الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره للقدس العربي / حاوره كمال حسن بخيت

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 00:41 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة حيدر حسن ميرغني(حيدر حسن ميرغني)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-04-2007, 03:45 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27722

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره للقدس العربي / حاوره كمال حسن بخيت

    أجرى اللقاء الاستاذ/ كمال حسن بخيت

    الدكتور منصور خالد مفكر وكاتب سوداني، غزير الانتاج خصوصا في شؤون السياسة، واستراتيجيات التنمية، ويملك قلما جزلا رشيقا مقروءا ومثيرا للجدل في آن واحد، وفضلا عن علمه وثقافته الموسوعية التي كثيرا ما يبهر بهما خصومه قبل مريديه وهم كثر في الجانبين ، فان الرجل خبير بخبايا واسرار وتطورات واشكالات السياسة السودانية التي خاض اتونها مفكرا ووزيرا ومعارضا شرسا لكنه في كل الاحوال كان دائما ولا يزال مشهودا له بالكفاءة.
    سطع نجمه عند العامة عندما تولي وزارة الشباب والرياضة في بداية العهد المايوي (نظام الرئيس الاسبق جعفر نميري) الا انه لدي خاصة المثقفين كان معروفا بينهم يتابعون انتاجه الفكري وكتاباته ومشاركاته في المؤتمرات الدولية، وما تنشره له الصحف من مقالات تحمل وجهة نظره وفكره. كان احد ابرز من تولوا مسؤولية وزارة الخارجية عندما كانت مايو في اوجها واعتبر حينذاك احد اعمدة النظام ومنظريه وفي العام 1979 انقلب د. منصور علي مايو بسبب اخطاء لم يتحملها ولا تتوافق مع ما يؤمن به من قيم وما يعتقد ويحمل من فكر وبدأ نقدها وتعريتها في كتابه (السودان والنفق المظلم)، ثم انضم الي الحركة الشعبية لتحرير السودان مستشارا سياسيا لجون قرنق ثلاثة عقود او اكثر. ظل د. منصور خالد شخصا مثيرا لجدل كسياسي وككاتب ومفكر متميز وجريء يختلف البعض حول افكاره وطروحاته لكن الجميع يعترف بقوة قلمه وجزالة تعبيره.
    ما هي علاقته بالامام عبد الرحمن المهدي والمحجوب وقبلهما عبدالله خليل؟ بمن تأثر في بدايات حياته وما هي الظروف التي اسهمت في تكوين شخصيته؟ وما علاقته بالنخبة او الصفوة؟ ...ما هو تأثير عمله بالامم المتحدة عليه، وماذا تركت الدراسة والعمل في الولايات المتحدة؟ كيف ينظر الي الداخل الي الصراع السياسي والبحث عن حل شامل واستقرار للسودان؟ ما هي المحددات التي يراها للسودان الجديد وماذا يأخذ علي قادة الاحزاب؟ وكيف يعيش حياته الخاصة؟ هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها د. منصور خالد في اول حوار معه يتطرق الي الخاص والعام في حياته.
    يكشف السياسي السوداني في ثنايا الحوار انه لم ينضم لأي حزب لأنه كان يهتم بالجانب الفكري الجدلي في السياسة وليس الجانب التنظيمي وان اهم منعطف في حياته هو انتقاله للعمل في الامم المتحدة ويكشف ان الرئيس الامريكي دوايت ايزنهاور اضطر للاعتذار للسفير السوداني بعد ان اثار ازمة دبلوماسية صاخبة في واشنطن. هنا نص الحوار الذي اجريناه معه في القاهرة.
    البدايات

    متي بدأ اهتمامك بالسياسة وبمن تأثرت ولماذا لم تصبح شيوعيا او اخا مسلما مثل اقرانك في الجامعة في ذلك الوقت ؟
    اهتمامي بالسياسة قديم منذ عهد الطلب ولربما طغي علي ذلك الاهتمام الجانب الفكري الجدلي، علي الجانب الحركي التنظيمي. منذ صغري طبعت علي بعض القولبة والتعليب. وكان لاساتذتي في هذا، جمال محمد احمد بشير محمد، سعيد محمد توفيق ـ عبد الرحيم الامين المعلم الاكبر وما اسماه صحبه المعلم الا لما تميز به، علم وارف ومقول بليغ وصارم لا يماري معه ولا يداري ورغم نشأتي في اسرة الاشياخ المتصوفة الذين نذروا انفسهم للعلم وعافو السياسة الا ان بعض ابناء الجيل الثاني منهم ولج ميدانها كاتحاديين. وعلاقتي بالمعلم هي التي قادتني الي حزب الامة وبوجه خاص الي البيه عبدالله خليل وكان بين الرجلين تماثل في الصراحة الممعنة.
    اذا لم تكن تهتم بالجانب الحركي التنظيمي في السياسة وكنت كما قلت تهتم بالجانب الفكري الجدلي ما هي الوسائل التي كانت متاحة لك للتعبير عن افكارك ... عن نفسك في السياسة ؟
    مدخلي للتعبيرعن نفسي في السياسة كان هو الصحافة، صحافة الحائط في الثانوي والجامعة بجانب الصحف التي كنت اعمل فيها في فترات العطلة الصيفية. من تلك الصحف جريدة (النيل) التي كان يحررها المعلم ووكالة السودان للنشر التي كان يحررها محمد احمد عمر بالانكليزية. وتعاقب علي مراجعة ترجمة اخبار الصحافة السودانية فيها رجلان كانا يقفان علي طرفي نقيض، عبد الخالق محجوب وعوض عبد الرازق. كما اسهمت بالعمل في جريدة (الشباب) لعفان. وكان يتوسم في خيرا ولا يدرك اسباب خياري السياسي. علي ان عفان كان حييا لم يكن في قسوة حسن احمد. عثمان الكد وخلف الله بابكر كانا كلما لقياني في زيارتهما لمصطفي الصاوي، يقولان (اولم يحدثك خالد عما فعله خليفة المهدي بأولاد السادة؟). ومن الصحف الاخري التي عملت فيها اسبوعية كان يصدرها يحيي عبد القادر صحافي عصامي حببته الي نفسي رعايته للشباب، واستهواني اسلوبه، وقد كرمني يحيي بان ضم اسمي وصورتي في كتاب اصدره يوم ذاك (شخصيات سودانية) وكان من بين معاوني يحيي رحمي محمد سليمان وادريس حسن .. كما كان الزائر الدائم للصحيفة ولعله ممولها الشريف حسين الهندي قبل ان يدخل السياسة من اوسع ابوابها ولن انسي بالطبع جريدة الايام التي اتاحت لي الكتابة الجادة فيما بعد. وكان محجوب عثمان الصديق القديم والباقي رغم غثاثات الموتورين من اكثر المشجعين لي رغم اختلاف المنابت الفكرية، اطلقت علي صحيفتي الجدارية في مرحلة الدراسة الثانوية اسم (هذيان). وكان الفنان ابراهيم الصلحي يقوم بتذويقها بتصاويره وليتني احتفظت بكل ما ذوق فناننا العظيم فقد اصبح الصلحي فيما بعد شيخ الفن السوداني الحديث بلا منازع عبر في فنه عن الشخصية السودانية ببعدها العربي ـ الاسلامي والافريقي. اما صحيفة الجامعة فكان اسمها (المقص) واخترت لها شعارا (انهم يقولون دعهم يقولون ، ماذا يقولون؟) كان ذلك ردي علي اصحاب العقائد من الاخوان والشيوعيين الذين قدروا ان في شق طريق ثالث مستقل ما يؤثر علي ما يعتبرونه رصيدا جماهيريا استراتيجيا.
    لماذا تساقط كثير من الذين ينتمون الي التنظيمات العقائدية التي ذكرت، وما هو السر في ان معظمهم كانوا اخوانا مسلمين؟
    لا اعرف من هؤلاء، ولكن حسب تجربتي الجامعية هناك كثيرون اتخذوا لانفسهم هذا الطريق او ذاك التي لا تمت للفكر بسبب مثل الرابطة الاسرية او الجهوية او الصداقة او الحرص علي الانضمام لكيان يحميهم، هؤلاء هم الذين يتساقطون حسب تعبيرك ولكني اعرف ايضا جماعات اخري آمنوا بالفكر الاخواني او الشيوعي وظلوا ثابتين عليه رغم كل ما لاقوا من اهوال. ومع اختلافي مع هؤلاء في الرأي والرؤية الا اني احترم استمساكهم بما آمنوا به، ديدني في الوسط الجامعي كان هو قول الله تعالي (وكان بين ذلك قواما) لا ميل الي هذا ولا انحراف الي ذلك. بهؤلاء تأثرت.
    لا تميل الي هذا ولا تنحرف الي ذلك. نسألك اذن عمن شكلوا رؤي د. منصور واولئك الذين أثروا في تكوين وعيه مبكرا ؟
    من العسير ان احدد بصدق كل الذين أثروا في تكوين وعيي فالاباء والاسرة التي نشأت فيها أثروا في اهتمامي بالدراسات الدينية، ولبعض معلمي الذين اشرت الي بعضهم اثر في اهتماماتي الادبية والفنية (عبد الرحيم محمد سعيد وعبد القادر تلودي)، كما ان لبعض من عملت تحت امرتهم في المنظمات الدولية اثر اثرا كبيرا في دربتي علي منهاج العمل ولربما اضفت ايضا ان كان لي ان اذكر واحدا من المنتديات الفكرية في السودان التي كان لها الاثر البالغ في اقبالي علي القضايا العامة دار الثقافة التي كان بعض اصحابي يحسبونها قلعة من قلاع الاستعمار، ربما لانها تقع قرب القصر والكنيسة الانجليكانية او فيما كان يعرف بالحي الشرقي. اذ لا اظن ان هناك رابطا بين من كانوا يرتادونها ففيهم الاستقلالي والاتحادي. ولكن ان يتاح للفتي الناشئ ان يجلس مستمعا للشنقيطي ومكي شبيكة والقاضي ابورنات والدكتور التجاني الماحي وجمال محمد احمد ومكاوي اكرت وداوود عبد اللطيف وابراهيم عثمان اسحق، تلك وأيم الحق منة من الله. ارتاد الدار ايضا بعض مما يلي وان كانوا سبقوني في الدراسة محجوب محمد صالح وسرالختم السنوسي ومحمد عبد الحليم وعبد الوهاب موسي، ولا انسي الاخ الحبيب احمد عمر امين مكتبة الدار من بين كل هؤلاء ترك في نفسي ابورنات اثرا لا انساه ليس بحسبانه القاضي العادل المنصف بل لتواضعه العلمي فوجئت مرة بالشيخ الجليل يحمل كتابه وكراسته في المعهد الفرنسي حيث كنت اتعلم مبادئ اللغة. سألت ذلك الرجل العظيم رئيس قضاء السودان ما الذي يحمله علي الوفود الي حلقات المبتدئين؟ فرد في تواضع جم ، وفي كلمات تنسل من الفم انسلالا وكأنه يحسب كل حرف فيها : ( يا ابني العلم لا حدود له .. يطلب من المهد الي اللحد) ثم مضي يقول (لاقتني في عملي وقراءاتي القانونية تعبيرات فرنسية كثيرة فأردت أن احسن معرفتي بتلك اللغة)، كم منا اليوم يعترف بان الانسان والمعرفة خطان متوازيان لا يلتقيان الا في اللانهاية.
    ما هي المنعطفات في حياتك السياسية .. والاحداث .. والشخصيات التي عرفتها أو عاصرتها، وكان لها دور في تشكيل وعيك اللاحق ؟
    أهم منعطف في حياتي ـ بمجملها ولا اقول حياتي السياسية ـ هو انتقالي للعمل في الامم المتحدة بنيويورك ثم في الجزائر من بعد .. في الاولي بجانب ما اكتسبت من خبرات حول مناهج العمل ومن علائق زادتها الايام رسوخاً ـ تعرضت لتجربتين: الاولي هي محاباة البزوغ الافريقي في العالم (بعد الاستقلال وانضمام اغلب الدول الافريقية للمنظمة ) اذ لم تكن تمثل الدول الافريقية جنوب الصحراء في المنظمتين غير دولتين - اثيوبيا وليبريا - ثم جاء السودان من بعد، والثانية : الصراع لانهاء التمييز العرقي في امريكا خاصة في عهد الرئيس كينيدي .. التجربة الاولي كانت مدخلاً فقد ربيت منذ الصغر علي نشيد ( أمة اصلها للعرب دينها خير دين يحب ) .. في ذلك النشيد اسقطنا كل تاريخنا النوبي الزاهر .. كما اسقطنا من الاعتبار اقواماً اخر يشاركوننا الوطن .. ولا يدينون بما ندين .. وكان اغلب الافارقة الذين التقيت يومذاك ينظرون للسودان نظرة فيها الكثير من التقدير والرجاء وهم لا يدرون ما ننطوي عليه من استهجان لهم.
    كنت اعجب - بعد ان لقيت من الافارقة ما لقيت - ما الذي يحمل المرء منا علي التهوين من قادة رجال مثل ديفيد نيكول ( سيراليون ) والبرتو موندلاني ( موزامبيق ) وجون مالشلا ( تنزانيا) ود يالوتي ( غينيا ) .. أهو العرق واللون؟ ان كان الامر كذلك ففي التجربة الثانية ما يردع المرء عند هذا .. الا وهي تجربة التمييز بين ابناء الوطن الواحد علي اساس العرق واللون .. ومن التجارب التي عايشت ما تعرض له أول سفير للسودان في واشنطن .. دعي السفير الدكتور ابراهيم انيس الي حفل جامع ـ وسحنة الرجل ابعد ما تكون عن السواد الذي نعرفه ـ فمنع من الدخول من الباب الرئيسي لان دخول امثاله من الملونين لا يكون الا من باب الخدم في شريعة العنصريين .. بالطبع غضب انيس وقفل راجعا مما اثار ازمة دبلوماسية صاخبة حملت الرئيس ايزنهاور علي دعوته الي البيت الابيض والاعتذار له.
    القصة الثانية كانت مع الصديق صلاح احمد السكرتير الثاني بالسفارة آنذاك وصلاح هو الشاعر العربي الفصيح بن الشاعر العربي الافصح الذي طالما تغني بعرار نجد وربي تهامة ، الحظ العاثر قاد صلاحاً لدخول احد المتاجر والافصاح عن اصله السوداني .. فما كان من البائع اليهودي الغليظ الا ان قال له .. اقرأ هذه الايام في الصحف حملات - العرب - عليكم ( وكان ذلك في عهد الرئيس عبود ) قلوبنا معكم .. البائع لم يصدق ان الطود الاسود الذي يقف امامه هو واحد من هؤلاء العرب .. خاصة بعد ان وشي للرجل بسودانيته - بل هو رسولهم الي تلك النجوع النائية .. مع ان صلاح يتمتع بقدر كبير من السخرية التي تقارب جلد الذات .. جاءه دبلوماسي ناشئ ( عزت الديب ) يحتج غاضبا لان الحلاق الابيض رفض استقباله في صالون الحلاقة بواشنطن .. فما كان من صلاح الا ان قال له (روح احلق عند البيشبهونا واعتبر نفسك حلقت عند دراج) او تري الظلال البعيدة في هاتين القصتين؟ .. القصتان وتجارب اخري نظيرة كشفت لي عن الغباء الكامن في التمييز بين البشر حسب الوانهم واعراقهم في امريكا كما في السودان.

    تأثير أمريكا عليّ ..

    أو لم يكن لأمريكا تأثير ايجابي عليك ؟
    امريكا كان لها ايضا أثر آخر عليّ خاصة في فترة الدراسة الجامعية بجامعة بنسلفانيا .. ذهبت اليها للدراسات العليا في القانون. وتخيرت القانون الدولي كمادة تخصص .. فاجأني لويس هينكن بالقول : لماذا لا تختار بجانب هذا موضوع قانون المعاملات وتختار بجانبه مادة مبادئ الاقتصاد في Law of international tarn actions الدولية في مدرسة هوارتون الملحقة بالجامعة. حسبت ذلك تخطيطا فقلت ان لا شأن لي بالاقتصاد لم ادرسه ولا ارغب في دراسته، وقد تعلمنا في بلادنا الفصل القسري بين المعارف فطالب القانون لا يدرس غير القانون، وطالب الاقتصاد لا يدرس غير الاقتصاد. تلك التجربة التي نمت في الاحساس بموسوعية المعرفة والرغبة في التزود بالمعارف في ميادين شتي. هوارتون اتاحت لي اللقاء بزملاء عرب افدت كثيرا من الحوار معهم، وقد اصبح لأغلبهم شأن. من اولئك استذكر نبيل شعث المستشار الاقتصادي للرئيس عرفات وحازم البيلاوي الاقتصادي المصري المعروف والذي يشغل الان منصب السكرتير التنفيذي للجنة الاقتصادية للامم المتحدة لغرب اسيا .
    المرحلة الجزائرية عمقت في وجداني النظرة الانسانية للافريقي والوعي العميق بضرورات الوحدة الافريقية والتناصر العربي الافريقي المفتعل بين الهويتين، ولربما اعان اهل الجزائر علي ذلك انهم لا يعانون من عقد نفسية هم ليسوا بحاجة الي اثبات عروبتهم فلونهم كلون غيرهم من العرب كما لا يكف البربري عن الاعتراف بأصوله البربرية او يتظاهر المعلم بالفرنسية منهم بالعداء لمكتسباته الثقافية من الفرنسيين .. كانت الجزائر يومها هي المنطلق لكل حركات التحرير الافريقية، انغولا، غينيا ، اللوممبيين ،كما كانت في ذات الوقت منبرا للحوار الحافل الذكي بين المفكرين الافارقة والعرب، ومن العرب اذكي لطفي الخولي وبطرس غالي ومراد غالب ..هذه التجارب جعلتني اسعي دوما للتعرف علي الاخر وان كان العجز عن التعرف علي الاخر نقصا مفهوميا، الا انه في السودان نقص خلقي ايضا بسبب الكوارث التي ادي وما زال يؤدي اليها عجزنا عن التعرف - ناهيك عن الاعتراف بالآخر .
    واشنطن ..الجزائر نعود بك منهما الي باريس. د. منصور انت كاتب متمــــيز ومفكر له تأثيره ومشــــاركاته. نسأل ماذا اضافت باريس وفرنسا اليك وبمن تأثرت ؟
    لا ادري ما الذي تعنيه بكاتب متميز، انا اسعي لان اكون مؤرخا اجتماعيا اسرد الاحداث التي عايشت واحللها واستنتج منها العبر، ثم اجلي ما استقر عليه رأيي للحوار. هذا النهج من الكتابة يستوجب الحرص علي التوثيق والاحصاء الرقمي والمقارنة بين المواقف، ولا شك في ان حياتي في الخارج قد اتاحت لي شيئين اساسيين بصورة ما كانت لتتحقق لو اني اعيش في السودان: الاول هو توفر مصادر المعرفة واسلوب الاستخراج والاستنباط، والثاني هو العزلة ان اردت فالقراءة رياضة وجدانية هذا امر لا يستطيعه المرء في السودان مع الضغوط الاسرية والاجتماعية. ثمة شيء اخر اضيف حول المؤثرات والمكونات التي ساهمت في تكييف نظرتي للقضايا في الفترة الباريسية ودورها في فتح طاقات جديدة للرؤية للتاريخ الاسلامي ومنهج الاقبال علي دراسته. في هذا تأثرت كغيري بالمفكرين جاك بيرك ومكسيم رودنسون قرأت لهما وتحاورت معهما وتعلمت منهما فوجدت كنوزا زاخرة من المعرفة فيما كنا نسميه الكتب الصفراء، كما كان للمدرسة المغربية (اعني المغرب العربي) اثر ملموس في نظرتي للتاريخ العربي بدءا من باريس والي مالك بني وما عبدالله العروي ومحمد اركون الا امتداد لتلك المدراس. مدارس المشرق كانت تتسم بالخطابية والسرد التاريخي الذي لا يصاحبه تحليل متعمق والرومانسية باستثناء جهد قلة مثل زكي مبارك (كتبه عن التصوف الاسلامي) والعقاد في اسلامياته واخيرا حسن حنفي. بيرك هو الذي اتاح له فرصة التعليم في فرنسا، وكان يتردد الي السودان كثيرا بحسبانه مستشارا للشؤون العربية - الاسلامية لوزارة الخارجية الفرنسية .

    لست انطوائيا

    بالرغم من هذا الانفتاح والعلاقات الواسعة ينظر اليك الكثيرون كشخص انطوائي. هل خصوماتك الشــخصية او السياسية وراء هذه النظرة ؟
    لست انطوائيا وكيف يصبح انطوائيا من يكشف ذاته بادمان الكتابة والنزال الفكري مع الاخرين؟ اما ان اردت حياتي الخاصة فتلك انا بها ضنين الا علي اصدقائي الاقربين ولا شأن لغيرهم بها. سئل فرويد لماذ لا يسجل مذكراته قال (لا يستحق الناس ان تقول لهم كل الحقائق) يريد بذلك عامة الناس، ومن ادري من الناس من فرويد الذي سبر غور نفوسهم؟ علاقتي الخاصة قزحية فيها السياسي والاديب والعالم واهل الفن والغناء لهذا فما تسميه خصومات شخصية ليس فيه من الشخصانية شيء كما اني لست عدوانيا. قد اكون قاسيا في نقدي لمن يتحرش بي، وقد اكون ممعنا في الزراية بمن يتكذب علي الاحياء او الاموات، ان يسعي لتلوين التاريخ. مع هذا لي علاقات ورأفة مع اهل كل المدراس الفكرية بل وصداقات واحرص عليها رغم اختلاف الرأي.
    تحدثت كثيرا عن ادمان النخبة للفشل اين تضع نفسك من هذه النخبة ؟
    انا جزء من هذه النخبة وتجاربها ولعل الذين قرأوا ما كتبت ولم يقتنعوا في اصدارهم الاحكام عليه بمجرد قراءة عناوين الكتب يدركون حرصي علي القول بان فيما سجلت نقدا ذاتيا لتجاربي وبصورة عامة اقدم للاحكام دوما بالقول (هذه آراء للسجال الفكري بنيتها علي حقائق موثقة) فمن انكر الادلة عليه ان يأتي بأدلة داحضة، ومن شاء الحوار حول النتائج حاورناه ومن ذهب للتصنع عالجناه بقلم سيف حاد الشذاة لساني طويل فاحترس من شذاته عليك وسيفي من لساني طويل هذا هو نهجي يا صديق حتي تنسخ الشمس.

    العلاقة بحزب الامة

    كنت في شبابك الباكر اقرب لعبدالله خليل امين عام حزب الامة ورئيس حكومته في الخمسينيات اي كنت محسوبا علي حزب الامة مع انه يبدو للمدقق انك اقرب للحداثة والتجديد ظاهرا وباطنا. حدثنا عن ميولك السياسية والبيئة التي نشأت فيها.
    تعبير اقرب قد يكون غير سليم استخدام افعال التفضيل فأقرب من مَنْ واقرب من ماذا؟ صحيح كنت قريبا جدا من عبدالله خليل وتعلمت منه الكثير لذا حرصت علي اهداء الجزء الاول من كتابي (النخبة السودانية وادمان الفشل) الي ذكري رجلين كان عبدالله خليل احدهما وبلا شك ان عبدالله خليل اسهم اسهاما كبيرا في تكويني السياسي (قدوة وتمثلا) ليس من جانب الافكار وانما علي المستوي الخلقي وسعيه لتقريب القاصي والداني وكان علي درجة كبيرة من احتمال الاخر وكانت داره تعج بكثير بدءا بعبد الخالق محجوب الي صحبه الدرديري احمد اسماعيل وايضا بأقرانه من الصحافيين.
    واذكر ان يحيي عبدالقادر في فترة من فتراته ويحيي كان رجلا كثير التحول في مواقفه سخر كل صحيفته للهجوم علي عبدالله خليل وفي يوم من الايام حضر في الصباح الباكر لمأدبة الافطار (مأدبة مفتوحة دائما في منزل عبدالله خليل) حضر يحيي وما ان شاهده حسن محجوب حتي انتفض غاضبا واطلق بعض الالفاظ غير اللائقة في حقه وقال لعبدالله خليل (الراجل ده ماعندو غير شتيمتك وانت برضو تفتح ليهو بيتك وتستقبلو؟) وكان رد البيك غريبا (يا حسن سيب الناس في حالها اذا يحيي ما بقدر يعيش من غير شتيمة سيبوا يعيش)، ضحك الدكتور منصور هذه هي الجوانب التي كان لها بدون شك اثر كبير عليّ فيما يتعلق بتلك العلاقة وبالطبع هذه العلاقة كانت في فترة الصبا ولا استطيع ان اقول انها قربتني كثيرا او جعلت لي اي دور في صنع القرار وانما قربتني من دوائر صنع القرار مما مكنني من التعرف علي الكثير من الاشياء التي افدت منها لاحقا، والاتصال ببعض القيادات من ذوي القربي عبدالرحيم الامين وامين التوم من حزب الامة. اما الحديث عن الحداثة والعصرية فأستطيع ان اقول انني رجل تقليدي وربما كانت محنتي دوما حتي في صفوف حزب الامة عندما كنت فيه انني لا استكين الي الخطأ المجمع عليه ويمكن انها ما زالت مشكلتي في انني افضي بالرأي الذي اري انه صواب دون اضفاء اية حتمية علي الاراء التي انادي بها لانني اؤمن بان الحتميات حتي في العلوم البيولوجية الان اصبحت غير ثابتة خاصة بعد اكتشاف الجينوم البشري واليقين الثابت في الحقيقة هو عدم التيقن وبالتالي اي يقين لا بد ان يكون يقينا نسبيا.
    ما هي طبيعة علاقتك بالامام عبدالرحمن المهدي والصادق والهادي وكيف تقيم دور كل منهم في قيادة حزب الامة؟
    بحكم السن في تلك الفترة ما كان هناك مجال ان تكون لي علاقة بالامام عبدالرحمن لكن اتيحت لي الفرص لحضور جلسة للاستماع اليه وعبدالرحمن رجل ذو ميزات عظيمة اهم ميزاته انه رجل لا تهزه الاحداث، ايضا كان به السماحة والكرم وكان حريصا علي التوفيق بين الناس وجمع المتناثرات. اما الصديق فبحكم رئاسته لحزب الامة فكانت علاقتي به اوثق وشاركت في بعض رحلاته. اذكر رحلة قام بها الابيض برفقة الدكتور مأمون حسين شريف (رحمهما الله) وكان صديقا ايضا له علاقات واسعة تتجاوز حزبه وكان مدركا للمرارات تماما مثل والده التي خلفتها المهدية التي كان يسعي دائما لمحوها. واذكر قصة طرفة رواها لي يوسف بدري كانت في فترة عبود بعد احداث المولد المشهور وكانت معارضة نظام عبود التي يرأسها الصديق المهدي تريد الدخول في مجابهة كانت تتمني ان يقود الانصار هذه المجابهة وكما روي لي يوسف جاء نصرالدين ووداعة عثمان رحمة الي الصديق يطلبان ان ينزل الانصار الي الشارع لمجابهة النظام. كان رد الصديق ردا بليغا قال لهما (لو الانصار نزلوا الشارع ما حيسيبوه واحسن ليكم ديكتاتورية عبود من ديكتاتورية الانصار) فان يصدر هذا الحديث عن زعيم الانصار فهو يكشف عن وعيه بالمخاطر ولا يعني هذا انه يتهم الطائفة التي يقودها بالديكتاتورية او لا يريدها ان تحتل المركز الذي يليق بها وانما كان مدركا لطبيعة تكوين هذه الجماعة ولعنفوانها ولان ترك الساحة لها وحدها قد يؤدي الي نتائج لا تحقق خيرا للسودان. اما الصادق فتعرفت عليه بحكم التلاقي التنفيذي ولم نكن اصدقاء بمعني الصداقة ولكن كنت احرص دوما علي لقائه في كل الفترات التي ازور فيها السودان والصادق دون شك حباه الله بصفات كثيرة اولا له سند جماهيري واسع وعنده ثقافة متنوعة وقدارت فائقة علي التعبير عن رأيه وكل هذه الاشياء يمكن هي التي جعلت كثيرا من الشــــباب يسميه في فترة من الفترات (الصادق امل الامة) لسوء الحظ هذا الامل لم يتحقق لان الصادق في تقديري كان ضحية للتاريخ الذي كونه والذي ما زال يؤطر تفكيره ولطالما ظل حبيسا لتاريخه ولمواريثه يصعب عليه جدا ان يحقق النقلة المطلوبة في ظل مستجدات وفي ظل تطورات.


    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=\yesterday\02z7...20العربي%20%20(1)fff
                  

04-04-2007, 03:48 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27722

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره للقدس العربي / حاوره كمال حسن بخيت (Re: حيدر حسن ميرغني)

    الجزء الثاني من اللقاء:

    هذه قصة انضمامي لحكومة
    نميري وخروجي عليه..

    هناك وجهة نظر عند الكثير من الناس تقول انه كان من المفروض ان تكون من قيادات الحزب الاتحادي، لانه اقرب الي قناعاتك الفكرية والسياسية، وخاصة في فترة من الفترات انت اقتربت من مولانا (الميرغني) قربا شديدا؟
    يمكن ان تكون مراحل التكوين هي التي شكلت دكتور منصور خالد حتي فيما يتعلق بالبنية التقليدية، ولذا لا بد من المرور عليها، وما اضيفة هنا انني تركت السودان في فترة حكم عبود، وهي من اكثر الفترات التي اثرت علي تفكيري وعلي منهجي في الاقبال علي الامور، سواء كانت سنين الدراسة في امريكا او العمل في الامم المتحدة في نيويورك او العمل في الجزائر وفي باريس فيما بعد. ويمكن ان تكون هذه الفترة قد مكنتني من ان اعيد التقييم لذاتي واحاول ان امتحن بعض الثوابت التي ورثتها احاول ان انظر نظرة ناقد للتجارب السودانية خاصة في تعامل السودانيين فيما بينهم، آخذا في الاعتبار الفروقات العرقية او الدينية ايضا في النظر لافريقيا.. افريقيا بالنسبة لنا كانت كما مهملا، صحيح اننا نعيش جغرافيا في افريقيا، ولكن ثقافيا لا اظن اننا نحرص علي الالمام بأي شيء عنها ما عدا المعلومات الجغرافية التي يتلقاها التلميذ في المدرسة. لكن الثقافات الافريقية وتداخلها في بعضها البعض، اثرت في تكوين القارة والتمازج الذي حدث في هذه القارة، وايضا حركات التحرير الافريقية بالنسبة لنا كانت في الماضي عبارة عن شعار، ولكن عندما كنت موجودا في الجزائر، والجزائر كانت في ذلك الوقت هي محط كل قيادات حركات التحرير الافريقي، تمكنت من ان اطلع ايضا علي محتوي فكر التحرير الافريقي، محتوي الفكر حول الشخصية الافريقية وماذا تعني في المدارس المختلفة سواء كانت المدارس التي تنظر الي الافريقيانية نظرة عرقية او تلك التي كانت تنظر لها كسيسيولوجية ثقافية تأخذ في الاعتبار كل وجوه التنوع والتعدد في القارة. بدون شك هذه الفترة لعبت دورا كبيرا في اعادة تكويني من الناحية المعرفية والفكرية. اما فيما يتعلق بقربي وقناعاتي الفكرية والسياسية من الحزب الاتحادي... ما هي هذه القناعات الفكرية والسياسية التي يذهبون الي انني انتمي اليها؟ فأقول ان الحزب الاتحادي حزب سياسي وطني لعب دورا مهما جدا في تاريخ السودان ومؤهل لان يلعب ويستمر في لعب ذلك الدور، ولكن الحزب الاتحادي الآن خشم بيوت وهناك توجيهات وخلافات جذرية داخل هذا الحزب وهناك عناصر ما زالت تقتات علي شعارات الماضي ـ رفع العلم، بعد اكثر من خمسين عاما من رفع العلم كانت كلها مآسي لم يتدبر المرددون بهذه الشعارات من هو المسؤول عنها، وما هي قيمة هذا العلم والاستقلال؟
    كيف تم اختيارك للمشاركة في حكومة مايو؟ وهل كانت لك علاقة مع قادتها، وهل كانت لك قناعة بتوجهها، وما سبب خروجك منها ولماذا عارضتها ؟
    اولا انا لم اكن اعرف من القيادات العسكرية سوي رجلين جعفر نميري ابن الدفعة، وبابكر النور ابن الحي، ثم بابكر عوض الله الذي عرفته كمحام، وكان واحدا من اهل القانون الذين نتطلع لهم دوما في بداية الطريق. كان ايضا من خارج مجلس قيادة الثورة الصديق محجوب عثمان الذي كان وزيرا للاعلام. وعقب وصولي الي الخرطوم بدعوة من مجلس قيادة الثورة كان محجوب هو اول من التقي بي وطلب مني ان اكون بجانبه في وزراة الاعلام. اعقب ذلك عرض تقدم به مجلس قيادة الثورة بان اكون مستشارا له وهو عرض لم اقبله ـ ترددت في قبوله ـ لانني ظننت ان المستشار السياسي لمجلس قيادة الثورة هو بابكر عوض الله، ولا معني لخلق بؤر تقود الي الخلاف. وجاء لفكر بابكر ان اتولي وزارة الشباب والرياضة، ورحبت بالفكرة خاصة وقد جاء ذلك في اعقاب ثورة الشباب في باريس المشهورة واهتمام اليونسكو انذاك حيث كنت اعمل بقضية الفجوات الجيلية ومشاكل الشباب وضرورة العناية بها من منظور علمي ـ كانت هذه الافكار تعتمل في ذهني ـ هي التي جعلتني اقبل هذا العرض ولكن قبل ان اعمل ابلغت نميري اني اريد وقتا للتفكير ورد نميري ضاحكا (هل تريد ان تفكر ام تشاور؟)، ضحك الدكتور منصور خالد وواصل حديثه ـ قلت لنميري المشاورة تمت دون ان اوضح ما اعني وفي واقع الامر قبل مجيئي الخرطوم من باريس مررت علي جينف للقاء رجل كان لي ود كبير معه تقديرا لفكره هو ميرغني حمزة. كان آنذاك في جنيف وذهبت للغداء معه في منزل ابنه المرحوم كمال ميرغني وكان معنا ـ من طرائف الامور ـ في ذلك الاجتماع عثمان خالد مضوي. وعندما رويت لميرغني تجهم وجهه، وقال (انت سايب باريس والينسكو عشان تواصل مع الاولاد العساكر ديل). ضحك د. منصور واستطرد: قلت له (هذا هو ما افكر فيه) ولا اظن ان هذا الامر قد ارضاه، ولكن هذه القصة جديرة بأن تذكر. في واقع الامر الحكم علي موقفي هذا لا بد ان يتم بادراك الظروف التي احاطت به. ونحن كنا نعيش في عصر هو عصر ثورات، في كل المنطقة سواء كانت في الدول العربية او في افريقيا، فترات عصر الحزب الواحد، عصر الزعامات الكارزمية، كانت كل دولة في الوطن العربي، كانت كل دولة في افريقيا تبحث لها عن عناصر، ويعني كانوا كلهم يفكرون بالطريقة التي يفكر بها الفنان عبدالحليم حافظ الذي كان يغني (يا بطل هات لينا نهار)، يعني الكل يبحثون عن النهار وعلي يد بطل ، وطبعا هذا المنهج في التفكير قائم علي نظرية الاصلاح من اعلي الي اسفل وهذا نوع من الاصلاح لا يصطحب الناس، واثبتت التجارب انه يقود دائما الي كوارث. وقد فطنت الي ما فطن اليه الكثيرون مؤخرا عندما خرجت من النظام، والنظام في عنفوانه لانني أيقنت بعد تجارب مريرة انه برغم الانجازات التي يمكن ان تحقق في 1979 ظن نظام كهذا ان هذه الانجازات يمكن ان تهدر بالسرعة نفسها، بل بأسرع مما تم بناؤه لان نظام الحزب الواحد ينتهي دوما الي نظام الرجل الواحد ولدينا تجارب عديدة من جوزيف ستالين الذي كان يسمي (بقاطرة التطور للتاريخ) قالها د. منصور خالد وضحك.
    قرنق لم يكن ماركسيا ..

    كنت المستشار السياسي للعقيد جون قرنق. هناك علامة استفهام حول هذا الامر. اولا متي التقيت بالرجل، ثانيا الحركة التي بدأت شيوعية وانت من تيار ديمقراطي كيف اقتنعت بالتوجهات الماركسية ومتي انضممت رسميا للحركة واصبحت مستشارا لها ؟
    علامات الاستفهام ستظل تتردد، وطالما ان الناس لا يفيد معهم التكرار لكي يفهموا، لان كثيرا من الناس الذين يصدرون الاحكام لا يقرأون، حتي ما تقول به وكأنما المهم ليس الجواب وانما السؤال . علي أية حال انا التقيت بالراحل قرنق عام 1984 م بعد عام من قيام الحركة.
    قلت ـ مقاطعا ـ يقال انك انت الذي دبرت له امر البعثة الي امريكا؟
    لا دبرها له عبدالماجد حامد خليل، ومضي قائلا: سبق لقائي بقرنق تبادل رؤي في لندن، وبدأت في كتابة مقالاتي ضد نظام مايو. وكان الكثيرون يتوافدون الي داري للتشاور حول المستقبل، اذكر من بينهم المرحوم عزالدين علي عامر، المرحوم مبارك شداد، الدكتور خليل عثمان. كان تواصلي عن طريق اقرباء قرنق وهو مسؤول كبير الآن في الحركة وهو الدكتور وليم بيور الذي كان يعمل في السفارة السودانية (المركز الثقافي) ثم استقال بعد اعلان نميري للشريعة، وايضا كان هناك اتصال مع دول اشويل واحد من قيادات الحركة، وكان نائبا لرئيس المجلس التنفيذي في الجنوب. هذه اللقاءات شارك فيها الدكتور خليل عثمان وخليل ايضا كان واحدا من الناشطين في المجموعة التي كانت تلتقي في داري، ولكن اللقاء المباشر كان في اديس ابابا ومهدت له كل هذه اللقاءات وكان الهدف الاساسي في كل هذه اللقاءات هو التعرف علي ما تريده ليس فقط بالنسبة لمشكلة الجنوب وانما بالنسبة للمشكلة ككل. اما بالنسبة للحركة وتوجهها الماركسي فهذا حديث يرد كثيرا ومن المؤسف حتي اللحظة ان المثقفين والباحثين حاولوا ان يجعلوا من هذه القضية قميص عثمان . الماركسية ليست وصمة وهي فكرة مثل اية فكرة تحتمل الخطأ والصواب، وفيها منهاج في التحليل اثبتت نجاعته. وأذكر عندما كنت في الامم المتحدة اقمنا ندوة للسكرتارية كان الحديث فيها كيف يمكن ان تتحول الامم المتحدة الي حكومة عالمية، وكان لداج همرشولد الامين العام آنذاك تعليق طريف، اتفق كل المتحاورين علي ان العقبة الكأداء في سبيل تحقيق هذا هي تحقيق فكرة القومية. وهمرشولد في نهاية خطابه قال (ان الفكر الغربي توقف بموت ماركس) يعني هناك اعتراف والراحل قرنق ليس ماركسيا وليس شيوعيا، ولكنه مثقف وقارئ وفيلسوف ويستطيع التمييز بين الفكرة وبين التطبيق السيء وبين الجوانب الناجعة في الفكرة وغير الناجعة، فالحركة في واقع الامر لم تكن ماركسية وانما كان بها افراد متمركسون وكان بها ايضا ليبراليون، والمتمركسون الي حد كبير قوي شوكتهم وجود نظام متمركس في افريقيا في الفترة التي كانت تتخذ من اثيوبيا مركزا لها. قرنق لم يكن من هؤلاء مطلقا. قرنق رجل عقلاني، وان كان قريبا من مثل هذه الافكار فهو أقرب الي فكرة الاشتراكية الافريقية التي انجبتها مدرسة دار السلام، وهي الجامعة التي تعلم فيها وفي كثير مما كتبت اشرت الي ما يكرره قرنق انه ليس ماركسيا، وليس اشتراكيا، وليس رأسماليا وكان يسعي لان يكون سودانيا قبل ان يكون اي شيء، وان كانت هناك ايديولوجية فايديولوجيته هي السودانوية يريد في الاول ان يتعرف بها وان يكون له وجود حتي ينتقي ويختار ما شاء من افكار.
    الا تري ان الازمة السودانية تلقي بظلالها علي الاحزاب السودانية نفسها اي علي القوي التي تنذر نفسها لاجل الخلاص الوطـــني؟ هل يمكن بناء سودان جديد علي قوي تنتمي كليا الي القديم الذي يتداعي ؟
    الاحزاب بالضرورة هي الحضانة الاجتماعية للتغيير. عندما تقول ان الاحزاب ورموزها وخطاباتها عفا عليها الزمان اخالك تشير باصابع الاتهام للاحزاب التقليدية. المشكلة اعمق. هذا يصدق علي كل الاحزاب، خاصة بعد انهيار الايديولوجيات اليقينية، القومي منها والاممي. وبعد تساقط الهياكل التنظيمية التي افرزتها تلك الايديولوجيات. التغير الحثيث بدأ ينقد تجارب الماضي نقدا غير تبريري. لا يدعو المرء في الاحزاب لجلد الذات فهذا غير مرغوب. ما ندعو له التحليل العقلاني والاعتراف بالخطأ، لان ذلك وحده هو الذي يقود للسكة الناجية كما يعين علي الاستبصار الرشيد للمستقبل. الاسلوب التبريري في النقد يجعل المرء يتوجس خيفة في شيئين:
    الاول هو عدم القدرة علي استبطان معاني التعددية السياسية والديمقراطية الليبرالية التي تبشر بها جميع الاحزاب والثاني هو الخشية من تسريب بعض الافكار والمسلمات القديمة الي رحاب الديمقراطية بصورة تتعارض مع مراميها وانساقها. بالرغم من هذا سعدت لسعي الحزب الشيوعي في مؤتمراته وفيما ينشره لمراجعة نفسه نتيجة لاهتزاز اليقين في مسلمات البعث خاصة رؤاه للانقلابات العسكرية كوسيلة للتغيير، هذه تحولات مباشرة، والنقد كما قلنا تمحيص لا جلد للذات.
    كل مشاكل السودان لها جذور في الماضي. الاحزاب التي توصف بالتقليدية بدأت هي الاخري تعقد الاجتماعات وورش العمل لتهيئة المجتمع لديمقراطية تكون ركيزة هذا النمط. ولا اعرف حزبا واحدا منها بدأ في تمحيض الماضي باسلوب عقلاني غير دفاعي فليس في سودان اليوم مشكلة دون ان تكون لها جذور في سياسات الماضي، كلها بفعل فاعل. فمن هو الفاعل ؟ كما ان معالجتها في جمل اعتراضية او بين قوسين حصر لا يفيد الاحزاب. جميع الاحزاب تظلم نفسها ايضا ان غابت عن خريطتها الادراكية امور ثلاثة:
    اولا: ان العالم يعيش اليوم في حالة فاصلة لا سيما قد اضحي كالقرية الكل فيه يلم بأدق التفاصيل، وكل فرد في تلك القرية يتأثر بالاخر ويؤثر عليه. التواصل في هذا العالم القرية يتغير بمعدلات لا عهد لنا بها فان كانت وسيلة الاتصال عبر القارئ منذ العام 1890 (عام اكتشاف صموئيل مورس الامريكي للتلغراف) التلغراف الكهربائي الا ان الفاكس في النصف الثاني من القرن العشرين ضاعف معدلات التواصل عشرة الاف مرة اخري مما انتهت اليه في عهد الفاكس. هذه الارقام تضاعفت في الاعوام الاخيرة بعشرات الالاف بعد قيام شبكة المعلوماتية وستضاعف بمعدلات اعلي في عصر المعلومات الجديد.
    ثانيا: ان السودان ـ للمرة الاولي منذ استقلاله ـ يكاد يصبح سودانيا هذا واقع لا ينكره الا مغالط ولا يتجاهله الا مستكبر، ذلك الواقع المرير هو نتاج طبيعي لفعل فاعلين بداية في حماقة 12 كانون الاول (ديسمبر) 1955 وانتهاء بالغاء نميري الاخرق لاتفاق السلام وفي الحديث (الخرق شؤم). ما وقع بعد ذلك كله تداعيات .
    ثالثا : ان نصف اهل السودان اليوم دون سن الثامنة عشرة فحسب احصائيات اليونسيف يبلغ عدد سكان السودان 28.900.000 منهم 14.215.000 دون الثامنة عشرة. ما هو مكان هذه الحقيقة في الخريطة الادراكية لمن يخططون لمسقبل السودان وهي حقيقة ذات حمولات اقتصادية واجتماعية ثقيلة؟ الامم لا تبنيها الثروات الطبيعية: المائية ـ والحيوانية ـ والمعدنية ـ والاحفورية (البترول والغاز) ولا الموقع الاستراتيجي. ثروات الامم يبنيها الانسان المؤهل المتميز ذلك في اختصار هو سر نجاح النمور الاسيوية. وان تجاوزنا التنمية والتنمية حسب مواصفات اليوم هي التنمية الانسانية وليس الاقتصادية فحسب ان تجاوزنا التنمية بمعناها القديم الذي ما انفك يسود عقول بعض صناع القرار السابقين والراهنين واللاحقين، وذهبنا الي الديمقراطية التي كادت تصبح تميمة، نقول بان حماة هذه الديمقراطية والمنتفع الحقيقي منها في ربع القرن المقبل هو mezzanine هذه الجموع من الفتية والفتيات هؤلاء يكادون يعيشون في طابق مسحور او كما يقول اهل مصر يرقصون علي السلالم (لا الي تحت سمع بيهم). ثمة درس ينبغي علي الاحزاب ان تتعلمه من الجبهة في مكان اخر تدريب كوادرها تدربيا متقدما وحديثا مشكلة الجبهة في مكان اخر عدم الوعي بان بين الحداثة والتحديث صلة عضوية. نعم حماية الديمقراطية تتطلب اول ما تتطلب العمل علي انضاج الذات الفردية لكل واحد من هؤلاء الفتية والفتيات، كما ان اللغة التي نخاطبهم بها لا يمكن ان تكون هي لغة الامس.
    كيف نبني السودان الجديد ؟
    لو قرنت بداية هذا الحديث بما نزعم به حول ما يجب ان نتجه اليه جميعا وهو بناء سودان موحد ينعم بالاستقرار لانتهيت بلا محالة الي سؤال بسيط، ما الذي نتمني ان يكون عليه السودان بعد ربع قرن من الزمان وكيف نحقق ذلك؟ في المنطق البدايات هي نقطة الانطلاق للخواتيم ولكن في السياسة الخواتيم ( بمعني الاهداف المرجوة) هي التي تقرر البدايات. هي حقيقة يدركها اي رجل اعمال (لا اعني بذلك القوموسنجية الذين ظلوا يتناسلون في السودان ويطلقون علي انفسهم رجل اعمال وليس بين هؤلاء المتناسلين من نباهي به الامم). الاحزاب ليست بحاجة الي دراسة جدوي حول كيفية حكم السودان، حقيقة بسيطة واضحة لاي طالب اقتصاد لو وعيناها لوفقنا الله الي السداد. تلك الحقيقة هي افضل النتائج وانجعها في تحقيق الاهداف المرجوة بأقل التكاليف، نحن نعرف جيدا ما هي المدخلات والمــــؤثرات المتوفرة، ونعرف جيدا البيئة التي نريد ان نستثمر فيها هذه المدخلات، ونعرف جيدا المـــــؤثرات الخارجية علي تلك البيئة، ونعرف جيدا التكاليف الباهظة التي دفعها السودان لا خلال العـــــقد الاخير فحسب بل وعلي مدي اربعة عقود من الزمان. نعرف جيدا كل هذا او يفترض علينا ان نعرف كما نتفق جميعا علي ان هدفنا الاخير هو تخليق سودان افضل.
    هذه هي الاسئلة التي ينبغي علي الاحزاب والقادة توجيهها لانفسهم.
    7


    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\03z70.htm...ته%20هي%20السودانوية
                  

04-04-2007, 11:23 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 38119

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره للقدس العربي / حاوره كمال حسن بخيت (Re: حيدر حسن ميرغني)

    على الاقل اللقاء مع العلامة منصور خالد يعادل لينا اراجيف الافندي الكوز المستيقظ بعد خراب مالطا ويكتب في القدس دون كلل اوملل باسلوبه الحربائي المعروف وهذه الصحفية يقراؤها الملايين عبر العالم واغفلت عنها القوى الديموقراطية السودانية حتى المقيمة في لندن..في عرض قضايا السودان الجوهرية والحقيقية الا من رحم ربي

    (عدل بواسطة adil amin on 04-04-2007, 12:05 PM)

                  

04-04-2007, 12:04 PM

A.Razek Althalib
<aA.Razek Althalib
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 11818

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره للقدس العربي / حاوره كمال حسن بخيت (Re: adil amin)

    حيدر حسن ميرغني
    تحياتي..
    Quote: سطع نجمه عند العامة عندما تولي وزارة الشباب والرياضة في بداية العهد المايوي (نظام الرئيس الاسبق جعفر نميري)




    كان عرضحالجي مميز..
                  

04-05-2007, 11:49 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27722

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره للقدس العربي / حاوره كمال حسن بخيت (Re: A.Razek Althalib)

    الجزء الثالث من الحوار

    .............

    النخبة المثقفة، فليس لاحزاب الشمال من عذر، ففي الشمال بني تحتية راسخة ـالمدراس الفكرية، مؤسسات المجتمع المدني، الصحافة، تنظيمات المرأة.
    لا سبيل لتطور الاحزاب ما لم تعالج الاختلالات البنائية بتعميق الديمقراطية الداخلية، وارساء قواعد الشفافية في الاداء والمحاسبة، وضبط الاداء وفق برامج تتناول القضايا الحياتية كما هي علي الارض ووفق احصاء رقمي لها لا عبر تدبيج مشروعات يتوفر علي صنعها بضع اشخاص، ويفرقون منها في بضع ساعات دون كتاب منير. الجانب الاخر هو الوعي لصراع الاجيال وما يتطلبه من تبديل في المناهج والافكار.
    فالجيل الجديد لا يلهم خياله التغني بأمجاد الامس، كبني تغلب نحن، اغنتهم عن المكارم قصيدة (قالها عمرو بن كلثوم) الوعي ايضا ضروري للمتحول في العالم الذي نعيش فـــــيه، في هـــــذا الــــعــــالم اصبح الفضـــاء المعـــرفي فضاء لا نهائـــــيا Cyper Space وأصــــــبحت المجتــــــــــمعات مجـــــــــــــتمعات تخــــــيلية virtual societies، فالتعليم يمكن ان يتم من البعد والتكنولوجيا بديلا فعليا، عن الايدولوجية، وانها تلقي بظلالها علي كل من يحيط بها، وبالتالي تؤثر علي تفكيرك وردود افعالك ورؤيتك.
    وحتي تصبح الأحزاب حاملا اجتماعيا للتغير ـ إذ لا بد للتغير من حامل اجتماعي ـ لا بد لها من تطوير بنيتها وإعادة النظر في وظائفها ـ وبحمد الله في الأحزاب، كثر من الذين يدركون معاني التجديد علي الأحزاب أيضا ان تستلهم من الجبهة القومية شيئا، وهو استفادتها الكاملة من أدوات التواصل الحديثة في تنظيم نفسها وفي أعلامها خاصة الأعلام المضاد.
    مشكلة البحث هي أنها انشأت حاملا اجتماعيا بكل ما أنجزه القرن العشرون من إبداعات، ولكنها حملته أفكارا تنسبها للإسلام مع هذا دعني أقل إنني غير متشائم او محبط والا لبحثت عن الخلاص الشخصي، وهو متوفر أكثر من غيري، ومنذ زمان بعيد نحن نسير في طريق مسدود. كما يقول بعض أصحابي الناصحين حالنا كتلك التي وصفها الشاعر سعدي يوسف أوغلت قافلة في الرمــل حتي لم تعد تبصر غير الرمل . هذا مأزق تاريخي، قلت عنه: القديم مات الجديد لم يولد. انا لست من الذين يرفعون أيديهم ويقولون: (مافيش فايدة) أقول فيه فائدة، سيولد الجديد المستحيل علي يد جيل جديد متصالح مع نفسه وواقعه ومواريثه ومستجدات عالمه، فمع سعدي يوسف أقول مستحيل لك ان تطلب المستحيل .
    الاسلام هو الحل

    هذا سؤال يقودنا لسؤالك عن شعار حركات الإسلام السياسي الإسلام هو الحل ألا تري في هذه الدعوة ما يعتمل تحتها من صحوة إسلامية تحقيقا لنبوءة هنتنغتون حول صدام الحضارات وحتميته، الإسلام هو الحل شعار مثل كل الشعارات.
    أنا أيضا أقول قد يكون الحل في الإسلام، ولكن أي فهم في الإسلام، الشعارات التي تبني علي حتميات وثوابت يفصلها بعض البشر كجلباب علي مقاس لا يصلح الا لهم تنتهي إلي هيمنة هذا البعض علي أوجه كل الحياة هيمنة لا مكان فيها لآخر معهم.
    بل تنتهي تلك الهيمنة دوما إلي أداة الإضفاء الشرعية علي أنظمة غير شرعية أصلا، بدلا من التوسل بها لتحقيق الأهداف المدعاة لعلك تذكر شعارات (لا حرية لأعداء الحرية) و(لا صوت يعلو علي صوت المعركة)، كان من سوء الخلق في الماضي ان لا يتبني المرء هذه الشعارات. اما اليوم فقد أصبحت القلة التي تستمسك بها ان لا نفعل هذا الا خفية كاستخفاء المرأة المستحاضة عندما تقذف بخرق استنفرت بها.
    ذلك هو حال شعارات الحتميات الدنيوية. فما بالك بالتي تتوسل بالأديان. تلك أمرها جد مختلف لان الخلاف في كلياتها او جزئياتها يقود ـ في حالات التطرف المذهبي ـ إلي ابلسة الآخر والابلسة في ميدان السياسة حيث اليقين برهاني لا ايماني تصبح تلبيسا. في عهد التنوير الا يفترض ان يكون فيه اليقين ايمانيا لا برهانيا، فمن يجرؤ اليوم ـ في أي جزء من بلاد الإسلام ــ ان يقول ما قاله عمرو بن عبيد شيخ المتكلمة في زمانه في (تهذيب الكمال ) حول ما لا يقبله العقل مما ينسب للإسلام.
    شعار (الإسلام هو الحل ) ما عاد منه علي الاسلام غير الوبال منذ صفين. ومن ضحايا تلك الشعارات كان عليا امام العادلين. وفي راهن الإسلام ما ينبي عن النهايات المأساوية التي يقود لها التزيد. يتجه ذهني إلي إيران والي مذكرات آية الله حسين منتظري، الرجل الثاني في الثورة الإيرانية بعد الخميني قبل ان تقصيه صراعات الحوزات، في تلك المذكرة تحدث منتظري عن ألوان القمع غير المبرر الذي لجأ إليه النظام ضد كل من دعا لرأي مناهض لرأي الولي الفقيه. كشف منتظري أيضا عن نفاق الذين يؤبلسون خصومهم من دعاة احترام الرأي الآخر بنسبتهم إلي إبليس هذا العصر، الولايات المتحدة الامريكية. ذلك النفاق كان أوضح ما يكون في ان الذي كان يقود الاجتماعات السرية مع ماكفرن مستشار الرئيس ريغان لإكمال إجراءات بيع الأسلحة الإسرائيلية لإيران أبان حربها ضد العراق هو احمد الخميني.
    تلك الصفقة التي أماط منتظري اللثام عن خوافيها، أسمتها الصحافة الأمريكية إيران جيت. وما زال المتطرفون يلاحقون ذوي الاستنارة مثل الرئيس خاتمي بمثل هذه الاتهامات حتي في مساعيه لبسط التسامح الديني مع أهل الملل الاخري (اليهود والأرمن والزرادشتيين). حقيقة الأمر ان العنف ليس محايثا للإسلام، ولا هو اصل منه ولا شرط من شرائطه، وإنما هو لصيق بمن يمارسه باسم الدين. وقلما يخشي هؤلاء عاجل العار او آجل النار .
    فرضية صدام الحضارات عند هنتنغتون فرضية لا تقوم علي ساق ان كانت الحضارة التي يتحدث عنها هي الحضارة الإسلامية التاريخية. فبدون تلك الحضارة لاندثرت الحضارة الهيلينية، تلك بقيت بفضل من ترجمها ونقحها وأبقي عليها من فلاسفة الإسلام، الأول في الشرق والغرب. هؤلاء هم الذين أبانوا ما في فلسفة يونان من حكم قولية وفعلية، وما تداولته بالبحث في الطبيعيات والآليات الرياضية.
    وبفضل هؤلاء ازدهرت المعاجم العربية بكلمات لم يعـــرفها العرب من قبل مثل الانالوطيا (تحليل القياس) والطوبيقا (الجدل ) والسوفوطيقا (الحكم المموهة ) والريطوريقا (الخطابة) كما حفظت فهارسهم أسماء تاليس الملطي، وفيثاغورث وسقراط وأفلاطون وفلوطرفيس وانسكاغورس، الذي يتحدث عنه هنتنغتون هو حضارة إسلامية جديدة او فلنقل مشروع حضاري إسلامي جديد يريد ان يعيد تشكيل العالم كله علي صورته وبالشدة. هذا النهج لا يمثل غلوا في الدين فحسب وإنما يعكس نرجسية فكرية غريبة، خاصة عندما يظن البعض ان بلدا مغلوبا علي أمره يمكن ان يكون هو رأس الرمح في هذه الثورة الأممية، ينتابك ارتباك عندما تسمع هذا وتتساءل هل هذا هو البلد الذي نعرف أم أن الله حباه بقوة لا ترونها؟
    وهل العالم الذي نسعي لتغييره هو نفس العالم الذي نعيش فيه كالأيتام علي مأدبة اللئام أم هو عالم أخر؟
    في ابان الحرب الباردة كان الرئيس ماو يصف الولايات المتحدة بأنها نمر من ورق، وصدقه أهل الصين حتي ادموا أنوفهم إلي ان جاءهم دينغ شاوبينغ ليقول قد يكون نمرا من ورق ولكنه نمر من أسنان ذرية فهل لنا بدينغ شاوبينغ سوداني. لمثل هذه الظنون ذهب الخليفة عبدالله (التعايشي) عندما آنس في نفسه كفاءة تؤهله لان يتجاوز برسالته إلي مصر والشام إلي فكتوريا ملكة انكلترا. بيد ان للخليفة عذره إذ لم يعش في زمان الـ سي ان ان ولا الصواريخ عابرة القارات والرجال الذين يمشون علي سطح القمر.
    7
                  

04-06-2007, 02:06 AM

الفاتح ميرغني
<aالفاتح ميرغني
تاريخ التسجيل: 03-01-2007
مجموع المشاركات: 7488

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره للقدس العربي / حاوره كمال حسن بخيت (Re: حيدر حسن ميرغني)

    الذي يتحدث عنه هنتنغتون هو حضارة إسلامية جديدة او فلنقل مشروع حضاري إسلامي جديد يريد ان يعيد تشكيل العالم كله علي صورته وبالشدة. هذا النهج لا يمثل غلوا في الدين فحسب وإنما يعكس نرجسية فكرية غريبة، خاصة عندما يظن البعض ان بلدا مغلوبا علي أمره يمكن ان يكون هو رأس الرمح في هذه الثورة الأممية، ينتابك ارتباك عندما تسمع هذا وتتساءل هل هذا هو البلد الذي نعرف أم أن الله حباه بقوة لا ترونها؟
    وهل العالم الذي نسعي لتغييره هو نفس العالم الذي نعيش فيه كالأيتام علي مأدبة اللئام أم هو عالم أخر؟
    Quote: ÇáÌÒÁ ÇáËÇáË ãä ÇáÍæÇÑ

    سياحة في عالم التحليل وادب السرد والريتوريكا للدكتور الاديب منصور خالد, والذي احسب بانه من وزراء الخارجية القلائل اللذين إحتفظوا بهالتهم وهم خارج المنصب بينما الكثير من نظرائه يدخلون الاماكن العامة دون ان يشعر بوجودهم أحد.

    شكرا حيدر
                      


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de