الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 04:02 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-07-2007, 06:39 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير

    كان مدخل علاقتى بالاستاذالطيب محمد الطيب هو اسمى فى عام 1980 فى صحيفة الايام عندما عرفنى به الاستاذ المرحوم محمد الخليفة طه الريفى وقال له اسمى بالكامل هنا قبض على يدى وسالنى السؤال التالى والتقليدى له من وين فى السودان...؟ وذكرت له منطقتنا التى يعرفها ويعرف تاريخها واسرها كما اتضح لى فيما بعد و..كنت قبلها اسمع به من خلال ما يقدمه من برامج فى الاذاعة ثم التلفزيون فيما بعد ..
    وبعد ان تعارفنا فلت له انا مدمن لبرنامج صور شعبية وثقافتى السودانية تشبعت من هذا البرنامج الذى قدم لنا السودان بشكله الاثنى والجغرافى والقبلى والسياسى والاجتماعى ..الصورة المتكاملة ..
    هذا البرنامج اخترق حصن الخواجات الذى بنوه لمعرفة الشعوب والقبائل التى اشتهر بها الانجليز واستطاعوا بهذه الدراسات حكم العالم ..
    التقط الطيب محمد الطيب منهم هذا الاهتمام وتبحر فيه فطاف كل انحاء السودان زار معظم القرى من شمال السودان الى جنوبه وشرقه وغربه واستطاع فى فترة وجيزة ربط اهل السودان بعضهم ببعض بما كان يعكسه فى برنامجه الاذاعى الشهير ..
    اهتم اوائل المعلمين السودانيين وعلى راسهم عبد الرحمن على طه بالثقافة الداخلية لدعم اواصر الوحدة بين السودانيين وجعلوا المناهج الدراسية تدعم هذا الاتجاه وتعكس تنوع السودان الفريد والعلاقات بين القبائل وشعوبه المختلفة وكان الطيب محمد الطيب هو المكمل لتلك السياسة الحكيمة ..
    عرف الطيب محمد الطيب بحبه لوطنه السودان وكان يردد وهو الانصارى الملتزم ان المهدى خلق لنا دولة عزيزة وعلينا الحفاظ عليه والذود عنه وهذا لا يتاتى الابمعرفة شعوبه بعضها بعضا وانا اقوم بهذه المهمة قدر ما استطيع وهذه كانت فلسفته التى ينطلق منها وجعلته يتجول فى كل انحاء السودان ..
    اول من قدم الطيب محمد الطيب لجمهور المستمعين من خلال المذياع الباحث الكبير محجوب كرار الذى كان يقدم برنامج من التراث السودانى استضافه فى برنامجه كاحد السودانيين المهمومين بالوطن وثقافته وتراثه وتوالت اللقاءات معه فى هذا البرنامج الى ان ال اليه بصورته الجديدة واسمه الجديد صور شعبية ..
    ومحجوب كرار رحمه الله من الباحثين المهتمين فى هذا المجال وسيق الاخرين لاجهزة الاعلام وله العديد من البحوث فى هذا المجال اخرها عن الامثال فى منطقة الشايقية ..
    اعود لمعرفتى بالاستاذ الطيب محمد الطيب والتى ترسخت فى الفترة التى كنت اتدرب فيها فى صحيفة الايام وكنت ذكرت فى مقال وداعا ابوامنة الهدندوى العنيد ذلك المجلس اليومى بالصحيفة والذى كان يعقد فى الايام بين الثلاثى الريفى والطيب وابوامنة ووجدت نفسى فى تلك الفترة بجانبهم لا استطيع الغياب عن ذلك المجلس الذى استفدت منه الكثير ورحل الثلاثى وكان الطيب اخرهم فى فترات متقاربة وكانهم متواعدون على اللقاء فى مكان اخر ..
    فى احدى المرات تغيبت عن تلك الجلسة المحببة وعندما عدت سالنى الطيب عن سيبب تاخيرى فذكرت له انه اوكل الى تغطية زيارة حسنى مبارك وتوقيع ميثاق التكامل فى القصر فقال لى بطريقته البلدية والشعبية هو تكامل ولا مكاملة واردف قائلا هو مكاملة لاغير وهكذا لخص الامر كله ..
    الحديث عن الطيب محمد الطيب لا ينتهى وفى اخر زيارة له لدولة الامارات ذهبت معه لشحن جزء من اغراضه فى شركة عطبرة للشحن التى تعمل فى هذا المجال مع السودان وفى الطريق قال لى صاحب الشركة دا من وين فقلت له انه صديقى ومن منطقة اوسلى فسكت وعندما وصلنا الى الشركة وجلسنا مع صاحبها بدا الطيب حديثه عن المنطقة وتحدث عن السيد على واسرة المراغنة حديث العارف وارتباط هذه المنطقة وعلاقتها المترابطة وذكر بعض النكات ..وكانت هذه طريقته عندما يذهب لاى مكان او لاى شخص يبدا معه بالمعرفة ومن ثم يتحدث عن ما يعرفه وهكذا يستطيع جذب المتلقى وخلق علاقة ودودة معه وقد كان ..
    تلقيت النبا الحزين عن فراقه بالامس اخبرنى احد الاصدقاء وكنت اعلم انه يعانى فى صحته منذ فترة وجاءنا فى ابوظبى بدعوة من اصدقائه للاستشفاء والراحة قضاها معنا يحكى ويحكى عن السودان وتاريخه وقبائله وثقافاته المتعددة قضى معنا ثلاثة اشهر وكانها ثلاثة ايام ..
    ومهما كتبت وقلت لن اوفيه حقه وهو الاستاذ والمعلم والصديق والوطنى الغيور
    رحمالله الاخ والصديق والعم الاستاذ الطيب محمد الطيب ولاهله واسرته الكريمة حسن العزاء ..تغمده الله بواسع رحمته واسكنه مع الصديقين والشهداء
    وانا لله وانا اليه راجعون
    صدق الله العظيم

    (عدل بواسطة الكيك on 02-07-2007, 06:58 AM)

                  

02-07-2007, 06:59 AM

عواطف ادريس اسماعيل
<aعواطف ادريس اسماعيل
تاريخ التسجيل: 08-11-2006
مجموع المشاركات: 8006

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    أخونا الكيك

    تحياتي

    رحم الله العلامة الكبير الطيب محمد الطيب وأسكنه فسيح جناته .
                  

02-07-2007, 07:03 AM

Abdelmuhsin Said
<aAbdelmuhsin Said
تاريخ التسجيل: 10-10-2006
مجموع المشاركات: 2678

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    إنا لله وإنا إليه راجعون

    رحمه الله وألهم آلها وذويها الصبر وحسن العزاء
                  

02-07-2007, 07:29 AM

محمد حسن خضر

تاريخ التسجيل: 11-25-2006
مجموع المشاركات: 297

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    رحم الله سليل المجاذيب، ورحل الدمع من قبل مع عبد الله الطيب .. والفقد فيهما لا يعوض والخسارة كبيرة .ألا رحمهما الله رحمة هامعة وأفاض على قبريهما الرحمة المستدامة.

    أعزيك أخي الطيب وكن لسميك المثل وارنا في منبرك الكبير إنتاج الرجل خاصة وأنك إعلامي وصاحب خبرة طويلة ويكفي فقط أنك من أسرة جريدة الأيام " وتلك الأيام نداولها بين الناس"
    ولقد علمنا منذ الصغر أن معرفة رموز البيئة من شجرها ومدرها وحجرها ودعك من أناسها أول أشراط لمعرفة المجتمع.
    ولا أقول إنهما كانا المثل والقدوة في معرفة الرموز فحسب بل كانا سميري مجمتع السودان بأسره فانقادت لهما الأنفس خير انقياد

    ألأ رحمك الله يا صاحب التراث ويا صاحب الرحلة والمسيد ولقد خلدت في قلوبنا وفي ألسنة تلهج بالشكر والثناء على المولى أن وهبك نعمة لا تزاحم فيها وقلباً بالأيمان والود عامر، وعليك رحمة الله ما دامت السموات والأرض.

    ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي الكبير.
                  

02-07-2007, 07:55 AM

ghariba
<aghariba
تاريخ التسجيل: 03-09-2002
مجموع المشاركات: 13231

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    إنا لله وإنا إليه راجعون

    بالفعل انه لفقد جلل

    ليرحمه الله بقدر ما اعطى وبذل


    صلاح غريبة - الرياض
                  

02-07-2007, 08:39 AM

الزنجي
<aالزنجي
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 4141

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)


    له الرحمة والمغفرة الحسنة
    بقدر ما قدم لهذا الوطن
    لقد كان الفقد شعله من النشاط المتواصل فى اجهزة الاعلام
    فى الحضر والبوادي . قدم لنا ما عجزت عنه دور النشر عن تقديمة عن الثقافة والتراث
    والحياه الاجتماعية السودانية

    اللهم احسن مثواة واجعله مع الصدقين والشهداء


    محمد عبدالله ـ الزنجي
                  

02-07-2007, 09:30 AM

abuguta
<aabuguta
تاريخ التسجيل: 04-20-2003
مجموع المشاركات: 8276

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الزنجي)


    احزِن لهذا الوطن اليتيم
    ابن مهاجر
    واخر ذاهب لربه مرضيا
    الغربة تاخذ الوفى
    والموت يسوق المغرد..
    ويظل الوطن عيدان
    ينوح عليها الغراب..
    النيل يحاكى البشر
    يهاجر ماءه لدول الجوار
    والزرع يموت على ضفافه...

    ربى اغغر له بقدر ما اذاع من ثقافة
    وعمل من اجيال..

    البركة فيكم اخى الكيك
                  

02-22-2007, 05:38 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: abuguta)

    الطيب حبيبي (2-2)الطيب حاج مكي

    في هذا المقال يتصل الحديث في فقيدنا وعن حبيبنا الطيب محمد الطيب رحمه الله 0 وحيث لا حول ولا قوة مع الموت فإن على المنكوبين فيه من أمثالي عليهم التسليم بقضاء الله وقدره وبحقيقة أن أحزاننا لا تبدي ولا تعيد إن لم تحبسنا في ردائها ومع قلة الحيلة يتوجب أن لا نقول إلا ما يرضي الله والدعاء بالمغفرة للطيب تأسيا بالنبي (ص) فرحم الله الطيب محمد الطيب وعلينا أيضا التذكير بأفضاله (أذكروا محاسن موتاكم)0 في مقال الأسبوع الماضي تناولنا طرفا من تلك المحاسن وأشرنا سريعا لاجتهادات حبيبنا الراحل وتبتله المتفرد في جمع تراثنا ورتق (قدود) ذاكرتنا0 ويتصل الحديث في هذا المقال عن كتابه (المسيد) فهذا الكتاب يدخل في ذكر محاسن الطيب واجبة الذكر، هذا السفر القيم، رغم أنه أكبر من أن يقيمه أمثالي ولكننا نجتهد فإن أصبنا فهذا مطلبنا وإن أخطأنا فمن الشيطان0 الطيب يبدأ (مسيده) بمدخل مهم لا يخلو من (ملمح) دلالي، إذ يدهشنا بلحظة تدفق تاريخ المسايد وتعاظم دورها مع دخول العرب السودان ومعها يدخل الناس سلما في دين الله وأهم من هذا المشهد الدرامي أن دخول (المسايد) والثقافة العربية لم يكن دخول قصري وفوقي وفتح أو حرب أو حتى سجال كر وفر وإنما (مساربة) سلمية ورعي ومحاورة أعراق تلقائية وعفوية أدت إلى تصاهر وإن مهد لها اتفاق (سلمي حضاري) بين عبد الله بن أبي السرح وحكومة مسيحية موغلة في تسامحها ثم ينقلك الطيب من مشهد ميلاد الدولة السودان ومواكبة المسيد للميلاد وتتوزع مشاهد الدراما لنجد المسيد كون لوحة من التاريخ الاجتماعي والبنية الدينية والقبلية والعرقية واختلاط أنساب ومسحه بتسامح متفرد تسامح لم يغادر حلب أو زنج أو عرب أو بين بين وفي كل هذه الدراما التاريخية والدينية والسياسية والاجتماعية لم تخن الطيب موضوعيته ولا تحس (له رحمه الله) بنفس (غير متوازن) أو عنصرية قبلية أو نقد سياسي بل تجد الرجل من أول صفحة إلى حيث تتوقف بك مشاهد اللوحة موضوعي النظرة متجرداً وعفوياً مما يحيل المحطات و(مسايدها) إلى صور من المحبة المتدفقة محبة لأهله كل أهله في السودان وفي كل مكان ومحبة لبلده ولثقافته ولسودانويته إلى درجة أنه يذهب إلى ابن حوقل ليقول (ان بلاد السودان عرفت العرب والعروبة قبل عام الفيل بثلاثة قرون) وهكذا نتنقل مع الطيب من مسيد إلى مسيد من غرب أفريقيا إلى غرب السودان ومن شرق أفريقيا إلى الحجاز إلى تبوك إلى الجزيرة العربية حيث قدمت فكرة (المسيد) وفكرة نشر القرآن ونقف مع الراحل في مكابدته في جمع مادته وأشيائه القديمة الأثيرة والتي هي (ذاكرتنا) وكيف عانى في تقصي آثار وثائقه وما هي نكبته فيها وكيف قام (بإخلاص) بتسليمها للحاكم العلاني الذي ذهب مع (الريح المايوي- من الكاتب) ولكأن الطيب في بحثه وتقصيه وتسليمه الوثائق للذين لا يهتمون بها كمن عينه في السماء ويده في التراب0 وعند توقفك عند المسايد والأسماء لابد أن تقول لكم تتغير الدنيا هذه ولكم تتغلب ولكم تتبدل الرؤى وتنبت الحساسيات وتتبدل أدوات التعبير والتغيير والعلاقات حتى بالدين وبالشيوخ وبالمسيد وبالتراث وبين الشعوب0 ولكم هو الظلم وعدم الوفاء للمسيد ولكم تتبدل الدنيا (الغرارة) لدرجة يبدو معها للمتابع لحركة المسايد واندثار بعض آثارها وتأثيرها أنه من الصعوبة البرهنة على حضور مستقبلي للمسيد وتأثير (المسيد) أو ما بقي من دور (للمسيد) أو صاحب المسيد 0 ومع ذلك أمثال حبيبي الطيب محمد الطيب كباحث مدقق ومجتهد متحلٍ بفضيلة الصبر والأناة والنزاهة والتجرد والتبتل للعلم ولخدمة (منصة تكوين العلم) المسايد كما يصفها، أقول لن يعدم أمثال الطيب عليه الرحمة من وسيلة يزيح بها الغبار والأقذار جانبا، ليحفر عميقا ليصل للدرر المخزونة وفي النهاية يقول لنا عبر سطور(المسيد) هذا ما يجب أن نقوم به تجاه المسيد أو كيف نعيد حضوره في حياتنا وأن هذا ما يقوم به كتاب المسيد ولو بالإيحاء التاريخي، ولو بإعطاء كل ذي حق حقه 0 كتاب المسيد فوق هذا لا يعاند الواقع بل يسلم بسنة التغيير وحتمية التحول ولكن الكتاب كأنه يقترح أن ندير التغير والتحول في اتجاه يطور المؤسسات التي خرجت أبطال المهدية وأبطال الاستقلال وفطاحلة الشعراء وقادة الفكر والسياسة تطوير لا يلحق ضررا بدور المسيد أو ما بقي من المسيد ويرشدنا لوسائل المحافظة على المسيد ولو من بغرض الوفاء(للهوية) والوفاء لأثر أسهم في صنع ذاكرتنا وشكل ثقافتنا وأضحى قطعة من وجداننا0 قال الطيب إن أول سؤال طرحه على نفسه وأجاب عليه لماذا اختار المسيد عنوانا لكتابه ولماذا اعتبره مادة بحثه ولماذا في هذا الميدان؟ وأجاب رحمه الله أنه مدفوع بثلاثة أسباب: 1- الدافع الأول ذاتي أي نابع من اهتمامه الشخصي بالمسيد من حيث هو. 2- الثاني البروز الكبير لتيارات الصحوة الإسلامية ودعوتها على اختلاف تفكيرها بالرجوع إلى الأصول والجذور الثقافية ورأى الطيب أن الخلوة والمسيد يعتبران أصل الجذور ومادة الصحوة ولأن المسايد أوعية معرفية صاغت الفرد في سالف السنين ولا تزال0 3- السبب الثالث أن الكاتب رحمه الله قال أنه (تفتحت عيناه على خلوة مسيد جده الفكي أحمد أبو القاسم) وأن دارهم كانت جزءا من ذلك المسيد الذي بدأه (جدنا الفكي مدني بن الفكي أحمد قبل قرنين في قرية المقرن التابعة لريفي الدامر هكذا وجدت نفسي بين طلبة القرآن) فهو إذن يعكس ما استوعب واكتسب وما وعى0 ومع دوافع التأليف الثلاثة يحاول كاتبنا أن لا يكون أكاديميا مملا بل تجد نفسك وجها لوجه مع الشيخ المجذوب ومع نار القرآن في ود الفادني وتتنقل إلى غرب أفريقيا مع ألقا هاشم ومع الهدندوة في الشرق ومع الدواليب في شمال كردفان ومع مسيد الزريبة حول بارا ومع المهاجرين في الفاشر ونيالا وتجد نفسك وسط موجات من التاريخ وسجالات الشعر النبوي بين أهل غرب أفريقيا العابرين إلى (مكة والمدينة) دلالات ومعانٍ لا تنقطع بعضها مضحك وكثير مفارقاتها لا تكاد تصدقها، فالمسيح بولس له خلوة مثله مثل الآخرين وما فيش حد أحسن من حد إنه التسامح وتجد السيدات لهن خلاويهن ومسايدهن وينفقن عليها من حر مالهن وهناك شيخات يسلكن الناس الطريق ويسيرن بهم في طريق (القوم) يذكر الطيب منهن فاطمة بنت جابر بن عون من نسل غلام الله بن عايد من جزيرة (ترنج) ويذكر عائشة بنت القدال وبتول الغبشة وهي والدة الشيخ هجو وأنه زار مكانها بالحاج عبد الله ويروي الطيب شيئا عن أمونة بنت عبود وكيف تعرف على اسمها من كتاب (نزهة الألباب) الذي ورد في كتاب (الثقافة العربية في السودان) وكتاب (رفاعة رافع الطهطاوي في السودان)وأنها شقيقة مهيرة بنت عبود ولا ينسى مريم بنت حاج عطوة وفاطمة بنت أسد وأم كلثوم بنت القرشي والشيخة أم كلثوم من أهلنا الحلاوين الذين يتصدى (بروفسور) ينتسب لهم للدفاع عن حقهم في العزاء ويمضي الطيب للحديث عن الشيخة عائشة الشيخ أبو دليق وعن الشيخة خديجة يحدثنا وكيف كرمها الإمام عبد الرحمن المهدي وكيف أن الإمام طيب الله ثراه جعل بناته تلميذات في خلوتها رغم كثرة خلاوي الإمام ويمضي الطيب ويورد الشيخة فرح بنت بيتاي والشريفة مريم الميرغنية وكانه يقول إذا كانت مصر (مؤمنة بأهل الله) كما يقول برعي السودان فإن السودان مؤمن بدور مسايد هؤلاء (الشيخات) ما الدلالة في إيراد هذه الأسماء من السيدات الفضليات إنه الرد على الأدعياء بأن السودان القديم لم يمنح المرأة حقا وأن الرجعية مارست عليها إقصاء بينما الرجال العظماء في سوداننا سمو بأسماء أمهاتهم من ود أم مريوم إلى هجو 0وفي المسيد يقوم الطيب بتوثيق (الثورة الثقافية) التي قام بها الخليفة عبد الله خليفة المهدي لم يلق القول على عواهنه وهو الأنصاري ولكنه ينشر وثيقة كتبت بخط المادح أحمد ود سعد (كمنشور مشهود) وأودع في مكتبة الشيخ أحمد العجب وتقول الوثيقة ان مسجد الخليفة فيه خمسمائة حلقة للقرآن وأن على كل من يعرف القرآن أن يعلم غيره وأن هذه سياسة أدت إلى انتشار الخلاوي والتكايا في أنحاء مدينة أم درمان وخاصة بين (الزرايب) وهي كلمة تعني أحياء القبائل القادمة للعاصمة الوطنية ويقتفي الطيب أثر ما تبقى من خلاوي الزرائب ويعثر على خمسين منها ويذكرها بالاسم ويقول لنا ان من فوائد سياسة خليفة المهدي أن الخلوة كانت جزءاً من مكملات الشخصية الاجتماعية ولهذا يبرر الطيب لماذا أنشأ رجل مسيحي مثل بولس خلوة للقرآن يعني أن أمثال بولس كانوا يهتمون بما نسميه اليوم الدور الاجتماعي للمؤسسات المالية إذا عندك شركة لابد أن تسهم في التنمية الاجتماعية أي أن تخصص جزءا من الأرباح للتنمية الاجتماعية0 ومع ذلك الجهد يطلب الطيب العذر من الذين لم تسعفه ذاكرة الزمان والمكان بذكرهم0 ماذا عن أسلوب الطيب؟ أجدني أسلم بأن أسلوب الطيب تميز بتلقائية وبساطة وبشاشة على طول وعرض كتابه المسيد لحد أن ما من صفحة إلا والقارئ مأخوذ بنكهة الأسلوب قبل كم المعلومات ولهذا تميز الكتاب كله بنكهة خاصة مشوقة ومحفزة للمتابعة فضلا أن أسلوب الطيب في تلقائيته كان موفقا إذ لم يطارد الأسلوب من أجل الأسلوب بل ماثل في تلقائيته وعدم تكلفه أسلوب الذين يتحدث عنهم من البسطاء والحيران والمشائخ فالطيب يكتب عن المسيد وعن الشيخ وعن اللوح وعن المحبرة (الدواية) وعن عرضة اللوح والكيفية التي (يركز) بها الطلاب الألواح على بعضها البعض ويورد هذه الملامح بأسلوب يشابه بالحكي الشعبي البسيط وأحيانا يدفعك للتبسم والاستغراق في المشهد والغوص في التأمل وأحيانا يعود بك ليغرقك في ذكريات الطفولة وأيام القرية ثم (تفيق) على تساؤل القلق عن الاقتلاع الجاري لهذه الطقوس المحببة وتتساءل معه كيف نوقف هذا (القلع) والتصحير الثقافي والبتر الذي ينتظم ذاكرتنا وثقافتنا ثم لا تلبث أن (تفيق)عند سؤال الإرادة فهي من يوفر الحل والطيب خير مثل فهو رجل كانت إمكانيات تكمن في حرصه على أن يجمع مادته من كل أنحاء الدنيا ثم يعصرها ويبوبها ويقدمها في كتاب رائع ككتاب المسيد فخلف الإرادة تكمن الحلول وهكذا يحيرك أنه بسبب من إرادة لم يغادر كبيرة ولا صغيرة عن المسيد0 قلنا الأسلوب فعندما تغوص في الأسلوب نجد الطيب يحاكي ود ضيف الله في جمعه لمعلوماته وحبه لمادته وإحاطته بكل صغيرة وكبيرة ومع ذلك الطيب يقول انه هو الطيب وليس ود ضيف الله 0 ود ضيف الله رحمه الله قيل في أسلوبه الكثير وطعن في حياده وأورد البعض عنه (أن كل من لم يكن من أهل طريقته فهو ليس موجودا) وأنه رحمه الله كما قيل كان زعلان من أحد الشيوخ لعله ود عيسى ولذلك لم (يطراه خير شر) مع أنه على بعد خطوات منه ولكن الطيب تميز بوعيه واطلاعه وأنه قضى زهاء خمس وعشرين سنة يجمع في مادة هذا الكتاب وقطع الفيافي مسافرا في داخل السودان وفي خارجه فقد سافر لمالي والنيجر ونيجيريا وليبيا والحجاز والمغرب وساح في (المسيد) ومسح البوادي وحضر الأذكار وكتب كل ما عثر عليه وسجل لكل مسيد تاريخه وتأثيره ودوره المستقبلي ثم عرض ما جمع على أهل الدراية وبعضهم إنه من أصحاب الألقاب والمناهج ومع ذلك من فاته ذكرهم فإن الطيب يقول ذلك ليس لغرض على نحو ما يتهم ود ضيف الله وإنما لاتساع المسافات وتباعد الأمكنة وضعف الذاكرة أحيانا وسوء المواصلات والاتصال 0 يؤكد صحة ذلك التبرير أن الطيب كتب عن خلوة الخواجة بولس وكتب عن اهتمامات الميرغني الكبير بتعليم النساء وهو الأنصاري! وعلى أي حال تحدث الطيب عن الجميع ...

    الخرطوم 22/2/2007
                  

02-07-2007, 10:58 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    اشكركم جميعا للفقيد الرحمة

    السودانى
    العدد رقم: 445 2007-02-07

    الموت يغيّب الباحث والمؤرخ السودانى الطيب محمد الطيب

    شيعت جموع الشعب السودانى عصر امس جثمان الراحل الطيب محمد الطيب الباحث والمؤرخ المعروف الى مثواه الاخير بمقابر احمد شرفى بام درمان، حيث تقدم موكب التشييع السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن البشير، وعدد من الوزراء، وقيادات العمل السياسى، والتنفيذى بالبلاد، والامام الصادق المهدى، ورجالات المجتمع الثقافى، والفنى، وطيف واسع من اصدقاء الفقيد، ورفاق دربه من أساتذة الجامعات والمؤرخين والباحثين، والمبدعين، وظل الفقيد فى ايامه الاخيرة فى صراع مع المرض ألزمه مستشفى السلاح الطبى، وكان يتهيأ لرحلة علاج خارج السودان تداعى لها الكثيرون من عارفى فضله، إلا ان يد المنون كانت اسرع ليسلم الروح الى بارئها ظهر امس بدار الاطباء بالخرطوم.



    ويعتبر الراحل من مواليد العام 1934م، بمدينة الدامر ـ المقرن، ويعد من ابرز واميز الرواة، والباحثين، والموثقين، حيث قدم عصارة جهده، وفكره فى البحث عن المعارف فى شتى ضروبها، والتراث السوداني فى مظانه المختلفة، ويعتبر مرجعاً تاريخياً مهماً للتراث الشعبي ببلادنا، وقدم للمكتبة السودانية مئات الكتب، والبحوث عن الاماكن، والاحداث والشخصيات التاريخية والاجتماعية التى شكلت نسيج المجتمع السودانى، اضافة الى البرامج التلفزيونية، والاذاعية، ومن اشهر البرامج التلفزيونية التى اشتهر بها خلال العقود الثلاثة الماضية برنامج (صور شعبية)، اضافة الى مقالاته فى الصحف السودانية التى كان آخرها صحيفة (السودانى) التى تعده من ابرز كتاب عددها الاسبوعى الذى يصدر صباح كل جمعة، وكثيراً ما تجاوز الطيب محمد الطيب فى سبيل البحث والتقصى حدود الوطن إلى خارجه للبحث عن كل ما يتعلق بالسودان، وطاف جميع أرجاء العالم شارحاً للتراث الشعبي السوداني وتمدد عطاؤه للعديد من الجامعات، والمعاهد، والمنتديات، والأندية في الريف والحضر السوداني، وحصل على أكثر من درجة دكتوراه فخرية تقديراً لاسهاماته..



    وقد كتب الطيب محمد الطيب الشعر ايضاً، ومن انتاجه قصيدة عن الثورة الفلسطينية التى يقول مطلعها (انا غنيت لي فتح) وتغنى بها الفنان الشعبي الكبير بادي محمد الطيب.



    (والسودانى) اذا تنعيه تنعى للأمة السودانية، والعالمين العربى والاسلامى، رمزاً من رموزها، مفكراً دؤوباً، وباحثاً هميماً، ومؤرخاً وموثقاً لا يشق له غبار، والعزاء موصول الى اسرته وتلامذته. (إنا لله وإنا إليه راجعون).



    ام درمان: طاهر محمد على


                  

02-07-2007, 11:36 AM

JAD
<aJAD
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4768

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    اللهم اغفر له وارحمه ووسع مدخله ..

    برحيل هذا العالم الجليل يفقد السودان موسوعة عظيمة حيث أمضى الراحل وقتاً كبيراً من حياته في التوثيق للحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية لبلاده السودان بمختلف أعراقه وقبائله..

    فقد حيث جاب العلامة الطيب محمد - عليه رحمة الله - مختلف أنحاء السودان يدون أحداث السودان ويوثق لها مباشرة من أفواه المعمرين والمعاصرين لتلك الحقب الماضية ويقوم في ذات الوقت ببحوث هامة عن عادات وتقاليد وطقوس مختلف قبائل السودان..

    فقد جلل ..

    نسأل الله أن يحسن ذويه ..

    وأن يجبر كسر السودان فيه ..

    العزاء موصول للأستاذ/ عمر عبدالرحيم "المونة" وأسرته الكريمة ..

    جاد

                  

02-07-2007, 01:51 PM

الرفاعي عبدالعاطي حجر
<aالرفاعي عبدالعاطي حجر
تاريخ التسجيل: 04-27-2005
مجموع المشاركات: 14684

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    الطيب محم الطيب .
    مواليد المقرن ريفي الدامر.
    حفظ القرآن بخلوة المقرن.
    الكتاب عطبرة وكما يحلو له دومآ أتبرا.
    الوسطى اتبرا.
    دراسات خاصة وقراءات خاصة.
    عمل بجامعة الخرطوم وحدة ابحاث السودان .
    وزارة الثقافة كمدير مركز الفولكلور.
    مقدم برامج شعبية إذاعية وتلفزيونية أشهرهاصور شعبية27عامآمتواصلة.
    له عدد غير قليل من الاصدارات والاسفار منها على سبيل المثال (الأنداية,المسيد).



    الا رحم الله الفقيد بقدرما أعطى لبلاده إنا لله إنا إليه راجعون.

    شكرآ الكيك.
                  

02-08-2007, 08:41 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الرفاعي عبدالعاطي حجر)

    شكرا الاخوان
    جاد وعبد العاطى حجر
    الطيب فقده لا يعوض رحمه الله
                  

02-08-2007, 10:21 AM

Dia
<aDia
تاريخ التسجيل: 06-02-2004
مجموع المشاركات: 430

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)


    انا لله وانا اليه راجعون
    غلبنى الدمع وكل من عليها فان

    العزاء لاسرة الطيب ولاصدقائه الاخ الدكتور محمد عثمان الجعلى والاخ الاستاذ المحامى الاستاذ صديق على كدودة
    الاخ الصديق عبدالوهاب الجعلى والاخ حسن دفع السيد عثمان بشركة نايل باور والجميع

    انا لله وانا اليه راجعون ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام
                  

02-08-2007, 11:12 AM

Ishraga Haimoura
<aIshraga Haimoura
تاريخ التسجيل: 01-24-2004
مجموع المشاركات: 1463

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    رحم الله الأستاذ الطيب محمد الطيب

    وهو فعلاً فقد للسودان

    رحمه الله بقدر ما أعطى وأسكنه فسيح جناته

    العزاء لكل السودان
                  

02-08-2007, 11:43 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: Ishraga Haimoura)

    الاخوان
    ضياء
    اشرافة
    مشكورين
    رحم الله الفقيد

    الموت حق ولكن؟
    حيدر المكاشفى
    الصحافة 8/2/2007

    كنا قد سمعنا قبل أيام قليلة مضت أن الباحث المرموق الطيب محمد الطيب، الذي يعاني من وعكة صحية ألزمته سرير المرض بالسلاح الطبي سيغادر إلى دولة الإمارات لاستكمال علاجه على نفقة الدولة، وبعد يوم أو يومين قرأنا ما يفيد بأنه سيغادر إلى المملكة العربية السعودية وليس الإمارات للاستشفاء بالمستشفى السعودي الألماني، وبعد يومين أو ثلاثة سمعنا أنه غادر، ليس للمملكة أو الإمارات، وإنما غادر هذه الفانية، وعندما بلغني خبر رحيله المفجع عصر الأول من أمس وعلمت أن جثمانه قد خرج من أحد أحياء أم درمان التي أحبها، إلى أحد مقابرها صارت فجيعتي فجيعتين، فجيعة فقده وفجيعتنا في حكومتنا، حيث كنت أظن عندما بلغني خبره لأول وهلة أن روح فقيدنا الكبير قد قُبضت خارج السودان بالمملكة العربية السعودية حسب الوعد الحكومي الذي زُفّ إلينا، ولكن الذي تأكد أن الحكومة لم تف بوعدها وظل فقيدنا يكابد آلامه ويصارع المرض بأحد عنابر السلاح الطبي إلى أن وافاه الأجل المحتوم... والموت حق وهو سبيل الأولين والآخرين، ولن نقول فيه إلا ما يرضي الله... ونعلم أن الموت يدرك البشر ولو كانوا في بروج مشيدة أو في أحدث مشافي الدنيا، وأنه اذا جاء لا يؤخر ساعة، وأن الأجل إذا حان لن يوقفه مشفي ألماني أو أمريكي، ولكن ما يحز في النفس ذلك البطء الذي تعاملت به الحكومة مع محنة رمز شعبي من رموز هذا الشعب الوفي لرموزه الحقيقيين الذين يكسبون حبه وتقديره بعرق الجد والاجتهاد والعطاء، الذين يحفرون أسماءهم في وجدانه وذاكرته بعملهم وعلمهم النافع وليس بوضع اليد وفرض الأمر الواقع، وشتان ما بين هؤلاء وأولئك، فرموز الكرتون وتماثيل الشمع إلى زوال ونسيان بزوال الظروف الطارئة التي صنعت (رمزيتهم) الزائفة، أما ما ينفع الناس فهو الذي يمكث في الأرض. اللهم إنا نشهد أن عبدك الطيب محمد الطيب، كان نافعاً لأهله وأمته، ولكن الحكومة التي كانت تهب مسرعة لنجدة رموزها و(خواصها) من مجرد وعكات طفيفة تسخر لهم طائراتها الخاصة التي تطير بهم إلى المشافي الخاصة جداً، تتغافل عن رمز شعبي حقيقي في قامة الطيب محمد الطيب، وحتى عندما ينبهها أحدهم أخيراً تتباطأ في انقاذه إلى أن يروح إلى الدار الآخرة مرضياً عنه من شعبه، ومقبولاً عند مليك مقتدر بإذنه تعالى، ولتبوء الحكومة بغضب الله والشعب....
                  

02-12-2007, 05:37 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    الطيب بيننا
    رباح الصادق المهدى
    الصحافة 10/2/2007

    00
    7في حوالي الثانية من ظهر الثلاثاء السادس من فبراير الجاري فاضت روح العلامة الطيب محمد الطيب ورجعت إلى ربها راضية مرضية بإذنه تعالى.
    كل الناس تقول إن الطيب موسوعي المعرفة، كتب بغزارة فيما يخص حياة السودانيين وتاريخهم وحاضرهم وثقافتهم من "المسيد" دار تعلم القرآن وعلوم الدين، وحتى "الأنداية" دار المجون. ومن كتبه (التراث الشعبي لقبيلة الحمران) و(فرح ود تكتوك حلال المشبوك) و(دوباي)، ثم (دليل الباحث السوداني في جمع الفولكلور) الذي حرره مع آخرين، هذا علاوة على عشرات الكتابات في دوريات وندوات ومؤتمرات ومحاضرات عديدة.
    ثقافة الطيب خليط من الاطلاع الكثيف والمتعمق في كتب التاريخ والتراث العربي والإسلامي خاصة تلك المتعلقة بالسودان، علاوة على تصيد المعرفة من التراث الشفاهي لمختلف الجماعات السودانية، فقد كان يطوف البلاد طولا وعرضا بحثا عن معلومة وقف على طرف خيطها في كتاب أو في حديث من أحد الناس.
    مثلا، حين تأريخه للشيخة أمونة بت عبود، قال "في بحثي المتواصل عن شيخات القرآن سمعت عرضا اسم الشيخة أمونة بت عبود ولم أعرها اهتماما لجهلي بها". وذكر كيف وقع على ما كتبه الطهطاوي عنها ببعض الكتب: "بعد اطلاعي على هذا الحديث قوى عزمي على مواصلة البحث عن سيرة هذه الشيخة التي أهملها الجيل المتقدم" وطفق يبحث عنها حتى اهتدى وارتحل غير آبه بالصعاب: "فحزمت حقيبتي من غير توان وخرجت من أم درمان حتى وادي بشارة وكان ذلك في السابع من رمضان سنة 1395هـ الموافق 12/9/1975م عبر طريق مليء بالرمال والأوحال والعربة المتهالكة تئن وتقف وتمشي بسبب وبلا سبب إلى أن وصلنا".
    لقد كان الطيب يتلقى المعرفة المكتوبة ثم يسأل أهل العلم ويخرج بحثا عن المزيد حول الوقائع التي يجمع حولها المعلومات من مظانها، ولكنه قد يعدل خطته بعد العزم إذا وقع على حديث جديد، مثلا، هكذا ولدى خروجه سنة 1388هـ للبحث عن أماكن دراسة القرآن وقع على مسيد ود الفادني (وفي المسايد التي زرتها في شرق النيل كانوا يسألونني هل زرت مسيد ود الفادني فأجيب بالنفي وتكرر اسم مسيد ود الفادني في كل محل زرته).
    في تلك الزيارات وقع الطيب أيضا على كثير من الوثائق الهامة التي يودعها أهلها لشيوخ المسايد. قال "وفي طي هذه الأوراق معلومات كثيرة عن حياة أهل السودان وتأريخهم، كان هدفي الاطلاع على هذه المكتوبات وبالفعل أفدت منها فائدة كبيرة". ولعل هذا ما يجعل من مهمة دار الوثائق مهمة متصلة بالمجتمع سعيا لضم هذه الوثائق ?أو على الأقل صورا منها- للحقيبة القومية بدلا عن تركها في معية الأفراد. إذ لا زالت وثائق هامة جدا بعيدة عن الدار ?مثلا- وثيقة إجازة المهدي للمدح في خطابه للمادح أحمد ود سعد ليست ضمن الاثار الكاملة، وقد وجدها الباحث المرحوم قرشي محمد حسن بين أوراق المادح وأثبت صورتها في كتابه (قصائد من شعراء المهدية).
    لم تقتصر مجهودات الطيب على الجهد الذاتي بل وانطلقت داخل المؤسسات، فحينما أنشئت وحدة أبحاث السودان تحت مظلة كلية الآداب بجامعة الخرطوم في عام 1965م وجدت هذه الوحدة -التي تحولت في 1972م إلى معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية (بالاختصار: الآفرويشن)- وجدت في الطيب سندا حقيقيا ومشاركا في أعمالها التوثيقية للفولكلور السوداني، فشارك بفعالية بسلسلة "دراسات في التراث السوداني" الصادرة عن شعبة الفولكلور بالآفروايشن.
    ومن ضمن مجهوداته المؤسسية مجهوده ضمن مركز دراسة الفولكلور بمصلحة الثقافة التي نشأت في منتصف سبعينيات القرن العشرين بقيادة الفنان الكبير إبراهيم الصلحي، وخططت لتوثيق وحفظ الثقافة والتراث السوداني عبر قوافل لجمع الفولكلور، خرجت تلك التجربة بـ"دليل الباحث السوداني في جمع الفولكلور" ليكون "عمودا فقريا لعمل مصلحة الثقافة في جمع التراث". وكان الطيب من أوفر المساهمين في ذلك العمل، يحتقب أشياءه وأوراقه ويذهب ضمن القوافل غير آبه بوعورة الطرق وقساوة الصحارى وخطورة الأحراش.
    كان الطيب خلطة غريبة، فلو وصفته بأنه مؤرخ محلي كما تصف مضابط التاريخ العالمين بتراث القوم وتاريخهم من داخلهم، لكذّبك حسه النقدي من حين لآخر -وهؤلاء القوم المحليون يحفظون تاريخ أهلهم بتصديق تام- ولو قلت أنه عالم أكاديمي لرد عليك أنه لا يتبع في نهجه الوسائل الأكاديمية المعهودة في التعامل مع المأثورات الشفاهية مثلما فعل مثلا جان جاك فانسينا في نهج التعامل مع المأثورات كتاريخ. وكان متواضعا إذا اختلط بعامة الناس يتأدب معهم ويعلم أن بصدورهم علما يفيده، ومعتدا بنفسه إذا تعامل مع الصفوة يعلم أن بعضهم يقيس الناس بشهاداتهم العلمية ويتباهى بشهاداته وقد يكون صدره من العلم فراغ.
    نعم كان محبا للثقافة السودانية ولعادات القوم وتقاليدهم، ولكنه لم يكن مفتونا بها حتى النخاع، فلم تأخذه نخوة بني جعل المعهودة في التمركز حول الذات، مع اعتداده ببني جعل، ولكنه أفسح مجالا لكل الأقوام والقبائل والجماعات، بل حتى أولئك الذين ليس لهم قبيلة وهم في عرف المستعلين مرذولين. وفي إحدى حلقات برنامجه المرئي القيم المفيد الذي نفحنا سنينا منذ سبعينيات وحتى ثمانينيات القرن العشرين "صور شعبية" استضاف جماعة من الحدادين، وتحدث عن أن الناس يصفون فاتحي البشرة بالحلب وهم أقوام مختلفون بعضهم مغاربة وبعضهم مصريون وآخرون لا يعلمون أصولهم وكلهم سودانيون.
    وكان دائما فاتح الذهن على إهمال بعض الباحثين للتنوع، أو قفز بعضهم للأحكام بدون ترو. وفي تعقيبه على محاضرة حول غناء البنات في منتصف تسعينيات القرن العشرين لم يستسغ الحديث حول هبوط أغنية البنات من قمة "شرطا يكون لبيس من هيئة التدريس" إلى قاع "يا سيد الكارو تعال" بمعزل عن هبوط المجتمع ككل لأنه مرآة لمجتمعه قال "إذا سقطت حبة من خردل وجدت صداها في غناء البنات"، ثم طوف بالحاضرين يذكر غناء البنات إبان المهدية، وغنائهن حاليا في مختلف بقاع السودان، وذكر كيف إبان تطوافه لجمع التراث في الجنوب أنه سمع غناء كثيرا يمدح البطولة في بعض مناطق الدينكا، كله تمجيد للبطل شهيد وطنيته ومروءته "وليم دينق".
    وكان الطيب نصيرا للمراة بلا مراء. لكنه يفعل ذلك بطريقته الخاصة. فحينما لاحظ غمطهن وعدم ذكرهن لم يذهب مثلنا لآخر الشوط نقمة على ثقافة ظالمة، بل حاول أن يفسر ذلك بالصون، مؤكدا أن المعلمات اللواتي وصلت لنا أسماؤهن في كتاب الطبقات وردن ضمن الترجمة لذويهن الذكور مثل عائشة بت القدال في الترجمة لأحد الشيوخ الذين درسوا على يديها، وبتول اليعقوبابية في الترجمة لابنها هجو، وفاطمة بنت جابر في الترجمة لأولاد جابر الأربعة، وعائشة بت أبو دليق في الترجمة لأبيها الذي خلفها عنه بالرغم من أن له ولد غيرها، وهكذا..ولكن الطيب في ذات الآن عمل عكس أفعال الثقافة الذكورية، وطفق يبحث عن شيخات السودان ويزور الأصقاع تلمسا لأخبارهن: مثلما خرج يبحث عن أخبار أمونة بت عبود (شقيقة مهيرة الشاعرة الشهيرة) كما ذكرنا فوجد أنها كانت سيدة عظيمة وقد خلدها أهلها حتى أن الحلة الآن صارت تعرف باسم حلة أمونة، والجزيرة جزيرة أمونة والسواقي سواقي أمونة حتى المقبرة التي كانت تعرف باسم مقبرة (رية) والتي دفنت فيها الشيخة أمونة تعرف عند البعض باسم "ترب أمونة". مؤكدا على عظم مكانة المرأة هناك فرية أيضا اسم أنثى ومعلوم أن المقابر عندنا تسمى على أصلح من دفن فيها. وأرخ للسيدة رية وأمها السيدة عزلة والدة الشيخ أحمد بدر والتي أسمته العبيد فصار يشتهر باسم العبيد ود رية.. والسيدة فاطمة بنت أسد التي صارت قريتها تعرف بمطمر بت أسد وغيرهن.. وفي كل هذا رد عملي على الذين يقللون من شأن النساء، ومنهم من يستاء لو قيل هذا زوج فلانة أو ابن فلانة باعتباره إساءة له.. مع أن أشياخ أفاضل مثل أحمد ود بدر الذي لقب بالعبيد ود رية، أو شيخ الإسلام أحمد بن تيمية وتيمية هذه جدته، هؤلاء نسبوا لنساء، بل هنالك قرى كاملة ومقابر تسمت بالنساء كأفضل من أخرجته القرى أو دفن في المقابر على النحو الذي أوضحته بحوث الطيب المذكورة.
    لم يكن الطيب يخلو من النظر النقدي للعادات والتقاليد كما ذكرنا. وأذكر في هذا الصدد محاضرة دعوناه للتحدث فيها حول (عادات الزواج في أم درمان) وكنت أديرها وذلك نحو العام 1986م بدار حزب الأمة بالملازمين. كان الطيب محضرا نفسه للحديث عن المرأة في شرق السودان، وبدأ يتحدث عن شيخات القرآن هناك ويذكر كيف يتعلم الصبيان والبنات على أيدي الشيخات، فحررت له ورقة طلبت منه تحويل الحديث لعادات الزواج لأننا نزمع مناقشتها ونود التعرف على تفاصيلها ورمزياتها. فنقل الطيب الحديث بشكل عبقري لا يحسه حاس من الشرق للحديث عن أن للبقاع المختلفة في السودان ثقافات مختلفة، وأن أم درمان هي البوتقة، ثم ولج موضوعه.. كانت تلك المحاضرة هي فاتح العين الأول بالنسبة لنا إلى ما وراء رقص العروس- مثلا: يقودها العريس بالحجاب (العقد الطويل الذي تلبسه) وهي مغمضة العينين مما يرمز لطاعتها المطلقة له في الحياة.. وقد تهولت من بعض المضامين التي أظهرها الطيب، وقلت له: كيف تستمر هذه التقاليد بالرغم من تطور الوعي ورفض مفهوم الطاعة العمياء هذا؟ فقال لي: نعم تقع عليكم -شباب هذا الجيل- مهمة التوعية بذلك.. فلو كنت تتحدث إلى حارس للتقاليد بعمى لما كان رده كرده.
    يشكل الطيب حلقة في سلسلة ماسية (والروح لا تقيسها المعادن مهما غلا ثمنها إلا أن تشبيهنا هو نزول على العادة يشكل نزولا عن القيمة) من الرواد المهدويين الاستقلاليين الباحثين في الفولكلور السوداني، أمثال الشيخ بابكر بدري الذي جمع الأمثال السودانية في سفر ضخم نشر في ثلاثة أجزاء يعد من أكبر تجميعات الأمثال في الوطن العربي ربما مباشرة بعد تجميع الميداني الشهير، والأستاذ قرشي محمد حسن الذي جمع المدائح النبوية في أربعة أجزاء علاوة على كتابه عن شعراء المهدية المذكور آنفا. صحيح أن الطيب لم يخض السياسة بشكل مباشر إلا أن انتماءه للمهدية وللتيار الاستقلالي لا يغالط، وهو ظاهر في رفده لمجهودات الاستقلاليين بالبحث الحثيث عن هوية جامعة للسودانيين في تنوعها مستقلة غير مندرجة في اتحاد أو اندماج تحت تاج أو علم ليس سودانيا خالصا وبرغم الأواصر. وبالرغم من ذلك فإن الطيب لم يكن ينحاز في كتاباته، فمع تاريخه للمهديه بكل المحبة، أرخ للشيوخ الميرغنية وللشريفة مريم الميرغنية، وهكذا.
    إن جزءا من الطيب مات، هو ذلك العلم الغزير الذي يحفظه ولم يدونه، ففي كلامه العادي كانت تقبع الجمان واللآلئ، كان يتخير كلماته فلا يطلقها إلا واحدة واحدة كالذي يكتب قصيدا أو نثرا.. هذه المكتبة الشفاهية اندثرت مبكيا عليها.. أما مكتبة الطيب المرئية "صور شعبية" ومكتبته المنشورة في كتب ودراسات ومقالات فإنها باقية.. حبذا لو عملت وزارة الثقافة وغيرها من الجهات المعنية على تحويلها لأقراص مدمجة ينتفع بها طالبي العلم، وإعادة بثها (للمرئي) أو إعادة نشر الكتب التي نفدت نسخها من المكتبات..
    أيها الطيب.. طبت حيا وميتا، وتبقى دائما بيننا.
    وليبقَ ما بيننا
                  

02-12-2007, 05:54 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    الطيب محمد الطيب: عبادة في الهرج... د.عبد الله علي ابراهيم

    الطيب محمد الطيب: عبادة في الهرج


    يعجبني ما قاله الرباطابي الماكر عن حسن التوقيت في مغادرة دار النقاص. فقد استصلح المياييس (السيد محمد على وإخوانه) أرض شرقي قرية عتمور المعروفة بأم غدي وزرعوها فولاً. وأصبحت أم غدي خلية نحل تصبح سهراً على الفول وتمسي حرصاً عليه طوال موسم زراعته حتى حصاده. وهذه فلاحة اشتهر بها المياييس. وترتب على هذه الفلاحة انكماش طقوس الموت والزواج عندهم خلال هذا الموسم العصيب. فقال الرباطابي الماكر: ''إن شاء الله ما أموتلكم في موسم الفول يا ناس أم غدي.'' فالرجل أراد لنفسه موتاً بفراش ضاج وثكلي اضج.

    أردت لحبيبنا الطيب موتاً في غير زمان الهرج هذا: زمان العُصب المسلحة التي ظلت تأخذ بخناق الوطن محكمة فينا ''بيض الصحائف'' وهي السيف. أردت له أن لا يموت وشركاء الحكومة متماسكون الحزز في جوبا أو مدلون بدلوهم بزخات الرصاص في أركان النقاش الجامعية. أردت له أن لا يموت في سياق حرب الاخوة في دارفور والمناصير وبورتسودان والخرطوم الأخرى. أردت له أن لايموت ورائحة السحت تزكم الأنوف وتكسر خاطر الناس. أردت له موتاً في جلال موت موسي ود أبو حجل الذي استشهد في معارك المهدية الذي كثيراً ما ترنم فقيدنا بما قيل في مناحته:

    يوم جانا الحصان مجلوب

    وفوق ضهرو السرج مقلوب

    حبيب ريدنا وسدوهو الطوب

    وابكنوا يا بنات هجلوب

    وأكثر ما خشيت في زمن الهرج العاول فينا أن يتحول موته إلى هامش في صراع الإنقاذ وخصومها. وقد بدأت مثل هذه ''النجرة'' المعارضة في البروز في مراثي الطيب. لا خلاف أن الإنقاذ تتحمل تبعة تسوئة حيواتنا كلنا والغصص منها كثيرة. ولكن الطيب لم يرهن خيره لبلدنا وثقافتنا على فضل الحكومات أو ديمقراطيتها. كان دخّالاً خرّاجاً في نصوص هذه الثقافة يبلغها غلابا. تقلبت بلدنا بين ديكتاتوريات مديدة العمر ولم يعدم الطيب أبداً بصارة ليعمل بها أو بدونها لنيل مراده. ولم يترخص أبداً في اداء واجبه الثقافي. كان أنصارياً وقد اكتنفت هذا الرهط المحن طويلاً فحفظ بيعتهم التي في عنقه. ولم يبعهم بغال أو مرتخص لينال حظوة النظم الكارهة لهم. لقد نفذ الطيب بمشروعه الثقافي برغم تلك النظم لا بواسطتها.

    ولا يهبط بقامة الطيب إلى مجرد حاشية في فتنة الإنقاذ وخصومها إلا من عرف الإنقاذ ولم يعرف الطيب. فلم يولد الطيب افندياً بمعلقة من ذهب الدولة. ظهر بيننا فجاءة في نحو 1965 بشعبة أبحاث السودان بكلية الآداب بجامعة الخرطوم. كنا جماعة: سيد حريز وأحمد عبد الرحيم نصر ومصطفي إبراهيم طه وزعيمنا الدكتور يوسف فضل حسن. كنا مفتونين بالفولكلور الذي كلفتنا الجامعة بجمعه وتبويبه ودرسه. ولم يكن أياً منا قد تخصص فيه فاتسم عملنا بالتجريب والشغف. وكان تاج كل ذلك شعور عميق بالزمالة. لم تكن تنعقد حلقة تسجيل مع مادح أو همباتي شاعر أو راوية تاريخ إلا وجدتنا حضوراً جميعاً نشد أزر بعضنا البعض.

    لم أكن أنا مثلاً ممن ينطبق عليهم شرط التعيين أكاديمياً بالجامعة. ولم يخطر ليوسف فضل تعييني خلال تلقي العلم علي يديه في معادل الشرف تاريخ. ولكنه سمعني يوماً أتحدث عن الفولكلور بإذاعة ام درمان وسرعان ما عرض علي أن انضم لشعبة ابحاث السودان. وأصبح الباقي في عداد التاريخ. ومن جهة أخرى كان سيد حريز في طريقه ليصبح محاضراً بشعبة الإنجليزي بالجامعة حتى قرأ يوسف رسالته عن طقوس الحياة والموت في السودان فالتمس من الجامعة أن تحوله إلى شعبة ابحاث السودان. وكذلك الحال مع احمد عبد الرحيم. بدأ بالفلسفة ثم كتب عن فلسفة الأخلاق عند النوبة النيمانق بالدلنج فلم تتأخر عنه حفاوة يوسف.

    وفجأة ظهر بيننا الطيب ''قاطع حبلو'' من الدامر. قال إنه محب للفولكلور وقد طلق أشغاله كلها وقرر التفرغ لجمع الأدب الشعبي. لا أذكر أننا سألناه عن مسيرته التعليمه ولست متأكداً إلي يوم المسلمين هذا كم استحصل الطيب من علم المدارس. وكان واضحاً أنه رجل نير ولكنه صفر اليدين من الشهادات. وأذكر أنه قال إنه كان مندوب أهله في المقرن في مجلس ريفي شندي الذي تبعت له المقرن. وقال إنه كان تاجراً أو تشاشاً. ولم يترك لنا الطيب باباً لمثل هذا السؤال فقد أخذنا منا بمحفوظاته من التراث وبأدائه بصوت طربنا له. وسعى يوسف في أروقة الجامعة يطلب له وظيفة لم تخطر على بال بروقراطي وهي جامع فولكلور بأجر مجمد قيمته خمسون جنيهاً وكان مرتب أي منا لا يتجاوز الستين. وقبلت به الجامعة. ووفرت له الشعبة عربة جيب رقمها 5 خ8731 ومسجلاً ألمانياً ماركة قروندق وسائقاً ''دنقلاوياً'' أنيساً هو السيد حسن خير الله ودفتر بنزين صالح لملأ تنك العربة او شراء صفائح الوقود من أي طرف في السودان. وكانت هذه هي الفترة التي توسعت فيها حصائل الطيب من فلكلور الجماعات السودانية في الحضر والبادية وفي العرب و''العجم''. ووجد منفذاً لنشر هذه الحصائل في ''سلسلة دراسات في التراث السوداني'' التي طبعناها بالرونيو كالشيوعيين والجمهوريين. ومكنت هذه الفترة للطيب أن يقف على الخريطة الثقافية لضروب الفلكلور وملكات رواته ومؤدييه وأن يكشف عن ''الضفيرة'' النسيقة التي تربط آداب الجماعات السودانية. وكانت هذه الحصائل زاده في رحلته المثيرة في ''صور شعبية'' وكتبه الأخري مثل ''دوباي'' و''المسيد'' و''فرح ود تكتوك'' و''الإنداية''.

    مثل الطيب لا تهز الحكومات ''إن قصرت وإن طالت'' له قناة. فعطايا الحكومة هي حيلة أصحاب المشروعات قصيرة التيلة. أما مخاطرة الطيب الثقافية فقد كانت من النوع طويل التيلة. ومشروعيتها أصلاً في رد المجتمع الآبق، حكومة ومعارضة وشعبا، عن الحق والعدل والسماحة إلى الجادة بالاستنجاد بحكمة من الماضي وبركته. فهي مما لايؤجل حتى ينقضي أجل الحكومة الظالمة بانتظار الحكومة العادلة. فمشروع الطيب هو باب في التوتر الإبداعي الذي يتمخض عنه المجتمع الجديد. فهو مشروع للنهضة لا للمقاومة ولا يفل حديده حديد. وصاحب مثل هذا المشروع ''مَدعِي مهمة'' أي مصاب بها لا فكاك له منها. و''مدعي'' هذه مما استفاده الطيب نفسه من الوالدة الحاجة جمال. كان متى زارنا في منزلنا ببري المحس (وكان يسكن بري اللاماب) قالت له ''صاحبك دا مدعي قراية''. اي أنه ممن دعا عليه أحدهم بالقراءة إلى يوم الدين. ولم تكن الوالدة تعجب باستغراقي في القراءة وصحبة الكتاب بالطبع. وذكر الطيب لي ذلك في إهدائه كتابه ''المسيد'' لي.

    أنا زعيم بأن الطيب مات سعيداً ودعك من المنغصات. فلم تعد صورة الفلكلور بعده كما كانت قبله. لقد نعم بحب الناس عاديين وغير عاديين لأنه التمسهم كحملة ثقافة لا مهرب منها بينما قامت بعثة الصفوة الغربية وحتى الإسلامية على تفريغ الناس من ثقافتهم ''التقليدية'' الفاسدة لحقنهم بالحداثة أو العقيدة الصحيحة. لقد حسدته كثيراً متى كنا على سفر أو زيارة على تعرف الناس عليه بالفطرة واقبالهم عليه كشركاء في مشروعه يسألونه عن الأنساب أو صحة نطق اسم مدينة أو مزارات ولي. وكنت استمع إلى حواراتهم معهم يديرونها على قدم المساواة. وكنت أنطوي منهم على صفويتي الحبيسة ولغتي الكاسدة. كان الطيب يعلم علم اليقين حب الناس له. بل ومناصرتهم له. لم يكن الطيب لينجز أكثر ''صور شعبية'' لولا سخاء مشائخ وتجار وأحباب مولوا زياراته الميدانية لبقاعهم واحسنوا إليه. وهذه سنة في الإحسان إلى أهل المشروعات الثقافية لم تقع لصاحب مشروع ثقافي حديث قبل الطيب. وكان الطيب غني بهذه الصحبة عن تكفف الدولة العادلة والظالمة.

    هناك الكثير مما يستوجب القول عن حفظ ذكر الرجل ومأثرته. ووددت لو أنه مات في غير موسم فول أم غدي ليكون حديثنا عن الولاء لذكراه قولاً لا يطير شعاعاً بعد رفع الفراش السياسي عليه. ولكن مما يلطف فقد الطيب أنه حين مات كان شرفه كمثقف فوق الشبهات وعلمه مما يمكث في الأرض ورفقته غزيرة لأنه لم يشترط لتعاطي الثقافة شهادة موثقة أو لساناً متحذلقاً. لقد جعل الأميين صناع ثقافة وسألهم بتواضع جم أن يملوها عليه. وفعلوا وفعل. وزدنا بذلك إنسانية هي ما يبقي على هذا البلد الطيب برغم الشرور التي أحدقت به طويلا
                  

02-12-2007, 06:29 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)
                  

02-13-2007, 04:59 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)
                  

02-13-2007, 05:21 AM

Tragie Mustafa
<aTragie Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-29-2005
مجموع المشاركات: 49964

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)


    اللهم ارحم الطيب محمد الطيب
    بقدر ما قدم لنا وعرفنا ببلادنا وجعلنا نعشق كل ما فيها من تراث.
    ستظل يا الطيب منحوت في وجدننا كاروع نموذج للسوداني المعتز بكل تراث بلاده.
    شكرا اخي الكيك
    وانا لله وانا اليه لراجعون
    واصدق التعازي لاسرته وعموم الشعب السوداني في فقده.
    تراجي.
                  

02-13-2007, 08:15 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: Tragie Mustafa)

    شكرا لك الاخت تراجى على مشاعرك النبيلة اتابع نشاطك الدارفورى واحيلك الى الحديث الخطير الذى ادلى به دريج فى وشنطن ونشرته صحيفة الشرق الاوسط وانزلته فى موقعى الخاص ..وهو موقع اخبارى اتمنى ان ينال من اعجابك مع تحياتى لك

    الاستاذ ابراهيم عبد القيوم من اصدقاء الطيب محمد الطيب كتب هذا المقال فى اخبار اليوم فى عموده والذى يحمل اسم
    السلام عليكم ..المقال




    الطيب: قل لي يا فارس القلم، وأخا الكلمة الوطنية..
    ماذا اقول عنك؟
    هل اقول اننا فقدنا انساناً عزيزاً ورائعاً وجميلاً؟ ان قلت هذا واكفيت به، فأنني لن اضيف إليك شيئاً؟
    هل اقول اننا فقدنا نموذجاً من الرجال نادراً، عرف ارضه ووطنه شبراً شبراً، ووقف على حياة شعبه بكل ما تتميز به هذه الحياة فكراً وعلماً، فروسية واحتراماً، تصوفاً وزهداً، فناً وابداعاً، ان قلت ذلك وأكتفيت به، فإني لن اضيف إليك شيئاً.
    هل اقول انك وهبت عقلك وقلبك، وقتك وطاقتك، في التنقيب عن تاريخ هذا الشعب، ولم تكتف بأن تستمد معلوماتك من الكتب والمراجع، وانما فعلت ذلك بالمعايشة الحية، والحضور الشخصي، والوقوف الفعلي امام ما تريد معرفته، ولم تأبه بأن يجعلك ذلك تقضي الليالي الطوال على ظهر لورى، او بعير او مشياً على الاقدام.. وعرفك مواطنون بينهم في المدن والقرى، في الفيافي والصحاري والوديان وعلى قمم الجبال، ولم تكتف بهذا، بل عبرت حدود وطنك لأنك سمعت ان بها مقابر لسودانيين ماتوا في الحرب العالمية الثانية او غيرها لتنقل الى ابناء شعبك صوراً لاعزاء عليهم فقدوهم وطوت سيرتهم احداث الحياة.
    هل نقول هذا ونكتفي به، ان اكتفينا بهذا فإننا لن نضيف إليك شيئاً.
    هل اقول اننا وقفنا من خلال برامجك الاذاعية والتلفزيونية على مكانتنا التاريخية في عالم البطولة والفروسية، في رحاب العلم والعلماء والفقاء وخلاوي القرآن والمساجد المشهورة، في ساحة المشهورين من الشعراء والمفكرين والادباء والفنانين والمبدعين ان قلت هذا وأكتفيت به، فإني لن اضيف إليك شيئاً.
    نعم لن اضيف إليك شيئاً لأنك ذلك كله واكثر منه، لانك العاشق للوطن، المتيم بحبه، المنحاز اليه والى تاريخه والى انسانه، المضحي من اجله براحة الجسد، واحتياجات الاسرة، والزاهدة في كل ما يشغل الصغار من الناس مما اكسبك فخر الوطن ومعزته، وتقدير المواطن والكبار، انت ذلك كله واكبر منه، واليوم ترحل عنا وفي يوم رحيلك نقول للدنيا كلها ان فقدك لا يعوض ، لأن امثالك من الرجال قليلون، ونقول لها ان عزاءنا فيك هو فيما تركته وراءك من رصيد هائل ضمته كتبك الفريدة التي نعدك بأننا لن نفتر من قراءتها لنلقاك بين كلماتها، ونستشعر من عباراتها انك معنا، وفرحك حين تلقانا ونلقاك، وانفعالك حين تجد هنا او هناك معلومة تحتاج الى مراجعة، او رأياً يحتاج الى تمحيص.
    نقول هذا، لانك قد فتحت بصائرنا الى ان وطننا هذا مشحون برصيد تاريخي عزيز وغال، وان انسانه عظيم ومتفرد، وان تاريخ هذا الانسان يفرض ان يبذل من اجله الكثير من الجهد والوقت والعطاء.
    هذا ما تعلمناه منك! هذا واحد من الدروس التي زودتنا بها ولن ننساها.. واخيراً رحلت عنا يا اخانا العظيم.. ووجدنا انفسنا في لحظات من لحظات الحياة الحزينة يعزي بعضنا البعض، نذرف الدموع، ونكتم الآهات.
    وترتفع أكفنا الى الله ضارعة ان يتقبلك قبولاً حسناً، وان تحتل موقعك المتميز بين الخالدين.. أيها الراحل المقيم
                  

02-13-2007, 08:19 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    للاخت تراجى
    وكافة الاخوة والزملاء عنوان الموقع

    www.maalinews.com

    (عدل بواسطة الكيك on 02-13-2007, 08:22 AM)

                  

02-14-2007, 05:43 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)


    بايجاز

    الطيب.. والمجراب!

    الراى العام
    9/2/2007
    بقلم : محمد سعيد محمد الحسن

    اصبت بحزن غامر لدى ابلاغي بوفاة الباحث والكاتب المبدع المقتدر الاستاذ الطيب محمد الطيب، فقد عرفته مبكراً من خلال صداقتنا وعلاقتنا بالاستاذ عبد الوهاب موسى، وكنت احضر جانباً من التحضيرات الخاصة ببرنامج «التراث السوداني» أو «صور شعبية» للتلفزيون، وانقل اخبارها بـ(الرأي العام) للمتابعة، واظن ان (الرأي العام) كانت أول صحيفة تلفت الانتباه لهذا الباحث الجاد والعاشق المتيم للتراث السوداني، وقد حقق في ذلك نجاحاً كبيراً حيث جعل برنامج «صور شعبية» بأهمية المسلسل الذي تتابعه كل اسرة في كل بيت.. وبلغ من النجاح أنه تحول بالبرنامج الى سهرة كاملة تحظى باهتمام واسع من الجميع، ولم يكتف بجهد القراءة والبحث والمتابعة وأنما اخذ يتقصى بالرحلات والسفر الى المناطق النائية للحصول على المعلومة واكتشاف الجديد والقديم، ويقدم المادة ويعدها باسلوب سلس مباشر للمشاهدين والمستمعين، وكنا كثيراً نتبادل المعلومات والكتب ذات الصلة بهذا المجال، وقد استعنت به في كتاب (قصة اختفاء اجمل مدينة سودانية) عن حلفا وسكانها، ووصول مواطنين مجريين الى حلفا عام 1570م، حيث استقروا في جزيرة بحلفا، واحتفظوا بلغتهم المجرية لعدة حقب، واستطاعوا لاحقاً التعامل والتخاطب باللغة النوبية مما جعلهم جزءاً من النسيج السكاني لحلفا، ودلني الاستاذ الطيب على مراجع ومصادر حول قبيلة المجراب، وقد كان فذاً وعبقرياً في هذا المجال، وشكل بما لديه ثروة وطنية قومية يصعب تعويضها، ويجب استمرار الاحتفاء باسهامه الثر باعطائه الاهتمام الذي يستحقه ونشر كل ما طبعه وجمعه وحصل عليه لصالح الوطن.. اسبغ الله عليه شآبيب الرحمة والغفران «إنا لله وإنا إليه راجعون» صدق الله العظيم



                  

02-14-2007, 06:44 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    أقاصي الدنيا
    الراى العام 12/2/2007
    محمد محمد خير

    رحيل تراث

    كانت بداية علاقتي به ترجع للعام 1977م حيث كنت مع الاستاذ علي مهدي ضمن سكرتارية مهرجان الثقافة الأول وكان الراحل الاستاذ الطيب محمد الطيب وقتها من كبار موظفي مصلحة الثقافة بعد ان نقّب وغاص وغار في تراثنا الشعبي فاستخرج الدر من الصدف.

    تخرّج الطيب من عمق الصفوف الشعبية في كل أرجاء السودان شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ووسطاً وشريطاً نيلياً واستعمق ثقافة كل هذا القطر في شقها الشعبي الأصيل، وظل يعبر عنها وينقلها ويتفحصها ويقدمها لنا بعد كل هذه الفلترة وكل هذا التقطير وكان له ذراع طويل في المدائح النبوية وغناء الهامش كما تقول الأدبيات الجديدة للثقافة السوداناوية وأكاد أجزم أن ما قدمه في هذا الحيز يعجز عنه من يتبنون هذه الوجهة ركيزة أساسية للثقافة السودانية.

    كان وحده المسؤول عن الجمالية التي طبعت وجدان شعبنا وميّزت تراثه عن بقية الشعوب وانتضى سيف الطيب وهو ينقّب في أدب البطانة ويقدم لنا ود ضحوية ويغوص في سير الهمباتة الأقرب للصعاليك العرب والأكثر مجاورة لتأبط شراً والسليك بن السلكة، وعن طريقه تلمسنا هذا الوجدان الخصيب وتلك اللونية التي تضعنا شامة مائزة في الخد العربي والافريقي.

    كان الطيب ماعونا يتسع لاحتواء مليون ميل مربع من الدوبيت والشاشاي والتُم تُم والكمبلا والجابودي وتراث الشلك والنقارة وأهازيج الحكّامات وطارات المديح وأمثال دارفور الشعبية و«إبرة ودرت»!

    كان برنامجه التلفزيوني «صور شعبية» متحفاً في شاشة بلورية تارة من النيل الأزرق ومرات من كسلا وتصادحات بالطمبور وفكاهة وحكماً شعبية وقص وحكى وكم شدنا وكم تركنا المشاغل لنشد أعيننا لهذا البهر الفياض.

    رحم الله الطيب بقدر طيب ما قدمه لهذه الأمة وبقدر ما نوّر بصيرتها لدررها المكنونة وبقدر ما استبطن قلبه الكبير من محبة صافية لهذا الشعب العذب.
                  

02-14-2007, 06:54 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)


    رحم الله ذلك الباحثة طويل الباع والبال الطيب محمد الطيب

    منصور عبدالله المفتاح
    [email protected]
    عن سودانايل
    مواصلة لما بدأه دكتور عبدالله على إبراهيم بالراى العام تحت عنوان الطيب محمد الطيب: عبادة في الهرج...

    وردا لبعض الإخوه


    أستاذى السنى تلك الكتابه الآسره والمؤثره بأسيل خدها وفارع عودها الخيروزى وفاخر وفاره إهابها وبهى أبهة طلعتها ليست بيدى ولكن بيد ساحر الكلم ولاجم جنها الدكتور عبدالله على إبراهيم الذى كرب كرابته وبكاه ذلك الذى فجعنا فيه الطيب محمد الطيب بحرقة المكلوم والمفجوع والمخلوع من خطف المنايا لعزيز لذيذ لهجه وسديد وقويم نهجه ومبهج وهاج راقى حرفه الذى حفر به بحرفة أهل الفن مخزون التراث المختبئ كمجهول تاريخنا القديم والحديث وأخرجه دررا نوادرا من الأحاجى والأقاصيص ودون سائر الفنون والنغم والرقص ودون لباذليها فعرض أدفرينى برزم دلوكته وحكامات الجعليين وطنابرة الشايقيه والبديريه وجرارى دار ريح ونحسات الجموعيه ونوبات الصوفيه ونقارات المسيريه وآل دارفور فصل الأحساب والأنساب وغاص فى أدب الإندايه أرخ لعلم الأنثربولجى بعفويه وتقنيه عاليه فجالس سلاطين النيليين ومكوك بنى شنقول وشيوخ الهمج
    جالس البازا والوطاويط والقمز سجل فكاهة الرباطاب ودقق المناصير وخصال البجا أرخ للداجو وللتنجر ولتاما والفور والقمر والميدوب طاف ديار حامد والجوامعه والكواهله والهواوير والمسبعات والكبابيش وقف على البنايات والضرائح والقباب إستنطق أولاد الماحى وأولاد البرعى وكل مداديح أومداح السودان قدم وصفا تصويريا للنفير والفزعه كتب وصور عادات الزواج والطهور والبكاء تحدث عن القرع والرقص بالسيف عند فقد الخواص لم يترك كبيرة ولا صغيرة فى تراثنا إلا وقرع بابها بلهف وشغف الإنسان الباحث ولم يترك للفرنجة نقطة ليأتون بها ثم رحل كما قال باكيه فى زمن صار السيف لغير ماكان له والوصل غير الذى كان رحم الله ذلك الرجل بما أبقى من علم وما خلف من معارف وما صافح من أياد وما أضحك من أنفس وما أشجى من قلوب ذلك الرجل الوطن الذى صنت لرطانات والسن ولهجات ووقف على تفاصيل العادات والموروثات وعرضها لمشاهديه وقرائه وكانت هيبة التجويد ورهبة الإستجابه لذلك البسيط العميق
    والواضح الظاهر الخفى والمعسول بحنكة غنته وإيحاءات جسده وبصره ونفوذ بصيرته الحاضره والمحضره لموضوعها بزهنيه فراسيه تصويريه تحليليه وقاده
    تتداعى المعلومات منه كتداعى صور المايكروفيش وكتداعى أفلام كاميرات التصوير تعكس بحذافيرية وحرفيه كل ما زودت به
    ويا وجعنا وذياك الشنفرى يتفلت منا كحلم الضحى يسرقه ضؤ السهراجه الذى ينفذ عبر رقراق الشباك أوالراكوبه وتصحى والرقبه معسمه والعرق ألجم الروح وأزعجها ذهب الطيب إلى عالم مثله وترك لنا تركة لا ندرى كيف نضاريها ونبقى عليها ونستثمرها ترك الطيب ما يوحد قلوب هذه الأمه ذلك المدرس الفرد والمدرسة الفريده والتى سنظل ننهل من معينها إلى ما شاء الله وليت وزير الثقافة أن يؤسس جناحا خاصا به وبما خلفه بمتحف التراث بأحدث وسائل الحفظ والعرض وأحدث تقنيات التكنلوجى وأن يحمل إسمه وذلك أيضا إشارة يا أيها الأمير ويا على عثمان محمد صالح وإنتصار صغيرون وفدوى عبدالرحمن على طه وأمين مصلحة الثقافه وأمين الوثائق وكل ذوى الإهتمام والحرص بتلك الثروه التى سيكون مصيرها الهلاك إن لم نوليهاإهتمامنا ورعايتنا فمن ذلك الرجل عرفنا السويبه وعرفنا فوائدها عرفنا القسيبه والمطموره وعرفنا الساقيه والسلباق والدونكه والقواديس عرفنا الطباقه والبروش وأنواعها وكل فنون الزعف ألا رحم الله ذلك الرجل رحمة واسعه وأسكنه الفردوس
    إضافة لبذل الرجل رفضه لوظيفة يرى أنه ليس أهل لهاوإنما هو لما سخر له ونذر حياته من أجله البحث والتدوين والتقصى والتدقيق فى كل شوارد التراث ووارد الثقافات المتباينه فى مجتمعنا القوس قزحى بخيره الذى لا يراه جلنا ولكن خبر حقيقته ذلك الحصيف وحقنه فى حق تدوينه ووضعه فى سحارات حفظه ووكرها فى قطيع دانوب جالوصه من ضرب لازب العنج وقال لأهل البحوث فينا بعد أن تاكى باب ذلك القطيع هيت لكم والويل لمن يقطع
    قميصه من دبر تاركا ذلك المخزون تأففا وجهلا
    إن ذلك الرجل أمة فى ما كان فيه عصامى حادب ومثابر فاق النمل فى حرفته
    بنفس طويل صبر به لتتبع من يحملون الجوز ومن ينشلون من العد ومن يساهرون على الدونكه ليسقون النعناع والكسبره والشمار وصبر كصبر الدواب التى إمتطاها وبلغ بها ما يبلغ بشق الأنفس لكى يخلف لنا ذلك المخزون الثمين المفيد العاكس لحقب وعادات وتقاليد علنا نصونها ونرعاها لأنها تعنى الوطن ومكانها الفؤاد نعم أخى قد أرخ ذلك العملاق للإندايه وصور أجوائها وصف دلقها ووصف قرعته ترعى ووصف صرر الدقه والملح وفلخ البصل وطرق الشواء وصف كرم الكرماء فيها وخبر بخل البخلاء عرف راياتها ودواخل مجتمعها ونوع سعيتها آكلة المسكاب والحصى ووصف بنابر جلستها وليالى طربها ومآسى غدرها حتى نكون على بينة من حقيقتها
    ألا رحم الله ذلك الباحثه طويل الباع والبال الطيب محمد الطيب وأسكنه فسيح جناته
                  

02-14-2007, 07:49 AM

عبدالرحمن عبدالله أبوشيبة
<aعبدالرحمن عبدالله أبوشيبة
تاريخ التسجيل: 08-11-2005
مجموع المشاركات: 1286

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    للفقيد الرحمة وللشعب السوداني حسن العزاء.
    ألا رحم الله ذلك الباحثه طويل الباع والبال الطيب محمد الطيب وأسكنه فسيح جناته
                  

02-15-2007, 09:38 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: عبدالرحمن عبدالله أبوشيبة)




    كمال الجزولى
    الراى العام

    شق علي نبأ وفاة الأخ الحبيب الطيب محمد الطيب ، نعاه الناعى وأنا بعيد عن الوطن ، وكنت زرته
    ، آخر مرة ، بصحبة بعض الأصدقاء ، إبان رقدته الأخيرة بالمستشفى العسكري. حسبناه ، للوهلة الأولى ، نائماً ، فكدنا ننسحب بهدوء ، لولا أن زوجته عاجلتنا بالتمر ، قائلة: ''ليس نائماً ، هو فقط على هذا الحال منذ جئنا به إلى هنا ، ولكن رؤيتكم ستسعده''. فتح عينيه ببطء ، وبدا كما لو كان يهم بالكلام ، سوى أنه طفق يُسرح نظراته الوادعة فى وجوهنا ولا ينبس ببنت شفة ، رغم إلحافنا في مشاغبته ، وكم كان ، فى زمانه ، حديد المشاغبة ، شديد اللماحية ، منتجاً حاذقاً لبهار الاخوانيات اللاذع وعطرها النفاذ!

    تعرفت عليه عام 1973م. قدمنى إليه عبد الله علي ابراهيم ، أيام تفرغه لمسئوليات العمل الثقافى بالحزب الشيوعى ، وشوقي عز الدين ، المخرج المسرحى الذى كان قد فصل ، للتو ، من العمل بمعهد الموسيقى والمسرح. كنا نقصد ، أحياناً ، داره ببرى ، مع بعض الأصدقاء ، نقضى الأمسيات فى حوارت ساخنة حول هموم الثقافة ، فكان يستقبلنا هاشاً باشاً ، ويكرم وفادتنا غيرَ هياب ولا وجل من كوننا كنا مجموعة من الشباب (المدموغين) فى الوسط الثقافى بالتمرد ، أو حتى من كون صديقه عبد الله ، بالذات ، كان مختفياً ومطلوباً من الأجهزة الأمنية!

    ظل الفقيد ، دائماً ، نسيج وحده فى مقاربة مختلف ظاهرات القول والفعل الشعبيين. كنا شغوفين وقتها ، شوقي وأنا ، بالمسرح. وقد سَمِعَنا نتحدث ، مرة ، عن مسرح الرجل الواحد ى السواء .. ويعمOne Man Theatre الذى كنا نحسبه حداثياً لا أصل له فى ثقافتنا الشعبية. فدعانا، بعد أيام ، لمرافقته فى زيارة إلى ود الفادنى. وفى الطريق أخذ يطلب من سائقه أن يُعرج إلى بعض القرى ، يسأل عن صديق له يُدعى حاج الصِديق عبد الله ، إلى أن دلونا على سبعينى لا يكاد يلفت النظر لبساطته ، وقد هش لرؤية الطيب الذى طلب منه الصعود إلى العربة ، وواصلنا سيرنا. بلغنا المسيد بعد صلاة العشاء. وبعد أن أولموا لنا وليمة تكفى لعشرة أضعافنا ، إستبقانا الطيب جلوساً على ذات الأبسطة التى مُدت لأجلنا فى صحن المسجد الرحب ، وفى حضرة الشيخ وأولاده. كانت المئذنة المهيبة تشمخ فوقنا، وظلالنا تترامى مجسمة ، بفعل (الرتاين) ، على الحوائط الجليلة من حولنا ، بينما تربع حاج الصِديق فوق أحد العناقريب الفارهة التى أعدت لمبيتنا ، لتكتمل ثنائية (الصالة والخشبة) بكل ما فى (المسرح الفقير) ، بالمصطلح الحديث ، من بساطة وتعقيد ، وليبدأ العرض فى ليلة لا نظننا ننساها ما حيينا ، تكشف فيها حاج الصِديق عن مسرحى شديد الثقة فى نفسه ، والتوقير لفنه. إنطلق يضحكنا ضحكاً كالبكا ، وفينا مشايخ ما تنفك أناملهم تداعب حبات مسبحاتهم ، على أنفسنا وعلى الدنيا من حولنا ، ببديع مفارقات يلتقطها ، بعين الفيلسوف الناقد وخيال الفنان الخلاق ، من شوارع القرية والمدينة ، ومن بيوت الأغنياء والفقراء ، ومن مناسبات الافراح والاتراح ، ومن دقائق تجليات مشاعر المزارع حين يحل أجل سداد الديون ، بينما تتأخر صرفيات الحواشات ، ومن مواسم الحج ، بكل ما تزدحم به من سحنات ولغات ولهجات وطائرات وقطارات وبواخر ، بل ومن مَشاهِد أسفار قاصدة من مغارب الشمس إلى مشارقها ، بأقدام حافية مشققة ، وببعض كِسرات خبز مجفف ، وبصغار مرتدفين فى ظهور الأمهات. وكان حاج الصِديق يتنقل بين المَشاهِد ، فى قمة براعته ، باقتدار وسلاسة ، مُقلداً عويل الريح ، وبكاء الرضيع ، وثغاء الماعز ، وصفارة القطار ، وبوق السيارة ، وهدير محرك الطائرة ، وزمجرة مفتش الغيط المحتشد بسلطته ، وسخط المزارع المغلوب على أمره ، وغنج زوجة التاجر القروى الثري تحاول تسريب طلباتها الباذخة إلى حافظة نقوده المنفوخة! كان يفعل ذلك وحده ، خلواً إلا من قسمات وجهه المرنة ، واختلاجات جسده الناحل ، وتوترات أطرافه المعروقة ، وأقصى ما يختزن صدره الضامر من إرزام ، وحباله الصوتية من صداح. وكنا ، من شدة تعجبنا منه ، نكاد نطير إليه ، طيراناً ، من (صالة) السجادة إلى (خشبة) العنقريب ، نعانقه ، ونهنئه ، وكذا نفعل مع الطيب ، منتج عرض (الرجل الواحد) البهى ذاك فى مسيد ود الفادنى ، فقد مَنحَنا كلاهما ، فى ليلتنا تلك ، أعلى درجة من درجات الفرح يستطيع إنسان أن يهبها لإنسان.

    بعد انفضاض السامر ، آخر الليل ، كان واضحاً أن أكثرنا فرحاً هو الطيب نفسه الذى بدا كما لو فرغ من إجراء (تجربة) ناجحة! وبالفعل ، ما أن عدنا أدراجنا ، حتى عَمَدَ إلى إقناع التلفزيون بإعداد برنامج خاص عن (حاج الصديق). لكن ليتهم سمعوا نصيحته وقتذاك ، كما قد علمت منه ، فلم يستكثروا ذهاب كاميرتهم لتسجيل اسكتشات ذلك الفنان المدهش ، بتلقائية أدائه وسط جمهوره هناك ، فقد توفى الرجل ، للأسف ، بعد ذلك بسنوات ، ولم يتبق منه الآن سوى هذا البرنامج الذى جفف طاقاته ، بكل ثرائها ، على منضدة بائسة فى ستديو خانق ، وما زلت أشعر بالحسرة ، كلما رأيت كاميرات الفيديو تتنقل الآن فى الحفلات ، على قفا من يشيل ، بعدد صحون العشاء وزجاجات البارد! فلو تيسرت للطيب واحدة ، ليلتها ، لما ضاع ذلك الأثر الفنى النادر ، مرة .. وللأبد! فهل من ماجد يقتفى الآن (بكاميرته) آثر اكتشاف الطيب ذاك بخطة بحث قاصدة تفترض أن حاج الصديق لا يعقل أن يكون بلا ورثة ، فيجعل لحركتنا المسرحية مرجعية مخصوصة فى تراثنا الشعبى ، ولتنظيرات مسرحيينا آفاقاً أرحب من مجرد الاجترار العقيم لإشكاليات العرض من قواعد أرسطوطاليس إلى جدل (الممتع) و(المفيد) ضمن نظريات برتولد برشت فى (الأورغانون الصغير)!

    ألا رحم الله الطيب ، وغفر له ، وجعل الجنة مثواه ، فقد سلست عشرته ، بقدر ما بذل من جهد فى الاحسان لثقافة الشعب.


                  

02-22-2007, 05:49 AM

ابراهيم على ابراهيم المحامى

تاريخ التسجيل: 04-19-2011
مجموع المشاركات: 126

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    في تذكر صاحب صور شعبية: وداعا الطيب محمد الطيب.


    في ذلك اليوم الخريفي كنت عائدا لتوي من محكمة جنايات كوستي حيث كنت اترافع في احدى قضايا القتل العمد التي روعت اهل المدينة في ذلك العام من بداية التسعينات، وفي طريق عودتي توقفت امام المكتب التجاري لعمي المغفور له باذن الله علي احمد كيلا الذي اشتهر بنوادره وتزمته في الكرم وكريم الاخلاق السودانية. وكان عمي جالسا على كرسيه ممسكا بكتاب "المسيد" للاستاذ الطيب محمد الطيب الذي صدر لتوه. وكان كتاب المسيد قد احتوى، اضافة الى سيرة وتاريخ الخلاوي والمسيد واثرها في التربية الاسلامية السودانية، على سيرة بعض القبائل والعشائر السودانية. وكان من بين تلك العشائر التي ورد ذكرها وتقصي شجرة نسبها وهجراتها داخل السودان مجموعة الجابراب الجعلية ، ومسيرة اولاد الشيخ جابر البولادي الذي درس القرآن في مناطق الجعليين والشايقية في شمال السودان، ثم قصة نزوح احد اولاده الى منطقة امسنط واستقراره بها ( ورد ايضا في طبقات ود ضيف الله انها جزيرة امسنط قرب مدني). وكان عمي علي كيلا منتشيا لورود هذه المعلومة وتوثيقها في هذا الكتاب المهم، وكان يضع علامة على تلك الصفحات حتى يسهل الرجوع اليها عندما يتحدى احد زائريه مفاخرا ومتحديا ان كانت قبيلته مذكورة في كتاب المسيد.

    كتاب المسيد هو الثاني من حيث الاهمية بعد كتاب طبقات ود ضيف الله في البحث الشعبي لتوثيقه لسيرة وتاريخ الخلاوي والمسيد في بقاع السودان المختلفة وتتبع دورها في التربية السودانية الاسلامية. والثيمة الاساسية للكتاب هي تقصي تجربة المسيد نفسها والبحث عن جذورها عربيا وافريقيا، حيث نتلمس من خلال هذه السيرة صيرورة بناء الثقافة السودانية الاسلامية وتأثيرها على الشخصية والعقل السوداني، التي ربما تجاهلها الكثيرون رغم اهميتها لكل دارس في فهم قضايا التنوع الثقافي في السودان وخلفيتها.

    المطلع على كتاب المسيد سيجد جهدا عظيما تقول مقدمته انه استغرق اكثر من ربع قرن في البحث والتقصي والجمع، واخذ سفرات طويلة لدول كثيرة منها اليمن ودول الخليج العربي وتشاد وموريتانيا ونيجريا وغيرها من الدول. اعادت دار "عزة للطباعة والنشر" نشر الكتاب في عام 2005 ، ولكن لم تشر هذه النسخة الى الاصدارة الاولى للكتاب التي كانت في بداية التسعينات على ما اظن.

    الاستاذ الطيب محمد الطيب كان محظوظا نحسده على ما توفر له من موهبة ونشاط ذهني وقاد ساعده على تحقيق حصاد وافر من معرفة لصيقة بمكنون هذا التنوع الثقافي دون تظاهر، ومعرفة ثرة بز بها اقرانه وأبناء جيله من حملة الشهادات العليا والدرجات العلمية الرفيعة بصورة جعلت منه مرجعاُ شعبيا دون منازع في التاريخ الشعبي. واذا كان السوادانيون متهمون بأنهم لا يعرفون بعضهم البعض فقد ألمّ الطيب بمعرفة تامة بنسيج المجتمع السوداني واصوله وخبر مكوناته،وتلك معرفة لا يلقاها الا المحظوظون. اللهم ارحم فقيد الامة الاستاذ الطيب محمد الطيب بقدر ما قدم من خدمات جليلة لشعبه، وبقدر ما حفظ لاهله من جذور وانساب ومدعاة للتفاخر.
                  

02-22-2007, 06:38 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: ابراهيم على ابراهيم المحامى)

    رحمه الله رحمة واسعه وجزاك الله خيرا لأتيانك بذلك الكوكتيل وذلك التنوع الذى توحد فى رفد مناقب ذلك النقيب لحقله الطيب محمد الطيب له وعليه الرحمه والشكر لك والسلام



    منصور
                  

02-25-2007, 05:40 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: munswor almophtah)

    الاستاذ
    ابراهيم على ابراهيم
    اشكرك على هذا الكلام والمقال البليغ ونتمنى ان نرى هذه المساهمات فى كتاب جميل مطبوع على مستوى يليق بالاستاذ الطيب الاسم على المسمى ..
    الاستاذ منصور المفتاح
    لا استطيع ان اوفيك حقك مهما كتبت وانا معجب بكل البوستات التى تفتحها فى هذا المنبر الهام ..
    لك الشكر على ما تفضلت به فى بوستك عن الطيب ومشاركتك المعتبرة هنا
    لك منى كل تحية واحترام وان شاء الله ارى ما كتبته وبقية الزملاء مطبوع فى كتاب جميل يرى النور فى اسرع فرصة
    اشكرك مرة اخرى
    ..
                  

02-25-2007, 05:53 AM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    الأخ الفاضل الأستاذ الكيك
    حاولت البحث عن اسمك الكامل عند تدوين المقال الوارد أدناه، لأنني استشرت مقالك السابق عن المرحوم الطيب، لكن جهودي بات بالفشل، فلك مني التحية والود.
    ابوشوك

    ******
    الأستاذ الطيب محمد الطيب
    يا دوحةَ عطاءٍ ماكثٌ في الأرضِ بما ينفعُ الناسَ

    أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك

    مضت سبع سنوات عجاف من عمر الألفية الثالثة، وكان حصادها خصماً على قائمة الأدباء والمبدعين في بلادي، إذ فقدَ السودان خلالها ثلة خيِّرة من سدنة تراثه الشعبي، أسهمت في جمع مفرداته، وتوثيقها، وعرضها على الأهلين مقروءةً ومسموعةً ومرئيةً. من أولئك النفر الخيِّر البروفسير عبد الله الطيب المجذوب الذي رحل عنا في التاسع عشر من يونيو 2003م، والبروفسير محمد إبراهيم أبوسليم الذي غيبه الردى في السابع من فبراير 2004م، والشاعر عمر الحسين محمد خير الذي مات كما مات الجاحظ وسط كتبه وأوراقه ومراجعه في الفاتح من يونيو 2005م، والعلامة البروفسير عون الشريف قاسم الذي شد عصا الترحال إلى دار الخلود في العشرين من يناير 2006م.
    وقبل أن تندمل جراحات الأدب الشعبي المكلوم وتكفكف دموع صوره الشعبية، ها نحن نودع الأستاذ الطيب محمد الطيب الذي كان هودجاً جامعاً لتراث الحضر والريف، وواسطة عقد بين الذين احترفوا دراسة التراث الشعبي صنعةً وبين أولئك الذين كانوا يروونه سليقة. لقد حدثت وفاته في السادس من فبراير 2007م، أي في موسم حصاد الفول بقرية "أم غدي وزمان الهرج" في السودان كما يرى صديقه الدكتور عبد الله علي إبراهيم، حيث "أن العُصب المسلحة ظلت تأخذ بخناق الوطن، وأن الشركاء متماسكون الحِززّ في جوبا، أو مدلون بدلوهم بزخات الرصاص في أركان النقاش الجامعية، ورائحة السحت تزكم الأنوف وتكسر خاطر الناس." وفي هذا الزمن البخس توفي الأستاذ الطيب محمد الطيب، وكان الدكتور عبد الله علي إبراهيم يخشى أن يتحول رثاؤه إلى هامش في صراع السلطة بين الإنقاذ وخصومها، ولكن بفضل تقريضه وتقريض الأوفياء من أمثاله - وأذكر منهم مرتضى الغالي، ومنصور عبد الله المفتاح، وبكري الصائغ، والكيِّك، ورباح الصادق المهدي، وكمال الجزولي، وعصمت العالم، وحيدر المكاشفي، ومحمد محمد خير، ومحمد سعيد محمد الحسن، والقائمة تطول- تحول مأتم الأستاذ الطيب محمد الطيب وليالي عزائه في السودان وعبر الأثير إلى ساحة إطراء أدبي يتبارى فيها الذين عرفوه عن كثب، وأوفوا الكيل والميزان في سرد محاسنه، وأولئك الذين أعجبوا أسهامه التراثي السابل، وأرادوا أن يسجلوا له كلمة عرفان تثمِّن عطاءه الماكث في الإرض بما ينفع الناس.

    الطيب ورحلة الكسب والعطاء:
    وُلِدَ الطيب في أسرة كان ديدنها الترحال في طلب العلم، حيث هاجر أصولها قديماً إلى قرية نوري بريفي مروي، تلك القرية التي كانت تعج بخلاوى القرآن وارتال طلاب العلم، واستقروا بها فترةً من الزمن، امتدت إلى ميلاد الجد الثاني للطيب، الفكي أحمد أبو القاسم من أم شايقية، وبعدها عادت الأسرة إلى وطنها الأم بالمقرن ريفي الدامر، حيث تزوج محمد الطيب حفيد الفكي أحمد أبو القاسم من حبوبة بنت علي محمد شبر من العكد الكبوشاب، وأنجب منها الطيب عام 1934م، وبعد ميلاد الطيب تواتر عقائق أخوته الصغار ذكوراً وإناثاً إلى أن بلغت ثلاث عشرة عقيقةً.
    بدأ الصبي الطيب حياته العلمية بخلوة المقرن حيث حَفِظ القرآن، وبعدها درس الكُتَّاب والوسطى في مدينة أتبرا (عطبرة)، إلا أن هذا القسط المتواضع من التعليم المدني لم يشجعه على ولوج حياة الأفندية في كنف الدولة وراتبها المحدود، بل جعله يؤثر العمل الحر تشاشاً (تاجراً) في سوق الدامر، وأحياناً مندوباً لأهل المقرن في مجلس ريفي شندي. وفي بيئة الدامر التي كانت حافلةً بتراث أهل السودان وتواصل البدو والحضر تفتقت قريحته على سماع المأثورات التراثية التي كانت تُروى سليقةً، ويتفنن الرواة في رسم صورها الجمالية حول نفرٍ من أعلام الفروسية أمثال عنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي، وطه الضرير، والطيب ود ضحوية، ويبالغون في سرد كرامات مشايخ الصوفية والأولياء الصالحين مدحاً وإنشاداً في حولية الشيخ المجذوب والمحافل المماثلة لها. في وسط هذا الزخم التراثي الزاخر بمآثر أهل السودان كان يتوهج نجم السيّدة فاطمة بنت فاطمة جدة الطيب من جهة أبيه، ويقول الطيب عنها: إنها كانت امرأة لها شخصيتها المميزة بين نساء قريتها، لأنه يُقال إن أهل أمها فقراء "يروبون الماء"، ومن ثم أضحت لها مكانةً اجتماعيةً كبيرةً وسط أهل المقرن وزوارهم، وكانت مسموعة الكلمة، نافذة الإشارة على الكبار والصغار. كان الناس يتحلَّقون حولها كل أمسية لسماع الأحاجي والقصص والحكايات المشوقة التي كانت ترويها بأسلوب درامي جذَّاب.
    في ذات النسق يوثق الطيب لمشاهد خاصة كان لها وقعها في نفسه وهو حاضر حضوراً مادياً ومعنوياً في حلقة جدته فاطمة بنت فاطمة، إذ يقول: "لا أنسى المواقف التي كانت تتطلب أن يؤدي البطل فيها مقطعاً غنائياً، كانت تتمهل وتتهدج في ترديد وترجيع الأغنية بصوتها الرنان، ومن ضمن حكايتها لنا قصة الشيخ فرح، وود أب زهانة، وكنا نحسب أن الشيخ مثل الغول، والسعلوة، والدكع، وفاطمة، والقصب الأحمر." (الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك، ص 19). وجميع هذه المصطلحات تصب في معين القصص الشعبية المعروفة في وسط السودان، والتي تُصنَّف ضمن قائمة الأحاجي السودانية التي وثق لها البروفسير عبد الله الطيب طيَّب الله ثراه.
    بفضل هذا الحضور التراثي في دامر المجذوب توطَّنت نفس الطيب محمد الطيب على حب الفلكلور، الذي دفعه إلى تطليق أشغاله الحرة ونذر نفسه وجهده وماله لجمع الأدب الشعبي. وفي هذا يقول الدكتور عبد الله علي إبراهيم: "وفجأة ظهر بيننا الطيب قاطع حبلو من الدامر ... لا أذكر أننا سألناه عن مسيرته التعليمية، ولست متأكداً إلى يوم المسلمين هذا كم استحصل الطيب من علم المدارس، وكان واضحاً أنه رجل نير ولكنه صفر اليدين من الشهادات... ولم يترك لنا الطيب باباً لمثل هذا السؤال فقد أخذنا مناً بمحفوظاته من التراث وبأدائه بصوت طربنا له، وسعى يوسف في أروقة الجامعة يطلب له وظيفةً لم تخطر على بال بيروقراطي، وهي وظيفة جامع فلكلور بأجر مُجمّد قيمته خمسون جنيهاً، وكان مرتب أي منا لا يتجاوز الستين. وقبلت به الجامعة، ووفرت له الشعبة عربة جيب 5خ 8731، ومسجلاً ألمانياً ماركة قرندوق، وسائقاً دنقلاوياً أنيساً هو السيّد حسن خير الله، ودفتر بنـزين صالح لملىء تنك العربة [أي خزان الوقود] أو شراء صفائح الوقود من أي طرف في السودان."
    هنا حزمةٌ من الأسئلة تطرح نفسها: مَنْ هم أولئك النفر الكريم الذين تحدث الأخ عبد الله علي إبراهيم عنهم بأريحية وتواضع جم؟ وما هي الشعبة التي جمعتهم بين ظهرانيها، وأهلَّتهم ليحترفوا صنعة التراث الشعبي وينعموا بصحبة الطيب محمد الطيب؟ الشعبة التي رمز الدكتور عبدالله إليها هي شعبة أبحاث السودان التي كانت قلباً نابضاً في كلية الآداب جامعة الخرطوم آنذاك. لقد أُسست شعبة أبحاث السودان عام 1964م، وكان هدفها الأساس جمع التراث السوداني وتوثيقه ودراسته، وخلف البروفسير يوسف فضل حسن الدكتور ج.ن. ساندرسون على رئاسة هذه الشعبة الناشئة، وظل يشرف على أمر تطويرها حقبةً من الزمن، حيث جلب إليها نفراً من طلاب التراث السوداني، بعد أن طوَّع لهم شروط التعيين الوظيفي بجامعة الخرطوم، معطياً الأولية للكفاءة المهنية والاستعداد الفلكلوري. وفي هذا يقول الدكتور عبد الله علي إبراهيم: "لم أكن أنا مثلاً ممن تنطبق عليهم شروط التعيين أكاديمياً بالجامعة. ولم يخطر ليوسف فضل تعييني خلال تلقي العلم على يديه في معادل درجة الشرف في تاريخ، ولكنه سمعني يوماً أتحدث عن الفلكلور بإذاعة أم درمان وسرعان ما عرض عليَّ أن انضم لشعبة أبحاث السودان... ومن جهة أخرى كان سيد حُريز في طريقه ليصبح محاضراً بشعبة الإنجليزي بالجامعة حتى قرأ يوسف رسالته عن طقوس الحياة والموت في السودان فالتمس من الجامعة تحويله إلى شعبة أبحاث السودان. وكذلك الحال مع أحمد عبد الرحيم الذي بدأ بالفلسفة، ثم كتب عن فلسفة الأخلاق عند النوبة النيمانق بالدلنج، فلم تتأخر عنه حفاوة يوسف." فالبروفسير يوسف فضل حسن والبروفسير سيد حامد حُرير والبروفسير أحمد عبد الرحيم نصر والدكتور مصطفى إبراهيم طه هم أولئك النفر الذين تحدث الدكتور عبد الله عنهم بأريحية وتواضع جم، وهم الذين قامت على أكتافهم شعبة أبحاث السودان، وهم الذين انضم إليهم الأستاذ الطيب محمد الطيب عام 1965م، وبذلك استطاعت شعبة أبحاث السودان، التي رُفعت في عام 1972م إلى معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، أن تجمع بين جوانحها كفاءة التأهيل المهني المكتسب من مؤسسات التعليم المدني وكفاءة التأهيل المهني المُنساب من أفواه حدأة التراث الشعبي ورواته.
    لا جدال أن تعيين الأستاذ الطيب في وظيفة جامع فلكلور كان نقلةً نوعيةً أحدثها عرفاء الفلكلور في شعبة أبحاث السودان، ومنها انطلق الطيب يجوب البلاد طولاً وعرضاً في تحقيق هوايته المفضلة وفي جمع تراث أهل السودان من صدور الحُفَّاظ والوثائق التاريخية. وأبلغ شاهد رحلاته الماكوكية في جمع تراث البطاحين ونسج خيوط سيرة الشيخ فرح ود تكتوك، وفي هذا يقول الأستاذ الطيب:
    "كلفتني شعبة أبحاث السودان سنة 1970م أن أعد كتاباً عن حياة البطاحين، وشرعت في جمع المعلومات الأولية عنهم، وحسب خطة شعبة أبحاث السودان ينبغي علي أن أطوف عليهم في أماكنهم، وبدأت بعاصمتهم أبو دليق وما حولها، ثم أبرق، وأب زليق، والمايقوما، والحاج يوسف، ثم زرت قراهم الواقعة شرق النيل الأزرق مثل ود ساقرته والفعج. ثم ذهبت إلى سنار، وجبل موية، والمناقل، ثم أربجي، والسديرة، وبقية أطراف الجزيرة المروية، وتسنى لي خلال هذه الرحلات التي دامت حوالي عشرة شهور جمع معلومات عن البطاحين كمجموعة، وكان كل مرة أسأل فيها الرواة والمحدثين عن أخبار أسلافهم يرتفع اسم الشيخ ود تكتوك شامخاً قوياً." (الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك، ص 20). فلا غرو أن هذا النص يعكس قدرة الأستاذ الطيب الخلاقة في جمع المعلومات التراثية، واسترساله في ربط جزئياتها، والشاهد أن الجمع بين التراث الشعبي لقبيلة البطاحين وسيرة الشيخ فرح ود تكتوك البطحاني قد حفزه لمواصلة بحث آخر عن سيرة الشيخ فرح وآثاره، في هذا يقول الطيب: "وزرت بعدئذٍ سنار وما حولها ست مرات، وفي كل مرة كنت أجد بعض المعلومات الجديدة عنه. وبعد أن حصلت على تلك الروايات الشفهية رحت أسأل عن بعض آثاره المحفوظة ولم يخيب أهل الفضل ظني. فوجدت بضع مخطوطات تحدثت عن سيرته ودونت أقواله، وكان أهمها مخطوط الشريف الهندي المسمي (تاج الزمان في تاريخ السودان)، باب تراجم الأولياء، وكذلك مخطوط الشيخ الحسن محمد طلحة بود ساقرته ناحية رفاعة، وأوراق فرح القاسم، كساب الجعلين، والأخير من أحفاد الشيخ فرح وأكثرهم حفظاً لمأثورات الشيخ، وبحوزته وثائق مهمة جداً أطلعني عليها مشكوراً." (الشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك، ص 20-21).
    هذا هو الطيب جامع الفلكلور، وصاحب المنهج الفريد الذي وصفته المهندسة رباح الصادق المهدي بأنه: "خلطة غريبة، فلو وصفته بأنه مؤرخ محلي كما تصف مضابط التاريخ ... كذَّبك حسه النقدي من حين لآخر... ولو قلت أنه عالم أكاديمي لرد عليك أنه لا يتبع في نهجه الوسائل الأكاديمية المعهودة في التعامل مع المأثورات الشفهية مثلما فعل جان فانسينا في نهج التعامل مع المأثورات كتاريخ." ويعضد هذه الفرضَّية أيضاً قول الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي صحب الطيب في بعض رحلاته الميدانية بقوله: "لقد حسدته كثيراً متى كنا على سفر، أو زيارة، على تعرف الناس عليه بالفطرة، وإقبالهم عليه كشركاء في مشروعه، يسألونه عن الأنساب، أو صحة نطق اسم مدينة، أو مزارات ولي. وكنت استمع حواراتهم معه يديرونها على قدم المساواة. وكنت أنطوي منهم على صفويتي الحبيسة ولغتي الكاسدة. كان الطيب يعلم علم اليقين حب الناس له، بل ومناصرته له. لم يكن الطيب قادراً على ينجز أكثر صور شعبية لولا سخاء مشايخ وتجار وأحباب مولوا زياراته الميدانية لبقاعهم واحسنوا إليه. وهذه سنة في الإحسان إلى أهل المشروعات الثقافية، لم تقع لصاحب مشروع ثقافي حديث قبل الطيب. وكان الطيب غني بهذه الصحبة عن تكفف الدولة العادلة أو الظالمة."
    في ضوء هذه التزكيات الحاذقة نخلص إلى أن الطيب كان جامع فلكلوري مدرب، وله إلمام واسع بتاريخ السودان وجغرافيته، وعلى قدر كبير من تفكيك طلاسم العادات والتقاليد واللجهات العامية، وفوق هذا وذاك كان يتمتع بحيويةٍ خلاقة، وحدس فني ذواق لا يخذله البتة، ولباقة جعلت الناس يتجاوبون معه، ويشاركونه في مشروعه التراثي، ويطلعونه على مكتنـزات تراثهم الشعبي التي تكنَّها صدورهم، وتحفظها وثائقهم الخاصة التي يحيطونها بهالة من القدسية. وقد أهلَّ هذا الرصيد الفني والمعرفي الطيب ليكون نسيج وحده، لم يكن مقلداً مجتراً، بل كان أصيلاً مبدعاً، تجاوز قيود الموروث وتقنيات الحداثة في منهجه البحثي، وفي تعامله الراقي مع مأثورات التراث السوداني. وبفضل عطائه السابل وحضوره الكثيف في ساحات العمل الفلكوري لم تعد صورة الفلكلور بعده كما كانت قبله، لأنه، كما يرى محمد محمد خير، كان مشروعاً ثقافياً "يتسع لاحتواء مليون ميل مربع من الدويبت، والشاشاي، والتُم التُم، والكمبلا والجابودي، وتراث الشلك، والنقارة، وأهازيج الحكَّامات، وطارات المديح، وأمثال دارفور الشعبية."

    برنامج صور شعبية:
    توسط الطيب هذا الكم الهائل من التراث ومأثوراته، ونثر منه صوراً شعبيةً لـمَّاحةً عرضها منجمةً عبر شاشة تلفزيون السودان البلورية، وكسب بعرضه لهذه الأنساق والأنماط التراثية تقدير الناس له، لأنه فتح بصائرهم، كما يقول إبراهيم عبد القيوم، إلى وطن "مشحون برصيد تاريخي عزيز وغالٍ، وإن إنسانه عظيم ومتفرد، وإن تاريخ هذا الإنسان يفرض أن يبذل من أجله الكثير من الجهد والوقت." وحسب رواية الكيك فإن علاقة الطيب بالإذاعة والتلفزيون يرجع تاريخها إلى برنامج "التراث السوداني" الذي كان يقدمه الأستاذ محجوب كرار رحمه الله عبر إذاعة أمدرمان، وفي إحدى حلقات برنامجه الشعبي استضاف الأستاذ الطيب محمد الطيب وقدمه إلى جمهور المستمعين السودانيين باعتباره علماً من أعلام السودان المهمومين بالوطن وثقافته وتراثه، وبعد ذلك ظل الطيب زبوناً معتمداً عند محجوب كرار، تواصلت لقاءاته، وتجدد عطاؤه، وانداحت دائرة مستمعيه، وما فتيء الطيب محفوفاً بحفاوة مستمعيه إلى أن أطل عليهم عبر شاشة برنامجه التلفزيوني الموسوم بـ: "صور شعبية". ومن خلال هذا البرامج استطاع الطيب أن يعرض صوراً شعبيةً حيةً، تعبر عن حياة الناس وأنساق تواصلهم الاجتماعي في كل بقاع السودان، بما في ذلك أفراحهم وأتراحهم دون كذب ولا رياء، وكانت هذه الصور تحمل قيماً روحيةً صادقةً، وفنوناً أدبيةً شعبيةً، وموسيقى ورقصاً، وطُرَفاً من أدبيات الحصاد وأهازيج الرعاة، ونماذج من أدوات الحكم والولاية، وفنيات الحِرَف التي يطلق المثقافتية عليها مجازاً الحِرَف الهامشية. وفي الوقت نفسه كانت هذه الصور الشعبية تحمل قيماً اجتماعيةً تسهم في خلق قوالب انفعالية وسلوكية تعين المجتمع على توثيق عُرى ترابطه وحل كثير من مشكلاته الآنية، وتساعد أيضاً في فهم العلل الكامنة وراء الأحداث التاريخية، والتشنجات الجهوية والفئوية المصاحبة لإفرازات القرارات السياسية في السودان.

    الطيب والسلطة:
    كان الطيب محمد الطيب أنصارياً قلباً وقالباً، ويتجلى هذا الانتماء السياسي-العقدي في لباسه الأنصاري، وفي صونه لبيعة الأنصار التي قطعها مع إمامهم وزعامتهم السياسية. وبالرغم من الإحن والشدائد التي ألمت بهذه الطائفة إلا أن الطيب "لم يبعهم بغالٍ أو مرتخصٍ لينال حظوة النظم الكارهة لهم"، بل ظل وفياً لبيعته، دون أن يخلط وفاءه الأنصاري برسالته التراثية التي كانت تسمو زهواً فوق هامات الانتماء السياسي، وتتجاوز فخراً تشنجات التعصب الديني، وترقى بماهيتها الوظيفة عن الشبهات العرقية، لأن جمهورها أهل السودان، ومادتها تراث أهل السودان. ويثمن الدكتور عبدالله علي إبراهيم هذا الموقف الفذ بقوله: "لم يرهن الطيب خير لبلدنا وثقافتنا على فضل الحكومات أو الدكتاتوريات ...، بل كان دخَّالاً خرَّاجاً في نصوص هذه الثقافة، يبلغها غلاباً. تقلبت بلدنا بين دكتاتوريات مديدة العمر ولم يعدم الطيب أبداً بصارة ليعمل بها أو بدونها لنيل مراده. ولم يترخص أبداً في أداء واجبه الثقافي... فكان شرفه كمثقف فوق الشبهات، وعلمه مما يمكث في الأرض."
    لم يكن غزل السلطة السياسية جزءاً من أدبيات الطيب وتطلعاته المشروعة، ولم تكن سلطة العمل الديواني هاجسه المنشود، بل كان ينبذها، لأنها من وجهة نظره مدعاةً للكسل وقتل الإبداع البشري وتجلياته. ويتبلور موقفه من سلطة العمل الديوانية في الرواية التالية للأستاذ بكري الصائغ: "علاقتي بالمرحوم الطيب محمد الطيب تعود إلى سنوات السبعينيات عندما كنا موظفين بوزارة الثقافة والإعلام... وأذكر قصة تقول أن السيَّد علي شمو قد قرر تعيين الطيب محمد الطيب مديراً لمصلحة الثقافة في ضوء عملية تغيرات هدف منها شمو تولي الكفاءات الوظائف العليا وإدارات المصالح. وما أن جاء خطاب الإخطار للمرحوم بتولي أعباء مصلحة الثقافة حتى رأينا المرحوم قد انزعج تماماً من هذا التعيين، وأبدى اعتراضه على تولي هذا المنصب، وسعى لمقابلة الوزير، واعتذر له عن الوظيفة الجديدة العالية المكانة، وكانت حجته أنها وظيفة مكتبية تقتل الإبداع، وتحرمه التجوال، والبحث والتقصي في مجاهل العادات والتقاليد السودانية، وإنها وظيفة مـُمِلة، ليس فيها أي إبداعات أو اكتشافات أدبية، طلَّق الطيب الوظيفة، وانطلق ينقب في مجاهل عالمه" المملوء بالكشوفات التراثية.
    نلحظ أيضاً أن الخصومة السياسية بين الأنصار والشيوعيين لم تقف عائقاً أمام عطاء الطيب وتطلعاته التراثية، فصديق عمره عبد الله علي إبراهيم كان من كوادر الرفاق النشطة، بيد أن اختلاف الرأي السياسي لم يفسد وداً استقام ميسمه بين الرجلين. وفي هذا يفصح الأستاذ كمال الجزولي بأن عبد الله علي إبراهيم قد قدمه هو وزميله شوقي عزالدين إلى الطيب محمد الطيب عام 1973م، ووقتها كان عبدالله مفرغاً لمسؤوليات العمل الثقافي للحزب الشيوعي، وشوقي عز الدين مفصولاً للتو من العمل بمعهد الموسيقي والمسرح. وفي هذا الظرف السياسي الحالك توثقت عُرى الصداقة بين الطيب والرفاق، ويقول الجزولي لسان حالهم: "كنا نقصد أحياناً داره ببري مع الأصدقاء، ونقضي الأمسيات في حوارات ساخنة حول هموم الثقافة، فكان يستقبلنا هاشاً باشاً، ويكرم وفادتنا غير هيَّاب ولا وَجِل من كوننا كنا مجموعة من الشباب (المدموغين) في الوسط الثقافي بالتمرد، أو حتى من كون صديقه عبد الله بالذات كان مختفياً ومطلوباً من الأجهزة الأمنية." وصداقته مع الرفاق لم تقف عند هذا الحد، بل بلغت شأواً أعظم من ذلك، حيث شخصت بعض شواهدها في صحبته لكمال الجزولي وشوقي عز الدين في إحدى رحلاته الميدانية لمسيد ود الفادني، ليثبت لهما أن مسرح "الرجل الواحد" لم يكن نبتاً حداثياً كما كانا يظنان، بل هو فن متجذر في أدبيات المسرح السوداني الشعبي قبل أن تعتدل قامته في مسارح الغرب والفرنجة. وفي مسيد ود الفادني استُقبل الرفاق في صحن المسجد، وأولم لهم السادة الفادنية بوليمة تكفي لعشرة أضعافهم في ساحة المسجد الرحبة، حيث جلس سيد المسرح الواحد حاج الصديق على أحد العناقريب الفارهة التي أُعدت لضيافة الأستاذ الطيب والوفد المصاحب له من الرفاق، ثم بعد ذلك بدأ حاج الصديق يعرض بعض القفشات المسرحية، والصور المغلوبة التي تجسد واقع الحياة في شوارع المدينة والقرية، وفي بيوت الأغنياء والفقراء، وواقع المزارع عندما يحل أجل سداد ديونه، وأحياناً يقلد لهم باقتدار وسلاسة بكاء الرضيع، وثغاء الماعز، وزمجرة مفتش الغيط المحتشد بسلطته، وسخط المزارع المغلوب على أمره، وزفات الحجيج المادحة إلى الأراضي المقدسة. كل هذه المشاهد ومثيلاتها كانت تعرض في مسيد ود الفادني، والرفاق وغيرهم من الحضور يموجون بالضحك، ضحكاً كالبكاء كما يقول كمال الجزولي، والطيب يختلصهم بنظرات مفادها أن مسرح الرجل الواحد لم يكن حكراً على المسارح الغربية، بل أن السودان يزخر بمثل هذه النماذج منذ أمد بعيد. وكانت تلك الليلة الفادنية حسب إفادات الرفاق تمثل "أعلى درجة من درجات الفرح يستطيع إنسان أن يهبها لإنسان."
    هذا هو الطيب المتسامح مع نفسه تسامحاً جعله يوطِّن لشرعية التواصل مع الآخر، وقد بلغ هذا التسامح ذروته عندما ألف كتاب "الإنداية" وأردفه بمصنف آخر عن "المسيد". فالإنداية هي دار المجون، كما تصفها الأستاذة رباح الصادق المهدي، والمسيد هو دار التُقى والصلاح، وبين الدارين بون شاسع. والإنداية كما قدم لها الطيب "من الأمور التي لا يصح الحديث عنها في عرف المجتمع السوداني إلا في مقام الذم، وهي من أجل ذلك لا تجاور سكناهم، بل تُقصى إلى أطراف القرى والمدن، وقد تضرب في الخلا، يطلق عليها في معظم الأحيان اسم "الجو". ولا يرتادها إلا طبقة خاصة لا تجد القبول عند غيرها من الناس." فالطيب أراد بهذا السفر الفريد في موضوعه أن يزيل هذه الغشاوة من أذهان الناس، ويعرض أدبيات الإنداية عرضاً موضوعياً باعتبارها مظهراً من مظاهر الحياة السودانية، لها سلبياتها وإيجابياتها، وينبغي أن يُعالج أمرها بطريقةٍ علميةٍ بعيداً عن التشنج والعواطف الدينية الجياشة. ويقول البروفيسور عون الشريف قاسم في تقديمه لكتاب الإنداية: "ولكنك بمجرد أن تتصفح الكتاب وتسبر غوره تجد لدهشتك أن المخبر غير المظهر. وسرعان ما يكتشف القارئ أن الإنداية التي يتحدثها عنها الكتاب ما هي إلا مظهر خاص من مظاهر الحياة السودانية، وهي ككل المؤسسات الاجتماعية لها نظامها الخاص وتقاليدها وقيمها التي يلتزم بها من يرتادونها ويذمون من يخرجها عليها، وبالبحث الميداني المتعمق الذي استغرق ست سنوات طاف فيها المؤلف على معظم أنحاء السودان فخرج بحصيلة من المعرفة ينقلها لك هذا الكتاب الرائع." وحقاً أن كتاب الإنداية كتاب رائع وجدير بالإطلاع، لأن الطيب أفلح في اختيار موضوعه، وفي تناوله لأدبيات الإنداية تناولاً علمياً دون أن يكون متأثراً بأدبيات المهدية التي ترى في الدخان حرمة، فما بالك والإنداية التي تعاقر فيها الخمر أم الكبائر جهاراً نهاراً.

    المرأة في قاموس الطيب الشعبي :
    لم يكن الطيب سادن ثقافة ذكورية، بل كان نصيراً للمرأة من خلال واقع تراثها الشعبي ومأثوراته المتنوعة، لذا فقد أفرد لها حيزاً مهولاً في إصداراته المطبوعة وصوره الشعبية ومحاضراته العامة. فنجده مثلاً يثمِّن دور النساء العابدات الراسخات في العلم أمثال: بتول بنت اليعقوباب، وفاطمة بنت جابر، وعائشة بنت أبودليق، ويوثق أيضاً لتاريخ المجاهدات اللائى كان لهن دور مشهود في ساحات الوغى والحروبات الضروس، وتأتي في مقدمة هؤلاء الشاعرة مهيرة بنت الملك عبود التي كانت تمجد قومها الشايقية، وتشحذ هممهم، وتحثهم على محاربة الأتراك الغزاة، ويتجلى هذا الموقف البطولي في المقاطع المأثورة التالية التي أنشدتها مهيرة في ذلك المقام:

    الليلة استعدوا وركبوا خيل الكر
    قدامن عقيدهم بالأغر دفر
    جنياتنا الأسود الليلة تتنتر
    يالباشا الغشيم قولى جدادك كَرْ

    وفي المهدية يوثق الطيب لمجاهدات الشاعرة بنت المكاوي التي كانت معجبة بشخصية الإمام المهدي في حربه ضد الأتراك، وكانت ترى في بسالة أنصاره عزة نفس ونكران ذات، لذا فقد أنشدتهم قائلةً:

    طبل العز ضرب هوينه في البرزَّة
    غير طبل أم كبان أنا ما بشوف عزَّه
    وإن طال الوبر واسيه بالجزَّة
    وإن ما عم نيل ما فرَّخت وزَّة

    ولم ينس الطيب دور الحكَّامات أمثال بنت مسيمس التي مدحت الزبير باشا ود رحمة عندما نُفي إلى جبل طارق بالمغرب قائلةً:

    في السودان قبيل ... ما بشبهوك بالناس
    يا جبل الدهب ... الصافي ماك نحاس
    بارود انتصارك ... في غمزة الكبَّاس
    خليت المجوس ... ألين من القرطاس

    وعلى ذات المنوال والنسق وثق الطيب للشاعرة بنونة بنت المك التي رثت أخاها عمارة رثاءً حزيناً ومؤلماً، لأنه كان مصاباً بداء الجدري الذي أقعده عن القتال وأماته متيةً لا تليق بالأبطال، لأن المصاب بالجدري لا يغسل جسده، بل يذرى عليها الرماد خوفاً من العدوى، وحول هذه الميتة "أم رماداً شح" تقول بنونة:

    ما دايرا لك الميتة ... أم رماداً شح
    دايراك يوم لقاء ... بدماك تتوشح
    الميت مسولب ... العجاج يكتح
    أحيَّا علي ... سيفو البسوي التَّح

    فلا جدال أن الحديث ذو شجون عن أدبيات النساء الوارد ذكرها في إصدارات الطيب وصوره الشعبية، لكن المقام لا يسمح بالإطالة، والشواهد المذكورة كفيلة بتأكيد صدقية الفرضية التي أشرنا إليها في مقدمة هذه الفقرة.

    الطيب في منـزلة بين المنـزلتين:
    بالرغم من هذا العطاء الثر، إلا أن الطيب قضى أيامه الأخيرة طريح الفراش بمستشفى السلاح الطبي بأمدرمان، حيث زارته جموع من الأصدقاء والمعجبين بفنه، ومن ضمن هؤلاء الأستاذ كمال الجزولي الذي وصف لحظاته الأخيرة بشيء من الحزن والأسى: "وكنت قد زرته أخر مرة بصحبة بعض الأصدقاء، إبان رقدته الأخيرة بالمستشفي العسكري، حسبناه للوهلة الأولى نائماً، فكدنا ننسحب بهدوء لولاء أن زوجته عاجلتنا بالتمر، قائلةً: "ليس نائماً، هو فقط على هذا الحال منذ أن جئنا به إلى هنا، ولكن رؤيتكم ستسعده." ثم يصف الجزولي واقع الحال بقوله: "فتح عينه ببطء، وبدأ كما ولو كان يهم بالكلام، سوى أنه طفق يُسرح نظراته الوادعة في وجوهنا ولا ينبس ببنت شفة، رغم إلحافنا في مشاغبته، وكم كان في زمانه ... منتجاً حاذقاً لبهار الإخوانيات اللاذع وعطرها النفاذ." ويصف هذا المشهد أيضاً الدكتور مرتضى الغالي في كلمته الحزينة التي سبقت وفاة الطيب، إذ يقول عنه: "وهو في منـزلة بين المنـزلتين، بين هجمة الداء الأولى العصيبة والغادرة وبين بطء الوصول إلى أطراف العافية والعودة إلى دنيا الناس، حيث إنه حالياً على تخوم الصحو والإفاقة والإغفال، ولا يعلم أحد (لا قدر الله) إمكان الانتكاسة التي يمكن أن تسترد بعضاً من مساحات الإبلال والشفاء، و[لكن نتمنى له] استرداد مقدرة النطق والسير على مناكب الحياة مرة أخرى، ليواصل ما بدأه من مشوار في إذكاء نيران المعرفة التي تخرج منه (دخاخين دخاخين) على رواية طبقات ود ضيف الله، لأنه يتكئ على رصيد ضخم يمتلئ به صدره وعقله."
    ثم ينتقل الدكتور مرتضى من هذا المشهد الحزين والطامع في رحمة الله إلى فقرة مهمة، أحسبها مناسبة في خاتمة هذه الرسالة العرفانية، إذ يقول: ومما يزيد قيمة رصيد الطيب المعرفي، "أنه يأتي في معظمه من باب المشاهدات، والسياحة، والمسوح الحقلية، والمعايشة الراصدة، والرحلات التي تضرب فيها أكباد المستحيل من أجل الوقوف على أثر، أو حجر، أو أمثولة، أو مسدار، أو طقس حياة، معيداً لنا في حياتنا المعاصرة نموذج العلماء الموسوعيين الذين يتتبعون حصاد المعرفة التي لا ترتادها قدم."
    فهذا هو الأستاذ العلامة الطيب محمد الطيب الذي فقدناه في السادس من فبراير عام 2007م، فإن الواجب الأدبي يحتم علينا، كما يقترح الأستاذ منصور عبدالله المفتاح، أن نجمع تراثه وآثاره الكاملة في قاعة تحمل اسمه، ويكون مقرها إما في دار الوثائق القومية، أو مصلحة الثقافة، أو متحف السودان القومي. وهناك أيضاً أربعة مؤلفات تحت الطبع يجب أن تخرج إلى دائرة الضوء، وتجد موقعها في المكتبة السودانية والعربية على حد سواء، وهي: بيت البكاء؛ وتاريخ المديح النبوي في السودان؛ والصعاليك العرب في السودان؛ والإبل في السودان.
    ألا رحم الله الطيب محمد الطيب رحمةً واسعةً بقدر ما أمتع، وآنس، وأعطى، وبذل، وأنفق من جهد ومال ووقت في سبيل الارتقاء بمسيرة التراث السوداني، وتطوير خدمات الأدب الشعبي، فلعمري لا أجد الكلمات المناسبة التي تفي استحقاقات رثائه، وجرد فاتورة عطائه الماكث في الأرض، ولكن أضعف الإيمان أن اختم هذه الكلمة بأبيات من أشعار ابن الوردي في الرثاء:

    سراجٌ في العلومِ أضاءَ دهراً على الدنيا لغيبته ظــلامُ
    تعطَّلت المكارمُ والمعــالي وماتَ العلمُ وارتفعَ الطغـامُ
                  

02-26-2007, 04:52 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: Ahmed Abushouk)

    ود اب اشوك
    كيف الحال والاحوال
    مقالك عن الطيب يصلح كتاب لوحده اتمنى ان تهتم وانت الموثق به وتجمع كل ما كتب عنه هنا وانت طويل باع تخليدا لذكراه ..
    عن الاسم اسمى موجود على المكتبة على بعض الكتابات التى نشرت فى هذا الموقع ..
    اتمنى ان نتواصل معا عبر الايميل ..

    [email protected]


    اقرا ايضا فى موقعى الاخبارى اخبار ومقالات سودانية


    http://www.maalinews.com/

    مع تحيانى لك
                  

02-26-2007, 05:18 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    ألا رحم الله ذلك الباحثه طويل الباع والبال الطيب محمد الطيب وأسكنه فسيح جناته
                  

03-01-2007, 07:31 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: الكيك)

    الأستاذ أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك
    السلام ورحمة الله وبركاته

    لك الشكر ولك الفضل على إشارتك تلك التى توحى بعمق الأكاديميه وعلمية البحث فى إيراد جهد من إجتهدوا فى الإحتفاء بوداع الراحل المقيم إبن بطوطتنا المرحوم الطيب محمد الطيب وأنت تفيض وتضيف من بحر ذلك البحر كل الذى غاب عنا ووقفت دونه الأقلام الشكر لك ثانية والود والسلام




    منصور
                  

03-04-2007, 04:47 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب محمد الطيب ....او السودان المتجول... فقيدنا الكبير (Re: munswor almophtah)

    الاستاذة رباح
    لك كل التحيات واشكرك واتمنى ان تتواصل الكتابة والرسائل واتوقع مساهماتك المتميزة على موقعى الخاص ..
    www.maalinews.com
    والذى انزلت فيه هذه القصيدة القوية للاستاذ عبد الرحمن الغالى ...




    تِلّيشة على قبر الطيب

    (1)
    شُوْيَم شدَّ قارحو.. تال البعجبو الراوي
    من وَشَل القِبيْل.. غاويها شهّل ناوى
    شاشتْ نفْسو شاقا.. قُرْب العقاب الضاوي
    بشويْش يا الشّبندي.. فُرْقَكْ بحرِّق وشاوي
    (2)
    نعلَّكْ ما حِرِدْ .. من حال وِلاد التابا
    تركوا السَّمْتة بتَّاً.. خمَّدوا التُّقّابة
    الليلة ام نفايل.. هانوها قصُّوا رقابا
    بعد العز قبيل ..عادْ عِدْمت الورتابة
    سِيْد الحق مقمَّح.. جَسَرَنْ عليهو ضِيابة
    البلد المِكُوْفِرْ سِيْدا.. مَكْتول عشوقا صبابة
    ركُّوها وبِقتْ ..مِتْل التكِنّها غابة
    زعلان فُتَّها.. أم حنّتْ عضاك لترابا
    (3)
    البلد الهَويْتُو.. بِتَعَرِفْ تُمامو وقرضو
    ما خلّيت بكان.. شقّيتو طولو وعرْضو
    تريان كدَادو ملبّك.. محلان جديب في بعضو
    الهاجّي ورا السعية..والزَّاحْ يتيرب أرضو
    أحييت التراث... كمّلت ناقص فرضو
    (4)
    ما وقّفك عتمور..يلمع يراري رهابو
    ولاك هيّاب دَغَلْ..صُم الرجال بتهابو
    ولا اتلجلحت في صيّاً تزازي ضبابو
    جميع ساكن البلد... تعَرِفْ أصِلْ أنسابو
    عِلْمَكْ فاض طمح.. غمر البلاد بي تسابو
    أدب الشعب جَزَمْ... إيّاكَ فاتح بابو
    (5)
    البلد المشيتو.. هُويُو وصعيدو وشرقو
    في عِز الهجير.. أوكات صَبِيْبُو وبرقو
    في الشوك والقشولي.. ما خفت طعنو وحرقو
    همَّك أمة واحدة.. ابناها لا ينفرقو
    يات مَن كان قبيل.. جاك مفتخر بي عِرقو
    قُتْ ليهو القبيل.. افتخرو مِتلك غِرقو
    السودان هَضِيْم.. أبقولو سَنَدو ودَرَقو
    وفي القول القديم.. الرصاص بِشِتْ غير مِرْقو
    السودان دِرِكْ.. ألفوه لا تنسرقو
    وزي قول المثل.. البتيخ بقوم في عرقو
    (6)
    يا المكْ أبْ بنونة.. عاشق المعالي تملّي
    يا ذاكر رِقية.. أُختْ المِنْشَنِق مدّلّي
    شغَبَة وبت مسيمس.. أوعاك مهيرة تخلّي
    بِت عطوة القبيل.. راتبها يوت بتدّلّي
    والغبشة البتول.. الماسكة درب الشبلي
    سِيَر فاضلات.. النسا أبقيتا سافل وقبلي
    (7)
    يا صاحب (المسيد).. والخلوة و(الانداية)
    حاشاكْ ما شِرِبْ.. شُغْلَكْ عمار ودواية
    الغُنا والمديح.. هِيْلَكْ دراية رواية
    حُجة مَرْجِعِنْ.. تدْراها شكلاً وآية
    (8)
    العاقْب النقر.. فوق الحبيب بي طارو
    والحردلو جاب.. فوق القنيص مسدارو
    وود ضيف الله دوّن.. شيِّقات أخبارو
    ود سعد اللبيب.. ساحرات بنات أفكارو
    والعبادي أسكر.. بي لذيذ أشعارو
    الكاشِف صدح.. سَبَنْ العقول أوتارو
    جاب عون الشريف.. قاموسو عالي منارو
    والقرشي الأديب.. جلّا المديح وادوارو
    ود بدري الفصيح.. شارح المثل للحارو
    لا تنسى أبْ سليم.. محيي التراث وآثارو
    عبد الله الفهيم.. شرح الكتاب واغوارو
    وياتْ مَن أهل الصلاح.. في مسيدو تشلع نارو
    والصادق الأمين.. في البقعة فاتح دارو
    والمهدي البحر.. غمر التّمود غمّارو
    وكلْ سوداني حُرْ.. نفع البلد بي عمارو
    يغريك السلام.. ويهديكَ مِن مُشكارو
    (9)
    يالطيب أخوي.. ذكراكْ دوام في بالنا
    ابواتنا القبيل.. لا تحدثم بي حالنا
    راجين الكريم.. حنّان عطوف يرْتالنا
    نعدِّل مايلا.. والحال عُقُب يصْفالنا
    (10)
    سلام الحق لكوك.. يغشاك يوت في نعيمو
    وبي الكاس الوسيع.. يسقيك من تسنيمو
    وبي جاه النبي.. سائلين تكون في ليمو
    نَعَمِنَّك عديل.. حبّوب نداك تديمو
    عفيف وحصيف هميم.. عِلْمَك منشِّر غيمو
    صلاة الحق لكوك.. على النبي وتسليمو
    والآل والصحاب.. والحاجّي قاصد ديمو
    صلاة الحق لكوك.. على الدليل وحميمو
    على الأحيا الشريعة.. وما ترك لقَديمو
    وكل مَن قصّ دربو.. طابق قِديمو قِديمو
    ينْجابا البلد.. يرجع يندّي هشيمو



    عبد الرحمن الغالي
    السبت 17 فبراير 2007
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de