د. سعاد ابراهيم عيسى : الشعب السوداني الذي أعيدت صياغته!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 11:37 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-26-2009, 06:39 AM

مكي النور

تاريخ التسجيل: 01-02-2005
مجموع المشاركات: 1627

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. سعاد ابراهيم عيسى : الشعب السوداني الذي أعيدت صياغته!

    عندما استولت الإنقاذ على الحكم واستوت على عرشه، أعلنت عزمها إعادة صياغة المواطن السوداني، لا من أجل ترقيته والنهوض به إلى مصاف مواطني الدول المتقدمة، بل من أجل أن تجعله قابلا لحكمها بالطريقة التي تريد، وقانعا به كيفما كان، ومن ثم يضمن لها الاستمرارية والدوام في سدة الحكم إلى الأبد. ومن أجل تحقيق ذلك الهدف الكبير، كان لا بد من أن تحدد الإنقاذ الطريق الذي يجب أن يسلكه المواطن في اتجاه إعادة صياغته، الذي يتطلب مغادرته لكل طرقه القديمة التي كان يسلكها في سبيل معالجته لأية من مشكلات الحكم، بما في ذلك المقدرة على إزاحة الحكام من عروشهم مهما كانت سطوتهم وجبروتهم، متى حادوا عن طريق الرشد السياسي، الأمر الذي أهله لحمل لقب معلم الشعوب. فالإنقاذ ولتجرد شعب السودان من هذه الصفة، عملت أول ما عملت وفى سبيل إغلاق تلك الطرق، على تجريد الشعب من كل الأسلحة التي كان يستخدمها في اتجاه تحقيق أهدافه، وفى مقدمتها سلاح الإضراب والعصيان المدني الذي أثبت فاعليته أكثر من مرة. وكانت لخبطة النقابات العمالية، وتغيير واجهات الاتحادات المهنية كما عرف الجميع، ومن ثم تم إبطال مفعولهما تماما. ثم عملت الإنقاذ على إغلاق طريق الأحزاب السياسية بعد أن فركشتها وأقعدت بها وجعلتها «لا تودي ولا تجيب». وهكذا أعادت صياغة الشعب السوداني، فأصبح غير ذاك الذي عرفناه وعرفه العالم أجمع، حيث أصبح بلا حول ولا طول، يقف متفرجا على المسرح السياسي وعلى كل «البلاوى» التي تقع على رأسه بسبب السياسات التي يتخذها من هم داخل ذلك الملعب، ودون أن يسمح له بمجرد الأنين من ثقل ما يحمل من أعباء، دعك من الشكوى، أو محاولة استدال الستار على المسرح.
    هل تذكرون عندما زادت حكومة السيد الصادق المهدي الأخيرة، سعر السكر ثلاثة قروش، فخرجت جماهير العمال من كل حدب وصوب محتجة على ذلك الأمر، حتى انتصرت لجماهيرها وجماهير الشعب السوداني بأكمله؟ ثم تكرر المشهد وبصورة أعنف عندما زيد سعر الخبز قرشين في عهد حكومة مايو، وهو خبز فرنسي الصنع والشكل والمذاق، فانتفضت الجماهير التي كانت تبحث عن قشة لتقصم بها ظهر مايو، فوجدتها في تلك الزيادة التي كانت الشرارة التي أوقدت نيران انتفاضة أبريل، ومن ثم قضت على حكم مايو نهائيا. والشعب الذي فعل كل ذلك ومن قبله صنع أكتوبر، ما له اليوم يلوذ بالصمت كلما ألمت به المحن الاقتصادية العاتية، من شاكلة الذي حدث بالنسبة لذات سلعة السكر التي هزَّت حكومة السيد الصادق المهدي لزيادة قرش أو قرشين فيها، حيث أوشك سعرها أخيرا على المضاعفة، ونقابات العمال التي أصبحت بعد إعادة صياغتها، نقابة عمال الحزب الحاكم، أليس رئيسها من قيادات ذات الحزب، ومن ثم لن تقف ضد مصالح حزبه من أجل خاطر العمال. ومتى تراجع الحزب الحاكم عن قرار اتخذه له فيه مصلحة، وتركه لأجل مصلحة الشعب السوداني؟
    والشعب السوداني الذي ظل يملأ الدنيا ضجيجا، بفساد الحكومات السابقة، ما الذي جعله يسكت على فساد هذا النظام الذي استشرى مثل النار في الهشيم، والذي بسبب تزايد وتيرته تأهل السودان ليحتل المركز الرابع بين الدول الفاسدة. فالمراجع العام وفى كل عام جديد ظل يكشف عن الفساد ومخابئه وحجمه وبالطبع فاعليه، دون أن يجد كل ذلك أذنا صاغية تسعى لمعالجة هذا الخلل الذي عمل على اختلال الاقتصاد السوداني وخلخلته بصورة لم يسبق لها مثيل. ولماذا لا تتصاعد وتيرة الفساد ما دامت السلطة تعمل على حماية الفاسدين وتغطية فسادهم، بل وربما اثابة بعضهم بالترقي، وليمت الآخرون بغيظهم. والشعب السوداني هو الذي يدفع من عرق جبينه ومن دم عروقه كل الأموال التي يتم نهبها من وراء ظهره، ودون أن يكون له الحق في إبداء الرأي حولها وحول من نهبوها، ولكن عليه الاستجابة الفورية كلما تتطلب الأمر مزيدا من ضخ المال يدفعه وهو صامت. ولعل سياسة التستر على الفاسدين هي من بين بل في مقدمة أسباب تزايد حالات الاعتداء على المال العام، فما دام المختلس ضامنا لحماية السلطة المعنية له، فلماذا لا يفعل ويضرب المثل لغيره ليفعلوا أيضا. ثم هناك سياسة التسويات التي اكتشفها البعض، فنهب ما نهب ومن بعد تعاملت معه السلطة بحكاية «المال تلته ولا كتلته»، ومن بعد يخرج الناهب بثلثي ما نهب بعد أن يقدم الثلث فداءً لغنيمته. ولا ضرورة لتكرار ما امتلأت به الصحف من أرقام توضح حجم الفساد، أو تلك التي توضح اختلال الصرف ولائيا كان أو اتحاديا، فجميعها تشير إلى الاستهانة برأي الشعب وعدم الاهتمام به وبمشكلات حياته اليومية المتصاعدة. ولا ينبري أحدهم للحديث عن توجيهات مجلس الوزراء الأخيرة جدا، التي يا دوب، قررت اللجوء للاستيراد لسد الفجوة في السلع الغذائية بعد أن اتسعت فجوتها واستعصت على التجسير. والمشكلة أن شعب السودان لا يعرف سياسة المقاطعة للسلع عندما ترتفع أسعارها بدون مبررات، مثل ما تفعل الشعوب التي تعرف حقوقها وكيف تقتلعها من براثن أنظمة الحكم أو أباطرة الأسواق. فما من سلعة ارتفع سعرها هنا إلا وتسارع البعض لشرائها خوفا من فقدانها، وبالتالي شجعوا على الجشع.
    ولعل المشاهد لجماهير ولاية الخرطوم، ظهر الخميس الماضي، وقد تعطلت حركة المرور تماما وبكل شوارع الخرطوم، يندهش لمدى صبر هذا الشعب، ولا نقول عدم اكتراثه الذي هو أيضا من نتاج إعادة الصياغة. حيث ظلت العربات مصطفة بكل الطرقات بلا حراك، ومن بداخلها «بلا نفس» وكأن على رؤوسهم الطير، وعندما تتحرك سياراتهم لبضعة أمتار يعترضها شرطي المرور ليوجه مسارها حسب ما يتيسر من طريق، بصرف النظر عن وجهة وخط سير أصحابها، والغريب أن تتجه السيارات عكس وجهتها استجابة لتوجيهات الشرطي. لقد تعطلت الحركة بشوارع الخرطوم لقرابة الثلاث ساعات، دون أن يعلم المواطن الذي تم صبه بتلك الطرقات السبب لذلك. وحتى اليوم التالي للمشكلة لم تتكرم الجهات المسؤولة بتوضيح السبب، كل الذي وضح ببعض الصحف أن قطارا في طريقه من الخرطوم إلى كوستى، قد خرجت إحدى عرباته عن القضبان فتسببت في عرقلة الحركة في قلب الخرطوم. ولا ندرى ما العلاقة بين مشكلة قطار متجه إلى الغرب بعرقلة الحركة بشارع المك نمر مثلا، اللهم إلا إن كان الطريق إلى كوستى يمر عبر الخرطوم بحري. فهمونا الحاصل حقيقة، إذ بدون ذلك تعتبر مثل هذه «الصهينة» عدم تقدير واحترام لوقت المواطنين، رغم علمنا بأن الوقت في السودان بلا قيمة.
    نعود لآخر صيحة في الفساد التي مثلتها قصة الوزراء والدستوريين الذين بجانب وزاراتهم ومواقعهم الدستورية، قرروا زيادة الخير خيرين بأن يدخلوا السوق جلابة. هذه المجموعة التي لم تكفها مرتباتها الكافية وامتيازاتها المميزة، فقررت أن تعمل في الاستيراد مثلها مثل الآخرين، فهداها رأيها أو غيرها، الى أن تعمل في استيراد مطلوبات العصر، الكمبيوترات آخذة في الحسبان قصة الحكومة الالكترونية والمواطن الالكتروني، التي يحتاج تنفيذها إلى ما رأت الاتجار فيه، فعملت على استيراد كميات من الكمبيوترات الثابتة منها والمحمولة تكفى لتحقيق الهدفين الالكترونيين. لكن نحمد الله على هذه الحرية التي أتاحت بإلغاء الضوء على هذه الفضيحة، حيث تحدثت كل الصحف عن أن هنالك حاويات تحمل مواد مسرطنة، تم استيرادها بواسطة دستوريين ووزراء. ومن بعد أعلنت سلطات الجمارك، وربما لطمأنة المواطن، بأن المواد التي تحملها تلك الحاويات ليست مسرطنة، ولكنها نفايات الكترونية غير مطابقة للمواصفات، وكأنما هنالك نفايات مطابقة للمواصفات يسمح باستيرادها. ووصفتها بأنها كمبيوترات فاقدة للصلاحية، يعنى «اسكراب». كما بشرت ذات السلطات بأنها ستعيد هذه النفايات إلى مصدرها الذي أتت منه، بمعنى آخر سوف لن يسمح بدخولها واستعمالها حتى لا يتأذى منها المواطن المغلوب على أمره. لكن قرأنا في الصحف أيضا أن تلك الكمبيوترات قد تم توزيع بعضها على المدارس وبعض المصالح الحكومية، فيصبح السؤال عن الكيفية التي تم بها تخليصها من سلطات الجمارك التي نعرف حرصها ودقتها لدرجة المبالغة في مثل هذه الحالات؟ ثم إن عرف الوزراء والدستوريون الطريقة التي «يخارجون» بها بضاعتهم الفاسدة، هل لنا أن نعرف الصيغة التي تم بموجبها تقسيم الكمبيوترات للمدارس، وان كان ذلك عن طريق بيعها لوزارة التعليم، ومن الشاري ومن أين اشترى والوزارة تشكو لطوب الأرض من شح مواردها؟ وينطبق الأمر على المصالح الحكومية التي شملها التوزيع. ثم هل كان التوزيع مجانا؟ وهذا عين المستحيل، إلا إذا تكفلت جهة أخرى بتسديد القيمة نيابة عن الآخرين، ومن هي تلك الجهة ولماذا؟ ثم لماذا غابت نظرية المؤامرة والأجندة الخفية عن هذه الصفقة المؤهلة لكل ذلك؟ اعتقد إن حدثت مثل هذه الصفقة الفضيحة، بأي من بلدان العالم الأخرى، طبعا المتقدمة منها، لا يمكن أن تنجو حكومتها من المساءلة، ولا الفاعلين من تركهم لمواقعهم فورا ومن بعد محاسبتهم حسابا عسيرا، خاصة وجرمهم مزدوج، فهم يمارسون التجارة بجانب مواقعهم الدستورية، وهم يتاجرون بمواد مؤذية لصحة وعقل الإنسان. وعلى كل على الجميع الانتظار ليروا الكيفية التي ستتم بها معالجة هذه الفضيحة، خاصة أن السيد وزير المالية القيِّم على أموال الشعب المهدرة، قد وعد بمساءلة ومعاقبة هؤلاء المجهولين حتى الآن. وسنرى ما تتمخض عنه الأيام القادمات.
    وبالطبع فإن الشعب السوداني لن ينسى الخبطات السابقة التي أهدرت أمواله في ما لا طائل من ورائه، والغبار الكثيف الذي أثير حولها، فانحنت السلطة للعاصفة حتى هدأت، ومن بعد عادت لذات ممارساتها السابقة. فأين اليخت الرئاسي «إعصار كاترينا» الذي دمر كل ما اعترض طريقه من ميناء بورتسودان إلى الخرطوم، ومن قبل دمر أموال الشعب السوداني التي صرفت عليه، ومن سعى لجلبه؟ وأين الفلل الرئاسية التي شيدت لهدف محدود ومن بعد بيعت لهدف آخر؟ وأين وأين الكثير من أموال الشعب التي يعبث بها المسؤولون عبث من لا يخشى الفقر. لقد نامت قصصها بين أسطر الصحف وبعضها بين أضابير المحاكم، وكأن شيئا لم يكن، اعتقد أن الشعب السوداني الذي أعيدت صياغته في حاجة إلى إعادة صياغة أخرى تعيده لحالته القديمة، فمن يفعل؟!
    http://alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=81260
                  

11-26-2009, 06:46 AM

مكي النور

تاريخ التسجيل: 01-02-2005
مجموع المشاركات: 1627

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. سعاد ابراهيم عيسى : الشعب السوداني الذي أعيدت صياغته! (Re: مكي النور)

    د. سعاد ابراهيم عيسى: لي متين يا مولاي..؟!


    الشيء الطبيعي والمفروض، أن أية حكومة في أية من دول العالم، يجب أن يكون همها الأول وشغلها الشاغل كيفية توفير حياة حرة وكريمة، آمنة مستقرة، وميسرة لشعوبها، ولا نقول بأنه عليها أن تدرك كل النجاح، لكنه يجب عليها السعي. وإلا فلا معنى لوجودها. والكثير من دول العالم المتقدمة قد تخطت موضوع توفير أساسيات الحياة لشعوبها، ومن بعد اتجهت نحو البحث عن كل طرق ووسائل الصعود بهم إلى أعلى مستوى من مستويات الحياة، بينما الكثير أيضا من دول العالم الثالث، مازالت عاجزة عن توفير أقل القليل من تلك الأساسيات، ومن ثم مازالت طموحات شعوبها هي كيفية الحصول على خدمات تعتبر بدائية بمقياس القرن الواحد وعشرين.
    لقد مضى على استقلال السودان أكثر من نصف قرن من الزمان، تداولت الحكم فيه حكومات حزبية وعسكرية، فشلت جميعها في توفير أهم مطلوبات الحياة التي يمثلها الماء الذى جعله الله أساسا لكل شيء حي، ثم الكهرباء التي لن تتطور أمة أو تنهض في غيابها او شحها. وبصرف النظر عن مطلوبات ضرورية أخرى للحياة، إلا أننا لو ركزنا على المياه والكهرباء فقط، سنجد أن المشكلة تأخذ في الاستفحال بمرور الزمن بدلا عن الانفراج. ويمكن أن نرجع ذلك إلى السياسة التي تتبعها أية من الحكومات المتعاقبة التي حكمت السودان، ومجانبتها للسير في الطريق الصحيح الذى يفضى بها إلى علاج المشكلة، فجميعها قد فشلت وبامتياز، ولو بدرجات متفاوتة، في حسم أمر المياه والكهرباء حتى وصلت الى ما نحن عليه الآن، فالحكومات العسكرية متى وصلت إلى غايتها في اعتلاء سدة الحكم، حتى ينصرف همها إلى كيفية تثبيت أقدامها على أرض السلطة التي اغتصبتها دون إرادة الجماهير. وبدلا من أن تجعل مدخلها لذلك التثبيت كسب رضاء تلك الجماهير واستمالتهم لجانبها، بمعالجة مشاكلهم وتعويضهم عن كل ما انتقصته الحكومات السابقة لها، فإنها كثيرا ما تجنح إلى قهرهم وإذلالهم وإجبارهم على قبول الأمر الواقع. والحكومات الحزبية بالرغم من قصر عمرها في السلطة، فإنها لا تعفى من حمل قدر من العجز في علاج المشكلة، فهي- أي الحكومات الحزبية- متى تسلمت السلطة لا تحصر تفكيرها ولا توظف جهدها لمعالجة مشاكل الجماهير، بقدرما تنصرف إما للمناطحة بينها والمعارضة أو الثأر لنفسها من الحكومات العسكرية التي انتزعت سلطتها. ولعلنا نتذكر الوقت الذي أهدرته الحكومة التي أعقبت الانتفاضة التي أطاحت بنظام مايو، حيث جعلت همها الأول كيفية كنس آثار مايو الذي تمخضت أخيرا عن إزالة حجر الأساس الذي يحمل اسم الرئيس نميرى، ومن أفضل آثار مايو، قاعة الصداقة بالخرطوم، ومجلس الشعب بام درمان. وقبل أن تلتفت حكومة الأحزاب إلى ما كان لازما بدايةً، حتى قضت عليها حكومة الإنقاذ قبل أن يكتمل كنسها.
    وبالطبع فإن حكومة الإنقاذ هي التي تتحمل العبء الأكبر من الفشل في علاج مشكلة المياه والكهرباء، لأنها الأطول عمرا في الحكم، غير إنها صرفت جل وقتها في كيفية تمكين قبضتها من عجلة قيادة السلطة، وذلك لأنها وصلت إلى الحكم عبر انقلاب عسكري يختبئ وراءه حزب استخدم الانقلاب لصالحه، ومن ثم أصبح خطأ الإنقاذ مركبا، فالأحزاب التي انقضت على سلطتها قطعا لن تسمح لها بأن يسلم تلك السلطة لحزب بعينه وبلا وجه حق، وبما أن الإنقاذ كانت تدرك بأن أية هفوة في الحكم ستكلفها الكثير جدا، فقد كان تعجلها لإغلاق كل المداخل التي تهب عبرها رياح المشاكل السياسية، فكانت البداية غربلة الخدمة المدنية من كل الذين لا يوالون الجبهة الإسلامية صاحبة الانقلاب، واستبدالهم بكوادرها أو من يواليها، ومن ثم أغلقت باب العصيان المدني، ونجحت، ثم عملت على لخبطة كيفية تكوين النقابات بما يبطل مفعولها، وبالتالي قضت على حركة الاضرابات، ونجحت. ثم أتت بموضوع الدفاع الشعبي الذي شغل المواطنين واقلق مضاجعهم ردحا من الزمن، وفى إطار إعادة صياغة الإنسان السوداني بأمل أن تجعله «هوينا سهل قيادته» وان نجحت ظاهريا، إلا أنها فشلت تماما في المحصلة النهائية التي أوصلت إليها ذلك الإنسان.. ثم أشعلت نار الحرب بجنوب السودان بصورة لم يسبق لها مثيل، ومن بعد جعلتها ذريعة لإخراس أصوات المواطنين، إذ لا صوت يعلو على صوت المعركة، وغير ذلك من وسائل كسب الوقت من أجل الاستمرار في الحكم ونجحت في ذلك. لذلك لم تجد الإنقاذ الوقت الذي توظفه لحلحلة تعقيدات الحكم، وعلى رأسها توفير أهم احتياجات المواطن المياه والكهرباء، فمازالت تلك المشكلة تراوح مكانها بل ازدادت سوءا وتعقيدا.. وقد ارتوى المواطن من وعود الحكومة بأن كل عام هو آخر عام لمعايشة تلك المشكلة، فإذا بالعام الذي يليه يضاعف من حدتها بدلا من أن يزيلها. وكم كانت فضيحة كبرى إعلان الصحف بأن الخرطوم تعيش أزمة مياه حادة، بينما تنام الخرطوم بين أحضان نهرين لم يستطع القائمون على الأمر فيها استثمار مياههما العذبة لصالح مواطنيها، حتى وصلت المشكلة حدا جعل المواطنين، إما يتسولون المياه ممن لهم فائض فيها، أو أن يقوموا بشرائها مرتين، الأولى من هيئة مياه الخرطوم ومقدما، والثانية من باعة المياه التي تحملها الدواب بشوارع العاصمة القومية وفى القرن الواحد وعشرين.
    أما الكهرباء فهي قمة الإخفاق الذي استعصى على الإنقاذ علاجه. وبالطبع مثلها مثل غيرها من المشاكل التي يتم علاجها بالوعود، فقد استمر الحديث عن المعالجات الجزئية ولأعوام طويلة، حتى أطل علينا مشروع سد مروى الذى جعلوا منه مفتاح الفرج لكل المشاكل السابقة. ومن ثم تعلق المواطنون بخيوط أمله في انتظار اليوم الموعود الذى سيضع حدا لكل معاناتهم التي طالت واستطالت. وفى ذلك اليوم الذي طال انتظاره، لم تكتمل الفرحة، لأن التيار انقطع في ذات ساعة الافتتاح. ومن بعد عادت الكهرباء لذات عربدتها القديمة التي لا نجد لها مبررا في حضرة سد مروى. وعند احتفال ولاية الخرطوم بإدخال كهرباء السد بشبكتها، لم تكتمل فرحة مواطني الولاية أيضا، لأن التيار القديم هجر الشبكة قبل أن يصله القادم من مروى، وما تلا ذلك من روايات تناولتها الصحف تحكى عن اختلافات بين إدارة الهيئة القومية للكهرباء، وإدارة سد مروى، وأصبحت مشكلة المواطنين الرئيسة الضبابية والظلام الذى يحيط بأمر وواقع كهرباء سد مروى، ودون أن يتفضل مسؤول واحد بإجلاء الحقيقة.
    والكثير من المواطنين ممن لهم استطاعة، قرروا«فرز» عيشتهم من الحكومة في ما يتعلق بالكهرباء والمياه، فعملوا على خصخصة خدمتيهما داخل منازلهم، حيث أصبح لكل أسرة منهم، هيئة منزلية للمياه تتمثل في «موتور» لجرجرة المياه داخل منازلهم نسبة لأن المياه لا تنساب داخل المنازل بالتي هي أحسن، ومن بعد نصبوا صهاريج لتخزين المياه تحسبا لانقطاعها القادم، وأوصلوها بـ «فلتر» لتنقيتها من الشوائب لزوم الشرب، ثم تطور الأمر إلى تنقية عامة للمياه لأجل غسل الملابس والاستحمام. ومن أجل توفير التيار الكهربائي، أصبحت لأولئك المواطنين هيئة منزلية للكهرباء تمثلت في توفير مولد كهربائي يمدهم بالتيار كلما حرمتهم منه الهيئة القومية للكهرباء، إضافة إلى إلحاقه بمنظمات للتيار يتم وصلها بالكهربائيات التي كثيرا ما يتم وأدها بسبب ذبذبة تيار الهيئة القومية. وبالطبع هذه الخصخصة المنزلية رغم أنها ترف عند الغالبية العظمى من المواطنين، إلا أننا قصدنا أن نقول بأن الحكومة «محبة ما عليها» أن يقوم المواطنون بتوفير كل الخدمات لأنفسهم بعيدا عنها، ولكن بعد أن يسددوا لها قيمتها وبالكامل مقدما.
    أما الذي حدث خلال شهر رمضان من انقطاع متكرر للتيار الكهربائي، وابنة عمه المياه، وفى أحرج الأوقات، حيث يبدأ قبل موعد الإفطار فيعمل على عرقلة الإعداد له، إنما يدل على قمة الاستهانة بالمواطن وعدم تقدير ظروفه. وهو الأمر الذي دعا السيد رئيس الجمهورية للتدخل بأن يعلن بأن المياه خط أحمر لا يجوز قطع الكهرباء عن مرافقها لتتسبب في قطعها عن المواطنين. ونحن نشير هنا إلى أن استمرار التيار ساريا بمرافق المياه لا يكفى لجعل سريانها مستمرا بمنازل المواطنين، فكما ذكرت فإن المياه من العسير انسيابها داخل المنازل دون استخدام الطلمبات الخاصة بذلك، وبما أن تلك الطلمبات تعمل بالكهرباء فما أن ينقطع التيار حتى تنقطع المياه. فيا حبذا لو تصبح الكهرباء ذاتها خطا أحمر لا يجوز انقطاعها عن أي مكان.
    الغريب أن مصر التي تصلها المياه من السودان، ورغم الكثافة السكانية العالية جدا بها، إلا أننا لم نسمع بأن المواطن هنالك قد اشتكى من شح في المياه دعك من انعدامها، ولا نتحدث عن الاستخدامات الرشيدة للمياه التي مكنتهم من تعمير الصحراء وتشجيرها وتأهيلها بالسكان. أما الكهرباء وقبل أن يدخل إنتاج السد العالي شبكتها، فلم تكن عاجزة عن كفاية المواطن والمصانع وغيرها من مشروعات التنمية المتعددة.. إذن فهمونا، ما الذي يجري في هذه البلاد، وهل السد ارتد..؟!




    التعليقات

    1/ ابو الد - (الامارات) - 28/9/2009
    متعك الله بالصحة والعافيه د/ سعاد , تقريبا كل الشعب السودانى يسال هذا السؤال ( ما الذى يجرى فى هذه البلاد) والله نحن فى حيرة من امرنا ( الاساسبات الخمس ) لا ماء لا كهرباء لاتعليم لاصحه لاامن ولاندرى ماهى الانجازات التى تمت خلال العشرين سنة الماضيه . انظروا الى الدول من حولنا لا توجد به ربع الموارد الموجودة بالسودان ومع ذلك لا يعانون من تدهور الخدمات بالاساسيات الخمس... والله المستعان

    --------------------------------------------------------------------------------


    2/ محمد حسن شوربجى - (السعوديه) - 28/9/2009
    حقا لقد كان البترول وبالا علينا ونحن اشبه بنيجيريا ولعنة البترول التى حلت بها بل نحن اكثر منها بلاء , اقول قولى هذا وقد هجرت بلادنا الزراعة فتسلمها المتعافى فأصبحت كولاية الخرطوم ليلة غضبة السماء سفينة غارقة فى عاصفة هوجاء فمشروع الجزيرة لم يعد له صوت وهكذا حلفا وقد انقطعت عنه المياه ولم يعد المزارعون قادرون على حمل الطوريه وقد اكتفوا بحمل الموبايل فهو اكثر خفة ورفضنا جلب مزارعون مصريون والارض قاحلة لا زرع فيها ولا حياة فكيف للسودان النهوض وكيف للسد ان يعمل وهو سد دعائى ضد اوكامبو وكيف للكهرباء ان تضيئ بيوتنا وهناك من لا ينفذ امر الرئيس بتخفيض تعريفة الاستهلاك الكهربائى , نحن حقا شعب اخذتنا الحكومات الى البحر ورجعتنا عطاشا فلا ماء بجوار النيل ولا حياة بدون ماء اذن فنحن ميتون وسنظل كذلك ما دام فينا من نسى الله فأنساهم انفسهم

    --------------------------------------------------------------------------------


    3/ كوجاك ليل - (فاطمة كرل غرب دارفور) - 28/9/2009
    د.سعاد اول حاجة الحكومات اللي تتكلمي عنها هي حكومات جات بارادة المواطن ويقدر يحاسبها طيب ناسنا ديل جو ناطين فيها وبعتبرو نفسهم اوليء وصالحين وكلنا عرفينهو اولاد لزين وانت ست العارفين اي حكومة فاسدة تقضي وكتها كلو عشان تتلبد وتخفي فسادها شوف واسمعي كلمات د.فلان الدراب داك ونحنا عارفينو لما كان في كلية الزراعة حتي بيت ما عندو الليلة يملك الاف الامتار في برى دي نفهمها كيف باللع رب اني مغلوب فانتصر

    --------------------------------------------------------------------------------


    4/ صالح مهدى امبدهـ - (السعودية - جدة) - 28/9/2009
    سبحان الله يا ( سعاد ابراهيم عيسى )؟؟ - سبحان الله أيتها الوزيرة المايوية ...( يا بتاعة قوى الشعب العامل والأتحاد اللأشتراكى ) ؟؟ هل ظننتى أن الشعب السودانى نسيك ونسى عهدك ( عهد جعفر نميرى ) السفاح كقول - أهل اليسار ؟؟ بالله حدثينا عن ولى نعمتك جعفر نميرى وعهدهـ. هل تذكرين أن تدهور أمر البلاد بدأ بكم ( يا ناس مايو )؟ كيف كان اقتصادنا قبل مايو وكيف أنه بدأ ينحدر إلى طريق الهاوبة فى عهدكم؟ كم استلمتم من استحقاقات و معونات سلام اتفاقية اديس أبابا ؟ وأين ذهبتم بها ؟ كيف كانت الخدمات ( جميعها ) فى عهدكم عهد مايو ؟ و ماذا أ نجزتم؟ كم أعدمتم من السودانيين لكى تمكنوا لجعفر أبوعاج؟ هل نسيتى وصايا السفاح بتاعك حينما شد الرحال إلى امريكا؟ ألم يقل للشعب السودانى أشربوا الموص ؟؟ ألم تكونى من المهللين لأبى عاج فى ردهات الاتحاد الاشتراكى عام 1984 حينما جاع المواطنون فى دارفور وأكلوا قوت النمل من الأجحار ؟ ألم تنصحوهـ بعدم إعلان مجاعة 1984م فى دارفور؟؟ - فعلا الاختشوا ماتوا يا سعاد ابراهيم اتحاد اشتراكى؟؟؟؟؟

    --------------------------------------------------------------------------------


    5/ ابوشهد - (الامارات) - 28/9/2009
    كلامك عين الحقيقة ؛؛؛؛؛؛ ونرجو من هذا الشعب المغلوب علي امرة ان يلجأ الي اللة والي الدعاء لامخرج ولاملجأ من اللة الا الية؛؛ ونردد حديث الرسول علية الصلاة والسلام(( اللهم من ولي من امر امتي شيئا فشق عليهم فأشقق علية)))) آآمين؛؛آمين... هؤلاء لافائدة ترجي منهم وعندما ينعدم الضمير وتنعدم الاحاسيس؛؛ وتصير الجلود كجلود ال......... لاتحس يكفينا فضائح الفضائيات وعاصمة البلاد تملا عربات الكارو والحمير شوارعها وهي تحمل براميل المياة والاطفال كل حسب قدرتة يحمل اناء فية ماء علي رأسة ؛؛ ومنظر النيلين يتحدانا منذ الالاف السنين؟؟؟؟ وبلا خجل نتقول نحن حكام السودان ؟؟ ولازال النهب مستمرا؛؛؛؛؛؟

    --------------------------------------------------------------------------------


    6/ Dr. Kamal Idris - (United Arab Emirates) - 28/9/2009
    Dr. Suad Ibrahim Essa,is one of the national figures,& an academician of excellent calibre.her history & contribution to our nation speaks of itself.All the respect to her & her writings.

    --------------------------------------------------------------------------------


    7/ حلفاوي زهجان من الحكومة - (قرية إشكيت شمال حلفا الجديدة ) - 28/9/2009
    د. سعاد وين مع الحرامية اللي في البلد نرتاح .... لن نرتاح حتى تلم الإنقاذ حقائبها وتخرج من السودان إلى غير راجعه وغير مأسوف عليها .. ملعون أبوها بلد ما ليها وجيع ... وإلي من يهمهم الأمر سلام

    http://alsahafa.sd
                  

11-26-2009, 06:54 AM

اسعد الريفى
<aاسعد الريفى
تاريخ التسجيل: 01-21-2007
مجموع المشاركات: 6925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. سعاد ابراهيم عيسى : الشعب السوداني الذي أعيدت صياغته! (Re: مكي النور)

    ثم هناك سياسة التسويات التي اكتشفها البعض، فنهب ما نهب ومن بعد تعاملت معه السلطة بحكاية «المال تلته ولا كتلته»، ومن بعد يخرج الناهب بثلثي ما نهب بعد أن يقدم الثلث فداءً لغنيمته.

    (عدل بواسطة اسعد الريفى on 11-26-2009, 07:15 AM)

                  

11-26-2009, 07:28 AM

اسعد الريفى
<aاسعد الريفى
تاريخ التسجيل: 01-21-2007
مجموع المشاركات: 6925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. سعاد ابراهيم عيسى : الشعب السوداني الذي أعيدت صياغته! (Re: اسعد الريفى)

    والمشكلة أن شعب السودان لا يعرف سياسة المقاطعة للسلع عندما ترتفع أسعارها بدون مبررات، مثل ما تفعل الشعوب التي تعرف حقوقها وكيف تقتلعها من براثن أنظمة الحكم أو أباطرة الأسواق. فما من سلعة ارتفع سعرها هنا إلا وتسارع البعض لشرائها خوفا من فقدانها، وبالتالي شجعوا على الجشع.
    ولعل المشاهد لجماهير ولاية الخرطوم، ظهر الخميس الماضي، وقد تعطلت حركة المرور تماما وبكل شوارع الخرطوم، يندهش لمدى صبر هذا الشعب، ولا نقول عدم اكتراثه الذي هو أيضا من نتاج إعادة الصياغة. حيث ظلت العربات مصطفة بكل الطرقات بلا حراك، ومن بداخلها «بلا نفس» وكأن على رؤوسهم الطير، وعندما تتحرك سياراتهم لبضعة أمتار يعترضها شرطي المرور ليوجه مسارها حسب ما يتيسر من طريق، بصرف النظر عن وجهة وخط سير أصحابها، والغريب أن تتجه السيارات عكس وجهتها استجابة لتوجيهات الشرطي. لقد تعطلت الحركة بشوارع الخرطوم لقرابة الثلاث ساعات، دون أن يعلم المواطن الذي تم صبه بتلك الطرقات السبب لذلك.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de