدأ بها المشروع كلّه، وهي 6.1 مليون فدّان (أو 1.6 مليون فدّان). وفي الحقيقة تتضارب الأرقام بين إفادة مسئول وآخر، مصريّاً كان أم سودانيّاً. لكن تبقى الحقيقة في أنّ المنطقة المقصودة هي الحوض النّوبي والذي تفوق مساحته العشرة مليون فدّان "جاهزة"، باستخدام ألفاظ الوزير الصّادق عمارة. فالمساحة التي ذُكرت هي نقطة البداية، حيث من المخطّط أن تتوسّع لتشمل مساحات أخرى. في هذا، تُذكر قرية أرقين للتّمويه، مع أنّها معنيّة بجزء خطير في هذا المخطّط، إذ إنّها هي التي ستكون حاضرة المستوطنة المصريّة داخل الأراضي السّودانيّة، وذلك لسهولة حمايتها بحكم أنّها "... تقع على حدود مصر مباشرةً بمسافة عدّة أمتار"، باستخدام ما نُسب من ألفاظ لوزيرنا الصّادق عمارة. ويقول محمود مراد عن الخطط المصريّة لأرقين المسكينة: وإنّ أرجين يمكن إعادة تخطيطها لتكون مدينة حاكمة للمنطقة، أو المركز الحضاري لها يضمّ الخدمات الرّئيسيّة المختلفة من مستشفيات ومدارس وبنوك ومراكز ثقافيّة وتجاريّة وترفيهيّة وغيرها .. علاوة على ما يمكن أن ينشأ وسط هذه المساحة الضّخمة من تجمّعات سكنيّة بخدمات ... .
08-05-2007, 01:09 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(58) الفصل الخامس دعك من أرقين، فالأمر كلّه استيطان 2/2 ويخلق هذا القول لبساً مقصوداً، إذ يُشير في ظاهره إلى أنّ قرية أرقين موجودة على الأرض، الأمر الذي يُتيح لنا أن نُعيد تخطيطها. لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع أنّ أرقين القرية تقبع تحت عشرات الأمتار في عمق البحيرة، وعلى الشّاطئ لا توجد الآن إلاّ الأرض اليباب. ومثل هذه المنطقة لا يُعاد تخطيطها، بل يُشرع في تدشين تخطيطها. وعلى أيٍّ، الكلام يشير بوضوح إلى الخطّة الاستيطانيّة، أللهمّ إلاّ إذا أراد لنا المسئولون أن نرى الله عزّ وجلّ عياناً بياناً كيما نؤمن به. ثمّ لماذا يتكلّم القوم المؤتمرون عن أنّه: ... سوف توجّه الحكومة السّودانيّة ـ عن طريق وزارة الزّراعة وفق ما قال الدّكتور صادق عمارة ـ دعوات رسميّة إلى كلٍّ من: الدّكتور مهندس محمّد إبراهيم سليمان وزير الإسكان والمرافق العامة والمجتمعات العمرانيّة، والدّكتور مهندس محمود أبو زيد وزير الموارد المائيّة والرّي، والسّيدة فايزة أبو النّجا وزيرة التّعاون الدّولي، والمهندس أحمد الليثي وزير الزّراعة، والدّكتور عصام شرف وزير النّقل وإلى عدد من المسئولين لزيارة منطقة أرقين الشّهر القادم وتفقّدها والاتّفاق على خطوات تنفيذيّة للمشروع ... . أنظروا كيف تحوّلت قرية أرقين الصّغيرة هنا إلى "منطقة". ثمّ فلننظر كيف تكشف لنا خائنةُ الألسن ما تواطأ علي كتمانه القوم المؤتمرون. فالسّيدّ محمود مراد لا يتكلّم عن تجمّع سكني واحد هنا، حتّى نحسن به الظّنّ فنعتقد أنّه يتكلّم عن أرقين، القرية الصّغيرة التي ابتلعتها أمواه بحيرة النّوبة. يا سادتي الرّجل يتكلّم عن تجمّعات سكنيّة يمكن أن تنشأ في هذه المساحة الضّخمة. فإذا كانت أرقين غير موجودة على الأرض، عليه يمكن لأيّ كائنٍ ما كان أن يستخدم اسم "أرقين" ليعني به أيّ المنطقة الممتدّة من حلفا صعوداً إلى دنقلا جنوباً ثمّ نزولاً بزاوية منحرفة شمال غرب إلى جبل عوينات، ثمّ إلى حلفا مرّة أخرى. فمن الذي يمكنه أن يثبت أنّ هذه المنطقة ليست أرقين طالما أنّه لا توجد أصلاً أرقين. فأرقين الأصليّة غير موجودة على الأرض. ولكن ماذا عن الضّمانات؟ هذا ما سنراه أدناه.
08-05-2007, 01:15 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
تجاوب صدى "الضّمانات" بين أركان النّدوة المحضورة في مركز الأهرام، وقد تركّزت بشكل خاص حول "مدّة الانتفاع" بالأرض، وكيفيّة جعله "ملكيّة الأرض". وقد استندت الشّرعيّة الرّسميّة على ما يُعرف باتّفاقيّة الحريّات الأربع، التي داوم العديد من المؤتمرين على الاستشهاد بها حتّى ظنناها أمراً مُنزلاً من السّموات العُلَى. من ذلك مثلاً ما قاله الدّكتور حلمي الحديدي: إنّ مصر والسّودان مرتبطان ارتباطاً وثيقاً وينبغي تدعيم هذا وتعميقه رسميّاً وشعبيّاً .. ومن هنا فإنّني أتحفّظ على مسألة ’حقّ الانتفاع‘ وأرجو أن تُفكّر الحكومة السّودانيّة في حقّ التّمليك وفق اتّفاق الحريّات الأربع .. ثم ما هي الضّمانات للاستمرار بهذا الحماس وعدم حدوث مخاطر للاستثمار؟! ونقطة ثالثة فإنّني أرجو أن تكون هذه المنظقة للتّكامل المصري السّوداني لمشروعات مصريّة سودانيّة فقط دون دخول مستثمرين آخرين .. . إذن فلا بدّ من تدعيم هذه العلاقات الأزليّة رسميّاً وشعبيّاً! حسناً، لكن حتّى الآن لم يأت ذكر لأيّ مستثمر سوداني، دع عنك أهل الأرض المغيّبين. وقد صدقت مجموعة العمل النّوبي عندما قالت في مذكّرتها بأنّ الموضوع كلّه قد أُبرم بليلٍ دون أن يُشار فيه إلى النّوبيّين ولو من قبيل المجاملة (هذا باستثناء الإشارة المنسوبة للوزير الصّادق عمارة إلى أنّ منطقة أرقين بها تجمّعات قبائل نوبيّة، كما لو كانوا من شُذّاذ الآفاق).
08-05-2007, 01:18 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
ولا ندري هل قام السّيّد الوزير الصّادق عمارة بتصحيح معلومة أنّ الدّولة في السّودان لا تملّك الأرض المستثمرة زراعيّاً، إن هي إلاّ حيازة منفعة لأجلٍ معلوم، أم لا. ولننظر إلى هذا الجشع المصري الذي لا يعرف الشّبع؛ فاتّفاقيّة الحريّات الأربع ساوت بين المصري والسّوداني من حيث مدّة الانتفاع بالأرض الزّراعيّة للاستثمار، ولكنّ القوم يريدون أكثر من ذلك؛ يريدون فرماناً من الباب العالي بملكيّة الأرض لتكرار سيناريو إسرائيل والفلسطينيّين، وهذا كلّه تحت دعاوى تمتين العلاقات والصّلات شعبيّاً ورسميّاً. ومع هذا لا نجد ذكراً لأهل الأرض الأصليّين. ثمّ يزداد الجشع الذي لا يعرف الحدود (أو الاختشا)، فإذا بالقوم يُطالبون بأن ينكفئ المشروع على السّودانيّين والمصريّين فقط فلا يدخل ثالث بين التّفّاحة وقشرتها. وتكمن النّكتة هنا في أنّه إذا كان السّودانيّون أهل الحقّ المطلق في هذا الأمر لم يتمكّنوا من الدّخول، فكيف بالله يتمكّن الآخرون من ذلك؟ لكن الموضوع ليس بهذه البساطة، فهو يعني بالنّسبة للمصريّين (بكلّ بساطة ـ باستخدام الألفاظ المنسوبة إلى الوزير الصّادق عمارة) الآتي: الآن وقد ضمنّا إبعاد أيّ سوداني من المشروع، علينا استخلاص الضّمانات بألاّ يُسمح لأيّ جهة أخرى غير سودانية أو مصريّة (ليبيّة مثلاً) بالدّخول في هذا الموضوع. هنا يتدخّل عرّاب النّدوة السّيّد محمود مراد مقدّماً ضمانات لا نعلم مصدر التّخويل أو التّفويض فيها، وهو المصري وليس السّوداني
08-05-2007, 01:25 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(61) الفصل الخامس الضّمانات ... الضّمانات!- 3/3 هنا يتدخّل عرّاب النّدوة السّيّد محمود مراد مقدّماً ضمانات لا نعلم مصدر التّخويل أو التّفويض فيها، وهو المصري وليس السّوداني:
بالنّسبة للتّمليك، فهذا يُدرس وفي رأيي فإنّه سيتقرّر [كذا] ولكن المتاح الآن ليس مُضرّاً [كذا] فإنّ حقّ المنفعة [القائم على مساواة حقّ المواطن المصري بالسّوداني] يتجدّد ويمكن النّصّ على هذا، وبالنّسبة للضّمانات فهذا حقّ وللمستثمر أن يطلب ما يشاء [كذا] من ضمانات قانونيّة وضدّ مخاطر الاستثمار ... أمّا عن اقتصار المنطقة على المشروعات المصريّة السّودانيّة فقط فهذا صحيح ولذلك ندفع بالمستثمرين .. لكن إلى متى؟ لكن هذا ما قال به القوم الجِشاع؛ تُرى ماذا قال وزيرنا إن كان قد قال شيئاً؟ هنا إسمحوا لي، سادتي، أن أنقل إليكم ما دار بخصوص هذه الجزئيّة نقل مسطرة. بعد حديث محمود مراد أعلاه، وتقديمه لهذه الضّمانات المجّانيّة باسم حكومتنا الموقّرة، جرى الحديث على النّحو التّالي: الدّكتور صادق عمارة: أضيف إلى ما قاله الأخ محمود .. إنّ حقّ الانتفاع يمكن أن يمتدّ لمدّة تسعة وتسعين عاماً .. وأقول إنّ زراعة أراضي هذه المنطقة غير مكلّف ـ وأنا فلاّح ودارس للزّراعة ـ إذ يمكن أن نزرعها فوراً .. وعن اقتصارها على مشروعات مصريّة وسودانيّة فهذا صحيح لكن العالم يتحرّك ونحن لا نتحرّك .. أشرف عبادة: ربّما يكون من الأوفق تأسيس شركات مصريّة سودانيّة مشتركة للعمل .. صلاح الملّيجي: كنتُ أودّ التّركيز على موضوع الضّمانات .. الدّكتور صادق عمارة: الضّمانات القانونيّة موجودة ومستعدّون لأيّ ضمان .. وأكرّر أنّنا سنتكفّل بكلّ الطّرق الرّئيسيّة والفرعيّة وبشبكة الكهرباء .. وشبكة الرّيّ .. وأكرّر أنّ حقّ الملكيّة ستكون للمصريّ مثل السّوداني. ومثلاً فإنّ حقّ ملكيّة المنفعة لغير السّوداني تكون في حدود ثلاثين سنة .. أمّا بالنّسبة للسّوداني والمصري ـ مثله ـ فهي في حدود خمسين سنة ويمكن أن تكون تسعاً وتسعين سنة .. والسّعر يكاد يكون مجّاناً ... .
ونواصـل ....... الفصل السّادس - مصر المؤمّنة أولاً ... ثمّ "حريقة" في السّودان
08-05-2007, 10:06 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
إذن يا سادتي فقد ساوت حكومتنا بين السّوداني والمصري، إلاّ أنّ المصري يطلب أكثر من ذلك، وحكومتنا تعده بإعادة النّظر بعين العطف. أكثر من ذلك ستقوم حكومتنا من مال دافعي الضّرائب بتمويل المشروع من طرق رئيسيّة وفرعيّة وشبكة ريّ، ثمّ شبكة كهرباء، كلّ ذلك لصالح المواطن المصري (المغلوب على أمره)، ودون أن يكون للمواطن السّوداني أيّ عائد من هذا المشروع "الضّخم" (باستخدام ألفاظ العديد من الخبراء المصريّين بالنّدوة).
(63) الفصل السادس مصر المؤمّنة أولاً .... لا أفارقة بعد اليوم ... مصريّون .. مصريّون! - 1/7
وهذا قولٌ هتافيٌّ ما كان أغنانا عنه لو أنّ ساستَنا أطاعوا الله فينا. وما كنّا لنقف عند هذا لولا أنّنا رأينا الأمر كما لو كان منسّقاً بين العديد من الجهات الرّسميّة وغير الرّسميّة. فبعد حديث اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين (وزير الدّاخليّة) بحوالي الشّهر، أي تحديداً في يوم الأحد 8 فبراير الموافق 17 ذا الحجّة 1424هـ طالعتنا جريدة الرّأي العام [عدد 2351، ص 9] بالحلقة الأولى من مقال للأستاذ محمّد سعيد محمّد الحسن بعنوان: الوجود المصري المكثّف يصوّب الخطأ الفادح ويعيد التّوازن السّكّاني .. التّسريع بتفعيل "الحرّيّات الأربع" بوادي النّيل، والعنوان وحده يشي بمحتواه لدرجة ربّما ما كانت لتحوجنا إلى التّعليق عليه. ومع ذلك لا بأس من الإشارة لبعض الفقرات المحوريّة التي اشتمل عليها هذا المقال العجيب الذي أغضب النّوبيّين حتّى زعم البعض منهم أنّه يشتمّ فيه رائحة العمالة. بالطّبع يبدأ المقال بالتّعويل على اتّفاقيّة الحريّات الأربع، وتحديداً للانطلاق منها لتسويغ استيطان ملايين المصريّين ليس بشمال السّودان فحسب بل في مناطق أخرى، بالضّبط مثلما نُسب للسّيّد اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين. ويستخدم الكاتب في ذلك صياغات خطابيّة مصريّة عند تناول الشّأن السّوداني من قبيل (وادي النّيل)، (الجنوب) لدى الإشارة إلى السّودان، مغلّفاً أهدافه بورق الكلام الأصفر. نقرأ في المقال: إنّ التّداخل البشري بين شطري وادي النّيل ينبغي أن يأخذ الأسبقيّة الأولى لأنّه ضروري للجنوب بمثلما هو ضروري للشّمال فهو عصب العمليّة التّكامليّة والوحدويّة على حدٍّ سواء لأنّ التّواصل الإنساني والتّعامل المباشر وحده يؤمّن الجسر المشترك ويقوّي الوشائج ولتسهيل هذا الجانب فينبغي التّعجيل برصف طريق بورسودان ـ السّويس (نحو 280 كيلو متراً) أي أقلّ من المسافة بين الخرطوم وعطبرة الذي تقطع الآن في أقلّ من أربع ساعات وهذا وحده كفيل بتحقيق حلم ظلّ على مدى حقب بعيدة يراود أهل شطري وادي النّيل وسيجعل الانتقال سهلاً وممكناً ومتاحاً للجميع ... .
08-05-2007, 10:21 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(64) الفصل السادس مصر المؤمّنة أولاً .... لا أفارقة بعد اليوم ... مصريّون .. مصريّون! - 2/7
ولننظر إلى القوم كيف يستكثرون على أنفسهم كبر مساحة السّودان، كأنّما لو أنّهم غير جديرين بها، بل أولى بمثل هذه المساحة الرّحيبة الجارة العزيز، مصر المؤمّنة. وفي الحقيقة هذا الكلام لا علاقة له بكلام أهل السّودان البسطاء، ممّن حباهم الله رجاحة العقل باعتبارها حسّاً عاماً لا يحتاج إلى شهادات أو مدارس. كما لا يشبه كلام أهل السّودان من كتبة الصّحف عموماً إلاّ في استخدامه لإزميل فدياس في تدمير تماثيل الكلام بدلاً من نحتها به. لاحظوا خلوّ المقال من حركات التّرقيم من نقطة وشولة، إلخ، فضلاً عن ركاكة مركّبة لا يمكن للكاتب (وقد سلخ أكثر من أربعة عقود في مهنة الصّحافة، فتصوّر!) أن يعرف منها فكاكاً حتّى لو استقبل من أمر تعليمه ما استدبر، ولله في خلقه شئون. فلننظر يا سادتي إلى هذا القول النُّكْر: ... فلدى السّودان موارد هائلة وأرض شاسعة وممتدّة خصبة وثريّة ولدى مصر خبرات وإمكانيّات ضخمة ولكن الأرض الزّراعيّة في مصر ظلّت منذ عهد الفراعنة محدودة ولم تتجاوز الخمسة ملايين فدّان واستطاع الفلاّح المصري بالخبرة المتوارثة والقدرات المتعدّدة المتاحة المثابرة على الزّراعة وتكثيف الإنتاج لتغطية احتياجات سكّان مصر الذين ارتفع تعدادهم من 25 مليون نسمة في حقبة الخمسينات إلى 70 مليون نسمة مع مطلع الألفيّة الثّالثة وتمكّنت الدّولة المصريّة من قهر الصّحراء وشقّ القنوات ومدّها بالمياه واستصلاح الأراضي عبر جهد خارق وأموال طائلة ولكن كلّه لم يحقّق سوى مليوني فدّان واتّسعت المساحة إلى سبعة ملايين فدّان ومثل هذه الفدادين توجد أضعافها في الشّمال والوسط وفي الشّرق وبوجه خاص منطقة طوكر، والسّودان يمتلك أراضي زراعيّة ذات خصوبة عالية ... إنّ الأراضي الخصبة في السّودان تعوزها الأيدي الزّراعيّة ذات الخبرة والدّراية والتي بمقدورها تحويل الأرض من تراب إلى تبر وليس هنالك أفضل ولا أكفأ من الخبرة المصريّة العريقة المتمثّلة في الفلاّح المصري ولكن قدوم المصريّين لن يتيسّر بالكلام الطّيّب ولا بالتّمنّيات ولا بوجود مثل هذه الأراضي الجيّدة الثّريّة إنّما بتوفير الاحتياجات والخدمات الضّروريّة من المياه النّقيّة والكهرباء والتّعليم والعلاج والسّكن والأسواق في المناطق المعدّة للزّراعة وإيجاد الصّيغة الملائمة والجاذبة للتّمليك أو الشّراكة للقوى المنتجة، إنّ دولاً مثل تونس والعراق أعطتهم الأرض والسّكن مجّاناً للوصول إليها والتّفرّغ للزّراعة.
08-05-2007, 10:27 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(65) الفصل السادس مصر المؤمّنة أولاً .... لا أفارقة بعد اليوم ... مصريّون .. مصريّون! - 3/7
ثمّ فلنُعيد الكرّة فيما يمكن أن يعتبره البعض توارد خواطر (رسميّة وشعبيّة) بين ما قال به اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين والأستاذ محمّد سعيد محمّد الحسن فيما يخصّ تزايد وتيرة تعداد شعب مصر، وكأنّما السّودان هو المسئول عن دفع فاتورة هذه التّكلفة السّكانيّة. ثمّ فلننظر إلى هؤلاء الذين يبكون بدموع التّماسيح شفقةً على مصر من رُزء أصلابها. وللمرء أن يتساءل: لماذا تتكبّد الدّولة بالسّودان كلّ هذه التّكاليف من أجل أبناء شعب آخر وهي التي لم تفعل ذلك لشعبها؟ ولكن، يا سادتي، هل فعلاً يعني الكاتب أن تقوم الدّولة السّودانيّة بدفع تكاليف توطين ملايين المصريّين من مال دافعي الضّرائب السّودانيّين؟ الإجابة على هذا السّؤال وقعنا عليها طبعاً في تلافيف الحديث الذي نُسب إلى الدّكتور الصّادق عمارة، أعلاه. نعم، لقد صدق كاتب المقال في مسألة استجلاب العراق ودول أخرى للفلاّحين المصريّين إلى أرضهم؛ لكن الكاتب أحجم عن أن يحكي لنا إلى ماذا انتهت فصول ذلك الاستيطان. فقد سُحل المصريّون في شوارع العراق حتّى تمّ إجلاؤهم عن آخرهم. ومع رفضنا لما قام به العراقيّون في ردّة فعلهم إزاء الفلاّحين البسطاء، لا نملك إلاّ أن نُحمّل مسئوليّة ما حاق بالفلاّحين على نظامي القاهرة وبغداد. الأول على تكالبه على كلّ شبر من الأرض قد يُتيحه له أيُّ نظام حكم غير مسئول؛ والثّاني على تفريطه في مكتسبات شعبه. فهل هذه تجربة مثلى كي يُضرب بها المثل من قبل كاتب مرموق (أو قُل: مرقوم) ومخضرم (أو قُل: مُخَدلج، وهي لغة في التّخديج) مثل الأستاذ محمّد سعيد محمّد الحسن، الذي يقول بعد ذلك قولاً نُكْراً على نُكر ما قال به أعلاه، ممّا عدّه الكثير من النّوبيّين على أنّه مجرّد بوّابة مخلّعة الأبواب في دهليز "الدّهنسة" و"مسخ الجوخ"؛ ولا يُلام النّوبيّون في ذلك حتّى لو اشتطّوا: إنّ تطبيق "الحريّات الأربع" التّنقّل والإقامة والعمل والتّملّك ينبغي أن يتمّ بشكل فوري على الأرض التي طال شوقها وانتظارها لقدوم أهل الخبرة والخضرة في الشّمال [يعني بـ "الشّمال" هنا "مصر" طبعاً].
08-06-2007, 00:19 AM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(66) الفصل السادس مصر المؤمّنة أولاً .... لا أفارقة بعد اليوم ... مصريّون .. مصريّون! - 4/7
وفي نهاية المقال يقذف الأستاذ محمّد سعيد محمّد الحسن ببرقع الكلام بعيداً ليكشف عن وجه قميء في باب العلاقة بين مصر والسّودان، من جانب، حيث يطالب بتوطين ملايين المصريين وبالمكشوف، ثمّ في رؤيته، من جانب آخر، لإخوةٍ لنا سودانيّين حفظونا وحفظوا سوداننا وسودانهم عبر السّنين والقرون وما بدّلوا تبديلا، ألا وهم السّودانيّون الذين تعود بهم أصولهم إلى غرب أفريقيا، فحُقّ لنا أن نحفظهم في بلدهم وبلدنا السّودان وفاءً وإكراماً، إلاّ من أضلّه الله فلن تجد له من هادٍ. وهذا ما يعود بنا إلى الكلام المنسوب للواء عبد الرّحيم محمّد حسين ثمّ الكلام الوارد في الوثيقة الرّسميّة الخاصّة بوزارة الدّاخليّة المشار إليها أعلاه. يقول الأستاذ الصّحفي المخضرم: إنّ التّسريع بتطبيق "الحرّيّات الأربع" وبوجه خاص ما يتعلّق بانتقال الزّراعيّين المصريّين نحو الشّطر الجنوبي [كذا] سيحقّق مزايا ومكاسب واسعة في وادي النّيل ليس على مستوى الإنتاج والتّوسّع الزّراعي وإقامة المناطق المنتجة الجديدة وإنّما على مستوى تحقيق التّوازن السّكّاني .. [استخدام النّقطتين كأسلوب ترقيمي ورد في الأصل] لقد عمدت الإدارة البريطانيّة إبّان حكمها للسّودان إلى إعادة المصريّين العاملين فيه إلى مصر وحظرت دخولهم تماماً إلاّ بإذن خاص ويقتصر على مسئولي الحكومة المصريّة بينما فتحت للهجرة البدائيّة الوافدة من الدّول الأفريقيّة المجاورة الحدود ومنافذ العبور وشجّعت إقامتهم ثمّ جاء الحكم الوطني وبعقليّة قاصرة أغدق على جموع الوافدين "الجنسيّة السّودانيّة" لضمان أصواتهم في الانتخابات العامّة وتمّ ذلك إبّان حكومة السّيّد عبدالله خليل سكرتير عام حزب الأمّة وذلك في أعوام 1956 و1957 و1958 واستقرّوا وتوالدوا وتكاثروا [لم يبقَ إلاّ أن يقول "كالبعوض أو الذّباب"] في مناطق عديدة والأرض الرّحبة تسعهم وينبغي أيضاً أن تسع غيرهم أي قدوم الملايين من مصر لأهداف وأغراض متعدّدة منها أنّ استقرارهم في جنوب الوادي يحقّق المعادلة الصّحيحة للتّوازن السّكّاني والحيلولة دون الاختلال. كذا إذن! أليس ذلك أدعى للنّاس كيما يصدّقوا مذكّرة مجموعة العمل النّوبي عندما قالت بأنّ المسألة كلّها مبنيّة على رؤية عنصريّة تنظر إلى السّودان باعتباره بلداً ينبغي أن يكون للعرب فيه اليد الطّولى من حيث السّكّان والسّلطة والثّروة، ثمّ الثّقافة؟ وفي الحقّ، إذا كان جميع هؤلاء النّاس، وغيرهم كُثر، يتكلّمون بهذه الطّريقة من تلقاء أنفسهم وبالأصالة عمّا بدوخلهم، إذن فما أسعد مصر المؤمّنة بحبّ بعض أبناء السّودان وإيثارهم لها عن بلدهم المغبون. .
08-06-2007, 01:41 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(67) الفصل السادس مصر المؤمّنة أولاً .... لا أفارقة بعد اليوم ... مصريّون .. مصريّون! - 5/7
أنظروا إلى الأستاذ الصّحفي المخضرم محمّد سعيد محمّد الحسن كيف ختم الجزء الأوّل من مقالته التي سَلَحَ بها على رؤوسنا دون استحياء (ومن لم يستحِ، فليفعل ما يشاء): ثمّ نأتي إلى دور مصر في عمليّة سلام السّودان وتأمين واتّفاقيّة [كذا] الدّفاع المشترك ووجوب استردادها واستعادة فعاليّتها واتّفاقيّة مياه النّيل وإعادة الحياة والكثافة السّكّانيّة في منطقة حلفا القديمة كضرورة إستراتيجيّة ... . كذا إذن! فإعادة الحياة والكثافة السّكّانيّة في منطقة حلفا القديمة التي اشترط المصريّون إفراغها من سكّانها الأصليّين قد أصبح حقّاً إستراتيجيّاً لمصر! هذا ما كان من أمر صحفي يفترض فيه أنّه يكتب من منطلق حرّيّة الفكر والأمانة المهنيّة. الآن دعونا نتأمّل بإيجاز ما قاله أحد رجالات الدّولة، ألا وهو السّفير عزّالدّين حامد، (السّفير بمجلس الصّداقة الشّعبيّة وهو مؤسّسة رسميّة). طالعتنا جريدة الرّأي العام الصّادرة بتاريخ الأحد 18 أبريل 2004م الموافق 28 صفر 1425هـ (وهو اليوم الذي قدّمت فيه مجموعة العمل النّوبي مذكّرتها لكوفي عنان)، صفحة رقم 3، بخبر تنظيم ندوة حملت العنوان التّالي: العاطفة أم المصلحة .. تحكم علاقات مصر والسّودان؟ حوار مثير في ندوة مهمّة بالخرطوم ناقشت الآمال والآلام؛ وقد جاءت النّدوة التي استمرّت لمدى يومين بقاعة الصّداقة بتنسيق مشترك بين المركز السّوداني للخدمات الصّحفيّة (وهذا مركز مرفوعة في وجهه تهمة انتمائه إداريّاً وتأسيساً لجهاز الأمن السّوداني، وهو ما ينفيه المركز بلا طائل) امتداداً لندوات مماثلة أقامها بالقاهرة مركز الأهرام سابقاً. وعلى هذا قام السّيّد محمود مراد (تاني!) بإعداد مضابط النّدوة للنّشر. يقول المعدّ الصّحفي للنّدوة، السّيّد محمود مراد: وشارك في إدارة الجلسات شخصيّات لها ثقلها مثل البروفيسور علي شمّو رئيس المجلس القومي للصّحافة والمطبوعات وزير الإعلام والثّقافة الأسبق، والبروفيسور حسن السّاعوري، والدّكتور حسين سليمان أبو صالح وزير الخارجيّة الأسبق، وتحدّث في النّدوة عدد من الشّخصيّات البارزة مثل الدّكتور مجذوب الخليفة وزير الزّراعة والغابات، والزّهاوي إبراهيم مالك وزير الإعلام، والدّكتور كمال علي محمّد وزير الرّيّ، والبروفيسور بركات موسى الحوّاتي عميد كلّيّة القانون جامعة جوبا والدّكتور أحمد دياب أستاذ التّاريخ وعدد من القيادات السّياسيّة والفكريّة والإعلاميّة .. .
08-06-2007, 04:26 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(68) الفصل السادس مصر المؤمّنة أولاً .... لا أفارقة بعد اليوم ... مصريّون .. مصريّون! - 6/7
تميّزت الإفادات المنسوبة للمشاركين في النّدوة، وأغلبهم من السّودانيّين، بتحيّزها الواضح لمصر، عدا إفادة واحدة احتجّت على صعوبة إجراءات حصول السّودانيّين لتأشيرة الدّخول لمصر، وذلك في ظلّ الزّخم المرتبط باتّفاقيّة الحريّات الأربع (وهو ما سنأتي له لاحقاً). في سياق هذه النّدوة نُسب إلى السّيّد السّفير عزّالدّين حامد قوله بعد إشارته للعديد من أشكال التّكامل التي تمّ التّوقيع عليها رسميّاً بين السّودان ومصر: ... ما يحدث من تكامل الآن لم يخرج عن إطار العلاقات الثّنائيّة. ولتحقيق ذلك [أي التّكامل الحقيقي] لا بدّ من أن تكون الأسبقيّة الأولى في الاتّجاه للأمن الغذائي والتّكامل الزّراعي والتّوسّع في زراعة القمح في الإقليم الشّمالي من السّودان لتشجيع الفلاّح المصري لعبور حدود الإقليم الشّمالي لإحداث توازن في التّركيبة السّكّانيّة التي تفقد الإقبال من الدّول العربيّة خاصّة مصر بينما كلّ دول غرب أفريقيا عرفت طريقها إلى السّودان منذ أمدٍ بعيد. وكيفما كان هذا الاتّجاه مشحونا بالعنصريّة ومجافاة حقيقة الهويّة السّوداء لأهل هذا البلد الذي ظلّ اسمه مرتبطاً باللون الأسود منذ فجر التّاريخ إلى لحظتنا الرّهنة [في ذلك أنظر، محمّد جلال هاشم، 2006a بالإنكليزيّة] ـ كيفما كان كلّ هذا، تبقى حقيقة من الصّعب المغالطة أو المماحكة فيها، ألا وهي أنّ مسألة "إحداث التّوازن في التّركيبة السّكّانيّة" تمثّل جملة مفتاحيّة اجترحها المسئولون الرّسميّون في السّودان لتوصيف الوضع في المنطقة الشّمالية التي هجرها أهلها عند تشييد السّدّ العالي، وفيما بعد جرّاء الدّهورة التي نجمت عن التّهميش ببعديه التّنموي والثّقافي. ومن الواضح عند مسئولينا أنّ تحقيق هذا التّوازن يتمثّل في استقدام ملايين المصريّين من دون النّوبيّين، مصريّين كانوا أم سودانيّين. وهذا الإقصاء لا يمكن فهمه إلاّ في إطار أنّ المسألة كلّها لا تقوم على مجرّد ملء الفراغ البشري، بل إحداث تغيير في التّركيبة العرقيّة والثّقافيّة، الأمر الذي يبرّر استبدال العنصر الأفريقي الأسود بعنصر عربي جديد، وهذا هو مناط الإشارة إلى من يسمّيهم المسئولون الرّسميّون بجملة "وافدي غرب أفريقيا". وفي هذا يجد المسئولون الرّسميّون من يشايعهم ويحرق لهم البخور من لفيف الأكاديميّين والصّحفيّين وغيرهم. وإلاّ ، فانظروا إلى هذا الأفريقي الأسود كيف يُعلي من شأن مصر ويُزري في المقابل من شأن أفريقيا السّوداء، ألا وهو الدّكتور أحمد دياب (أستاذ التّاريخ)، في نفس النّدوة المشار إليها أعلاه: إنّني من الذين لديهم محبّة شديدة لمصر وأرفض كلمة علاقات لأنّه يمكن أن يقال العلاقات مع الهند أو يوغندا مثلاً .. لكن علاقات مع مصر فهذا ما لا أقبله لأنّ الذي بين مصر والسّودان روابط دم وتمازج قديم.
08-06-2007, 04:29 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(69) الفصل السادس مصر المؤمّنة أولاً .... لا أفارقة بعد اليوم ... مصريّون .. مصريّون! - 6/7
فهل تُرى لم يجد الدّكتور أحمد دياب (أستاذ التّاريخ) من يذكّره بأنّ علاقات السّودان ويوغندا بالنّسبة للقبائل النّيليّة والأشولي بوجهٍ خاص (دع عنك عموم أهل السّودان الذين لا يرون غضاضة في أن يكونوا أفارقةً سوداً)، وهي نفس القبائل المنقسمة حدوديّاً بين البلدين وتصعد حتّى كينيا، تمثّل أيضاً روابط دم وتمازج قديم؟ فمثل هذه المعلومات الأوّليّة لا يمكن الزّعم بغيابها عن واعية أستاذ التّاريخ، لكن إن هي إلاّ غيبوبة المحبّ في لحظة الجذب، فتصوّر! هذه المسألة يا سادتي لا يمكن فهمها إلاّ في إطار حالة الاستلاب التي تجتاح بلادنا، فتعصف بتوازن أناسٍ ربّما نالوا مرتبة عالية في العلم والسّلطة والثّروة، فإذا بهم ينفرون من صحوة هويّتهم الأفريقيّة الغرّاء ليدخلوا بملء إرادتهم غيبوبةَ نُشدانهم لهويّةٍ عربيّة ما واتاهم بها المولى عزّ وجلّ، والله ذو الفضل العظيم. ولعمري هذا أبغض مراحل العنصريّة، وذلك عندما يشتطّ تيّار عنصري بعينه، حتّى يُفقد حملةَ العنصر المغاير احترامهم لأنفسهم كبشر، والعياذ بالله. إذن يا سادتي، فالقضيّة أضحت واضحة، من حيث أبعادها العنصريّة. ولكن، مع كلّ هذا، لن نعجب إذا ما طالعتنا بعض الأقلام الظّالعة، وربّما من بعض النّوبيّين الذين ضرب الله بغشاوة الجهل أو الغرض على قلوبهم، التي تتّهم النّوبيّين بالعنصريّة في موقفها الرّافض لإقامة الخزّان. وفي هذا يأمل القوم المتآمرون، بناءً على ما قاله هذا أو ذاك، أن يصبح علينا يوم فنجد النّوبيّين وقد باؤوا بهذه العنصريّة البغيضة زوراً وبهتاناً، وليس الذين يسعون بأيديهم وأقدامهم، ثمّ بأقلامهم، كيما يستقدموا أعراب سيناء (دون النّوبيّين) لملء الفراغ السّكّاني بمنطقة النّوبة التي تمّ إفراغها سكّانيّاً، كلّ ذلك لإعادة التّوازن العرقي بالسّودان وتوزّعه بين العروبة والأفريقيّة بما يضمن تفوّق من استعرب على من لم يستعرب بعد. يا قوم، ما لكم كيف تحكمون! وليس هذا بغريب على مؤسّسة الدّولة المركزيّة في السّودان، وهي التي يا طالما اتّبعت هذا التّكتيك في مواجهتها لمطالب أهل الهامش، إذ تبادرهم بتهمة العنصريّة، وذلك من قبيل الإسقاط؛ فالعنصريّة منها وفيها، وأهلُ الهامش من ذلك براء. في مثل هذا يقول أهلنا من عرب السّودان: "الفيك بادِر بُو"، وقد صدقوا.
08-06-2007, 04:32 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(70) الفصل السادس رضينا بالهمّ، لكن الهمّ لم يرْضَ بنا - 1/2
بمجرّد التّوقيع على اتّفاقيّة الحريّات الأربعة بين مصر والسّودان، وفي اليوم التّالي مباشرةً، وصلت إلى مطار الخرطوم، قادمةً من مطار القاهرة، طائرة عليها ما يزيد على الثّمانين راكباً يحملون الجنسيّة المصريّة دون أن تكون معهم تأشيرات دخول إلى السّودان. ومنذ تلك اللحظة لم يعد المصريّون يتمتّعون فقط بامتياز سفرهم من مصر إلى السّودان بدون تكبّد المشاق سعياً للحصول على تأشيرة الدّخول، بل توالت منهم أفواج وأفواج من العمالة التي اكتشف النّاس، فضلاً عن كونها ماهرة، أنّها رخيصة وزهيدة التّكاليف بدرجة غير منطقيّة. ثمّ إن هي إلاذ هذي السّنوات الثّلاث، فإذا بأفواج من المصريّين يملأون شوارع الخرطوم (ولا أدري إن كان هذا أيضاً في مدن أخرى)، وهم يبيعون في الطّرقات ومواقف إشارات المرور الضّوئية العديد من السّلع المحمولة على اليد، وبأسعار أقلّ ما يُقال عنها إنّها زهيدة إن لم تكن مجّاناً؛ من ذلك مثلاً صور مطبوعة على ورق مصقول وخلافها. وقد ظنّ بعض المغفّلين أنّ تلك بشارة وإيذان لخيرات مصر بأن تتدفّق. ولكن بعد زمنٍ وجيز، إذا بهؤلاء الباعة المتجوّلين يقتحمون المكاتب بلا استئذان، عارضين بضاعتهم الزّهيدة والتي لم يرغب فيها السّودانيّون فقط، بل بدا واضحاً أنّ من يقومون بعرضها أنفسهم غير آبهين بها، أباعت أم كسدت. وهنا لا نريد أن نتّصف بسذاجة الطّيّب صالح عندما تساءل أوّل أيّام الإنقاذ: من أين جاء هؤلاء؟ بل نتساءل: ماذا يفعل هؤلاء؟ ولكن، يا سادتي، ليت الأمر توقّف عند هذا الحدّ! إذن فقد تمّ توقيع اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع المتعلّقة بحريّة التّنقّل، وحرّيّة التّملّك ... إلخ. وبالفعل شرع المصريّون في الاستفادة من الامتيازات التي أتاحتها لهم هذه الاتّفاقيّة التي سعى بها إليهم ساسةُ السّودان وحكّامُه مجّاناً، بل وبحوافزها، مثلما سعى السّادات من تلقاء نفسه إلى إسرائيل؛ فيا للأريحيّة، ومرحى لنا جميعاً. لكن، تُرى هل استفاد السّودانيّون من ذات الاتّفاقيّة؟ طبعاً لا! فقد تعنّت الجانب المصري في إنفاذ الشّقّ الخاص به. وكنت أشرتُ أعلاه إلى أنّ شخصاً ما قد سجّل احتجاجاً بهذا الشّأن في النّدوة المحضورة والتي نظّمها مركز الأهرام بالتّنسيق مع المركز السّوداني للخدمات الصّحفيّة، وهي النّدوة التي أدارها، ثمّ نشر مضابطها في جريدة الرّأي العام (الأحد 18 أبريل 2004م الموافق 28 صفر 1425هـ) الصّحفي المصري محمود مراد. كان ذلك الشّخص هو السّيّد فوزي عبد الرّحيم محمود، وقد شارك بصفته الأمين العام لحزب وحدة وادي النّيل؛ وشخص بهذه الصّفة لا يمكن أن يُتّهم في نواياه تجاه مصر، فهو كمن شهد شاهدٌ من أهلها. قال الأمين العام لحزب وحدة وادي النّيل: إنّني أتحدّث بعفويّة المواطن العادي الذي حمل جواز سفر عادي وأغضب عندما أرى الإسرائيلي يدخل مصر بدون تأشيرة بينما لا بدّ لي من أن الحصول عليها .. [التّنقيط جاء في الأصل] ... .
08-06-2007, 04:36 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
(71) الفصل السادس رضينا بالهمّ، لكن الهمّ لم يرْضَ بنا - 2/2
هنا جاء ردّ منظّم النّدوة الأستاذ محمود مراد مراوغاً وغير صريح، إذ قال مع نفيه بشدّة دخول الإسرائيليّين لمصر بدون تأشيرة: أمّا عن تأشيرة الدّخول إلى مصر بالنّسبة للسّودان وكذلك للمصري بالنّسبة لمصر .. ف إنّني [كذا] أقول له "إسأل روحك.! وعندما تقول لي الإجابة سأردّ عليك!! ولعلّي أضيف أنّ أصحاب الحالات الخاصّة والمرضى سمكنهم الحصول على تأشيرة لدخول مصر في نفس اليوم .. ورجال أعمال يأخذون تأشيرة متعدّدة السّفريّات صالحة لمدّة ستّة أشهر أي يحصلون على التّاشيرة مرّتين فقط طوال السّنة .. وفي الحالات العاديّة فإنّ المواطن يحصل على التّاشيرة خلال فترة أقصاها خمسة أيّام .. . إذن بينما يدخل المصريّون إلى السّودان بلا تأشيرة، يلزم السّودانيّين (الطّيّبين) أن يحصلوا على تأشيرة، مع تسهيلات واضحة للحالات الإنسانيّة، وبالأخصّ إذا كانوا رجال أعمال، أي أنّ لهم أموالاً ومن المفترض أن يصرفوها في مصر. ولكن ماذا عن غمزه ولمزه، عندما قال: "إسأل روحك ... إلخ"؟ هل يعني هذا أنّ السّلطات لسّودانيّة هي التي طلبت منهم اتّخاذ هذه الإجراءات، وذلك للحيلولة دون تدفّق المسّودانيّين على مصر، مثلما فعلوا أوّل سنيّ الإنقاذ، بما يثقل على كاهل الخزينة المصريّة؟ تُرى هل ذهب المسئولون السّودانيّون إلى هذا الحدّ في حدبهم على مصلحة مصر؟ ولكن هل فعلاً أثقلت هجرة السّودانيّين كاهل الخزينة المصريّة عندما تدفّقوا على مصر من أوائل إلى أواخر تسعينات القرن المنصرم؟ إذا كنت ترغب في الإجابة الشّافية لهذا السّؤال، فعليك أن تقرأ أدناه. ... .
08-06-2007, 04:39 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
72- الفصل السادس دايرين فيزا! لكن مصر لا "تجود" لنا إلاّ بمقدار 1/2
داومت القنصليّة المصريّة بالخرطوم على أن تصادق على عدد 100 تأشيرة دخول في اليوم الواحد فقط ـ ويا للكرم. في هذا يظلّ السّودانيّون البسطاء "ملطوعين" طيلة النّهار، وتحت هجير الشّمس التي لا ترحم، وهم الذين تحسّسوا طريقهم وخطواتهم في ظلام الفجر الدّامس إلى أن وصلوا إلى أعتاب القنصليّة على أمل أن يحصلوا على التّأشيرة. وقد ضجّ السّودانيّون بالشّكوى، وتعالت أصوات الاحتجاج ولا من مغيث. ثمّ أخيرا تحرّكت الأجهزة الرّسميّة "لإحداث توازن في اختلال المعادلة" ـ باستخدام ألفاظ بعض المسئولين والصّحفيّين والعشّاق الولهانين بحبّ مصر المحروسة. ففي عددها بتاريخ الأحد 15 أبريل 2007 الموافق 27 ربيع الأوّل 1428هـ (بالرّقم 3446) وتحت عنوان: إجراءات جديدة لتسهيل دخول السّودانيّين لمصر، جاء في جريدة الرّأي العام ما يلي: وافقت السّلطات المصريّة على جملة من الإجراءات الهادفة لتسهيل دخول السّودانيّين لمصر وفيما لا تزال بعض الأجهزة الرّسميّة المصريّة تتحفّظ على إنفاذ اتّفاق الحريّات الأربع الموقّع بين البلدين انتهت اللجنة المشتركة بإنفاذ ذات الاتّفاق [كذا] الخميس الماضي بالتّوافق على منح بعض [كذا] التّسهيلات في مجال حرّيّة تنقّل المواطنين السّودانيّين [كذا] أهمّها إعفاء من هم فوق الـ 55 عاماً من تأشيرة الدّخول لمصر ورفع سن الأطفال المستفيدين من التّأشيرة من 14 عاماً إلى 16 عاماً [كذا] ومنح رجال الأعمال تأشيرة دخول متعدّدة لمدّة عام وبحسب مدير إدارة مصر بالخارجيّة [السّودانيّة] السّفير حسن عبد الباقي أنّ الاجتماع وافق على حذف عبارة غير مصرّح له بالعمل من ختم تأشيرة الدّخول [كذا بعد أربع سنوات من التّوقيع على الاتّفاقيّة!]. وأضاف عبد الباقي للصّحافيّين أنّ الجانب المصري وافق [كذا، أي لم يُلزم بموجب الاتّفاقيّة] على منح السّودانيّين إقامة لمدّة ستّة أشهر بمنافذ الوصول المختلفة بدلاً من ثلاثة أشهر ... . هل نقول "مبروك" على هذا الإنجاز؟ ثمّ كيف بالله جاز لنا أن نقول، معلّقين داخل المتن [... أي لم يُلزم بموجب الاتّفاقيّة]؟ فنصّ الاتّفاقيّة التي طار بها المصريّون من الفرحة، فما حطّوا، تقتضي بأن تُلغى مثل هذه الإجراءات، وهي ذات الإجراءات التي قام الجانب السّوداني بإلغائها فعلاً، الأمر الذي نجم عنه تدفّق المصريّين على بلادنا، وذلك لإحداث توازن إستراتيجي لاختلال المعادلة السّكانيّة. فهل نقول عن الجانب السّوداني إنّنا لا يجب أن نغمطه حقّه إذ فاز بمزية الالتزام بما وقّع عليه؟
08-06-2007, 04:41 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
73- الفصل السادس دايرين فيزا! لكن مصر لا "تجود" لنا إلاّ بمقدار 2/2
ويستمرّ مسلسل المهازل؛ إذ جاء العنوان الرّئيسي في جريدة الصّحافة الصّادرة بتاريخ الجمعة 4 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثّاني 1428هـ يقرأ: بدء تطبيق الحرّيّات الأربع بين مصر والسّودان. وقد يذهب الظّنّ بالقاريء البريء إلى أنّ مصر أخيراً قد شرعت فعلاً بتطبيق الاتّفاقيّة بحذفارها، وذلك أسوةً بالسّودان. لكن هيهات لمصر أن تفعل ذلك، حتّى لو خانت الحصّافة (أو قُل: الصّحافة) أقوال الرّسميّين والإعلام بدولة التّمكين الحضاري. فالمؤتمر الصّحفي الذي عقده القنصل العام لمصر بالسّودان لم يزد عن كونه إعلاناً رسميّاً بما ذكرناه أعلاه. ليس ذلك فحسب، بل ذهب القنصل إلى حدّ التّهديد باتّخاذ إجراءات حيال أيّ استغلال سيّء لما سيقومون به، أيّ أن ينكبّ السّودانيّون على مصر؛ أي أن يقوموا بأقلّ ممّا ستقوم به ملايين الفلاّحين المصريّين، فالسّودانيّون في خامتة المطاف لن يستقرّوا بمصر، بل في أفضل الأحوال قد يجعلونها محطّة وسيطة ريثما يستقرّ بهم المقام في أحد الدّول الغربيّة التي، جانباً عن أنّه قد تنفق عليهم Benefit، يحرص السّودانيّون جرّاء الوضاعة والمهانة التي انتهى إليها حالهم في هذا الزّمن الكالح أن يحصلوا على جنسيّات الدّول الغربيّة لما في ذلك من حماية مظنونة. في ذلك المؤتمر الصّحفي لم تنقص القنصل المصري الشّجاعة في نفي، وتشديد النّفي، أن تكون مصر قد تلكّأت في تنفيذ اتّفاقيّة الحرّيّات الأربع، وذلك ردّاً على سؤال تفضّل به أحد الصّحفيّين. فقد ذكر في هذا المقام أنّ السّبب فيما يبدو على أنّه تلكّؤ يعود إلى اختلاف القوانين بين مصر والسّودان، حيث تتّبع الأولى النّظام الغرنسي، بينما يتّبع الأوّل النّظام الإنكليزي. وطبعاً ليس أيسر من الرّدّ على هذا اللجاجة؛ فحقّ الاستقرار وحقّ العمل والتّملك بالنّسبة المصريّيين في السّودان ممّا لا تسمح به قوانين البلد. ولم تجئ اتّفاقيّة الحريّات الأربع إلاّ لتغيير هذا القانون بما يسمح بعكش ذلك. إذن الأصل في إنفاذ أيّ اتّفاقيّة هو الشّروع فوراً في تعديل القوانين بما يلزم، وربّما إلغاؤها. ولكن لمِ نتكبّد كلّ هذه المشاقّ المنطقيّة في دحض ما دفع به القنصل المصري في مؤتمره الذي عقده؛ دعونا يا سادتي ندفع بما طالب به الجانب المصري وذلك في المباحثات المصريّة السّودانيّة والخاصّة بأعمال اللجنة الوزاريّة المشتركة في دورتها الخامسة التي عُقدت بالخرطوم [راجع جريدة الرّأي العام، الأحد 22 أبريل 2007م الموافق 4 ربيع الثّاني 1428هـ، صفحة 11]. فقد ورد في ذلك الخبر ما يلي: معظم اهتمامات الجانب المصري في المباحثات انصبّت على اتّفاقيّة الحريّات الأربع خصوصاً حريّة التّملّك والعمل التي طالبوا الحكومة السّودانيّة بمواءمة القوانين والتّشريعات التي تضمن للمواطن المصري حقّ الملكيّة الكاملة في السّودان إسوةً بالسّوداني في مصر. وطبعا شبعنا من الغباء المهني الذي يُجلّل صفحات جرائدنا، إذ كان من واجب الصّحفيّين الذين ينقلون مثل هذه الأخبار أن يتّصفوا ببعض الذّكاء المهني والكفاءة. فحتّى يوم الجمعة 4 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثّاني 1428هـ (اليوم الذي عقد فيه القنصل المصري بالخرطوم مؤتمره الصّحفي المشار إليه أعلاه) لم تكن مصر قد خفّفت إجراءات دخول السّودانيّين لمصر، كما لم تكن قد رفعت حظر العمل عليهم بمصر. وطبعاً هذا جزء من ثقافة "الكلفتة" الضّاربة بأطنابها؛ ولذا ليست مصر مضطرّة للتّحاذق لتمرير أجندتها ومتناقضاتها طالما لن ينتبه لها أيّ سوداني، لا على المستوى الرّسمي ولا على المستوى المهني المتعلّق بنقل المعلومات وتحليلها كالصّحافة. وعلى أيٍّ، إذن، فقد رضينا بالهمّ، لكن الهمّ لم يرض بنا!
08-06-2007, 04:53 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
74- الفصل السادس مصر مؤَمّنة، نع.... ما لم تكن عبداً، فويلٌ لك إذن.... 1/2 دعونا إذن يا سادتي نرى صورة من صور الإخاء الأزلي بين شعبي وادي النّيل، ثمّ دعونا نرى كيف استثمرت مصر مآسي السّودانيّين، متّخذين من مجزرة ميدان مصطفى محمود للاجئين السّودانيّين بالقاهرة التي جرت على عتبة مباني الأمم المتحّدة للاجئين، أمام عدسات الإعلام العالمي، وذلك صبيحة 30/12/2005م، أي قبل يوم واحد من الذّكرى الثّامنة والأربعين لاستقلال السّودان، نموذجاً؛ ثمّ لنتعرّف على الدّوافع الخفيّة وراء تلك المجزرة الشّنعاء. وقد تكلّمنّا بإسهاب عن هذه المجزرة في العديد من كتاباتنا، فلتُراجع لمزيدٍ من التّفصيل (أنظر مقالنا: 2006b بالإنكليزيّة؛ منهج التّحليل الثّقافي، ط. 5، قيد الطّبع]. ما بين عامي 1990م و1995م توافد إلى مصر ما يفوق المليونين مواطن سوداني (على أقلّ تقدير)، جميعهم فرّوا من نير القهر والاضطهاد. ما دفع بهذه الملايين إلى مصر عدّة أسباب، أضعفها كان دعاوى الإخاء والعلاقات الأزليّة التي لم يكن من الممكن لهؤلاء اللاجئين أن ينخدعوا بها. إلاّ أنّهم جميعاً، وعلى رأسهم قادة العمل السياسي المعارض، كانوا في الواقع قد وقعوا في شرك نصبه لهم المصريّون. فمصر حينها لم تكن بها فرص عمل تستوعب المصريّين ناهيك عن توافد مثل هذا العدد، فضلاً عن عدم قانونيّة تشغيل الأجانب بها. في نفس الوقت لم يكن النّظام المصري يقدّم أيّ إعانات للاجئين. إذن، أوّلاً، ما الذي دفع بهؤلاء إلى التّوجّه إلى مصر؟ ثمّ، ثانياً، لماذا فتح النّظام المصري أبوابه لأيّ عدد من السّودانيين؟ الإجابة عن السؤال الأول تكمن في أنّ الشّعب السّوداني حينها كان يعيش في معتقل كبير حدوده بحدود السّودان. فجانباً عن المطاردة الشرسة والمجّانية التي كان النظام يوليها لعامة المواطنين اعتقالاً وتعذيباً، قفلت السّفارات الأجنبية، الغربية و العربية منها خاصّةً، أبوابها أمام السّودانيّين لسابق معرفتهم بأنّ مثل أحوال السّودان هذه ستنجم عنها ظاهرة لجوء سياسي قد تنوء بمصاريفها بلادهم، أللهمّ إلاّ مصر التي فتحت أبوابها لهم. ولأنه ما كان ليدور في ذهن أي واحدٍ من أولئك أنّ هناك وضعاً يمكن أن يكون أسوأ من الوضع بالسّودان، شرع كلّ من ضاق به المقام بالرحيل إلى مصر. أمّا فيما يخصّ الإجابة على السّؤال الثّاني، وهو لماذا فتحت مصر أبوابها لهذا العدد المليوني إذا لم يكن في مقدورها ولا في نيّتها تقديم أيّ مساعدة لهم، فيكشف عن الدرك السّحيق الذي يمكن للنّظام المصري أن يصل إليه في استغلال مآسي السّودانيّين. فبمجرّد وصول السّوداني إلى مصر كان يكتشف أنّه كمن هرب من الأسد ليقع في أحضان التّمساح، أي كالمستجير من الرّمضاء بالنّار. فمصر اتّضح أنّها عبارة عن سجن كبير، بل أكثر من ذلك، اتّضح لجموع السّودانيّين أنّ الخروج من مصر إلى رحابة العالم دونه خرط القتاد. فمصر (الشقيقة) كانت قد أجرت العديد من البروتوكولات الدّبلوماسيّة مع جميع السّفارات الأجنبية المعتمدة لديها للحيلولة دون منح السّودانيّين أيّ تأشيرة خروج منها، بحجّة أنّ ذلك سيدفع بأضعاف العدد الحالي للقدوم إلى مصر. تلك كانت حجّة وجيهة بالنّظر إلى الهجمة المليونية للاجئين السّودانيّين. ثم اكتشف السّودانيّون أنّه محكوم عليهم أن يظلّوا عاطلين عن العمل، ليس لقلّته فحسب، بل لتشديد النّظام المصري ضدّ كلّ من يخدّم السّودانيّين. إذن من أين لملايين السّودانيّين أن يأكلوا ويشربوا ويسكنوا؟
08-06-2007, 04:55 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
74- الفصل السادس مصر مؤَمّنة، نع.... ما لم تكن عبداً، فويلٌ لك إذن.... 2/2 هنا لم يجد أفراد هذا الشعب المهجور غير أن يتّصل كلّ واحد منهم بأقاربه في دول البترول أو في الدول الغربيّة لإرسال بعض المال ريثما يتدبّرون أمرهم. وهكذا بدأت تحويلات السّودانيّين تتدفّق على مصر، واستمرّت لأعوام وليس لفترة قصيرة كما كان يظنّ اللاجئون، وذلك لسبب بسيط، إذ لم يكن للمشكلة حل. هذا هو السّبب وراء فتح مصر لأبوابها، وهو أمر خطّط له النّظام المصري بدقّة. فيما بين الأعوام 1996م ـ 1999م فاقت تحويلات السّودانيّين ما تدرّه قناة السّويس للخزينة المصريّة. ليس هذا فحسب، بل كان المواطن السّوداني يمرّ بسلسلة من المماطلات المهينة عندما يُخطره ذووه بأنّ المبلغ قد تمّ تحويله على البنك كذا عن طريق الفاكس رقم كذا ... إلخ. بالاستفسار عن المبلغ درجت البنوك على نفي أن تكون التّحويلة قد وصلت (لاحظ أنها بالفاكس، أي أنها فوريّة التّحويل والصّرف). وهكذا تستمرّ المماطلة لأكثر من شهر وأحياناً لشهرين، وهناك كثيرون غادروا القاهرة دون أن يتمكّنوا من صرف الحوالات الماليّة التي أرسلها لهم ذووهم. استمرّ هذا الحال لأكثر من عشرة سنين حتّى ضجّ السّودانيّون بالشّكوى ولا من مغيث. ثمّ أخيراً انتبهت مؤسّسات حقوق الإنسان لشرك "العبيد" الذي نصبه النّظام المصري بيعاً وشراءً للسّودانيّين واستثماراً لمأساتهم الوطنيّة لقاء دراهم من مال السّحت الذي ظلّت الدّولة المصريّة لأكثر من عشرة أعوام ترضع من لبانه. وبهذا شرعت وكالة الأمم المتّحدة للاّجئين في إعادة توطين هؤلاء السودانيّين في العديد من أقطار العالم، وهو الأمر الذي خُتمت فصوله بمأساة مذبحة القاهرة عشيّة عيد الاستقلال 30/12/2005م لجموع اللاّجئين السّودانيّين العزّل.
08-06-2007, 05:07 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
75- الفصل السادس المذبحة: قتّلونا رُكّعاً وسُجّدا .... (1/3) في حوالي السّاعة الثّالثة صباحاً من فجر 30/12/2005م أحاطت قوّات غفيرة من الجيش والبوليس المصري جموع اللاجئين السّودانيّين المعسكرين والمعتصمين بجوار مبنى مفوّضيّة الأمم المتّحدة للاجئين في حي المهندسين بالقاهرة. اتّخذت القوّات التي فاق عددها 10 ألف جندي مواقع استحكاميّة حول الخيام المضروبة من الورق والملابس والحصائر، في ميدان مصطفى محمود بإزاء مبنى مفوّضيّة اللاجئين. في حوالي الثّالثة والنّصف صباحاً شرعت القوّات بتوجيه خراطيم المياه نحو جموع اللاجئين (ممثّلين في لجنتهم المنتخبة) الذين فشلوا تماماً في الحصول على أيّ معلومة بخصوص ما تنوي هذه القوّات عمله. بعد ذلك بدقائق أمطرت القوّات المحاصرة جموع اللاجئين بوابلٍ من المياه ذات الدّفع الشّديد، حتّى إنّها لتصرع الرّجال مكتملي النّموّ، فتُلقيهم أرضاً ثمّ تُدحرجهم كما لو كانوا أعجاز نخلٍ خاوية. عندها شرعت جموع اللاجئين برجالهم ونسائهم وأطفالهم ـ مسلمين ومسيحيّين ـ في التّكبير والصّلاة، لو أنّ ذلك سيُرقّق قلب الفرعون، فلا يسومهم سوء العذاب ـ ولكن هيهات! ثمّ إن دقائق، وقد انفرط عقد القوم المساكين، وتشتّتوا في ساحة الميدان كما لو كانوا حُمُراً مستنفرة. عندها هجمت عليهم قوّات البشبوزوق، التي ربّما أعطاها الله كلَّ شيء، إلاّ الرّحمة والحكمة. وكانت المذبحة! بخصوص هذه المذبحة نشير إلى جملة حقائق تترتّب عليها نتائج جدُّ خطيرة. أولها أنّ هؤلاء الناس كانوا حينها مسجّلين لدى وكالة الأمم المتّحدة لغوث اللاجئين، الأمر الذي يضعهم تحت حمايتها المباشرة. ومع هذا ذُبح هؤلاء العزّل وسُحِلُوا وهم على أعتاب باب المؤسّسة الدّوليّة، وأمام كاميرات وكالات الأنباء العالميّة. النّقطة الثّانية، بلغ عدد الوفيّات الناجم عن تلك الهجمة البربرية لقوات الباشبوزوق والعساكر الإنكشارية في آخر إحصائيّة حرّرتها اللجنة المنبثقة عن اللاجئين نفسهم، وذلك للعديد من مواقع الإنترنت السّودانيّة والدّوليّة المعنيّة بالشّأن السّوداني، 285 حالة وفاة، وليس 26 حالة كما صّرحت بذلك السّلطات المصرية. هذا بناءً على الإحصاءات الواردة ممّن تبقّى من لجنة اللاجئين المعتصمين والتي ظلّت تعمل في ظلّ ظروف لا يعلم بها غير الله، وهي اللجنة التي أهملتها، ليس فقط حكومتا مصر والسّودان، بل الأمم المتّحدة نفسها.
08-06-2007, 05:09 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
76- الفصل السادس المذبحة: قتّلونا رُكّعاً وسُجّدا .... (2/3)
النّقطة الثّالثة، كان هناك تنسيق تام بين النّظام المصري ورصيفه السّوداني، بشأن المزبحة. تؤكّد هذا تصريحات المسئولين المصرييّن للصّحفيّين الذين أفادوا أنّ فض الاعتصام بهذه الطريقة قد تمّ بموافقة النظام في الخرطوم دون أن ينفي نظام الخرطوم ذلك. وفي الحقّ فإنّ إفادة أو نفي محافظ الجيزة أو خلافه بهذا الشأن ليست بذات بال، ذلك لأنّ مجرّد تأييد النظام في الخرطوم لما فعلته الكلاب البوليسيّة المصريّة يكفي دليلاً ليس على تواطئه فحسب، بل على مشاركته في التخطيط للمجزرة. وتفيد العديد من المصادر المطّلعة في مصر بأنّ التوجيهات كانت محدّدة، وهي توجيه الضربات على الرأس، على غرار "العبد أدّيهو في راسو". وفي سبيل إجبار النّساء اللائي حَمَيْن رؤوسهنّ بأيديهنّ، بلغت النزالة بكلاب الباشبوزوق وقوّات الدفتردار الانتقامية درجة التّجرّؤ على رفع فساتين النّساء حتّى إذا ما أنزلت المرأة يديها عن رأسها لا إراديّاً لستر جسدها انهالوا ضرباً على رأسها. كلّ هذا تمّ تحت أعين وكالات الأنباء العالمية، فتصوّروا! لقد قتلوا الناس وهم يصلّون، مسلمين ونصارى، كما قُتل أصحاب الأخدود، أولئك بالنار وهؤلاء بالماء والهراوات. ثمّ داسوهم بالأقدام في الرّغام والطين والوحل وهم بين برزخ الحياة والموت. ثمّ ساقوا الناس كالخراف والماعز، منهم من جُرّ من يديه، ومنهم من جُرّ من قدميه، ومنهم من جُرّ من أذنيه، ومنهم من دُفع من الخلف باللكمات والسّياط كالحمير، ومنهم من جُرّ بقدميه وهو ميّت. فساقوهم إلى معسكرات لم تُهيّأ لاستقبال البهائم، فرموهم بها والواحد منهم ينزف بجسده فلا يأبه لذلك إذ يهمّه نزيف الفؤاد المفطور على زوجةٍ غائبة أو طفلٍ مفقود، أو صديقٍ تركه مجندلاً في الوحل. ثمّ ساقوهم للمستشفيات، لا لعلاجهم بل لقتلهم تحت التخدير ثم سرقة أعضائهم الداخلية. ومنهم من فاق من التخدير، فتركوه ينزف حتى نزلت عليه رحمة الله وسكينة الموت ففارقته الحياة. فيما بعد تكدّست أقسام الموتى بالعديد من المستشفيات وهي تضمّ في ثلاّجاتها أعداداً تراوحت ما بين 60 إلى 80 قتيلاً. ومع كلّ هذا لا تزال السّلطات بمصر والسّودان تُصرّ على أنّ العدد الكلّي للضحايا هو 26 فقط. وحتّى لا ينكشف الرقم الحقيقي واصلت السّلطات المصريّة في رفضها السّماح لأهل وذوي القتلى بنقل الجثامين ودفنها في السّودان.
.
08-06-2007, 05:14 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
77- الفصل السادس المذبحة: قتّلونا رُكّعاً وسُجّدا .... (3/3)
لكن السّؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا غيّرت السّلطات المصريّة من سياسة استضافة اللاجئين السودانيّين إذا كان ذلك يدرّ عليها كلّ تلك الأموال الطّائلة؟ الإجابة تكشف عن بعدٍ آخر للانحطاط المصري الرّسمي. فمن تبقَّوا من اللاجئين السودانيين كانوا في الواقع من فقراء الفقراء ومُعدَمي المُعدمين الذين ليس لهم أحد يرسل لهم بدرةً من المال، فتقطّعت بهم السّبل في مصر إذ خذلتهم مفوّضية اللاجئين. هؤلاء هم فعلاً ملحُ الأرض وسمادُها، منها وإليها، في الرّغام والوحل والطّين، وعلى الأسفلت، وعلى طاولة المشرحة، وهائمين في الطُّرُقات بلا مالٍ أو أوراقٍ ثبوتيّة، أي بلا هويّة. ثمّ بعد كل هذا يتحدّث بعض السّفهاء عن العلاقات الأزليّة والإخاء. فهل هذا كلّ شيء؟ لا، يا سادتي! إذ كيف لمسلسل المهازل أن ينتهي بهذه السّرعة؟ فقد جاء في الأنباء أنّ الأمم المتّحدة تُطالب مصر بإعادة فتح التّحقيق في أحداث المنهدسين، هذا بينما مصر ترفض ذلك [جريدة الايّام، الصّفحة الأولى، الإثنين 30 أبريل 2007 الموافق 12 ربيخ الثّاني 1428هـ (عدد 8792)]. وقد نجد لمصر العذر في رفضها، وهذا لعمري نوع العذر الذي قالوا فيه إنّه أقبح من الذّنب. ولكن هو عذرٌ على أيّ حال، فمثل هذا التّحقيق قد يكشف أشياء لا يمكن أن يقبل بها أحد أقدم الأنظمة المركزيّة الدّيكتاتوريّة في تاريخ البشريّة. لكن، يا سادتي، ما بال حكومة السّودان ترفض بدورها إعادة فتح التّحقيق مع مصر ـ وليس معها ـ في أحداث المهندسين. فقد طالعتنا الأنباء في اليوم التّالي بخبر أنّ السّودان يدعم موقف مصر الرّافض لإعادة التّحقيق في أحداث المهندسين [جريدة ألوان، الصّفحة الأولى، الثّلاثاء 1 مايو 2007 الموافق 13 ربيع الثّاني 1428هـ (عدد 3851)؛ جريدة آخر لحظة، عدد 274، الثّلاثاء 1/5/2007م الموافق13 ربيع الثّاني1428هـ، الصّفحة 3]. هذا يا سادتي نتركه بلا تعليق، إذ لا نعرف وجهاً غير جارحٍ للغة يمكن أن يستخدم في وصف مثل هذا السّلوك.
ونواصل - الفصل السّابع - وللإنقاذ والمصريّين جنودٌ مجنّدة من النّوبيّين
08-07-2007, 11:23 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
من الغريب أن نلاحظ كيف شارك العديد من النّوبيّين في إغراء المصريّين (كأنّما لو كانوا يحتاجون إلى إغراء) كيما يستوطنوا بالملايين في الأراضي النّوبيّة؛ من هؤلاء نذكر اللواء عبد الرّحيم محمّد حسين، الفريق شرطة سيّد الحسين، الدّكتور الصّادق عمارة، عبداللة سيد أحمد شكوكو، ... إلخ. لكلّ هذا كان من الطّبيعي والمتوقّع أن لا يعدم أمثال الأستاذ الصّحفي المخضرم محمّد سعيد محمّد الحسن والسّفير عزّالدين حامد والعاشق الولهان في حبّ مصر الدّكتور أحمد دياب (أستاذ التّاريخ)، ثمّ قبلهم وبعدهم لفيف المسئولين الرّسميّين، من أن يجدوا من النّوبيّين (وتحديداً من أبناء حلفا) من يقول [يس حسن بشير (قضايا ساخنة) "تعقيب حول أراضي وادي حلفا" ـ جريدة الأيّام، عدد 7876، الأحد 25 أبريل 2004م الموافق 5 ربيع الأوّل 1425هـ، الصّفحة الأخيرة]: وصلتني [رسالة] عبر البريد الإلكتروني من (مجموعة العمل النّوبي) .. وهي رسالة موجّهة للسّكرتير العام للأمم المتّحدة .. وبالرّغم من أنّني نوبي إلاّ أنّني أتحفّظ على ما ورد بتلك الرّسالة الصّادرة من (مجموعة العمل النّوبي) لأنّها تنطلق من خلفيّة غير صحيحة لمعالجة الموضوع .. وتلخّص الأمر وكأنّه صراع بين العرب والنّوبيّين .. وهذه في تقديري رؤية محدودة وضيّقة بل وضارّة بمستقبل السّودان .. فالمسألة ذات طبيعة سياسيّة وليست عنصريّة .. وبالتّالي يجب أن تعالج في هذا الإطار .. . والتّنقيط في متن الاقتباس أعلاه جاء في الأصل كنوع من علامات التّرقيم. وهذا ممّا ظلعت به كتابات أغلب مستعربي السّودان الذين فات عليهم، ضمن ما فات، أن يُكرّموا وأن يحترموا اللغة التي يتحيّزون لعنصرها سعياً خاسراً منهم للتّبرّؤ من أعراقهم الأفريقيّة النّبيلة. وفي الحقيقة يصعب علينا أن ندمغ كاتباً رصيناً مثل يس حسن بشير بهكذا تهمة، خاصّةً إذا ما وضعنا في الاعتبار كتابته الأخرى المتعلّقة بمسألة الحوض النّوبي، ثمّ شجاعته في طرح الأسئلة النّاقدة والحرجة للمسئولين بخصوص الموضوع [راجع مثلاً: "قضايا ساخنة" بجريدة الصّحافة، عددي 7833 و 7858، بتاريخ الأربعاء 3 مارس 2004م الموافق 11 محرّم 1425هـ، والسّبت 3 أبريل 2004م الموافق 11 صفر 1425هـ، تحت عنواني: "زراعة القمح في السّودان" و"أراضي وادي حلفا" بالتّوالي]. ولذا جاز أن ننظر إلى ما صدع به أعلاه على أنّه كبوة جوادٍ أصيل. لكن ماذا عن البغال الكابية من أصلها، والتي، مع ذلك، تتنطّع في السّباق بقدمٍ عرجاء؟ تعالوا لنرَى!
79 - الفصل السادس - وللإنقاذ والمصريّين جنودٌ مجنّدة من النّوبيّين
في يوم 17/4/2007م خرجت مسيرة غاضبة من نجوع وقرى المحس المهدّدة بالإغراق، فطافت حول شلاّل كجبار ثمّ عادت إلى حاضرتهم، والتي ليست سوى قرية صغيرة، وادعة على النّيل اسمها فَرَِّيق. خرجت المظاهرة احتجاجاً على قرار الحكومة معاودة العمل في بناء الخزّان، مستصحبة معها جميع العوامل التي أفضنا في شرحها، والتي كانت جموع النّوبيّين البسطاء على وعي عالٍ بها وبالأجندة الخفيّة التي تقف خلف هذا المشروع. وقد كان قوام المظاهرة النّساء والرّجال من كبار السّنّ ثمّ الأطفال، فضلاً عن بعض الشّباب الذين قفلوا عائدين إلى قراهم لدى سماعهم بالأنباء. لم تكن المظاهرة تزيد على الخمسة آلاف متظاهرة ومتظاهر. ومع ذلك انزعجت السّلطات، والتي كعادتها استدعت قوّات الاحتياطي المركزي ... إلخ ممّا قد نتطرّق له لاحقاً. ومع كلّ هذا، لم تعدم وحدة تنفيذ السّدود (الجهة المسئولة عن تنفيذ الخزّان والتي تتبع إلى رئاسة الجمهوريّة رأساً) من يُدافع عنها، من المثقّفين النّوبيّين، مزرياً بأهله البسطاء وبما قاموا به، وهو جهد المقلّ. فقد كتب الأستاذ الطّاهر ساتّي في عموده اليومي"إليكم" بالصّفحة الأخيرة بجريدة الصّحافة بتاريخ الخميس 19/4/2007م الموافق 2 ربيع الثّاني 1428هـ (العدد رقم 4974)، وتحت عنوان "رفض ضار بحياة النّاس ..!!" [لاحظوا آفّة الكتابة الصّحفيّة السّودانيّة، وهي التّعامل مع علامات التّرقيم كما لو كانت علامات للزّينة]. في عموده اليومي أتى الأستاذ الطّاهر ساتّي بقول نُكر فاق فيه "القبلو والبعدو". فالرّجل كمن سَلَحَ على رؤوس القوم وهم جلوسٌ في المحفل من حيث ظنّ أنّه قد أكرمهم، فانظر وتأمّل.
08-07-2007, 11:29 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
80 - الفصل السادس - وللإنقاذ والمصريّين جنودٌ مجنّدة من النّوبيّين
ليت الأستاذ الطّاهر ساتّي اكتفى بهاجمة مظاهرة النّوبيّين التي انطلقت في فرّيق بالمحس، لأنّه في الواقع ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ ذهب إلى تسجيل الإدانة الدّامغة في حقّ الشّعب النّوبي خاصّة، ثمّ بعده الشّعب السّوداني في مجمله. وقد فعل كلّ ذلك وهو يجلس على دكّة الفيلسوف، الذي كأنّما فرغ من التّنظير في كلّ شيءٍ، ثمّ لم يبقَ غير أن يُصدر أحكامه على النّاس، كلّ النّاس. ولكن الرّجل الغافل لم يعلم أنّ الذي يُدين الجماهير، هو الذي يبوء بإدانته لا الجماهير. أنظروا بالله إلى لغة الإزراء والتّحقير والتّسفيه [ولاحظوا معي يا سادتي خطايا اللغة والكلام التي تفنّن الرّجلُ فيها أفانين ما واتت أحداً قبله، والتّنقيط كلّه جاء في الأصل]: هل سمع أحدكم بمظاهرة تظاهر متظاهروها [كذا] رفضاَ لمدّ مدينتهم بالتّيّار الكهربائي ....؟ طبعاً لا .. وهل رأى أحدكم مسيرة سار مسيّروها [كذا] استنكاراً لريّ مشاريعهم الزّراعيّة بالرّيّ المستدام ...؟ بالتّأكيد لا .. وهل اشتمّ أحدكم رائحة بمبان أطلقته الشّرطة لتفضّ موكب حشد رافض ومستهجن [كذا، فالمنصوب مغلوب على أمره] لعمليّة تنمويّة في دياره ...؟ إطلاقاً [سطر جديد] لا ... وإذا جاءك أحداً [كذا بالنّصب] بمثل هذا النّبأ بالتّأكيد سوف تتعامل معه باعتباره إمّا فاسق [كذا] نبأه ليس بحاجة إلى (تبيّنوا)، أو مجنون لا يؤخذ من فيه حتّى حكمة [كذا بهذه الرّكاكة]، وغير هذا وذاك لا نظنّ بأنّ على أرضنا هذه كائناً عاقلاً يقول ـ أو يصدّق ـ بأنّ سكّان منطقة ما في مكان ما عبّروا بوسيلة ما عن رفضهم لمشروع تنموي ما ...!!
08-07-2007, 11:31 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
81 - الفصل السادس - وللإنقاذ والمصريّين جنودٌ مجنّدة من النّوبيّين
بالطّبع تتطاير الرّدود الجاهزة على مثل هذا القول العاجز والضّعيف، حتّى إنّ المرء لا يدري بأيّها يبدأ. من قبيل ذلك أن نسأله أن يذكر لنا اسم هذا المشروع التّنموي الذي يتباكى عليه الرّجل بدموع التّماسيح. فحكومتنا السّنيّة، يا سادتي، حتّى هذه اللحظة ومنذ 1995م عندما صدر القرار الجمهوري القاضي ببناء خزّان كجبار، لم يفتح الله عليها بكلمة واحدة عن مشاريع تنمويّة بعينها متعلّقة بخزّان كجبار. إنّها تتكلّم عن الكهرباء، بوصفها لازمة تنمويّة، ثمّ عن التّهجير، فالتّعويض، دون أيّ حديث عن مشاريع تنمويّة بعينها. وإلاّ قولوا لنا، يا سادتي، لماذا التّهجير وتكرار سيناريو حلفا بطريقة وقع الحافر على الحافر؟ كلّ هذا وغيره، يمكن مجابهة الرّجل به؛ لكن ما يجعلنا في غني عن ذلك أنّ الرّجل صحفي (وربّما مخضرم أو مخدلج ـ لا يهمّ)، الأمر الذي ينبغي فيه أن يكون قد وقع على ما وقعنا عليه في أمر الحوض النّوبي ومسألة بيعه للمصريّين بغية توطين ملايين الفلاّحين المصريّين فيه، ممّا أفضنا فيه أعلاه. فإذا سمع وقرأ بكلّ ذلك، ثمّ لم يفهم ما قرأ وما قفز بين السّطور (كأسماك البحر المرحة)، فتلك مصيبة؛ أمّا إذا قرأ كلّ ذلك وفهم ما حملته السّطور وما بين السّطور، ثمّ أتى بقوله النُّكْر أعلاه، فليست بمصيبة. ذلك لأنّ مثل هذه المصائب عندما يعتاد عليها النّاس، وتصبح من شئون حياتهم اليوميّة، لا تصبح مصيبة، بل تصبح مصاباً قوميّاً ابتلى اللهُ به شعبَنا، ولا نملك إلاّ أن نقول كما قال المتنبّي: على قدر أهل العزم تأتي المصائبُ ـ أو كما قال.
ثمّ ضرب لنا الرّجل مثلاً بأهلنا المناصير، فقال: المناصير وغيرهم لم برفضوا مبدأ أن يكون في مروي سدّ [هل تُراه يقصد "مَرَوِي" Merowi أم "مِرْوِي Mirwi، أم أنّه كإدارة السّدود لا يعرف الفرق بينهما؟]، ولكنّهم وافقوا على بناء السّدّ وعضّوا عليه بالنّواجذ ثمّ قدّموا مطالب مشروعة عند التّهجير، ندعم مطالبهم بلا تحفّظ ونطالب الحكومة بأن تزيدهم نظير تضحياتهم بمسقط رأسهم في سبيل مسقط رأس (أهل السّودان) [كذا].
08-07-2007, 11:32 PM
welyab
welyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891
82 - الفصل السادس - وللإنقاذ والمصريّين جنودٌ مجنّدة من النّوبيّين
هذا قولٌ لا يعرف المرءُ له وجهاً. تُرى ما هي المطالب المشروعة التي قدّمها المناصير؟ ثمّ هل فعلاً قدّموها عند التّهجير ـ بما يعني أنّهم وافقوا على التّهجير، لكن بكيفيّة معيّنة؟ يا صديقي العزيز، المناصير رفضوا التّهجير نفسه، وبالتّالي ما يجب أن يتوجّه نحوه النّقاش والتّحاجج هو: لماذا إفراغ المنطقة من السّكّان أصلاً؟ لماذا لا يحدّثنا الصّحفي المرموق عن المشاريع التّنمويّة التي تزمع الحكومة السّنيّة أن تُقيمها على أرض المناصير بعد قيام السّدّ؟ ثمّ من يا تُرى الذي سيقوم بتنفيذ تلك المشاريع، إذا كانت القوّة البشريّة المناط بها تنفيذ تلك المشاريع سوف تُهجّر وبقوّة السّلاح إلى أرضٍ ليست ذات ماء أو زرع؟ ثمّ تبلغ به الجرأة على الاجتراء والتّقحّم حدّاً كم رآه النّاس وخبروه عند كتبة السّلطان، عندما يصف موقف النّوبيّين، فيقول: والآن تأمّل عزيزي القارئ نوعاً من أنواع الرّفض الأبله، وهو النّاتج بلا سبب مقنع ... رفض بعض أهلي بشمال البلاد بأن تُنشيء الحكومة في ديارهم الجرداء خزّاناً مائيّاً يخزّن المياه [كذا، كأنّما كان في الخطّة أن يخزّن الحبوب] ويوزّعها على صحاريهم القاحلة التي لم تُنبت أرضها ـ منذ أن بسطها الخالق ـ إلاّ الحراز والعشر وتلال الزّحف الصّحراوي [كذا، فهذا أيضاً ممّا ينبت] .. سبحان الله، إنّهم يرفضون سدّاً مائيّاً قد يُنتج لهم قبل غيرهم تيّاراً كهربائيّاً يُضيء ظلمات لياليهم التي لم تًضاء ـ منذ أن خلق الله الليل والنّهار ـ إلاّ بالقمر والنّجوم و(الرّتاين والفوانيس) .. .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة