|
على والردى
|
سهل الكتابة عند على المك شديد الامتناع ,كل كتاباته كذلك ولكنها تبدو هكذا بشكل خاص عند كتابات علي وقت ان يزف الرحيل ويدلهم الخطب , وقيل أنه ضمن كتاب قلائل تأثروا بطريقة كتابة جمال محمد أحمد كصلاح أحمد ابراهيم والطيب صالح ومحمد المكى ابراهيم , ولا أعلم ما اذا كان صلاح قد نعى جمالا , كعلمى بأن كل من الطيب وود المكى قد نعياه , وفعل ايضا على المك , اذن وفى السياق نفسه هل ياترى أن ود المكى نعى ايضا على المك ! , أما صلاح أحمد ابراهيم فقد أنشد يرثى عليا وهو ينوح قائلا علي شريك النضال .. علي رفيقى وياخندقى فى الحصار .. وياخرجى وقت ضيقى وياصرة الزاد تمسكنى فى اغتماض الطريق ويا ركوتى كعكعت فى لهاتى وقد جف ريقى علي ذراعى اليمين على خريفى ونيلى وجرفى وبهجة ريفى
ومازلت أتسائل هل فعل الطيب صالح الشئ نفسه لعلى المك وهو يرثى صلاحا فى مجلة المجلة على عموده الاسبوعى ( نحو أفق بعيد )بمقال ذرب عنوانه ( صلاح أخو فاطنه ) !ة
أم ترى ياترى لأن سهل المك عصى جدا فى ذاته وكتاباته معا لذا فان أخلص خلصائه لم يستطع تسطير أى حرف حينما رحل , ربما فى محاولة لأن تأتى الكتابة على قدر المراثى وأهلها ؟! , فهل يعزى جرح الفقد بالتناسى ؟!ة
وعلى الجانب الآخر فان عليا ولقدرته الفذه على ترجمة أحاسيسه النبيلة الى واقع مقروء يمشى ويصل للناس فقد آثر أن يكتب فى كل شئ وعن كل شئ ورغم كل شئ , وفى مقدمة كل ذلك ترجمة أحزانه وبكائياته فيمن رحل من أعز الناس لديه
فهاهو يرثى والدته وأرحم الناس به حليمه بت سليمان حينما خصها باهداء لكتاباته عن صديقه الصدوق وخله الوفى عبدالعزيز داؤد وهو يقول عنها صادقا ( كانت تنشد المديح النبوى ترانيم فى أشغال يومها ) , وقبل ذلك حينما رثاها - عليهما الرحمة معا - بعد أن طافت ذكراها بمخيلته فسطر كتابا يقول فيه ( ولكم كانت أمه تريد أن تراه عريسا على رأسه طاقية منسج تتألق .. ملطخا بالضريرة ومكبلا بالحريرة ومشبعا بالسريرة والعديلة .. وأن ترى أحفاده وتسمع دلوكة ليلة الزفاف .. آه لكنها اليوم مسبلة العينين .. متهدجة الأنفاس ومسجية بلا حراك . ايمكن أن تضخ العافية فى شرايين وروح من تعطلت منها الكليتان وذبل الفؤاد ؟ ة
وفى ذات المستشفى التى بارحت فيها روح والدته الحبيبة الى نفسه سطر يقول ( للمستشفى رائحتان .. رائحة الموت وأخرى هى رائحة المجارى والبالوعات والديتول واليود والقطط .. وان كنت لم تشم رائحة الموت فقد استنشقها هو حين كانت ترفرف حول رأس أمه ( حليمه ) . وكان قبلها يظن ان الموت ولأنه غدار وخائن لايغشى الكائنات الا فى الليل , لكن خاب حدسه لأن أمه ماتت بعد منتصف النهار والحزن مطبق وهاجر عنه طعم ولون ورائحة الحياة .. وكان واقفا امام فراش موتها غير قادر أن يجود لها بشئ , بقلب , بكلية , بشريحة من روحه كيما تحيا وتعيش , فى ذاك الصباح أحس بألم يفرى احشائه .. لم يكن ألم مدية , وكان يسبب له الما عظيما , ماذا لو ماتت أمك اليوم ؟ ( وكل حى صائر كان الى زوال يقول , وهكذا يجب أن تعزيه نفسه ) ( يمكن أن يقول هذا للآخرين , يواسيهم معزيا . ولكن حين يكون الفقد أمه فلن تنفعه كلمات المعزين .. وكان الزمان شتاءا . ياكم يخاف هذا الفصل .. لبرده ؟ لظلمة ليله الحالك ؟ أم لوحشته ؟ أم لأن أباه قضى فيه دون انذار ؟ وكان ينام والمسرة قرب رأسه يتوقع ان ينهض على شد وبال من المستشفى ليقول له ماتت .. ماتت , ولماذا تموت ؟ اليس هذا هو اجود المستشفيات وانظفها وفيه ممرضات امريكيات ؟ هراء .. وهل تمنع ممرضة أمريكية الموت ام تؤجل أجله ان حان ؟ ) ة
وخص ايضا والده و شيخه محمد على المك فى ذات الاهداء قائلا عنه انه ادخلنى (الى فراديس لغتنا الجميلة ) , وأما الاهداء الى خاله علي سليمان فقد خصه بأنبل ما شكل وجدانه حينما خط يقول عنه ( فقد تعلمت منه كيف يكون العيش فى أم درمان صبابة ) ! ة
وعند رحيل عبد العزيز داؤد فقد كتب مقالات مؤثرة عنه جمعها فى ذاك السفر المشار اليه والذى اصبح يعرف فيما بعد للجميع باسم ( عبد العزيز أبو داؤد) بطبعته الأولى فى 1989والثانية واظنها الآخيرة عن1989 دار جامعة الخرطوم للنشر
فى احدى تلك المقالات يروى على برؤية فنان موهوب , وقبلها بقدرة انسان كان ينشد ترجمة فجيعة الفؤاد ونقل الخبر المؤثر لجميع المعارف والاحباب حينما قال ( صباح السبت 4أغسطس 1984 كان ذاك العام بما فيه وما انقضى منه مثقلا بأحداثه , بطوارئه , وقضاة طوارئه , وقد استحال بذلك الى قرن من الزمان كان حاكمه الواحد هو كاليجولا وجنكيزخان , وسوموزا , آه .. صباح ذاك السبت طرت الى الخرطوم بحرى لحين أن بلغت دار عبدالعزيز , كان الطبيب قد عاده فى المساء , ووصف دواء أفاده شيئا , حين أطل الصباح , لعل أنفاسه هدأت بعض شئ حين رأيته قلت ( الحمدلله ) ثم عدت لطاحونة الحياة اليومية
فى العصر أيضا جلست وحدى أشاهد الالعاب الأولمبية , تنفجر معها ذكريات لوس أنجيلاس عهود الصبا , أخفق الضوء الأصيلى فصار الى ضوء باهت وأطبق المساء على روحى , هذا أكثر لحظات اليوم كآبة عندى , وقع أقدام , ثمة من يصفق , وثب قلبى الى فمى , اهذا طعم الفجيعة ؟ جاء الي محمد أحمد حمد زميل دراستى , وجار عبد العزيز , أهناك وقت للتحية ؟ نظرت فى وجهه , لاريب أثر الفجيعة يوشك هو أن يطلق عنانها خبرا . قال أن عبدالعزيز حالته خطرة , ذهبنا الى الطبيب ماوجدناه , وقال لى أنهم حملوه الى المستشفى فى بحرى , قلت له ( انطلق بى ) , حين وصلنا الى المستشفى لم يكن على بابها جمع حاشد , أوقفنا السيارة , قبل أن نسأل سمعنا رجلا فقيرا ماستر الليل فقره يحدث بائسا مثله فى أول ليل بحرى يقول له ( أبوداؤد مات ) ! , انفجرت السيارة , نحن بداخلها نبكى , اعدت الطبيعة عدتها , زمجرت الريح فى الاشجار مكتئبة الأغصان , تبكى , صعد الغبار يبكى , قالت الطبيعة : - ان هذا نصيبى من الحزن , تكون الفجيعة ليلة عدم الرؤية مدببة الأطراف وذات أبعاد , انطلق الأسى على شاشة التلفزيون يبلغ الناس الخبر الذى ( جل حتى دق فيه الأجل ) لقيت عبدالله العربى أمامى جالسا , يتيم الكمان , على الأرض يبكى , والفاتح الهادى يبكى , وجل أهل الموسيقى , برعى دفع الله كان بعيدا عن ليل الفجيعة فى تونس , بشير عباس فى جده , وبقيت وحدى . وجاء كل أهل الموسيقى يبكون , وكل الوتريات تبكى , ورق كرومه يبكى , والخرطوم بحرى دخلت ( بيت الحبس )
وهكذا كان على المك حينما يكتب عن الموت والرحيل والراحلين , يكون حاضرا فى كل كلمة وبين كل سطر وآخر , تماما كخصاله الجمة فى المواساة , وحضوره الباكر فى المقابر مواسيا , أو منشرحا يخفف الألم الممض عن أهل الموتى بقفشاته وطيب سجيته والناس تلتف من حوله فى صيوانات العزاء , فقد كان عليه الرحمة بسيطا وعميقا فى آن , , جامعا بين الفة هذا وذاك , فهو القائل فيه صديقه الشاعر على عبدالقيوم ,( ذاك الآخر) ذو الابتسامة الوضاحة والايناس الودود
فى المآتم انت المواسى فى الهزائم انت الذى يتصدى ساطعا للهزيمة فى البواكير انت الندى والشعاع حينما يحط القحط انت الذراع
ثم مضى على .. بعيدا مضى .. ويأتينا رجع الصدى بصوت البلاد التى لاتنافق
فى يمين النيل حيث سابق ) كنا فوق اعراف السوابق الضريح الفاح طيبو عابق السلام ياالمهدى الامام ماهو عارف قدمو المفارق يامحط آمالى السقام السلام يا قمر السلام) ة
وعليك السلام ياعلى حين ولدت وعشت .. وأنت تتنقل بين الناس وحياتهم ذهابا وجيئه .. ثم عليك السلام استاذ الاجيال حين نتناقل سيرتك وسريرتك وهى مبعوثة حيه
(عدل بواسطة حسن الجزولي on 10-10-2003, 06:54 AM)
|
|
|
|
|
|