|
" المعقول و اللا معقول في تراثنا الفكري العربي "
|
اذا استثنينا كتاب الحق، جل و علا: القراّن الكريم، فان الكتاب الاّخر الذي ترك أثرا بالغا في نفسي و عقلي هو مؤلف الدكتور الفيلسوف: زكي نجيب محفوظ: " المعقول و اللا معقول في تراثنا الفكري ". يقع الكتاب في 490 صفحة من الحجم المتوسط و يحتوي علي مقدمة و ثمان فصول و فهرس تحليلي، يقع في ذيل الكتاب. اشتمل الفصل الأول علي خطة السير التي اقتفاها المؤلف في تدبيج الكتاب. و أفرد المؤلف ست فصول من كتابه، بداية بالفصل الثاني و نهاية بالفصل السابع، لمعالجة موضوع:" المعقول في تراثنا العربي الفكري "، و ذلك يرجح قناعة المؤلف ان حجم المعقول في تراثناالعربي يفوق اللا معقول منه. و ركز الفصل الثامن، و الأخير، من الكتاب علي جانب اللا معقول في الترث الفكري العربي.000000000000000000000000000000000000000000000000
يتضح من مقدمة الكتاب أنه جاء مكملا لمبحث أساسي خصص له الكاتب مؤلفه السابق: " تجديد الفكر العربي ". و قد طرح المؤلف في كتابه السابق: " تجديد الفكر العربي " سؤالا مؤداه: " كيف السبيل الي ثقافة نعيشها اليوم، بحيث تجتمع فيها ثقافتنا الموروثة مع ثقافة هذا العصر الذي نحياه، شريطة ألا يأتي هذا الاجتماع بين الثقافتين تجاوزا بين متنافرين، بل يأتي تضافرا تنسج فيه خيوط الموروث مع خيوط العصر نسج اللحمة و السدي؟ ". و كان الجواب الذي وصل اليه المؤلف اّنذاك هو : " ان نأخذ من الأقذمين و جهات النظر بعد تجريدها من مشكلاتهم الخاصة التي جعلوها موضع البحث، و ذلك لأنه يبعد جدا - لتطاول الزمن بيننا و بينهم - أن تكون مشكلات حياتنا اليوم نفسها مشكلاتهم. و اذن لم يعد يجدي أن يحصر المؤلف بحثه في مشكلات الأقدمين التي طويت موضوعاتها طيا، و لكن الذي يعود علينا بالنفع العظيم، من حيث الحفاظ علي كيان لنا عربي الخصائص، هو أن نحتكم في حلولنا لمشكلاتنا الي المعايير يفسها التي كانوا قد احتكموا اليها.000000000000000000000000 و زعم المؤلف في محاولته للاجابة علي السؤال المطروح أن النظرة العقلية برغم اختلاطها بكثير جدا من عناصر اللا عقل، كان لها شيئ من الظهور عنداّبائنا من العرب الأقدمين، بمعني أنهم كلما صادفتهم مشكلة جماعية التمسوا لحلها طريقة المنطق العقلي في الوصول الي النتائج. و كادت النزعة اللا عقلية العاطفية عندهم أن تقتصر علي الحياة الخاصة للأفراد. فلقد كانت للاقدمين في طرائق العيش الجماعي " حكمة " - و الحكمة انما هي نظرة عقلية مكثفة.00000000000000000000000000000000000000000000000000000 اراد المؤلف بهذا الكتاب : " المعقول و اللا معقول...." أن يقف مع الأسلاف في نظرتهم العقلية و في شطحاتهم اللا عقلية - كليهما - فيقف معهم عند لقطات يلقطها من حياتهم الثقافية ليري : من أي نوع كانت مشكلاتهم ، الفكرية، و كيف التمسوا لها الحلول. و هو اذ يفعل ذلك، لم يحاول أن يعاصرهم أو يتقمص أرواحهم ليري بعيونهم و يحس بقلوبهم، بل اّثر لنفسه أن يحتفظ بعصره و ثقافته بينما هو يستمع اليهم - كأنه الزائر الذي يجلس صامتا لينصت الي ما يدور حوله من نقاش، ثم يدلي فيه بعد ذلك - لنفسه و لمعاصريه - برأيه يقبل به هذا و يرفض ذاك.000000000000000000000000000 قسم المؤلف كتابه قسمين جعل أحدهما علي طريق العقل، و جعل الاّخر لبعض ما يراه عندهم مجافيا للعقل. و تعمد المؤلف أن يجيئ القسم الأول أكبر القسمين لتكون النسبة بين الحجمين دالة بذاتها علي النسبة التي راّها واقعة في حياتهم العقلية بين ما وزنوه بميزان العقل و ما تركوه لشطحة الوجدان.0 و قد اهتدي المؤلف في رحلته علي طريق العقل بدرجات من الادراك في صعودها من البسيط الي المركب. و نظر المؤلف حوله فلم يجد ما هو أبلغ في تبيين تلك المراحل الادراكية في خط سيره من تلك المراحل التي أشار اليها الامام أبو حامد الغزالي عند تأويله الّية النور : " الله نور السموات و الأرض. مثل ، نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة، زيتونة، لا شرقية و لا غربية، يكاد زيتها يضيئ و لو لم تمسه نار. نور علي نور. يهدي الله لنوره من يشاء ". و النور هو قوة الادراك، و هو يتصاعد في مراحله الادراكية. و المراحل التي أشار اليها الغزالي هي : المشكاة، المصباح، الزجاجة, و الزيتونة. و قد تداعت تلك المراحل الادراكية عند المؤلف الي درجات من الوعي تتصاعد و تزداد كشفا و نفاذا. و استخدم المؤلف بدوره هذه المراحل ليري من خلالها خمسة قرون من تاريخ الفكر في المشرق الغربي - من القرن السابع الميلادي الي بداية القرن الثاني عشر - أذ خيل للمؤلف أن القرن السابع قد رأي الأمور رؤية المشكاة، و الثامن راّها رؤية المصباح، و التاسع و العاشر رأياها رؤية الزجاجة التي كانت كأنها الكوكب الذري، ثم راّها القرن الحادي عشر رؤية الشجرة المباركة التي تضيئ بذاتها. " و ذلك لأن المؤلف رأي أهل القرن السابع و كأنهم يعالجون شئونهم بفطرة البديهة، و أهل القرن الثامن قد أخذوا يضعون القواعد، و أهل القرنين التاسع و الهاشر صعدوا من القواعد المتفرقة الي المبادئ الشاملة، ثم جاء القرن الحادي عشر بنظرة المتصوف التي تنطوي الي دخيلة الذات من باطن لتري الحق رؤية مباشرة ".0 كذلك تصور المؤلف لكل مرحلة من تلك المراحل سؤالا محوريا كان للناس مدار التفكير و الأخذ و الرد. ففي المرحلة الأولي كانت الصدارة للمشكلة السياسيةو الاجتماعية : من ذا يكون أحق بالحكم؟ و كيف يجزي الفاعلون بحيث يصان العدل كما أراده الله؟ و في المرحلة الثانية كان السؤال الرئيسي : أ يكون الأساس في ميادين اللغة و الأدب مقاييس يفرضها المنطق علي الأقدمين و المحدثين علي سواء، أم يكون الأساس هو السابقات التي وردت علي ألسنة الأقدمين فنعدها نموذجا يقاس عليه الصواب و الخطأ؟ و في المرحلة الثالثة كان السؤال هو : هل تكون الثقافة عربية خالصة أو نغذيها بروافد من كل أقطار الأرض لتصبح ثقافة عالمية للانسان من حبث هو انسان؟ و جاء القرن العاشر فأخذ يضم حصاد الفكر في نظرات شاملة، شأن الانسان اذا اكتمل له النضج و اتسع الأفق، و ها هنا مرحلة خاتمة يقول أصحابها للعقل : كفاك ! فسبيلنا منذ اليوم هو القلوب المتصوفة.000000000000000000000000000000 وأما القسم الثاني من الكتاب ففيه نظرة موجزة علي جانب اللا معقول من التراث العربي الفكري. و حاول المؤلف أن يحلل المعني المقصود بمصطلح : " اللا معقول " حتي لا ينصرف في الأذهان الي شتم و اظدراء. و اكتفي المؤلف من جانب اللا معقول بصورتين : التصوف أحدهما ، و السحر و التنجيم ثانيهما.0000000
تراءاّي للمؤلف أن المراحل التي استهدي بها في تتبع مسار العقل في التراث العربي : بداية بخواطر البداهة، ثم محاجات المنطق، و نهاية بالحدس الصوفي هي نفسها الأسس التربوية التي وصل اليها الفيلسوف البريطاني المعاصر Alfred Whitehead في كتابه : " أهداف التربية " و التي حاول فيها الوصول الي أسس مقنعة يقوم عليها تقسيم التعليم الي مراحل يتلو و يكمل بعضهت بعضا في مراحل العمر المختلفة.00000000000000000000000000000000000000000000000000
( سأواصل الكتابة في مرة قادمة، بمشيئة الله.00000000000000000000000000
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: " المعقول و اللا معقول في تراثنا الفكري العربي " (Re: wedzayneb)
|
المحطة الأولي في خطة السير التي ابتدعها الفيلسوف العربي زكي نجيب محفوظ لكتابه: " المعقول و اللا معقول......"، مستهديا في ذلك بتأويل الامام الغزالي لاّية النور، كانت المعركة التي نشبت حول الخلافة بين علي ابن أبي طالب و معاوية أبن أبي سفيان، بما تمثله من مرحلة ادراكية في رحلة العقل العربي علي دروب التاريخ البشري، و بما ترتب عليها من نتائخ.00000000 يري الامام الغزالي أن الصروة الادراكية الأولي في تاريخ الأمم تجسمها المحسوسات التي تدركها حواس الانسانمن بصرو سمع و لمس و غيرها، و التي ركزت اليها اّية النور بالمشكاة. و في هده المرحلة الادراكية تكون الغلبة للادراك الفكري البديهي الذي يصدر أحكامه بغير لجوء الي تحليل و برهان. فأول مراحل الطريق تتسم بضرب من عفوية النظر، تري الفكر فيها و كأنه الومضات التي تلمع ، لا تدري كيف جاءت، لكنها- علي كل حال تضئ و تهدي. و يري الدكتور زكي نجيب محفوظ أن خير معبر لروح المرحلة الادراكية الأولي التي استهدي بها في خطة السير لكتابه الذي بين يدينا هو : الامام علي ابن أبي طالب و ليس غريمه في أمر الخلافة: معاوية ابن أبي سفيان، و التي بلغت أشدها باندلاع معركة صفينبين الفريقين المتخاصمين. فالامام علي، كرم الله وجهه، استحق صفة الشاهد المعبر عن الروح التي تميز القرن السابع ( الأول الهجري ) لما اجتمع فيه من أدب و حكمة و فروسية و سياسة في تأليف عجيب. " فماذا نقول في موقف امتزخ فيه أدب و فلسفة و فروسية و سياسة، مزاجا لا نستطيع معه أن نستل عنصرا منها لنقيمه وحده بعيدا عن سائر العناصر، فرجل السياسة هنا يرسل الرأي في عبارة مصقولة بحس الأديب، و الأديب هنا يصوغ العبارة بحكمة الفيلسوف، و الفيلسوف هنا ينتزع الحكمة ببديهته الصافية و السيف في يده و عنان جواده في قبضته. " و لعل الامام علي ههنا يحسم بصدق حياة السلف في تلك الفترة من زمانهم و ما كانت عليه ثقافتهم ووجهة أنظارهم في المسائل الحياتية و الفكرية التي تواجههم. و يري المؤلف : " أننا اذا رأينا أنفسنا - و هي ممتلئة ماتزال بزادها الفكري من عصرنا - اذا رأينا فيها ميلا الي جانب من المشهد دون جانب، ( من الالمأثورات الفكرية و السياسة المسنودة للامام علي أبن أبي طالب )، كان ما تميل اليه أنفسنا أقرب الي عصرنا، و بالتالي فهو أيسر مأخذا و أدل بأن يبعث حيا في زماننا. و لعل ما يسر مهمة الكاتب عقب اختياره للامام علي شاهدا علي عصره أن أقواله و خطبه جكعها الامام الشريف الرضي ( 970- 1016 ) في كتاب اطلق عليه اسم : " نهج البلاغة ". و يلاحظ المؤلف أن موضوعات " نهج البلاغة " تدور حول : الله، العالم، و الانسان، و هي نفسها الموضوعات التي يناقشها علم الفلسفة. فالرجل - و ان لم يتعمدها - فيلسوف بمادته، و ان خالف الفلاسفة في أن هؤلاء قد غلب عليهم أن يقيموا لفكرتهم نسقا يحتويها علي صورة مبدأ و نتائجه، و أما هو فقد نثر القول نثرا في دواعيه و ظروفه.000000000000000000000000000000000000000000000000000 و يستطرد المؤلف بأنه عرف و قرأ " نهج البلاغة " في صدر الصبا، و هاهوذا يعيد قراءته هذه الأيام، فاذا النغمات قد ازدادت في الأذنين حلاوة، و اذا العبارات كأنها أضافت طلاوة الي طلاوة، و أما محصول المعني فلا يدري كيف انكمش أحيانا وراء زخرفه الكثيف. و يستشهد المؤلف بخطبة الامام علي التي ألقاها يوم بويع في المدينة : " ذمتي بما أقول رهينة، و أنا به زعيم، ان من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات ( بفتح الميم و ضم الثاء ) حجزته التقوي عن تقحم الشبهات، ألا و ان بليتكم فد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه صلي الله عليه وسلم ، و الذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة، و لتغربلن غربلة، و لتساطن سوط القدر، حتي يعود أسفلكم أعلاكم، و أعلاكم أسفلكم، و ليسبقن سابقون كانوا قصروا ( بتشديد الصاد )، و ليقصرن سباقون كانوا سبقوا...ألا و ان الخطايا خيل شكس ، حمل عليها أهلها، و خلعت لجمها، فتقحمت بهم النار، ألا و ان التقوي مطايا ذلل، حمل عليها أهلها, و اعطوا أزمتها، فأوردتهم الجنة.0 حق و باطل. 0 فلئن أمر ( بفتح الألف، كسر الميم، و فيح الراء) الباطل، لقديما فعل، و لئن قل الحق فلربما ،و لعل، و لقلما أدبر شئ فأقبل ". و يري المؤلف ان اللفظ في الخطبة أعلاه بالنسبة الينا نحن أبناء هذا العصر، قد نحت من حجر الصوان، و صف بعضه الي بعض صفا عجيبا. و يخيل الينا أن اللفظ هنا قصد لذاته، فترانا قد شغلنا باللفظ، نعجب لقوته و براعة تركيبه لكننا لا نكاد ننفذذ منه الي شئ وراءه. و يقول المؤلف أيضا: " ان صلابة اللفظ تهيؤني لاستجماع قوتي كلها قبل أن أهم بحمل المعني الذي قدرت له أن يتناسب مع لفظه قوة، فاذا قوتي التي استجمعتها لم يستنفد منها الا أقلها، و ذهب معظمها هباء ".0 لا يري المؤلف في ما قاله نقدا لبلاغة " نهج البلاغة " ، فبلاغته مقطوع بها، لكنه أراد الاشارة الي الاختلاف البعيد بين ثقافتنا اليوم و ثقافتهم بالأمس. فالعرب الأقدمون يضعون اعتبارا كبيرا للصياغة اللفظية، أما اليوم، فقد حلت محل الصياغة اللفظية المحكمة صياغة رياضية محكمة لقانون علمي استخدم في تسيير مركبة أو تحلية ماء من البحر الأجاج. و يستنتج المؤلف أن فكر المفكر في الزمن الماضي يعتمد علي بداهة الفطرة - و ذلك كان معيار النبوغ عندهم. و لما كانت عبقرية العرب الأصلية في لسانها، كان نبوغ النابغ مشروطا بقدرته علي الصياغة اللفظية. و يخلص المؤلف أن هذا الجانب من تراثنا لم يعد مطلوبا لحياتنا المعاصرة، دون أن يحد ذلك من الفيمة الفنية الأثرية لتراثنا الفكري القديم.00000000000000000000000000 ثم ينتقل المؤلف الي الخيط الثاني في مرحلة الادراك الأولي و هي الصراع حول الخلافة بين علي أبن أبي طالب و معاوية أبن أبي سفيان و الذي اجتمعت فيه فصاحة العرب الي شجاعتهم، كما ظهرت فيه أساليب الدهاة من ساستهم، و ثبتت فيه بذر أولي الأفكار سياسية و مذهبية ، كان لها بعد ذلك أقوي الأثر في توجيه التيارات الفكرية. و كل خيط في هذه الرقعة تراث، فاذا أحسسنا نحن المشاهدين استحسانا هنا و نفورا هناك، كان ذلك دليلا فويا علي أن بعض التراث صالح لنا دون بعض، حتي نستدرك ما يصلح من تراثنا الفكري لنحييه في عصرنا الراهن و ما لا يصلح لحياتنا الحاضرة فنوكل أمره الي وجال التاريخ.0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000
سأواصل الكتابة قريبا، باذن الله.000000000000000000000000000000000000
| |
|
|
|
|
|
|
Re: " المعقول و اللا معقول في تراثنا الفكري العربي " (Re: wedzayneb)
|
و لعل معظم القراء في هذا المنتدي ملمين بطرف بقصة الصراع حول الخلافة بين علي ابن أبي طالب و معاوية ابن أبي سفيان. و ما أحسبني بساردها باسرها ههنا، لكني أدعو قرائي الكرام باقتناء كتاب : " المعقول و اللا معقول ..." للاطلاع علي التفاصيل الكاملة لتلك القصة ليقفوا شهداء علي تلك الحقبة الحرجة من تاريخنا الاسلامي. الا أني سأشحذ قريحة حب الاطلاع فيكم بنقل الاسططر القليلة الأولي من قصة ذلك الصراع حسبما وردت في كتاب : " المعقول و اللا معقول في تراثنا الفكري ".0000000000000000000000000000 بعد ان بويع علي في المدينة " بالخلافة " ، بعد مقتل عثمان، رفض اتباع عثمان تأييد البيعة، ( حتي يتم القصاص من قتلة عثمان ) و ما هو الا أن أخذ رجل منهم أصابع نائلة ( امرأة عثمان ) التي قطعت و قميص عثمان الذي قتل فيه، و قصد الشام، حيث كانت ولاية البلاد لمعاوية. فكان معاوية يعلق قميص عثمان و فيه الأصابع، فاذا رأي ذلك اهل الشام ، ازدادوا غيظا ، و أرادوا الثأر لغعثمان، و كان كلما رفع معاوية القميص و الأصابع، و فتر الناس عن طلب الثأر، حرضه عمرو أبن العاص أن يعيد القميص و الأصابع الي الأنظار، قائلا له : " حرك لها حوارها تحن. " الضمير في كلمة حوارها يرجع للناقة) فيعلقها. و هكذا بقي أهل الشام بولاية معاوية، علي قلق استبد بهم - يرفضون أن يبايع للمؤمنين أمير بعد عثمان، الا اذا أخذ القصاص من قتلته. و قد حدث ان بويع علي في المدينة، فبعث بمن يتولي امارة الشام. لكن هذا المبعوث لم يكد يدخل ارض الشام حتي اعترضته جماعة من الفرسان من أتباع معاوية, و دار بينهما الحوار التالي :.....راجع الكتاب.000000000000000000000000000000000000000000 من خدعة التحكيم انبثقت دولة ن هي الدولة الأموية. و منها كذلك تفجرت فلسفة للسياسة ، بدت بوادرها في جماعة الخوارج و من عارضوهم.0000000000 و يحلل مؤلف الكتاب مواقف الخوارج أثناء و بعد فتنة التحكيم، فاخذه في جانب منها العجب، و في الجانب الاّخر منها الاعجاب. و مصدر الاعجاب كما يراها المؤلف ما انتهي اليه الخوارج من مبادئ في سياسة الحكم، يحسب المؤلف أن المسلمين الأوائل لو أخذوا بها مخلصين لكان لهم شأن اّخر. و من تلك المبادئ أن الحكم يكزن لصاحب القدرة عليه لا الوارثين و لا للأقوياء أو الأغنياء، و أنه لا يجوز أن يكون بين العقيدة و العمل بها فجوة تفصلها. فاذا اّمن انسان بفكرة علي انها الأصلح، وججب أن يفني في سبيل تحقيقها.0000000000000 و يري المؤلف ان مصدر العجب من الخوارج تناقض مواقفهم. فقد حثوا عليا ان يقبل التحكيم، و لما انتهت حيلة التحكيم الي ما انتهت اليه، صاحوا : " لا حكم الا الله " و تنكروا لما أسفرت عنه عملية التحكيم. و دارت بين علي أبن أبي طالب و مستشاره عبدالله أبن مسعود من جانب، و الخوارج من الجانب الاّخر حوارات ،أوردها الكتاب ، أسفرت عن تذمت الخوارجو عصبيتهم المجافية لمنطق العقل. بسط المؤلف ما دار في معركة صفين بين علي و معاوية و ما تلاها من مضاغفات لنقف نحن من الصراع مشاهدينو معنا نظرة القرن العشرين. و لنعرف الي أي حد يدخل منطق العقل في أفعال ذلك السلف و ردود أفعالهم أم هل كانت الغلبة في سلوككهم لدفقة الوجدان. و خلص المؤلف أن في بعض ما عرضه من تفاصيل القتال و محاورات و مداورات الطرفين المتنازعين كثير من الغرابة بشكل لا نألفه او نستسيغه في حياتنا الحاضرة, و أحسسنا في الوقت نفسه بحقيقة الانسان التي مازلنا نألفها في معاصرينا، بكل ما فيها من تفكير و تدبير و حيلة و دهاء، لا فرق في ذلك أن يكون هذا الانسان ممن عاشوا قبل المسيح أو بعده، في صدر الاسلام أو عجزه، مما يسمي في قاموس السلوك البشري بكلمة : " سياسة "0000000000000000000000000000
سألخص في المرة القادمة الفصل الثالث من الكتاب - بمشيئة الله.00000000
| |
|
|
|
|
|
|
Re: " المعقول و اللا معقول في تراثنا الفكري العربي " (Re: wedzayneb)
|
و العجيب الذي يلفت أنظارنا هو أن هذه الفكرة البسيطة في ظاهرها سرعان ما تشققت و تشعبت بين الخوارج انفسهم، حتي انقسموا فيما بينهم عشرين فرقة. فهنالك الأزارقة، نسبة لنافع أبن الأزرق، أكثر فرق الخزارك عددا و أشدهك بأسا. و من أهم ما يميز مبدأهم قولهم أن من خالفوهم مشركون. و لقد عرف هؤلاء الأزارقة بقسوة القلب و غلظته. فقد كانوا لا يترددون في قتل أسراهم ممن يخالقونهم الرأي - مع أن الأسري مسلمون. و ما يميز الأزارقة أيضا قولهم عن القعدة، و هي فرقة أخري من الخوارج قعدوا عن نصرة علي و عن مقاتلته - أنهم أيضا مشركون. ز هنالك النجدات - نسبة الي نجدة أبن عامر، و الصفرية، بضم الصاد و سكون الفاء. و من اّراء الصفرية حكمهم بالكفر و الشرك لمرتكب الذنوب التي لم ترد فيها حدود، كترك الصلاة و الصوم. أما من اقترف اثما احتصه الكتاب باسم خاص، كالسارق، الزاني، و القاتل عن عمد، فهؤلاء يوصفون بأوصافهم هذه بلا زيادة. و هنالك الاباضية، نسبة لامامهم: عبد الله أبن اباض. و ما يميزهم قولهم عن مخالفيهم أنهم في منزلة وسطي بين الايمان و الشرك. و انه لمما يلاحظ عند تتبع الفرق المختلفة التي تتابعت من مذهب الخوارج، أنها تزداد ميلا نحو التسامح كلما تقدم معها الزمن. علي أن أكثر فرق الخوارج تسامحا هم المرجئةالتي دعا أصحابهاالي وجوب ارجاء الحكم عن أصحاب الذنوب الكبيرة الي يوم القيامة. ز أما الذين شايعوا الامام علي فيعرفون باسم الشيعة، و التي دعت الي امامته و خلافته، اما لأن ثمة نصوثا تحتم ذلك، و اما لأن النبي عليه السلام قد أوصي بخلافته. و اعتقد الشيعة أنه اذا مات علي فلا يجب أن تخرج الخلافو من اولاده. كذلك اعتقد الشيعة أن قضية الامامة ليست قضية مصلحةتناط باختيار العامة، بل هي قضية تمس أصل العقيدة. و من ثم فهي أحج أركان الدين. ( راجع كتاب شك " الملل و النحل " للشهرستاني. ) و للشيعة فروع كثيرة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: " المعقول و اللا معقول في تراثنا الفكري العربي " (Re: wedzayneb)
|
كما أسلفنا، فان الاّراء أخذت في التشعب حيال المشكلات العقلية الأولي التي أفرزتها معركتي الجمل و صفين، و اللتين دارتا حول الخلافة لمن تكون، ثم سرعان ما نجم عن هذا الخلاف مسألة خاصة بالمخطئ الذي ارتكب الذنب. اذ لابد أن يكون واحدا من الفريقين المتقاتلين - علي الأقل - قد أخطأ. و هنا موطئ الحرج، لأن كلا الفريقين المتحاربين فيه من صحابة الرسول - صل الله عليه و سلم. و لم يكن الصراع الفكري - الذي وصل أحيانا حد التقاتل - مقصورا علي التضاد بين الخوارج من ناحية و الشيعة من ناحية أخري، و لا مقصورا غلي نوع التضاد بين فرق الخوارج المتباينة، بل شمل كذلك فرعين اّخرين : كالمعتزلة و الخوارج في مسألة الذنوب الكبيرة، و بين المعتزلة و الصفاتية ( من أهل السنة ) في صفات الله تعالي. و أما التضاد الثاني فهو بين القدرية الذين يجعلون للانسان ارادة حرة مسئولة ( و هم أيضا من المعتزلة ) ، و بين الجبرية الذين لم يتركوا للانسان حرية في فعله. يري المعتزلة أن صفات الله جزء لا يتجزءمن ذاته، بحيث يكون الله تعالي عالما بذاته و قادرا بذاته، لا بعلم و قدرة نتصورهما منفصلتين عن ذاته. و يرون أيضا أن ليس أزليا سوي الذلت الالهية التي هي نفسها صفاتها. و يقول الصفاتية : بل ان الصفات تشارك الله في أزليتها، فهناك الذات الالهية، و هنالك علمها و قدرتها.....الخ. ( عن نفسن ، لا أري و جها للخلاف هنا. بل ان الأمر لا يعدو مجرد التلاعب بالألفاظ. فالمعتزلة - علي حد رأي مؤسس اتجاههم الفكري واصل ابن عطاء - يرون أن ما أزلي سوي الذات الالهية، التي هي نفسها صفاتها. بينما الصفاتية ( أهل السنة ) يؤثرون أن تؤخذ اّيات القراّن بظاهر معانيها . و اذن يجوز لنا القول أن لله صفات غير ذاته، و ان تكن صفاته هي أيضا أزلية. فالامام مالك ابن أنس، و مذهبه سني لا شبهة حوله، قال في تفسيره للاّية القراّنية: " يد الله فوق ايديهم " أن اليد الفيريائية معروفة، و اسم الجلالة معلوم، أما مراد الاّية فالله أعلم بها. فأهل السنة بوجه عام يحجمون عن التأويل رغم ايمانهم أن ليس لله مثيل. و يرن المؤلف أننا لو تصورنا زائرا يعود بالزمن القهقري من القرن العشرين قافلا الي القرن الثامن الميلادي، ليقف ممع الناس متفرجا متعقبا، فانه لا يستطيع مهما حاول أن يتقمص مشكلات القرن الثامن ليجعلها مشكلاته، اللهم الا واحدة، يجدها ذات صلة بحياته الراهنة، و هي الخاصة بارادة الله في فعله و مدي ما يقع عليه من تبعة ما قد فعل. انه لم تكد تطرح علي الناس ابان القرن الثامن مسألة الفعل الانساني و تبعاته، حتي أجمع فريق من المعتزلة علي أن الانسان ذو قدرة علي خلق أفعاله، خيرها و شرها، و من ثم استحق اما العقاب و اما الثواب علي ما قد فعل، و بغير هذا ل ا تقوم للعدل قائمة. و كان واصل ابن عطاء ( 700 - 749 ) أول من اتخذ هذا الموقف. فقد حدث اذ هو جالس في حلقة شيخه الحسن البصري أن طرح السؤال عن مرتكب الذنب الكبير ماذا يكون الحكم في أمره؟ أنعده مؤمنا برغم ذنبه، أم نعده كافرا؟ فظهر واصل برأي وسط جديد، هو القول بالمنزلة بين المنزلتين. فصاحب الكبيرة ليس مؤمنا كل الايمان، و لا كافرا كل الكفر، بل هو وسط بين الطرفين، اذ ليس الايمان صفة واحدة وحيدة، اما أضيفت الي الشخص أو رفعت عنه، بل الايمان مؤلف من مجموعة كبيرة من خصال الخير، اذا اجتمعت كلها لشخص كان كامل الايمان، و ان امتنعت كلها عن شخص كان كافرا كل الكفر. أما اذا توافرت له بعض تلك الخصال دون بعض، فهو عندئذ لا هو بالمؤمن علي اطلاق المعني، و لا هو بالكافر علي اطلاق المعني. و هكذا يكون الرأي فيمن ارتكب ذنبا من الكبائر ، أفليس عنده من أركان الايمان الشهادة؟ ألم يعمل في حياته أعمالا كثيرة مما يعد خيرا؟ انه اذن مؤمن بهذه الجوانب. و لا تذهب الكبيرة التي اقترفها هذا الايمان عنه. لكن لما كانت الاّخرة ليس فيها الا طريقان و لا وسط: طريق لأهل الجنة و اّخر لأهل النار، ففي أي الطرقين يا تري نضع صاحب الكبيرة؟ الرأي عند ابن عطاء هو أن صاحب الكبيرة اذا خرج من الدنيا علي كبيرته هذه من غير توبة، فهو من فريق السعير علي أن يخفف عنه عذابها فلا يكون فيها في منزلة واحدة مع الكافرين. رأي لم يعجب أستاذه الحسن البصري. فابتعد ابن عطاء عن حلقة الدرس بضع خطوات ليجلس وحده، و ليتبعه من أراد، فقال البصري: " لقد اعتزل عنا واصل، و من ثم جاءت كلمة " المعتزلة "، و فقا لبعض الروايات الشائعة. و لقد حاء هذا الحكم من واصل تأسيسا لمبدأ أخذ به، و هو قوله " بالقدر " أي بحرية الانسان فياختيار فعله. ( لاحظ أن معني كلمة: " القدر " الصحيح هو نقيض كا قد جري عليه العرف بين الناس في الماضي. و قد رتب واصل بحثه علي نحو كهذا: أن الله تعالي حكيم عادل، و لا يجوز أن يضاف اليه شر و لا ظلم . و اذن فال يجوز أن يريد من عباده شيئا غير مايأمر به، أو يحتم عليهم شيئا ثم يجازيهمعليه، و علي ذلك فالعبد هوالفاعل للخير و الشر علي السواء. فاذا جوزي فانما يجازي علي فعله. و قد أقدره الله تعالي عليه. لكن مسألة الفعل و جزائه حين طرحتلم تأت من فراغ، وانما أفرزتها قضية ما أرقت الناس عندئذ، هي ما يمكن أن يحكم علي الفريقين من أصحاب الجمل و أصحاب صفين. فماذا يقول واصل ابن عطاء فيهما، تطبيقا لمبادئه النظرية التي أسلفناها؟ يقول: "أن أحدهما مخطئ لا بعينه. و لا بد أن يكون أحد القريقين علي صواب دون الاّخر لأنه لا يجتمع علي صدق نقيضان. " و لما كان علي غير علم يقيني أي الفريقين هو المصيب ليكون الفريق الاّخر هو المخطئ، لم يستطع أن يحدد تطبيقا لحكمه. فلقد جوز واصل أن يكون علي علي خطأ، و كذلك فعل بالنسبة للعثمانية، و لم ير استحالة لا منطقية و لا فعلية في أن يقع الخطأ من أمثال هؤلاء علي رفعة مكانتهم من المسلمين.
أواصل......
| |
|
|
|
|
|
|
|