مرة أخري.. السياسة تطل برأسها في جائزة الأدب نوبل للتركي باموق
واصلت جائزة نوبل مفاجآتها السنوية بإعلان الأكاديمية السويدية عن فوز الكاتب التركي أورهان باموق بجائزة نوبل للآداب الخميس الماضي. باموك كان علي قائمة التكهنات الصحفية بعكس دورات كان إسم الفائز بها مفاجأة مثل البولندي إمري كيرتس، والجنوب أفريقي كويتزي والنمساوية إلفريدا يلينك، والانجليزي هارولد بنتر (العام الماضي) ورغم وجوده علي القائمة، فإن أحدا لم يكن يتوقعه قياسا إلي عمرة (54 سنة ) ومنجزه الإبداعي، أو قياسا إلي الأسماء الأخري التي رشحتها التسريبات وبينها لوكليزيو وأدونيس ودرويش وفيليب روث وآسيا جبار ومارجريت آتوود وجون أبدايك وعاموس عوز، وهذا الأخير كانت التكهنات السياسية ترجح كفته، أو ربما كانت مخاوفنا كعرب ترشحه للفوز! ولكن بالنظر إلي المقاييس السياسية فإن أورهان يحظي بشهرة غربية كبيرة بسبب صدامه الدائم مع الاتجاهات المتطرفة في تركيا، من خلال إبداعه أو حواراته وندواته. وتوج باموق صورته السياسية كمغرد خارج السرب التركي باعترافه بمسئولية تركيا عن مذابح الأرمن، وهي الورقة شديدة الحساسية بالنسبة للقوميين الأتراك وللدولة التركية، وهي الأزمة التي أوصلته إلي المحاكمة، ولم يكن لباموك وحده هذا الموقف الذي يقفه نحو ستين كاتبا تركيا، لكن المحاكمات كلها اختصرت إعلاميا في محاكمة باموق الذي يعيش في باريس. وتقديرا لموقفه فاز في العام الماضي بجائزة السلام من معرض فرانكفورت للكتاب، وفي وقت لاحق تم إسقاط تهمة إهانة الدولة التركية التي وجهت إليه بسبب اعترافه بالمذابح في حوار صحفي. ومن حسن حظ باموق أو حسن تخطيطه بالأحري أن أوروبا تضع مسألة حقوق الإنسان وبينها حرية التعبير، شرطا أساسيا لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، كما تضع مسألة الاعتراف التركي بالمجزرة التي ارتكبت بحق الأرمن بين الأعوام 1885 و1919 علي رأس مطالباتها لتركيا، حيث هجر وقتل اكثر من مليوني ارمني من سكان الأناضول وأزمير وأضنة و جبال آرارات. وعلي الصعيد الإبداعي تحظي روايات باموق بشهرة واسعة ومترجمة إلي نحو عشرين لغة، وبينها العربية. وتنقسم موضوعات رواياته بين خطين رئيسيين أحدهما اللقاء بين الشرق والغرب، والثاني الصراع بين الحداثة والتقليدية أو العلمنة والأسلمة في المجتمع التركي، وكلا الموضوعين لاينفصلان ويحظيان باهتمام الغرب. وقد أشارت الأكاديمية السويدية في حيثيات الجائزة إلي هذا المسعي بقولها:¢ في معرض بحثه عن روح مدينته الحزينة اكتشف باموك رموزا جديدة لتصادم وتضافر الحضارات¢. ومضت الأكاديمية في بيانها ¢قال باموك إنه انتقل بمرور الزمن من الجو العائلي العثماني التقليدي الي نمط حياة متأثر بالغرب. وقد كتب عن ذلك في روايته الاولي التي تحاكي توماس مان في تقفيها لتاريخ ثلاثة اجيال من اسرة واحدة¢. وكما هو واضح من إعلان اللأكاديمية السويدية فإن التأثر بالغرب والانتصار لوجهة النظر الغربية كان في أذهان أعضاء الأكاديمية العتيدة. يلجأ أورهان باموك إلي لحظات التماس بين تركيا في حقبتها العثمانية وبين الغرب، وهو يشبه في هذا الروائي اللبناني أمين معلوف الذي قدم عددا من الروايات والكتب أهمها الحروب الصليبية وسمرقند وليون الأفريقي. ويبدو الهروب إلي الموضوع التاريخي إلي جانب الرسالة الايديولوجية حلا فنيا للروائيين الذين يغادرون مجتمعاتهم دون أن يصيروا جزءا من أماكن إقاماتهم الجديدة. ولد باموك في 7 يونيو 1952 لدي عائلة غنية في اسطنبول. وتوقف عن دراسة الهندسة المعمارية منصرفا إلي الادب. أولي رواياته كانت ¢جودت بك وابناؤه¢، ومن أعماله: القلعة البيضاء، ثلج، منزل الصمت، والكتاب الأسود، بينما فتحت ¢اسمي أحمر¢ سادس رواياته بوابة شهرته العالمية. هذا ومن المقرر أن تسلم الجائزة التي تبلغ قيمتها عشرة ملايين كورون سويدي (نحو مليون و400000 دولار أمريكي) في حفل أوائل ديسمبر القادم باستوكهولم، ليصبح باموك واحدا من الكتاب القليلين في تاريخ الجائزة الذين يحصلون عليها في سن تسمح لهم بالاستمتاع بقيمتها المادية نقلا عن اخبار الادب العدد692 15اكتوبر2006
10-14-2006, 04:04 PM
مطر قادم
مطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879
في أحدث حوار قبل أيام من إعلان الجائزة: أورهان باموق: كن فنانا حراترجمة: عاطف محمد عبدالمجيد
مليون أمريكي وثلاثون ألف كردي أغتيلوا فوق هذه الأراضي وما من أحد يجرؤ علي الكلام سواي) هذا ما باح به لشدة ما في قلبه من مرارة الروائي التركي، أورهان باموق لجريدة سويسرية في شهر فبراير العام الماضي، ولم يكن يتنبأ بما سيعود عليه من نتائج جراء هذا الكلام: حملات صحفية تخويف وتهديد وطلب الحكومة إبادة كل مؤلفاته ونفي مؤقت وأخيرا قضية كافكاوية بدافع من قانون يونيه (2005) حيث تقول المادة (301) بالسجن من ستة أشهر إلي ثلاث سنوات لأي شخص يسب المؤسسات العامة أو الهوية التركية. وتحت ضغط المجتمع الدولي تخلي القضاء التركي مؤخرا عن ملاحقته في 23 يناير 2006، ولكن الألم مازال موجودا. في عام (1985) رافقت (آرثر ميلر) و (هارولد بينتر) في رحلة مّوٌلها نادي القلم الأمريكي و (هلسينكي وتش) ورفعت ضدك دعوة بسبب تقرير عن حقوق الانسان في تركيا.. ما هي الانطباعات التي مازالت عالقة بذهنك من هذه المخاطرة؟
كان هناك انقلاب سياسي وعسكري عام (1980) وكان الكلام عن حرية التعبير مؤجلا وكانت حقوق الانسان مثار سخرية وكانت السجون مسرحا كبيرا للعديد من التجاوزات والتعديات ورغم كل ذلك كان الناس يتحدثون ومثلهم عائلات المعتقلين وايضا الكتاب..
وأنت؟ هل تشعر انك متضامن ؟ أم مذنب؟ أم هما الاثنين معا؟ إنها ثنائية تسكن في رواياتك بطريقة حصرية جدا... من جهة.. أشعر بانفجار الخزي داخلي كما لاحظته من قبل في أنحاء العالم الأخري فعندما يأتي أجانب من أمريكا أو من أوروبا يفترض انهم يبحثون عن طبيعة الديمقراطية أو غياب الحرية فهذا يؤدي إلي فضيحة يصعب صياغتها غير أن العالم كله يحس بها. من جهة أخري.. يتراءي لي أنه يمكن ايجاد تضامن عالمي بين الكتاب باعتبارهم ممثلين لا لأوطانهم فقط ولكن لجميع بلاد العالم: تضامن يولد من احترام متبادل من أجل حرية التعبير.
علي الرغم من كونك لست كاتبا سياسيا تماما.. إلا أنك تحب أن تخلق عوالمك الخاصة والمختلطة التي تحلم بها.. اضافة إلي ذلك ثمة عدد من رواياتك تحمل عناوينها اسماء الألوان: اسمي أحمر الكتاب الأسود القصر الأبيض.. هذا صحيح.. لقد كنت في البداية (ناباكوفيا). وكانت كتابتي في الأساس من أجل الجمال. بينما أجيال كاملة من الكتاب الأتراك مزجوا بين أسلوب جوركي وشتاينبك هادمين جوهر موهبتهم ومكرسينها في خدمة أشياء كان من المفترض أن يتجاوزوها. لقد قرأت (ناباكوف) وحلمت معه وبعد ربع قرن عرفت أنني ارتكبت خطأ حين كتبت روايات سياسية.. لقد أضررت بنفسي كما أن الأسلوب أنهكني.
و.. ثلج في (2004)، لماذا كتبت فجأة رواية عن الاسلام.. القومية.. انتحار الفتيات في مدينة صغيرة في شمال شرق البلاد؟
لقد قررت أن أكتب رواية سياسية اذ كانت لدي رغبة في الحكي عما هو خلاف بلدي. وفي الحقيقة تجد أن كل رواية من رواياتي مختلفة البناء عن باقي الروايات، وفي سبيل هذا، كثيرا ما كنت أقابل شخصيا يبادرني في أحد شوارع اسطنبول بقوله: (سيدي باموق: ياللتعاسة! لقد عشقت رواياتك لكنك لم تكتب شيئا عن الآخر المثيل!). وها هي رواية مختلفة جذريا أري فيها كل سعادة التخيل وأنا دائما ما أطور نفسي في الكتابة إذ أن الكتابة ليست عملا حرفيا.
هل تشعر اليوم بمسئولية ما في تركيا؟
لنقل أنني لم أسع في حياتي إلي تقلد معظم المسئوليات السياسية التي تقع بغتة علي العاتق! ولكني في النهاية وبسبب الغيرة.. الحقد.. المحظورات.. الضغوط المتنوعة سقطت من أعلي مثل تلك الأشياء التي تسقط من الشرفات.. حينئذ وعندما تمشي في الشارع وأنت في حالة عدم اكتراث ولأن البلد في حالة قهر ولدي أنا هم قومي مزعوم كنت مجبرا علي أن أخضع لهذا القدر الجديد. وهذا لايفتنني.. فرغبتي الدفينة هي أن أكون دائما فنانا حرا. أسلوبي في الكتابة.. حالتي في لحظة التأليف تلتمس أمل الطفولة الممتد ومسئولية الكتابة تقتصر داخلي علي لعبة مجنونة وساحرة. صدقني.. ليس مفيدا للروائي أن يكون شخصية عامة، أما أن يكون شخصية سياسية فلا حديث عنها.. يالها من كارثة! ثمة قضايا تستهويك؟ لقد اقتربت من تعريف حرية التعبير بعبارات عزة النفس.. الكرامة.. البهجة.. وبعد فشلك القضائي المرير هل تشعر أنك في حاجة لأن تقاتل من أجل حرية التعبير؟
الكتابة تكفيني، والباقي بداهة هو حظ سييء بالنسبة لي.. إنهم يدربونني فوق أرض لا أحبها.. اذن سواء سقطت في خندق بالمصادفة أو وجدتني مهاجما فانا مضطر لبناء خندق بنفسي لكي أحميها.
هل تأمل في اندماج تركيا في الاتحاد الأوروبي؟
نعم.. وبهذا الخصوص أدعو إلي ذلك بكل حماسة.. بعض رجال السياسة الذين احترمهم طلبوا مني أن أساعدهم ولقد كتبت بعض المقالات في هذا الموضوع.. مقالات ليست مثيرة للجدل ولكنها حماسية ولدي انطباع أن أكون راهبا ورعا وأعتقد، بكل صدق أن تركيا وأوروبا تستطيعان أن تعيشا في حالة وفاق. وأن لم تكن ثمة جاذبية مشتركة ومتبادلة، سأفضل التفكير في رواياتي. قبل أي شيء.. من هم الكتاب الذين تعجب بهم؟
تولستوي.. ناباكوف.. توماس مان.. هؤلاء هم كبار كتابي. ثم بكل تأكيد بروست. ففي الوقت الذي يهتم فيه معظم الكتاب الأتراك بالتأويلات الواقعية أو الاجتماعية أري بروست يحدثني بعباراته الطويلة والغريبة، الواضحة أحيانا والغامضة أحايين أخري.. لكنها مثيرة جدا ومتعددة المعاني للغاية. هل أغرتك الرواية السياسية قبل رواية ثلج؟
نعم.. لدي رواية لم تكتمل بعد.. بدأت كتابتها منذ ما يقرب من ربع قرن، انها رواية سياسية (ديستوفسكية) وان جاز لي أن أقول: تمتزج فيها راديكالية اليسار مع عبادة الشيطان مع الروحانيات ولما كان في ذاك الوقت هناك انقلاب سياسي لذا تعذر نشرها، وفي ذاك الوقت أدركت وأنا لست في غيبوبة أن بعض أصدقائي الماركسيين قد مالوا إلي الاسلام والهذيان الغربي...
في مقال نشر في نيويورك في ديسمبر 2005 (أي قبل قضيتك في أسطنبول بشهر) كتبت أن القومية التركية بها جذور غريبة عقلانية وبرجوازية.
نعم.. كأنك اذا أردت أن تحمي نفسك من فوضوية العالم فلابد أن تقاوم ضد ضغينة الطبقات العاملة المضطربة والطبقات المثقفة التي اختارت لحظة الانقباض القومي ما خلاصته (تركيا ولاشيء سواها). هؤلاء الصفوة هم مجتمع عجوز بالتأكيد لكنه بعد حداثي أيضا ويفضلون في ظروف معينة أن يبينوا المشاعر القومية العصرية عن طريق ما نعرفه بالديمقراطية..
تركيا.. هل هي مفتونة بالاسلام؟
كلا بالطبع، الافكار المبتذلة تود أن تفسد تركيا بالاسلام السياسي ولكن ثمة تتعدد الألوان مثل: الأصولية.. الطوائف الصوفية، ومجموعات متناثرة تشكل معا شبحا هائلا يطلقون عليه (الاسلام السياسي) وهناك أيضا جماعات دنيوية تناهض الغرب وتعادي ديمقراطية الزنادقة. كل هذا يشكل مظهرا سياسيا مغالا فيه ومعقد تماما. أما بالنسبة للروائي فكل لوحة ألوان فاخرة وثمينة جدا. في رواية ثلج.. لماذا هذا الاهتمام بتركيا.. بمدينة القصر المسكون بالأرواح بالازدواجية بين الاسلام والعلمانية؟ نعم.. كانت لدي رغبة ملحة في أن أحكي عن تركيا المعاصرة.. عن الاسلام السياسي .. عن الأصوليين والدنيويين.. وعن الاتجاه القومي للانقلاب السياسي وعن قومية القوميين.. عن كل هؤلاء حاولت أن أكتب كما أتمني جاهدا أن أتمكن من كتابة رواية أو مسرحية تكشف الخبايا والمظاهر الخادعة في بلدي.
أنت تود أن تتحدث عن تأرجحات شخصياتك الشيطانية وعن التعقيدات المدوخة للبيئة التركية كما في ثلج.. أما الغربيون فهم كما تعرفهم مفتونون باختصار كل هذا..
اذا عرفت عدد الذين يعرفون أنني مؤيد لأوروبا وأنني أمل بكل حرارة أن تتكامل تركيا مع الاتحاد الأوروبي والذين يلومونني علي أفكاري السياسية فسوف تندهش وتسعد في ذات الوقت. أفكاري السياسية الخاصة بي هي أقل أهمية فلابد من رواية تشبه رواية توماس مان وتحمل تأثيراته الخاصة وتدافع عن كل ألوانه.
كريستوفر هينشنس لام عليك في مجلة ((ATLANTIC الشهرية أنك تصف شخصياتك الاسلامية بكثير من الود أكثر من الشخصيات الأخري؟
منهجي الذهبي هو: كي تكتب رواية رائعة ولابد أن تطابق بين كل الشخصيات وهذا التطابق مع الشخصيات الأكثر غموضا يجعل الرواية أفضل، والمثال هذه المرة هو ديستوفسكي.
ماذا عن روايتك الجديدة؟ يقال أنها تتحدث عن الطبقة الأرستقراطية التركية والمغامرات الاجتماعية والجنسية في تركيا المعاصرة؟ لن أوضح كثيرا.. فهذه القضية جعلتني أفقد وقتا لايتصور وأنا الآن لا أستطيع أن أتحمل ذلك. هل تستطيع القول أن القضية غيرت مجري حياتك؟
حياتي كروائي بلا شك نعم، ولكني أحاول اليوم أن أعثر علي حياتي قبل القضية، وعلي ذلك الوقت قبل هبوب العاصفة.. باختصار أحاول أن أستعيد حبكة الحلم.. عن اللموند الفرنسية
10-15-2006, 05:03 AM
مطر قادم
مطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879
أورهان باموق: ماضي اسطمبول الكبير يجعلنا حساسين تجاه النقد قام الكاتب التركي المعروف أورهان باموق بزيارة إلى روسيا في مطلع حزيران/يونيو من هذا العام ,2006 وذلك بمناسبة صدور روايتين له باللغة الروسية، هما: <اسطمبول: ذكريات المدينة> و<الثلج>. أجرى هذه المقابلة مع الكاتب التركي أورهان باموق صديقُه منذ عام 2000 الكاتب والصحفي الروسي غليب شولبياكوف. صدرت قبل أيام في دار أولغا موروزوفا روايتك <اسطمبول: مدينة الذكريات>. ماذا عن هذا النص؟ ? إنه تاريخ مدينة يتداخل مع سيرتي الذاتية حتى إتمامي الثانية والعشرين من عمري. فأنا ترعرعت في اسطمبول. وأذكر ذلك الزمن الذي كان بوسعنا خلاله أن نسبح في البوسفور ضمن حدود المدينة. يومها كانت أي سيارة أجنبية الصنع تمر في الشوارع تجعلنا، نحن الأولاد، نصرخ فرحاً وإعجابا. هذا الكتاب ليس سيرة بقدر ما هو قصة تطور آرائي بخصوص الحياة، وتطور نظرتي إلى الجنس، وعلاقاتي مع الأب... إلخ. إنني أتتبّع بالدراسة كيف كان الآخرون يرون هذه المدينة، وكيف كانت المدينة ترى نفسها. ذلك أن نصوصاً كثيرة ممّا كتبه مؤلفون غربيون عن اسطمبول، بدءاً من نيرفال أو غوتييه، أثّرت تأثيراً قويّاً على الكتّاب الأتراك، فجعلتهم ينظرون إلى مدينتهم بطريقة أخرى، إذنْ: والمدينة نفسها راحت تتغيّر. وهذا مشوّق للغاية. هناك مقالة شهيرة بتزمتها كتبها برودسكي عن اسطمبول، هل تذكرها؟ ? بحدود ما أذكر، نشر برودسكي مقالته تلك قبل سنتين من حصوله على جائزة نوبل، وذيوع صيته. لقد كنت مقيماً في ذلك الوقت في نيويورك، حيث كانت زوجتي تدرس للحصول على درجة علمية، وكنت أنا أكتب <الكتاب الأسود>. إن المزاج العام لدى المثقّفين الأتراك، ولديّ بصفة خاصة، كان مُكرِباً للغاية في تلك المرحلة، وذلك لأن تركيا كانت تحتلّ مكانة بالغة التواضع على خريطة العالم الثقافية. في ذلك الزمن ظهرت مقالة برودسكي في مجلة <نيويوركِر>. يومها لم أكن أعرف أي شيء عن برودسكي. نعم كنت اسمع أنه شاعر روسي يعيش في أميركا. وقد قرأت مقالته باهتمام، فأزعجتني جدا، جدا. لم تزعجني من حيث تظهر فيها روسيا وتركيا بلدين مغلَقين تماما، يحكمهما طغاة متوحّشون، كل ما فيهما بال وما من جديد. لا. ولكنْ تصوّرْ وضعي. فبينما أنا جالس في نيويورك أخطّ كتاب حنين (نوستالجيا) تدور أحداثه في اسطمبول، إذا بهذا النص التدميري يظهر منشورا. ليس لأن كاتبه هو برودسكي، إذ أكرر أنني كنت لا أعرف عنه شيئاً تقريبا، وإنما لأن المقالة منشورة في <نيويوركر>، وهذه مجلة رفيعة السمعة، ولها قرّاؤها في العالم. ها هم يتذكّرون اسطمبول أخيرا، ولكن من أي منظور؟ كيف كنت تردّ على برودسكي؟ ? كنت اعترضت على طريقته بالذات. إذْ يأتي غريب إلى مدينة ويُمضي فيها بضعة أيام، ثم يطلق حكماً مفرط الغرابة على المدينة وثقافتها. وإذا بهذا كله منشور في <نيويوركر>. القضية لا تكمن في أن المدينة حسنة أو رديئة. لأن حب المدينة، كحب المرأة، لا يخضع للمنطق. ف<اسطمبول>، كما أراها، بعيدة عن المديح كثيرا. والمدينة لا يجوز أن تكون موضع مدح أو ذم فقط. إنها على الدوام أكبر مما نظنه بها. ذلك ما أريد أن أقوله في هذا الصدد. كلمة <باموق> تعني بالتركية <القطن>، أليس كذلك؟ ? نعم. فقد هرب أجدادي في غابر الزمنة من القوقاز إلى تركيا. ولما كانت وجوههم ناصعة البياض لُقّبوا بهذا الاسم. كيف كانت الأهواء السياسية في أسرتك؟ ? كانت أسرتي ذات توجّه غربي دائما. لقد كانت أسرة جمهورية بامتياز، وذات قيم دنيوية نموذجية تتمثّل في الليبرالية، والعلمانية، والاهتمام بالثقافات الأخرى. قد تكون هذه الايديولوجيا الكمالية (نسبة إلى كمال أتاتورك. م) منحتهم بعض الصلاحيات الروحية. فققد كانوا يومها يُعَدّون نخبة الجمهورية، كان لهم وضع خاص، وامتيازات خاصة. على أن ذلك لم يكن بعيداً عن الحقيقة... لقد رأيتُ ترجمات دوستويّفسكي إلى اللغة التركية، كنت أنت من كتب المقدمة للطبعات الحديثة، فكيف قدمت دوستويفسكي للقارئ؟ كيف قدمته الآن، بعد أن أصبح كل شيء واضحا، كما يبدو؟ ? لهذا السبب بالضبط ركّزت الانتباه على نقطة واحدة. وتحديداً على حبّ دوستويفسكي للغرب وكرهه له. لقد حاولت أن أبيّن كيف تحوّل دوستويفسكي من <غربي> إلى <محب للسلافية>. هل تعرف ما هو أطرف شيء في هذه الحالة؟ إن نمط التفكير الغربي هو الذي أفضى بدوستويفسكي إلى <السلافية>. فقد صاغ <الفكر المحافظ الروسي> ومسيحيته الأرثوذكسية على الطريقة الأوروبية. وهذا ما يذكّرنا بالوضع في تركيا، أليس كذلك؟ هذا ما كتبت عنه في تقديمي له. أما الكاتب الآخر الذي حظي باهتمامي لهذه الأسباب عينها فهو الكاتب الياباني تانيزاكي. فقد كان في البداية <غربيا> بلا هوادة، ثم عاد في النصف الثاني من حياته إلى القيم اليابانية التقليدية. قبل مدة قصيرة صدرت في دار <أمفورا> رواية أخرى لك باللغة الروسية هي <الثلج> (2000). ماذا عنها؟ ? إنها روايتي السياسية الأولى والأخيرة. تدور أحداث هذه الرواية في مدينة قارص الواقعة في جنوب شرق تركيا. لقد كانت قارص في وقت من الأوقات في القرن التاسع عشر تابعة للروس. وكثيراً ما يتساقط الثلج في هذه المدينة. وكنت في جاجة إلى مدينة يقطعها الثلج عن العالم المتمدّن. لقد كانت قارص يوماً في عداد أهمّ عشر مدن تركية. ذلك أن التجارة مع روسيا حتّى الحرب العالمية الثانية كانت تمرّ عبرها. لذلك تجد هذه المدينة اليوم أشبه ما تكون بمتحف مكشوف تحت السماء. وما تزال قائمة فيها حتّى الآن منازل بناها الروس. إنها منازل تعود إلى السنوات الأولى من عمر الجمهورية. لقد مرّت سنوات طويلة دون أن يتغيّر شيء هناك! كان يخيّل إليّ أن قارص صورة مجازية مثالية لتركيا، إنها كون تركي مصغّر محض. أضفْ إلى ذلك التعدد الإثني فيها، فهناك يعيش الأكراد، والأذربيجانيون، والأتراك، ولا يزال ثمة بعض من الروس، والألمان الذين دفع بهم الروس، لأسباب تاريخية تخصّهم، قبل عدد كبير من السنين. هناك روايتك الأخرى <الحياة الجديدة> التي تبدأ من سطر تقول فيه: <لقد قرأت ذات مرّة كتاباً غيّر حياتي>. هل أنت جادُّ في ما قلت؟ } يتحدّث ذلك الكتاب عن التعاطي الجذري (الراديكالي) مع القراءة. وهذا التعاطي منتشر في أي مجتمع تنمو على خلفية انحطاطه رغبات وتوقّعات لا تخطر على بال. ذلك أن القاري يريد أن يغيّر الكتابُ على الأقلّ الكتاب! حياته. فعلى الرغم من توجّهي الغربي كلّه كنت كثيراً ما أجد نفسي أكابد هذا الإحساس. فهل تعرف ما الدواء الذي ابتكرتُه؟ كنت ما إن يأسرني كتاب، ما إن أبدأ أُفصّل حياتي وفقاً لذلك الكتاب، حتّى أُنحّيه جانباً وأتناول غيره. وكانت هذه الطريقة خير وسيلة ضدّ التسمّم. ترجمة نوفل نيوف نقلا عن السفير اللبنانيه15-7-2006
10-15-2006, 03:39 PM
مطر قادم
مطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879
وصفته «نيويورك تايمز» بأنه «نجم في سماء الشرق» باموك.. كل الطرق كانت تؤدي للجائزة
اختارته مجلة «تايم» واحدا من أهم 100 شخصية في العالم رصد انهيار الخلافة العثمانية ووفاة أتاتورك وانقلابات تركيا في النصف الثاني من القرن الماضي في روايته «جودت بك وأولاده» أجبر علي مغادرة تركيا بعد روايته «اسمي أحمر» ثم تحول الآن إلي بطل قومي عندما يتابع المرء خبر اعلان اكايمية نوبل السويدية الخميس 10-10-2006 منح جائز نوبل للآداب لهذا العام للروائي التركي اورهان باموك ، قد يحسب في البداية ولا سيما اذا كان لم يسمع عنه من قبل الا قليلا ، او بالكاد لا يعرفه بالمرة ، ان اديبا جديدا واتته فرصة تاريخية لأن يفرض اسمه بقوة علي خريطة الآداب العالمية مما يعني له مزيدا من الشهرة والقيمة ، بيد انه في الواقع لم تكن جائزة نوبل للآداب، ارفع الجوائز الادبية ، هي المحطة الاولي ليبزغ نجم باموك في سماء العالمية ، فباموك وصل الي العالمية من قبل عبر محطات عديدة ، وتبدو جائزة نوبل في هذه الحالة فرصة لمن لم يلحق بالركب العالمي وتابع الاديب التركي اورهان باموك ان يتابعه. ففي العامين السابقين كان لباموك حضور قوي وبالغ التأثير في صفحات اكبر الصحف الاوربية والامريكية ونال خلالهما عدة جوائز عالمية : المانية وفرنسية ، والاهم ان مجلة تايم الامريكية اختارته الي جانب الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش والمستشارة الالمانية الحالية انجيلا ميركل كواحد من اهم مائة شخصية في العالم. باموك لفت انظارالعالم اليه عندما تناول المدينة بحس ادبي رفيع وتناول في نفس الوقت بجرأة الاسئلة التي تشغل المواطن التركي حول هويته وتوقه للانفتاح علي الآخر ولم يأل جهدا لمناقشة ذلك امام اكبر المنتديات والصحف العالمية ، حتي كلفه ذلك غضب القوميين الاتراك ومحاولتهم للزج به في السجن، لذا جاء بيان لجنة نوبل " انه في معرض بحثه عن الروح الحزينة للمدينة، حيث مسقط رأسه ، اكتشف باموك رموزا روحية جديدة للصراع والتداخل بين الحضارات " كذلك مواقفه من القضيتين الكردية والارمينية . اما من يقرأ مشوار باموك الادبي والسياسي سيدرك جيدا ان باموك لم يكن امامه سوي طريق واحد هو الحصول علي نوبل. بدايته ولد اورهان باموك في السابع من يونيو لعام 1952، ودرس الهندسة المعمارية ثم اوقف دراسته من اجل الادب وكتب اول رواياته وهي " جودت بك واولاده" لم يجد لها ناشر الا بعد ثماني سنوات من كتابتها ونشرتها له جريدة ميلليت التركية في حلقات متسلسلة ، وتدور الرواية حول عائلة ميسورة تعيش في اسطنبول ، واستطاع باموك من خلال تلك العائلة تصوير حال تركيا في ثلاث مراحل مختلفة حيث انهيار الخلافة العثمانية ، ثم وفاة اتاتورك ، ثم الانقلابات والفوضي العسكرية في النصف الثاني من القرن الماضي. نجم في سماء الشرق العام 1985 كان نقطة في غاية الاهمية في مشوار باموك الادبي حيث صدور روايته " القلعة البيضاء" ووصفت حينها صحيفة النيويورك تايمز الامريكية باموك بالنجم في سماء الشرق ، وبدا حينها اهتمام باموك باشكالية الهوية والعلاقة بين الشرق والغرب ، واهتمامه بمدينته اسطنبول التي رغم كونها عاصمة الرومانيين والبيزنطيين والعثمانيين ، لعبت دورا مهما في ان تنقله الي سماء العالمية . باموك كتب اضافة الي ذلك روايات " منزل الصمت " ، " الكتاب الاسود" ، " الحياة الجديدة" وله بعد ذلك روايتان في غاية من الاهمية تحتل كل واحدة منهما محطة اساسية في مشوار باموك الي العالمية الاولي اسمي احمر والثانية ثلج. اسمي احمر رواية «اسمي احمر» الصادرة عن دار المدي وانجز ترجمتها عبد القادر اللي هي رواية تاريخية يتناول فيها اورهان باموك الفن التشكيلي الاسلامي ، وقد كلفته الرواية جهدا عظيما اذ استغرق في كتابتها عشرسنوات ، اربع في شراء الكتب التي تخص فن النقش والطباعة علي السجاد ، وست لكتابتها ويعود اسم الرواية للون الاحمر حيث شيوع استخدامه في الفن الاسلامي، وفي الرواية يحاول باموك كعادته المقارنة بين استخدام الاتراك الفن الاسلامي ومحاولاتهم الآن نحو الحداثة ، وقد اعتمد في بناء روايته علي الفانتازيا ، ويفتتح روايته بمنولوج شخص ميت " الآن انا ميت . جثة في قعر جب . مضي كثير من الوقت علي لفظي نفسي الاخير . وتوقف قلبي منذ زمن طويل ولكن لا احد يعرف ما جري لي غير قاتلي السافل .انه رزيل مقرف ". رواية اسمي احمر كذلك اجبرت اورهان باموك علي مغادرة تركيا العام الماضي بعد ان اتهمه البعض بمحاولته للنيل من الهوية التركية بمعالجته للقضيتين الارمينية والكردية ، وبدأ بعدها باموك لتوضيح كيف ان عدم الجرأة لمناقشة تلك المواضيع يحول دون انفتاح الاتراك علي الآخر وحصل اورهان باموك جائزة السلام في المانيا في اكتوبر من العام الماضي، وبدا فيما بعد دور كل من عنصر المدينة ونقد السياسات التركية تجاه الاقليات في تقريب باموك نحو نوبل. ثلج اما عن رواية ثلج فهي تتمتع بعدم كفها عن حصد الجوائز ، فبجانب انها افضل رواية غير امريكية كما اعتبرتها صحيفة نيويورك تايمز الامريكية عام 2004 ، حصدت جائزة ميديسي للرواية الاجنبية في سبتمبر قبل الماضي ، واعلنت كذلك هيئة التحكيم في معرض باريس للكتاب ان جائزة البحر المتوسط للادب الاجنبي للعام 2006 منحت لباموك عن روايته ثلج ، وتعد الرواية سياسية بالمقام الاول وتبدو اهميتها في ان باموك اعطي من خلال مدينة فقيرة تسمي قارص صورة واضحة للصراع السياسي في تركيا وتزدحم الرواية بصراع شرس في المجتمع التركي حول افكار مجردة بين العلمانيين والاسلاميين والقوميين الاتراك والاسلاميين الاكراد واليساريين والرواية انجز ترجمتها عبد القادر لؤي وصدرت عن دار الجمل باموك السياسي لعل من الصدف المريرة ان نقد باموك لمسئولية بلاده تجاة القضيتين الارمينية والكردية يأتي في توقيت تصادف فيه الجمهورية التركية لحظات حاسمة خلال مساعيها التاريخية للانضمام الي التحاد الاوربي فباموك عند نيله لجائزة السلام في المانيا في اكتوبر 2005 صادف ذلك بدء المحادثات لانضمام تركيا للاتحاد الاوربي وفتح الملفات التركية - الارمينية ، كذلك عند اعلان اكاديمية نوبل السويدية الخميس الماضي عن فوز الكاتب التركي اورهان باموك بجائزة نوبل للآداب والحديث عن شجاعته في تناول اكثر المواضيع حرمانيه في بلاده صادف ذلك في نفس اليوم موافقة الجمعية الوطنية الفرنسية في قراءة اولي علي مشروع قانون ينص علي عقوبة السجن سنة واحدة وغرامة تبلغ 45الف يورو لمن ينكر إبادة الارمن علي يد القوات العثمانية ابان الحرب العالمية الاولي ، وهو ما سبب في ازمة سياسية مكتومة بين انقرة وباريس بدت من خلال النقد الذي وجهه وزير الخارجية التركي عبدالله جول لباريس ، ومهما يكن وحتي ولو رأي القوميون ان باموك في نقده لبلاده يحاول الوصول الي نوبل،فقد قطعت وسائل الاعلام التركية برامجها فور اعلان فوز التركي باموك بجائزة نوبل ليصبح النجم التركي الاول الآن في بلاده. احمد زكريا نقلا عن جريدة القاهرة عدد17-10-2006,
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة