كائــن بــلا حـــذاء

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 09:31 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-05-2009, 08:04 PM

اسماعيل مرغنى
<aاسماعيل مرغنى
تاريخ التسجيل: 02-12-2004
مجموع المشاركات: 144

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كائــن بــلا حـــذاء

    صار يحملّق في وجوه الأطفال دون أن يعرف ماذا يريدون ، سحب عينيه باتجاه أجسادهم ، كانوا بعظامهم البارزة وبطونهم الضامرة وأعينهم الشاحبة المنطفئة يبدون كأشباح صغيرة ، هذا ما ترآى له في عينيه النافذتين الحادتين ، حمل رغيفاً وقدمه لأحدهم ، هجم جميع الأطفال على الرغيف في آن واحد ، تمزّق بين أيديهم دون أن يأكل أحداً منهم قطعة واحدة ، حمل حجراً وصار يضرب رؤوس الأطفال حتى حطمها جميعاً ، جذب أسماله البالية وصار يجري باتجاه شوراع بدت أنها تفجرّت لتوّها ، المدينة بائسة ، والريح أكثر صخباً كعادتها ، الأرجل القوية تصفع الشوارع ، يرتطم بالأعمدة البارزة من عمق الأرض كأرامل فقدت العزاء ، يرجم السيارات العابرة التي تخيلّها ضفادع تنق في بالوعات موحشة ، يصطدم بالمارة الذين ملئت عيونهم صورة وحش نادر يتخذ من الإنسان شكلاً له ، خيوط من الدم الرقيق الطازج تنسال من أنفه المفلطح المشقوق ، ويضرّج ملابسه كلها ، الفضاء يسجن صرخاته في جيبه العلوي ، يسقط على الأرض ثم ينهض يواصل الركض بعنف أكثر مصبوغا ًبالدم والتراب ، رائحة قذرة تفوح من جسده الذي ملأته الثقوب والكدمات ، غير عابئ بالأصوات الفزعة ولا بالإعتراضات الخائبة ، صوت زجاج يتهشم بداخله ، تجتاحه الحمى ، هذيان بصوت بعيد يضحك ، نساء يغنين ويرقصن بصدور عارية ، رجل بمسبحة بلدية يصلي لشيء مجهول ، البحر يهمس له بصوته البارد ، الريح تخونه داخل عقله الفارغ المعبأ بهواجس وأحلام صغيرة ترتعد ، الماء يندلق بهدوء داخل جسده يهيء الخلايا للإنفجار ، يقف بغتة أمام امرأة قابعة على رصيف حار مادّة رجليها ويديها المصابتان بالجزام على الأرض الصامتة والهواء المحترق بالعوادم وأنفاس البشر ، قبّل يديها ورجليها بشفاه مرتجفة ثمّ رمى الأناء بقطعه المعدنية القليلة لتدهسه إحدى عجلات سيارة ، مصدراً فرقعة كفرقعة فك يتحطم ، نظرت إليه المرأة بعينيها الغائرتين بهدوء وألم كبيرين وإبتسامة خفية لم يرها الكلب المرّقط الذي رفع رجله اليمنى وتبوّل على الجدار المقابل ، ساحبة بصرها نحو ظلال راحلة ، أجفل وأطلق رجليه لتلتهم جسد الشارع ، كائن ينهب قوة العالم ويحشرها في جسد متهتّك ، عينا الكائن تلتهبان جرّاء صراعها اليومي مع أنبياء الشمس الغاضبة ، لم تعد أذناه تحفل بما إخترقها من أصوات أحذية ثقيلة خشنة تركض خلفه وتقترب ، ولا للزمجرات المتقطّعة التي تصطدم بظهره وتجلده ، أذنا الكائن تواطأتا فقط مع النداء الصادر من داخله ، " أغنية المسافر للمسافر لن أعود كما ذهبت " ، البحر هناك ، الرمل ، طفولة تتداعى ، وذاكرة تسقط في الفخ ، ثمة كائنات مألوفة تسافر بأجنحة عمياء ، يتسابق هو والبحر ويسبقه بمسافات طويلة ، الشمس تقبّل الموج دون شهوة وتغوص في فم الكائن ، امرأة شديدة الشبه بأمه بعينيها الغائرتين يجتر اللبن من كيسها الكبير المتدلي من صدر مكشوف ، وعورة حرّة لم تسجن داخل قماط قط ، النوم عارياً على الرمال الرطبة ، تسلّق الأشجار الشاهقة والسقوط على أجساد الأوراق الناشفة ، الطيور توافق على إصطيادها في الشراك المُحكمة ولا يسعفها الوقت لتبدي رأيها في شيّها على الحطب الجاف ، غسل العربات ، حمل جولات الأسمنت ومكنات الطوب وصفائح الرمل ، عزيق الحشائش ، سقيّ البهائم وضرب الحمير حتى تنزف ، قرصات العقارب ولدغات الثعابين ومص السم والبصاق على الأرض ، الكيّ بالنار وهي في أوج صحوها ، القمر الذي يخدعه فيتدلى ويتدلى حتى يمسكه بيديه ويعجنه ويحوّله إلى خبز ويلتهمه ، محطات السكة حديد والقطارات التي لا تتعب من السفر أبدأ ، أمه والتي يبدو أنها تشبه أمه تربط حجراً على وسطها حتى تظن أنها شبعانة بعد أن تكون أحكمت ربط حجره الصغير على بطنه ، المرض الذي حطّم أبيه الذي لا يشبهه أبداً ، راكوبة في الخيال يظنها تحميه من البلل ، الخلوة التي أطفأ نارها ولم يعد لها مطلقاً ، الجامع القابع وسط بيوت الجالوص الذي كان يظنه متجراً لبيع السبح والطواقي وأوراق صفراء ، أمه التي يشبهها تماماً بأنفه الأفطس تملّخت يداها بغسل الملابس وصارت قشوراً صفراء تدب في يديها وساقيها ، الدودة التي أكلت جسدها النحيل حتى تعّفن ، لم يدفنها ولم يبكي عليها ، وذهب بعيداً تاركاً خلفه أناساً غرباء يكيلون التراب على حفرة بعد أن حُشر فيها جسداً ملفّحاً بثوب أبيض ، لم يعرف الورق ويتعامل مع القلم بخشبه المصقول ونقوشه الواهية كمسواك لنظافة الأسنان ، لم يعرف الطوابير ولا الصراخ بنشيد يسمى نشيد الوطن ، لم يجلس على كنبة الفصل أو الخروج لحصة فطور أو أن يحمّل بالدعوات كل صباح ، النوم في الخرابات والتغوّط وسط الكلاب الضالة في المذابل التي فاضت بها حاجة المدينة ، الكائن يقتل الكلاب المنزلية والقطط ويدهس النمل وديدان الأرض بأرجله الحافية ، لم يبكي أو يضحك أو يغني ، لم يعرف ماهي الألوان ولكنه يعجب بطيور الجنة فلا يصطادها ، الألم كائن خاص يصحو معه وينام معه لذا فهو صديق شخصي للكائن ، يجهل الصلاة ولم يصافح أحداً وأن المرأة لعبة مقرفة ، الموت شيء غامض ومريح ويعتقد أنه عندما يموت لا يجوع أبداً ، العيد قيامة البشر التي سمع بها ولم يراها ، لا يكترث كثيراً لأزياءهم التي تبدو غريبة وربما قبيحة ، يراهم يتصافحون بغباء وسذاجة وخبث أيضاً ، يطيل النظر لرجل ملتحي يجدّد عباءته وعطره كل عام يمطره الناس بالقبل والضحكات الخائفة وذهن الكائن يصوّره على أنه ماعز نبتت لها ذقن ، الحذاء كائن لا يحتاجه الإنسان إذا كانت أرجله قوية ، الشيطان الذي يزوره في الخرابة ويربت على كتفه بحنان ، هو أكثر صدقاً من كل البشر ، يضحك في وجهه محدّثاً إيّاه أنه لعنة هذا الكون وضميره المريض ، يواسيه بأنه سيأتي يوماً ما يلتهم له جميع البشر ، وكان هذا عزاءه الوحيد . ينام كميت ، عدا الطفل الذي يقلق مضجعه ويعكّر صفو آلامه ، والذي لو إستطاع القبض عليه لجزّ عنقه بأسنانه ورمي به في سابع أرض ، الطفل الذي يبكي ويضحك ويغني بدلاً عنه ، ويتنفس بدلاً عنه ، إنه طفل لعين لا يستحق الرثاء أو حتى الموت . هو الآن لا يشتم إلأّ رائحة العفن التي تنبعث من الحذاء الخشن الذي يدوس بقوة على وجهه ويسحقه سحقاً ، وفي البعيد يستمع لهسيس ضحكة مائعة تفلت من حنجرة ماعز بذقن وجلباب نظيف ، وساق عارية لامرأة مكتنزة تعبر الشارع بجواره ولا تلتفت وراءها مطلقاً.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de