|
الحداثة مرة أخرى ..الى شعرائها ونقادها مع التحية
|
شــاعــريــة الـتــفـاصــيـل
أم قـصـيـدة الـصـرف الـصـحـي!
شـوقـي بـزيـع
يدأب كثيرون من الشعراء والنقاد على الاحتفاء بما يسمّونه "شعرية التفاصيل" والجزئيات ودقائق الحياة الصغيرة. وقد بدا هذا الاحتفاء واضحاً من خلال مئات المقالات والقراءات النقدية التي لا تكف عن الابتهاج بكل ما هو تفصيلي ومحسوس ومعبّر عن شؤون الحياة الصغيرة ويومياتها. وفي ظل هذا المناخ الاحتفالي نمت عشرات التجارب الجديدة التي لم يعد اصحابها يأبهون للقضايا الكبرى والموضوعات المتصلة بالحضارة والفكر والتاريخ او بالالتزام الوطني والقومي وغير ذلك من الظواهر التي واكبت عقدي الستينات والسبعينات. ان من يتصفح القسم الاوفر من المجموعات الشعرية المتأخرة لا بد ان يلاحظ الالحاح المستمر على شؤون الشاعر اليومية بدءاً من العلاقة بالمنزل او المكتب او المقهى او الشارع وصولاً الى شؤون الجسد وعاداته وطقوسه والى ما يستتبع ذلك من بوح شهواني او مزاجية طاغية او شخصانية نزقة.
الحقيقة ان الظاهرة ليست في حد ذاتها نقيصة او مثلباً من مثالب الحداثة الشعرية بل هي في اساسها ظاهرة طبيعية وصحية ورد فعل مشروع على تعالي القصيدة العربية التقليدية واحتفائها بالتجريد والموضوعات الكلية الشاملة وعلى أنفتها وترفعها عن كل ما هو ملموس وجزئي وقريب الى اليومي والمعيش. فلطالما ارتبطت فكرة الشاعر عند العرب بكل ما هو متفوق وسحري ومنفصل عن الارض. وكان على القصيدة تبعاً لذلك ان تجد مادتها في مثال الحياة وصورتها العليا لا في الحياة نفسها ولا في ما تتضمنه من "صغائر" وهوامش وتفاصيل. وليس من قبيل الصدفة ان توضع هذه الهوامش والتفاصيل تحت باب "النثريات" حتى في لغة التجارة والمال والموازنات العامة. كأن دور الشعر عند العرب يقتصر على المتن والجوهر والاساس اما العارض والجزئي والمتفرق فمن اختصاص النثر وحده.
لقد بدا ابن الرومي وفقاً لهذا المفهوم نسيجاً مختلفاً في الشعر العربي القديم. انه الطائر الذي غرّد خارج سربه بحق وعن سابق تصور وتصميم. وهو ليس كذلك لأنه ظل خارج البلاطات وقصور الحكام ومطولات المديح والتزلف فحسب بل لأنه من القلة القليلة التي أنزلت الشعر من مكانته السحرية والنخبوية ووضعته في طريق الحياة البسيطة والمرئيات المحسوسة والغرائز الفالتة من قيودها. لقد تجرأ ابن الرومي على العادي والبسيط والمعيش وكل ما كان يعتبر قبله مبتذلاً وسخيفاً وخارج الكتابة. لذا لم يتورع عن وصف المأكل والمشرب والملبس وما تجيش به الرغبات والغرائز والطبيعة الانسانية المليئة بالمفارقات. وديوانه المطبوع يضج بوصف العنب والموز والزلابية وانواع الاطعمة والشراب والحلوى بقدر ما يضج بالأهاجي الناضحة بالتفاصيل الساخرة والترصد الدقيق للظواهر والانفعالات وأنماط السلوك البشري. وربما كأن الاهتمام بالحياة والاتصال بالواقع الحقيقي والعيش هو في طليعة الاسئلة التي طرحتها الحداثة على نفسها قبل نصف قرن. اذ ان جزءاً من مشروع الحداثة الشعرية العربية كان يتعلق بكسر البنية الجمالية السحرية للقصيدة العربية واعادة ربطها بمصادرها الارضية اليومية. وكانت تجربة نزار قباني من هذه الزاوية، التعبير الامثل عن رغبة القصيدة في مغادرة أقفاصها اللغوية الضيقة وبلاغتها القاموسية المتحجرة في اتجاه حياة ملموسة المعالم ومشاعر مرئية الانعكاسات. لذلك لم تخجل قصيدة قباني من ترصد التفاصيل والجزئيات ومظاهر العيش اليومي ومن التحدث عن المخمل والتافتا والكافيار والمنفضة والسجائر والموكيت وباقي انواع المآكل والملابس والعطور والادوات.
الا ان ذلك كله لا يمنعنا من الاشارة الى خطورة المنزلق الذي ينحدر في اتجاهه الكثيرون من شعرائنا الجدد. فتجربة ابن الرومي ونزار قباني، كما تجربة جاك بريفير في فرنسا، لا تتخذ مثل هذه التفاصيل غاية في حد ذاتها ولا تتحول صيداً مجانياً لصغائر العيش ومباذله وسقطاته بل هي تغادر ملموسيتها الظاهرة لتنفذ منها الى الاسئلة الصعبة والقلق الوجودي والايغال العميق في التأويل والكشف. فحين يعدّد جاك بريفير اسماء الملوك الفرنسيين بدءاً من لويس الاول حتى لويس السادس عشر الذي وضعت الثورة الفرنسية حداً لحكمه ولحكم سلالته يخلصه من هذا التعداد البطيء والممل الى سؤاله الطريف والساخر "يا لهؤلاء القوم الدين لا يحسنون العد حتى العشرين"! وكذلك يفعل الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس في معظم قصائده القصيرة.
على أن ما يتم في الفضاء الشعري العربي يحوّل قصيدة التفاصيل عن غايتها الفلسفية الاهلية وطابعها الرؤيوي والتساؤلي ويجعلها مساحة لتجميع القاذورات والنفايات البشرية اليومية ومكاناً لـ"الصرف الصحي" والتخلص من العقد والمكبوتات وفائض الغرائز الجسدية. لقد باتت معظم هذه التجارب نوعاً من الفولكلور الممجوج والشهوانية الجانحة والجرأة المفتعلة التي لا تصب في غاية ولا تنتهي الى سؤال. لذلك لا بد من وقفة جريئة امام الذات ومن تفحص نقدي عميق لما يتم في مجالنا الشعري تحت عناوين خادعة وبريق كاذب.
Copyright © 2003 An-Nahar Newspaper s.a.l. All rights reserved.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الحداثة مرة أخرى ..الى شعرائها ونقادها مع التحية (Re: bayan)
|
العزيزة د. بيان مع أكيد تقديري ووافر أحترامي.. لم أر فيما كتبه شاعر الحداثة شوقي بزيع الا اعلاء لشأن قصيدة الحداثة، وانحيازا ايجابيا لها من خلال محاولة تطهيرها من الابتذال لتنفذ الى الاسئلة الصعبة والقلق الوجودي والايغال العميق في التأويل والكشف وأنا اذ اعلن عن انحيازي بدوري لهذا التناول الراقي للشاعر شوقي بزيع أعبر أيضا عن عدم رضاي عن الطريقة التي تناولت انت بها هذا الموضوع والدوافع غير المعرفية التي ساقتك لهذا التناول انني أشكرك كثيرا لدخولك لهذا البوست الذي أرجو أن يجعل تناولنا لقصيدة الحداثة منهجيا ويصب في خدمة الأدب.. وأعرف تماما انك من المؤهلين للاضطلاع بهذا الدور .مرة أخرى أشكرك وأحييك يادكتورة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحداثة مرة أخرى ..الى شعرائها ونقادها مع التحية (Re: Abomihyar)
|
جزء من مساهمة الباحث التونسي رفيق عبد السلام فى ندوة عقدت فى العاصمة البريطانية لندن، بدعوة من المركز المغاربى للبحوث والترجمة. أخذتها من جريدة العرب اللندنية آملا في تحريض المهتمين على مناقشة فرضيات الباحث مع تحياتي
فى علاقة الحداثة والعلمانية
وفى مراجعة نظرية الحداثة على نحو ما صاغها أحد أهم أقطابها فى العصر الراهن وهو الفيلسوف وعالم الاجتماع الألمانى يورجن هابرماس، حاول الباحث فك العلاقة المزعومة بين العلمانية والحداثة، مؤكدا أن التقاطع التاريخى الذى تم بين التحديث والعلمنة فى سياق التاريخ الغربي، ليس إلا ممكنا من الممكنات التاريخية. وأكد فى ذات الوقت أنه لا يمكن مطابقة العلمنة مع العقلنة، خلافا لما ذهب إليه هابرماس. فالعقلنة إذا ما فهمت ضمن معناها الوظيفى العام، بما هى الاستخدام الإجرائى لإمكانيات التعقل الإنساني، فإنها يمكن أن تشتغل ضمن أرضية معلمنة كما يمكنها تفعيلها ضمن أرضية دينية غير علمانية. ويقول الباحث عبد السلام إنه إذا كانت الحداثة تعنى فى بعد من أبعادها الرئيسية التفكير النقدى والإبداعي، وعدم الخضوع للمسلمات، فإن ذلك يقتضى التسليم بحق الشعوب فى شق طريقها الخاص فى الحداثة، بصورة إبداعية، وغير مسبوقة، باستثمار مختزناتها التاريخية والرمزية. وإذا كانت الحداثة مشروعا غير مكتمل وناجز، على ما يذكر الفيلسوف الألمانى هابرماس فإن ذلك يقتضى ضرورة فتح الإمكان النظرى والتاريخي، بدل حصره فى نموذج واحد، هو النموذج الليبرالى الغربي، (أو النموذج المسيحى البروتستنتى المعلمن) بعد إكسائه طابع الصلاحية الكونية. ويذهب الباحث عبد السلام إلى القول بأن هناك مصلحة عملية، وحاجة حقيقية لفتح باب الاجتهاد فى موضوعة الحداثة، بدل الاقتصار على تقبل النماذج الجاهزة، باسم ادعاءات كونية وحداثية مزعومة وموهومة، تعميقا للجهد الفكري، الذى بذلته الحركة الإصلاحية الإسلامية منذ جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وبقية تلاميذهما فى الشرق الإسلامي، الذين راهنوا على استيعاب قيم . .الحداثة ضمن الوعاء الإسلامى العام -----------------------------------------------
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحداثة مرة أخرى ..الى شعرائها ونقادها مع التحية (Re: Abomihyar)
|
Quote: على أن ما يتم في الفضاء الشعري العربي يحوّل قصيدة التفاصيل عن غايتها الفلسفية الاهلية وطابعها الرؤيوي والتساؤلي ويجعلها مساحة لتجميع القاذورات والنفايات البشرية اليومية ومكاناً لـ"الصرف الصحي" والتخلص من العقد والمكبوتات وفائض الغرائز الجسدية. لقد باتت معظم هذه التجارب نوعاً من الفولكلور الممجوج والشهوانية الجانحة والجرأة المفتعلة التي لا تصب في غاية ولا تنتهي الى سؤال. لذلك لا بد من وقفة جريئة امام الذات ومن تفحص نقدي عميق لما يتم في مجالنا الشعري تحت عناوين خادعة وبريق كاذب.
|
شهادة من العالمين ببواطن الامور شكرا ابو مهيار علي هذا المقال الجري الهام يا تري هل يتسع صدرنا لمثل هذا النقد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الحداثة مرة أخرى ..الى شعرائها ونقادها مع التحية (Re: الجندرية)
|
الاخ ابو مهيار الاستاذ عجب الفيا الاستاذ الخواض الدكتورة بيان والاستاذة الجندرية مشكورين على الفائدة والاستفادة كل المقالات التى قيلت والامثلة التى ضربت والبحوث التى نشرت تبداء بتجارب شعراء اجانب فهم اصلا ماذا حدثو على حسب فهمى ان شعرهم من بدايته لا يتقيد باى قافية وليس له اوزان ولا بحور كما للشعر العربى ثم ان الشعر العربى له القدح المعلى ومنه بداءت البشرية معرفة الشعر وكأن اللغات الاخرى فقيرة لهذا الفن اللغوى الذى تحداه القران فنحن العرب اصل الشعر فاذا اردنا ان نجدد فمن الاحرى الا نستعين بترجمات لشعراء اجانب ونقول هذه هى الحداثة هذا على الصعيد العربى اما على الصعيد السودانى :- دا موضوع طويل على المستوى العربى لم يسمع لنا صيت وعلى المستوى السودانى تجاربنا كلهاواستدلالاتنا مستقاة من وحى عربى واخر اجنبى والاثنان لا يمثلون شعر الحداثة السودانى من وجهة نظرى فما هو مخرجكم لنا من هذاالنفق المظلم على حد تعبيرى....ز فما قولكم فى هذا الهذيان وتسلمو
| |
|
|
|
|
|
|
|