من أقيم وأنضج الكتابات التى تم التناول حولها في هذا الصرح والتي للأسف لم تكتمل رغم متابعة الجميع وشغفهم بما يدور فيها لظروف اكاديمية حالت دون تواصل الأستاذ اسامة الخواض لهذا النقاش ويسعدني أن أعيد هذا الموضوع مرة اخرى .. بعد أن خلص الخواض من فروضه الاكاديمية ليدلو بدلوه فيما سطره الفيا بهذا الشأن ولمساهمة من فاته هذا النقاش الثر.
------
في نقد المشهد البنيوي – قراءة في شهادة أسامه الخواض - 1 للأستاذ عبدالمنعم عجب الفيا
سررت جدا بالمقال المطول الذي أدلى فيه أسامه الخواض بشهادته عن ملابسات نشوء الحركة البنيوية وما بعدها في السودان والأثر الذي أحدثته في الساحة الثقافية ومصدر سعادتي وسروري أن تأتي هذه الشهادة من أهم الأسماء التي مهدت لدخول هذه التيارات النقدية للحركة الثقافية السودانية ، رغم أن المقال قد كتب تحت إحساس طاغ بالخذلان والتهميش وأخذ الحديث فيه عن النسيان كلازمة من لوازم الذاكرة السودانية ، حيزا كبيرا إلا أن أهميته تأتي من أنه أول محاولة لتقييم الأثر الذي خلقته تيارات الحداثة في الساحة الثقافية في السودان ، سلبا كان هذا الأثر أم إيجابا .
وأول ما لفت نظري في مقال أسامه الخواض ، التغيير الذي طرأ على خطابه ، فقد كتب المقال بلغة مباشرة لا تختلف عن اللغة الإخبارية والتقريرية المتداولة . وهذا شئ لم نعهده في خطاب الحركة البنيوية وما بعدها حيث أتسم خطابها دائما بلغة المراوغة المتعالية التي تلفت النظر إلى ذاتها أكثر مما تلفت النظر إلى موضوعها ، كذلك لفت نظري حديثه عن قضايا إنسانية واجتماعية عامة مثل الوظيفة البنائية للكاتب في المجتمع ومسؤولية الدولة ودورها في تهيئة المناخ للكاتب والحديث عن الحقوق والواجبات وخذلان الأصدقاء ، وخياناتهم إلى غير ذلك من المواضيع فالحديث عن مثل هذه القضايا بهذا الوضوح من الأمور الممقوتة في عرف البنيويين وما بعدهم .
فالمعروف أن البنيوية تقوم أصلا على إحلال الأبنية اللاواعية مثل " النسق والنظام اللغوي والأسطوري واللاشعوري محل الوعي الفردي والجماعي في صناعة وتغيير التاريخ . لذلك فهي تعمل جاهدة لتنقية النشاط الأدبي والإبداعي عموما من تلوث المعنى الاجتماعي والسياسي . أما بعد البنيوية فتقوم على تدمير مبدأ الإحالة المرجعي ، سواء كان هذا المرجع التقاليد والأعراف اللغوية والاجتماعية أو المعارف الإنسانية المشتركة ، وبالتالي يصبح في هذا السياق الحديث عن أي دور للكاتب في المجتمع حديث بلا قيمة . ولكن أسامه لا يشير من قريب أو بعيد إلى هذا التحول الذي طرأ على خطابه من حيث الشكل والمضمون وذلك رغم ما ينطوي عليه هذا التحول من مغزى عميق ، وربما يرجع هذا التحول إلى تخصص أسامه في دراسة التحليل السسيولوجي للنصوص الأدبية ، ونحن من جانبنا نرد هذا التحول الذي طرأ على خطاب أسامه إلى التحولات التي طرأت على مجمل خطاب تيارات الحداثة الغربية . ففي الوقت الذي يدلي فيه أسامه الخواض بشهادته عن منجزات البنيوية وما بعدها ، تجهر فيه تيارات الحداثة الغربية البنيوية وما بعدها وتعود مرة أخرى
09-12-2006, 00:08 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
إلى نقطة البداية التي انطلقت منها البنيوية في الخمسينيات . فبعد كل الحديث المفرط في حماسه عن عزل النص الأدبي عن سياقه التاريخي والاجتماعي والتعامل معه بمثابة بنية مغلقة وبعد كل الحديث عن ( موت المؤلف ) و ( سحر الدال ) ومطاردة العلامات تعود هذه التيارات وترد الاعتبار مرة أخرى للسياق التاريخي والاجتماعي ويبدأ الحديث من جديد عن التحليل السسيولوجي للأدب وعن نظريات التلقي والقراءة والتأويل " الهيرمونطيقا " .
ولعله من المصادفات السعيدة أن يأتي تخصص أسامه الخواض في دراسة التحليل السسيولوجي للنصوص الأدبية متزامنا مع هذه التحولات ، ولكن مما يؤسف له أن أسامه ، لا يتعرض مطلقا للحديث عن هذه التحولات والنقلات التي تركت أثرها على خطابه هو نفسه وبدون التعرض لهذه التحولات ومناقشتها ، فإن المحاولة لتقييم تجربة البنيوية وما بعدها ستكون ناقصـة .
إن إغفال أسامه الإشارة إلى التحولات التي طرأت على الخطاب الحداثي ، تفسر بإحدى أمرين : فأما أنه غير واع بحقيقة هذه التحولات وهذا احتمال بعيد أو يفترض كذلك ، وأما أنه ينظر إلى هذه التحولات كأنما كلها تسير في خط مستقيم لتصب في خانة البنيوية وما بعدها . وهذا هو الاحتمال الأقرب ، بدليل أنه ختم شهادته بالحديث عن تطور المشهد البنيوي في المهجر بفضل توفر الكتب والمراجع :إن المنافي والمهاجر ساهمت في إضفاء حيوية فائقة على المشهد البنيوي وما بعده . فقد تم التغلب على كثير من العقبات والعراقيل التي كانت تحد من تطور وثراء ذلك المشهد .
إن ظاهرة انتقال كتاب الحداثة من خطاب إلى آخر دون التمهيد أو التنويه لهذا الانتقال ، ظاهرة لا تخصنا في السودان بل تشترك فيها كل تيارات الحداثة العربية فهم بعد أن بدأوا في الترويج للبنيوية في حماس يحسدونهم عليه أهلها ، انتقل خطابهم فجأة إلى ما بعد البنوية ( التفكيكية ) ثم ها هو خطابهم ينتقل مرة أخرى إلى السيسيولوجيا دون تمهيد أو إشارة إلى هذه الردة . وسبب ذلك في رأي أنهم ينظرون إلى هذه التيارات كأنها تكمل بعضها بعضا لتسير في خط مستقيم إلى غاية معينة ، بينما الواقع على العكس من ذلك تماما ، فتيارات الحداثة لا تسير في خط صاعد بحيث يمكن اعتبار كل تيار امتداد طبيعي للتيار السابق له ، لكنها متضاربة وتقوم أصلا على تناقضات بعضها البعض .
والدليل على أنصار الحداثة عندنا يتعاملون مع تيارات الحداثة على اعتبار أنها امتداد طبيعي لبعضها البعض دون الوعي بحقيقة التناقضات التي تنطوي عليها، شهادة أسامه الخواض في قوله ( قمنا في البداية بكتابة بيان إبداعي يوضح المقاربات النقدية الحديثة وكان ذا طابع بنيوي . وبعد فترة قصيرة تعرفنا علـى ما بعد البنوية فقمنا بتعديل البيان ) .
فهم ، أسامه وعبد اللطيف على الفكي ومحمد عبد الرحمن حسن ، تعرفوا أولا على البنوية فتبونها وقاموا بصياغة بيان تبشيري بها ، على طريقة الحركات الأدبية والفنية في أوربا ، وقبل أن يظهر البيان في الناس قاموا بتعديل محتوياته بعد أن نمى إلى علمهم فجأة أن هنالك منهج أو تيار جديد ظهر اسمه ما بعد البنيوية،على حد تعبير اسامة، ، دون أن يتعرفوا على حقيقة هذا التيار الجديد . فكل اهتمامهم كان محصورا في مجاراة هذه التيارات الحديثة وركوب أي موجة جديدة من موجات الحداثة بغض النظر عن اتجاه هذه الموجة أو تلك . وهذا ما يؤكده قول أسامه بطريقة غير مقصودة : أهم المنجزات التي حققتها تلك المقاربات في نظرنا ربط الحقل الثقافي السوداني بهذه التيارات"اذن لم يكن الهدف إقامة حوار مع هذه التيارات لاعادة توظيفها والإفادة منها لدفع مسيرة الحركة الثقافية . لقد كان عبد الله بولا محقا عندما قال أن هؤلاء الشباب يطبقون مناهج النقد ، البنيوي ولكنهم لا يحاورونها ولا يساهمون في نقدها وإعادة صياغتها .
ومن المفارقات التي تظهرها مجاراة البنيويون لتيارات الحداثة العالمية دون تمييز ، هي أنهم في الوقت الذي كانوا فيه يرفعون شعارات معاداة الإمبريالية والصهيونية العالمية ومناهضة التبعية السياسية والاقتصادية نجدهم في نفس الوقت بذات الحماس يهللون ويكبرون لتيارات الحداثة الأدبية دون الوعي الكافي بحقيقة هذه التيارات القائمة على التشكيك في النزعة العقلانية والروح العلمية التي أنتجت الحضارة الغربية والتي نحن أحوج ما نكون إليها .
ومما يعمق هذه المفارقة أن معظم إن لم يكن كل الذين انضموا تحت لواء الحركة البنيوية وما بعدها في السودان ، كانوا من التيار الماركسي . وهذا ما يؤكده حديث أسامه عن ( المزاج اليساري الذي يصبغ الحقل الثقافي السوداني ) والوضعية الطبقية لمنتجي تلك المقاربات ، والحقيقة إن الصبغة الماركسية لحركة الحداثة لا تميز الحقل الثقافي السوداني فحسب بل أن كل تيارات الحداثة في العالم العربي ذات صبغة ماركسية ، صحيح أن السبب في ذلك أن مبدعي هذه المذاهب في أوربا كانوا أصلا ماركسيين ولكن هذا وحده ليس كافيا لعدم اتخاذ اليسار الماركسي في البلدان العربية موقفا نقديا جدليا من هذه المذاهب . أن مسؤولية اليسار الماركسي عموما عن هذه التيارات الحداثويـة التـي كادت أن تنتهي بالحركـة الأدبيـة إلى نوع من العدمية والعبثية ، رغم الانجازات التى لا يمكن نكرانها، في حاجة إلى المزيد من المناقشة وتسليط الأضواء .
ومما يزيد المشهد البنيوي ما بعده بؤسا ، هو أننا لم نبدأ في التعريف على هذه المناهج في العالم العربي ، إلا في أوائل الثمانينات أي في الوقت الذي انحسرت فيه هذه التيارات تماما في البلدان التي شهدت مولدها . فالبنيوية لم تدم أكثر من عشر سنوات في فرنسا وتم تجاوزها عقب ثورة الطلاب عام 1968م وهجرها الناس هي الأخرى في فرنسا منذ أوائل السبعينات ثم انتقلت إلى أمريكا حيث خبأ بريقها مع نهاية السبعينات ، أقول هذا وأنا أنظر إلى تطور الفكر البشري نظرة جدلية أن الأفكار لا تموت نهائيا وإنما يحدث لها تمثل ولكن قصدت بذلك القول إن انحسار هذه التيارات الحداثوية في بلدانها كان حريا به أن يجعلنا نقف موقفا نديا يقوم على الأخذ والرد والمساءلة والنقد ولكنا بدلا عن ذلك وقفنا منها موقف الانبهار والتسليم المطلق بكل مقولاتها .
* نشرت بجريدة الخرطوم في 27/10/1999م ردا على مقال أسامه الخواض ملابسات نشوء الحركة البنيوية وما بعدها فى السودان- مشهد النسيان-الخرطوم14 17،18 اكتوبر1999
09-12-2006, 00:10 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
في نقد المشهد البنيوي – قراءة في شهادة أسامه الخواض – 2
يقول أسامه الخواض بأنهم لـم يقعـوا ( في شراك الشكلية التي تتبناها بعض تيارات البنيوية ) ولكن هذا ما حدث بالضبـط . صحيح أنهم تبنوا في البداية ماعرف بالبنيوية التكوينية أو التوليدية وهي بنيوية عالم الاجتماع البلغاري لوسيان جولدمان . وهي في الحقيقة لا تحمل من المنهج البنيوي سوى الاسم ،ونظريته ( رؤية العالم ) لا تعني أكثر من المعنى أو المغزى الذي يرمي إليه العمل الأدبي وفي أحسن حالاتها لا تختلف عن نظرية الانعكاس وبالتالي لا تعدو أن تكون صورة من صور الواقعية الاشتراكية .
لكن المشهد البنيوي قد انفتح بعد عام 1986م على كل المذاهب شكلانية وغير شكلانية ولم تعد لدى دعاة البنيوية ( قشة مرة ) في سعيهم المحموم لالتهام كل ما تقع عليه أعينهم طالما أنه حداثي أو يمت إلى الحداثة بصلة . والحق أن الانفتاح على مجمل تيارات الحداثة حدث حتى قبل أن يغادر أسامه السودان ، بدليل أن أسامه قد أشار في حديثه عن البيان التبشيري الذي كانوا ينوون إصداره ، أنهم قاموا بتعديل البيان عندما نمى لعلمهم أن هناك منهج جديد يسمى ما بعد البنيوية فضموه إلى البيان ، أن مجرد تبني ما بعد البنيوية في ذلك البيان ينسف دفاع أسامه في القول بأنهم لم يقعوا في شراك المناهج الشكلية . وهل تعني ما بعد البنيوية شيئا غير البنيوية الشكلية ؟
ولا أدري كيف يتم الجمع بين البنيوية وما بعدها في بيان تأسيس واحد فالمنهجان يناقضان بعضهما البعض ولا يكملان بعضهما البعض . فإذا كانت البنيوية تنظر إلى النص كبنية لغوية لا تستمد دلالتها إلا من نظامها الداخلي فإن ما بعد البنيوية لا تعترف بنظام البنية أصلا . فالمعنى ليس حاضرا في بنية العلامة أو النص وإنما هو نتاج الاختلاف بين سلسلة من العلامات ، فالعلامـة أو الكلمة لا تعني شيئا سوى ليست هي غيرها من العلامات . لذلك يمكن القول أنه إذا كانت البنيوية تفصل بين النص وسياقه الاجتماعي ، فإن ما بعد البنوية تفصل بين الدال والمدلول أو بين النص ومعناه ، ومن هنا يأتي الحديث عن ، مطاردة العلامات واللعب الحر بالدوال . والنتيجة غياب المعنى والمعرفة المشتركة .
والمعروف أن مصطلح ما بعد البنيوية يطلق على التفكيك والتفكيكية التي دشنها الفرنسي جاك دريدا عام 1966م . وقد لاحظت من خلال متابعتي لخطاب الحداثة أن البنيويين عندنا يخطلون بين التفكيك والتحليل والحق أنه لا يوجد علاقة بين الاثنين اللهم إلا العلاقة الظاهرية التي يوحي بها اللفظ . والتحليل من أبغض الكلمات في عرف ما بعد البنيوية او التفكيك . فالتحليل يعني إحالة الشيء وإرجاعه إلى أصله أي بنيته ، بينما التفكيك يقوم أصلا على تدمير مبدأ الإحالة المرجعية .
09-12-2006, 00:10 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
ويعتبر أسامه الخواض أن أهم منجزات البنيوية وما بعدها هي إعادة الاعتبار لمفهوم النص كبنية لغوية ، يقول : ( فالتيارات التي كانت سائدة تنفي النص وتهمشه ) . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل البنيوية أول منهج أدبي يركز على مفهوم البنية اللغوية ؟ ألم يسبقها إلى ذلك مدرسة ( الفن للفن ) عند أوسكار وايلد وكروتشه ؟ ألم يسبقها إلى ذلك النقد الجديد في الثلاثينات الذي يركز على الوحدة العضوية للعمل الأدبي ؟ ألم يسبقها الشكليون الروس في العشرينات في طرح مفهوم بنية النص اللغوية ؟ وماذا يكون النقد البلاغي العربي القديم سوى التركيز على العلاقة بين المبنى والمعنى للنص الشعري ؟
ولكن مع ذلك إلى أي مدى يمكن القول أن البنيوية وما بعدها قد ركزت على بنية النص اللغوية في مقاربتها للنص الأدبي ؟ الحقيقة بالرغم من كثرة الحديث عن ، مقاربة ، و ( إضاءة ) النص إلا أن العلاقة بين النص الإبداعي والنص النقدي تقوم في أغلب الأحيان على ، المباعدة ، وليس على ، المقاربة ، . أو يتخذ الناقد من النص الأدبي مجرد مناسبة الاحتفال بمهارته اللغوية واستعراض حصيلته المعرفية من المصطلحات والمفاهيم الحداثوية . والنتيجة نص موازي للنص الإبداعي لا علاقة له بالنص المراد ، مقاربته . فالهدف أصلا أن يلفت النص النقدي الأنظار إلى نفسه أكثر من لفت الأنظار إلى النص موضوع المقاربة .
وتمشيا مع تدمير البنية المرجعية الذي طرحته ما بعد البنيوية رفع الحداثيون شعار ، القطيعة المعرفية . وقد أدى تطبيق هذا الشعار بطريقة غير جدلية وغير تاريخانية إلى الاستهتار بالقيم والتقاليد الأدبية والفنية وإلى الاستخفاف بالتراث الثقافي والأدبي الأمر الذي قاد إلى غياب المعايير حتى اختلط الحابل بالنابل وصار من الصعب جدا أزاء نزعة التجريب المحمومة التي سادت كل النشاط الأدبي ، التمييز بين النص الجيد والنص الرديء إذ أصبح كل نص مهمـا كان حظه من النجاح ، إبداع . وهنا يأتي المأخذ الذي أشار إليه دكتور حيدر إبراهيم في مقدمة العدد الثاني من مجلة ( كتابات سودانية ) في محله تماما حينما قال : ( رغم أن لكل ثقافة تاريخها وإن أي قطيعة مع الماضي لا يمكن أن تكون كاملة ، يحاول هؤلاء الشباب أحيانا تهديم كل المعابد ) .
أذكر أنه في عام 1987م ومن خلال منتدى الأحد الذي كان يقام بدار الكتاب السودانيين ، قدم أحمد طه امفريب أحد أبرز رمـوز النقد البنيــوي ومـا بعده ، قراءة لما أسماه ( جسد إبداعي ) أرتكب فيه خطأ نحويـا ، فقـرأ كلمـة ( كموج ) بالضم وليس بالكسر المنون ، وعندما أحتج عليه البعض بالتصحيح ، رد عليهم بأن ليس ذلك خطأ وأنما مخالفة مقصودة لقواعد النحو والإعراب ، وأنه لا يؤمن بأية مرجعية لغوية أو غيرها . وأذكر أنني رددت عليه بمقـال نشـر حينـها بجريـدة ( الأيام ) بعنوان الحداثة ومأزق التجريب .
ومن الاشكالات التي أثارها شعار ( القطيعة المعرفية ) مسألة لتواصل بين الأجيال في الحركة الثقافية . لقد أدت القطيعة المعرفية إلى قطيعة بين الأجيال . وقد أنعكس لك بصورة واضحة في أداء اتحاد الكتاب في فترة الديمقراطية الثالثة فكان جيل الحداثة في وادي وبقية الأجيال في واد آخر . ولا يمكن طبعا قيام أي نهضة ثقافية حقيقة بدون تواصل فاعل بين مختلف الأجيال .
أعتقد أنه آن الأوان لمراجعة مثل هذه المفاهيم وأي محاولة لتقييم مسار الحركة البنيوية لابد أن تقف لمسألة مفهوم ، القطيعة المعرفية . فهل هنالك حقا قطيعة معرفية أم تراكم معرفي ؟ وإذا كانت هنالك قطيعة فما درجة هذه القطيعة ؟ وهل تتم هذه القطيعة في الزمن وعبر السيرورة التاريخية أم تتم بقرارات فوقية ارتجالية ؟
أشار أسامه كذلك أنهم اعتمدوا في العمل للتبشير بالمناهج الحديثة على إعادة تثوير مفهوم الشلة . وبالرغم من الحديث عن تثوير مفهوم الشلة إلا أن ذلك لم يتعد التعبير عن النوايا الحسنة ، وظل المفهوم القديم للشلة هو السائد . ولقد أضرت الشلليات بالحركة الثقافية ضررا بليغا . فالولاء للشلة مقدم دائما على حساب مبدأ النقد والمساءلة والأمانة العلمية والأخلاقية .
ومهما يكن من أمر فقد فتح أسامه الخواض بمحاولته جرد حصاد الحركة البنيوية الباب على مصراعيـه للجميع للإدلاء بشهاداتهم حول هذه التجربة سواء كانوا من داخل المشهد البنيوي أو من خارجه . وأرجو أن نتخذ من نهاية القرن وبداية الألفية الجديدة مناسبة لمحاسبة النفس بلا هوادة أو مجاملة حتى نمضي في الانطلاق بخطى أكثر ثقة وثبات ينبغي ألا تسقط شهادة أسامه في هوة النسيان التي تتسع لها بلادنا مثلما تتسع لكل عوامل الإحباط والخذلان .
عبد المنعم عجب الفيا
09-12-2006, 00:19 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
مشهد النسيان البنيوية وما بعدها في السودان نموذجا محاولة شهادة
"وقت للهزائم وفي المنافي يطيب الحديث عن التاريخ أو وهم التاريخ" عبد الرحمن منيف ـ مدن الملح ـ تقاسيم الليل والنهار
"الويل للبنيوي إذا ما ظهر في الشارع" أحد شعارات أحداث مايو 1968م في فرنسا
(1)
من عتمة الروح إلى عتمات النسيان المضيء ظلال المشهد في الصباح الباكر من يوم 12/11/1992م هبطت مصر قادما من صوفيا، فتركت عينيّ ـ مرارا ـ لأتأكد فعلا من أنني هبطت مصر!!! كانت عيني اليسرى متورمة إثر هجوم عنيف شنه علي ـ ذات مساء حزين ـ النازيون البلغار الجدد. كان مطار القاهرة الدولي مغمورا بنور لطيف، وكانت أطياف الدهشة تحوم حول نبع الخلاص الذي غمر روحي. إذن لقد خرجت فعلا من الجب، فقد كنت غير قادر على إيجاد منفى مناسب بعد تخرجي من جامعة صوفا. كان أمامي ـ حينها ـ إما الجنون أو الموت ـ ونجحت ـ أخيرا ـ جهود أصدقائي في المنافي في تجنيبي مغبة السقوط في الجب. بعد أيام من وصولي إلى القاهرة، وأنا بين الدهشة والإنهاك، اكتشفت أن جيلنا لم يصبح ـ بعد ـ في طي النسيان. كانت هناك مقدمة عبد الله بولا لنصوص صلاح الزين القصصية (1) كتأسيس للسياق التاريخي لكتابات صلاح الزين وكتابات رفاقه "أُبّان خرتايات" ـ ص 11 ـ كما صدرت مقدمة العدد الثاني من مجلة "كتابات سودانية" (2)؛ تحدثت مقدمة بولا عن البنيوية في السودان، وأنجزت المقدمة الأخرى ما أسميه تحليلا سوسيولوجيا موجزا لتجربة جيلنا الإبداعية؛ فرحت لذلك بقدر ما حزنت، فرحت لأن اجيلنا استطاع أن يترك بعض البصمات على جسد ثقافتنا السودانية المعاصرة؛ وحزنت لأنني اكتشفت أن النسيان يلف حياتنا كلها بغلالة سميكة. لقد اكتشفت مفهوم النسيان بعد تجربة شخصية مريرة انطلاقا من السؤال الذي انتصب بعد ذلك: لماذا ينسى الصديق صديقه؟ قادتني فكرة نسيان الصديق لصديقه ـ بعد تأمل ـ إلى فكرة نسيان العالم كله لوطني السودان، وبعد ذلك توصلت إلى قناعة مفادها أن أية مقاربة جادة للمشهد الثقافي السوداني المعاصر، ومن ضمن ذلك تجربة جيلنا، لا يمكن أن تكون متماسكة بدون تبني مفهوم (النسيان) كمفهوم مركزي لا غنى عنه. لقد انبثق ذلك المفهوم من عتمة الروح، وهو يسير إلى عتمة النسيان المضيء بقوته وحيويته وغناه في فهم مشهدنا الثقافي المعاصر. وسأحاول في هذا الدفتر من (دفاتر الأعوج) تأسيسي مفهوم النسيان إنطلاقا من المقدمتين المذكورتين، وعبر إشارات موجزة من تاريخنا السياسي والثقافي، وسأمزج كل ذلك بمحاولة تقديم شهادة بغية التأريخ لبعض تجارب جيلنا، حتى رحيلي من السودان في 21/9/1986م. أحب ـ بهذه المناسبة ـ أن أنبه إلى المحاذير الأخلاقية التي ارتبطت بمفهوم الشهادة، وهي محاذير تتراوح بين "التواضع" و"العارف عزه مستريح"، وذلك أدى إلى النظر بارتياب إلى مفهوم "الشهادة" لكننا سنتخطى كل ذلك. كما أحب أن أنبه ـ ايضا ـ إلى أن شهادتي ليست شهادة كاملة، ولكنها محاولة شهادة ـ لماذا؟؟ لأن شهادتي نفسها ستكون محاصرة بالنسيان الذي تحاول التأسيس له. فالمهاجر، ورائحة المنافي الاختيارية والإجبارية معا، ووقع الهزائم، وخيانات الأصدقاء، كل ذلك قد أرهق ذاكرة هذه الشهادة. ولذلك أطلب ممن عاصروا تلك الفترة أن يصلحوا ما أفسده النسيان (3)؛
ـــــــــــــــــــــــــ هوامش؛ ـ(1) صلاح الزين؛ عنها والإكليل والإنتظار، الطبعة الأولى، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، نوفمبر1992م ـ (2) كتابات سودانية، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، بدون رقم وتاريخ، وقد أشار إلى ذلك عبد السلام سيد احمد في العدد الثالث من كتابات سودانية، أبريل 1993م، حين قال مستطردا "ولكن يلاحظز صدور العدد من غير رقم ولا تاريخ (نحن نتحدث فقط بمعرفة أنه العدد الثاني)" ص104 ـ(3) صوّب محمد عبد الرحمن ـ في اليمن كثيرا من التفاصيل التي وردت في المسودة الأولى
09-12-2006, 00:20 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
عن مديح العصامية واحتمال انقراض سلالة الكتاب السودانيين
النسيان ـ أصلا ـ كان السياق الذي اندرج فيه إسم وطننا "السودان" الغامض المنسي في وجوده في العالم. وذلك أمر مرتبط بانعدام الفعالية. وتنجم عن ذلك صور مغلوطة وزائفة عن ذلك الإسم. ويمكننا أن نلحظ ذلك في وضعية الشك والإرتياب التي حكمت وجهة نظر السودانيين و(الآخرين) حول ذلك الإسم المنسي. يتحدث تيسير محمد أحمد علي عن أن السودان قطر (احتار المراقبون في وصفه) (4) وتلك الحيرة في وصف ذلك الإسم تشمل حتى (وضعه الجيوبوليتيكي) (5). ويتحدث كاتب آخر ـ في نفس المنحى ـ عن حيرة مشابهة (فيما يتعلق بتحديد الأرض التي تشكل السودان) (6) كما أن الإسم المنسي نفسه كان موضع تساؤل من السودانين أنفسهم(7)، بل أن للإسم نفسه أوصافا متناقضة (. ويمكن ـ إذا نظرنا قليلا إلى الوراء ـ أن نجد دلائل عن شعور السودانيين بأنهم ضحية الصور التي يرسمها الآخرون عنهم، وخاصة الجيران. أشار حمزة الملك طمبل ـ في العشرينات ـ إلى تلك الصور حين كتب "يشعرني بشيء من الأسف هذا الذي أراه في مصر من جهل الناس بأحوال السودانيين وارتسام صور مشوهة في أذهانهم عنه ولعل أهون ما في هذا أن يظن بعضهم أن السودانيين لم يعلموا بالشعر"(9)؛ هكذا ارتسم في العقل السياسي السوداني المعاصر مشهد النسيان الذي يعيشه وطنهم. وصرنا منسين، نتيجة تخلفنا وغيابنا وعدم إيصال صوتنا للآخرين. وكل ذلك أوقعنا في ذلك الدرك السحيق من الغياب. وكرد فعل على ذلك النسيان، تم إنتاج روح متضخمة تتسم بالإحساس الزائد بالذات، وأسطرة تلك الذات للدفاع عن الاسم المنسي. ولذلك كتب إسماعيل حسن؛ "تقولي شنو وتقولي منو" وكانت تلك محاولة خائبة لتعريف (الآخر) باسمه المنسي. ثم كانت هذه المحصلة المتضخمة؛ "تخيل كيف يكون الحال لو ما كنت سوداني" وقبل قصيدة إسماعيل حسن كانت الأغنية الشهيرة؛ "ياخوانا الجمال موجود في كل مكان لكن الجمال الأصلي في السودان" اعتقد أن من حقنا ـ كبقية الشعوب ـ أن نبني أساطير عن أنفسنا، لكن بناء اساطيرنا عن إسمنا المنسي، كان رد فعل لنسيان الآخرين له. وامتد رد الفعل ذلك ليصل إلى النزعات الرسالية التي تتبنى المشاريع الحضارية التي تمهد للسيطرة على العالم كله إنطلاقا من الإسم المنسي "السودان"؛ بالتأكيد، لا يمكن لتلك النظرة المهزوزة المنطلقة من ردود الفعل، لا يمكن لها أن تجد تفسيرا معقولا لمشهد النسيان الذي يحيط بحياتنا. التفسير الجغرافي باعتبارنا هامش الهامش لا يبدو مقنعا لتفسير النسيان، رغم أهمية العامل الجغرافي. هامش الهامش ـ في تفسير آخر ـ هو توصيف لبنية "التخلف" التي حجبت دورنا في إيصال صوتنا إلى الآخرين، وفي أن يتلهف الآخرون ـ مرغمين ـ إلى سماع صوتنا. بنية "التخلف" هي التي خلقت منا هامشا ثقافيا، في علاقتنا بالمراكز الثقافية العربية الأخرى. ويؤكد ذلك محمد بنيس في حديثه عن العلاقة بين المركز والهامش الثقافي حين يقول "هناك قانونان أساسيان أولهما إجتماعي تاريخي، وثانيهما ثقافي وهما رئيسيان في خلق المركز وشروط تعامله مع الهامش"(10)؛ كل ذلك خلق ما نسميه بـ"النسيان الأكبر" أي نسيان العالم للإسم الغامض "السودان"؛ وقد نشأ الإبداع السوداني المعاصر ضمن هذا "النسيان الأكبر" أي ضمن بنيتنا الاقتصادية والاجتماعية الموسومة بـ"التخلف". ولا يمكن فهم الإبداع السوداني المعاصر إلا ضمن تمفصله مع تلك البنية التي وصفناها؛ وضمن تلك البنية، لا يشهد الإبداع السوداني المعاصر درجات متساوية في علاقته بـ"النسايان". قليل من المبدعين السودانيين أفلتوا من دائرة النسيان. فالمطربون وقليل من المسرحيين والتشكيليين أمكنهم أن يجنوا أموالا وشهرة لا بأس بها. لكن الغالب في ذلك أن المبدعين مصيرهم مزبلة النسيان. وحتى إذا افلتوا من ذلك ـ نتيجة مفارقتهم الحياة الدنيا ـ فلن يجنوا سوى التمجيد العابر والتأبين المؤثر. ليعودوا مرة أخرى إلى مزبلة النسيان. وهناك أجناس محددة من الإبداع تعيش ما أسميه بـ"النسيان المضاعف" وذلك لأن ممارستها تقتضي إمكانيات كبيرة لا يستطيع سياقنا الثقافي توفيرها، مثل السينما والنحت، والتصوير وكافة أشكال الخطاب التشكيلي. وضمن ذلك السياق يمكن أن نقول أن الكتابة لم تعش ذلك "النسيان المضاعف" لكنها لم تنج من الوقوع في شراك النسيان. فهي ـ في الأصل ـ منسية، وغير مرغوب بها. فحتى الدولة ـ الأم الحنون ـ لم تول إهتماما كافيا بالكاتب السوداني، وفاقم ذلك غياب صناعة ثقافية متطورة. وفي هذا المقام يمكن أن نشير إلى منح التفرغ التي تمنحها الدولة المصرية للكتاب المصريين؛ لقد نشأ الكاتب السوداني منسيا، وهذا مرتبط بنموذج التحديث السوداني، الذي كان ـ في الأصل كلونياليا. كان ذلك النموذج التحديثي مفروضا من الخارج. والذي امتزج بالعنصر التقليدي المحافظ الذي هيمن في معظم فترات التاريخ السوداني المعاصر؛ لا يمكن معاينة دور الكاتب السوداني إلا ضمن معاينة المشهد الإقتصادي الاجتماعي السوداني المعاصر، والذي يتسم بما أسماه "الحاج وراق" "التطور الهابط" المنزلق دوما إلى الأسفل في مسيرته المستقبلية؛ في ضوء كل ما ذكرنا يمكننا الحد\يث عن مستقبل الكاتب السوداني وذلك الحديث لا يتضمن الكلام عن موت الكاتب أو المؤلف بالمفهوم "البارتي" ولا عن موت الكتاب بالمفهوم ما بعد الحداثي، وإنما عن احتمال إنقراض سلالة الكتاب السودانيين. وفي هذا الصدد يمكن للبنائية الوظيفية أن تكون مفيدة ـ على الأقل ـ في تعميق النقاش عن دور الكاتب السوداني في مجتمعه. ويمكن أن يتم ذلك من خلال تبني مفهوم المنزلة الإجتماعية أو المركز الإجتماعي (Social Status) الذي يعني "المركز الذي يحتله الفرد أو العائلة أو الجماعة القرابية في نظام اجتماعي معين بالنسبة لمراكز الآخرين، والمنزلة الاجتماعية هي التي تحدد الواجبات والحقوق والسلوك والعلاقات الاجتماعية التي تربط واحدهم بالآخر"(11)؛ وفي ضوء ذلك المفهوم لا يمكن التحدث ـ فقط ـ عن واجبات الكاتب السوداني ـ كما درجت العادة ـ وإنما عن "حقوقه" التي ظلت ـ دوما ـ في خانة المقصي والمستبعد من المفاهيم؛ إرفاق الحقوق بالواجبات سيقودنا ـ بالضرورة ـ إلى فهم منزلة الكاتب السوداني في مجتمعه، ذلك لأن المنزلة الإجتماعية "تتأثر بعدة متغيرات أهمها الثقافة والتربية والتعليم والدخل، الملكية والحرفة وبقية النشاطات التي قوم بها المجتمع. غير أن للمجتمع أنظمته القيمية التي تحدد مركز الفرد الإجتماعي، وهذه الأنظمة غالبا ما تتأثر بالعوامل المادية والاقتصادية"(12)؛ وفي ضوء ذلك المفهوم نجد أن للكاتب السوداني واجبات، ولكنه منعدم الحقوق، لأن المجتمع ـ اصلا ـ لا يحتاج إليه، فبنية التخلف، وانعدام الاستقرار السياسي، وانهيار البنية التحتية للنشر، وغياب التقاليد والعادات المشجعة على الكتابة، كل ذلك ساهم في انزواء الكاتب السوداني في عتمة النسيان. وفاقم ذلك الوضع المزري، أن الحركة السياسية السودانية لم تفسح للكاتب مكانا مرموقا. وهذا يرجع إلى أن العقل السياسي السوداني ـ في غياب "العقد الاجتماعي" ـ يفهم السياسة بوصفها عملا قذرا (Dirty Game) يقوم على المكر والدهاء والتلاعب باللغة والتمترس خلف البلاغة الجوفاء؛ وإذا كانت السياسة السودانية قائمة ـ في جوهرها على نقض المواثيق والعهود ـ كما يرى أبيل ألير في رؤيته لمشكلة جنوب السودان ـ فإن السياسي السوداني لا يرغب في كاتب ينتج المعرفة والتنوير والتفكير النقدي الضدي، إنه يحتاج فقط إلى كاتب مناور، عديم الضمير والذاكرة، خدّاع زلق اللسان. استبعاد الحركة السياسية السودانية للكاتب يؤكده منصور خالد في حديثه عن افتقار الأحزاب السياسية السودانية إلى مراكز للدراسات والأبحاث. ويبدو هذا الاستبعاد غريبا ـ بشكل ما ـ إذا أدركنا أن كثيرا من النخبة السياسية السودانية، هم أيضا ـ كتّاب. ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر ـ محمود محمد طه، محمد أحمد محجوب، عبد الخالق محجوب، حسن الترابي، الصادق المهدي، محمد إبراهيم نقد، فرنسيس دينق، منصور خالد وغيرهم. لا يعني كل ذلك أن الأحزاب السياسية طردت الكاتب طردا نهائيا من فردوسها، فقد اهتم اليسار السوداني ـ وخاصة الحزب الشيوعي السوداني ـ بدور الكاتب السوداني في التغيير الاجتماعي، على المستوى النظري من خلال الوثائق الحزبية. لكن الأمر ـ على أرض الواقع ـ يبدو مختلفا. فالكاتب لا ينظر إليه إلا بوصفه مناضلا أو شهيدا محتملا. ولا يجد ـ ما عدا أحلامه المتفائلة ـ سوى انتظار الشهادة أو الفصل من الخدمة أو السجن أو التعذيب. وما بين الشهادة والتشريد يقوم العمل الحزبي برتابته المملة وحشره للكاتب في ما لا طاقة له به. وهذا ما دعاني ـ في حدود تجربتي الشخصية ـ إلى التوبة النصوح عن أي عمل سياسي حزبي؛ صحيح أن الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون) أبدت بعض الاهتمام بالكتّاب. لكن، ولأسباب عقائدية وسياسية، ولأسباب تتعلق بانطلاقها من رد العف تجاه اليسار، لم تنجح في إيلا دور مرموق ومهم وفاعل للكاتب؛ إزاء هذا النسيان المعتم، الذي يلف عالم الكاتب، حاول الكتاب القيام بمبادرات جريئة تستحق الإشادة، ولكن لا يجب التعويل عليها. وفي هذا الصدد، تحدثت "المقدمتان" عن العصامية لتلك المبادرات. تقول مقدمة (كتابات سودانية) "ورغم ثقف المأساة والسقوط، لم يكن الوطن عقيما، فقد أنجب أزهارا مبدعة وسط هذا الضمور والخواء. فقد ظهرت أقلام واصابع جريئة بعد بحث بطولي عن الفكر الأصيل والحب العميق الصادق. نقبوا في الكتب العصية عن الجديد والمختلف، والتي يتحصلون عليها برهن ملابسهم حقيقة لا مجازا، يبحثون عن الجميل وسط قبح اخطبوطي يمتد إلى كل الأنحاء والأركان. فأقاموا مسارحهم الصغيرة ومعارضهم التشكيلية بإمكانيات ضئيلة ماديا وطليعية في جوهرها ومضمونها" ص8. وتصل المقدمة في وصفها لذلك البؤس الطليعي إلى خلاصة مفادها أن ذلك يمثل "عصامية من نوع جديد يتميز بها هذا الجيل" ص 8؛ لا جدال في أن تقريظ عصامية جيلنا واجب أخلاقي، ولا جدال في أن هذا النمط من السياقات الثقافية البائسة ـ يمكن ـ وليس بالضرورة ـ أن ينتج إبداعا ـ لكننى لا أعتقد أن جيلنا ـ فقط ـ يتفرد بتلك العصامية. فالعصامية ميزت كل أجيال الحركة الثقافية السودانية المعاصرة. وكان ثمن تلك العصامية باهظا: إما الموت أو الجنون والتشرد. وقد لخص ذلك الشاعر محمد محي الدين في رثائه للشاعر إدريس جماع، وذلك في قصيدته الرائعة "التجول بين المزامير في حديقة الذهول"، قد تكون عصاميتنا "من نوع جديد" وذلك إنطلاقا من قانون "التطور الهابط" الذي يلقي بظله على تطور العصامية نفسها. وللتدليل على أن عصاميتنا ليست فريدة من نوعها، سنورد نصا من مقدمة عبد الله بولا، يدعي فيه ـ أيضا ـ أن أصدقاءه وطلابه القدامى كانوا يتمتعون بتلك "العصامية". ويقول عنهم: "كانوا مدقعين (ماديا) ومحاصرين من السلطة السياسية والسلطة الثقافية الرسمية في الأعوام النميرية الحالكة، ولكنهم استطاعوا أن ينسجوا من واقع هذا الفقر المادي والحصار السياسي والثقافي ـ من واقع مقاومتهما في الحقيقة ـ لغة ومفاهيم مذهلة الدقة" ص 10؛ لا بأس من الإشادة بالعصامية التي يتمتع بها الكاتب السوداني، لكننا لا يجب أن ننساق وراء الإطناب في مديح العصامية والتهوين من العامل "المادي" ـ فالعصامية وحدها لا تخلق من الكتابة فعلا مؤثرا وخلاقا وفاعلا. وما يحدث في أرض الواقع مرير ومريع. فكثير من الكتاب يختفون من فضاء الكتابة، ويحتمون بكواليس المشافهة، وكثير من أولئك يترك المشافهة، ليلوذ بالصمت المطبق. إن الإحساس بعدم جدوى الكتابة، وإنسداد الآفاق أمام النشر، حتى صرنا كتابا بلا كتب، وإزدراء المجتمع للكاتب، كل ذلك جعل "العمر الإفتراضي" للكاتب السوداني قصيرا. صحيح أن بعض الكتاب أتيحت لهم الفرصة لينشروا كتبهم "على حسابهم الخاص" ولكنهم أحجموا عن ذلك، لإحساسهم بعبثية النشر، والقيمة الهزيلة التي يوليها المجتمع للكتابة. لا أوافقهم ـ كليا ـ على هذا الموقف، لكنني أعتقد أن لمبرراتهم وجاهة معقولة. وحتى لو عدلوا عن موقفهم ذاك، فلا أعتقد أن ذلك سيكون بمثابة حل ناجع لأزمة النشر والكتابة؛ ويبدو أن الحل في مكان آخر. وقد حاول مركز الدراسات السودانية أن يحد هذا الحل عبر رفعه شعار "بالكتابة نهزم سلطة البياض وعقل المشافهة". ويحمد لهذا الشعار إثارته لكتابات ومشافهات خصبة حول الكاتب السوداني، وجدوى الكتابة. لكنني لا أعتقد أن المطلوب اليوم ـ مرحليا ـ أن يكتب المشافهون، بل أن يُنشر للأحياء الذين يكتبون، وللموتى من الكتاب الذين لم تنشر مخطوطاتهم، وإذا قمنا بإنجاز هذه المهمة العسيرة، يمكن أن نتفرغ لجذب وإقناع المشافهين بضرورة وجدوى الكتابة. إن هذا الحل المرحلي مهم حتى نحافظ على "نوع" الكاتب السوداني، ونحمي سلالته من الإنقراض والإختفاء من بسيطة الإبداع. إن الإنسياق وراء مديح العصامية وإزدراء العامل المادي، لا يمكن إلا أن يخفي عنا الحقيقة، ويجعلنا نمعن في السقوط، في هاوية النسيان. ولكي ندرك أكثر فداحة الخسارة التي ستلحق بنا إذا انسقنا وراء مديح العصامية، سنورد نصا من مقدمة عبد الله بولايوضح فيه المكانة الإجتماعية المتميزة المرموقة التي يتمتع بها المثقف الفرنسي. يقول بولا "فمنذ فلسفة الأنوار، أو بعبارة أفضل، بدءا من فلسفة الأنوار والمثقفين ـ هكذا في الأصل ـ يلعبون في فرنسا دورا قياديا، وضعهم على الأقل على قدم المساواة مع القادة السياسيين والعسكريين والإقتصاديين، فأصبح المثقف بطلا قوميا مع صعود البرجوازية يطلق اسمه على الشارع والميادين ومحطات المترو، فولتير، روسو، هيجو..." ص 4؛ وبعد ذلك هل ستبقى للعصامية من مشروعية، الله إلا على المستوى الأخلاقي؟؟؟
09-12-2006, 00:21 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
هوامش؛ ـ (4) تيسير محمد أحمد؛ زراعة الجوع في السودان، ترجمة محمد علي جادين، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، ديسمبر 1994م، ص 5 ـ (5) نفس المرجع، ص 5 ـ (6) مدثر عبد الرحيم؛ الإمبريالية والقومية في السودان ـ دراسة للتطور الدستوري والسياسي 1899ـ1956م، دار النهار للنشر ، بيروت، ـ 1971م، ص2 ـ (7) يضرب مدثر عبد الرحيم في المرجع المذكور أعلاه مثالا على ذلك عندما ذكر "أنه عندما نالت المستعمرات الفرنسية في غرب أفريقيا استقلالها سنة 1960م، كان من الطبيعي أن تتخذ إسم "الجمهورية السودانية". فنشأ إلتباس بين جمهورية السودان والجمهورية السودانية دعا بعض الناس في الخرطوم (وقد جرى بحث هذه الفكرة فترة وبصورة جادة في الصحافة المحلية) إلى اقتراح عودة البلد إلى الإسم الأقدم: سنار، أو حتى إلى الأسم الذي كان قبل الإسلام "نوبيا"، على غرار ما فعل شاطئ الذهب مثلا عندما عاد إلى إسمه التاريخي "غانا"، وما فعلته الحبشة عندما عادت إلى إسمها القديم "إثيوبيا"، إلا أن الجدل حول هذا الموضوع لم يلبث أن طوي عندما ثبتت الجمهورية السودانية إسم "مالي"؛ ـ ( في 1954م أصدر أ. مان كتابا عن السودان بعنوان where God Laughed وترجم العنوان "حيث ضحك القدر" ـ "زراعة الجوع في السودان، مصدر سابق ، ص 5. وفي منتصف الستينات، كان للإسم المنسي وصف آخر، في إطار تحقيره، وهو "رجل أفريقيا المريض" وهو تعبير ا ستخدمه سيكوتوري ثم جومو كينياتا. وفي السبعينات أعطى منصور خالد أوصافا مغايرة لذلك الإسم عبر شعارات "سلة غذاء العالم" و"سلة غذاء الشرق الأوسط" ـ زراعة الجوع في السودان، ص 161 ـ (9) عبد الهادي الصديق؛ أصول الشعر السوداني، الطبعة الأولى، المجلس القومي للآداب والفنون، الخرطوم، 1973م، ص 15 ـ (10) محمد بنيس؛ حداثة السؤال ـ بخصوص الحداثة والشعر والثقافة، الطبعة الثانية، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ـ1988م، ص 55 ـ (11) دنكن ميشيل؛ (تحرير) معجم علم الإجتماع، ترجمة ومراجعة إحسان محمد الحسن، الطبعة الأولى، دار الطليعة، بيروت، 1981م، ص 210 ـ (12) نفس المرجع ص 210-211
09-12-2006, 00:22 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
(3) البنيوية وما بعدها في السودان رواية منهكة لسيرة مشهدها المتوضع
تكتسب روايتي المنهكة ـ بفعل النسيان ـ أهميتها من كونها محاولة للتأريخ للمشهد البنيوي وما بعده في السودان. ذلك المشهد الذي سيبدو متواضعا مقارنة بالمراكز الثقافية العربية على الأقل؛ وفي اعتقادنا أن التأريخ لبدايات المشهد البنيوي وما بعده، كما تجلى في مجهودات جماعة "تكوين"، هو تاريخ الزخم الأكبر الذي كان تأسيسا للمقاربات النقدية الحديثة في السودان. صحيح، أن بعض الكتابات النقدية الحديثة استندت على المقاربات النقدية الحديثة بأوجه متفاوتة(13). لكن دخول تلك المقاربات بقوة ملموسة تم على أيدي جماعة "تكوين"، والتي اجتذبت مجهوداتها مجموعة كبيرة من الكتاب الشباب في ذلك الوقت؛ كما المشهد الإبداعي السوداني كله، كانت العصامية شرطا رئيسا ووحيدا في سيرورة جماعة "تكوين"؛ ولكي يكتمل فهم الدور الأول للعصامية، سنحاول تقديم سرد موجز للسياق الذي حكم المشهد البنيوي، وما بعده في السودان. تلخص مقدمة "كتابات سودانية" ذلك حين تقول "فهذا الجيل لم تخلق له مدارس فكرية صارمة في منهجيتها ومعارفها، ولا تراث وطني يتطور بالتراكم والاستمرارية، ولا تاريخ ممتد بالفخر والمجد والشرف، ولا فنون سمعية وبصرية ترتقي بحسه الجمالي، حتى ولا تنظيمات ديمقراطية صاعدة، ومؤسسات مجتمع مدني تحميه من شرور الدكتاتوريات وفكر القرون الوسطى" ص8. قد لا نتفق حول دقة بعض الأحكام مثل غياب التاريخ الممتد بالفخر.. إلخ وغياب الفنون السمعية والبصرية، لكننا نتفق مع التحليل السوسيولوجي الموجز في عموميته التي تشير إلى بؤس السياق السياسي والاجتماعي الذي شكل إطارا لتجربتنا المتواضعة لتواضع السياق نفسه؛ ضمن ذلك السياق البائس، كان المشهد المؤسساتي قاتما وبائسا. فالمؤسسات الأكاديمية غارقة في تقليديتها ومحافظتها. والمؤسسات الثقافية تمتلئ بالبيروقراطيين والمحافظين والمنبتّين إبداعيا. لذلك انطلقت المقاربات النقدية الحديثة من الهامش الثقافي. وكان ذلك الهامش يشهد صحوة واضحة في أوائل الثمانينات. فقد انتشرت الجماعات الصغيرة ـ كما يسميها محمد خلف ـ ونذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ جماعة تجاوز بمعهد الموسيقى والمسرح، وجمعية الصحوة الأدبية بجامعة الخرطوم، وندوت الفتيحاب وندوة الصافية. كما ازدهر نشاط الجمعيات الثقافية الإبداعية في أقاليم السودان الأخرى، وكان أهمها رابطة الجزيرة للآداب والفنون ورابطة سنار الأدبية؛ كما شهد هامش آخر ـ في الجامعات والمعاهد العليا في العاصمة ـ صحوة إبداعية مماثلة من خلال الأعمال الدرامية والموسيقية المتأثرة بتجربة معهد الموسيقى والمسرح. ونشأت فئة من الشباب ذات ثقافة فرعية لها روح راديكالية يسارية (ليس بالمعنى السياسي فقط)، من خلال ارتباط تلك الفئة بأشعار حميد والقدال ومحجوب شريف، وعشقها لرموز مثل مصطفى سيد أحمد وفرقة "عقد الجلاد" الموسيقية، وقد أشارت إلى ذلك مقدمة "كتابات سودانية" حين قالت عن هؤلاء الشباب "ويسرون ليلا على صوت مصطفى سيد أحمد وعقد الجلاد إلى عوالم سامية لفن إنساني بسبب محليته" ص8؛ ضمن ذلك السياق التقينا أنا وعبد اللطيف على الفكي في بداية الثمانينات ـ لا أذكر التأريخ بالضبط ـ كان كل منا قد لفتت إنتباهه المقاربات النقدية الحديثة. وقد تعرفنا عليها من خلال الكتابات والترجمات العربية، ومن خلال بعض المراجع الإنجليزية. لم يكن لقاؤنا الحميم والمتحمس مع تلك المقاربات بداعي الإنبهار وبعجمة المصطلح ولعبة الأشكال والتخطيطات التجريدية وإنما لشعورنا المشترك بحاجة حقلنا الثقافي لتلك المقاربات. هجرة تلك المقاربات إلي السودان اقتضتها ضرورة ربط حقلنا الثقافي المحلي بما يدور في الحقل الثقافي العالمي؛ كانت هناك حاجة ملحة لتجاوز المشهد الثقافي السوداني والذي اتسم بهيمنة المناهج التاريخية والإجتماعية كنسخة محسنة من الواقعية الإشتراكية، كما ساد المنهج البيوغرافي والكتابات التي تفتقر إلى الخطاب النقدي وتتمترس بالبلاغة الطنانة في الحديث عن النصوص؛ التقينا بعد فترة قصيرة بمحمد عبد الرحمن حسن، وكان له ـ أيضا ـ اهتمام عميق بالمقاربات النقدية ولكن من وجهة نظر الخطاب التشكيلي؛ اكتشفنا ـ ثلاثتنا ـ أننا نحتاج إلى مراجع باللغة الإنجليزية، تشاركنا مبلغا من المال، وذهبنا إلى أحد "الخواجات" وهو صاحب مكتبة خرطوم بوكشوب ـ على ما أظن ـ فقام بتوفير بعض الكتب، من بينها كتابان لجاك دريدا، وكتاب "قراءة رأس المال"، و"مطاردة العلامات" لجوناثان كلر، وكتب أخرى لا أذكرها؛ وقمنا، أنا وعبد اللطيف ـ بكتابة رسالة إلى كمال أبوديب، ولم نتلق منه رداً. وعلمت من عبد اللطيف ـ بعد ذلك ـ إنه استلمها ـ كما أرسلت رسالة إلى محمد بنيس ـ بعد أخذ عنوانه من محمد عبد الحي ـ وعرضت عليه فكرة الذهاب إلى المغرب؛ أحد المراكز العربية المهمة المشتغلة على المقاربات النقدية الحديثة. وقام محمد بنيس بالرد على الرسالة، وإندهش من أنه معروف بدقة فائقة في السودان. ونبه إلى غلاء المعيشة في المغرب، فصرفنا النظر عن فكرة الذهاب إلى هناك؛ وقد قام عبد اللطيف أثناء زيارته للقاهرة بزيارة "سيزا قاسم" والتي أهدته معجما قامت بإعداده بالعربية عن المصطلحات السيموطيقية. وقد قمت بنشره مسلسلا على صفحات "السياسة" بعد أن رفض "الميدان الثقافي" نشره لأسباب غير واضحة إلى الآن؛ في إطار التعريف بتلك المقاربات، قمنا بتقديم أوراق من خلال قنوات الهامش الثقافي مثل جمعية الصحوة الأدبية بجامعة الخرطوم ـ والتي ساهمتُ في تأسيسها عندما كنت طالبا بكلية الصيدلة ـ وجماعة تجاوز وندوة الفتيحاب والصافية، كما عقدنا ندوات في مدني وسنار؛ وفي الجانب التشكيلي، كان محمد عبد الرحمن نسيج وحده في اهتمامه بالمقاربات النقدية الحديثة. فقد قدم في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في الخرطوم؛ قراءة سيميولوجية بنيوية للوحتين لموديلياني وغوغان مستخدما الشرائح في قراءته تلك. وعلمت من محمد عبد الرحمن ـ بعد ذلك ـ أن تلك الشرائح ضاعت. كما استفاد محمد عبد الرحمن من تلك المقاربات في معرض تخرجه في عام 1985م. وقدم في معرضه ذاك نماذج سيميولوجيا الصفحة الشعرية بإبراز علاقة الفضاء البصري بالفضاء الدلالي من خلال نصوص شعرية من بينها "إنقلابات عاطفية" لكاتب هذا الدفتر. والجدير بالذكر أن مفهوم سيميولوجيا الصفحة الشعرية كان مجهولا حتى لبعض الأكاديميين السودانيين(14)؛ كما استند بحث محمد عبد الرحمن على المقاربات النقدية الحديثة، وكان بعنوان "خطاب الحداثة في النقد التشكيلي"؛ وعلى المستوى الأكاديمي، حاول عبد اللطيف إنجاز رسالة ماجستير عن الخطاب القصصي والروائي للطيب صالح إنطلاقا من المقاربات النقدية الحديثة مثل البنيوية وعلم الدلالة والسيميولوجيا. لكنه لم يجد من الأكاديميين من يشرف على رسالته، بل أن أحدهم، وكان عميدا لإحدى كليات الآداب، نصحه قائلا "يا ابني مالك ومال النقد البنّاء والنقد الهدّام"!!! وانتظر عبد اللطيف حتى التحاقه بمعهد الخرطوم الدولي لتعليم العربية لغير الناطقين بها أو للناطقين بغيرها!! آنذاك أنجز رسالته للماجستير عن "الجرجاني" بإشراف أكاديمي مصري ـ لا أذكر أسمه متخصص في علم الدلالة؛ وسعيا وراء تأسيس منبر مستقل يهتم ـ اساسا ـ بالمقاربات النقدية الحديثة، اتفقنا ثلاثتنا على إصدار مجلة بالرونيو كما كان يفعل الجمهوريون في إصدارهم لمطبوعاتهم، وسمينا المجلة "تكوين" (15) وشجعنا على ذلك إتقان عبد اللطيف للطباعة على الآلة الكاتبة محتذيا في ذلك حذو كبار الكتاب العالميين؛ قمنا ـ في البداية ـ بكتابة بيان إبداعي يوضح فهمنا للمقاربات النقدية الحديثة، وكان ذا طابع بنيوي. وبعد فترة قصيرة تعرفنا على المناهج ما بعد البنيوية. فقمنا بتعديل البيان وأكدنا في البيان على ضرورة إعادة إنتاج مفهوم "الشلة" ليتضمن العمل الإبداعي الجماعي ضمن مشروع مشترك؛ وحوى العدد ـ الذي لم يصدر ـ ترجمات عن المقاربات النقدية الحديثة للخطاب الأدبي، والسينمائي والتلفزيوني والتشكيلي. وعندما تعرفنا على "محمد خلف" من خلال فعاليات الهامش الثقافي، قام بكتابة عرض لكتابات أدوار سعيد "الإستشراق" ترجمة كمال أبوديب فإضفناه للعدد؛ ولتوفير الدعم المالي اللازم لإصدار "تكوين" قام عبد اللطيف بطباعة تذاكر للتبرع، وتمكنا من جمع ما يساوي خمسين دولارا. وفي ذلك الوقت كان عليّ الذهاب للدراسة في جامعة صوفيا في بلغاريا. وكان جيبي خالي الوفاض، فاستأذنت عبد اللطيف في أخذها فوافق على ذلك. وفي ليلة 22/9/1986م استقليتُ ـ مع مجموعة من الأصدقاء ـ سيارة الصديق الشاعر "عبد المنعم رحمة الله"، وقمنا بأكل سندوتشات فول من "أبو العباس"، وقمت بإلقاء النظرة الأخيرة على شوارع الخرطوم، وعلى المشهد البنيوي وما بعده؛
09-12-2006, 00:23 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
هوامش؛ ـ (13) نذكر مثالا على ذلك كتاب يوسف نور عوض "الطيب صالح في منظور النقد البنيوي" وكتيب أحمد عبد الرحيم نصر "أسطورتان"؛ ـ (14) يتحدث صلاح الدين المليك ـ ساخرا ومستغربا ومحتارا ـ عن السيميولوجية الشعرية لـ"العودة إلى سنار" حين ييقول أنها "كتيب من إثنين وأربعين صفحة، طول الصفحة الواحد يقل قليلا عن اثنتي عشر بوصة وعرضه ثماني بوصات. والكتاب في هذا الشكل يشبه إلى حد كبير كراسات الرسم التي عهدناها في سني دراستنا الأولى. وإخراج الكتيب في هذا الشكل يفرض عليك أن تقرأه وهو مبسوط أمامك في مكتب أو منضدة، أما حمله بين يديك أو يد واحدة لتقرأه وأنت مستلق في مقعد مريح أو أنت مسافر في قطار أو طائرة فأمر غير يسير. ولهذا لنا أن نستغرب إخراج الكتيب في هذا الحجم وبهذه الصورة وربما نستغرب أكثر عندما نتصفح الكتيب فنجد أن نصف كل صفحة منه خلا تماما خلوا كاملا من اية كلمة، وأن الأبيات طبعت في النصف الأيمن فقط من كل صفحة وظل النصف الأيسر خاليا أبيض ناصعا في وقت ندر فيه الورق الأبيض الناصع الصقيل وغلا ثمنه وهذا أيضا ما يدعونا للاستغراب والحيرة. إننا تساءلنا وسألنا عن كل ذلك فلم نجد جوابا مقنعا ولا ردا شافيا ولايسعنا إلا أن نخلص إلى أن هذا الأمر ـ أمر إرخراج الكتاب في هذه الصورة ـ أمر شكلي لكننا لا نشك في أن حجم الكتاب مهما كان موضوعه وشكله لاذي يخرج به يعينان القارئ على تناوله للقراءة ويتوقف على القراءة الفهم والاستيعاب والاستفادة. ولو لم نكن من المشغوفين بالأدب عامة، والسوداني خاصة، لو لم نكن من المشتغلين بدراسته وتدريسه والنظر في كل ما ينشر عنه لما شرينا هذا المؤلف مع أن ثمنه زهيد فهول لا يعدو الثلاثين قرشا لكن الموضوع هام لأنه يمس جانبا مشرقا من تاريخ السودان القديم كما أن المؤلف مثقف مشهور" صلاح الدين المليك، فصول في الأدب والنقد، الطبعة الأولى، مطبعة التمدن، الخرطوم، 1978م، ص 42 ـ (15) الإسم في الأصل كان لجريدة حائطية كنت أصدرها في كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم، بين عامي 1978 و1980م
09-12-2006, 00:24 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
(4) إضاءات... عتمات .... مميزات جردة سريعة للبنيوية وما بعدها في السودان
رغم تواضع المشهد البنيوي وما بعده في السودان، إلا أنه أحدث زلزلة قوية في الحقل الثقافي السوداني. وهذا ما أشارت إليه مقدمة بولا حين قالت "وكان أصدقائي القدامى يلعنون البنيوية واليوم الذي "جاب" البنيوية في السودان، ويصبون هذه اللعنات في صورة نقد قريبة من الشجار" ص5. تلك الزلزلة لا تعني أن المقاربات النقدية الحديثة في السودان لم تكن مبرأة من الهنات والعيوب؛ ورغم قصر الفترة الزمنية التي حاولنا التأريخ لها، إلا أننا سنحاول تقديم جردة سريعة لتلك المقاربات. وتلك الجردة قد تمهد لجردة أكثر دقة وإنصافا، إذا رصدنا تجربة الثلاثة عشر عاما التي تلت هذه الجردة السريعة.
ـ (أ) إضاءات؛ تحدثت مقدمة بولا عن "الأصالة" التي يتمتع بها جيلنا حين قالت "لم يكن من بين أولئك الشبان "أبان خرتايات" من يمكن أن تلصق به صفة الزيف. وكان بينهم صلاح الزين وأسامة الخواض، وعبد اللطيف علي الفكي ومحمد خلف الله، محمد عبد الرحمن حسن، وأمفريب والفاتح مبارك وغيرهم" ص6؛ وللتدليل على تلك "الأصالة" تتحدث مقدمة بولا قائلة "إن المفاهيم النقدية التي جلبها الشبان إلى الحقل الثقافي السوداني تستحق وقفة فاحصة من كل الأطراف، كما أن تطبيقهم لها في كل مستويي إبداعية النص النقدي والإبداعي يمثل إضافة أصيلة لحركتنا الثقافية" ص11؛ أهم المنجزات التي حققتها تلك المقاربات ـ في نظرنا ـ تتمثل في ربط الحقل الثقافي السوداني بتيارات الثقافة العالمية المعاصرة. ولا يمكن فهم هذه المسألة فهما عميقا إلا في ضوء الثقافة الرسمية النميرية الظلامية والتي كانت معادية للعقلانية والتنوير والتفكير النقدي الضدي؛ ولقد ساهمت تلك المقاربات في إعادة الاعتبار لمفهوم النص كمفهوم مركزي لابد منه لأية مقاربة نقدية. فالتيارات النقدية التي كانت سائدة ـ آنذاك ـ بوضعيتها التي وصفناها، كانت تنفي النص الأدبي وتهمشه. واعادة الاعتبار للنص، وخاصة النص الأدبي، أعادت الاعتبار لبنيته اللغوية. وفي هذا الصدد تقول مقدمة بولا "لقد أعطى مبحث البنيوية اللغوي الذي أزال القداسة عن أية بنية لغوية، شبابنا جسارة على الخروج من مألوف اللغة لم تتوفر لسابقيهم من دعاة التجديد. كان التجديد يأتي "عفو الخاطر" من احتياجات وضرورات التطور الاجتماعي والسياسي والثقافي الموضوعية العامة. أما بعد مباحث اللغة الحديثة التي أسقطت القداسة، فقد أصبح للتجديد والخروج على المألوف نظرية أو نظريات تعطيه مشروعية مسبقة" ص7؛
لقد نبهت مقدمة بولا إلى حقيقة مهمة، وهي أن المقاربات النقدية الحديثة وظفت للدفاع عن تجربتنا الإبداعية، وفي هذا السياق أذكر أنني كتبت مقالا مطولا للدفاع عن كتابتنا للقصيدة المدورة والتي كانت تلقى هجوما عنيفا من بعض الرموز الشعرية الهامة في ذلك الوقت. كما كتبت دفاعا عن تجربتنا الشعرية مقدمة موجزة لديوان محمد محي الدين "الرحيل على صوت فاطمة"، الذي صدر عن دار جامعة الخرطوم للنشر؛ إن حديثنا عن النص كبنية لغوية لم يجعلنا نقع في شراك الشكلية التي تتبناها بعض تيارات البنيوية، كما أننا لم نقع تحت تأثير النزعة التكنوقراطية العلموية الفرنسية كما ذكر بولا في مقدمته. ولقد انتقدنا تلك النزعة، كما انتقدنا ـ أيضا ـ الشكلانية البنيوية. وأظن أن غياب بولا خارج السودان، لم يعطه الفرصة لمتابعة ما نشرناه في هذا الصدد. فقد كتبت مقالة مطولة عن الماركسية والبنيوية. واعتقد أن النزعة التاريخية التي ميزت الحركة النقدية السودانية، و"المزاج" اليساري الذي يصبغ الحقل الثقافي السوداني، والوضعية الطبقية لمنتجي تلك المقاربات، أعتقد أن كل ذلك ساهم في مضادات الشكلية والعلموية النجومية؛ لا يمكن لجردة الإنجازات أن تكتمل بدون الحديث عن إعادة إنتاج مفهوم "الشلة"، والتي فُهِمت في الحقل الثقافي السوداني كعلاقة مرتكزة على العلاقات الشخصية والمصالح والمحاباة ومعاداة الآخرين ـ فقط ـ لأنهم لا ينتمون إلى تلك الشلة، حاولنا مضاداة ذلك الفهم، وتوسيع مفهوم "الشلة" ليتضمن العمل الجماعي القائم تحت مظلة مشروع إبداعي مشترك ووسيلته المساءلة، والحوار مع "الآخر" و"المختلف"، والتفكير النقدي الضدي؛
09-12-2006, 00:25 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
ـ(ب) عتمات؛ مآخذ المقاربات النقدية الحديثة في السودان كثيرة. ومأخذها الأكبر سياق "النسيان" و"التخلف" الذي ولدت فيه. وهذا ما طبعها بطابع التواضع والهزال إذا ما قارناها برصيفاتها في المراكز الثقافية العربية؛ ومن بين المآخذ الكثيرة، تورد مقدمة بولا هذا المأخذ ـ حين تقول ـ "إن شبابنا يطبقون مناهج النقد الحديث، والبنيوي بالذات، لكنهم لا يحاورونها ولا يساهمون في نقدها هي نفسها وإعادة صياغتها" ص11. ما يطالب به "بولا" صحيح، لكن ذلك يستوجب حقبة زمنية معقولة لتمثل تلك الاتجاهات البنيوية وما بعدها ـ وما قلناه عن شح المصادر وبؤس السياق الثقافي الذي أنتجنا، لا يوفر بيئة مناسبة يمكن من خلالها تحقيق ما يطالب به بولا. فإنتاج المعرفة يتطلب شروطا أخرى، ولا يمكن تحقيق ذلك الإنتاج المعرفي بالموهبة و"العصامية" فقط؛ وهناك عامل آخر لم يمكننا من تحقيق ما يطالب به بولا، وهو أننا كنا منشطرين بين نشر المفاهيم وشرحها، والشغل على النصوص. كما أن قنوات النشر المتاحة لا تسمح بنشر النصوص الطويلة ـ حتى خروجي من السودان لم أستطع نشر دراستي عن "التناص"، ودراستي عن "القصيدة المدورة" لم تنشر إلا بعد سنوات من تقديمها على أحد مدرجات كلية الطب ـ جامعة الخرطوم. ولم يستطع محمد عبد الرحمن أن يجد جهة تقبل نشر قراءته للوحتي موديلياني وغوغان ـ وهذا يقودنا للحديث مرة أخرى عن "العصامية". يمكن للعصامية أن تحطم الأسوار، وأن تجعلنا ننفتح على آفاق معرفية جديدة، لكن عطاءها لا يمكن أن يتعدى هذا الدور المحدود، إذ أن محاورة الأفكار المعاصرة، وإعادة إنتاجها، وإنتاج مفاهيم مضادة جديدة، كل ذلك يحتاج إلى سياق آخر ليس في مقدور "العصامية" أن توفره؛ يورد بولا مأخذا آخر يعلق بمسألة "المجايلة" حين يقول متسائلاً "فبأي منطق يحاصرنا جيل الشبان في السبعينات ويستبعدنا عن الثمانينات والتسعينات بل وإبداعية المستقبل؟" ص9؛ ولا يمكن ـ إلا لقصير النظر ـ أن يتبنى مثل هذه الأحكام الاستبعادية. لكن هناك من ساهموا في أن يتوصل البعض إلى هذه الأحكام. ففي حوار مفتوح بمعهد الموسيقى والمسرح ـ مع أحد الذين عاشوا في السبعينات والثمانينات في فرنسا ـ قال أنه لم يقرأ أي نص لشتراوس. وما دفع البعض إلى الوقوع في فخ تلك الأحكام، فهمهم الخاطئ لمسار الفكر الإنساني باعتباره موضات وحلقات يجب بعضها بعضا إلى الأبد؛ تنبه مقدمة "كتابات سودانية" ـ أيضا ـ إلى نفس المأخذ حين تحدثت عن نزوع بعض شباب ذلك الزمان إلى إلغاء الآخرين والتراث كله... تقول المقدمة "ورغم أن لكل ثقافة تاريخها، وأن أي قطيعة مع الماضي لا يمكن أن تكون كاملة، يحاول هؤلاء الشباب أحيانا تهديم كل المعابد" ص8؛ بالتأكيد أننا لا نتبنى تلك الأفكار حول "المجايلة"، وذلك لسبب بسيط جدا، أننا اليوم أو غدا سنشرب من نفس الكأس المستبعدة للآخرين بالإستناد على المجايلة فقط. وكما قالت مقدمة بولا فإن الناس ليسوا سواء في تعاملهم مع المجايلة، فهناك من يتمترس ـ طوال عمره ـ خلف مفاهيم وصور ثابتة، وهناك من يسير وراء منطق الإبداع المحكوم بالثغرات والإختلاف والإنقطاعات؛
ـ (ج) مميزات؛ ساهمت بنية التخلف والنسيان في إكساب المنهج البنيوي وما بعده في السودان مميزات خاصة، ومنها أن ذلك المشهد لم يتم في سياق أكاديمي ـ كما حدث في المراكز الثقافية العربية مث مصر ولبنان والمغرب ـ ومرد ذلك إلى التقليدية والمحافظة التي وسمت المؤسسة الأكاديمية بطابعها. ولذلك انتشرت تلك المقاربات بواسطة طلاب وموظفين ومدرسين وعاطلين عن العمل كما في حالتي. لم تنطلق تلك المقاربات من القاعات والمكاتب الأكاديمية وإنما من الهامش الثقافي، لم ينشرها أكاديميون، وإنما نشرها "أولاد أُبّان خُرتايات" كناية ـ كما يقول بولا ـ عن "تقليد الحقائب التي كان يحملها الشبان معلقة على أكتافهم" ـ كان الشبان في ذلك الوقت يؤمنون بشعار "بيتي خرتايتي" ـ لقد انتشرت تلك المقاربات بواسطة هؤلاء "المشردين" المنطلقين من الهامش الثقافي. وهذا ما أدى إلى ذيوع مفاهيم تلك المقاربات، لأن وسيلة التوصيل كانت الندوات المنزوية في أعماق الهامش الثقافي، لذلك أمكن خلق صلة حميمة مع كثير من الشباب. وهذا ما لاحظه بولا حين تحدث في مقدمته عن لغة البنيوية التي وجدها "شائعة بين شبابنا من الكتاب، والمتحدثين ممن لا يكتبون" ص3. وامتد ذلك التأثير وسط الشبان ممن يتحدثون ولا يكتبون، ليطال لغتهم الذكورية، فقد كان يتم الحديث عن النص المفتوح والنص المغلق في إشارة إلى المرأة الجميلة والقبيحة على التوالي، كما تم توظيف مصطلح الألسنية كمرادف للإغواء الكلامي للمرأة؛ إن نفورنا من المؤسسة الأكاديمية بوضعيتها تلك جعلنا نحتقرها، وكان ذلك احتقارا في غير محله. وقد تراجعتُ عن ذلك الاحتقار عندما رجعت مرة أخرى للدراسة في جامعة صوفيا، وجلس محمد عبد الرحمن مرة ثانية للامتحان للشهادة السودانية ليدرس علم اللغة في قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة الخرطوم ـ عبد اللطيف ـ وحده ـ كان الذي أدرك أهمية المؤسسة الأكاديمية، وكان يعد نفسه ليصبح محاضرا جامعيا، وتمكن من تحقيق ذلك؛
ومن المميز لتجربتنا أنه لم تكن هناك مجلات متخصصة تهتم بتلك المقاربات مثل مواقف، فصول، ألف، الكرمل... إلخ. فقد انتشرت تلك المقاربات من خلال قنوات الهامش الثقافي، وبعض المقالات في الصحف السيارة؛ ومن المميز ـ أيضا ـ لتلك المقاربات، أن البنيوية اختلطت بما بعد البنيوية. وهذا أمر يعود إلى انقطاعنا الطويل وتخلفنا عن الفكر المعاصر. واختلاط البنيوية بما بعدها يمكن أن يحدث، ولكن في سياق آخر، كما في السياق الثقافي الأمريكي، إذ أن "البنيوية وما بعدها قد دخلتا إلى الجامعات الأمريكية في آن واحد بحيث أن الوقت لم يتوفر للبنيوية لكي يتم استيعابها قبل أن تحل ]ما بعد[ البنيوية محلها"(16)؛ (ملاحظة أخ أسامة؛ يبدو لي أن هناك خللا في معنى هذا الاقتباس، ربما سقطت كلمة (ما بعد)، من بين كلمة تحل والبنيوية في آخر الجملة، لذلك وضعتها من عندي، أما إذا كان النص كما هو يحمل معنى آخر، فيمكن حذف الإضافة)؛
ومن اللافت للنظر في تجربة تلك المقاربات، أن بداية تطبيقها لم تكن في مجال الخطاب الأدبي، كما يخبرنا التاريخ، بل وكان في مجال الخطاب التشكيلي عبر القراءة التي قام بها محمد عبد الرحمن والتي سبق الحديث عنها؛
09-12-2006, 00:26 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
بالتأكيد إن خاتمة مشهد النسيان ـ إذا سار المشهد بنفس وتيرته البائسة ـ ستكون مفجوعة. "فالعصامية" لن تجد لها ورثة صالحين، إذا ظل سياقنا الثقافي محاصرا ومحكوما بقانون "التطور الهابط"؛ لكن بالمقابل نجد أن المنافي والمهاجر ساهمت في إضفاء حيوية فائقة على المشهد البنيوي وما بعده. فقد تم التغلب على كثير من العقبات والعراقيل التي كانت تحد من تطور وثراء ذلك المشهد. فقد توفرت للبعض إمكانية الحصول على الكتب، كما في حالة محمد خلف في بريطانيا. وتوفر للبعض الآخر مزيد من الوقت، كما في حالة محمد عبد الرحمن في اليمن. فقد تمكن من إنجاز ترجمات مهمة لعدد من نقاد الحداثة وما بعدها وعلى رأسهم الأمريكي المعروف فردريك جيمسن؛ وهكذا نجد أن أشواك السودان قد أثمرت فاكهة في المنافي والمهاجر؛ وفي هذا المقام يجب ألا ننسى المجهودات التي يقوم بها عدد من النقاد الذين تلونا في السودان، وعلى رأسهم معاوية البلال؛ إذن، ما زال هناك ما يجب قوله حول تطور المشهد البنيوي وما بعده في السودان وخارجه. وهذا ـ بالتأكيد ـ يحتاج إلى قراءة متعمقة نأمل من المهتمين إنجازها، حتى يبدو المشهد واضحا ومكتملا؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هامش؛ ـ (16) بول هيرنادي؛ ما هو النقد، ترجمة سلافة حجازي، دار الشئون الثقافية العامة، بغداد، 1981م، ص 79
09-12-2006, 00:31 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
عزيزي هوبفل شديد اسفي على تأخير الرد عليك صحيح انني لم ارد في ذلك البوست على ما ورد فيه, و أشرت الى ان هنالك علاقة قوية بين ما قيل فيه، وبين ما قال به صاحب المرايا المحدبة وقد اثبتنا في أمكنة أخرى السرقات الادبية ، و الاسفيرية معا. و أثبت آخرون ضحالة ما قيل.
ويبقى السؤال هل توجه الخطاب النقدي السوداني، وجهة أخرى غير ما اقترحتها جماعة "تكوين"؟ تحيتي ومحبتي المشاء
09-13-2006, 11:25 PM
Agab Alfaya
Agab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015
عزيزي هوبفل ما دار من نقاش طويل اسفيري، كان عن الماضي. وقد قلنا ما قلنا به ، من كلام حول اعتراضاتنا، واعتراضات آخرين، من المساهمين حول ذلك المشهد. واعتقد ان النقاش سيتطور اذا ما تحدثنا عن حاضر وآفاق الخطاب النقدي السوداني. وللذين يرغبون في استحضار النقاشات الماضية، فنحن جاهزون لذلك. محبتي المشاء
09-14-2006, 04:24 PM
ودرملية
ودرملية
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 3687
Quote: صحيح انني لم ارد في ذلك البوست على ما ورد فيه, و أشرت الى ان هنالك علاقة قوية بين ما قيل فيه، وبين ما قال به صاحب المرايا المحدبة وقد اثبتنا في أمكنة أخرى السرقات الادبية ، و الاسفيرية معا. و أثبت آخرون ضحالة ما قيل.
واقول بانك لم تثبت اي تهمة وجهت للفيا بخصوص السرقات غير انك اتيت بتحليلاتك لمقال الفيا محاولا دمغه "اي الفيا" بهذه التهمة البشعة.. ورد عليك الفيا باعترافه بانه ليس اول من كتب في هذا الشان .. واذا طُرح الموضوع من قبل كاتب اخر فهذا لايحرمه حقه في الكتابة عن ذات الشان البتة .. وشاطرك احد الزملاء الذي طلب عضوية المنبر ليثبت سرقة الفيا الادبية من بعض الدوريات المنشورة و الصادرة في السودان ومصر "والتي وقعت في يديه ووقارن بينها وبين ماخطها الفيا فوجد انها سرقة عينك عينك ".. وفعلا نال الزميل العضوية ومازلنا ننتظر اثباته لسرقة الفيا وسنظل ننتظر الي ان يرث الله الارض وما عليها .. فارجوا ان نبتعد عن استيلاد الخلاف مرة اخري واجتراره هنا ..ولنتقدم خطوة نحو "المثاقفة النبيلة" .. ولكم جميعا شديد محبتي واحترامي
09-14-2006, 06:18 PM
Agab Alfaya
Agab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015
Quote: من أقيم وأنضج الكتابات التى تم التناول حولها في هذا الصرح والتي للأسف لم تكتمل رغم متابعة الجميع وشغفهم بما يدور فيها لظروف اكاديمية حالت دون تواصل الأستاذ اسامة الخواض لهذا النقاش ويسعدني أن أعيد هذا الموضوع مرة اخرى .. بعد أن خلص الخواض من فروضه الاكاديمية ليدلو بدلوه فيما سطره الفيا بهذا الشأن ولمساهمة من فاته هذا النقاش الثر
اشكرك عزيزي جمال عبد الرحمن (هوفل) على ثنائك واعجابك بالمقال في الرد على جرد اسامة الخواض للحركة البنيوية في السودان . واشكرك مرة اخرى على تكبدك المشاق في اعادة طباعته ونشره مرة اخرى هنا . وهو من اهم المقالات الجادة التي تناولت البنيوية بهذا العمق . وترجع اهمية هذا البوست انه مهد للاعلان عن موت الحركة البنيوية على لسان احد مؤسسيها في السودان وهو الاستاذ اسامة الخواض . فبعد انتهاء النقاش في البوست الذي دام لاكثر من شهرين والذي لم يشارك فيه الخواض لتعلله ببعض الفروض الاكاديمية آنذاك ، كشف الخواض لاول مرة في بوستات اخرى انه لم يعد في :"مربع البنيوية " وفسر ذلك بقوله انه تجاوز البنيوية الى مناهج نقدية وفكرية اخرى . وهو ما أكده هنا في مداخلته اعلاه بقوله:
Quote: ويبقى السؤال هل توجه الخطاب النقدي السوداني، وجهة أخرى غير ما اقترحتها جماعة "تكوين"؟
وهو بذلك يقصد ان البنيويين في السودان هجروا البنيوية الى مناهج اخرى . وهذا بالضبط هو جوهر مقالنا في نقد الحركة البنيوية . حيث قلنا ان خطابهم النقدي انقلب على البنيوية ومع ذلك ظلوا يرفعون راية البنيوية دون ان يعلنوا تجاوزها علنا . حيث جاء في ذلك :
" وأول ما لفت نظري في مقال أسامه الخواض ، التغيير الذي طرأ على خطابه ، فقد كتب المقال بلغة مباشرة لا تختلف عن اللغة الإخبارية والتقريرية المتداولة . وهذا شئ لم نعهده في خطاب الحركة البنيوية وما بعدها حيث أتسم خطابها دائما بلغة المراوغة المتعالية التي تلفت النظر إلى ذاتها أكثر مما تلفت النظر إلى موضوعها ، كذلك لفت نظري حديثه عن قضايا إنسانية واجتماعية عامة مثل الوظيفة البنائية للكاتب في المجتمع ومسؤولية الدولة ودورها في تهيئة المناخ للكاتب والحديث عن الحقوق والواجبات وخذلان الأصدقاء ، وخياناتهم إلى غير ذلك من المواضيع فالحديث عن مثل هذه القضايا بهذا الوضوح من الأمور الممقوتة في عرف البنيويين وما بعدهم ... ولكن أسامه لا يشير من قريب أو بعيد إلى هذا التحول الذي طرأ على خطابه من حيث الشكل والمضمون وذلك رغم ما ينطوي عليه هذا التحول من مغزى عميق ، وربما يرجع هذا التحول إلى تخصص أسامه في دراسة التحليل السسيولوجي للنصوص الأدبية ، ونحن من جانبنا نرد هذا التحول الذي طرأ على خطاب أسامه إلى التحولات التي طرأت على مجمل خطاب تيارات الحداثة الغربية . ففي الوقت الذي يدلي فيه أسامه الخواض بشهادته عن منجزات البنيوية وما بعدها ، تجهر فيه تيارات الحداثة الغربية البنيوية وما بعدها وتعود مرة أخرى . إلى نقطة البداية التي انطلقت منها البنيوية في الخمسينيات . فبعد كل الحديث المفرط في حماسه عن عزل النص الأدبي عن سياقه التاريخي والاجتماعي والتعامل معه بمثابة بنية مغلقة وبعد كل الحديث عن ( موت المؤلف ) و ( سحر الدال ) ومطاردة العلامات تعود هذه التيارات وترد الاعتبار مرة أخرى للسياق التاريخي والاجتماعي ويبدأ الحديث من جديد عن التحليل السسيولوجي للأدب وعن نظريات التلقي والقراءة والتأويل " الهيرمونطيقا . ولعله من المصادفات السعيدة أن يأتي تخصص أسامه الخواض في دراسة التحليل السسيولوجي للنصوص الأدبية متزامنا مع هذه التحولات ، ولكن مما يؤسف له أن أسامه ، لا يتعرض مطلقا للحديث عن هذه التحولات والنقلات التي تركت أثرها على خطابه هو نفسه وبدون التعرض لهذه التحولات ومناقشتها ، فإن المحاولة لتقييم تجربة البنيوية وما بعدها ستكون ناقصـة ." - انتهي .
واذا كان اسامة الخواض لم يعلن عن هجره البنيوية الا بعد نشر مقالنا في الرد عليه . فان محمد خلف الله وهو اهم قطب في الحركة البنيوية ، يعلن هو الاخر هجره للتفكيك -أهم مناهج ما بعد البنيوية - بقوله عن جاك دريدا : " وإذا كانت السماء قد تكفلت بشياطين الجن فإن علينا، بعون السماء، أن نتصدى لشياطين الإنس، ومن ضمنهم، ديريدا، أمرد عفاريت الكتابة."
للاطلاع على تحولات محمد خلف الله ، عن التفكيك اضغط هنا :
عزيزي ود رملية عوافي لقد الكل كلمتهم، و النت يزخر بمداخلات وردود كثيرة حول السرقات الادبية والاسفيرية. والمطلوب الآن باحث يجمع تلك المداخلات والتعليقات والتعقيبات، و يقوم على الاقل بجمعها وتبويبها. وقد حاول محسن خالد ان يقوم بذلك ، في سياق آخر. محبتي لك المشاء
09-14-2006, 09:47 PM
Agab Alfaya
Agab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015
اتمنى اتوق لهذا النوع من المثاقفات.. دون اتهام بسرقات غير مثبتة او اكاذيب غير موجودة.. وهذا يا صحابي مثل الخل الوفي والعنقاء في فضاءات الخواض.. ولكن سنشيل الصبر..
لك التحية يا جمال ودرملية والفيا..
09-14-2006, 10:49 PM
Agab Alfaya
Agab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015
اخي وصديقي العزيز / عبد الرحمن قوي تقول لا فض فوك :
Quote: حقا هى (ضربة معلم) .. إسفين فى وجه (الركاكة) وعودة ذكية (للشغل) الرصين والحفر (المجيه)....
حقيقة كانت ضربة معلم من الاخ جمال هوفل ، وهذا يدل على ذائقته النقدية الممتازة . فالنقاش الذي دار في هذا البوست من كل المشاركين يعد من اخصب واعمق النقاشات في تاريخ المنبر . لكن دا كان زمان ، زمن الشباب والعصر الذهبي للمنبر ولنا . هسع باقي ليك في شيتا مجيه !!
09-15-2006, 00:05 AM
osama elkhawad
osama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20885
عزيزي ود رملية فهمت من كلام هوبفل ان هذا نوع من النوستالجيا، لكن يبدو ان كلامه مرتبط بما قلته عن فروضي الاكاديمية. وقد اوضحت كلامي بعد ذلك، و لذلك لا نريد لهذا البوست ان يكون بوستا ارتداديا. فقد قمت ببحث عولمي عن كتاب:
Quote: المرايا المحدبة
الذي سرق منه الفيا، وبعد ذلك قمت بتقديم ادلتي الواضحة على سرقاته. أما كلامه عن عدم ردي ، فقد اوضحت لاحقا ان لهذا علاقة بكلامي حول سرقة الفيا من كلام المرايا المحدبة، وهو لم ينكر ذلك ، فقد قلت:
Quote: شكرا للجميع لاهتمامهم بالمناهج النقدية الحديثة وهجرتها المؤلمة الى فضائنا الثقافي .والشكر الخاص موصول للمبدع ابكر ادم اسماعيل لنشره للمقال ولتهذيبه الرائع في استئذاني البارحة ونحن اونلاين في نشره.فالمقال سيكفيني مؤونة الرد على بعض ما جاء في مقالة الفياوالتي_اي مقالة الفيا- هي في الاصل بعض من رماد كتاب المرايا المحدبة.ساعود بعد ان افرغ من انجاز بعض الفروض الاكاديمية لكشف الشتارة المنهجية للفيا كما وصفه بصدق الاستاذ حسن موسى في جهنمه الرائعة عبداللطيف علي الفكي سيساهم ايضا .ولانه ليس عضوا ساقوم بارسال مساهمته الشكر اجزله مرة ثانية ارقدوا عافية المشاء
طيب يا سيدي، بعد كلامك الثعلبي عن استغرابك، فان من قواعد البحث ان ترجع الامر الى سيده. وهو لم يفعل ذلك, ولو فعل ذلك ، فسيبدو المقال تلخيصا لما قال به : عبد العزيز حمودة وقد اثبتنا سرقات الفيا ،الأدبية والانترنيتة. وبالادلة. وفي انه وقع في نفس اخطاء : حمودة و من ضمن ذلك ان شارحة ومترجمة دريدا: هي رجل وليست امراة وقد كشفه عبد اللطيف علي الفكي، حين تحدث عن مترجمة دريدا. في بوست الفيا عن دريدا، والذي رحبت به "بيان"، وجلست كانها تلميذة ، لناقد غير مجاز اصلا, وعديم الدكتوراة، وحتى عديم الماجسير في اي تخصص، ما عدا النقد الادبي، وذلك انطلاقا من نزعة التمركز الاكاديموي ، التي "تتاورها" دائما.
وقد نجح الفيا ، لسنين، في ارضاء تلك النزعة، لكن حين حانت ساعة الجد، قام بنسيانها، و أعرض عنها ، كبطل غير مكره، ولا يريد ان يسود وجهه، بالرغم من انه عديم الشهادات النقدية المعتمدة، أو كما قالت "رضى الله عنها، وأرضاها". عموما لا نريد لهذا البوست ، أن يكون بوستا ارتداديا. خاصة وان الفيا ، ينصب نفسه راصدا لنا، وكأنه متابع لا أكثر. ما هي مساهمة الفيا في تجسير الخطاب النقدي السوداني بالخطاب النقدي العولمي؟ هو يراوح بين الكلام عن الفطور، و العلاقة بين اللغات، و الموسيقى الموريتانية والسودانية، بدون علم. فهو تائه، يبحث عن شيئ ما. المشاء
09-15-2006, 01:59 AM
Agab Alfaya
Agab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015
عزيزي ودرملية ان كتاب المرايا المحدبة ليس اول كتاب تناول بالنقد مناهج البنيوية وما بعدها ، فقد بدات الحركة النقدية في اوربا نفسها . ومن اشهر الفلاسفة الذين توفروا على ذلك هبرماس الالماني في كتابه : " خطاب الفلسفي للحداثة " . وقد نقوشت افكار هبرماس في نقد فوكو ودريدا وليوتار على صفحات مجلة "الكرمل " في الثمانينات والتسعينات من خلال كتابات هشام صالح وآخرين وصارت من الادبيات المعروفة للنقاد المثابرين . وكنت قد نشرت عدة مقالات في الصحف السودانية في نقد اطروحات ما بعد الحداثة قبل مقالي في الرد على المشهد البنيوي . ولم اكن بحاجة للاطلاع على "المرايا المحدبة" لكتابة ذلك المقال في الرد على اسامة الخواض فهو على اهميته كرر نفس الافكار المتداولة في نقد هذه المدارس النقدية التي اوردتها في مقالى . ومع ذلك لم انكر الاطلاع عليه عندما تمت الاشارة اليه في سياق ذلك النقاش .وما اورده الخواض لا يرقي الى السرقة الادبية بالمعني المعروف للسرقة في اصول البحث العلمي . فتشابه الافكار والمعاني والتعابير المتداولة لا يعد سرقة باية حال . ان اصالة هذا المقال لا يمكن يشكك فيها الا قاريء غير منصف . وهذه الزوبعة التي ما انفك الخواض يثيرها هدفها صرف الانظار عن الزلزلة التي احدثها هذا المقال والتي ادت الى اعلان موت الحركة البنيوية .
ان السؤال الجوهري الذي ظل يتفاداه الخواض هو- على فرض تاثرنا بكتاب حمودة :هل الافكار الواردة في كتاب المرايا المحدبة صحيحة ام لا ؟؟؟؟!! هذا هو بيت القصيد وهذا هو المحك . ان اعلان تخلي الخواض وبقية رموزها على الملأ عن البنيوية ، خير دليل على صحة النقد الذي وجه لهذه المناهج سواء كان ذلك النقد صادر في الغرب او في كتاب المرايا الحدبة او في مقالنا . اذن ما يقوم به الخواض هو معركة بلا قضية .
وسوف نحاول الحديث عن كتاب المرايا المحدبة اذا توفر الوقت لذلك .
Quote: ما هي مساهمة الفيا في تجسير الخطاب النقدي السوداني بالخطاب النقدي العولمي؟
النقد الذي وجهته لهذه المناهج في سلسلة المقالات التي بدأت نشرها بالصحف السودانية منذ 1987 حيث كتبت اول مقال بعنوان "الحداثة ومأزق التجريب " في الرد على الاستاذ أمفريب وذلك قبل صدور كتاب "المرايا المحدبة" في 1997 وكانت دعوتي دائما الى النظر الى هذه المناهج نظرة جدلية ثم النقد التطبيقي لهذه الدعوة من خلال الاعمال الادبية التي تناولتها هي من اميز وابرز المساهمات في التثاقف القائم على الوعي بالذات وباالآخر وليس التبعية العمياء . والتراجعات التي حدثت في الحركة البنيوية خير دليل على صحة النهج الذي انتهجته .ولا ادعي انني الوحيد في هذا التوجه هنالك آخرون في السودان وعلى مستوى العالم العربي . التجسير الحقيقي ليس مجرد مجاراة لتيارات العولمة الثقافية والادبية واجترار للعناوين ، دون وعي تاريخي ومعرفي كافي بضرورة هذه المجاراة.
شاكر ومقدر تواصلكم الحميم من أجل المعرفة والمثاقفة النبيلة كما سماها صديقي الجميل ودرملية
وبما أنني ليس الا تلميذ بحضرة أساتذته الأجلاء ليس أمامي الا أن "أتربع" .. محاولاً بقدر الأمكان أن لا أتدخل الا بقدر ما تستوجبة حركة بوصلة النقاش.. حتى نستفيد منكم بالقدر المرجو والمتأمل منكم جميعاً بلا استثناء.
وقد اسعدني وبالطبع معي كثيرون بترحيبكم بمواصلة الحوار من حيث انقطع سابقاً .. وحتى لا يكون الحديث مبتوراً أو ارتداداً للخلف كما أشار صديقنا الخواض نتمنى عليكم بلا أمر أن تكون المداخلات في صلب الطرح وتخدم المتلقي الذي يعول عليكم في حديثكم هذا ان لم يكن كاملاً فنموذجي بإعتباركم أهل "الصنعة" ..
ما نبديه من ملاحظات لاحقاً هي بمثابة تنبيه أخوي حول بعض النقاط كما سنقوم بالتقاط بعض النقاط التي نرى أنها تحتاج الى مزيد من الطرق أو التداول حولها أو استيضاحها أو اعادة تدويرها ان لم تجد حظها من التطرق في حال تم اغفالها باي صورة من الصور.
ومحبتي تشمل الجميع بلا تحفظ
جمال
09-15-2006, 07:33 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
الدكتور بشرى الفاضل والذي نتمنى أن يجد وقتاً يدلو فيه بدلوه في هذا الحوار كتب سابقاً:-
Quote: أتابع باهتمام بالغ أتجاهاتك لتنوير شباب البورد بمختلف الافكار والتيارات ولم استسغ الرد العنيف من الأستاذاسامة الخواض لبعض بوستاتك وأرجو بهذا ان تفتح حواراً لمجمل تيارات النقد البنيوي ومابعده واقترح أن تقدم مختصرات لافكار اهم رواده العالميين وأن تقدم نموذجاً لقصة كان قد نشرها الأستاذ صلاح الزين في الخرطوم في منتصف الثمانينات في رأيي كانت مثالاً على اثر هذه التيارات على الكتابة الإبداعية في السودان .كتب صلاح الزين تلك القصة مستخدماً عبارات من أكثر من لغة ولا أذكر إسم القصة لكنها كانت في المرحلة بعد سفره لماليزيا وقد نشرت بملحق الاستاذعبدالمكرم كنت حاولت في آخر اسبوع للديمقراطية الدخول في حوار مع أتجاهات النقد الحداثي البنيوية نموذجاً بدأ الحوار بجريدة السياسة ثم توقف إثر الإنقلاب . أعتقد أن كتابة اسامة الخواض الإبداعية الشعرية تختلف عن ما يطرحه من فكر نقدي ففي حين استمتع بقصائده لحد بعيد لا أوافق ولا على جملة واحدة من مواقفه النقديةلكن لا بد من تقديم شواهد على ما أقول وأنا حالياً بعيد عن هذا المجال الكتابي لكن ولكي يتضح لي ما طرأ من تغييرات بهذا ارجو أن تدعو الأستاذ اسامة والاستاذ عبداللطيف والاستاذ صلاح الزين وغيرهم من أصحاب هذه الإتجاهات في النقد والفكر لتقديم قناعاتهم الاخيرة فيما يتعلق برؤيتهم النقدية
وتأتي مداخلة الأستاذ عثمان تراث من الجهة المغايرة وذلك في قوله:-
Quote: العزيز عجب الفيا انا من فريق الموضوعات التي تطرقها . كنت اتمنى أن تعيد نشر مقالك الهام هذا قبل ماحدث بينك وبين الصديق العزيز أسامة الخواض مؤخراً من حوار حاد . كنا حينها سنقرأه في سياق مختلف ، وهذا من معطيات المنهج البنيوي . اتفق معك في كثير مما قلته ، ولكني أختلف مع الأكثر فيه ، محاولة تعريفك للبنيوية , أو وصف سمتها الأساسية لم يكن دقيقاً ، وحتى يمكنني القول إنه لم يكن صحيحاً . وربط البنيوية بالفكر اليساري عموماً والفكر الماركسي خصوصاً ، كان خطأ أخر . فالبنيوية لم تحاول التصالح مع الفكر الماركسي إلا متاخراً جداًَ . لا أريد ان اناقش افكارك الآن ، فاللأسف ظرفي لا يسمح في هذه اللحظة ، فقط أردت القول في هذه المساهمة الصغيرة ان السياق الذي جاء إعادة نشر نصك فيه ، من شأنه أن يضفي على قولك دلالات كثيرة مستمدة منه ، وهي دلالات كان نصك بُغنى عنها لو ورد في سياق أخر . (وهذا كما قلت من معطيات البنيوية) . البنوية ، ومقدماتها وما لحقها من مناهج مبنية عليها، منحت البشرية منهجاً لتفسير ظواهر في الحياة ذات صلة باللغة ، لم يكن قبلها هذا التفسير متاحاً ، انها علم ، يصعب دحضه ، ولكن يمكن الاستناد عليه لبناء أعلى . اندهشت من عدائك للبنيوية منذ ان قرأت بوستك الجميل (أصداء السيرة الذاتية في روايات الطيب صالح) استغربت كيف يستطيع البعض ان يواجهوا مناهج مسالمة ، بهذا القدر من العداء والسخرية ؟
09-15-2006, 07:53 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
Quote: لم تنشا البنيوية فى كنف الماركسية،ولكن من تبنوها وروجوا لها فيما بعد وانتشرت افكارهم فى العالم العربى ،كلهم ذوى خلفيات ماركسية: -لوسيان جولد مان -لوى التوسير -ميشيل فوكو -رولان بارت -جاك دريدا -جاك لاكان -جوليا كريستيفا واخرون كثر
مفهوم البينة ،ماركسى،ولكن البنى فى الديالتيك الماركسى،متداخلة ومنفتحة ومؤثرة فى بعضها البعض كما هو معروف.فى البنيوية، البنية مستقلة، مغلقة .فى ما بعد البنيوية ،لا توجد بنية اصلا
09-15-2006, 07:59 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
Quote: سأقتحم عليكم حواركم دون مقدمات رغم اشتياقي لكم جميعاً - لم التق من بينكم سوى بشرى بمنزله بجدة صيف 1999، كما عاصرت أسامة بجامعة الخرطوم دون أن تمتد علاقتنا للتعارف الوثيق، فقد كان بالصيدلة رغم غرامه بالأدب ولا أزال أذكر حائطيته التي كان يصدرها بانتظام. طبعاً أعرفكم جميعكم، تقريباً، بأعمالكم الأدبية والنقدية.
أظن أن أسامة يقدم قي مقاله الذي يعيد أبكر آدم إسماعيل نشره هنا شذرات من "سيرة ذاتية" أكثر من تقديمه تاريخا لظاهرة، أولاً لأن الاسهامات الفكرية لطلائع البنيويين السودانيين كما هو واضح من "شهادته" جنينية متواضعة وشفاهية في مجملها. وثانيا لأن تيارات مابعد الحداثة لا زالت مسيطرة على المشهد الفكري والنقدي بشكل عام مما يجعل التأريخ لها عملاً مبكراً جداً. كيف تنتظر "سيرة ذاتية" بلغة مراوغة، متعالية، عجب الفيا؟ فالسيرة هي "خبر" نموذجي، إذ تتوخى، قبل كل شيء، الإبانة والإشهار وإجلاء الوقائع.
من ناحية أخرى، رغم الإشارات العديدة في شهادة أسامة لعبد الله بولا، وهذا يستتبع مباشرة تذكر حسن موسى والباقر أحمد عبد اللة وباردوس وهاشم محمد صالح وغيرهم، لا نجد بشهادة أسامة تصنيفاً للحركة النقدية التي دشنوها ولا ذكر للعاصفة التي أثاروها واكتسحت أمامها كل شيء فلم تستثن أدباً ولا تشكيلاً ولا سياسة. أتساءل هل مهدت الأرض بأي شكل للانفتاح المابعد حداثوي الذي أتى على أعقابها؟ رغم القسوة التي ميزت الخطاب النقدي لتلك الحركة يمكن القول أنها كانت من أثرى التيارات النقدية التي ميزت واقع النقد السوداني على مدى تاريخه، السابق واللاحق لها. أسامة الخواض أشار لتقليدية المؤسسات الأكاديمية ومحافظتها، وهذا ينطبق على وجه الخصوص على أقسام اللغة العربية والفلسفة بجامعة الخرطوم. لقد لعب دكتور عبدالله الطيب دوراً أساسياَ في تكريس قيّم المحافظة التي تسم المناهج ومواضيع البحث وطرق التدريس ونوع الأساتذة بقسم اللغة العربية مما أدى في رأيي لتخلف أدوات النقد الأدبي بالجامعة وبالسودان على نحو عام. لكن لا يمكن نسيان الاسهامات الفكرية والنقدية المتميزة التى قدمها آخرون من جامعة الخرطوم؛ مثلاً، عبد الحي ومحمد أحمد محمود وعلى عبد الله عباس في دراساته الرصينة بالإنجليزية لأدب الطيب صالح.
واحدة من عقابيل هيمنة "الشلة" ، والتي يمكن توسيع مفهومها لتشمل الجماعات الأدبية والسياسية المختلفة، هو هذه الحدة التي لا تزال حوارتنا الفكرية تتسم بها وهي فيما أظن امتداد للصراعات ذات الصبغة السياسية التي شهدتها حركة اليسار السوداني خاصة حيث قصد المشاركون فيها القضاء بشكل منظم وممنهج على مخالفيهم في الرأي (مثل الصراع الرهيب الذي نشب بين صلاح أحمد إبراهيم وعمر مصطفى المكي في الستينات.) بالإضافة للغيرة غير المبررة التي تسيطر على المبدعين السودانيين بشكل عام، كما أشار بشرى، رغم قلة النتاج الأدبي بكافة المقاييس وقلة أعداد الكتاب أنفسهم وبؤس المردود المادي والمعنوي للكتابة كما بيّن أسامة في مقاله. وعلى كل هي ظاهرة ذات بعد إقصائي، قمعي وتتنافى بشكل من الأشكال مع قواعد حرية التعبير.
فيما يتعلق بأزمة المصطلح النقدي البنيوي فهذا في رأيي ينطبق على خطابات ما بعد الحداثة ( وليس الحداثة فيما أظن – الأزمة!) عموماً. فهذه المناهج لا ترتبط بمدارس نقدية بقدر ما ترتبط بمفكرين أفراد عديدين يصيغ كل واحد منهم مصطلحاته حسب ما يروق له. في حقل الدراسات الألسنية وتحليل النصوص مثلاً ابتكر ماك هاليداي في النحو التحويلي عشرات المصطلحات اللغوية الجديدة كما قدم تعريفات مغايرة لمصلحات متعارف عليها وكذا ينبطق الأمر على أستن قبله وكتاب البراقمتيكس عموماً والهولندي فانديك وكتاب ما بعد الحداثة بأمريكا، إيهاب حسن مثلاً. هذا لا ينفي رسوخ مصطلحات ما بعد حداثوية تم تداولها بشكل مكثف وعلى مدى سنوات متصلة، كبعض المصطلحات التى أتى بها دي سوسوار أو تلك التي سكها البنيويون والتفكيكيون الفرنسيون. في العالم العربي يزيد الأمر تعقيداً وجود مدارس اصطلاح متعددة بسبب انتشار مؤسسات التعريب (المغرب، مصر، سوريا، العراق، والسودان مؤخراً) وهي مدارس تختلف في مناهج صياغة المصطلح وتعمل كل واحدة بشكل منفصل إضافة إلى افتقار العالم العربي إلى بنك خاص بالمصطلحات.
لكني لا أرى تناقضاً في استخدام مناهج نقد مابعد الحداثة مجتمعة مثلما يفعل محمد أركون خاصة أو كما فعل إدوارد سعيد في دراسته للاستشراق. أود ختاماً أن أنوه بالإسهامات النقدية النشطة لعجب الفيا وأعتقد أنها تستحق التقدير والإشادة، خصوصاً أنها تأتي في ظروف السودان الفكرية والسياسية التي نعرفها جميعاً.
09-15-2006, 09:19 AM
Agab Alfaya
Agab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015
الاخ العزيز جمال هوفل ، اجدد شكري لك مرة اخري ولكن يبدو فعلا اننا سوف نعيد تكرار ما سبق ان قيل خاصة وان الطرف الذي وجهت له الدعوة ابدي منذ البداية عدم رغبته في ذلك وكرر ما سبق ان قاله . فضلا على ان البنيوية لم تعد قضية بالنسبة له . لذا ارجو ان نوفر وقتنا الصعب في نقاشات اخري لا يزال بعضها مفتوحا .
09-15-2006, 09:58 AM
HOPEFUL
HOPEFUL
تاريخ التسجيل: 09-07-2003
مجموع المشاركات: 3542
سلامات وعوافي احباب الروح .. اظن ان مداخلة الاستاذ الحسن البكري اشارت بصورة ضمنية لشكل الخلاف القائم بين المثقفين والكتاب والذي دائما ماتكون له اسبابه ومسبباته .. للاسف الشديد الكاتب السوداني "في الغالب" انطباعي في احكامه علي الاخر "اياً كان هذا الاخر" وهذا يعوق بصورة اصيلة مجري مياه اي نقاش اوجدال فكري يرقي بالمستوي المعرفي للكاتب والقاريء في آن ..ويمتد هذا الخلاف بالضرورة ليشمل الطروحات النقدية التي تحاول الدخول في "كواليس النص" لتكشف للقاريء المفاهيم المختبئة في ثنايا النص وايجاد زوايا تمكنه من الرؤية بوعي لاهداف النص وارتكازاته .. مركز اللعبة النقدية في وجهة نظري يتمثل في مقابلة الناقد للنص .. بمعني ان النص باي حال من الاحوال هو وضعي "اقصد نتاج فكر بشري"بالتالي فهو متاح لاي ناقد ولوج اضابيره والبحث والتنقيب في ردهاته كيفما يتفق مع مراد الناقد .. *هذا بالضبط ماقام به عجب الفيا .. ساعده في ذلك سعة ادراكه واطلاعه علي المذاهب النقدية المختلفة بالاضافة لجهده المبذول والمقدر في هذا المجال . الخواض وفي هذا الكلام اشهد الله ورسوله ثم ضميري .. لديه مقدرة عالية في الكتابة .. اي والله مقدرة نادرة وفذة غير انه يهدر هذه الطاقة الجبارة في خلافات منفرة وغير مثمرة .. وهذه الطاقة التي اهدرت كان حريا بالخواض بذلها في المساهمة الفاعلة في حفريات المعرفة التي كان الخواض من جنودها الاوائل بين مجاييليه وواحد من "المُجسًرين" القُلاد في الادب السوداني وله اسهام بالغ في اهتمام القاريء السوداني "في الثمانينات"* بالادب الفرنسي .. الخواض والفيا هما نجمين في سماءنا لايستطيع ايا منهما حجب ضياء الاخر باي صورة من الصور .. وان كان الفيا قد قدم نقدا وافيا للمشهد البنيوي في شهادة اسامة الخواض فهذا لايعني اطلاق طمثه لتاريخ الخواض ولا اعاقته لحركته العالية في الكتابة "وان كنت اري ان الخواض اضحي مقلاً وبصورة منظورة" في هذا المجال .. شغلته شواغل الحياة الكثيرة وظروف تسفاره وجهاده الاكاديمي وسعيه الحثيث للترقي في مراتب المعرفة "وهو اكاديمي" حاذق بالرغم من احتجاجه ومجاهرته بان المؤسسة الاكاديمية لم تقم بما هو واجب عليها .. وهو دائم السؤال عن اشكالات التجسير المعرفي لمحاويره واسهامهم في بث الحصيلة التي تتوسدها اذهانهم وانزالها لجماهير القراء .. غير انه ايضا لم يقم بذلك منذ اجتهاده علي رفع الستار عن المشهد الثقافي الفرنسي في الثمانينات .. في مطلق الاحوال احب ان احيي الاستاذ عجب الفيا والاستاذ الخواض علي كل شيء واولا واخرا اشكرهم علي وجودهم بيننا ... واتمني ان يبدأ هذا الخيط من حيث انتهي ..اثراءا للنقاش ورفدا لذاكرتنا "التعبانة" وفتح كوة ماهلة تمكننا من التعرف علي الجديد من حولنا .. مبارحة النقطة الخلافية شي مهم جدا جدا .. اكرر لاسامة انه لم يثبت قط ان الفيا مارس السرقة الادبية .. وقد وضحت لك يا اسامة ان هناك زميل معنا بالمنبر قد دخل لاثبات ذلك ولم يفلح ولن .. غير انك يا اسامة اغفلت في ردك هذا النقطة وكنت اتمني ان يكون لك موقف حيال هذا الامر .. ولكن لانه قد جري في مجري مقصدك ادرت له ظهرك وطفقت لا تلوي علي شيء سوي دمغ الفيا بصفة "السرقة الادبية" .. محبتي مكللة باحترامي .. وعميق محبتي لكم جميعا .. وخالص التحايا لجمال هوبفل .. وخالص التحايا "يا اسامة والفيا لانصافكم المصونة" *الفيا "وسبق قد اشرت الي ذلك في غير هذا المكان" لايتعامل مع المدارس النقدية علي انها "عقيدة" بقدر تعامله معها علي انها انتاج بشري له الحق الشرعي في تاؤيلها وتفنيدها .. * في اول هذا الخلاف "الفياخواضي" كنت قد اشرت انني لا اعرف الخواض ولكن اعرف الفيا وهذا لاذنب للخواض فيه بل الذنب ذنبي .. فيمابعد عرفت مشاركة اسامة الخواض في المشهد الثقافي السوداني وجهده العالي ايام دراسته في جامعة الخرطوم وبعدها ومشاركته الفاعلة في التجسير بين الثقافتين السودانية والفرنسية في ذلك الزمان.
09-17-2006, 02:34 AM
osama elkhawad
osama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20885
Quote: اكرر لاسامة انه لم يثبت قط ان الفيا مارس السرقة الادبية .. وقد وضحت لك يا اسامة ان هناك زميل معنا بالمنبر قد دخل لاثبات ذلك ولم يفلح ولن .. غير انك يا اسامة اغفلت في ردك هذا النقطة وكنت اتمني ان يكون لك موقف حيال هذا الامر .. ولكن لانه قد جري في مجري مقصدك ادرت له ظهرك وطفقت لا تلوي علي شيء سوي دمغ الفيا بصفة "السرقة الادبية" ..
أولا انت قلت الآتي:
Quote: سبق لي ان قلت اننا بحوقد وضحت لك يا اسامة ان هناك زميل معنا بالمنبر قد دخل لاثبات ذلك ولم يفلح ولن
أنت تتحدث عن حادثة اعرفها جيدا، وهي حادثة عمر علي. لكن كون ان عمر علي اخفق في ذلك، فان ذلك تلقائيا سينسحب علي؟؟؟ كن منصفا قليلا.
ثم يا سيدي ، مثل هذه الحوارات يصنعها الكتاب،و المثقفون، ولا يصنعها السبارة، و أنت واحد من هؤلاء.
والتحية لكبر مبتكر مصطلح:
Quote: السبارة
نحن في حاجة حقيقية لمن يوثق لتلك الحوارات الاسفيرية، لانها كثيرة جدا و متعددة.
الامر الثاني: انك قد قلت بانني لم اثبت سرقات الفيا والانترنتية، وهذا ما سيعيدنا الى ما اسميته بالحوارات الارتدادية. والتي تعود الى نقطة الاصل. ساعود الى ذلك، وستكون هذه هي المرة الاخيرة التي اعود فيها الى مثل هذه الحوارات الارتدادية. المهم يا سيدي ، ما رايك في ان الفيا يقول بمعلومات مغلوطة. وسنبدأ بمقاله. قال الفيا ان لوسيان قولدمان هو: بلغاري والصحيح انه روماني الاصل وكتب بالفرنسية. وفي انتظارك ، وانتظار الفيا. محبتي للجميع المشاء
09-17-2006, 09:14 AM
Agab Alfaya
Agab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015
لقد صارت الاسافير واحدة من المصادر المعرفية لكثير من المتابعين، والباحثين، ولذلك علينا ان نتوخى الدقة،ما أمكن ذلك، و ايراد المعلومات الصحيحة، و أن تكون لدينا القدرة على الاعتراف بالخطأ ،و تصحيحه، و أن "نعصر " على انفسنا ، فكلنا نخطئ، و علينا ان نمتلك شجاعة الاعتذار. أرقدوا عافية المشاء
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة