أوردت صحيفة الأهرام القاهرية في أحد أعدادها الصادرة الأسبوع الماضي مقالا لأحد كتابها بعنوان (أوسلو جديدة في السودان) وقد إستهل الكاتب مقاله معلنا ( من حقنا في مصر وفي كل أنحاء الوطن العربي أن نفتح عيوننا تماما لكل مايجري في السودان) وله أقول : ومن حقنا نحن ياسيدي أن ننعم بالأمن والسلام في وطننا مثلما تنعم به أنت وكل الناس في أوطانهم ولماذا تفتحون أعينكم الآن فقط؟؟..نحن ياسيدي نحترب منذ خمسون عاما ..منذ فجر الإستقلال وليست عشرون عاما كما إختزلها من إمتهنوا بيع الكلام وصار الكل يردد وراءهم مقولة العشرون عاما وهذا دليل كاف على عدم الإلمام بأبعاد المشكلة السودانية ومضافا إلى الدليل الذي سقته في بداية مقالك بمطالبتك بأن (تفتحوا أعينكم تماما) تكتمل القناعة بعدم دراية مواطنوا العالم العربي مثقفيهم وعوامهم بمشكلة جنوب السودان وتلك هي مصيبتنا إذ أٌبتلينا بمن يهرف بما لا يعرف.
أما عن حديثك عن مؤتمر أوسلو وتشبيهك لمؤتمر مشاكوس به فأعلم أنه لو كانت قلوب الجميع وقبلها قلوبهم وضمائرهم حية مفتوحة وكانت الأفعال على قدر الأقوال لتحرك الفلسطينيون من موقع قوة وعزة لا من موقف عزلة وضعف جعلهم يوقعون الإتفاق الذي تدينهم عليه الآن وكأنه كان لهم خيار سواه وهكذا نحن العرب دائما مصرون على مقاتلة إسرائيل حتي يفني آخر طفل فلسطيني ونحن نجعجع ونتحدث تماما كما كنا مصرون على مقاتلة إسرائيل حتي آخر جندي مصري وسرحنا مع الخطب الحماسية والتصريحات الجوفاء بينما كان ابناء مصر يستشهدون دفاعا عن أرضهم وعن كرامة الأمة العربية ونحن مستغرقون في حلم تحرير أرض الكنانة من دنس الصهاينة بالخطب الحماسية والكلمات الجوفاء والمؤتمرات الفاشلة بينما مصر وشعب مصر وجيش مصر هو الذي يعاني وفجأة إستفاق العرب (وفنجلوا أعينهم) علي إنتصار أبناء مصر وإنعقاد (مؤتمر كامب ديفيد) وتوقيع إتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وتطاول بني يعرب على مصر فقاطعوها ووصموا صانعي سلامها بالخيانة وكان ماكان مما يعرفه الجميع، ثم أنه لا وجه للمقارنة بين أوسلو ومشاكوس فاتفاقية اوسلو وقعت بين أصحاب حق وعدو غاشم غاصب بينما وقعت الأخري بين أبناء وطن واحد لكل واحد منهم حق العيش الكريم في وطنه دونما تمييز أو تفاوت في الواجبات أو الحقوق ولك وللمتباكين على الديمقراطية في السودان أقول : دلوني على نظام ديمقراطي واحد في الوطن العربي، سادت الديمقراطية عندنا قبل غيرنا من الدول العربية فعاداها البعض وكال لها حتي جاءت الدكتاتورية العسكرية البغيضه فهللوا لها ثم إنقلبوا عليها عندما تحالفت مع التيار الإسلامي ، وجاءت ديمقراطية أخري فجدوا في خصومتها وتأزيم علاقاتها بدول الجوار ودول العالم ولم يهدأ لهم بال حتي سمعوا هدير الدبابة وصوت جنازيرها يسحق عظام الديمقراطية فأيد المؤيدون وهلل المهللون مرة أخرى وما أن بان توجهها بعد حين حتي إرتفع ترموميتر الكراهية والمكايدات بصورة موسعه لم تقتصر على النظام الحاكم وحده بل عاني منها المواطن السوداني في بعض أرجاء الوطن العربي ثم جاءت فترة هدأت فيها الخواطر أو هكذا خيل الينا حتى جاء تفاهم مشاكوس فانكشف المستور.
عجبا لكم..ماذا تريدون لنا؟؟ دولة قوية ذات سيادة تقوى به ويقوى بها الصف العربي أم دولة ضعيفة مدمرة ذليلة لا حول لها ولا قوة؟؟..دولة يسودها السلام وينعم أبناءها وهم أعزة بما حباهم الله به من ثروات وموارد طبيعية أم دولة يتقاتل بنوها ويهدرون دماء بعضهم البعض ويدمرون مواردها وثرواتها؟؟..دولة ديمقراطية أم دكتاتورية؟؟..دولة واحدة موحدة أم دولتان؟؟..دولة مسلمة أم علمانية؟؟
تلك بعض من أسئلة لم تعد الإجابة عليها من غيرنا نحن السودانيون تهمنا في شئ وإن وجدت فيجب أن لا يلتفت اليها ولا يعتد بها فالخيار الوحيد الذي نسعى اليه ونلتف حوله ونؤيده هو خيار السلام ..السلام العادل الذي يحقن الدماء..السلام الذي يرتضيه جميع أبناء السودان ليتحقق لهم العيش الكريم في ظله فمرحبا بهذا السلام على أي صورة جاء وعلى أي جسر عبر فليس مطلوب منا أن نرضي الغير ولكن المطلوب حل يرتضيه جميع أبناء السودان.
تنوبه: المقال يعود تاريخه إلي أغسطس 2002