|
الإنقاذ : درسٌ في التعالي وإنكار حق الآخرين
|
الإنقاذ : درسٌ في التعالي وإنكار حق الآخرين
من خلال الرجوع للحقب التاريخية لن نجد هناك صراعاً إجتماعياً تم بين من يسمون أنفسهم ( بالعرب ) وبين الذين يعتزون بكونهم أفارقة ، في عهد الإسلام الأول لاحظنا أن الصراع كان بين العرب والأعاجم ، وزاد هذا الصراع حدةً وأشتعالاً بعد تأسيس الدولة الأموية والتي تعصبت لمضر ، كما أنها تعاملت مع الأعاجم كمواطنين من الدرجة الثانية ، لذلك أستطاع العباسيون اللعب علي هذا الوتر الحساس ، وتر التهميش والشعور بالغبن الذي خالج أفئدة الأعاجم ، لذلك كانت بداية الثورة العباسية من بلاد فارس ، وقاد أبو مسلم الخراساني الجيوش وهو يتوجه نحو عاصمة الخلافة بغداد ، هذا القائد الذي لم يفرحه نصر ولم تقلقه هزيمة ، لكن هذا القائد الفذ وجد جزاء سمنار علي يد العباسيين ، مات مقتولاً لأنه في نظر الدولة تمرد بفلتات لسانه ، وقد نقل المنافسون مقولته إلي السفاح ، خائن علي الأموال أمينٌ علي الأرواح ، وقد أستغرب أبو مسلم الخراساني لماذا يأتمنه العباسيون علي أرواح الأسري بينما يحتفظون لأنفسهم بالأموال ، هذه المقولة أغضبت عليه زعيم الثورة الجديد والذي أذاع بيان الحكم في الملأ : أيها الناس أياكم وغش الأئمة ، والله ما أسرّ أحدكم منكرة إلا بانت في صفحات وجهه وفلتات لسانه ..إلي أن قال من نازعنا عروة هذا القميص أذقناه خبئ هذا الغمد . كان هذا هو شكل الصراع الدائر في أرض العرب بين العرب الأعاجم ، وفي فترة متأخرة نشبت ثورة الزنج في بغداد بسبب المعاملة السيئة التي كانوا يلاقونها من العباسيين ، أما في أفريقيا فقد كان الصراع يأخذ بعداً أخلاقياً عميقاً أبعد بكثير عن ما جري بين العرب والأعاجم ، بالفعل أنه كان صراعاً بين البيض والأفارقة ، مات فيه الكثير من الشهداء الأفارقة ، في جنوب أفريقيا وروديسيا وزمبابوي والكنغو زائير ، وهو لم يكن صراعاً من أجل المكاسب بقدر كونه بالنسبة للأفارقة دفاعاً عن الوطن وبحثاً عن الحرية ، لقد أنطوت تلك الصفحة المريرة من التاريخ البشري ، حرّمت أوروبا تجارة الرقيق ، ونجح المناضل مانديلا في أن يضع اللبنة الأولي لدولة التسامح الإجتماعي ، فقد سمح بمشاركة كل الأطياف العرقية في الدولة الوليدة بما فيهم البيض ، تضحية بالذات من أجل سمو الهدف ، فقد أثبت مانديلا أنه رجل مبادئ قبل أن يكون رجل دولة ، معاناته في السجن والنعذيب لم تدفعاه للإنتقام والتشفي ، تخلي عن السلطة وهي في أوج عظمتها وهو الرجل الذي مكث ربع قرن في سجن روبن الرهيب ، ثورة مانديلا في الحكم جعلت الإنسان الغربي ينظر لنظيره الأفريقي بإحترام بالغ ، فقد أثبت الرجل بأنه ليس بربرياً ومتوحشاً كما صورته دعاية الابارهيد . نعود لموضوع الصراع الإجتماعي في السودان ، فهذا البلد لم يفتحه العرب كما فعلوا في الأندلس وفارس والهند ، حتى اتفاقية البقط التي يتمسك بها البعض لترويج فكرة أن السودان بلدٌ فُتح بحد السيف ، لم تكن إلا نقاط مبتسرة بين مجاميع صغيرة في ثغر نائي يقع في أحد أصقاع السودان البعيدة ، وحتى هذه الاتفاقية لا يُمكن توظيفها كدليل علي التباين الإجتماعي في السودان ، لأنها علي أسوأ الفروض كانت بين مسلمين ومسيحيين ، وليست بين العرب ومن أختلف معهم في اللون والعرق . لكن السودان بعد عام ألفين علي وجه التحديد دخل للتو في متاهة التباين الاجتماعي ، دخلنا في عهد المحاصصة العرقية والتي كلها تفضي إلي نتيجة واحدة ، كل أمر السودان في يد قلة من الناس محسوبة إلي كيان إجتماعي واحد ، هي تمسك بأمر السودان الآن ولا تري إلا ما يقع تحت قدميها ، عندما تقع كارثة إنسانية في دارفور في نظر هؤلاء ليست بالأمر المهم ، لكن إن تاهت عربة بين أبو حمد وشندي تقوم الدنيا ولا تقعد ، إن مات الناس في الجنوب بالكوليرا أو الإسهال المائي كما يسمونه اليوم فلا أحد يهرع إلي نجدتهم ، لكن عندما تحاصر الفيضانات عطبرة والدامر يهبون هبة رجل واحد ، يستغيثون ويملأون الدنيا صراخاً وضجيجاً ، يستنجدون حتى باعدائهم مثل الأمم المتحدة ، يطلبون منها التدخل وتقديم المعونات العاجلة ، يوزعون الخيام علي المتضررين ، كل هذا الحرص لأن هؤلاء النفر هم جزء من السودان الذي وصفه الدكتور منصور خالد بنموذج السودان الشمالي المصغر . يرفضون أن تنجد الأمم المتحدة المتضررين في دارفور ولكنهم لم يرفضوا المعونة المالية التي قدمتها لهم منظمة الصحة العالمية لمكافحة الملاريا في الشمال ، هم لا يرون في موت أهلنا وتشردهم في الأفاق كارثة تستحق النظر ، فهم لا يرون فينا إلا أناس يحتضرون والموت لهم أفضل من الحياة ، يضطربون حتى في الإعتراف بعدد الضحايا ، فأحياناً هم خمسة ألاف أو تسعة أو عشرة ألاف لا يهم الرقم طالما أن القتلى ينتمون لشريحة اجتماعية غير مرغوب في حياتها . قصة الدكتور علي الحاج محمد مع الإنقاذ لا تختلف عن قصة أبو مسلم الخراساني مع العباسيين ، كلاهما لعب دوراً هاماً في تأسيس الدولة ، وكلاهما كان ينتمي لشريحة إجتماعية تُعتبر مُهمشة ، في خاتمة المطاف تعرضا للغدر والتخوين ، بسبب خلاف الدكتور علي الحاج مع الإنقاذ أُهمل طريق الإنقاذ الغربي ، مع أن حصة الدولة في هذا المشروع لا تزيد عن 5% ، وخلاف الإنقاذ مع السيد/محمد عثمان الميرغني لم يمنعها من مد طريق الشمال الذي ربط كافة أنحاء السودان بمدينة دنقلا ، حتى المحنة التي ساقوها إلي أهل دار فور لم تشفي غليلهم أو تقلل من شدة كراهيتهم ، لا يرون أن هناك أزمة في دارفور ، وقبلها وصفت الإنقاذ معسكرات النزوح بالغرف المفروشة التي لا يدفع ساكنوها فاتورة الكهرباء والمياه ، فإلي متي تنتهي سياسة التعالي وإنكار حق الآخرين في السودان ؟؟ سارة عيسي
|
|
|
|
|
|