هل السودانيّون كُسالى؟! هاشم الإمام يصف بعض النّاس ، وعلى رأسهم سكان منطقة الخليج العربي ، السودانيين بالكسل ، ولهم في ذلك طُرف، ونوادر، وحكايات يتسلون بها ، ويغيظون بها السودانيين ، وقد كنت أحسب من قبل أنّ الأمر مزاح، وإنْ كنت أعلم أنّ المزاح يستخدم أحياناً في باب الذمّ لتلطيفه ، إلا أنني وقعت على تقرير كتبه الحاكم العام عام 1903أورده الأستاذ محمد إبراهيم نقد في كتابه (علاقات الرق في المجتمع السوداني ) ، يؤكد فيه هذه الصفة الذميمة عند السودانيين، ويدلل عليها بجملة من الوقائع ، مما رابني وجعلني أحمل الأمر على غير ما كنت أحمله من قبل . جاء في التقرير وتحت عنوان ( العمال) " من المسائل الشديدة الاتصال بأهل السودان ما إذا كانوأ يقدرون على العمل ويرغبون فيه ، فالموظفون في السودان ( الأجانب ) يكادون يجمعون على أنّ أهل السودان ليسوا من أهل العمل والكد ، فهم والمصريون على طرفي نقيض من هذا القبيل ، إذ المصريون أهل جدّ وكدّ ....." وفي التقرير نفسه جاء : "....فقد كتب المستر نفيل يقول : استخدمنا مرّة 100مصري و700 وطني ( سوداني ) في حفر ترعة الفاضلاب هذه السنة ، فكان عمل السودانيين في اليوم يساوي نصف عمل المصريين ، لكنه أرخص منه ؛ لأنهم كانوا يحفرون المتر المكعب بغرش لمّا تعلّموا كيفيّة حفره ، وبلغ متوسط ما يكسبه العامل منهم 3/41 غرش صاغ ....." هل لهذه التهمة نصيب من الصحة ؟ وإذا صحّت ، فما شواهدها من سلوك المجتمع السوداني ؟ وما أسباب هذا الكسل ؟ أهو جبلّة أم أمر طاريء يزول بزوال أسبابه ؟ لم يخلُ التقرير من تعليل لهذه الظاهرة ، فقد جاء فيه : " ولكن لا غرابة في كراهة السودانيين للعمل والكد إذ حاجتهم قليلة بسيطة ، فإنهم لا يكادون يحتاجون إلى ثياب للملبس ، ولا بناء البيوت للسكن ، ولا إلى وقود يذكر لطبخ الطعام ، ولا تعلموا وتثقفوا حتى يطمعوا بتحسين حالتهم في معيشتهم ..." وربما أضيف إلى ذلك نوع المناخ ، فشدّة الحرّ تصيب الجسد بالخمول ، وتفشّي الأوبئة وقلّة الطبابة ، كما أنّ صفات البداوة ، وكراهة التقييد ، وقلّة الصبر التي تميّز الشعب السوداني ، تجعلهم ينفرون من الصنائع وغيرها من الأعمال المقيّدة للحريّات . ومن مظاهر الكسل في سلوك أفراد المجتمع السوداني ، كما يُلاحظ ،كثرة المناسبات ، وتطويل أيامها فهم يجتمعون لأدنى ملابسة ، فالعرس عندهم ، ولاسيّما في الريف ، يستمرّ أياماً وليالي وكذلك المأتم ، وهي عندهم أيّام أكل وشرب و(ونسة ) وهروب من العمل وقيوده ، والمجاملات دائماً على حساب العمل ، وفي أوقاته ، ولعل وراء ظاهرة انتشار الهواتف الجوّالة بين الناس فقيرهم وغنيّهم ، والأرباح الطائلة التي تجنيها شركات الاتّصال الكسل وحبّ ( الونسة ) ، فقلّ من يستعمل هذه الجوّالات فيما صُنعت من أجله ، فقد رأيت بعض الناس إذا أراد زيارتك لا يهاتفك إلا عند باب بيتك. ومن مظاهر هذا الكسل التسويف وعدم الدّقة في المواعيد ، وهو داء اشتُهر به السودانيون ولم يسلم منه إلا القليل ، بل إنّ المهاجرة منهم الذين انتشروا في أوروبة وأمريكا ، واحتكوا بشعوبهما ، ورأوا شدّة حرصهم على الوفاء بالميعاد ، لا يزالون يعضّون بالنواجذ على هذه الثقافة البائرة ؛ حرصاً على ما كان عليه آباؤهم ! وقد حاول أخونا الأستاذ/ طلحة جبريل ، رئيس اتّحاد الصحفيين السودانيين في أمريكا ، أن يعقد ندوات الاتّحاد في مواعيدها المعلنة، ولكنّه رغم إصراره كثيراً ما يجد نفسه الوحيد في القاعة فالطبع غلّاب ! وقد ترى زهد السودانيين في العمل حتى في سكرهم وفجورهم ،فهم يعقدون (القعدات ) لشرب الخمر ، ويعبونها عبّاً ، لا يكتفون بالكأس والكأسين كما يفعل سائر السُكارى في العالم ، ولقد سمعت أنّ النائب الأوّل لرئيس الجمهوريّة ، ورئيس حكومة الجنوب ، كاد يمنع الخمر في الجنوب ، لولا خوفه أن يتّهم بتطبيق الشريعة الإسلامية ؛ لأنّ الخمر تعيق الانتاج في الجنوب . وقلّة الانتاج العلمي والأدبي ،رغم قِدم التعليم في السودان وراؤه ، إلى جانب أسباب أُخر ، الكسل . وقد ينسب بعض الناس البطالة عند السودانيين وقلّة اهتمامهم بالعمل إلى الثقافة الصوفية التي تقلّل من شأن العمل ، وتُعلي من شأن التّوكل الذي صار عندنا تواكلاً . هل ولع السودانيين بمعارضة الحكّام يدخل في باب الكسل الذهني أم أنّه شيء من فقه الخوارج تسرّب إلى الثقافة السياسيّة السودانية ؟ فالسودانيّون أعداء من حكموا ، فما ظهر فيهم حاكم إلا ناصبوه العداء من أوّل يوم ، وما أخفق أحد في شيء إلا نسبه إلى سوء النظأم السياسي وفساد الحاكم ! فالمعارضة وإلقاء اللّوم على الآخرين ، والتنظير لما ينبغي أن يكون ، أسهل من اتّخاذ السياسات وتنفيذها ؛ لأن نتائجها تظهر بعد حين سلباً أو إيجاباً . هذا بعض ما عنّ لي من أفكار تحتاج إلى تقويم القرّاء وتبصيرهم لي حتى تستبين الحقيقة من الوهم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة