دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
فى نقد مقدمة كتاب : الثقافة واليمقراطية فى السودان
|
القراءة الخاطئة والتأويل المغلوط
في نقد مقدمة كتاب ( الثقافة والديمقراطية في السودان )
" بعد كل هذه المعرفة أي غفران يرتجي ؟ "
تى . اس . اليوت
الكتابة المسؤولة أمانة تنوء بحملها كواهل الرجال ولا يقدر هذه الأمانة حق قدرها إلا من كابدها واكتوى بنار معاناتها . وتزداد هذه المسؤولية فداحة وتلك الأمانة ثقلا كلما توطدت سمعة الكاتب وكسب ثقة القراء وصار ما يكتبه محل تقدير واحترام . إذ أن هذا التقدير وذلك الاحترام كثيرا ما يجعلان القارئ يأخذ أفكار الكاتب وآراءه كمسلمات دونما تفكير في صحتها أو عدم صحتها . ومن هنا يأتي عظم المسؤولية وثقل الأمانة . فأي معلومة غير دقيقة مهما صغرت وأي رأي غير مؤسس تأسيسا سليما يمكن أن تترتب عليه وتبني مفاهيم وآراء كاملة غير مؤسسة والنتيجة معروفة .
ومن أمثلة ذلك المقدمة التي كتبها د. إيلياء حريق الكتاب " الثقافة والديمقراطية في السودان " لمؤلفه الدكتور عبد الله على إبراهيم . لقد انبنت هذه المقدمة كلها على معلومات خاطئة واستنتاجات مغلوطة أوردها الدكتور عبد الله في معرض هجومه الجارح وغير المبرر على شعراء مـا عـرف بيـن النـاس ( بالغابة والصحراء ) والذي توفر عليه في مقالته ( الأفرو عربية أو تحالف الهاربين ) التي أعاد نشرها في مستهل كتابه ( الثقافة والديمقراطيـة فـي السودان ) . *
واستنادا إلى هذه الاسقاطات والاستنتاجات التي انتهى إليها د. عبد الله على إبراهيم أنطلق د. حريق دونما تمحيص أو تروى لا لينال بها من سمعة كوكبة من الشعراء المبدعين المرهفين الذين حملوا لواء الثورة والتجديد في الشعر السوداني الحديث وحسب بل ليطال بها رمز عالمي من رموز الأدب السوداني القلائل الذين أجمع أهل السودان على حبهم على بمختلف مشاربهم ألا وهو الطيب صالح وليشكك في نواياه من كتابه أعظم رواية في اللغة العربية حتى الآن وهي روايـة ( موسم الهجرة إلى الشمال ) وليؤول مضمونها تأويلا يخرج بها عن نطاق النقد الأدبي والدراسة الموضوعية إلى حيث الآراء الفطيرة الفجة . ليس هذا فحسب ، بل ليضفي بهذه الاستنتاجات المغلوطة مشروعية على تلك الصورة السالبة المحفورة في مخيلة العربي عن الإنسان السوداني ، ولسان حاله يقول : هذه الصورة ليست من اختراعنا وإنما هي من صنع أنفسكم اا
فهو يقول أنه لم يفهم رواية ( موسم الهجرة إلى الشمال ) إلا بعد أن قرأ مقاله د. عبد الله ( الآفروعربية أو تحالف الهاربين ) . ويقول أنه كان يقف دائما في حيرة أمام ازدواجية شخصية بطل الرواية مصطفى سعيد ، المتنازعة " بين التجسيد الكلي للمشاعر الحسية والاستهتار الأخلاقي من جهة ، والتمثيل المتفوق والقدرة الفكرية من جهة أخرى " (3) وبعد قراءة الكتاب تبين له " أن مصطفى سعيد يمثل السودان تمثيلا كليا ، فهو سوداني من أب شمالي وأم جنوبية " (4) وهو " في المظهر الأول يتمتع بعقل بالغ الحدة والذكاء ويبرز في الجامعات البريطانية ومحافلها الفكرية ، وفي المظهر الثاني هو طفل شهواني غر يلاحق اللذة والمتعة حيث يمكنه أن يقتنصها حلالا كانت أو حراما " . (5)
أن الكاتب يريد أن يقول بكل بساطة أن إنسان شمال السودان العربي عقلاني يتحلى بفضائل الأخلاق أما إنسان الجنوبي الأفريقي فشهواني طفولي لا يفرق بين الحلال والحرام ولا عقل له يعصمه عن فعل الرذيلة .
ولما كان مصطفى سعيد من أب شمالي وأم جنوبية وهو لذلك يمثل السودان تمثيلا كليا كما يقول د. حريق ، فإن الجانب الجنوبي الأفريقي فيه هو الذي قاده إلى المأساة حيث الشهوانية والاستهتار الأخلاقي والاشباع الحسي ولم تستقيم حياته إلا بعد أن استقر في قرية في الشمال ، إذ يقول " لقد كانت نهاية مأساوية مفجعة كما وأنه فشل فشلا ذريعا من الناحية الأخلاقية والعاطفية والحياتية وقد دفع ثمنا غاليا لتهوره قبل أن يعود فيستقيم ويستقر في القرية السودانية وفي ذلك رمز لا يمكن تجاهله " . (6)
ولما كانت ازدواجية الانتماء هي سبب فشل مصطفى سعيد وتدميره بل أن انتمائه إلى الجانب الأفريقي هو سبب مأساته على رأي الكاتب فأنه يحذرنا من المزاوجة بين الانتماء العربي والأفريقي لأنه يرى فيه فصلا بين العقـل والأخلاق .
فلن يعرف أهل السودان الهداية إلا إذا تمسكوا بانتمائهم العربي الواحد وإلا صاروا مثل مصطفى سعيد الذي قاده انتمائه الأفريقي إلى الهلاك . لذلك فهو يخلص من تحليل شخصية مصطفى سعيد إلى القول أن الطيب صالح يوافق الرأي د. عبد الله على إبراهيم في رفض أطروحة الآفروعربية لأنه يرى فيه الفشل والنهاية المأساوية " . بمعنى آخر أن الطيب صالح وعبد الله إبراهيم في رأي الكاتب يرفضان الانتماء الأفريقي لأن " الفصم بين العقل والأخلاق أمر لا هداية فيه ، بل يؤدي إلى تدمير الذات ، كما دمرت حياة مصطفى سعيد لانحيازه للجانب الأفريقي فيه والذي لم يسلم إلا بعد أن عاد إلى انتمائه العربي الآحادي عند استقراره بقرية من قرى الشمال .
وحتى يخفف د. حريق من وقع هذه النتائج الغريبة على القارئ السوداني حاول كما حاول د. عبد الله قبله أن يلقى بالمسؤولية عن هذه النتائج التي خلص إليها على دعاة الآفروعربية إذ يقول : " وعلى هذا القرار تصف جماعة الآفروعربية السوداني الجنوبي بالطفولة والغرارة والمشاعبة والروحانية وخفة القلب والولع بالايقاع والرقص وجميعها صفات تسم سلوك مصطفى سعيد " . (7)
ولمزيد من التعمية والتمويه يواصل إيلياء حريق إلصاق التهم قائلا " والمقلق في هذا الوصف للأفريقي الجنوبي الذي يشارك فيه الطيب صالح بخلقه لشخصية مصطفى سعيد ، أنه مطابق لنظرة الأوربي المستعمر إلى الشخصية الأفريقية . فالأوربي المستعمر يرى في الأفريقي شخصية محكوما عليها بالطفولة الأبدية والغرارة والمشاعبة والجموح الحسي والبقاء خارج النظام الأخلاقي وهو قادر على الرذيلة دون أن يعيها وعلى العدوان والاعتداء عن قصد " . (
والواقع إن إلصاق هذه الصورة وتعليقها على شماعة الاستعمار الأوربي ما هي إلا انعكاس لشعور مبطن ومحاولة لاخفاء الصورة المحفورة في اللاوعي عن الإنسان الأفريقي الزنجي والتي ترجع جذورها إلى أبعد من الاستعمار الأوربي والتي تأبى إلا أن تفصح عن أصلها رغم كل محاولات إسكاتها حتى يكاد المريب يقول خذوني ، إذ يقول : " أما إلى أي حد قد تأثر كتاب الآفروعربية في الخرطوم بالإنجليزي في نظرتهم إلى مواطنهم الجنوبي ، فإنه أمر محل تكهن ، وقد يكون ما تصوروه رأيا عربيا أصيلا في الأفريقي الزنجي وإن لم تعطنا آداب اللغة العربية شاهدا على ذلك " . (9)
ثم يصدر حكمه بإدانة الطيب صالح لممالاته للاستعمار الإنجليزي في النظرة للأفريقي ويقول : " وليس من السهولة أن نبرئ الطيب صالح من معرفة نظرة المستعمر الأوربي هذه للأفريقي وهو الذي ربى وترعرع في عهد الحكم البريطاني الاستعماري للسودان ، ودرس في بريطانيا وعمل فيها ووضع معظم حوادث روايته في بريطانيا 000 " . (10)
والآن دعونا نقف قليلا لنتساءل : هل حقا ما قاله د. عبد الله على إبراهيم عن الآفروعربية ؟ هل حقا أساءوا للأفريقي ووصفوه بصفات غير لائقة إلى الحد الذي يرقى إلى الأوصاف التي خلص إليها د. حريق من أن الأفريقي شهواني لا عقل له هدفه البحث عن اللذة والمتعة بأي ثمن اا وقبل الإجابة على السؤال لابد من التذكير بأن الآفروعربية حسب التعريف الذي أورده د. عبد الله نفسه في مقالته ( تحالف الهاربين ) نقلا عن محمد المكي إبراهيم ، هي عمل واع لاستعادة " الدم الأفريقي ودراسة ذلك الجانب من مبراثنا الذي أهمل لمدة وأعنى التراث الزنجي " (11) فإذا كان الآفروعربيون هم أول من حاول رد الاعتبار للجانب الأفريقي في الذات السودانية والتي تم التنكر له طويلا فهل يعقل أن يكون رأيهم بهذه السلبية التي وصفهم بها د. عبد الله إلى درجة القول بأنهم وصفوا الأفريقي بالبوهيمية والمشاعية وخفة العقل .
والوقع إن ما رمى به د. عبد الله هؤلاء النفر ما هو إلا قراءة خاطئة وتأويل مغلوط لعبارة أوردها د. محمد عبد الحي أبرز رموز الغابة والصحراء وذلك في سياق تعليقه على قصائد محمد المهدي المجذوب التي كتبها في الجنوب في الخمسينات والتي عرفت بالجنوبيات . قال عبد الحي يصف ( الجنوبيات ) أنها صورت إنسان الجنوب فى صورة(بدائى نبيل) اى ان المجذوب تحدث بخيال شاعر عن إنسان الجنوب ولم يتحدث عن الجنوبي بعقل الإنسان السياسي والمحلل الاجتماعي . وهو تعليق في رأيي سليم جدا . فالشاعر غير السياسي وعالم الاجتماع . إلا أن د. عبد الله على إبراهيم أبى إلا أن يحور عبارة محمد عبد الحي المشرقة تلك عن موضعها ويأولها تأويلا يخرج بها عن قصدها " النبيل " فأين وصف عبد الحي للأفريقي الجنوبي بالنبل مما ذهب إليه د. عبد الله و د. حريق ؟؟
ومهما يكن من أمر إلا أن الحقيقة التي يدلل عليها رأي عبد الحي أن الآفروعربيين هم أول من أنتقد الصورة غير الواقعية التي يرسمها الآخرون عن الأفريقي ا والغريب والمدهش أن د. عبد الله على إبراهيم قد أورد رأي عبد الحي في ( جنوبيات ) المجذوب في مقالته ( تحالف الهاربين ) حيث يقول : " جـاء عبد الحي بمصطلح – البدائي النبيل – إلى حلبة العلاقات الثقافية . فقد خلص من دراسة القصائد التي اشتهر ( بالجنوبيات ) من شعر المجذوب ، إلا أنها صورت الجنوبي في صورة وهمية هي صورة البدائي النبيل " . (12)
ولكن بالرغم من كل ذلك ترك د. عبد الله رأي عبد الحي جانبا وأصر على إدانة جماعة الغابة والصحراء بل الآفروعروبيين عموما بالإساءة إلى الأفريقي ووصفه بتلك الصفات غير اللائقة .
إلا أنه إذا عرف السبب بطل العجب كما يقولون اا فدافع الدكتور عبد الله على إبراهيم من كتابه مقالة ( تحالف الهاربين ) ليس انتقاد الآفروعربيين لإساءتهم للأفريقي على حد ، وإنما دافعه الحقيقي لكتابة ذلك المقال هو التنكر للانتماء الأفريقي الذي تهدف جماعة الغابة والصحراء إلى رد الاعتبار إليه .
فرغم بداهة القول وبساطته بأن السودان بلد عربي أفريقي وأن سكان شمال السودان هم نتاج للتمازج العربي والأفريقي عبر القرون إلا أن د . عبد الله يرى أن هذا القول ما هو إلا دسيسة استعمارية روج لها المستشرقون الذين كتبوا عن تاريخ السودان للحط من قدر أهله ورددها من بعدهم المؤرخون السودانيون . لذلك لا يرى في الآفروعربية محاولة لرد الاعتبار للانتماء الأفريقي بل يرى فيها مجرد محاولة " يائسة (12) للهروب إلى واقع مطموس " لم يعد له وجود في وجدان أهل السودان . بل يذهب أكثر من ذلك إلى القول بأي كلام عن تمازج الثقافة الأفريقية والعربية في السودان لا يهدف إلى " تحجيم الانتماء العربي الصريح وإجراء تحسين جذري في المكون العربي الإسلامي للذات السودانية (14) " وحسب بل هو " مؤامرة علمانية لتفكيك محرمات الحضارة العربية الإسلامية (15) " وغش ثقافي " يهدف إلـى " خلـع الهويـة والثقافـة العربيـة " . (16)
ولما كان د. عبد الله يشعر في قرارة نفسه أن هذه الآراء ستصدم قرائه وأن هذا التحول المفاجئ في موقفه من قضايا الثقافة السودانية سيدهشهم وهو الذي يظن من قبل هؤلاء القراء حتى الماضي القريب من أقوى المدافعين عن الثقافة الأفريقية في الذات السودانية . وليس أدل على ذلك من كونه بمثابة الأب الروحي لحركة ( اباداماك ) في الستينات التي عاد بها الحنين إلى إحياء التراث السوداني الأفريقي آلاف السنين حيث الممالك النوبية القديمة وذلك قبل أن يتحول هذا التراث النوبي القديم في نظر د. عبد الله إلى " واقع مطموس " (17) وإلى " مؤامرة علمانية لخلع الانتماء العربي والإسلامي " . والجدير بالذكر أن حركة " اباداماك " كانت قد ظهرت أصلا كرد فعل مباشر لمواجهة طرح " الغابة والصحراء " والذي رأت فيه آنذاك تكريسا لهيمنة الثقافة العربية على الثقافات الأفريقية الأخرى .
لاخفاء هذا التحول في موقفه عمد د. عبد الله إلى حيلة ماكرة يصرف بها أنظار قرائه عن هذا التحول ليبرر بها في ذات الوقت تنكره للانتماء الأفريقي من غير أن يكون هذا التنكر محسوبا عليه .
وتقوم الخطة أولا على رمى دعاة الآفروعربية بالصفات التي يظن في قرارة نفسه أنها ألصق بجنس الأفريقي كالبوهيمية والمشاعبة واستباحة المحرمات واطلاق الغرائز ، ليسهل له القول في النهاية بأن دافعهم إلى " الفرار إلى النسبة الأفريقية " على حد تعبيره هو إشباع الغرائز والتحلل من المحرمات واطلاق الرغبات . لذلك يقول : " فدعاة الآفروعربية لم يلقوا وهم في ريعان الشباب من ثقافتهم العربية والإسلامية ما يروى غلتهم من الحب والتعبير ، فاضطروا إلى الهرب باجندة الريعان والشغف إلى فردوس مطموس في تكوينهم الاثنى الغرائز فيه طليقة والرغائب مستجابة " . (1
وعن رحلة محمد المكي إبراهيم إلى أوربا في الستينات يقول : " وقد أملت البوهيمية على مكي أن يمد إقامته في ألمانيا إلـى عـام تغيـب فيـه عن الجامعة " . (19)
فصورة الأفريقي مرتبطة عنده أصلا بمثل هذه الصفات السالبة لذلك فهـو لا يرى في دعوة هؤلاء القوم لرد الاعتبار للمكون الأفريقي فيهم سوى دعوة لإشباع الغرائز " فقد ترك الآفروعربيون الانطباع الخاطئ بأن تزمت الثقافة العربية لا ينصلح إلا بعملية نقل دم من حضارة أخرى أكثر تسامحا في ارواء الأشواق والغرائز " . (20) فأي حديث عن الثقافة الأفريقية لا يرى فيه غير دعوة ماجنة إلى إشباع الغرائز ، واطلاق الشهوات .
أظن قد وضح الآن أن الغرض الذي جمع بين د . حريق واحد وهو البحث عن انتماء عروبي صرف لا تشوبه أي شائبة إفريقيةوإلا فأن أي محاولة للقول بأن هنالك تزاوج قد تم بين العنصر العربي والأفريقي ما هو إلا محاولة لضرب القيم والأخلاق بعرض الحائط وتحجيم للانتماء العروبي والإسلامي . لذلك ليس صدفة أن يعهد د . عبد الله إلى رمز من رموز الاتجاه القومي العروبي كتابه مقدمه مؤلفه " الثقافة والديمقراطية في السودان " . (21) وليسمح لي القارئ أن أقتبس هذه الإشارة الأخيرة من خاتمة تلك المقدمة حيث يقوم د . حريق :
" 00 ورغم كل ما حدث ويحدث في هذا الوطن العربي المترامي الأطراف ، فإن الحقيقة هي أن القومية العربية تشكل رصيدا وخزانا هائلا من
الطاقة البشرية والمهيأة للانتفاضة الكبرى على أسس واعية وديمقراطية ولا يشوبها ادعاء المدعين بالأفول والممات . وما الأفكار النيرة التي يعبر عندها الدكتور عبد الله في هذه المجموعة من المقالات إلا شاهد على تلك الحيوية والطاقة " . (22)
وفي الختام أود أن أذكر قراء الدكتور عبد الله على إبراهيم والقراء عموما بحكمة تنسب إلى على بن أبى طالب ، تقول : لا تعرف الحق بالرجال ، أعرف الحق تعرف رجاله .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد مقدمة كتاب : الثقافة واليمقراطية فى السودان (Re: Agab Alfaya)
|
الأخ الكريم، عجب الفيا شكرا لك على فتح هذا الباب الذي ستهب منه رياح كثيرة. لقد كنت مثلك، مشغولا بمقدمة كتاب الثقافة والديمقراطية في السودان، للدكتور عبد الله علي إبراهيم. وأعلم، كما تعلم أيضا، أن للناقدين، د. عبد الله بولا، ود. حسن موسى، تحفظات على مدرسة الغابة، والصحراء. غير أني أجد في تحفظاتهما، ما يستحق التأمل، فهي تنحو منحى عميقا، يستدعي التفكر، والتدبر. ولكن التحفظات التي يبديها الدكتور عبد الله على إبراهيم، تنحو، في تقديري، منحى سلفيا، أجده مزعجا، غاية الإزعاج. فهي، تستخدم خطابا أخلاقيا، طهرانيا، كريها، سبق أن ولغ فيه الإسلامويون كثيرا، ولم يجدهم نفعا. وهو إلصاق تهمة الرغبة في التحلل من القيود، لكل من ينحو منحى علمانيا. فهل يمكن لمفكر أن يختزل فكرة الدستور، الغربية، العلمانية، القائمة على كفالة الحقوق الأساسية، ومنها الحرية الشخصية، في مجرد، الرغبة في إطلاق الغرائز. ألا يعود بنا الدكتور إلى أدبيات سيد قطب الغابرة، وأمثاله من طلائع الإسلامويين، والتي سار على نهجها الدكتور حسن الترابي؟ هذا النهج نهج غير مبصر، لأنه يؤلب مفاهيم العوام، على العلماء، في نهج للإغتيال الأخلاقي لدعاة الدستور، وكفالة الحقوق. وهذا مما يسميه الغربيون demoralization .
الدعوة إلى دستور علماني، أساسها حفظ الحقوق الأساسية، وحرية الضمير، من تغول الدولة، ومن أظافر الطهرانيين الكاذبين الكلفين بالنبش في الضمائر. وحين ينادي المنادون بالعلمانية لا ينادون من أجل السماح لهم بشرب الخمر، وبارتكاب الموبقات، وإنما ينادون بدولة لا تتجسس، ولا تتحسس على مواطنيها، بدعوى حفظ الفضيلة. وهل حقا يحتاج المرء لدستور علماني لكي يأتي كل الموبقات؟ وهل سمع الدكتور من الرائحين والغادين، عن التردي الأخلاقي المريع، الذي أصاب الخرطوم في العقد والنصف الأخيرين، وهي (تنعم) بحكم الإسلامويين الطهراني الكاذب؟
وإذا جئنا إلى الناحية التاريخية، فهل الغربيون، الحداثيون، هم أول من أطلق لغرائزه العنان، في التاريخ؟ فقط، ليعيد الدكتور الفاضل عبد الله على إبراهيم قراءة، كتاب الدكتور شوقي ضيف، عن الأدب العربي، في العصر العباسي، ليرى كيف حول الخلفاء المسلمون، آنذاك، مدينة بغداد إلى حانة كبيرة، ومبغى بالغ الإتساع. نحن بحاجة إلى قراءة تاريخنا، بعين ناقدة، قبل أن ننحي باللائمة على غيرنا. ثم هل نسي الدكتور ما حاق بنا أيام قوانين سبتمبر العجيبة، حين تحولت كل من الإذاعة والتلفزيون إلى أدوات للتشهير بخلق الله؟ فلو تحالف الهاربون على الهرب، من مدائن النبش في الضمائر، وتسور العسس للحيطان للقبض على الشاربين، خلف أسوار البيوت، أفلا يكون هربهم ذاك، هربا مبررا. ولي عودة لزيارة خطاب الدكتور عبد الله، في هذا المنحى. فخطاب الدكتور يضخ دما جديدا في منحى ظننا أننا قد خلفناه وراءنا، يوم أن انهارت تجربة قوانين سبتمبر، ويوم أن تبرأ منها الإسلامويون أنفسهم. ويوم أن جاءنا الترابي نفسه، بالإنقاذ ليبشرنا بالمدينة الفاضلة. فأغرق نفسه، وأغرق قبيله في مستنقع يحاولون فيه الآن الإستنجاد بأمريكا لتخرجهم منه. وشكرا على فتح هذا الباب مرة أخرى. النور حمد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد مقدمة كتاب : الثقافة واليمقراطية فى السودان (Re: Agab Alfaya)
|
الاخ النور الحقيقة التى لا يريد ان يعترف بها الكثيرون ان الدكتور عبدالله لم يعد ذلك الرفيق الذى ينبغى غض النظر عن هفواته او عدم التعرض اليه بالنقض لقد تحول عبد الله كثيرا وصار يلعب دور المنظر لفكر اكثر سلفية من فكر الجبهة الاسلامية وفى احسن الاحوال هو تبرير لممارسات نظامها. ان السكوت عن ذلك مشاركة له فى
هذا الدور وان اضعف الايمان هو توجيه النصح اليه .ولى عودة الى مداخلتك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد مقدمة كتاب : الثقافة واليمقراطية فى السودان (Re: Agab Alfaya)
|
الاخ عقاب العافيه ود. حمد...سلام ...لم اقرآ كتاب عبدالله على اراهيم,لكنى متابع للدور الخطير البلعب فيهو و خالد المبارك,بدعوى الدفاع عن الثقافه العربيه الاسلا ميه فى السودان, خاصه فى كتاباتهم عن الحركه الشعبيه ومواقفها المختلفه, وعلى الاخص فى الردود على منصور خالد...وهم(ضمن اشياء اخري)يسوقون النقاش كله فى اتجاه احادى ليصبح الخيار بين اثنين لا ثالث لهما: عصبيه عروبية اسلاميه فى مواجهة عصبيه افريقانيه, الاثنان ضيقتا الافق و عنصريتان حتى النخاع مهما تسربلتا بالوان علميه..... *الحق هو حقلو كان قائله رفيق ام لا, والرفاق ذ اتم خشوم بيوت...... *مضامين كتابات ع.ع.اباهيم لا تعنى عدم الاستمتاع بها فهو ذو حرف جذاب..... سلام تانى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد مقدمة كتاب : الثقافة واليمقراطية فى السودان (Re: Agab Alfaya)
|
الاخ سفرجت ارجو ان اكون نطقت الاسم صاح.اولا ان اسمى عجب الفيا وهو اسم جدى وهو من الاسماء النادرة فى السودان واسمى الكامل هو عبد المنعم عبدالله عجب الفيا.صحيح يا اخى الدكتور عبد الله صاحب اسلوب جاذب فى الكتابة لكن المشكلة انه يستغل هذه الجاذبية الاسلوبية فى تمرير افكار خطيرة جدا وهذا ما قصدت التنبيه اليه.انه لا يدافع عن هيمنة الثقافة العربية الاسلامية وحسب بل يدافع عن مشروع الدولة الدينية ويدعو الى تكريس فكر سلفى تجاوزه حتى الاخوان انفسهم وكل ذلك تحت غطاء هذا الاسلوب الادبى الجذاب الذى جاز على الكثيرين.وليس ادل على ذلك من مقاله الذى نشر بالراى العام يوم امس الاول والذى تفضل الاخ باب الله بانزاله ببوست دكتور النور حمد فى نقده.
