|
العسكر أم التنظيم أيهما الذي تخلي عن الآخر في الوقت الراهن ؟؟
|
رغم النية الحسنة التي يبديها أستاذنا الكبير محمد الحسن أحمد عندما يمسك بالقلم ، ليكتب لنا ما يجري خلال هذه الفترة العصيبة ، والتي يطبق علينا فيها أمير ظلام الرقابة الصحفية ، فقد جاء مقال أستاذنا الأخير متحدياً للوضع الراهن ، رافضاً لثقافة الصمت المطبق ، فمن الخطورة أن يبقي مصير السودان بيد رجل واحد ، يحمله إلي المكاره ويمضي به بلا وعي إلي دنيا الخطوب ، ربما لا يعرف الرئيس البشير تبعات الحرب ، بحكم أنه تحوّل إلي رجل مدني يسوس الناس من قلعة غردون الرئاسية ، أو أن العهد بينه وبينها قد طال ، حتى صارت الحرب بالنسبة إليه لعبة يتلهى بها في أوقات الفراغ ، بينما هي في واقع الحال بؤس وشقاء ومعاناة وحرمان يعرفه المواطن السوداني العادي . لقد وضعنا الأستاذ/محمد الحسن أحمد أمام نقطة هامة ، وهي تآكل الحركة الإسلامية من الداخل ، ونفور البنين وعزوف المشايخ عن عبادة الصنم الذي تهاوي تحت ضربات الأعاصير الدولية ، قد بدأ السيناريو بفراق الترابي ، ثم بإيداعه في سجن كوبر ، وهو الرجل الذي حقق حلم الإسلاميين البعيد المنال ، عندما مكنهم من الوصول إلي السلطة ، وبقي عشرة سنين وهو يمد نظامها بالفكر والمناهج ، إقصاء الترابي عن المشاركة خطيئة لا يتحمل وزرها العسكر لوحدهم ، نعم ، قرأ البشير خطاب المفاصلة وهو يرتدي نفس البزة العسكرية التي كان يرتديها في ليلة الثلاثين من يونيو 89 ، ولكن خلف هذا الخطاب كانت تقف مجموعة العشرة بقيادة الشيخ إبراهيم أحمد عمر ،والتي حرصت منذ أول اليوم علي وجوب البيعة لشخص واحد وهو الرئيس البشير ، هذه المجموعة هي التي روّجت لمصطلح الرأسين في الحكم ، فقضت علي رأس الترابي ليبقي رأس البشير وحيداً في الساحة ، فباع التلاميذ شيخهم العلامة للعسكر ، وربح رهان المصالح ، وخسر رهان المبادئ والمثل . التآكل الثاني للحركة الإسلامية ، كما ذكر الأستاذ/الحسن ، هو تغوّل العسكر وتزايد نفوذهم في اتخاذ القرارات الهامة ، لّمح إليها برد مقتضب ساقه الأستاذ/علي عثمان في وجه الرئيس البشير : من الآن فلا كلام إلا كلام العسكر ، هذا القول ليس المقصود منه بقاء العسكر لوحدهم في قارب حكومة الإنقاذ ، بل المقصود منه ، أن النائب الثاني يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من متاع ، فالأستاذ/علي عثمان يسعى إلي النجاة بنفسه حتى لا يتحمل مسؤولية الحرب والحصار ، فهو بحدسه الأمني وتحوّطه الحذر ، يعلم أكثر من غيره أن المصادمة مع المجتمع الدولي سوف توصل الإنقاذ إلي طريق شائك ، طريق شائك ووعر لم تسلكه الإنقاذ من قبل ، فالشارع في أوروبا وأمريكا ، علي عكس ما حدث في العراق ، يؤيد دخول القوات الأممية إلي دارفور . فالمدنيون في الإنقاذ يحاولون النأي بأنفسهم عن أي خطر تحمله لهم أمواج العسكر المتلاطمة ،ومن الصعب الآن الجزم بأن السودان يحكمه عسكر أو مدنيين ، هناك خليط من الجنسين مع بعض الإضافات ، مثل أن تجد في الإنقاذ بعض المدنيين بثياب عسكرية ، والعكس تماماً لذلك ، عسكريين بثياب مدنية ، لكن ما يجمع هؤلاء ليس الفكر ، بل تجمعهم المصالح الشخصية والمراكز المرموقة التي يشغلونها ، في تاريخ السودان ، وقبل مجيء الإنقاذ كان السباق علي السلطة يجري بين فرسي العسكر والمدنيين ، أما الآن فقد تغير الوضع ، لم يعد هناك عسكر بالمعني الاحترافي الذي ألفناه سابقاً ، بل في صحبتنا ساسة في ثياب عسكرية ، كما لم تعد الأدوار العسكرية ملكاً للعسكريين فقط ، فهناك مدنيون نفوذهم في الجيش كان أقوي من رئيس الانقلاب نفسه ، ومن بين هؤلاء المدنيين المتعسكرين الأستاذ /علي عثمان طه ، وهو الذي أسس الدفاع الشعبي والأذرع الأمنية لنظام الإنقاذ ، كما أنه أشرف بيده علي إدخال العناصر الحزبية إلي كل المرافق العسكرية في الدولة ، الدخول إلي الكلية الحربية كان لا يتأتى إلا من خلال تزكية مكتوبة بخط اليد ، تُثبت أن المتقدم من حزب الجبهة الإسلامية القومية ، والذين يكتبون هذه الصكوك هم من أنصار النائب الثاني ، لذلك يملك الأستاذ/طه جيشاً موازياً لجيش الرئيس البشير والذي أحال معظم الضباط الحرفيين من زملائه للصالح العام ، مما فتح المجال لصعود المنصورين من قائمة جيش الأستاذ/طه ، الضباط في الجيش الحالي من رتبة مقدم وما دونها يكنون احتراماً وطاعة عمياء للأستاذ/طه ، أما الضباط من رتبة عقيد وما فوق ، هم بالفعل موالون للرئيس البشير ، بحكم أنه ينتمي لمؤسستهم ، ولكنهم ضباط ذو رتب كبيرة ولكن بلا صلاحيات نافذة تبقي نفوذهم ذو معني في صفوف الجيش ، فمعظمهم يشغلون مناصب إدارية ، ويعمل تحتهم إمرتهم ضباط معفيين من التسلسل الهرمي للقيادة كما يتطلب نظام الجيوش في العالم . إذاً هناك قائدان للجيش في السودان وليس قائد واحد كما تصوّر أستاذنا محمد الحسن أحمد ، أما المقصود بإيماءة أن القرار من الآن للعسكر ، والتي وردت علي لسان الأستاذ طه ، لا تعني أن الطرفين في حالة خلاف حول اتخاذ القرار ، فالخلاف المستتر هو حول مواعيده ، و لا يريد الأستاذ/علي عثمان أن يزج بعساكره في حرب غير مضمونة النتائج ، فهو يريدهم استخدامهم في حماية الدولة من الداخل ، عملاً بالمثل المشهور : أحفظ القرش الأبيض لليوم الأسود ، فهو يخشى استغلال المعارضة لأي وضع يطرأ علي الساحة بسبب قضية دارفور ، بموجبه تقوم بالالتفاف حول حكومة الإنقاذ في الخرطوم ، الأستاذ/علي عثمان أحرص من الرئيس البشير في بقاء دولة الإنقاذ ، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات في دارفور والجنوب . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|