دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: محمد المرتضى حامد)
|
Quote: تقديم
بقلم الأستاذ/ مكي حاج عربي
يتناول الأستاذ عبد المنعم خليفة موضوعه بقدرة فائقة في الاستعراض وتحليل الأحداث، وبأسلوب مشوق، ولغة رصينة، مضيفاً بذلك على علمه الغزير في الأدب والشعر والعلوم الاقتصادية والسياسية، قدرات في الترجمة الإبداعية.
يجيء الكتاب في التوقيت المناسب، إذ أن الحقائق والمعلومات التاريخية الواردة فيه تنير منافذ الإدراك، وتجدد- وربما تحدد- منعطفات الصراع في دارفور، وترجع بالمشكلة إلى جذورها الحقيقية؛ ومن هنا تأتي أهميته. |
وهاهم أبناء الأبيض والنهود يصدحون عن دارفور كأنهم على خطى الشاهقة فيروز (نحن والقمر جيران)
شكرا للإقتصادي الجليل أستاذنا مكي حاج عربي..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: محمد المرتضى حامد)
|
كرم وأى كرم ان يكتب كردفانى عن دارفور الجريحة التى لم يكتب عنها كثيرون من ابنائها الذين يصطرعون حول جثتها... قادة وامراء حرب كثر لم يتركوا لنا مجالا لنقرأ بهدوء عن دارفور الجميلة التى اصبحت بضاعة معروضة فى الخارج لكل من هب ودب.. دارفور على دينار زالمسبعات ورابح فضل الله تنكر لها بعض ابنائه واصدروا كتابا اسود.. وقسموا اهلها الطيبين الى عرب وزرقة وكلهم افارقة .. شأنهم شأن عرب السودان عندما يعبرون البحر فيصبحوا سودا... فى انتظار إضاءة الاستاذ منعم خليفة والشكر لمولانا المرتضى ودحامد..
نورالدين منان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: Ahmed al Qurashi)
|
نقطة نظاااااام !!!
قضية دارفور و منذ إشتعالها ... لم تكن بين نزاعا بين أهل دارفور .. أو بين عرب و لا عرب دارفور ... حتي هذه الصفة المليئة بالألغام الإثنية الخبيثة (عرب زرقة) لم تكن من إختراع ثوار دارفور ... المجرم الحقيقي في مأساة دارفور ... هو النظام المركزي العنصري ... منذ الإستقلال و ما قبل الإستقلال ... لتكون دارفور ضحية إبادة جماعية منظمة ... حتي الكتاب الأسود ... من قرأه من الغلاف الي الغلاف ... هو قصة إستهداف دارفور بالتهميش الممنهج المقصود لتدمير إنسان دارفور .. عرب و غير عرب .... النظام المركزي .. و مؤخرا ممثلا في نظام البشير ... هو من إستخدم تنوع دارفور الإثني لتأليب العرب ضد غير العرب ... في حملة وثقتها المحافل الدولية و وكالات الأنباء و كتاب و منظمات حقوقية و إنسانية .. حتي صفة (عرب / زرقة) هي من بنات الأفكار الشيطانية للنظام المركزي .... إمعانا في تنفيذ المخطط الشيطاني ليقتل الدارفوري الدارفوري .. و يدمر أرضه .. نحن هنا بصدد عرض كتاب عن دارفور .. و هذا المحفل و هذا البوست تداخل فيه المثقفون ... و أول ما يوجب الإحترام في المثقف .. هي الأمانة في المعلومة و السمو بالوعي الثقافي حتي لا يقع في حبائل البروباقندة للنظام المجرم القاتل .. اليوم يقاتل الدارفوري العربي و غير العربي في خندق واحد .. بعد الصحوة ... لأن العدو واحد ... و هو الذي يدمر دارفور
تحياتي لك محمد المرتضي حامد و كل المتداخلين ... مع فائق إحترامي للجميع ...
(يكون جميلا لو أن التعليق علي الكتاب جاء بعد قراءة المتداخلين له و أتي بمقتطفات منه .... و يكون جميلا لو أن هناك تلخيصا للكتاب .. كبسولات .. حتي نلم بالتوجه العام للكتاب ... و بعدها يمكن أن يكون التداخل ثرّا و الإفتاء علي بيّنة).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: Mohamed Suleiman)
|
الأخ العزيز محمد سليمان، تحية طيبة ، شكرا لك على التعليق والإهتمام بالبوست ومضمونه، يا سيدي الكريم الكتاب موضوع البوست كما ترى يلقي الضوء على فترة من تاريخ دارفور المجيد ويقدم للقارئ جانبا ظل خفيا عليه عن ذلك الإقليم الذي لم يقدم عنه الإعلام سوى أنه إقليم فقر ومعسكرات وحروب وعصابات نهب وقتل ، أهل دارفور الذين عشنا بينهم فترة من حياتنا هم أهل حضارة وتاريخ ودولة مدنية ورسل علم ودين جسَّروا ما بين قارتين قبل أن يعرف كثير من الناس تلك النظم ، وبالطبع يتوجب على كل وطني غيور أن يلم بتاريخ بلده وأن يدعم جانب المعرفة بتاريخ دارفور متى ما تيسر ، فقراءة الماضي العريق أساس لمعرفة الخلل في الحاضر ومن ثم تعبيد الطريق للمستقبل الأفضل ، ليس لأجل الدارفوريين الذين يعانون أكثر من غيرهم الآن وحسب ولكن لأجل ما تبقى من السودان في هذا الزمن الردئ.
أتفق معك في هذا التعليق :
Quote: (يكون جميلا لو أن التعليق علي الكتاب جاء بعد قراءة المتداخلين له و أتي بمقتطفات منه .... و يكون جميلا لو أن هناك تلخيصا للكتاب .. كبسولات .. حتي نلم بالتوجه العام للكتاب ... و بعدها يمكن أن يكون التداخل ثرّا و الإفتاء علي بيّنة). |
ويبدو أنني عدلت الأولويات والسبب المباشر أنني كنت أود إنزال المواد متتالية بحيث لاتحدث فجوة لكنني بعد سويعات من إنزال البوست طرأ لي سفر خارجي أدى لتأخير إنزال الملخص وأتمنى أن يكون وافيا بحيث يعرف القارئ حقبة في تاريخ دارفور تهم الجميع ، تلك الحقبة أشار إليها أستاذنا عبدالمنعم بكلمة (لمحة) وهي بحق لمحة لأن تاريخ الإقليم يحتاج مجلدات لكن استاذنا عبدالمنعم يستحق الثناء على الجهد. لك صادق الود والإحترام ونرجو ان نتمكن من الإضافة التاريخية مستهدفين النفع العام وبهدوء حتى لانحتاج ل (نقطة نظام) .
مودتي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: Ahmed al Qurashi)
|
ان العم عبدالمنعم من القامات السامقة فى مجال الكلمة والادب انه يحمل فى طيات عبقريته الصدق والجمال ودفء الكلمة
انه رمزا للنضال عبر سنوات عمره وتاريخه يشهد بذلك
لقد افاض الله على قلبه كثيرا من التجليات ولكن السر لايباح الا لاهله
فمنح سر تطابق الظاهر والباطن فصنع منه المصداقية والجمال فكانت لنا مريح سكن
فحملت كتاباته الحقيقة والعرفان من بين اشعاره وادابه وحتى السياسة فكان صادقا مرهفا
لك استاذنا العم منعم كل التوفيق والصحة والعافية ولك صديقى حارس الباطن ودمرتضى شلالات من الود
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: Gaafar Ismail)
|
Quote: وبصفتي احد أبناء دارفور تجدني اكثر سرورا لصدور أي إشراقة تلقي الضوء على وطني الصغير الذي يكاد يتمزق على ايدي بعض أبنائه . |
شكرا أستاذنا جعفر إسماعيل،
والليه يا سيدي الكريم أكاد أقول أن حافة التمزق شاركنا فيها جميعنا بأن تركنا مصائر البلاد والعباد في أيد غير مسؤولة من كل الفرق ما ظهر منها وما بطن، ولكننني أرى أن أولئك القوم الذين عشنا بينهم وعرفناهم قادرون على لملمة الجراح بعد تطهيرها شريطة أن نقف معا درءا لكارثة التشظي التي اقتطعت منا جزءا عزيزا ولا أظن شخصا سويا سيحتمل بترا آخرا رغم اختلاف المعطيات.
شكرا حبيبنا أبا سعد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: محمد المرتضى حامد)
|
الأخ محمد المرتضي حامد لك التحية و الإحترام
و شكرا علي عرضك للكتاب و إستعراض كتب أخري ذات صلة بالموضوع. و توقفت عند هذه الفقرة:
Quote: وقد اخترت هذا التوقيت لنشر الكتاب، تزامناً مع، واحتفاءً بالذكرى المئوية للمعارك البطولية التي خاضها مقاتلو المساليت ضد القوات الفرنسية.. معركة (كريندنج)، والمعروفة أيضاً بمعركة (وادي كاجا)، بالقرب من مدينة الجنينة، والتي انتهت بنصر باهر لقوات المساليت وهزيمة ساحقة للقوات الفرنسية؛ ومعركة (دروتي) التي التحم فيها الجانبان في التاسع من نوفمبر 1910م ، واستبسل فيها مقاتلو المساليت وفرسانهم - رغم عدم التكافؤ بين الجانبين في السلاح - واستشهد فيها السلطان تاج الدين إسماعيل والمئات من أبناء المساليت.
|
عمر تاريخ دارفور و الدارفوريين إستبسلوا في حماية دارفور و السودان و إستشهدوا دفاعا حتي لا يدخل المستعمر السودان عبر بوابته الغربية .. دارفور .. و دارفور بقيت عصية علي المستعمر الإنجليزي حتي ضمت قسرا عام 1916 بعد أن إستشهد آخر سلاطينها .. علي دينار .. يروي دمه تراب دارفور و السودان ... بينما نجد أن الإستعمار و علي مر العصور .. دخل السودان عبر بوابته الشمالية .... نحن نتحدث حاضرا .. حتي العام الحالي 2011 ... تستباح أرض السودان قصفا بأحدث الأسلحة عبر البوابة الشمال-شرقية ... و من هو سلطان أو ملك أو رئيس جمهورية السودان مات مستشهدا دفاعا عن أرض السودان؟ بل من من الملوك و الرؤساء من خرج محاربا مع قواته للدفاع عن أرض السودان ؟ الإجابة: لا أحد ... غير ملوك و سلاطين و ثوار دارفور .. من السلطان تاج الدين و السلطان علي دينار و القائد عبدالله أبكر ... و قادة كثر آخرون... اليس هذا تناقضا صارخا مع أدبيات من إستصرخ المستعمر و قدم له كرت دعوة: يا الإنجليز ألفونا .. ناسا قباااح من الغرب جونا
لكن .. ما هو جزاء أهل دارفور من بقية أهل السودان؟؟ هل تعرفون فرشانا و قوز بيضا ؟ هذه معسكرات نزوح بتشاد لأحفاد السلطان تاج الدين ... المساليت!!!
لا يمكن أن نتغني بأمجاد الماضي .. و الحاضر يمد لنا لسانه سخرية و إحتقارا .... قضية دارفور لها أكثر من عقد من الزمان تستعر ... و يكرر البعض هنا بروباقندة حكومة المركز .. عن تجار القضية .. و دارفور تعاني من أبنائها ... اليوم يتوحد أبناء دارفور .. مناوي و عبدالواحد و خليل و عجب الدور و محجوب حسين .. في مقاومة متوحدة .... لمحاربة العدو الحقيقي ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: محمد عبد الماجد الصايم)
|
هل سننتظر طويلا لنقرأ ونتعلم ؟
ليس الجديد ان يكتب الكردفاني عن دارفور .. ولكن الجديد اننا سنجد من يكتب بحس الوطن لا عن الصراع - كما قال - وانما عن التاريخ والثقافة والارض والناس برؤية فيها شفافية رجل مثل الدكتور عبد المنعم التي اضمن للقارئ ان يجد فيها من الكنوز ما يرتفع به الي ثراء المعرفة وصدق الرؤية ..
حتما سأقرأ عند اخي عبد المنعم ما يصقل ما تختزنه ذاكرتي عن عمق تجربتي ولهثي المطول بين اطراف ذلك الاقليم ورباه ووهاده وغوصي المتواصل في اضابير وملفات خلتها في شبابي مراجع ادارية لاغني عنها لتقييم ما يحدث في دارفور من تقلبات الاحداث وثبات العقيدة والشخصيه ..
سلامي لاهل دارفور وارض دارفور وعبد المنعم خليفة يربطهم بما عنده من كنوزهم .. وهنيئا للمكتبة بالقادم الجديد الاصيل الجميل .. ولابد ان اعود اليك اخي المرتضي بعد قراءة الكتاب بالشكر للتنبيه عنه .. اما الان فلا شكر لك عندي علي الشوق والانتظار وحدهما .. ولكنك ربما تستحق شكرا علي الفرح الذي بشرت به .
عمر علي حسن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: آدم صيام)
|
Quote: انه رمزا للنضال عبر سنوات عمره وتاريخه يشهد بذلك
لقد افاض الله على قلبه كثيرا من التجليات ولكن السر لايباح الا لاهله
فمنح سر تطابق الظاهر والباطن فصنع منه المصداقية والجمال فكانت لنا مريح سكن |
شيخ طريقتنا الرشيد الشلال الرشيد شلال، تحاياي يا العزيز ، بالطبع لا تعقيب ، استاذنا يوظف وقته للتوثيق وإنجاز ما يفيد ، تجد أدناه إضاءة على كتاب بوفيسور أوفاهي (THE DARFUR SULTANATE). الجزء الأول يتصل بتاريخ سلطنة دارفور والجزء الثاني خصص لتاريخ دار مساليت، يُحمد لأوفاهي النرويجي هذا الإهتمام ولا أضيف على ما جاء به أستاذ عبدالمنعم عنه.
عنوان الكتاب الذي أتناوله بالعرض والتعليق هنا هو: " تاريخ سلطنة دارفور" لمؤلفه بروفسور ر. س. أوفاهي – أستاذ التاريخ بكلية دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة بيرقن بالنرويج . وقد صدر الكتاب باللغة الإنجليزية عن دار هيرست بلندن في عام 2008م.
يغطي الكتاب الفترة 1650 – 1916م من تاريخ سلطنة دارفور، وهو يبحث في تأثير القوى الخارجية على السلطنة، مع التركيز بشكل أساسي على النخب الحاكمة في دارفور - بما فيها السلاطين ، ونساء البلاط ، ورجال الدين ، والتجار، وغيرهم من الأفراد في مواقع السلطة . والكتاب، كما يذكر المؤلف، سجل للتاريخ والثقافة في سلطنة دارفور بكل تنوعها وتعقيدها وثرائها
*******
النخبة وهرمية السلطة في سلطنة دارفور "أرجو أن أكون قد بلغت شيئاً عن مكانة دارفور وزمانها وأهلها الذين هم أناس أصيلون، وأصحاب تاريخ وهوية ؛ وسوف ينالون مستقبلاً ذا شأن بإذن الله " ) .بروفسور ر. س. أوفاهي)
أقدم فيما يلي تعريفاً بالنخبة في سلطنة دارفور وشرحاً وتحليلاً لأوضاعها، كما وردت في الفصل الأول من كتاب بروفيسور أوفاهي :
المقدوم شعر سلاطين القرن التاسع عشر في سلطنة دارفور بالحاجة إلى مفوضين متجولين يضطلعون بالإشراف على وحدات إدارية أكبر من المديريات (التي كانت معروفة آنذاك). ومن ثم كان تعيين المقدومين ( مفردها مقدوم) . ولقد أصبح بعض هؤلاء جزءاً من نظام السلطنة المؤسسي، لدرجة أن أصبح لقب "المقدوم" متوارثاً . غير أنه بعد استعادة السلطنة، رأى السلطان علي دينار ضرورة زيادة فعالية النظام الإداري، فلجأ إلى تعيين مناديب بدلاً من المقدومين.
نساء البلاط السلطاني كان للنساء دور بارز في بلاط السلطان - سواء كن ميارم (مفردها ميرم) - وهن الأميرات الشابات - أو الحبوبات . وقد كانت الحرية والسلطة التي تتمتع بها نساء البلاط بشكل خاص (والنساء عموماً داخل السلطنة) مثار دهشة الزوار المسلمين. وربما تكون تلك الوضعية المتميزة لنساء البلاط مستمدة من ثقافة الفور السابقة للإسلام، والتي تم إدماجها في بلاط آخذ في الأسلمة بصورة متزايدة. لذلك فإن بعض أنماط السلوك التي قد تكون عادية في قرى الفور تصبح أكثر ملاحظة في البلاط السلطاني. غير أن تلك الحرية الاجتماعية كانت على توافق مع المحافظة على تعاليم الدين. ومثل ما هو عليه الحال في المناطق الريفية كانت النساء هن اللاتي يحافظن على المعتقدات والأعراف التقليدية.
من ألقاب الأميرات: - إيا كوري وهو اللقب الذي يشار به إلى الوالدة ذات النفوذ ، والسيدة الأولى من بين زوجات السلطان. - إيا باسي وهو لقب الأميرة الأم – الشقيقة الأثيرة للسلطان . - الحبوبة وهو لقب الملكة الأم .
ومن حيث النفوذ السياسي فإن إيا باسي هي ذات التأثير الأكبر، والارتباط الأكثر بالسلطان من حيث المشاركة في الحكم وفي المصير أيضاً ؛ فلقد تم إعدام الأميرة زمزم عندما أعدم شقيقها أبو القاسم. وفي فترة لاحقة نجد أن الأميرة تاجا قد اضطلعت بدور بارز في تشجيع وحفز السلطان علي دينار على محاربة الإنجليز.
كذلك كانت الأميرة(إيا باسي) زمزم هي الشخصية المتنفذة في السنوات الأخيرة من فترة حكم شقيقها السلطان محمود الحسين ، بل مكنتها الظروف من أن تصبح الحاكم الفعلي للسلطنة. في عام 1856م (وكان شقيقها السلطان قد فقد نظره)، طافت الأميرة زمزم أرجاء السلطنة وهي تقود رجالها المسلحين، حتى نجحت في أن تحصل من السلطان الواهن على (الحواكير) التي كانت ترغب فيها. وقد كانت الأميرة زمزم – كغيرها من نساء البلاط – فارسة تجيد ركوب الخيل. وكانت تصدر المراسيم باسمها . ولأنها لم تكن راضية عن التأثير المتنامي للفقيه محمد البلالاوي على شقيقها السلطان - والذي أوهنه المرض - ، فقد تضامنت مع الوزير أحمد شطة للتخلص من ذلك الفقيه ، وإبعاده من دارفور ، وذلك رغم اعتراض السلطان. عند وفاة السلطان امتنعت الأميرة زمزم عن تناول الطعام حتى قضت جوعاً.
الألقاب والمناصب كانت هناك أشكال معقدة من الألقاب والمناصب تخصص لأفراد العائلة المالكة رجالاً ونساءً ، ولأسر الزعماء ، ولأمراء الحرب ، ولحكام المديريات ، ولخبراء الطقوس ، ولحراس الامتيازات السلطانية والصولجان.
النخبة غير الرسمية شهد بلاط السلطان في دارفور نشوء نخبة غير رسمية ذات مشارب متنوعة ، وذلك بشكل مختلف عن ما كان مألوفاً في الممالك السودانية (Sudanic Kingdoms)؛ ولعل السبب وراء ذلك هو توظيف مجموعات، ونشوء ظروف جديدة فرضت نفسها على مؤسسة الحكم تجاوباً مع الحاجات والمواقف الجديدة . وقد أدت إستراتيجية الزواج من العائلة المالكة بشكل متزايد إلى إدماج نخب من القبائل والقادة الإقليميين في المركز.
طبقة الكتاب أدت الحاجة إلى بيروقراطية من المتعلمين ، إلى نشوء طبقة من الكتبة (Scribes)؛ كما أدى التوسع العسكري إلى أن يحل جباة محترفون محل من كانوا يقومون بجباية الضرائب من القبائل بالطرق التقليدية .
التجار واحدة من فئات النخبة التي يشوبها قدر من الغموض هي فئة التجار؛ وذلك بسبب أن الجزء الأعظم من أنشطتهم - وكذلك أموالهم -، كانت خارج السلطنة.
المحاربون المحترفون كانت دارفور في بداية القرن التاسع عشر إمبراطورية ممتدة حتى النيل. كما كانت تمتلك ثروات هائلة، وتدير تجارة مزدهرة مع مصر. وقد جذب ذلك الثراء والازدهار أنواعاً من المغامرين - من بينهم المرتزقة. وكان وجود أمثال هؤلاء المحاربين المحترفين المتزودين بتقاليد الفروسية أمراً مألوفاً في إفريقيا السودانوية (Sudanic Africa).
طبقة الأرقاء تحتل مواقع مؤثرة في بداية القرن التاسع عشر بدأ يسيطر على النخبة في البلاط ثلاثة عناصر ، ألا وهي: المنحدرون من طبقة الأرقاء، و(الفقرا)، والتجار.
كان توظيف الأرقاء أمراً مألوفاً في الدول الإسلامية، وذلك حيث أنه يخلق توازناً مع أرستقراطية النبلاء بالوراثة أو نبلاء الأقاليم؛ ولم تكن دارفور استثناء من ذلك. فلقد عمل المنحدرون من طبقة الأرقاء داخل مجمع البلاط السلطاني كحراس وكإداريين؛ بل كان الكثيرون منهم مقربين من السلاطين. كما عملت الإماء كمحظيات؛ وكانت المنطقة المخصصة للحريم يديرها أرقاء من الخصيان . وكان الأرقاء العاملون في البلاط منظمين وفقاً لتسلسل معقد من المجموعات والألقاب. ونبع اهتمام السلاطين بالأفراد الموهوبين من طبقة الأرقاءً من كونهم طيعين أكثر من النبلاء بالوراثة. ولسلاطين كيرا أسبابهم في توخي الحذر، إذ أن اثنين من السلاطين لقوا مصرعهم على أيدي أفراد من أرستقراطية النبلاء.
(الفقرا) - رجال الدين والعلماء بينما تمتع الأرقاء بذلك الوضع المميز بقربهم من مواقع السلطة المؤثرة، كان (الفقرا) والتجار في وضع أقل مكانة في البلاط. كان يتم تعيين بعض (الفقرا) كقضاة، وتعيين بعضهم الآخر في وظائف متنوعة في بلاط السلطان - مثل تعليم أبناء السلاطين والزعماء، أو العمل كمستشارين قانونيين، أو القيام بأعمال السكرتارية، أو أعمال الوساطة عند حلول الأزمات السياسية.
دائماً كانت توجد حدود لنفوذ (الفقرا). فلقد أحاط السلطان الفقيه الورع محمد الحسين نفسه بعدد من العلماء والمتصوفة، من بينهم محمد بن المختار الشنقيطي (توفي 1881م)، وهو من متصوفة موريتانيا، وينتمي إلى الطريقة التيجانية. وهو الذي قاد السلطان إلى إتباع الطريقة التيجانية، والتي أصبحت منذ ذلك الوقت الطريقة الرئيسية في دارفور. وقد عمل محمد بن المختار أيضاً سفيراً للسلطان في مصر. ومن العلماء المتصوفة أيضاً كان هناك أحمد الدرديري، وهو من عائلة رجال الدين الدواليب بخرسي في كردفان، الذين أصبحوا لاحقاً من أتباع الطريقة التيجانية .
رغم المكانة البارزة (للفقرا) في بلاط السلطان في القرن الثامن عشر، خاصة وأن الكثيرين منهم قد تزوجوا من نساء كيرا، إلا أنهم كانوا دائما في وضع المرؤوسين؛ وذلك لأنه ليست لديهم السلطة التي يتمتع بها الأعيان، ولا الأموال التي يتمتع بها التجار. ويلاحظ أن هناك اختلافاً وتناقضاً واضحا بين تلك المكانة المتواضعة (للفقرا) في بلاط السلطان وبين مكانة نظرائهم في المناطق الريفية من السلطنة، الذين كان نفوذهم يشع من مساجدهم ومناطق استقرارهم حولها. وهو نفوذ مستمد ليس فقط من الرعاية السلطانية، بل من الخدمات المتنوعة التي يؤدونها لمجتمعاتهم، وهي خدمات روحية وتعليمية، وخدمات ذات صلة بالسحر والطب العلاجي.
المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية إن خضوع المؤسسة الدينية للمؤسسة السياسية هو الأمر السائد في العالم الإسلامي. فقط في أوقات الأزمات والتقلبات السياسية تتمكن القيادة الدينية من لعب دور مستقل. بالمثل كان خضوع التجار للمؤسسة السياسية. غير أنه – تماماً مثل ما كان (الفقرا) في سلطنة دارفور أكثر استقلالية من علماء القاهرة أو بغداد، لأنهم كانوا يعيشون في بيئة تضعهم في المقدمة، ولأنهم يعملون في عالم صوفي؛ كان وضع التجار ضمن النخبة أكثر بروزاً، وذلك بسبب تركيبة الشبكات التجارية التي ساعدت في إكسابهم استقلالية أكبر.
التجارة من الموضوعات ذات الصلة بمكانة التجار وسط النخبة، أن فترة أوج ازدهار التجارة بين دارفور ومصر (1750 – 1860م) كانت عنصراً أساسيا من العناصر التي أدت إلى نشوء مركزية السلطة في سلطنة دارفور. كان اهتمام السلاطين الرئيسي متركزاً في جني الأرباح من تلك التجارة، وليس بالضرورة إدارة الجوانب المرتبطة بها. غير أنه نظراً لأن تنظيم قافلة كبيرة متكونة من آلاف عديدة من الجمال أمر يحتاج إلى موارد ضخمة؛ ولأن استقبال القافلة في مصر كان عملاً لصيقاً بالعمل الدبلوماسي، فقد كانت التجارة والسياسة مرتبطتين برباط وثيق. وطوال تلك الفترة التي شهدت ازدهار التجارة كان السلاطين يتاجرون لحسابهم الخاص بواسطة تجار من العائلة المالكة وخدم تابعين لهم. كان هؤلاء التجار، سواء وكلاء أو أقارب للسلطان أو تجار يقومون بدور الوكلاء، يستخدمون أرباح السلع المباعة في مصر لصالح تجارة السلطان، وكانوا يتمتعون بوضع دبلوماسي.
أوضاع النخبة داخل بلاط السلطان كانت الحركة التي تكيف أوضاع النخبة داخل بلاط السلطان بعيدة من الهرمية ذات التركيبة الرسمية ، من نوع تلك التي سادت في الدويلات السودانية. فالنخبة في سلطنة دارفور أقرب ما تكون إلى نخبة فضفاضة قوامها مجموعات المصالح التي تعمل في إطار متنامي البيروقراطية، وهم من المتعلمين؛ وهي بذلك أكثر من كونها تركيبة مستندة على صلات القرابة.
مثل العديد من أوجه تاريخ سلطنة دارفور، فقد انقطع بشكل مفاجئ التطور الطبيعي للسلطنة في العام 1874م - وإن تم استئناف السلطنة في عام 1898م. وكان ذلك الانقطاع واحداً من أعراض إعادة الصياغة الجوهرية للدولة التي تشكلت في القرن التاسع عشر. ومن جوانب تلك الصياغة الجديدة نمو نظام إقطاع الأراضي، وتعيين المقدومين أو المفوضين للإشراف على الرؤساء المحليين في الأقاليم، ونشوء بيروقراطية متنامية التعليم ونظام قضائي. إن وصف هذا التطور بالإسلامي يعني تجاهل الحقائق الاقتصادية والسياسية التي قادت إليه؛ لقد عبر الإسلام عن تلك التغيرات بوضوح لكنه لم يرسبها ويعجل من حدوثها.
المناسبات الوحيدة التي يمكن فيها مشاهدة أدوار سياسية تلعبها النخبة هي مناسبات الأزمات المصاحبة لانتقال الحكم؛ حين يتحول البلاط إلى ساحة يقتتل فيها الناس ويموتون من أجل مصالح قبلية أو فئوية. لم يكن الموت يأتي للخاسرين فقط من المنتصرين، حيث أنه في ذلك المجتمع المسلم ( وللغرابة) كان الانتحار أمراً مألوفاً بين النخبة. ومن أمثلة ذلك الوزير/ علي بن جامي، والمقدوم/ عبد السيد، والوزير/ عبد الباري، والإية باسي/ زمزم؛ جميع هؤلاء أنهوا حياتهم بأنفسهم إثر الفشل السياسي أو العسكري. ********
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: محمد مكى محمد)
|
أخي العزيز آدم صيام،
أشكر لك كلماتك الطيبة الصادقة، يا سيدي الكريم لم أفعل سوى تقديم جهد جميل لصاحب الكتاب أستاذي وصديقي عبدالمنعم خليفه خوجلي وليتني شاركت باي جهد في تقديم الصورة التي يتوجب على كل منا تقديمها عن دارفور ، والله يا أستاذ آدم الشعور بالتقصير يلازمني ويهد كياني سيما عندما نجد أقلاما غير سودانية تعرض لسجايا الدارفوريين وتاريخهم ودورهم في الحضارة السودانية والأفريقية والعربية كما فعل برفيسور أوفاهي ، فلدارفور ولكل شبر من بلادي دين مستحق علينا نتمنى أن نفي به قبل أن نغادر هذه الفانية.
لك مودتي واحترامي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: محمد ادم الحسن)
|
فارس محمد،
الأبيض،
كردفان،
ألفين سلام،
أشكر لك الحضور والمشاركة،
أنتهز مداخلتك لأضيف من (الكتاب) ما بدأه المؤلف عن تاريخ
سلطنة دارفور ،
مودتي.
نهاية استقلال سلطنة دارفور (2)
- المقاومة الدارفورية - طلب السلطان إبراهيم قرض السند من الدولة العثمانية - رسائل الزبير باشا للـ (علماء) في دارفور - معركة منواشي ومقتل السلطان -------------
مقدمة كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن بروفيسور أوفاهي يرى أن غزو دارفور في عام 1874م من قبل الزبير باشا لم يكن فقط بداية النهاية لوجود سلطنة دارفور كدولة مستقلة ذات تاريخ متصل منذ القرن السادس عشر، بل كان أيضاً نقطة تحول في تاريخ السودان الحديث.
احتل الزبير (دارة) في 23 ذي الحجة 1290 هـ، الموافق 11 قبراير 1874م. كانت مع أحمد شطة قوات قليلة نسبياً، هم من فرق (الأرقاء) التي كانت لدي السلطنة، والتي كانت مسلحة ببنادق الرمنقتون؛ بينما بدأ الزبير في جلب تعزيزات معتبرة من (زرائبه) في بحر الغزال حتى بلغ عدد جنوده 7.000 من الرجال المزودين بالسلاح الناري، كما بدأت السلطات التركية المصرية في التحرك.
كانت كل من الخرطوم والقاهرة متابعة لتقدم الزبير بقدر من الانزعاج، وشرعا في اتخاذ إجراءات بهدف إيقاف تقدمه، أو على الأقل سلبه من مكاسبه. في فبراير 1874م أعلن الخديوي إسماعيل الحرب على سلطنة دارفور، وكان الغطاء المبرر لذلك هو "عدوان السلطان، وتصميم الخديوي على إنهاء تجارة الرقيق" ؛ وهي أسباب لا بد أنها بدت للسلطان غريبة. صدرت الأوامر للحاكم العام إسماعيل أيوب باشا بأن يركز قواته في غرب كردفان استعداداً لغزو دارفور.
رغم انتصار الزبير واحتلاله لـ (دارة)، إلا أنه كان يجابه ضغطاً من قوات السلطنة. فقد تمكن (الشرتاي) أحمد نمر تيراب حاكم البرقد من تجميع بقايا جيش أحمد شطة، ومناوشة قوات الزبير في (دارة) مما يتيح بعض الوقت للسلطان بما يمكنه من تجميع جيش آخر.
الحرب الدبلوماسية والدعائية
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فقد أرسل الزبير عدداً من الرسائل للسلطان إبراهيم قرض بينما كانت المعارك تدور. وخدمت هذه الرسائل أغراضاً عدة، منها المساس بشرعية سلطة السلطان، وخلخلة دولته بكسب الزبير لشخصيات رئيسية في مؤسسته. وموضوع آخر هام وحساس وهو إيجاد المسوق الشرعي لما أقدم عليه من مهاجمة دولة مسلمة. تم نشر رسائل الزبير للسلطان تحت عنوان " الأجوبة السديدة في إنذار وتهديد أهل المكيدة". في إحدى رسائل الزبير الموجهة للـ (علماء) قدم نفسه على أنه المتجرد، حامل رسالة الإسلام للوثنيين في الجنوب.. وتحدث فيها عن محاربته للطغاة والكفرة والمشركين وتحويلهم من عبادة الأوثان، وإدخاله للكثيرين منهم في ملة الإسلام. وظل الزبير يركز في رسائله للـ (علماء) على الادعاء بان السلطان قد خالف الدين بحربه لهم دون أن يكونوا قد حاربوه أو خالفوا الشريعة.
بتاريخ الثالث من رجب 1291هـ ، الموافق 16 أغسطس 1874م، أرسل الزبير خطاباً أخيراً للسلطان لائمه فيه على إيوائه للرزيقات الذين كانوا يهددون الطرق ما بين دارفور والسودان المصري التي قام هو بفتحها لجميع المسلمين . وأعلن في ذلك الخطاب عزمه على ضم السلطنة باسم الخديوي. جاء في الخطاب "إذا ما كنت عبد الله ومؤمناً بأن الأرض لله يعطي ملكها من يشاء من عباده.." طالب الزبير السلطان أن يتنازل عن الملك ويستسلم لسيده (الخديوي)؛ مؤكداً له أنه يؤمن له ممتلكاته وثرواته ومكانته الرفيعة؛ أما إذا أبى، فسوف يكون مسئولاً أمام الله عن دماء المسلمين. هكذا كانت حجج الزبير مزيجاً من الدين والسياسة. غير أنه للحقيقة والأمانة لم يتطرق لمسألة حق المسلم في محاربة مسلم آخر.
تجاهل السلطان إبراهيم قرض رسائل الزبير؛ وتجاوب معها بتوجيهه رسالة لقبيلة أولاد جابر (بالقرب من مليط)، المعروفين بالصلاح، بأن يعقدوا ألف (ختمة) كاملة للقرآن على نية النصر على الأعداء. والتجاوب الثاني كان دبلوماسيا، حيث بعث برسالة للوزير العثماني الأعلى مذكرا إياه بـ (فرمان) سابق أصدره السلطان عبد الماجد (1839-1861م)، وآخر أصدره السلطان عبد العزيز (1861-1876م) يضمنان لسلطان دارفور حدود سلطنته واستقلالها. إن هذين الـ (فرمانين) اللذين أشار إليهما السلطان يثيران أمراً محيراً لن يكون له تفسير إلا في وثائق اسطنبول. وذلك حيث أن السلطان عبد الماجد كان قد أصدر (فرمانين) لمحمد علي باشا، كان أحدهما حول السودان، ونص بالتحديد على تبعية دارفور لمصر. وتم التأكيد على هذين (الفرمانين) وتمديدهما من قبل السلطان عبد العزيز في (فرمان) بتاريخ 8 يونيو 1867م. فإذا ما كان هذان هما (الفرمانين) اللذين أشار إليهما السلطان إبراهيم قرض- ويبدو أن لديه نسخاً منهما- فمن الصعب أن نفهم كيف فسرهما السلطان إبراهيم قرض على أنهما يضمنان له استقلال سلطنته.
كان لدارفور صلات دبلوماسية مع الدولة العثمانية. غير أن السلطان إبراهيم لم يعتمد كلياً على الضمانات العثمانية المزعومة. فقد سعى لإرضاء الخديوي، إذ بعث له بتاريخ 4 رجب 1291هـ الموافق 17 أغسطس 1874م برسالة يعبر فيها عن الخضوع والطاعة، حملها إلى القاهرة التاجر الحاج حمزة، غير أنها لم تكن مجدية. إن ادعاء السلطان إبراهيم قرض بكون دارفور دولة إسلامية مستقلة ذات سيادة- وهو ادعاء أكد عليه السلطان محمد الفضل لـمحمد علي باشا قبل خمسين سنة سبقت- فلم يكن له أي اعتبار في نظر الزبير ولا في نظر الخرطوم والقاهرة.
الحملة مستمرة في هذا الأثناء ظلت الحملة مستمرة .. فقد أبحرت قوة صغيرة من (دارة) تحت قيادة رابح فضل الله وقتلت (شرتاي) البرقد. وفي حوالي يوليو/أغسطس أرسل السلطان إبراهيم قرض جيشاً آخر جنوباً تحت قيادة عمه الأمير حسب الله بن محمد الفضل. حاول جيش حسب الله محاصرة الزبير في (دارة). غير أن تكتيكات الزبير الدفاعية، المؤسسة على ميزة قوة السلاح الناري، أجبرت الأمير حسب الله على التقهقر شمالاً.
زحف السلطان إبراهيم قرض أخيراً نحو (دارة) ووصلها في 5 رمضان 1291هـ الموافق 16 أكتوبر 1874م؛ وكانت المعركة الحاسمة التي انتصرت فيها قوات الزبير بفضل السلاح الناري الذي لم يكن الدارفوريون يعرفونه. بدأ السلطان وبقايا جيشه في الانسحاب نحو جبل مرة، موطن أجداد الأسرة الحاكمة. وبعد تسعة أيام وصل إلى منواشي حيث التحم معه الزبير في 14 رمضان 1291هـ الموافق 25 أكتوبر 1874م، في آخر مواجهة بينهما. وكان مع السلطان حراسه الشخصيون فقط. هزم السلطان إبراهيم قرض وتم الاستيلاء على النقارة المقدسة (المنصورة). بأوامر من الزبير تم دفن جثمان السلطان بكامل طقوس التكريم والشرف في مسجد شيخ طاهر أبو جاموس في منواشي. وقوبل سقوط السلطنة باحتفالات في كل من الخرطوم وبربر.
****************
- الفترة التي تلت معركة منواشي - المهدية في دارفور - استعادة السلطنة - الإصلاحات الدينية والاجتماعية في عهد السلطان علي دينار
أم كويكية كانت معركة منواشي بين قوات الحكم التركي المصري وقوات سلطنة دارفور في 25 أكتوبر 1874م ، والتي قتل فيها السلطان إبراهيم قرض ، هي النهاية لوجود دولة كيرا الإفريقية المسلمة المستقلة التي تعود نشأتها إلى منتصف القرن السابع عشر، والتي هي امتداد لدولة سودانوية إفريقية عريقة ترجع جذورها إلى القرن الثاني عشر. ومنذ 1874م وحتى اندلاع الثورة المهدية في 1882م كانت دارفور نظرياً جزءاً من السودان التركي المصري؛ غير أن فكرة السلطنة ظلت حية في جبل مرة وفي أرض دارفور طوال تلك السنوات. ولقد شهدت السنوات التي تلت سقوط سلطنة دارفور مقاومة بطولية لإبقاء جذوة السلطنة متقدة؛ كما شهدت من الناحية الأخرى الرعب والتخريب الذي قامت به قوات الحكم التركي المصري لقهر تلك المقاومة. ويشار في الأدب الدارفوري إلى تلك السنوات بـ "أم كويكية" ، لأنها تميزت بنيران السلاح، وقطع الطرق، والبؤس المستشري - خاصة مع إفلاس الإدارة واستغراقها في الحروب المستمرة .
المهدية في دارفور للمهدية في دارفور تاريخ معقد ومتعدد الجوانب. فمن الملاحظ أنه لم تكن للمهدية جاذبية كبيرة وسط المجتمعات غير العربية في دارفور ، وربما يكون عامل اللغة أحد أسباب ذلك. سبب آخر هو عدم تغلغل الصوفية الجديدة وسط المزارعين المستقرين . ونتيجة لذلك ظل الفور والمساليت يعيشون في عالمهم الخاص بدون تأثير كبير، بينما وجدت الدعوة المهدية صدى أكبر وسط الرحل ؛ ولعل ذلك بسبب التأثير الذي كان للطريقة السمانية وسط البقارة؛ وأيضاً الدور المؤثر للأسر الدينية من قبيلة الفولاني الذين انتشرت وسطهم دعوة الجهاد التي أطلقها عثمان دانفوديو في شمال نيجيريا.
يمكن النظر لأهمية المهدية من زاويتين؛ أولاهما أنها أدخلت دارفور في السياسة السودانية، وثانيهما أنها بلورت الانفصام بين مفهومين للإسلام قائمين على "العقيدة المهدوية" من ناحية ، والتقاليد السودانوية (Sudanic Tradition) من الناحية الأخرى- أي بين نظرة شاملة (ولا نقول شمولية) للإسلام تقيم وزناً لدور الإسلام في المجتمع؛ وبين فهم للإسلام متوافق مع المحيط المحلي. ولقد جرت المهدية دارفور نحو السودان - ليس فقط في فترة المهدية - بل لاحقاً أيضاً في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. على النقيض من ذلك كانت العقيدة السودانوية مسئولة عن بروز دولة جديدة، ألا وهي سلطنة المساليت، والتي كانت القوة الدافعة وراء النجاح في استعادة سلطنة كيرا تحت قيادة السلطان علي دينار.
السلطان علي دينار بينما كان كتشنر يقترب من أم درمان في أغسطس 1898م، كان علي دينار يخطط للعودة إلى دارفور . وبعد أن تمكن من الهرب من أم درمان - التي بقي فيها لست سنوات -، اتجه جنوباً حتى وصل إلى الترعة الخضراء ( منطقة شمال كوستي)، حيث استولى هو ومناصروه على بعض الجمال التي تخص الخليفة، ثم اتجه غرباً نحو كجمر، التي كان ينتظره فيها عدد من أنصاره من دارفور. لم تكن تلك الخطوة التي أقدم عليها علي دينار اندفاعاً معزولاً، بل كانت خطوة محسوبة ومنسقة مع أنصاره؛ فقد انضمت إليه مجموعات من الأعيان الذين كانوا يمثلون جزءاً هاماً من مؤسسة السلطنة القديمة. بعد أقل من شهرين من وصوله إلى دارفور ، وفي أكتوبر 1898م ، تمكن علي دينار من إحكام سيطرته على الفاشر . واستندت سياسته في السنوات الأولى على مرتكزين ، أولهما فرض سلطته على أوسع نطاق ممكن في دارفور ؛ وثانيهما اتقاء شر ونجت وكتشنر وسلاطين في الخرطوم.
يصف المؤلف حكم السلطان علي دينار - مقارنة مع حكم أجداده السلاطين السابقين- بأنه كان حكماً أوتوقراطياً؛ لكنه يوجد له المبرر في ذلك ، إذ أن حالة الفوضى التي كانت تعيشها دارفور آنذاك يستحيل معها استعادة السلطة المنظمة التي كانت قائمة في السلطنة القديمة ما بين ليلة وضحاها. المقربون من السلطان علي دينار وصفوه بقوة العزيمة وبالصرامة. مثل تلك السمات الشخصية، ممزوجة بضرورات الأمر الواقع، مثلت الخلفيات التي قام عليها منهجه في إدارة دولته - والتي حكمها حكماً مباشراً. ولتعزيز سلطته كسلطان حرص على التواصل مع الماضي. ولقد دفعته تهديدات الدعوات الدينية إلى انتهاج سياسات دينية متناقضة نوعاً ما. فمن ناحية- ولمحاربة الدعوة المهدية التي نفذت إلى أعماق المجتمع- لجأ علي دينار إلى فرض العقيدة الدينية؛ بينما من الناحية الأخرى نسب إلى نفسه خاصية الولي ، وشيئاً من القدسية.
كان من الأولويات الواضحة للسلطان علي دينار إيجاد نظام قضائي فعال يستطيع أن ينظر في القضايا المتراكمة والعالقة من فترة المهدية والفترة التي سبقتها. وخلافاً للتقاليد التي كانت سائدة في السلطنة قبل 1874م، عين السلطان علي دينار قاضي قضاة ( هو القاضي إدريس عبد الله، الذي استمر في منصب قاضي عموم دارفور حتى عام 1916م). كذلك أدخل السلطان علي دينار إصلاحات في النظام الضرائبي، كما كانت له إصلاحات في المجال العسكري أيضاً. كان علي دينار مجدداً؛ غير أنه في سعيه المتواصل لإعادة تأسيس دولته، ظل في جميع الأمور يجمع ما بين القديم والجديد؛ وكان أكثر تأصيلاً في سياساته الدينية.
إحياء الدين عاش سلاطين دارفور السابقون تحيط بهم طقوس مستمدة من تقاليد الفور بأكثر من كونها مستمدة من الإسلام. غير أن علي دينار كان رافضاً للإسلام السهل الذي اتبعه أجداده ، والقائم على (التخليط)؛ كما كان معارضاً للمهدية. كان النهج الذي يفضله هو ذلك النهج الذي يجمع ما بين إسلام المؤسسة - مثل الإسلام الذي يسانده الأزهر، والذي يخضع المؤسسة الدينية للدولة- وبين الإسلام الصوفي. تكمن أهمية المهدية الرئيسية بالنسبة لعلي دينار في أنها قادته إلى صياغة سياسة دينية داخلياً وخارجياً، وإلى تقديم تفسير لماضي دارفور يصب في مصلحة السلطان العثماني.
تأثرت الإدارة في السنوات الأولى من حكم السلطان علي دينار بأساليب المهدية، حيث ظل الكتبة والسكرتاريون المتوارثون من سلطات المهدية يستخدمون بعض عبارات الترحيب المهدوية ، مثل (الحبيب). ومن الإبداعات الجديدة للسلطان علي دينار دعوى انتسابه للعباس، واعتماد ذلك في الألقاب الرسمية؛ بينما لم يكن السلاطين السابقون يشيرون إلى ذلك النسب إلا بشكل مبهم؛ كما لم يضمنوه أبداً في وثائقهم ، حتى وهم يستخدمون ألقاباً مملوكية أو عثمانية مثل: "خادم الحرمين الشريفين" ، أو "سلطان البرين والبحرين".
تضمن برنامج السلطان علي دينار لإعادة البناء السيطرة المحكمة على (الفقرا) في مملكته، والذين كان يعاملهم كأنهم أعضاء في طريقة صوفية هو شيخها. وكان (الفقرا) في كل منطقة منظمين تحت (مقدوم) مسئول عنهم . ومن السياسات الدينية للسلطان علي دينار إقامته علاقات مع العالم الإسلامي الخارجي ؛ فلقد كانت له صلات وثيقة ومراسلات منتظمة مع العديد من المدارس الصوفية الجديدة - وبشكل خاص السنوسية والختمية والإسماعيلية. كانت الصلات مع السنوسية مهمة لذاتها، وذلك لأنها تفتح القنوات مع العثمانيين؛ وتضمنت رسائله إلى السيد المكي، شيخ الطريقة الإسماعيلية بالأبيض، وصفاً لجهوده الرامية للتمكين للدين في دولته؛ وفي رسائله للسيد علي الميرغني ظل السلطان علي دينار يفصح بحرية عن سخطه عن ما يراه من ازدواجية في الحكم الثنائي. وفي عهد السلطان علي دينار أصبحت الطريقة التيجانية أكثر رواجاً وانتشاراً في دارفور. ولقد ظلت الفاشر تستقبل وتستضيف بكرم وحفاوة أبرز قادة الطريقة التيجانية وأكبرهم مكانة في غرب إفريقيا.
من علامات الاستقامة الدينية للسلطان علي دينار إرساله المحمل إلى مكة لكسوة الكعبة؛ ومواصلته تقديم المساندة لرواق دارفور في الأزهر. ومن الإيماءات الأخرى في هذا الجانب، إرساله نسخة من موجز تاريخ حياته لمكتبة دار الفلاح بمكة؛ ونشره في مطبعة السودان بالخرطوم "ديوان المديح في مدح النبي المليح".
الإعداد لغزو دارفور في عام 1915م كان حاكم عام السودان رينالد ونجت يضغط على حكومتي مصر وبريطانيا للإذن له بأن "يقضم" دارفور قبل أن يفعل ذلك الفرنسيون الذين كانوا يحومون حول حدود دار مساليت. ينتقد المؤلف المبررات التي ظل يسوقها البريطانيون لغزو دارفور في عام 1917م (ويذكر أن ما أورده بروفسور ثيوبولد عنها ناتج من تأثره بوجهة النظر البريطانية). ويعزي المؤلف ما ظلت تروج له أجهزة الدعاية الحكومية عن قسوة السلطان علي دينار وقهره للفقراء، إلى رغبة تلك الأجهزة في تكوين صورة انطباعية سلبية تبرر الغزو؛ ولا يوجد سند للقصص الساذجة التي كانت تروج لها أجهزة الدعاية ( مثل الفرية عن مصير الطفل الوليد الذي أسماه والداه على اسم السلطان). يذكر المؤلف أنه يستبعد أن يكون ونجت شخصياً مقتنعاً بمثل ذلك الهراء.
من جانبه، وفي ظل أجواء الدعاية والدعاية المضادة، كان السلطان علي دينار- من منطلق معارضته للحكومة- يخاطب ونجت بـ "سن النار" بدلاً من السردار! وفي إحدى رسائله لونجت عبر علي دينار عن اعتزازه بنفسه، وافتخاره بمكانته كسلطان، وبمجده العريق؛ حيث جاء فيها: "إنني بفضل الله سلطان وابن سلطان؛ ولقد ورثت المملكة بحق من أجيال.. وأنا - بمشيئة الله العظيم- أجلس الآن على عرش آبائي وأجدادي".
بقية القصة معروفة ؛ فقد غزا البريطانيون دارفور، وذبحت قوات دارفور في موقع المعركة بالقرب من الفاشر .. وتمت محاصرة السلطان علي دينار وقتله في نوفمبر 1916م.
هكذا انتهت سلطنة كيرا.. غير أنها انتهت بشرف. *****
الحاضر
لعل من المناسب - إلى جانب استعراض التاريخ - أن نعرف ببعض أفكار بروفيسور أوفاهي ذات الصلة بالحاضر،كما وردت في الفصل الأخير من كتابه . الفكرة الأساسية التي استند عليها المؤلف في تحليله ، هي تميز دارفور عن بقية أجزاء السودان .. فدارفور كفكرة وكهوية كانت موجودة منذ 1570م – إن لم يكن قبل ذلك . بينما لأغلب مثقفي شمال السودان ، فإن السودان الحديث يتمركز في أراضي سلطنة الفونج (حوالي 1504 – 1821م) ، وهي أراضي وادي النيل جنوب أسوان إلى منطقة الجزيرة بين النيلين الأزرق والأبيض حتى مناطق البجا في شرق السودان، أسوة بشرق كردفان التي لها تداخل حميمي منذ قرون مع وادي النيل. يتمثل جوهر هوية السودان الحديث في أن النخبة من حكامه الحاليين انحدروا من أيام الفونج ، عبر الحكم التركي المصري (1821 – 1882م)، ثم انتصارات المهدية التي لم تدم طويلاً (1882-1898م ) ، ثم الحكم الثنائي البريطاني المصري البيروقراطي (1898 – 1956م) . وبعكس ذلك كانت صلات دارفور بوادي النيل متقطعة ومتفرقة ، فيما عدا الفترة القصيرة نسبياً الفترة التي هيمنت فيها دارفور على كردفان (1785 – 1821م) في القرن التاسع عشر جعلت علاقات الدين واللغة والاقتصاد دارفور أكثر قرباً من السودان النيلي. يوجه المؤلف نقداً لفترة الحكم البريطاني لدارفور (1916-1956م) ، التي لم يهتم فيها الحكام البريطانيون بإحداث أي قدر يذكر من التنمية والتحديث في الإقليم؛ حيث انصب اهتمامهم بالحكم والإدارة ( السيطرة على الضرائب - سلطة حكم الإعدام - سلطة تعيين وفصل الزعماء المحليين ) . لذا فقد كان للحكم البريطاني تأثير سلبي غير مباشر بعيد المدى على دارفور . فالهياكل الحديثة التي أسسوها في وسط السودان ، والمتمثلة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والتعليمية (المدارس والجامعة والسكة حديد ومشروع الجزيرة، وبروز نخبة من المتعلمين جذورهم في المناطق النيلية) لم ينال دارفور منها شيء؛ بل كانت لها تأثيرات سلبية كبيرة عليها ، إذ تم التجاوب معها بهجرة الدارفوريين، هرباً من الضرائب ، أو للعمل في مشروع الجزيرة، أو العمل في مدن وسط وشمال السودان.
لم يحدث الاستقلال الرسمي في أول يناير تغييراً سوى أن حلت نخبة من الإداريين السودانيين من شمال السودان محل الإداريين البريطانيين . غير أن المؤلف يشير إلى بعض النواحي التنموية التي شهدتها دارفور بعد الاستقلال، من بينها امتداد خط السكة حديد إلى نيالا في عام 1959م ؛ وتأسيس مشروع جبل مرة كمحاولة لإدخال مشاريع نقدية (التبغ والفواكه) ، ولكن بنجاح محدود. من مشكلات الحكم الرئيسية التي يبرزها المؤلف أن القرارات الخاصة بدارفور كانت تتخذ من الخرطوم سواء من قبل الحكام البريطانيين أو الإداريين السودانيين الذين خلفوهم. ويلخص المؤلف حالة عدم الاهتمام المتأصلة بدارفور، بأنه في العهود الديمقراطية تتمثل أهميتها في أصوات الناخبين ؛ أما في العهود غير الديمقراطية فإن أهميتها تكون في إطار السياسة الإقليمية بين تشاد وليبيا والسودان. ومن قناعات المؤلف أن دارفور كانت بدون شك أكثر ثراء ، وأفضل إدارة تحت حكم سلاطين القرن التاسع عشر مقارنة بحالة الجمود والتهميش من قبل الحكام البريطانيين والإداريين السودانيين. يشير المؤلف إلى بداية سيادة التذمر الناتج من التهميش وضعف التنمية ، وبروز حركة سياسية (أساساً وسط الفور) قوامها الجنود المتقاعدون ؛ وتأسيس جبهة نهضة دارفور في عام 1966م ، والتي كان قوامها بعض زعماء دارفور ومجموعة صغيرة من طلاب دارفور بالخرطوم . وفي بداية التسعينات أصبحت المناطق الريفية خارج السيطرة، حيث انهارت أي إدارة فعالة فيما عدا المدن الرئيسية. وفي هذا الإطار تطورت عملية تسييس الصراع.
يمضي المؤلف في تحليل الأسباب الرئيسية وراء الأزمة الحالية في دارفور، والتي يحصرها في: - العامل السكاني
حيث تشير التقديرات إلى ارتفاع عدد سكان دارفور من مليون ونصف في عام 1956م إلى ستة مليون ونصف حالياً. - العامل الإيكولوجي
التصحر وتعرية التربة وفقدان خصوبة الأرض ، مما قاد إلى تأجج الصراع حول الأرض ( الأبالة ليست لهم ديار معروفة ، ومن لهم ديار لا يرون سبباً لتركها لآخرين).
- الشرعية
فشلت الحكومة في الخرطوم في تأسيس شرعية؛ حيث أنها ورثت من البريطانيين شرعية لم تكن في الأصل موجودة. يشير المؤلف إلى أنه قد برز في الفترة الأخيرة الإقرار بالحاجة إلى حوار دارفوري دارفوري، على أمل أن يتوصل الدارفوريون من خلاله إلى اتفاق فيما بينهم . غير أنه يرى أن ذلك سوف لن يكون أمراً سهلاً، نظراً لأن القيادات القبلية التقليدية (الإدارة الأهلية) - رغم استعادتها بعد سقوط حكم النميري في 1985م- إلا أنه لم تعد لها نفس السلطة والشرعية التي كانت تتمتع بها قبل 1971م؛ خاصة وقد أصبحت التعيينات تتم من الخرطوم وفقاً لاعتبارات سياسية. يضاف إلى ذلك تعاظم المشكلات الإيكولوجية؛ والانقسامات العميقة بين القيادات الشابة في "حركات" دارفور ، وافتقادهم للبرامج والسياسات الواضحة.
يذكر المؤلف أنه حتى الآن لم تتم إثارة فكرة استقلال دارفور من أي جهة ؛ غير أنه ، إذا ما استمرت الأحوال في التدهور، فربما تبرز إلى المقدمة؛ وسوف يكون النفط الذي بدأ اكتشافه في دارفور عاملاً في هذا الاتجاه. ومن قناعات المؤلف أن دارفور المستقلة ذاتياً في إطار السودان العريض يمكن أن تكون شريكاً قيماً ؛ ولكن فقط في حالة الإبقاء على ذاتيتها وتطويرها.
إن المأساة الإنسانية المرعبة التي تجري الآن في دارفور تتم في ظل بيئة هشة، ومن الصعب جداً وقف تدهورها. غير أن المؤلف يرى أنه ليس محكوماً على دارفور الفشل؛ إذ أن الدارفوريين - ببعض المساعدة الخارجية - يستطيعون أن يتوصلوا إلى اتفاق فيما بينهم ، خاصة إذا كانت الحكومة مستعدة أن تكون أكثر إيجابية.
**********************
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: Balla Musa)
|
Quote: الجلابى محمد المرتضى حامد
شكرا على هذا البوست |
د. بله زعيم الجلابه، سلامات يا عزيز، مصطلح (جلابي) من أكثر المصطلحات التي تم مرت بأذني أثناء تجوالي في أنحاء السودان المختلفة وتحديدا غرب السودان وكانت فئة الجلابة لها مكانتها بين مواطني تلك المناطق وكنت أتفهمها في طفولتي في تلك الديار على أنها معني بها التجار ممن لهم أصول خارج تلك المناطق الذين يجلبون البضائع باستثناء الأغاريق الذين كان يقال لهم (الخواجات) ، لكن وفقا لذات الكتاب الشيق ممكن تديني لقب دارفوري (مقدوم) وهو المفوض الإداري الجائل.
أخبارك مقطوعه،
دام صفانا زي ما بيقول عزيزنا محمد سني.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: خلف الله عبود)
|
Quote: هل سننتظر طويلا لنقرأ ونتعلم ؟
ليس الجديد ان يكتب الكردفاني عن دارفور .. ولكن الجديد اننا سنجد من يكتب بحس الوطن لا عن الصراع - كما قال - وانما عن التاريخ والثقافة والارض والناس برؤية فيها شفافية رجل مثل الدكتور عبد المنعم التي اضمن للقارئ ان يجد فيها من الكنوز ما يرتفع به الي ثراء المعرفة وصدق الرؤية ..
حتما سأقرأ عند اخي عبد المنعم ما يصقل ما تختزنه ذاكرتي عن عمق تجربتي ولهثي المطول بين اطراف ذلك الاقليم ورباه ووهاده وغوصي المتواصل في اضابير وملفات خلتها في شبابي مراجع ادارية لاغني عنها لتقييم ما يحدث في دارفور من تقلبات الاحداث وثبات العقيدة والشخصيه ..
سلامي لاهل دارفور وارض دارفور وعبد المنعم خليفة يربطهم بما عنده من كنوزهم .. وهنيئا للمكتبة بالقادم الجديد الاصيل الجميل .. ولابد ان اعود اليك اخي المرتضي بعد قراءة الكتاب بالشكر للتنبيه عنه .. اما الان فلا شكر لك عندي علي الشوق والانتظار وحدهما .. ولكنك ربما تستحق شكرا علي الفرح الذي بشرت به .
عمر علي حسن |
شكرا سعادة اللواء،
لن تنتظر طويلا، لكي تعود إلى هنا أعدك أن تأتيك نسختك إن تيسر الرسول إليك،
مودتي يا أبا أمير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: محمد المرتضى حامد)
|
Quote: آراه عملاً رائعاً.. أن تكتب كتاب والأروع أن تقرأ
ولو كل الذين يتحدثون ويكتبون عن دارفور يقرأون... لـ نصلح الحال.
المكتبات العلمية شحيحة جداً عن البحوث حول دارفور ، ومعظم الذين كتبوا ووثقوا وإجتهدوا هم ليسوا سودانيين.
أتمني أن يسد هذا الكتاب فراغاً في المكتبات ، وقبل ذلك في العقول.
خالص تقديري للأستاذ منعم خليفة. |
الأستاذ العزيز محمد آدم الحسن،
أجدني أتفق مع كل حرف ورد في مداخلتك، وأتمنى أن يعمل كثير من المهمومين بقضية دارفور على الإلمام بكافة جوانب التاريخ القريب والبعيد لهذا الإقليم الدولة ليس فقط لإيجاد الحلول المثلى للكارثة المحزنة القائمة الآن ولكن لكي لايتكرر ذلك لا في دارفور ولا في أي شبر من بلادنا الحبيبة.
لك الإحترام والتقدير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: خلف الله عبود)
|
-
أستاذنا الفنان خلف الله عبود، التحايا من مسقط وشواطئها وأهلها والجالية السودانيه التي تعرف، جهدكم مقدر في إخراج الكتاب وهذا دأبكم وعهدنا بكم، تعملون في صمت دون ضجيج ، ما عايز اقول أنكم (من أهل الكتاب) وبصماتكم واضحة فيه لكن أهنئكم أيضا بصدوره ولاشك أن نسختكم ستكون بيد المهندس فور وصوله.
لكم الود والإحترام يا أبا عبود.الأستاذ عبدالمنعم خليفه خوجلي -
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: محمد المرتضى حامد)
|
الأخ محمد المرتضى تحياتى مشكور على الإعلان لصدور هذا الكتاب القيم وللعرض الملخص له ومبروك للأستاذ عبدالمنعم خليفة لإصداره لهذة اللمحة المضيئة عن تاريخ دارفور وأثمن على المجهود وإيجاد الوقت للبحث والكتابة فى زحمة الحياة والغربة هو جهاد كبير لا يقدر عليه إلا شخص مهموم بقضايا وطنه، وإقليم دارفور الجرح النازف فى اشد الحوجة لقراءة تاريخه وتبيان تركيبته الإجتماعية وثقافته وتطلعاته لوقف النزف ولغد أفضل للأقليم وأهله وللسودان عموماً
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: الزاكى عبد الحميد)
|
[B]
خير الجليس هو من يفيدك بحديثه إن طلبتُه. هكذا جاء الأثر عن الكتاب..ولكني أضيف على القول المأثور ما خبرتُه عن تجربة واقتناع "خير جليس في الزمان كتابٌ أو كاتبُهُ" والإضافة مردُّها إلى ما حظيتُ به من جلسات رائقات مفيدات مع الأستاذ الصديق عبد المنعم..جلسات شرُفتُ بها وسعدتُ أيّما سعادة بالفائدة التي جنيتُها ولا أزال... الكتاب لا يزعجك بما لا يفيد كذلك هذا الإنسان المرهف الأحاسيس، وإن كنتُ آثرُ جلسته على خير الجليس التقليدي: إن جالستَه فثق بأنك الفائز بحسنَيين: المعلومة التي ما كان لك أن تجدها لولا مجالستك إياه و ثانياً: أدب التحدّث كيف يكون في أسمى معانيه.. صدور الكتاب كما ذكر قبلي من سبقوني بالتعليق –في هذا الفترة الزمنية يضيف فائدة على فوائد الإطلاع عليه واقتنائه مرجعاً يعود بالنفع أنّى أُسْتَشار.. يعكف الأستاذ عبد المنعم حالياً على تنقيح كتابين لأحد أصدقائه الخلص (هو الدكتور عبد القادر الرفاعي) يضمان معلومات لم تر النور بعد عن بعض مبدعي بلادي ممن تحنى لهم الهامات تجلة واحتراماً..
هذا البوست لو قيض له أن ينشر في هذا الموقع الاسفيري الضخم دون أن يحمل اسم صاحبه لما تردد أحدٌ من قرائه في نسبته لشخص جميل اسمه محمد المرتضى حامد تفرح بوجوده بيننا مسقط..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: الزاكى عبد الحميد)
|
Quote: مبروك للأستاذ عبدالمنعم خليفة لإصداره لهذة اللمحة المضيئة عن تاريخ دارفور وأثمن على المجهود وإيجاد الوقت للبحث والكتابة فى زحمة الحياة والغربة هو جهاد كبير لا يقدر عليه إلا شخص مهموم بقضايا وطنه، وإقليم دارفور الجرح النازف فى اشد الحوجة لقراءة تاريخه وتبيان تركيبته الإجتماعية وثقافته وتطلعاته لوقف النزف ولغد أفضل للأقليم وأهله وللسودان عموماً |
الأخ نادر الفضلي،
صدقت ، البحث والكتابة والتدقيق والتوثيق عمل مضن في زمن (الشلهتة) والوقت (الممحوق) اليُحاصر بين القذيفة والقذيفة كما قال محمود درويش، الأستاذ عبدالمنعم من أولئك الذين إذا انتووا فعلا أخلصوا له، لذا حين غاب عن المنبر ومحافل أخرى عرفت أن في الطريق إنجاز وكان ال (لمحة).. كما قال الذين مروا من هنا إن الكتاب جاء في وقته وأتمنى أن يطلع عليه كل من تهمه دارفور تاريخا واجتماعا وثقافة.
لك الود يا سيدي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: محمد المرتضى حامد)
|
Quote: والإضافة مردُّها إلى ما حظيتُ به من جلسات رائقات مفيدات مع الأستاذ الصديق عبد المنعم..جلسات شرُفتُ بها وسعدتُ أيّما سعادة بالفائدة التي جنيتُها ولا أزال... الكتاب لا يزعجك بما لا يفيد كذلك هذا الإنسان المرهف الأحاسيس، وإن كنتُ آثرُ جلسته على خير الجليس التقليدي: إن جالستَه فثق بأنك الفائز بحسنَيين: المعلومة التي ما كان لك أن تجدها لولا مجالستك إياه و ثانياً: أدب التحدّث كيف يكون في أسمى معانيه.. |
أستاذنا الأديب الزاكي عبدالحميد، يا الباهي أسعدتني زيارتك والله الليله، إنها (الشلاقه) التي تدفعني لتقديم إنجاز ما ككتاب عبدالمنعم وأنت بيننا كمالك في المدينة ، (الشلاقه) المغربله تودي بأمثالي إلى التهلكة ، ولا أغالي إن قلت للقراء أن الزاكي ،الأمين العام للفعل الثقافي في مجتمع الجالية السودانية بمسقط وحامل مفاتحه لزمن طويل، يشعرني بخواء قاموسي في مواجهة مناجمه (المكبرته) وكثيرا ما نتلقى عنه التعابير الفصاح والكلمات الصحاح، والله يا مولاي أنت أولى بهذه المساحه مني ف (العين ما بتعلا على الحاجب).. لكن تقول شنو!!
محبتي يا الباهي..
_
أشكر كل من مر من هنا وأضاف وأتمنى على الكثير من الأقلام هنا أن تحذو حذو الأستاذ عبدالمنعم لتجمع مشاركاتها الجاده في المنبر وتضعها في قالبها العلمي لتوثيقها تعميما للفائدة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: محمد المرتضى حامد)
|
الإخوة والأبناء الأعزاء:
Quote: محمد المرتضى نور الدين منان أحمد الأمين أحمد جعفر إسماعيل الطيب شيقوق الهادي هباني أحمد القرشي محمد سليمان الرشيد شلال فارس محمد آدم صيام بلة موسى محمد الشيخ محمد عبد الماجد الصايم عمر علي حسن محمد مكي محمد آدم الحسن خلف الله عبود نادر الفضلي الزاكي عبد الحميد |
لكم مني وافر الشكر وعظيم التقدير لتهنئتكم لي بمناسبة صدور كتابي (لمحة من تاريخ دارفور)، وما حبوتموني به من مشاعر صادقة وتشجيع عظيم ، عبرتم عنه بكلماتكم الوضاءة التي أعتز بها.
وأرجو أن تسمحوا لي بتوجيه شكر خاص للصديق محمد المرتضى حامد على مبادرته بتبني هذا البوست، ورعايته الكريمة له، وعلى ما خصني به من كلمات طيبة، وإيراده مقتطفات منتقاة بعناية من الكتاب، وعلى إدارته للحوار وتبادل التعليقات الذكية مع المتداخلين بأسلوبه المشرق والجذاب.
*****
كما سبق أن ذكرت في المقدمة : " فأن اهتمامي بنشر هذا الكتاب عن تاريخ دارفور نابع من رغبتي في توسيع نطاق المعرفة بالتاريخ العريق والبطولي لهذه المنطقة الغالية من وطننا ؛ حيث أن من أسباب مشكلات دارفور - في تقديري - الجهل بذلك التاريخ.
إن في بعث تاريخ دارفور السياسي والاجتماعي إثراء لتاريخ الوطن العريض السودان؛ كما أن المساهمة في إحداث تنمية حقيقية في الإقليم، والاهتمام بثقافاته المحلية، ومشاركة أهله بفعالية في إدارة شؤونه، مساهمة في تعزيز لحمة الوطن وتماسك وحدته.
هدفي من تسليط الضوء على العراقة والبطولة والثراء الثقافي الذي تزخر به دارفور، هو أن يسهم ذلك في توفير فهم أفضل لمشكلات الإقليم، عله يلهم الجميع مخرجاً من هذه المأساة الإنسانية التي تعيشها دارفور - والوطن كله - حالياً، والمتمثلة في الأعداد المهولة من الضحايا الذين فقدوا حياتهم نتيجة للصراع والعنف الدائر في الإقليم، والأعداد الغفيرة من الذين يعيشون في معسكرات النزوح، إلى جانب تهتك النسيج الاجتماعي، وأوجه المأساة العديدة الأخرى.
ونحن نعايش الآن الزلزال الوطني الكبير المتمثل في انفصال الجنوب – هذا الجزء العزيز من بلادنا – علينا أن نحسن الاستفادة من دروس تلك التجربة المريرة، بأن نكون أكثر تفهماً وإقراراً بالتعدد الإثني والثقافي الذي يتميز به السودان، والذي تقدم له دارفور – مع مناطق عديدة أخرى – النموذج الناصع.
لذلك فإن الأولوية الوطنية الملحة هي: أن نضطلع بمراجعة شاملة وشجاعة لمسارنا وتجاربنا السابقة، والانطلاق منها نحو إصلاح سياسي واقتصادي جذري، وذلك حتى نحول التنوع إلى مصدر ثراء وقوة وتماسك للسودان شماله وجنوبه."
محبتي عبد المنعم خليفة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: لمحة من تاريخ دارفور .. مبروك لعبدالمنعم خليفة وسودانيزأونلاين.. (Re: Abdul Monim Khaleefa)
|
Quote: ونحن نعايش الآن الزلزال الوطني الكبير المتمثل في انفصال الجنوب – هذا الجزء العزيز من بلادنا – علينا أن نحسن الاستفادة من دروس تلك التجربة المريرة، بأن نكون أكثر تفهماً وإقراراً بالتعدد الإثني والثقافي الذي يتميز به السودان، والذي تقدم له دارفور – مع مناطق عديدة أخرى – النموذج الناصع. . |
التهنئة لأستاذنا وقامتنا السامقة عبدالمنعم خليفة وأسرته الكريمة على صدور هذا السفر العظيم. معذرة على التهنئة المتأخرة إسفيريا، على الأقل.فقد كنت على معرفة مبكرة بمشروع (الكتاب) وكذلك تاريخ صرخة ميلاده الأولى( صدوره) ولكنه الزمن القاهر والظروف الغًلابة.! من محاسن الصدف أن الكتاب جاء في لحظات أحوج ما يكون فيها الناس للوعي بقيم التاريخ الذي يشكل لكثير من الامم مصدر فخر وإعتزاز، كما يشكل عصبا للتماسك. بدأ لي الكتاب كما لو كان ترياقا لـ " حديث القضارف" الشهير الغليظ والخالي من فضيلة التسامح في ذات الوقت توثيقا وتوسيعا لمساحة الوعي بالتاريخ الذي غُيب طويلا، تارة بالتجهيل المتعمد وتارة بالتجاهل!. فالأستاذ عبدالمنعم ظل دوما مهموما بالتوثيق لتاريخ السودان وشخوصه المؤثرة . تحدث عن بطولة الكنداكة بصورة ساحرة وآخاذة، جعلت من تلك البطلة الأسطورية صورة حية تمشي بيننا حيث كتب عنها يقول: " اعتلى الحكم في مملكة مروي الكثير من النساء ؛ وكانت الملكة تعرف بالكنداكة . ومن أشهر الكنداكات الملكة أماناريناس ، والتي عاشت قبل ميلاد السيد المسيح بسنوات قليلة ( حوالي 30 ق.م.) ؛ وقد جاء ذكرها في الكتاب المقدس ( الإنجيل). قادت هذه الملكة جيشها المهيب ، حتى وصلت مدينة "قصر إبريم" الاستراتيجية جنوب أسوان ؛ حيث تمت المواجهة مع الجنرال الروماني بترونيوس ، الذي نقل لها أن الإمبراطور أغسطوس مستعد للتفاوض من أجل الوصول إلى تسوية . وافقت الكنداكة ، وأرسلت سفراءها إلى جزيرة ساموس اليونانية لمقابلة ممثل الإمبراطور الروماني . وقد لخص المؤرخ الروماني سترابو نتائج ذلك اللقاء على النحو التالي : " حصل السفراء المرويون على كل ما طلبوه ؛ بل أن الإمبراطور أغسطوس قام برد الضرائب التي سبق أن تمت جبايتها من الإقليم " .). هذا يؤكد إعتزاز أستاذنا عبدالمنعم بتاريخ السودان بمختلف مناطقه.. فهو تاريخ حافل ببطولات، اراد من سرده والإحتفاء به، التذكير، لأن الذكرى، وإن إتجهت بوصلتها إلى الماضي، فإنها يمكن أن تصبح مصدر إلهام في رسم المستقبل! " كان يقول لي بنبرة لا تخلو من الحزن : " كان من الممكن أن يكون السودان بوتقة إنصهار( Melting pot) لإثنياته المتعددة، ولكن أهل السياسة أبوا إلا أن يجعلوا منه مرجلا ( Cauldron)". شكرا محمد المرتضى على هذه الإضاءة المتوهجة.
محبتي المستدامة.
| |
|
|
|
|
|
|
|