| |
|
|
|
|
|
|
فى نقد كتاب (Re: Agab Alfaya)
|
الاخ عجب الفيا لك التحية للاستقامة الاخلاقية بالرد على ما يروج له عبد الله على ابراهيم من السم فى الدسم ولعلك تذكر تلك المحاضرة التى قدمها الدكتور فى المجمع الثقافى فى ابوظبى وهو يقدم الخمر القديمة فى اوانى جديديدة افكار قال بها الترابى وعفا عنها الزمن ولقد عقبت على حديث الدكتور فى تلك المحاضرة وعدت نادما على تكبدى مشاق السفر من الشارقة وانا امنى نفسى بافكار ذكية ولغة راقية ولم اجد شىء من هذا او ذاك شكرا لك على الكتابة الجريئة والقبة ما تحتا فكى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد مقدمة كتاب : الثقافة واليمقراطية فى السودان (Re: Agab Alfaya)
|
الاخ عجب الفيا,آسف لكتابة الاسم خطا, واول مره اسمع بيه,ماذا يعنى؟ الاسم بتاعى مامهم مجرد ....صفرجت.. اتفق معك فى خطورة اسلوب ع.ع. لكن هذا لا يمنع القارئ المتيقظ من الاستمتاع بها, اتمنى لو ان احد اعضاء المنبر يستطيع تنزيل مقالات حسن موسى حول نفس الموضوع,نشرت فى كتابات سودانيه...لو ساعدنى الزمن ساعود بمساهمه اوسع , سلام...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد مقدمة كتاب : الثقافة واليمقراطية فى السودان (Re: Agab Alfaya)
|
الاخت هلا الحضارة انثى كما يقول الطيب صالح وشكرا على رفع البوست الى اعلى
................................. الاخ صفرجت الكتابة فى مسائل الفكر والسياسة والاجتماع لايجدى فيها جمال الاسلوب وتزويقه وحده لان العبرة فى النهاية بالاراء والافكار التى يخلص اليها الكاتب وليس فى المتعة التى سيجنيها القارى من جمال التعبير ودونك كتابات الدكتور منصور خالد فالمتعة فيها لا تاتى ابدا على حساب الفكرة ووضوحها.اما مساهمات حسن موسى وبولا فسوف اتناولها بالتفصيل فى نهاية هذا البوست
................................... الاخ محمد سيد احمد نعم اذكر تلك المحاضرة التى قدمها دكتور عبدالله بالمجمع الثقافى بابوظبى جيدا فقد كان فيها واضحا وصريحا ولاول مرة يعبر فيها عن افكاره الجديدة بهذا الشكل من الوضوح .فقد بدا حديثه بقوله انه مهموم بامر الجماعة العربية المسلمة فى شمال السودان وان اس البلاء الذى يعانيه السودان هو ان هذة الجماعة عندما ارادت ان تبنى وطنا بنت وطنا اكبر من رقعتها الجغرافية.ُثم قال مباشرة بعد ذلك انه يرفض دعوة الصادق المهدى التى وجهها الى تلك الجماعة العربية المسلمة بتقديم اعتذارها الى الجماعات الاخرى عما لحقها منها من مظالم وقال مبررا هذا الرفض بقوله: يجب ان نتخلص من عقدة الذنب الكولونايلية هذه وكل واحد يشوف امتيازاته على حد تعبيره الحرفى ثم ختم حديثه بتوجيه الدعوة الى الناس بالانخراط فى نظام الانقاذ قائلا :كان هناك كاتبا فرنسيا يكره برج ايفل جدا وذات مرة ضبطه اصدقاؤه يتغدى فى البرج فقالوا له الم تقل انك تكره هذا البرج فما الذى اتى بك الى هنا،فاجابهم قائلا: ان اللحظة الوحيدة التى لا ارى فيها البرج هى عندما اكون داخله؟ وقد كتبت معلقا على هذه المحاضرة فى جريدة اخبار العرب الظبيانية ولكن كما يقولون :اذا انا وانت مقتنعين البقنع الديك شنو؟
....................................... الاخ الدكتور حيدر بدوى شكرا لك على المداخلة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فى نقد مقدمة كتاب : الثقافة واليمقراطية فى السودان (Re: Agab Alfaya)
|
لا شك أن أفكارالأستاذ عبدالله على إبراهيم أصبحت تتجه منذ أكثر من عقد نحو هذه الصحوة الإسلامية التي أوشكت أن تغفو عند أسيادها . قبل الإنقاذ بأيام كتب الأستاذعبدالله في الخرطوم الصحيفة باسم منبر الديمقراطية تحت التأسيس يعتب فيه على الألمان لاستضافتهم في برلمانهم الديمقراطي لجون قرنق غير الديمقراطي وبعد أيام قليلة جاءت الإنقاذ واستقطبت من استقطبت لمؤتمراتها العاطلة التي قالت كلاماً يمكن تعبئته بالجوالات في نفس الايام التي كانت تؤسس لبيوت الأشباح والجهاد في الجنوب واستجاب عبدالله لتلك المؤتمرات .كنا نظن وقتها أنه سيتم استخدامه كديكور مثل ما حدث مع مكي في مجلس الشعب .كانت حجة عبدالله أنه يذهب إلى هناك لطرح الرأي الآخر . يجب أن يتذكر مناقشو كتاب عبدالله هذا مجلة العربي الإفريقي التي صدر عددها اليتيم في الخرطوم قبل الإنتفاضة وكان يرأس تحريرها عبدالله ومقالته في الخرطوم الصحيفة عن تحالف الهاربين ومناقشاته لمثقفي الإنقاذ عبر التلفاز في عدة حلقات . لا يعجز منتقدو عبدالله من أثبات تناقض الرجل ولعلنا كنا نعجب منذ مقاله الاول الذي أطلعنا عليه أساتذتنا في الثانوية وأعني الصراع بين المهدي والعلماء بسلاسة وشاعرية أسلوبهكان يقول عذاب العاشق أن يكون القارىء الثاني لخطاب عشيقته وكان يقول هذا مستحيل لانه ممكن وقان يقول تحيف الناس على التجاني كثيراً في الرهان بين الشاعر والعمر وكان يقول متسائلاً كيف اطوطب عشب إشراقة وكنت ضمن كثيرين ممن يعجبون ولا زلت وربما لا زالوا بالشعر الذي يفجره في عباراته . لكن الشعر وحده لم يعد يكفي ولا المعرفة ثمة مياه كثيرة أصبحت تمر فوق الجسور لا تحتها و كل هذه السلاسة والعبارات المبتدعة مما جاد به قلم الرجل و في أنس الكتب وغيرها شيىء وما يفصح عنه من أفكار تبرر للإنقاذ شيء آخر لقد وصل الحد بهذا المثقف السوداني لأن يبرر للفصل في المركبات العامة بين الرجال والنساء وهو يدخل للقضايا الفكرية في نظري بالصور الأدبية وحدها دون العمق الفلسفي المطلوب . الأستاذ عبدالله مثقف سوداني لاشك وهو كاتب مبدع لكن شواهد التاريخ كانت تدلنا منذ بلزاك على مثقفين يقفون ضد شعوبهم ويدسون السم في العسل بقصد وبدون قصد ولقد أصبح الحال في السودان من السوءوالتعقيد بحيث لا يسمح لمثقف مهما علا وزنه لأن يكون منحازاً للظلم ولايسمح له بالحياد ولقد لاحقت مكي سياط بعض المكتوين بجمرة الإنقاذ ولم تشفع له إعتذاراته المطولة ردحاً طويلاً حتى بعد خروجه وكتاباته الأخيرة عن الإخشيديين .ولعل أصدق مثال على بهاء القلم وخواء الفكر هو ما يجترحه الفيتوري من هراء وهو يستقبل جوائز السلطة .علاقة المثقفين السودانيين بالسلطة هى من الموضوعات الهامة التي يجب أن يقف إزاءها المثقفون والكتاب السودانيون كثيراً في زمن الديمقراطية المقبل بلا ريب
| |
|
|
|
|
|
|
|