|
سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس
|
حوار حول الديمقراطية مع الشيخ جعفر(1-2)
د. الطيب زين العابدين
ألقى المفكر الإسلامى الشيخ جعفر شيخ إدريس قبل بضعة أسابيع محاضرة فى الخرطوم عن "مزالق الإيمان بالديمقراطية"، ولم أحظَ بحضورها لأنى لم أسمع بها، ولكن تكرم أحد الأصدقاء الأفاضل بارسالها لى عبر بريدى الإليكترونى بعد أن وجدها فى أحد المواقع الإسلامية بالانترنت. وبما أن الدكتور جعفر يعد من أبرز شيوخ الحركة الإسلامية السودانية منذ الخمسينات وصرف معظم سنوات عمره المديد بإذن الله فى العمل الدعوى والنشاط الاسلامى، وهو صاحب تأثير على قطاع كبير من الشباب خاصة أولئك الذين جمعوا بين حركية الاخوان المسلمين وبين الفكر السلفى، وله كتابات راتبة فى مجلة "البيان" التى تصدر عن المنتدى الاسلامى الذى يتخذ من لندن مقرا له، فإن ما يقوله عن قضية هامة وساخنة فى العالم العربى وفى أوساط الإسلاميين مثل الديمقراطية جدير بالمناقشة والأخذ والرد معه فيها، لأن ما يقول به خطير وليس فى مصلحة الجماعات الإسلامية وليس فى مصلحة المسلمين فى هذا العصر. وأحسب أنه يؤمن مثلى بأن الحق أحق أن يتبع وأن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، ولذا أتجرأ للاختلاف معه علانية على صفحات الجرائد رغم الود الذى بيننا وشياخته لنا فى عهد الطلب بجامعة الخرطوم حيث تعلمنا منه الكثير، فالقضية المطروحة تهم المسلمين كافة ولا تحتمل التردد والانتكاسة. ومن الغريب أنى أتفق معه فى النتيجة التى توصل اليها بخصوص حل المعضلة الدستورية فى السودان التى كانت مقصده من المحاضرة، ولكن لا صلة لها مباشرة بمآخذه على الديمقراطية والتى أختلف معه كثيرا حولها. يدعو الشيخ فى نهاية أطروحته مسلمى السودان أن يجتمعوا فى جبهة واحدة بصفتهم مواطنين سودانيين مسلمين (استغربت تقديمه صفة المواطنة على صفتى البلد والاسلام، لعلها زلة قلم!) من حقهم تكوين حكومة اسلامية لهم تعبر فى دستورها وقوانينها وسياساتها عن هويتهم الدينية، ويكون للولايات غير المسلمة دستور خاص بها لا يتقيد بالاسلام، ودستور اتحادى ثالث ينظم العلاقة بين الولايات المسلمة وغير المسلمة. ويبدو أن القصد من المعادلة هو تفادى المسلمين أن يحتكموا للديمقراطية لأنها فى نظر الشيخ جعفر تتعارض مع بعض تعاليم دينهم. ولكن ما قول الشيخ جعفر اذا وجد أن معظم المسلمين فى شمال السودان يرغبون فى تطبيق النظام الديمقراطى خاصة بعد أن اكتووا بتجربة الانقاذ الشمولية الاسلامية؟ لقد ساهمت الانقاذ من غير قصد أو وعى باقناع الكثيرين أن النظام الديمقراطى المعمول به فى معظم الدول الغربية هو أفضل من التجارب السياسية الفطيرة التى قامت بها الحركات الاسلامية تحت مسمى "المشروع الحضارى"، واضطرت الى التراجع عنها لتسلم مرة ثانية بالنظام الديمقراطى التعددى المعروف. ومن حيث النظر لا اعتراض على مقترح الدكتور جعفر ولكنه لن يكون بديلا للديمقراطية فى شمال السودان، وأحسب أن مثل هذا المقترح هو ما قصده الدكتور جون قرنق حين طرح فى مطلع مفاوضات نيفاشا فكرة النظام الكونفدرالى الذى يؤسس لكيانين مستقلين لكل كيان دستوره وجيشه وقوانينه وخدمته المدنية على أن تكون للكيانين قيادة تشريعية وتنفيذية عليا ذات سلطات محدودة فى القضايا المشتركة. ولكن وفد حكومة الانقاذ المتخوف من مصطلح الكونفدرالية عرض عليه أكثر مما طلب، عرض عليه أن ينفرد بكيان مستقل فى الجنوب لا سلطان لأحد عليه وأن يشارك بثلث السلطة تقريبا فى الشمال على المستوى التشريعى والتنفيذى، ولم يكن غبيا ليرفض ذلك العرض السخى الذى لم يكن يحلم به! وهذا ما سميناه قبل ابرام اتفاقية السلام الشامل بالقسمة الضيزى! ما هى مآخذ الشيخ جعفر على الديمقراطية حتى يحذر من مزالق الايمان بها؟ يعرف جعفر الديمقراطية بأنها حكم الشعب فهو صاحب السيادة التشريعية فيها، ويحاول أن يخرج منها المبادئ التى ارتبطت بها فى أذهان الناس مثل: الانتخابات والتداول السلمى للسلطة وحكم القانون والشفافية وحرية التعبير والتنظيم وحقوق الانسان. ويقول ان حديثه ليس عن شئ من هذا المبادئ التى صارت ملحقة عند كثير من الناس بالديمقراطية بل صارت عند بعضهم هى الديمقراطية، ويزيدنا الشيخ عجبا عندما يقول انه يعنى مزالق الايمان بالديمقراطية لا عن العمل بها أو تطبيقها. وسيكتشف القارئ أن جعفر يتحدث عن "ديمقراطية" غير التى يعرفها الناس اليوم ويتحاورون حول صلاحيتها وامكانية تطبيقها نظاما للحكم فى بلادهم. ويفسر قوله بأن الديمقراطية حسب تفسيرها العلمى تعنى (حكم الشعب) وهى نظرية يستحيل العمل بها الا فى مجموعات سكانية صغيرة لا تتعدى بضع عشرات من الآلاف. ويقول ان الأوربيين الذين بعثوا الفكرة الديمقراطية بعد ألفى عام من موتها فى أثينا أسموها الديمقراطية غير المباشرة أو الديمقراطية النيابية، وأن بعض واضعى الدستور الأمريكى يقولون ان نظامهم ليس هو الديمقراطية المباشرة التى كانت سائدة فى أثينا بل هو نظام جمهورى نيابى. وقبل أن انتقل الى مآخذ الشيخ جعفر على الديمقراطية الأثينية التى تعنى حكم الشعب بصورة مباشرة والتى قال ان تطبيقها مستحيل فى الدولة الحديثة ذات الأعداد الكبيرة، أسأل الشيخ جعفر: هل وجد فى زماننا هذا من يؤمن بالديمقراطية الأثينية فى أى بلد من العالم دعك من السودان ومن الاسلاميين فى السودان؟ وبما أن نقده ينطلق من وجهة نظر دينية اسلامية فلا بد أن المعنيين بهذه المزالق هم الاسلاميون، ولكن كيف يؤمن اسلامى أو غير اسلامى بنظام يستحيل تطبيقه؟ خاصة وأن الاسلامى لا تربطه بهذه الفكرة آصرة تاريخية أو ثقافية مثل ما تربط الأوربيين بالتراث اليونانى القديم. اذن ما الفائدة من الايمان بنظرية كهذه؟ أحسب أن الذين يتحدثون عن الديمقراطية فى بلادنا، من الاسلاميين وغير الاسلاميين، يعنون النظام الديمقراطى المطبق فى كثير من الدول الغربية والذى ارتبطت به مبادئ الاختيار الشعبى للحكام عبر انتخابات تعددية نزيهة، والاحتكام الى الدستور والقانون، وانشاء الحقوق والواجبات على أساس المواطنة، وبسط حرية التعبير والتنظيم، ورعاية حقوق الانسان، ومساءلة الحكام، والفصل بين السلطات الخ ... وقد أخذت دول كثيرة فى آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية هذا النظام عن الغرب لأنها وجدته الأفضل بحكم التجارب المعاشة، ولكن تطبيق هذا النظام استعصى على معظم الدول العربية والاسلامية ومنها السودان وظلت هذه الدول رهينة للأنظمة الاستبدادية من ملكيات وراثية وحكومات عسكرية وأنظمة الحزب الواحد. ويرى الكثيرون وأنا منهم أن النظام الديمقراطى أفضل من سائر هذه الأنظمة الاستبدادية السائدة فى العالم العربى والاسلامى. وكان ينبغى للدكتور جعفر أن يحصر نقاشه حول مفهوم الديمقراطية الحديثة والمطبقة فى أنحاء العالم بكل ما ارتبط بها من مبادئ وقيم وتقاليد، ويحدثنا عن مزالق تطبيق مثل هذه الديمقراطية فى بلادنا، وماذا نأخذ منها وماذا ندع؟ مثل هذا النقاش يكون ذا طبيعة عملية مفيدة أكثر من الحديث عن مفهوم فلسفى قديم للديمقراطية لا مكان له فى دنيا الواقع. ونواصل الحوار مع الشيخ فى حلقة قادم
حوار حول الديمقراطية مع الشيخ جعفر «2-2»
د. الطيب زين العابدين
انتهينا فى المقالة الماضية الى دعوة الشيخ جعفر أن يركز فى نقاشه على الديمقراطية الحديثة المطبقة فى عالم اليوم بكل ما تشتمل عليه من مبادئ الانتخابات التعددية، والتداول السلمى للسلطة، وحكم القانون، والشفافية، وحرية التنظيم والتعبير، ورعاية حقوق الانسان الخ ...، لأن هذه هى الديمقراطية التى يعنيها الناس، بما فيهم الاسلاميون، ويريدون تطبيقها فى بلادهم. أما الحديث عن ديمقراطية أثينا التى تعنى حكم الشعب بصورة مباشرة والتى يقول جعفر بأنها مستحيلة التطبيق فى الدول الحديثة، فلا أرى أى معنى للنقاش حولها، ولا أعرف أحدا يدعو لها. وما معنى أن تدعو الى نظرية فى الحكم يستحيل تطبيقها؟ ويدهشنا جعفر بقوله انه معنى «بمزالق الايمان بالديمقراطية لا عن العمل بها أو تطبيقها». والشيخ جعفر كأستاذ للفلسفة من حقه أن يهتم بالقضايا النظرية، ولكن مسألة نظام الحكم قضية عملية فى المقام الأول، وينبغى أن يدور النقاش حولها مقارنة بالنظم الأخرى، وكأنما أراد جعفر أن يتفادى هذه «الورطة» فلجأ الى الحديث عن ديمقراطية غير موجودة ويستحيل وجودها- كما قال- ولا يدعو لها أحد! وما معنى الحديث عن مزالق الايمان بشئ غير موجود ويستحيل وجوده؟ يتحدث جعفر عن تسعة مزالق للايمان بالديمقراطية هى: إعطاء حق الحكم للشعب، الايمان بالعلمانية، المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، اعلاء رابطة المواطنة على رابطة الأخوة الدينية، نسبية معايير المصلح والمفسد من المبادئ والاجراءات، انتشار الثقافة الغربية تبعا للايمان بالديمقراطية، كونها معيار الشرعية الوحيد، الخضوع لرغبات الناخبين ولو كانت منكرة، هى الحل الوحيد للتعددية الدينية. وأبدأ بملاحظة منهجية على مزالق الشيخ جعفر، فهى لا تلتزم بالمفهوم «العلمى» أو الفلسفى للديمقراطية الذى يعنى حكم الشعب، وانما تستطرد الى مبادئ الديمقراطية الحديثة وما يترتب عليها من التزامات مثل المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، كما أنه دخل فى مجال التطبيقات رغم قوله انه غير معني بها، مثل اعلاء رابطة المواطنة على رابطة الأخوة الدينية، فهى قاعدة قانونية فى التعامل وليست قاعدة ايمانية، فيجوز للمسلم أن يؤمن بعلو الأخوة الدينية على غيرها، ولكنه مع ذلك يرتضى المساواة القانونية بينه وبين غير المسلمين. ويخلط جعفر بين الأسس التى تقوم عليها الديمقراطية وبين بعض الأفعال التى يمكن أن تحدث فى بعض المجتمعات ولكنها لا ترتبط ضرورة بالديمقراطية، وقد تحدث فى نظم الحكم الأخرى، مثل انتشار الثقافة الغربية فى مجالات الحياة، الخضوع لرغبات الناخبين ولو كانت منكرة. ولقد ساهمت الأنظمة الديكتاتورية فى تركيا وايران وتونس ومصر والجزائر والعراق فى نشر الثقافة الغربية أكثر من أى نظام ديمقراطى فى بلد مسلم. والمزلق الأكبر عند جعفر فى الديمقراطية، هو الايمان بأن الحكم للشعب، وهذا مناقض للقاعدة التى يقوم عليها بنيان الاسلام وهى (إن الحكم إلا لله)، ويفسر بأن «الحكم التشريعى هو من خصائص الربوبية التى لا يجوز لأحد أن يدعيها أو يشرك مع الله تعالى أحداً فيها». وفى تقديره أن المزالق الأخرى تنداح من هذا المزلق. ونحن نسلم مع الأخ جعفر بأن المسلم ملزم بالحكم الالهى القطعى فى ثبوته وفى دلالته. والسؤال هو كم من هذه الأحكام يدخل فى باب السياسة ونظام الحكم؟ أقول انها قليلة جدا وكثير منها مبادئ عامة، وأن معظم مسائل الحكم فى الحياة المعاصرة اجتهادية محضة تقاس بما تحققه من مصالح المجتمع على أن لا يتناقض ذلك مع الأحكام القطعية. وأن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا اختلافا كبيرا فى مسائل الحكم، مما أدى الى حمل السلاح ضد بعضهم البعض، مما يدل على مساحة الاجتهاد فى كيفية الحكم وتنصيب الحاكم. وان كان فى الأمر سعة للاجتهاد، فهل الأفضل أن يكون اجتهاد فرد واحد أو مجموعة من الأفراد أو اجتهاد الأمة كلها بواسطة نوابها فى البرلمان، بكل ما يعنيه ذلك من التراضى والقبول بين فئات المجتمع وذلك من مقاصد الدين. ويجوز للنظام الديمقراطى أن يقيد نفسه بأحكام الشريعة الاسلامية كما فعل الدستور الايرانى «1980م» ودستور الجمهورية العربية اليمنية «1973م» ودستور جمهورية باكستان الاسلامية «1973م» ودستور السودان لعام 1998م، ولا يعنى ذلك أن هذه البلاد تقيدت تماما بكل أحكام الشريعة الاسلامية، لكن تضمينها فى الدستور يعنى الايمان بها. قد يكون سبب المفارقة عدم استطاعة النخبة الحاكمة تطبيق بعض المبادئ لأنها تجر عليها مشاكل من المجتمع الدولى، أو تحدث لها انشقاقات ونزاعات داخل بلدها، أو تفوت مصلحة ما للطبقة الحاكمة. وأحسب أن احداث مشاكل خارجية أو داخلية راجحة، مما يعذر للحاكم المسلم على أساس درء المفاسد وجلب المصالح، ولا عذر له فى مفارقة الشريعة لمصلحة شخصية أو سياسية. والنقطة هنا لا تتعلق بالايمان النظرى، ولكن تتعلق بامكانية التطبيق. ويعذر من كان قلبه مطمئنا بالايمان، ولكن أكرهته الظروف لمجانبته، مثل ما حدث للصحابى المجاهد عمار بن ياسر. ومن ناحية أخرى ما هو البديل لحكم الشعب؟ سيقول جعفر هو حكم الله، ولكن من الناحية العملية سيأخذ هذا الحق فرد أو أفراد ويدعون أن هذا حكم الله. ولقد عاش السودان هذه التجربة فى فترة النميرى وفى فترة الانقاذ. ولا أعلم فترة انتهكت فيها الحقوق وظلم فيها الناس وتفشى فيها الفساد أكثر من هاتين الفترتين فى تاريخ السودان منذ الاستقلال، هذا لا ينفى حدوث اجراءات اسلامية نافعة مثل منع الخمر والبغاء بالقانون وجمع الزكاة وتشجيع احياء الشعائر الدينية. ولكن النتيجة واضحة أن انتهاكات الحقوق وظلم الناس وتفشى الفساد، أدى الى فتنة أكبر وصدود عن أحكام الاسلام. وحصيلة القول أن مجموع الشعب مؤتمن أكثر على رعاية تعاليم الاسلام وأحكامه من فرد أو مجموعة من الأفراد يحكمون باسم الدين، وبما أن البدائل العملية هى بين حكم فرد أو مجموعة محدودة وبين حكم عامة الشعب، فإن الأقرب لتحقيق مقاصد الدين وأحكامه هو حكم عامة الشعب، أى الديمقراطية مقارنة بالملكيات الوراثية والحكومات العسكرية والأحزاب الشمولية. ويكفى أن نشير الى تجربة انتفاضة أبريل 1985م، اذ لم تستطع قوى التجمع الوطنى الديمقراطى التى قادت الانتفاضة بزخم ثورى، أن تلغى القوانين الاسلامية التى استنها الرئيس نميرى، لأن قاعدة واسعة من الشعب كانت تدافع عنها فى مناخ من الحرية والتعددية، مع أن نميرى نفسه كان يمكن أن يتنازل عنها اذا ما ضغطت عليه الدول الكبرى فى تلك المرحلة الحرجة. لست من المؤمنين بأن أميركا تسعى لنشر الديمقراطية فى العالم الاسلامى من أجل عيون المسلمين، بل أنى أشك فى أنها تريد حقا نشر الديمقراطية فى العالم الاسلامى، فهى تتحالف مع أكثر الحكومات ديكتاتورية فى المنطقة، لأن تلك الحكومات تخضع لسياساتها حرصا على عروشها. وينبغى التفريق بين أهداف أميركا الحقيقية فى المنطقة، وبين الحجج التى تسوق بها سياساتها الخارجية داخل أميركا «لا تحسبن الشحم فى من شحمه ورم». وقد قالها صمويل هنتنجتون بصراحة فى كتابه «صدام الحضارات» ان الانفتاح الديمقراطى فى الشرق الأوسط سيأتى بالحركات الاسلامية وبأعداء أميركا من القوميين. والنتيجة لا داعى لهذا الانفتاح..!! لا أرى أن الديمقراطية تعنى بالضرورة الايمان بالعلمانية، فالديمقراطية لا تمنع تحديد مصادر تشريع اسلامية كما حدث فى بعض دساتير الدول المسلمة التى ذكرناها، ويزيد الدستور المغربى بأن الملك هو «أمير المؤمنين». والمساواة وحقوق المواطنة التى تتحدث عنها الدساتير هى فى النواحى القانونية وليست فى النظرة العقدية أو الأخلاقية أو الاجتماعية، ويصعب فى مجتمعات اليوم التفريق بين حقوق الناس على أساس دينى، وقد ساوى الرسول «ص» فى وثيقة المدينة بين حقوق المسلمين وغير المسلمين، وأعطى اليهود حق الدفاع عن أحيائهم ومزارعهم تحت قيادتهم، ولم يلزمهم بالقتال تحت قيادة المسلمين، وخيره الله سبحانه بأن يحكم بينهم أو يعرض عنهم، مما يعنى جواز الاحتكام الى قوانينهم. وتحدث الشيخ جعفر عن نسبية المصلح والمفسد من الاجراءات والقوانين، وكأنما يريد أن يقول إن هذه المسائل ثابتة الى يوم القيامة. ألا يجوز تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان؟ أليست هذه نسبية؟ هذا لا يعنى أن نقول إن كل شئ نسبى وليست هناك قواعد دينية ثابتة مثل حقوق الميراث. إن الديمقراطية خيار عملى لادارة الدولة الحديثة، وهى أفضل من الخيارات الأخرى المطروحة، وأن العالم الاسلامى هو أكثر مناطق العالم تخلفا فى نظمه السياسية التى تقوم على الاستبداد عن طريق القوة العسكرية والوراثة. وأن تلك النظم الاستبدادية ترتكب كل المساوئ التى يخشى منها الشيخ جعفر، بما فيها تفشى منكرات الحضارة الغربية، والخضوع لسياسات الدول الكبرى التى تستهين بالعالم الاسلامى، وتستغل موارده، وتمنع نشاط الحركات الاسلامية التى يضطر قادتها الى اللجوء الى الدول الغربية، حتى يجدوا الأمان على حياتهم وأهلهم وعلى حرية الكلمة والدعوة. لذا أعجب أن يتصدى مفكر اسلامى فى قامة الشيخ جعفر شيخ ادريس لمزالق الديمقراطية، ويصمت عن مزالق الاستبداد والديكتاتورية، فى حين أن الأولى مفقودة فى العالم الاسلامى، والثانية منتشرة فى كل أرجائه..!!
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: Elawad)
|
لابد لى من شكر الاخوة نادوس .. واشكره على اهتمامه بمثل هذه المواضيع وانا شاكر ومقدر له الاطراء الاخ دينق كيف الحال اتمنى ان تكون متابع معنا ايضا بوست فتنة السلطة والجاه وهو بوست توثيقى لشكلة الاخوان فى السلطة والمال والجاه واذا رجعت الى الارشيف سوف تجد محاضرة جعفلر شيخ ادريس التى كفر فيها الترابى واساءة امين حسن عمر له وراى يس عمر الامام عنه فهو اخوانى زعلان من الترابى استقوى بالسلف وكلاهما الترابى وجعفر لا يؤمنان بالديموقراطية ولكن للحق الطيب زين العابدين رايه واضح هنا .. الاخ العوض الديموقراطية لا تنتظر امثال جعفر شيخ ادريس فهى قيمة سامية جعفر يغفل حقائق مهمة وبالتالى غير مؤهل للحديث فى السياسة والديموقراطية فهمه للدين نفسه فيه مشكلة مع اهل السودان وغيرهم فهو اقرب للقاعدة من الاخرين ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
وهذا رد من جعفر شيخ ادريس نشر اليوم 29/10/2007 بجريدة الصحافة
حوار مع الدكتور الطيب زين العابدين حول الإسلام والديمقراطية (1-4) الديمقراطية التي أبيتها البروفيسور جعفر شيخ إدريس
أنا شاكر للدكتور الطيب زين العابدين بتفضله بمناقشة رأيي في الديمقراطية في عموده، وشاكر له على ما أبدى نحوي من مشاعر طيبة وما نسب إليّ من فضل، وواعد له بأن يكون كلامنا في هذا الأمر المهم إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل بقدر المستطاع بعون من الله تعالى وتوفيقه، وبما أن الدكتور لم يقصر كلامه على الرد على ما قلت بل تعرّض لأمور أخرى تهمه وتهمني كثيراً فسأنتهز هذه الفرصة لبيان رأيي فيها. فأنا إذاً شاكر لجريدة (الصحافة) أيضاً لتفضلها بنشر هذه الآراء.. أقول بعد هذا إنه بالرغم من أن الدكتور الطيب أقرّ مشكوراً بأنني قلت في المحاضرة بأنني إنما أتحدّث عن الديمقراطية بمعنى حكم الشعب لا عن ما صار مرتبطاً بها في الواقع وفي أذهان كثير من الناس من وسائل كالانتخابات وغيرها، وبدلاً من أن يحصر مناقشته لي في هذا المعنى الذي حددته، بدأ يتطرق إلى مسائل أخرى لا علاقة لها بكلامي الذي هو موضوع مقاله. ظن الدكتور مثلاً أن عدم تطرقي في تلك المحاضرة إلى المسائل التي يعتقد أنها هي المهمة معناه عدم الاهتمام بها أو التقليل من شأنها، بل افترض أنني منكر لها كلها، وأنني لذلك ربما كنت من دعاة الدكتاتورية، لأنه قد وقر في ذهنه كما وقر في أذهان الكثيرين أن البديل للديمقراطية بمعنى حكم الشعب هو حكم الفرد الدكتاتور المستبد الحاكم برأيه. ومعاذ الله أن يكون هذا رأيي أو رأي أي إنسان يؤمن بأن الحكم لله، لأنه إذا كان لا يؤمن بحكم الشعب كله بديلاً عن حكم الله فكيف بربكم يرضى بحكم فرد أو أفراد منه؟ الديمقراطية في نظر الدكتور الطيب هي نظام الحكم المطبّق في معظم الدول الغربية والمتمثّل في الانتخابات التعددية النزيهة والتداول السلمي للسلطة وحكم القانون والشفافية وحرية التعبير والتنظيم وحقوق الإنسان، وإنشاء الحقوق والواجبات على أساس المواطنة. أريد أن أطمئن الأخ الطيب وقراءه بأنني لست من حيث المبدأ معترضاً على شيء من هذا (ماعدا مسألة المواطنة) لأنني لا أرى فيها شيئاً يتعارض مع الإسلام، بل أعتقد أن بعضها كاختيار الحاكم وحكم القانون هو من صميم الحكم الإسلامي. ما الذي أعترض عليه في الديمقراطية إذاً؟ هذا موضوع خطير أرجو من القراء أن يأخذوه بجد وأن يهتموا به اهتماماً أكثر من اهتمام الدكتور الطيب. الديمقراطية نظرية وتطبيق، أما النظرية فتقول إن الحكم للشعب. هذا هو المعنى اللغوي للكلمة لأنها كما تحدثنا المراجع مؤلفة من كلمتين يونانيتين هما ديموس وكراتسي. وهذا هو المعنى الذي تجده في كل القواميس ودوائر المعارف والكتب المدرسية. وهذا هو العنى الذي يعد معياراً تقوم به الأمور التي جعلها الدكتور الطيب ويجعلها الكثيرون هي الديمقراطية. وهو المعنى الذي يقوم به مدى قرب الواقع أو بعده عن الديمقراطية. وهذا هو المعنى المتفق عليه بين كل دعاة الديمقراطية بمن فيهم الدكتور الطيب )من غير أن يشعر فيما يبدو(. أما التطبيق، أي كيف تحوّل تلك النظرية إلى واقع يكون فيه الحكم فعلاً للشعب فأمر مختلف فيه. الديمقراطية الأثينية -وأثينا هي أم الديمقراطية- كانت ديمقراطية وصفت بالمباشرة واعتبرت هي المثالية، لأن المواطنين كانوا يجتمعون جميعاً على رأس جبل كل عدة أشهر ليقرروا ما يشاؤون. لكن حتى تلك الديمقراطية لم تكن حكماً للشعب بالمعنى الحقيقي لأن من سموا بالمواطنين كانت تستثنى منهم فئات كثيرة من المجتمع منها النساء، فكانت نسبة الذين يجتعون لا تبلغ ربع السكان. أما الديمقراطيات غير المباشرة السائدة في الغرب الآن فهي أبعد ما تكون عن حكم الشعب لأن الذين يقررون في أمره إنما هم الرؤساء أو النواب المنتخبون. ومن البديهي أن حكم الرؤساء والنواب ليس هو حكم الشعب. فأنا معترض على النظرية الديمقراطية التي تقول إن الحكم للشعب لأساب ثلاثة: أولها: أنها نظرية لا يمكن تطبيقها سواء بالطريقة اليونانية القديمة أو الطريقة الغربية الحديثة. أنا آسف إذا كان الدكتور قد فهم من نقدي للديمقراطية وتحذير المسلمين وغير المسلمين منها إنما هو نقد لتطبيق من تطبيقاتها. إن نقدي يا دكتور منصب على النظرية نفسها بغض النظر عن أي محاولة من محاولات تطبيقها. إنني أريد أن أقول للناس-المسلمين منهم وغير المسلمين- ما قاله ويقوله مفكرون غربيون كثيرون إنكم تخدعون حين تظنون أنكم أنتم الذين تحكمون. إن أنظمتكم السياسية تقول لكم إن الحكم لكم لكن الحقيقة أن الذي يحكمكم هم جماعة منكم يحكمون باسمكم. وفي هذا يقول الدكتور روبرت دال أعظم منظري الديمقراطية في الولايات المتحدة بل ربما في العالم، والذي قال أحدهم عنه إذا تحدّث دال عن الديمقراطية فعلى الجميع أن يصغوا. يقول دال هذا إن الديمقراطية المطبّقة في الولايات المتحدة ليست هي حكم الشعب كله، ولا هي حكم أغلبيته، ولا حكم قلة منه وإنما هي حكم عدد كثير، ولذلك أقترح أن يسمى نظام الحكم الأمريكي بالبولياركية polyarchy- كلمة يونانية معناها العدد الكثير. يستغر الدكتور من مثل هذا النقد للديمقراطية ويتساءل كيف يمكن أن يؤمن إنسان يشيء يستحيل تطبقه. أقول وهل الضلال يا دكتور إلا الإيمان بما لا حقيقة له؟ ألم يقل الله تعالى عن المشركين من العرب «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».. (العنكبوت:42). ألم يقل عن المشركين من أهل الكتاب: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ».. (المؤمنون:91). الضلال أن تؤمن بشيء لا حقيقة له، ثم تتصرّف في الواقع على افتراض أنه حقيقة. ثانياً: لأن الديمقراطية مبدأ شكلي إجرائي لا محتوى له. أعني أن الديمقراطية لا تشترط في القرار أكثر من أن يكون قد جاء بإجراءات ديمقراطية صحيحة، ولذلك فإن القرار يمكن أن يكون في غاية الديمقراطية لكنه في غاية الظلم. لست أدري لماذا ينسى أناس من أمثال الدكتور الطيب أن غزو العالم غير الغربي بما في ذلك العالم الإسلامي ونهب خيراته وإذلال أهله كان بقرارات ديمقراطية أصدرتها برلمانات منتخبة انتخابات حرة ونزيهة. وها نحن نرى في أيامنا هذه كيف أن غزو أفغانستان ثم العراق كان بقرارات ديمقراطية لا شك في ديمقراطيتها. وقرارات كثير من البرلمانات الغربية بإباحة كل أنواع الفحش بما في ذلك الزواج المثلي كانت قرارات ديمقراطية. والله إن المرء ليكاد يجزم بأن الظلم الذي ارتكب في حق الناس من المسلمين وغير المسلمين باسم الديمقراطيات الغربية ظلم لم يسبق أن ارتكبته في حقهم كل أنواع الأنظمة الدكتاتورية الظالمة. ثالثاً: وهو الأمر الأهم الذي ركّزت عليه في محاضرتي هو أن الإيمان بأن الحكم للشعب -سواء كان ممكناً أم غير ممكن- هو أمر يتناقض مع الإيمان بالله تعالى، لأن أول لوازم الإيمان بالله هو الإيمان بأن الحكم لا يكون إلا له، وأعني بالحكم هنا الحكم التشريعي، لا الحكم التنفيذي. فالله تعالى هو الذي يحكم تشريعاً والناس هم الذين يحكمون بما أنزل تنفيذاً. يسألني الطيب متحدياً «ما قول الشيخ جعفر إن وجد أن معظم المسلمين في شمال السودان يرغبون في تطبيق النظام الديمقراطي خاصة بعد أن اكتووا بتجربة الإنقاذ الشمولية الإسلامية؟». أقول للدكتور أولاً، إن وصفك للإنقاذ بالشمولية ليس وصفاً علمياً لأنك تعلم وأنت الرجل المختص بعلم السياسة أنها ترجمة لكلمة توتالتيرينزم totalitarianism وهي مركبة من كلمتين total أي الشامل أو الشمول وكلمة authoritarian أي الاستبداد. فالحكومة الشمولية كما تحدثنا المراجع السياسية هي التي ترى أن من حقها أن تقضي هي وحدها في كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية. والتي لا يكون لها معارض، كما كان الشأن في حكومات الاتحاد السوفيتي. إن حكومة الإنقاذ مهما كانت عيوبها ليست شمولية ولو كانت كذلك لما سمحت لك ولا لي بنقدها. لكن كلمة الشمولية أصبحت تطلق عند العامة في السودان مجرّد تعبير عن السخط على الحكومة. كنت ذات مرة بصالة الوصول بمطار الخرطوم وكان أحدهم يدخّن فأشرت له إلى اللافتة التي تمنع التدخين، فقاطعني آخر قائلاً للرجل «يا زول دي حكومة شمولية أعمل الدايرو». ثم أعود لموضوعنا فأقول للدكتور إذا قال لي المسلمون إنهم يريدون الديمقراطية فسأقول لهم ما قلت قبل قليل، إن الديمقراطية بمعنى أن تكونوا أنتم أصحاب السلطة التشريعية العليا فأمر مخالف للأصل الذي يقوم عليه دينكم. وأما إذا كنتم تريدون الاحتكام إلى شرع الله وتجعلون كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هما قانونكم الأعلى الذي يحكم كل ما تصدرون من قوانين بما في ذلك الدستور، وقررتم أن يتضمّن هذا الحكم مبادئ ووسائل مثل الانتخابات وحكم القانون والشفافية وغيرها، فسأقول لهم: أصبتم جزاكم الله خيراً ولكن لماذا تسمون حكم الله هذا بالديمقراطية وأنتم تعلمون أن الديمقراطية إنما تعني حكم الشعب؟ إن هذا خطأ من ناحيتين أولاهما أنه تسمية للأشياء بغير اسمها، وثانيتهما أنه حتى لو كان الاسم موافقاً فهو اسم يوناني لأمة وثنية وأنتم مأمورون بأن تخالفوا أمثالهم وتثبتوا هويتكم الإسلامية. ألا تقرأون في كتاب الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ».. (البقرة:104). كان أهل المدينة يستعملون كلمة راعنا في خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم قاصدين بها ارعنا سمعك، لكن اليهود كانوا يستعملونها في خطابهم له قاصدين بها الرعونة فنهى الله المؤمنين أن يستعملوا كلمة من كلماتهم ذات معنى صحيح لأن اليهود كانوا يقصدون بها معنىً ذميماً. فكيف يستعمل المؤمنون كلمة لأناس وثنيين يعنون بها معنىً ذميماً، بل شركاً قبيحاً، ليدلوا بها على حكم الله؟
حوار مع الدكتور الطيب زين العابدين حول الإسلام والديمقراطية(2-4) وسائل ومبادئ بين الديمقراطية والإسلام بروفيسورجعفر شيخ إدريس أذكّر القراء بأنني قلت في مقالي السابق بأنه لا اعتراض لي من حيث المبدأ لا التفاصيل على المسائل التي جعلها الأخ الدكتور خطأً هي الديمقراطية ما عدا مسألة جعل المواطنة هي الأساس. وهذا أوان الدخول في شيء من التفاصيل. أما الانتخابات فإنها في شكلها الحالي وسيلة استحدثها الديمقراطيون ليختاروا بها حكامهم الذين يفترض أن يحكموهم باسمهم. والوسائل تابعة للغايات. فإذا كانت الغاية في الديمقراطية هي اختيار من يحكمون باسم الشعب فإن الغاية في النظام الإسلامي هي اختيار من يحسن الحكم بما أنزل الله تعالى. مبدأ اختيار هذا الحاكم حق من حقوق الأمة، فقد أورد البخاري في صحيحه خطبة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحذّر فيها المسلمين من الذين يريدون أن يغصبوهم حقهم بمبايعتهم لأحد من غير مشرورة المسلمين ويقول فيها إن الذي يفعل هذا لا يبايع هو ولا الذي بايعه. أما كيفية الاختيار فمتروكة فيما يبدو لاجتهاد المسلمين بحسب ظروفهم. والذي أراه أن أقرب ما يحقق الهدف الإسلامي من الانتخابات في عصرنا هو مايلي: أولاً: أن لا يكون اختيار الحاكم المسلم كاختيار الرئيس الأميركي لأنه اختيار يؤثر فيه المال وتؤثر فيه وسائل الإعلام. ثانياً: بما أن الحكم المراد هو حكم الله لا حكم الشعب، فيجب أن تكون الغاية من الانتخابات هي اختيار أصلح الناس للحكم بما أنزل الله، وهذا يقتضي اشتراط بعض الشروط في المنتخِب (بكسر الخاء) والمنتخَب (بفتحها). ثالثاً: أقرب ما يحقق هذا الهدف في نظري هو النظام الذي تبدأ الانتخابات فيه على مستوى محلي وصغير جداً، مستوى يعرف فيه الناس بعضهم فلا يتأثرون كثيراً بدعاية حزبية أو غير حزبية، ولا يحتاجون فيه لمال. المنتخبون على هذا المستوى المحلي ينتخبون مجالس أعلى منهم وتلك المجالس تنتخب مجالس، وهكذا يتطوّر الأمر بطريقة هرمية حتى يصل إلى المجلس التشريعي الأعلى الذي ينتخب حاكم البلاد ويكون من حقه إقالته بشروط توضع في الدستور. حكم القانون.. لماذا أعترض على حكم القانون وهو إنما يعني العدل بين الناس وبالعدل قامت السموات والأرض وعلى العدل يقوم بنيان الدين كله. وهل وجدت من تعبير عن ما يسمى بحكم القانون أروع من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها». لماذا أستجدي من الديمقراطية الغربية هذا المبدأ العظيم الذي هو من صميم ديني؟ والشفافية لماذا أتقمشها هي الأخرى من فضلات الديمقراطية، وأنا أقرأ في تاريخ ديني كيف كانت في عهد خلفاء النبي الراشدين؟ ألا يقرأ كل منا الآن كيف كانت مناقشات الصحابة في أمر الردة كتاباً مفتوحاً؟ وإذا كانت الديمقراطية بحسب تعريف الدكتور زين إنما هي الشيء الممارس في الدول الغربية الديمقراطية، فأين بالله تجدها في نظام يكذّب رؤساؤه بوش وبلير كذبات بلقاء على رؤوس الأشهاد في العالم عن أسلحة الدمار الشامل؟ وحقوق الإنسان إذا لم تجدها في كتاب الله فأين بربك تجدها؟ إن الإنسان لا يوجد في الواقع مجرّداً وإنما هو دائماً إنسان بصفة معينة والقرآن والسنة فصّلا حقوق الناس آباءً وأمهاتٍ، أولاداً وأقارب، مؤمنين وأهل كتاب، مصالحين وأعداء. وبينا أن هذه الحقوق كلها إنما هي عطاء من الرب لعباده. أما الفكر الغربي العلماني فلا يزال يبحث حائراً عن الأساس الذي ترتكز عليه تلك الحقوق بعد أن فصل بين الدين والسياسة. ولا يزالون حائرين في كيفية التوفيق بين مبدأ ديمقراطي يقول إن الحكم للشعب، ومبدأ لبرالي يقول بل هنالك حقوق للأفراد لا يجوز حتى للأغلبية أن تتغوّل عليها أما مبدأ فصل السلطات الذي كان أول من دعا إليه المفكّر الفرنسي مونتسكيو فإنه ليس دعوة إلى فصل كامل بينها لأن ذلك أمر متعذّر وغير مفيد إن أمكن، ولذلك يضيفون إليه مبدأ آخر هو أيضاً مقترحات مونتسكيو. والمبدآن مطبقان إلى حدٍّ ما في الولايات المتحدة. فالرئيس هو الذي يرشّح قضاة المحكمة العليا للمجلس التشريعي. والقضاة ملزمون بالقوانين التي تصدرها هذه المجالس، والرئيس الذي يفترض فيه أن يكون أداة تنفيذية من حقه أن ينقض ما يصدره المجلس التشريعي بشروط معينة. الغريب أن من المفكرين الغربيين من يرى أن مبدأ فصل السلطات هو الذي يساعد على دكتاتورية السلطة التنفيذية. أما في الإسلام فإن التشريع الأساس إنما هو في كتاب الله وسنة رسوله، وهما فوق كل السلطات. وقد نبهني قبل سنين الأخ الدكتور توفيق الشاوي القانوي المصري الضليع أنه تبين له أنه إذا كان القاضي في النظام الديمقراطي مستقلاً عن السلطة التنفيذية، فإن التشريع نفسه (القانون) مستقل في الإسلام حتى عن السلطة التشريعية. والحاكم في الإسلام له بعض السلطات التشريعية المحكومة بشرع الله، لكنه هو نفسه يحاكم أمام القضاء بحكم الله. أما ما يسمى بحرية التعبير فأمر لا يمكن أن يخلو منه نظام مهما بلغ من درجات الاستبداد، ولا يمكن أن يطلقه نظام مهما بلغ من درجات الحرية، فالعبرة إذاً إنما هي بما يمنع أهو بحسب هوى السطة الحاكمة أم بحسب مصلحة الناس. الممنوع قطعاً في الإسلام هو ما حرمه الله تعالى من كل أنواع التعبير، وما عدا ذلك فالحكم فيه بأن الأصل في الأشياء الإباحة، مسألة أخرى اهتم بها الإسلام هي أنه يهدي الناس إلى التعبير المفيد، وينهاهم عن كل أنواع التعبير السيء باللسان كان أم بغير اللسان. فالله تعالى يأمرنا بأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ويذكّرنا بأنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، وهكذا. أما تداول السلطة فليس في النظرية الديمقراطية أو تطبيقاتها الغربية ما يوجبه كما رأيت بعض الناس عندنا في السودان يظنون، بل من حق الشعب أن ينتخب حزباً معيّناً في كل مرة حتى لو بلغت عشرات السنين، وأما الأفراد فإن بعض الدول كالولايات المتحدة رأت أن لا تعطيهم أكثر من فرصتين لرئاسة الدولة. وأما التداول السلمي للسلطة فهو الأمر الطبيعي الذي نراه كثيراً حتى في الحكومات غير الديمقراطية. أقول إذا كان خير ما في الديمقراطية بهذه المعاني التي يحصرها فيها الدكتور الطيب موجوداً في ديننا فلماذا نذهب لنتقمشه من فضلات الفكر الغربي؟ لماذا لا ندعو إليها باعتبارها شيئا من ديننا، وإذا كان لا بد من تسميتها باسم يناسب العصر فلماذا لا نجتهد ونتواصى باختيار اسم لها؟ ما أظن أن الدكتور الطيب سيقول إن الذي دعاه إلى ذلك هو فشل زملائه الإسلاميين الذين تقلدوا الحكم في تحقيق هذه المثل. إن من يكون على يقين من الحق لا يتركه لأن منتسباً إليه تنكّر له أو قصّر في العمل به. إن الحق يظل حقاً آمن به المؤمنون أو جحده الكافرون، عمل به العاملون أو تنكّر له المتنكرون
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
الإسلام والديمقراطية حوار مع الدكتور الطيب زين العابدين «3ـ 4» الديمقراطية ليست ضماناً ضد فساد الحكم
يبدو من كلام الأخ الطيب وكلام كثيرين غيره في بلادنا والعالم العربي، أنهم يعتقدون أن في النظام الديمقراطي القائم على انتخابات حرة ونزيهة ضمانا ضد فساد الحكم. فإن كان الأمر كذلك فإنهم إنما يبنون الرجاء على شفير هار. إنه ليس في النظام الديمقراطي مهما كانت محاسنه ما يصلح حاكما ولا شعبا، بل إن الديمقراطية تفترض وجود مواطنين صالحين لا تصلح هي إلا بهم، كما كان يصرح بذلك كبار العقلاء من الأميركيين الذين وضعوا لهم دستورهم في القرن الثامن عشر. فهذا الرئيس ثوماس جيمفرسن يقول: الأخلاق ذات علاقة وثيقة بحكومة الأمة، لأنه كما قال جيمز ما ديسون «إنه لمن الوهم أن تفترض أن أي شكل من أشكال الحكم سيضمن الحرية والسعادة من غير أن يكون في الأمة خير.» جيمز ما ديسون هذا كانت له مشاركة كبيرة في وضع الدستور، لدرجة أنه سمي بأبي الدستور. زاد جيفرسون على كلام جيمز قوله «إن الحكومة المشروعة هي التي يتجلى خير الأمة هذا في سياساتها مع مواطنيها ومع الأمم الأخرى». من أين يأتي هذا الخير للأمة؟ من فضل الله تعالى على الناس أنه فطرهم على الخير، ثم أرسل رسله برسالات تثبت هذا الخير وتنميه. فما من أمة إلا وتجد فيها قدرا من هذا الخير الفطري. ولكن كلما بعدت الأمة عن رسالات السماء بعدت عن هذا الخير. وهذا هو الذي يحدث في البلاد الغربية وغيرها من بلاد العالم التي تتأسى بها. أذكر أنه عندما هاجر الكاتب الروسي سولجنتسين إلى الولايات المتحدة هربا من جحيم الاتحاد السوفيتي، أصيب بخيبة أمل شديدة، وقال معلقاً على النظام السياسي الأميركي كلاما فحواه أن الديمقراطية تعطي الناس الخيار أن يفعلوا ما يريدون، فعندما كان الناس متدينين كان الدين يقول لهم اختاروا الخير. فلما ذهب الدين صار الناس يختارون الشر. وقد ازداد هذا الشر زيادة كبيرة منذ أن قال سولجنتسين كلمته تلك، فصارت الولايات المتحدة أكثر ظلما، وصارت تجارة الفحش فيها أكبر تجارة، لدرجة أن بوكانن الذي كان مرشحاً ضد بوش الأب في دورته الثانية، أصدر قبل عدة أشهر كتابا بعنوان «موت الغرب». لكن ينبغي أن نقول إن هذا ليس أمرا خاصا بالديمقراطية، بل إن العوامل الخارجية كلها ديمقراطية كانت أم إسلامية أم غيرها، ليست هي التي تصلح الناس، بل غاية ما تفعله إذا كانت مناسبة، هو أن تعينهم على الصلاح. فالقوانين إسلامية كانت أم غير إسلامية لن تصلح مجتمعا إذا فسد القائمون عليها من حكام وقضاة وشرطة وغيرهم. حتى المساجد لا تصلح كل من دخلها بطريقة آلية. بل إن الصلوات لا تصلح أحدا إذا حصرت في أشكالها الظاهرة، ولذلك قال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ «البقرة: 177» وإذا أراد الأخ الطيب برهانا على أن الديمقراطية لا تصلح الحكام الفاسدين، فليفترض أن انتخاباتنا القادمة كانت حرة ونزيهة، وأن الفريق البشير كان هو الفائز، وأنه أتى بطاقمه هذا نفسه الذي يحكم معه الآن. ترى هل سيتحولون فجأة إلى حكام صالحين لأنهم جاءوا بطريق ديمقراطي سليم؟ إن المفكرين الأميركان من أمثال فريدرش هايك Hayek وهنتجتن وفوكوياما، يؤكدون لنا أن الحكومة يمكن أن تأتي بانتخابات حرة ونزيهة، وتكون مع ذلك في غاية الفساد. وها هو أحد الصحافيين الكنديين المرموقين يكتب ساخرا «إن على كندا أن تلغي الديمقراطية» ويعلل ذلك بقوله «إن هذه الحكومة «كتب المقال عام 2005م» هي أفسد حكومة في تاريخ البلاد، إن القدر الهائل من السرقات والغش والتزوير وغسيل الأموال هو أعظم من أن يعزى إلى قلة من السياسيين المنحرفين وجماعة قليلة من الموظفين الخائنين. إن الحزب الليبرالي فاسد، وبالتالي حكومته فاسدة. إن الفساد ليس في عدد من التصرفات المنعزلة؛ إنه شيء في أصل الجهاز. ما الحل إذن؟ قلنا إن العوامل الخارجية وحدها لا تصلح الناس فكيف إذن يصلحون؟ أقول إن الناس لا يصلحهم إلا الدين الحق. لكن الدين كالطبيب، فكما أن الطبيب لا يداوي إلا راغبا في الدواء متعاطيا له، فكذلك الدين لا يصلح إلا راغبا في الإصلاح عاملا بما يأمره به الله تعالى. إذا كان صلاح الأمة هو شرط في صلاح الحكم كما قال بحق أولئك المفكرون، فإن أول واجب على الحكومة ينبغي أن يكون تثبيت هذا الصلاح وتنميته باتخاذ السياسات المناسبة لذلك. إنه لمن الخطأ الفادح أن نؤمن بالخرافة التي تضافر على نشرها بين الناس الشيوعيون وسائر العلمانيين من ديمقراطيين وغيره، أعني الخرافة التي تجعل من الشعب أيا كان شيئا هولاميا مقدسا لا يمكن أن يخطئ إذا أخطأ أفراده وحكامه، ولا أن يذنب إذا هم أذنبوا، ولا يكون لذلك مسؤولا عن انحرافاتهم. إن الحكام لا يأتون من فراغ، وإنما يأتون من أمة معينة يكونون ممثلين لها في سلوكهم، وبالتالي في سياساتهم» لكن هذا لا يعني أن أمتهم تلك ترضى عنهم وتؤيدهم قد تلعنهم ويلعنونها. إنه لا يمكن أن يحكم أمة فاضلة عصابة من المجرمين كما يتصور كثير من الناس الآن بسبب تلك الدعاية. ولأن صلاح الناس هو المهم فقد جعله الله تعالى أول واجبات الحكام الصالحين فقال: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ» «الحج: 41» الصلاة بمعناها الواسع تشمل كما يقول العلماء كل نوع من أنواع الصلة بين العبد وربه، وإقامتها تشمل نشر العلم بها وتشجيع الناس على أدائها والاهتمام بمساجدها وغير ذلك. والزكاة تشمل كل أنواع الإحسان بين الناس. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل كل السياسات التي تحصن الأمة من الشر والفساد. إنه لا فصل قاطع بين الدين والسياسة في هذا التصور الإسلامي للحكم، لأن كلا منهما إذا صلح كان مؤيدا للآخر ومعينا عليه. أقول بعد كل هذا إنني لست ضد الاستفادة مما في الديمقراطية وما في غيرها من تجارب زماننا من أشياء مناسبة لفكرنا وظروفنا، معينة لنا على تطبيق ديننا في عصرنا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
الإسلام والديمقراطية حوار مع الدكتور الطيب زين العابدين (4-4) تصور الدكتور الطيب للحكم الإسلامي تصوّر بائس بروفيسور جعفر شيخ إدريس
يدافع الأخ الدكتور الطيب عن الديمقراطية بحرارة شديدة، فإذا ما جاء للحديث عن الحكم الإسلامي احتوشته الشكوك والشبهات من كل جانب فتردد في كلامه واضطرب اضطراباً شديداً، والسبب في هذا فيما يبدو لي هو تأثره الشديد بفكرة تقديس الشعب التي قلت إنه تضافرت على نشرها بين الناس الدعايات الشيوعية والديمقراطية. فمما جاء في أقوال الدكتور مما يعبّر عن هذا الشك والتردد: أولاً قوله: ونحن نسلم مع الأخ جعفر بأن المسلم ملزم بالحكم الإلهي القطعي في ثبوته وفي دلالته.، السؤال هو كم من هذه الأحكام يدخل في باب السياسة ونظام الحكم؟ أقول إنها قليلة جداً وكثير منها مبادئ عامة، وأن معظم مسائل الحكم في الحياة المعاصرة اجتهادية محضة تقاس بما تحققه من مصالح المجتمع على أن لا يتناقض ذلك مع الأحكام القطعية. وأقول: هذا كلام قائم على افتراض خطأ هو أن العلم محصور في المسائل القطعية. لكن الصحيح أنه لا العلم الديني ولا الدنيوي محصور فيها، وإنما هو شامل لما كان ثابتاً بالاحتمال الراجح. إن الطبيب العالم بصناعته يدرك أنه ليس على يقين من أن كل دواء يعطيه مريضاً سيكون سبباً لشفائه، لكنه يعلم أن احتمال شفائه بهذا الدواء أكبر من تركه بلا دواء. وكذلك المسلم يعلم أن أخذه بحديث ثبت عن رسول الله برواية صحيحة باحتمال يفوق الخمسين بالمئة، بل قد يصل إلى ما فوق التسعين هو خير له من الأخذ برأي يخالفه هو على يقين من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقله. لكن العجيب في أمر أخينا الطيب أنه في الوقت الذي يضيق فيه ما يؤخذ لزاماً من أمر الدين وبحصره في دائرة القطعي، يوسع الدائرة التي يلزم الناس فيها بقرارات الأغلبية سواء في الاستفتاءات الشعبية أو في القرارات البرلمانية. لماذا لا يطبق هذه القاعدة على القرارات الديمقراطية أيضاً فيقول إن المواطنين ليسوا ملزمين إلا بما ثبت قطعاً أنه حكم الشعب؟ لأنه إن فعل فلن يبقى من الديمقراطية شيء. إن هذه القاعدة الشاذة التي وضعها الأخ الطيب، والتي ولم يلتزم بها هو نفسه تعني أننا لسنا ملزمين بكل أحكام القرآن الكريم بل ببعضها الذي هو قطعي الدلالة، وأننا لسنا ملزمين بما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن بل بالسنة المتواترة فقط، ثم بما هو قطعي الدلالة منها. كم يا ترى يبقى من الدين بعد ذلك سواء في السياسة أو العقيدة أو العبادات؟ لست أدري ماذا عنا الدكتور الطيب بقول إن معظم مسائل الحكم في الحياة المعاصرة تقاس بما تحققه للناس من مصالح. وهل كانت السياسة في كل العهود إلا كذلك؟ إن الناس لم يختلفوا في هذه القاعدة لكنهم اختلفوا في المعايير التي يعرف بها ما هو نافع للمجتمع أو ضار به. ثم كيف يكون الاجتهاد مقدماً على ما هو صحيح وغير قطعي؟ إن الاجتهاد في الإسلام هو اجتهاد في ما لم يقض فيه الشرع بحكم، وهو ليس اجتهاداً في فراغ وإنما هو اجتهاد يزن الأمور بميزان النصوص الثابتة. فكيف يكون مثل هذا الاجتهاد مقدماً على ما ثبتت نسبته إلى الله ورسول باحتمال أعلى من احتمال صحة الاجتهاد؟ والاجتهاد الذي يريد الطيب أن يقدّمه على النصوص الصحيحة غير المتواترة هو اجتهاد عوام لا اجتهاد علماء، لأنه يريد أن يعطيه لممثلي الأمة في مجلسها التشريعي. أقول للدكتور حتى لو كان بعضهم من غير المسلمين على قاعدتك التي تساوي بين المواطنين بغض النظر عن دينهم؟ وحتى لو كان المسلمون منهم لا يحسن بعضهم حتى تلاوة القرآن الكريم؟ أتدرون ما الذي أدى بالدكتور إلى هذه النتيجة التي لا يقبلها عقل؟ إنه إيمانه من غير شعور منه بأن الحكم للشعب. ثانياً: يسأل الدكتور الطيب كم من الأحكام الإلهية يدخل في باب السياسة ونظام الحكم؟ ثم يجيب بأنه قليل جداً. أقول والله يا دكتور إنه لكثير ولكن حتى لو كان قليلاً فإنه لأكثر مما في الديمقراطية التي لا تقول أكثر من أن الحكم للشعب ثم تترك للناس أن يطبقوا هذا الحكم بالطريقة التي يرونها. ثالثاً: يقول الدكتور: إن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا اختلافاً كبيراً في مسائل الحكم مما أدى إلى حمل السلاح ضد بعضهم البعض مما يدل على مساحة الاجتهاد في كيفية الحكم وتنصيب الحاكم. أقول للأخ الطيب هل تأويلك هذا للحرب التي دارت بين الصحابة هو من نوع الدلالات القطعية التي قلت إنها هي وحدها الملزمة؟ كلا والله، بل إنه لتأويل في غاية الخطأ. إن الحرب لم تكن بسبب اختلاف في كيفية الحكم ولا تنصيب الحاكم. إن لدينا دليلاً قاطعاً على أن عليّاً كان هو الخليفة الشرعي، وأن الذين خرجوا عليه كانوا بغاة. الدليل هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عماراً بأنه ستقتله الفئة الباغية، ويبدو أن هذا الحديث كان شائعاً بين الناس ولذلك ارتاع بعض المحاربين لعلي لما اكتشفوا أن فئتهم هي التي قتلت عماراً رضي الله عنه. رابعاً: يقول الدكتور: ومن ناحية أخرى ما هو البديل لحكم الشعب؟ سيقول جعفر هو حكم الله، ولكن من الناحية العملية سيأخذ هذا الحق فرد أو أفراد ويدعون أن هذا حكم الله آه.. يا دكتور! هذا هو مربط الفرس. لقد ظللت تؤنبني على قولي بأن جوهر الديمقراطية هو حكم الشعب وتؤكد بأن الديمقراطية التي تعنيها أنت ويعنيها الناس إنما هي الانتخابات وسائر الأمور التي ظللت تكررها، فإذا بك الآن تجعلها حكم الشعب، بل وتجعلها في مقابل حكم الله، وترى فيما يبدو أنه لا بديل أحسن من هذا الحكم لأن حكم الله لا يمكن أن يتحقق في الواقع. ما هذا يا أخانا الطيب؟ أحقاً أن حكم الشعب الذي قلت لك إنه يستحيل تطبيقه هو المضمون وأن حكم الله سيأخذه دائماً فرد أو أفراد يحكمون الأمة بأهاوئهم ثم يقولون هذا حكم الله فتصدقهم الأمة وتأتمر بأمرهم؟ إنك كثيراً ما تتحدّث وكأنك الرجل العملي الواقعي، فهل عرفت في تاريخ المسلمين كله شيئاً كهذا؟ هل عرفت فرداً أو أفراداً ملكوا ناصية الحكم ثم حكموا بغير ما أنزل الله وصدقهم الناس؟ إن هذا لأمر يستحيل وقوعه في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. إنها أمة لا تجتمع على ضلالة؛ إنها أمة لا تزال فيها طائفة تعرف دينها وتلتزم به وتدافع عنه بالنفس والنفيس. إن أحكام الله ليست بالأمر السر الذي يدعيه المدعون؛ إنها مبثوثة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لن يستطيع أحد أن يخدع الناس جميعاً بدعواه أن الله أحل لهم شرب الخمر وأكل الربا والزنا، وأنه حرم عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم بينهم. وما قلته عن الإسلام احتمال أن يكون قد حدث في المذاهب الأخرى حقيقة، فهذا هتلر يأتي للحكم بطريق ديمقراطي ويزعم أنه ممثل للشعب في سياساته كلها، وهذا بوش المنتخب انتخابا حراً ونزيهاً فيما يبدو )وإن كان بعض الأميركان يشككون في ذلك( أتراه الآن ممثلاً لشعبه في حكمه؟ إذا ادعا أحد أنه يحكمنا باسم الله ورأيناه محرفاً لشرعه فإن هذا ينبغي أن لا يؤدي بنا إلى الشك في إمكانية أن نحكم بما أنزل الله تعالى، بل ينبغي أن يحولنا إلى مجاهدين مدافعين عن شرعه نقول كلمة الحق عند سلطان ظالم مهما كانت النتائج.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
تصحيح ضروري لمغالطات رائجة حول الإسلام والديمقراطية د. عبدالوهاب الأفندي
قبل أكثر من شهر، نشر د. الطيب زين العابدين في جريدة الصحافة السودانية تعليقاً علي محاضرة للدكتور جعفر شيخ إدريس حذر فيها الأخير من مزالق الإيمان بالديمقراطية الذي يتناقض عنده مع تعاليم الإسلام. وقد انتقد د. الطيب مقولات د. جعفر في تعارض الديمقراطية والإسلام، مشيراً إلي أن حكم الشعب أقرب إلي الإسلام من حكم الفرد. وقد رد د. جعفر بأربع مقالات (في جريدة الصحافة أيضاً) علي انتقادات د. الطيب، ركز فيها علي أن الأخير أساء فهم أطروحته التي سعي إلي تفصيلها بإسهاب، وملخصها أنه يعترض علي الديمقراطية كنظرية لا كتطبيق. ويقول د. جعفر أنه إن كان المقصود بالديمقراطية هو نظام الحكم المطبّق في معظم الدول الغربية والمتمثّل في الانتخابات التعددية النزيهة والتداول السلمي للسلطة وحكم القانون والشفافية وحرية التعبير والتنظيم وحقوق الإنسان، وإنشاء الحقوق والواجبات علي أساس المواطنة فإنه يود أن يطمئن الأخ الطيب وقراءه بأنني لست من حيث المبدأ معترضاً علي شيء من هذا (ماعدا مسألة المواطنة) لأنني لا أري فيها شيئاً يتعارض مع الإسلام، بل أعتقد أن بعضها كاختيار الحاكم وحكم القانون هو من صميم الحكم الإسلامي . ويضيف د. جعفر بأن نقده منصب علي النظرية نفسها بغض النظر عن أي محاولة من محاولات تطبيقها وذلك من منطلق عقائدي، إذ أن الإيمان بأن الحكم للشعب ـ سواء كان ممكناً أم غير ممكن ـ هو أمر يتناقض مع الإيمان بالله تعالي، لأن أول لوازم الإيمان بالله هو الإيمان بأن الحكم لا يكون إلا له، وأعني بالحكم هنا الحكم التشريعي، لا الحكم التنفيذي. فالله تعالي هو الذي يحكم تشريعاً والناس هم الذين يحكمون بما أنزل تنفيذاً . وقبل أن نسترسل في استعراض هذا الحوار والتعليق عليه لا بد من التنويه هنا بما أشار إليه د. الطيب بصورة عابرة، وهي أن د. جعفر يتناول الموضوع من زاوية فلسفية، بينما يتناوله د. الطيب من منظور العلوم السياسية ودراسة الواقع. وهذا الاستقطاب يعكس توجهات وخلفية الأستاذين، حيث أن د. جعفر أستاذ فلسفة متخصص (رغم أن هناك علامات استفهام حول استقامة التفلسف مع التوجهات السلفية للشيخ الدكتور) بينما د. الطيب أستاذ علوم سياسية. وبما أنني قد تخصصت في الفلسفة وأتحول إلي دراسة العلوم السياسية، فإنني سأسعي لأكون واسطة خير للتوفيق بين المنظورين، خاصة وأنني أنفقت أكثر من عقدين من الزمان أتأمل في هذا الموضوع تحديداً. ولنبدأ مرة أخري بانتقادات د. الطيب لمحاولة د. جعفر التمييز بين النظرية والتطبيق، وتأكيده أن الديمقراطية مستحيلة التطبيق عملياً، وهو ما رد عليه د. الطيب بأن موضوع الحوار يجب أن يكون تطبيقات الديمقراطية العملية، لأن هذا ما يتحاور حوله الناس لا التهويمات النظرية. وبالمقابل رد د. جعفر بأن كون الإيمان بالديمقراطية هو من قبيل الأوهام لاستحالة تطبيقها عملياً يجب أن يحسب عليها. ولكن النقطة الأهم في السجال بين المفكرين تتعلق بالنقطة النظرية، حيث أن د. الطيب ذكر محاوره بأن التقابل في الحكم ليس بين حكم الله وحكم الشعب، وإنما بين حكم الشعب وبين حكم الفرد أو القلة. وأضاف بأن الديمقراطية باعتبارها حكم الأكثرية تتميز، علاوة علي ما اعترف به د. جعفر من مزاياها، بأنها أحق بأن تؤتمن علي حكم الشرع من مظاهر الاستبداد التي صاحبها ويصاحبها الفساد والانحراف. وختم بالقول: إن الديمقراطية خيار عملي لادارة الدولة الحديثة، وهي أفضل من الخيارات الأخري المطروحة، وأن العالم الاسلامي هو أكثر مناطق العالم تخلفا في نظمه السياسية التي تقوم علي الاستبداد عن طريق القوة العسكرية والوراثة. وأن تلك النظم الاستبدادية ترتكب كل المساوئ التي يخشي منها الشيخ جعفر، بما فيها تفشي منكرات الحضارة الغربية، والخضوع لسياسات الدول الكبري التي تستهين بالعالم الاسلامي، وتستغل موارده، وتمنع نشاط الحركات الاسلامية التي يضطر قادتها الي اللجوء الي الدول الغربية، حتي يجدوا الأمان علي حياتهم وأهلهم وعلي حرية الكلمة والدعوة. لذا أعجب أن يتصدي مفكر اسلامي في قامة الشيخ جعفر شيخ ادريس لمزالق الديمقراطية، ويصمت عن مزالق الاستبداد والديكتاتورية، في حين أن الأولي مفقودة في العالم الاسلامي، والثانية منتشرة في كل أرجائه . وكان ينبغي أن يكون هذا الرد البليغ هو خاتمة المطاف في هذا الحوار، إذ أن المتحاورين علي اتفاق بأن الاستبداد شر، وعلي حق الشعب في اختيار حكامه، وعلي حقوق الإنسان وفصل السلطات، وتداول السلطة. ولكن د. جعفر لا يعتبر ما يراه محاوره تقارباً بين الحكم الإسلامي والديمقراطي أمراً إيجابياً، بل سبباً إضافياً لتجنب تسمية النظام الإسلامي بهذه التسمية التي يعتبرها مضللة، إضافة إلي أصلها الوثني. فإذا كانت كل مزايا الديمقراطية موجودة أصلاً في صلب تعاليم الإسلام وفي صيغة أفصل، فلماذا تستعار من نظام آخر معادٍ؟ ويفند الشيخ جعفر مقولة أن الديمقراطية هي ضمان ضد الفساد، لأن الديمقراطية تفترض أساساً صلاح الشعب، ولو كان الشعب فاسداً فإن الديمقراطية ستأتي بحكام فاسدين كما هو الحال في كثير من دول الغرب. ويبدو أن هذا يقرب بين موقفي المتحاورين، لأن د. الطيب يقول بأن الأمة الإسلامية ستتجه تلقائياً نحو الالتزام بتعاليم الإسلام، مما يجعل الديمقراطية ضمانة للحكم الإسلامي. ويضيف بأن الأحكام القطعية المتعلقة بالحكم في الإسلام هي علي كل حال قليلة، بدليل أن الصحابة اقتتلوا حول الحكم، ولو كان الأمر بهذا الوضوح لما اقتتلوا. ولكن الشيخ جعفر يقلب هذه الحجة علي أصحابها، أولاً بالعودة إلي مقولته بأن الديمقراطية هي أيضاً وهم وغطاء لحكم الفرد أو القلة. ويري أن د. الطيب حين يدعمها يستبطن عقيدة تقديس الشعب، وأن القبول بمرجعية الشعب كمصدر للاجتهاد الديني يصطدم ليس فقط بسراب الديمقراطية، بل أيضاً بفكرة المواطنة التي تساوي بين المسلمين وغيرهم وتجعل الجميع شركاء في تحرير هذا الاجتهاد . وهذا لا يستقيم كذلك مع جهل كثير من عوام المسلمين بالدين. وبالمقابل فإن دعوي الطيب بأن القبول بحكم الله يعني القبول بحكم فرد مستبد قد ينحرف عن الدين لا يقبلها المنطق ولا يصدقها الواقع، لأنه لم يحدث أن انخدعت الأمة في دعوي باطلة لحاكم يقول انه يحكم بما أنزل الله بينما هو يخالف ذلك. الطريف أن المتحاورين يتفقان علي حل عملي ديمقراطي للسودان يقوم علي توافق بين المسلمين وغيرهم علي أن تحكم مناطق الأغلبية المسلمة بالشريعة بينما تستقل الولايات الأخري بحكم ذاتي علماني، مع وجود سلطة مركزية محدودة تنظم العلاقات بين الشطرين. ففيم الجدل إذن؟ كما ذكرنا فإن الشيخ جعفر يريد أن يفرق بين المستوي الفكري الفلسفي الذي ينحصر الخلاف فيه، وبين المستوي العملي الذي يتفق المتحاوران في كثير من جوانبه. فهو لا يوافق فقط علي كثير من التطبيقات العملية للديمقراطية ويقدم وصفة علي أساسها للوضع في السودان، بل يري كذلك أنها مستمدة من صحيح الدين. ولكنه بالمقابل يري مع سيد قطب والمودودي أن فكرة حكم الشعب هي شرك محض لأن الحاكمية لا بد أن تكون لله وحده، وأن مجرد إطلاق اسم الديمقراطية علي نظام إسلامي يحوله إلي نظام لا إسلامي. ولكن الوصول إلي نتيجة في هذا الحوار رهن بالتفريق بين نوعين من الانتقاد يوجهان للديمقراطية: الأول كونها وهماً وخداعاً، وهو انتقاد جاء من جهات عدة ليس أقلها الفكر الماركسي، والثاني هو الانتقاد أعلاه بالتناقض مع الإسلام. وغني عن القول أن الانتقاد الأول يمكن أن يوجه إلي أي نظام فكري، وليس الإسلام بمنجاة من ذلك، حيث هناك ما يشبه الإجماع بين المسلمين بأن المثل العليا للإسلام في مجال الحكم لم توجد علي الأرض سوي في مرحلة الخلافة الراشدة العابرة. أما فيما يتعلق بالتناقض مع الإسلام فإن أطروحة الشيخ جعفر تقصره علي المستوي النظري، في حين تقبل بأن التطبيقات العملية للديمقراطية لا تخالف الإسلام، بل بالعكس تترجم قيمه إلي واقع. وليس من السهل الفصل بين هذه المستويات في التناول، ولكن يبدو أن الشيخ جعفر يستند في أطروحته علي عدة مقولات متداخلة، منها استحالة تطبيق الديمقراطية عملياً، وسهولة تحديد حكم الشرع للمختصين مع عدم موثوقية الرأي العام كدليل علي حكم الشرع. ولن نستطيع في هذه العجالة أن نتناول كل هذه القضايا، حيث ستحتاج إلي تناول أوسع في مقال لاحق إن شاء الله. ولكن ما يجدر الإشارة إليه في هذا المقام هو أن الشيخ جعفر قلب الحكم حين سهل أمر تحديد حكم الشرع وبالغ في المسافة بين مثال الديمقراطية وواقعها. ذلك أن علماء السياسة المحدثين لايعرفون الديمقراطية الحديثة استناداً إلي نموذج الديمقراطية المباشرة الأثنية كما أفتي الشيخ، وإنما استناداً علي النماذج الواقعية الحديثة. ولأن الفكر السياسي الحديث (والممارسة السياسية المرتبطة به) واقعي إلي حد بعيد، فإن المسافة بين الواقع والمثال فيه ليست بالحجم الذي صوره. معظم المنظرين للديمقراطية الحديثة انطلقوا في كتاباتهم من نماذج ماثلة، أو من وصفات سرعان ما وجدت طريقها إلي التطبيق. فجون لوك استوحي أفكاره من ممارسات ثورة 1688 في بريطانيا، وبالمثل فإن مونتسكيو استوحي أفكاره من النموذج البريطاني بينما استوحي دي توكفيل النموذج الأمريكي (وهو نموذج استوحي بدوره أفكار مونتسكيو ولوك وغيرهما). وحتي ما أورده الشيخ جعفر من آراء حول الفجوة بين التنظير والممارسة في الفكر الغربي أصبحت جزءاً من أيديولوجية التبرير الديمقراطي. فعلي سبيل المثال فإن روبرت دال الذي استشهد به الشيخ جعفر لا يعتبر من منتقدي الممارسة الديمقراطية الأمريكية، بل بالعكس، من كبار المنظرين التبريريين لها. وإعادة توصيفه للديمقراطية تحت مسمي حكم الكثرة (polyarchy) انطلق من دراسة تجريبية لممارسات محددة، وكان يسعي لدعم مشروعية النظام الأمريكي. (وهو كان في ذلك يعارض منتقدي النظام الأمريكي من أمثال سي رايت ميلز صاحب نظرية تحكم الصفوة وأضرابه، وهم كانوا وما زالوا أقلية بين منظري السياسة الغربيين). ونختتم هنا بالقول بأن حجة الشيخ جعفر بلاواقعية الديمقراطية تستند من جهة علي فهم خاطئ مزدوج للتنظير الحديث حول الديمقراطية ولممارساتها، ومن جهة أخري فإنها حتي لو صحت لا تقيم الحجة علي أنصار الديمقراطية، لأن كل ممارسة لا بد أن تقصر عن المثال. إضافة إلي ذلك فإن مقولة أن أحكام الشرع شفافة وسهلة المنال بحيث يستطيع أهل العلم تحديدها بغير جهد هي من جهة غير صحيحة، ومن جهة أخري هي أيضاً غير ذات موضوع. ذلك أنه حتي في الديمقراطيات فإن هناك تفرقة واضحة بين عالم السياسة الذي يتم حسم الأمور به عبر اجتهاد الحكام الخاضعين لمساءلة الجمهور، وبين عالم القانون الذي ينفرد بالأمر فيه المختصون من القضاة والمحامين وغيرهم من القانونيين. والخطأ الأكبر الذي يرتكبه أكثر من يتناول قضية الحكم في الإسلام هو اعتبارهم أن الأمر برمته يقتصر علي تطبيق القانون، وأن الحاكم مجرد قاض يطبق القانون. وفي حقيقة الأمر فإن السياسة أوسع من ذلك بكثير، وتدخل فيها أمور لا تقتصر علي القانون، وإنما تتعلق بتوازن القوي واتخاذ القرارات حول شؤون الخدمات والاقتصاد والحرب والسلام وغير ذلك. ويمكن أن نضيف هنا أن الشرع الإسلامي هو كذلك أوسع بكثير من مجرد تحديد القانون وتطبيقة، بل فيه مجال واسع للمبادرة والاجتهاد والرأي. ونواصل إن شاء الله. 9
القدس العربى 20/11/2007
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
تعقيب على بروفسير جعفر شيخ إدريس (1/4) لا تفرغوا الإسلام من محتواه
لقد فتح الحوار حول الديمقراطية ، والذي دار بين البروفسير جعفر شيخ إدريس، أحد مؤسسي حركة الأخوان المسلمين ، واحد الناشطين الإسلاميين البارزين داخل وخارج السودان ، ود. الطيب زين العابدين ، الكاتب الإسلامي المعروف - والناقد لتعثرات الحركة الإسلامية، المؤمل في إصلاحها - باباً لمناقشة الفهم النظري للحركات الإسلامية ، يحتاج للوقوف عنده هذه الأيام ، والبلاد في مفترق الطرق ، بعد فشل التوجه الحضاري وبرامج التمكين من جهة ، وعجز الأحزاب التقليدية ، عن طرح بديل فكري سياسي ، من الناحية الأخرى . يقول بروفسير جعفر « فأنا معترض على النظرية الديمقراطية التي تقول إن الحكم للشعب لأسباب ثلاثة : أولها : أنها نظرية لا يمكن تطبيقها سواء أن بالطريقة اليونانية القديمة أو الطريقة الغربية الحديثة....... ثانياً : لأن الديمقراطية مبدأ شكلي إجرائي لا محتوى له . أعني أن الديمقراطية لا تشترط في القرار أكثر من أن يكون قد جاء بإجراءات ديمقراطية صحيحة ولذلك فإن القرار يمكن أن يكون في غاية الديمقراطية ، لكنه في غاية الظلم. ثالثاً : وهو الأمر الأهم الذي ركزت عليه في محاضرتي هو أن الإيمان بأن الحكم للشعب، سواء أن كان ممكناً أم غير ممكن- هو أمر يناقض مع الإيمان بالله تعالى ، لأن أول لوازم الإيمان بالله هو الإيمان بأن الحكم لا يكون إلا له ، واعني بالحكم هنا الحكم التشريعي ، لا الحكم التنفيذي . فالله تعالى هو الذي يحكم تشريعاً والناس هم الذين يحكمون بما أنزل تنفيذاً الصحافة 28 اكتوبر 2007 هذا ما قاله بروفسير جعفر شيخ إدريس !! حكم الله وحكم الشعب : أول ما تجدر الإشارة إليه ، هو أن عبارة «الحكم لله» ، التي تعتبر من لوازم الإيمان ، ليست الحكم التشريعي ، وإنما الإرادة الإلهية .. ومعنى ذلك أن الإيمان ، هو أن تؤمن بان إرادة الله نافذة في الوجود ، وحكمه الذي قرره في قضائه وقدره ، لا راد له .. وفي هذا المعنى ، يجئ قوله تعالى «أن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه» ، وقوله « له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون » ، وقوله « فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً » .. وفي هذا المستوى فان الإسلام ، يعني التسليم للإرادة الإلهية ، التي لا يستطيع أحد مخالفتها ، واليه الإشارة ، بقوله تعالى : « أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون » .. وحين عبرت عبارة « الحكم لله» عن الإرادة، فإن عبارة «ما انزل الله» هي التي عبرت عن الشريعة قال تعالى « وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم » ، وقال « وليحكم أهل الإنجيل بما انزل الله فيه » ، وقال « ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون » .. وما انزل الله ، إنما نزل للناس حسب طاقتهم من «حكم الله» فهو ليس أمراً واحداً ، ثابتاً ، لا يتطور، وإنما هو متحرك ، يبعد أو يقرب من « حكم الله» حسب تطور المجتمعات ، وتشعب حاجاتها وتعقد مشاكلها ، وتزايد قدراتها .. فإذا تطابق مع «حكم الله» في وقت ما ، يصبح الإيمان به واجب ، وجحوده كفر.. فحين كان المجتمع ، محدود الموارد ، وقليل العدد ، وكانت الكفاءة الفردية لكبار الأصحاب رضوان الله عليهم مؤثرة ، أمكن لحكم الفرد ، في نظام الخلافة ، أن يحقق قدراً من العدالة ، ومن كرامة الإنسان ، جعله يطابق «الحكم لله» في ذلك الوقت لهذا قال تعالى « ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرون » !! ولكن في وقتنا الحاضر، فإن كبر طاقة المجتمع ، وتخلف الكفاءة الفردية عن مستوى الأصحاب، تجعل العدالة ، وكرامة الإنسان ، لا تتحقق بحكم الفرد ، ولهذا ينتقل « حكم الله» في وقتنا الحاضر، من حكم الفرد إلى حكم الجماعة ، فتقوم الأجهزة التي تمنع سيطرة الفرد على الجماعة امتثالاً لقوله تعالى لنبيه الكريم « فذكر انما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر» ولا ترفع السيطرة عن كل الناس ، إلا إذا حكموا أنفسهم بأنفسهم ، وذلك هو حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، لمصلحة الشعب ، وهو الديمقراطية التي رفضها بروفسير جعفر لظنه أنها مخالفة لقاعدة « الحكم لله» !! يقول بروفسير جعفر «... وقر في أذهان الكثيرين أن البديل للديمقراطية بمعنى حكم الشعب هو حكم الفرد الدكتاتور والمستبد الحاكم برأيه . ومعاذ الله أن يكون هذا رأيي أو رأي أي إنسان يؤمن بان الحكم لله ، لأنه إذا كان لا يؤمن بحكم الشعب كله بديلاً عن حكم الله فكيف بربكم يرضى بحكم فرد أو أفراد منه ؟ »المصدر السابق« .. فهو إذا لو خير بين حكم الفرد ، وحكم الشعب كله ، لاختار حكم الشعب ، ولكنه يرفض حكم الشعب ، لأنه في اعتقاده مخالف لقاعدة «الحكم لله» !! فإذا طبقت الجماعة «حكم الله» ، ومع ذلك كان لها تداول للسلطة ، وتعددية وانتخابات ، وحرية تعبير، والتزمت بحقوق الإنسان ، فان البروفسير يقول عن نفسه «لست من حيث المبدأ معترضاً على شئ من هذا » !! «المصدر السابق».. ولكن نظام الخلافة ، حكم فرد وليس فيه تداول للسلطة ، ولا انتخابات ، بل أن الخليفة من شروطه ، أن يكون قرشياً ، فقد جاء في الحديث «الخلافة في قريش»، ولقد وضع هذا الشرط ، في منهج الدراسات الإسلامية ، القائم اليوم ، في كل الجامعات بالسودان .. فهل سيجتهد بروفسير جعفر، ويستبدل نظام الخلافة القرشية ببرلمان منتخب ، أم يصر على نظام الخلافة القرشية ، ويتراجع عن ادعاء قبوله للتعدية وتداول السلطة ؟! وإذا قام بهذا الاجتهاد ، هل لا يزال حكمه يوصف بأنه «حكم الله» ؟! لقد درجت كافة الجماعات الإسلامية ، على ترديد عبارة « الحاكمية لله » ، وهي عبارة معدلة عن عبارة «الحكم لله» التي جاء بها الخوارج حين خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، لما كف عن أصحاب معاوية حين رفعوا المصاحف في واقعة صفين .. ولقد تبنى الأخوان المسلمون وتبعتهم بقية الجماعات الإسلامية عبارة «الحاكمية لله» حتى أصبحت شعاراً أساسيا من شعاراتهم ، الغرض منه هو تطبيق الشريعة الإسلامية .. وهي تعني فيما تعني ، ان الجماعة الإسلامية لا تريد الحكم لنفسها ، مثل بقية الأحزاب والتنظيمات الأخرى .. وإنما تريد الحكم لله. والهدف بطبيعة الحال، هو ان يقارن المواطن البسيط ، بين حكم الله ، وحكم البشر، فيختار حكم الله ، ويؤيد الجماعة الإسلامية ، التي تزعم أنها سوف تطبق هذا الحكم الإلهي متى ما وصلت إلى السلطة .. ووجه التضليل في هذه الحجة ، هو ان الحكم لا يكون لله بمجرد رفع هذه الشعارات ، مادام المنفذون الحقيقيون من البشر الذين تغلب أهواؤهم ، ومصالحهم ، وأخطاء فهمهم ، على امر الله حين يباشرون تنفيذ هذه الاحكام .. وكم من نظام رفع شعارات الإسلام، ثم كان في مستوى الممارسة ، بعيدا كل البعد عن الإسلام !! فالمقارنة ليست بين حكم الله ، وحكم البشر كما تصورها لنا الجماعات الإسلامية. وإنما المقارنة بين جماعة تدعي انها ستحكم بأمر الله ، وواقع يكذب هذه الجماعة ، ويؤكد بعدها عما تدعي .. محتوى الديمقراطية : يقول بروفسير جعفر مواصلاً أسباب اعتراضه على الديمقراطية « ثانياً : لأن الديمقراطية مبدأ شكلي إجرائي لا محتوى له . أعني ان الديمقراطية لا تشترط في القرار أكثر من أن يكون قد جاء بإجراءات ديمقراطية صحيحة ، ولذلك فإن القرار يمكن أن يكون في غاية الديمقراطية لكنه في غاية الظلم » « المصدر السابق» . والحق إن الديمقراطية ليست الهياكل والمؤسسات ، التي تتم وفقها الإجراءات ، وإنما هي المحتوى الذي يهدف إلى تحقيق كرامة الفرد ، بإعطائه الفرصة لحكم نفسه ، ولو اخطأ في الممارسة ، حتى يتعلم من خطئه أن يحسن الاختيار .. وفي الحق أن السلوك جميعه ، وممارسة الحرية برمتها ، إنما هي سلسلة من التصرف الفردي ، في الاختيار والتنفيذ .. أو قل في حرية الفكر، و القول ، والعمل بشرط أن يتحمل الإنسان نتيجة فكره ، وقوله، وعمله ، وفق قانون دستوري . فالديمقراطية هي حق الخطأ ، والى ذلك وردت الإشارة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم « إن لم تخطئوا وتستغفروا فسيأتي الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم » !! ولوضع هذه القيمة موضع التنفيذ ، كان لابد للنظام الديمقراطي ، من دستور، يؤكد حكم الأغلبية ، ويحفظ حقوق الأقليات ، في الحياة والحرية . وفي النظام الديمقراطي لا بد من فصل السلطات ، واستقلال القضاء ، وحرية الصحافة ، لضمان تحقيق العدل .. ولما كان التصويت يستهدي بالدستور، والقوانين المشرعة عنه ، فانه يفترض ألا يظلم أحد ، وإذا تم الخطأ في الإجراءات ، أو التطبيق ، يمكن اللجوء للقضاء المستقل ، ليصحح أخطاء السلطة التنفيذية .. إن ما يتحدث عنه البروفسير ليس الديمقراطية ، إنما هو تزييف الديمقراطية .. فقد قادت جبهة الميثاق الإسلامي عام 1965م ، حملة انتهت بحل الحزب الشيوعي السوداني ، وطرد نوابه المنتخبين من الجمعية التأسيسية ، وحين لجأ الشيوعيون للقضاء ، وحكم بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي ، رفضت السلطة التنفيذية ، ممثلة في السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء آنذاك ، قرار المحكمة العليا ، وأصرت على التغول على حق الشيوعيين ، في التنظيم والتعبير ، فهل هذا خلل الديمقراطية ، أم هو تزييفها وتحويلها لدكتاتورية مدنية ؟! ولا عبرة بقول البروفسير « وها نحن نرى في أيامنا هذه كيف أن غزو أفغانستان ثم العراق كان بقرارات ديمقراطية لا شك في ديمقراطيتها . وقرارات كثير من البرلمانات الغربية بإباحة كل أنواع الفحش بما في ذلك الزواج المثلي كانت قرارات ديمقراطية « .. وذلك لأنه قد قال في نفس المقال »أنا آسف إذا كان الدكتور قد فهم من نقدي للديمقراطية وتحذير المسلمين وغير المسلمين منها انما هو نقد لتطبيق من تطبيقاتها . إن نقدي يا دكتور منصب على النظرية نفسها بغض النظر عن أية محاولة من محاولات تطبيقها « !! فهل غزو العراق والزواج المثلي من النظرية ام من تطبيقاتها ؟! ومهما يكن من أمر، فلا أحد يقول بأن تطبيق أمريكا للديمقراطية ، خال من العيوب ، بل الحق ان في ممارستها ، ما يعتبر من الجرائم ، ومع ذلك فهذا لا يبرر رفض البروفسير للديمقراطية . وإذا كانت أمريكا لا تطبق الديمقراطية ، وهي قطعاً لا تطبق الشريعة الإسلامية ، فلماذا اختار البروفسير أن يعيش بها سنوات من عمره ؟! ثم ألم يلاحظ أثناء ذلك ، أن حرية الأشخاص ، واحترام حقوقهم ، وخصوصيتهم ، أفضل بكثير من البلاد التي تدعي أنها تطبق الإسلام ؟! إن ما وجده البروفسير من كامل الحرية ، في الدعوة إلى الإسلام في أمريكا ، لم يكن ليحلم به لولا الديمقراطية الممارسة هناك رغم قصورها .. إذ لا يمكن لمسيحي أن ينشئ مركزاً للدعوة إلى المسيحية في السعودية !! الصحافة 25/11/2007
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
فى ديموقراطية الاسلام ...لا تسالوا عن اشياء د. عبد الوهاب الافندى
أشرنا في المقالة الماضية إلى أن الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس قد أثار نقطة محورية حين تناول الديمقراطية باعتبارها «عقيدة» تؤمن بأن رأي الأغلبية هو المرجعية النهائية في كل أمر عام، في مقابل العقيدة الإسلامية التي ترى أن التشريع السماوي هو المرجعية. وإذا وضع الأمر بهذه الصيغة فإن الديمقراطية بالطبع تمثل إشكالاً بالنسبة للمسلم. ولكن الشيخ جعفر نفسه يورد في مداخلته أن الديمقراطية في نهاية الأمر تعكس إرادة الشعب وتعكس توجهاته. ففساد الحكم الديمقراطي يعكس فساد الشعب، وصلاحه كذلك. ومن هذا المنطلق، فإنه من غير المعقول أن ينعقد اجماع الشعب المسلم على كفر ومخالفة للشرع، لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة كما جاء في صحيح النقل. ولكن هناك إشكالاً أكبر كما أوردنا، وهو أن مقولات الشيخ جعفر تستند إلى اعتبار الحكم هو في نهاية الأمر عملية قضائية، مهمة الحاكم فيها إصدار الأحكام بناءً على الشرع، بينما الحقيقة أن العملية السياسية هي مجال واسع مفتوح للاجتهاد. ونضيف هنا أنه حتى في العملية القضائية فإن إصدار الأحكام عملية معقّدة، وإلا لما شهدنا المرافعات المطوّلة في المحاكم، ولما كان هناك محامون وممثلو إدعاء أقدر من غيرهم. بل إن الرسول المعصوم عليه أفضل الصلاة والسلام قد أخبر أنه يمكن أن يصدر أحكاماً تحتمل الخطأ بناء على بلاغة حجة أحد الخصمين، وحذّر من يحكم له بغير حقه من أخذ حق الغير حتى لو حكم له به. وهذا في الأمور التي توجد فيها أحكام قطعية، حيث يستدعي تطبيق الأحكام قدراً كبيراً من الاجتهاد لتحديد الأوضاع التي ينطبق عليها الحكم. ولكن هناك مجالات كثيرة في الحياة تركت بغير أحكام قطعية، إذ أنه لا صحة لما تردده بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة من أن الإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وسنّ لها حكماً، وهو أمر لو حدث فإنه لا يترك للإنسان مجالاً لإعمال عقله، وبالتالي يتحوّل إلى مجرّد آلة تنفّذ الأحكام والتعليمات. وفي حقيقة الأمر فإنه حتى في وقت نزول الوحي نجد أن القرآن نهى المسلمين عن طلب الفتوى في كل شيء، وإعمال عقولهم للاجتهاد، كما جاء في الآية: «لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤهم»، وهو نهي أكّده صحيح الحديث. فإذا كان المسلم في وقت نزول الوحي مطالباً بالاجتهاد، فكيف الحال بعده؟ وإذا كانت هناك مساحة للاجتهاد فإن نموذج القضاء يصبح أقل ملاءمة للاهتداء به. هذا بالطبع إذا تركنا جانباً كون القضاة قابلين ليس فقط للخطأ، وإنما أيضاً للفساد والإفساد، مما يتطلّب رقابة المجمتع عليهم، مما يعيدنا إلى المربع الأول، حيث لا بد من جهة سوى القاضي تحدد صلاحه. الاجتهاد يعني تعدد الآراء والاختلاف، وهذا بدوره يتطلّب البحث عن آليات لحسم الخلاف. وقد كانت الآليات التي اتبعت هي العنف في معظم الأحيان. الطريف أنه بينما كانت فتوى السيف هي الحاسمة في السياسة، فإن الآليات التي اتبعت لتحديد الأحكام الفقهية كانت بالمقابل «ديمقراطية» في جوهرها، لأن استنباط الأحكام واختيار المذاهب كان يتم عبر الحوار والإقناع. ولم يحدث في تاريخ الإسلام أن تم فرض مذهب ديني بحدّ السيف إلا في حالتين، كلاهما حديثة نسبياً، أولاهما فرض المذهب الشيعي في إيران على يد الصفويين في مطلع القرن السابع عشر الميلادي، وثانيهما فرض المذهب السلفي في الجزيرة العربية على يد التحالف السعودي الوهابي في مطلع القرن العشرين. إضافة إلى ذلك فإن متقدمي الفقهاء، وعلى رأسهم الإمام مالك جعلوا التوجه «الديمقراطي» جزءاً من صلب منهجيتهم، كما هو الحال عندما جعل مالك عمل أهل المدينة دليله على السنة. فهنا يهتدي الفقيه بإجماع الأمة وليس العكس. وفي حقيقة الأمر فإنه ليس هناك بديل عن هذا الخيار، لأن أمور الدين لا تحتمل الإكراه. فآية «لا إكراه في الدين» هي تقرير لواقع مثل ما هي تفصيل لحكم، لأن ما يأتي بالإكراه لا يكون ديناً. فلو أن حاكماً مستبداً استولى على دولة معظم سكانها من غير المسلمين وطبق عليها حكم «الشريعة» فإن هذا لا يحول هذه الدولة إلى بلد إسلامي، كما أنه لا يجعل هذا حكماً إسلامياً. ذلك أن الحكم الإسلامي الحقيقي لا بد أن ينبع من مجتمع إسلامي حقيقي وأن يكون طوعياً، بل ألا يكون بلا تحفظ ولا حرج وأن يقوم على التسليم الكامل. ومن هنا فإنه حتى لو أمكن إيجاد حاكم قادر على استنباط الأحكام بمفرده وبقدرة خارقة، وأمكنه كذلك اتخاذ القرارات الصحيحة بدون مشورة (كما هو مذهب الشيعة في الأئمة) فإن القبول بحكمه من قبل أمة من المسلمين لا يجعل هذا مجتمعاً إسلامياً، لأن إسلامية المجتمع تحتاج إلى مساهمة المجتمع ككل وكل فرد فيه في تشكيل هذا المجتمع وفي طبعه بالطابع الإسلامي. فالقرآن حذّر من اتباع نهج الأمم السالفة من اتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله عبر تفويضهم السلطة الدينية، وبالتالي فرض الاجتهاد الدائم على كل مسلم ومسلمة. فلن يجزي أحداً يوم القيامة أن يقول إنني اتبعت فتوى فلان فأضلني السبيل. ولو صح ما ذكره الشيخ جعفر من استحالة انخداع المسلمين بفتاوى من يدعون زوراً أنهم يحكمون بحكم الله فإنه يعيد الأمر إلى مربع سلطة الأمة ويجعل رأيها هو الضمانة الأخيرة لصحة الحكم ومطابقته لصحيح الدين، وبالتالي يسقط حجة ضرورة الوصاية على الأمة. ولكن الواقع الذي لا يخفى على الشيخ جعفر وغيره هو أن كثيراً ممن إدعى التحدّث باسم في هذا العصر اجترحوا كثيراً من الخطايا. ولا نحتاج هنا إلى ذكر مثال لن يعترض عليه الشيخ، وهو مثال ولاية الفقية في إيران التي حولها الخميني رحمه الله إلى ما سماه «ولاية الفقيه المطلقة»، جوز بموجبها تعطيل كل أحكام الشريعة، بل فرائض الدين مثل الصوم والصلاة والحج، وهدم المساجد وغير ذلك إذا اقتضت مصلحة الدولة الإسلامية ذلك. وفي التطبيق العملي لذلك قامت الدولة «الإسلامية» في إيران بالتعامل مع إسرائيل ثم حكمت بالإعدام على من اعترض على هذه الممارسة وفضحها. ولكننا يمكن أن نضيف ما حدث في بلاد الحرمين التي يعتقد الشيخ بأنها آخر معاقل الدين، وقد أيّدها حين أعانت صدام في عدوانه على إيران، ولم نسمع منه ولا ممن يسمون بكبار العلماء في المملكة إنكاراً لذلك ولا حين أعانت الأميركان بعد ذلك على صدام. وفي السودان أيضاً لم يرّ الحاكمون باسم الله حرجاً في التقرّب من الأميركان والتعاون الأمني والمخابراتي معهم بالحجة القديمة، حجة الضرورة التي استحل بها الكثيرون كل كبيرة. وقد ظل الشيخ جعفر يشكو لعقود من أن الحركة الإسلامية قد خطفت من قبل شخصا واحدا انحرف بها بعيداً عن الصراط المستقيم. وإذا أمكن أن يغرر فرد بفئة ممن نذروا أنفسهم لإحياء الدين وإقامة حكم الإسلام، فكيف بعامة الناس؟ إذا فاحتمال انحراف القلة التي تحكم باسم الدين عن قيمه وتعاليمه ما لم يردعها وازع من رأي عام مستنير ليس محض خيال، بل هو واقع تكرر أكثر من اللازم، وإن حفظ الدين تم بالرغم من فساد الحكام وانحرافهم، ولم يعتمد إلا نادراً على صلاح الحكام. فالحكام هم الذين يحتاجون إلى وصاية الأمة، وليس العكس. والديمقراطية هي أفضل وسيلة ابتدعتها البشرية حتى الآن لتحقيق هذه الغاية. والديمقراطية ليست كما ذكر الشيخ جعفر عقيدة قوامها الإيمان بحاكمية الشعب (لأن هذا المبدأ لا يقل إشكالية عن مبدأ حاكمية الله) وإنما هي ترتيب عملي لحسم النزاعات بين فئات الشعب سلمياً حسب قواعد متفق عليها. وفي اشتقاقها الإغريقي فإنها تقابل البدائل المطروحة، مثل الملكية أو حكم الواحد (موناركي) أو حكم الفرد أو الفئة المستبدة (despotism) أو حكم الطبقة العليا (الأرستوقراطية) أو حكم الأقلية (الأوليغارشية) أو حكم الأثرياء (البلوتوقراطية). وقد ابتدع فيما بعد مصطلح الثيوقراطية (الحكم الإلهي) للإشارة إلى نوع آخر من الحكم، لم يكن في الحقيقة سوى استبداد السلطات الكنسية باسم السماء. وفي تجلياتها الحديثة فإن الديمقراطية نشأت من تطوير الحكم الملكي أولاً عبر فرض مشاركة الأرستوقراطية (كما حدث في بريطانيا بعد اتفاق الماغنا كارتا) ثم مشاركة البرجوازية بعد ثورة 1688 في بريطاينا ثم ثورات فرنسا وأميريكا لاحقاً، ثم مشاركة الطبقات الأدنى في أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين، ثم مشاركة المرأة في النصف الأول من القرن العشرين، وأخيراً الأقليات. وقد كان هذا يتم على أساس توافقي يتناسب مع وضع وثقافة وخلفية كل بلد، ولهذا فإن الديمقراطية في كل بلد لا تتعارض مع قيم ذلك البلد، وإنما تكرّسها في أحكامها الأساسية مثل الدستور والقوانين. ويفرق منظرو الديمقراطية (نظرياً) بين الحكم الديمقراطي باعتباره حكم الأكثرية من جهة، وبين الحكم الدستوري الذي يعلي مبادئ الدستور من جهة أخرى. ويلاحظ مثلاً أن «الآباء المؤسسين» في أميركا كانوا يطلقون على نظام الحكم هناك النظام الجمهوري، ويتجنّبون لفظ الديمقراطية الذي ارتبط عند البعض منذ أيام افلاطون بمفهموم حكم الغوغاء أو العوام. وتمتلك المحكمة العليا في الولايات المتحدة سلطات تشبه إلى حدٍّ ما سلطات ولاية الفقية، باعتبارها حارسة الدستور، بحيث يمكنها ليس فقط إبطال قرارات الجهاز التنفيذي، بل قرارات البرلمانات الولائية أو المركزية وحتى نتائج الاستفتاء إذا تعارضت مع أحكام الدستور. ويفرّق المنظرون أيضاً بين الديمقراطية والليبرالية حيث أن الأخيرة تقدم الحريات الشخصية وحقوق التصرف في المال الخاص على إرادة الشعب. ولكن عملياً فإن هذه التمايزات ذوّبت بحيث أن كل الديمقراطية الحديثة أصبحت إلى حدٍّ كبير ليبرالية دستورية. وفي حالة نشوء ديمقراطية إسلامية فإنها ستكون بلا شك ديمقراطية دستورية، سلطات الحاكم فيها محكومة بحدود الشرع وإرادة الأمة في إطاره. ونواصل إن شاء الله..
الصحافة 27/11/2007
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
الأخ الكيك تحياتي
في إطار السجال العلمي الدائر ما بين دكتور جعفر وزين العابدين كتب الدكتور الطيب زين العابدين هذا الكلام . فمن يجروء علي قول هذا
Quote: ومن ناحية أخرى ما هو البديل لحكم الشعب؟ سيقول جعفر هو حكم الله، ولكن من الناحية العملية سيأخذ هذا الحق فرد أو أفراد ويدعون أن هذا حكم الله. ولقد عاش السودان هذه التجربة فى فترة النميرى وفى فترة الانقاذ. ولا أعلم فترة انتهكت فيها الحقوق وظلم فيها الناس وتفشى فيها الفساد أكثر من هاتين الفترتين فى تاريخ السودان منذ الاستقلال، |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
الكيك كيفك يبدو ان البوست يوثق لبعض المشاكل الفكرية خاصة بما يمسى نفسهم اسلاميين.
خليهم يتعبوا شوية ويحركوا خلايا مخهم.
الغريبة الطيب زين العابدين الطارح نفسه ليبرالى ومنفتح: اليوم انضم الى جوقة المهوسين المافاهمين حاجة واللا الموضوع هو شنو قال لاخر لحظة" ان هذا الحادث عمل ممنهج يقصد به احداث خلل فى اعز ما نملك هو الجيل القادم"
طيب يا بتاع كيمبريدج انت (طبعا بالمناسبة اخينا ده يتحين الفرص ليمرر لك معلومة انه عنده دكتوراة من كيمبريدج، وابتسامة غرور ورضا غبى عن النفس تعلو وجه) طيب يا منافق كيمبريدج ما هو علموك كيف تستخدم اسئلة سقراط العشرة (والتفكير النقدى) كيف تحلل لنفسك وتحرم على ابناء الاخرين. ولا اقول ليك حاجة رجع للانجليز شهادتهم ولدافع الضرائب السودانى قروشه وافتح ليك خلوة درس فيها جيلك الجديد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: Dania Elmaki)
|
الاخت دانية اشكرك على المرور هذا النقاش علمى وراقى اتمنى ان تتابعيه فالديموقراطية شىء راق اساسها النقاش وتبادل الافكار وضيق الافق يجلب الدكتاتوريات .. مع تحياتى لك ..
تعقيب على بروفيسور جعفر شيخ إدريس لا تفرغوا الإسلام من محتواه (2-4) د. عمر القراي الديمقراطية هي الحكم الباقي: ومن الأسباب التي دعت بروفيسور جعفر إلى رفض الديمقراطية، ظنّه بأنها غير ممكنة التطبيق، وكذلك قال «إنها نظرية لا يمكن تطبيقها سواء بالطريقة اليونانية القديمة أو الطريقة الغربية الحديثة». والسبب الذي يجعل الديمقراطية، لا يمكن تطبيقها، حسب رأي البروفيسور، هو أن الشعب يدار أمره بواسطة ممثلين، ينتخبهم ليحكموا باسمه، ولكنهم عملياً يحكمون لمصلحتهم هم، والشعب عن ذلك بمعزل، وإن كانوا يحكمون باسمه.. ولذلك فهو يقول «إنني أريد أن أقول للناس المسلمين منهم وغير المسلمين ما قاله ويقوله مفكرون غربيون كثيرون إنكم تخدعون حين تظنون أنكم أنتم الذين تحكمون. إن أنظمتكم السياسية تقول لكم إن الحكم لكم، لكن الحقيقة إن الذي يحكمكم هم جماعة منكم يحكمون باسمكم». (الصحافة 28/10/2007). هذا ما وافق فيه بروفيسور جعفر مفكرين غربيين، وهو نقد مقبول للممارسة الديمقراطية الحاضرة، وهو لا يقدح في جوهر فكرة الديمقراطية، وإن أشار إلى بعض أوجه القصور، بدليل أنه قال به جماعة من دعاة الديمقراطية وأنصارها، كما ذكر بروفيسور جعفر، على أن هذا النقد، بطبيعة الحال، يقبل من الذين يدعون إلى إصلاح الممارسة الديمقراطية، بالمزيد منها، لا من الذين يرفضون الديمقراطية، ويدعون لنظام حكم الفرد، ولو كان هذا الفرد خليفة المسلمين!! ذلك أن الديمقراطية الممارسة حالياً، رغم قصورها، وصور تزييفها، واستئثار القلة الحاكمة بالسطة، دون الشعب، يمكن أن تقوم من داخلها، لأنها تسمح بالنقد، وتشجّع الحوار، وتعطي الفرصة للتوعية، في مختلف وسائل الإعلام. كما أن بها فرصة تغيير الحاكم عن طريق الانتخابات.. لكل هذا، فهي لا تقارن بحكم الفرد، سواءً كان يحكم باسم الشعب، أم باسم الله، ثم هو في النهاية، يوظّف الحكم لمصلحته الشخصية، دون أن يستطيع الشعب تغييره، بالوسائل السلمية.. إن الديمقراطية مهما يقال في نقدها، فإنها أفضل من كل صور الحكم، التي رفعت شعارات الإسلام، في وقتنا الحاضر، وأيّدها البروفيسور رغم أنها أذاقت شعوبها الأمرين، وإلا فلنسمع إذا كان له رأي جديد في الخميني، أو في حركة طالبان، أو في تطبيق الشريعة في عهد نميري، أو على عهد الإنقاذ.. إن ما ينقص الديمقراطية، المطبّقة الآن في الغرب، أمران جوهريان، أحدهما في الهيكل والآخر في المحتوى.. أما من حيث الهكيل، فإن الديمقراطية تحتاج إلى الإشتركية كنظام اقتصادي، يكملها ويدعمها. فالرأسمالية تضاعف الثروة، وتكرّسها في يد القلة، فيحكم الأغنياء، وهم أفراد، الشعب كله، لأنهم يستغلون أموالهم لشراء الأصوات، والذمم، ووسائل الإعلان والدعاية، حتى يعدلون المواقف، ويفصّلون القوانين لحماية مصالحهم، على حساب مصلحة الشعب.. وهكذا يمكن للفقير، في النظم الديمقرطية الغربية، أن يشتم رئيس الدولة، ولكنه لا يمكن أن يغيره، أو يعدل سياساته، مما يجعل الديمقراطية قاصرة قصوراً مزرياً عن تحقيق كرامة الإنسان، التي هي الهدف الأساسي منها. أما إذا كانت مصادر ووسائل الإنتاج، مملوكة لعامة الشعب، في صورة جمعيات تعاونية، يكون العاملون فيها شركاء، فإن اقتصاد الدولة سيتوجّه لمصلحة الشعب.. فإذا كان هؤلاء أنفسهم، هم الحكّام، بواسطة النظام الديمقراطي، فإن اختيارهم سيصبح حراً، لتحررهم من الفاقة، التي تضطرهم في غياب الاشتراكية، لبيع أصواتهم، وتبني مواقف ضد مصالحهم الحقيقية.. فالجمع بين الديمقراطية والاشتراكية، في جهاز حكومي واحد، هو النظام الأمثل، وقد عجز عن تطبيقه الشرق الشيوعي، كما يعجز الآن الغرب الرأسمالي.. وأما من حيث المحتوى، فإن الديقراطية تحتاج إلى تربية الأفراد، حتى يرتفعوا فوق أنانيتهم، ويؤثرون غيرهم، ويكونون أمناء على مصالح العامة، ورقباء يقظين على من ينتخبونهم.. يقول الأستاذ محمود محمد طه «ولما كان حكم الشعب، بواسطة الشعب، من الناحية العملية مستحيلاً، فقد جاء الحكم النيابي، ونشأت الأحزاب السياسية.. وفي الحكم النيابي، قلة قليلة جداً هي التي تباشر، نيابة عن الشعب، السطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية.. والمفترض أن الشعب يراقب هذه القلة، حتى يطمئن إلى أنها، إنما تدير دولاب السلطة لمصلحته هو، لا لمصلحتها هي.. وهذا أمر يقتضي وعي الشعب، ويقتضي وعي القلة التي تباشر السلطة أيضاً.. وليس هناك شعب من الشعوب، إلى وقتنا الحاضر، استطاع أن يكون في مستوى الوعي الذي يمكّنه من مراقبة أداء من يتولون، نيابة عنه، إدارة مرافقه بصوة تقرّب، ولو من بعيد، من مستوى الحكم الديمقراطي بمعنى هذه الكلمة.. وليس هناك، إلى وقتنا الحاضر قلة، في أي شعب من شعوب الأرض، استطاعت أن ترتفع فوق مطامعها، وأنانيتها، وجهلها، لتحكم شعبها حكماً ديمقراطياً صحيحاً.. فالقلة إنما تحكم الشعب لمصلحتها هي، لا لمصلحته هو، ويصدق في كل قلة حاكمة اليوم، ما قاله أبو العلا المعري منذ وقت طويل: ملّ المقام فكم أعاشر أمة * أمرت بغير صلاحها أمراؤها ظلموا الرعية واستباحوا كيدها * وعدوا مصالحها وهم أجراؤها».. (محمود محمد طه: ديباجة الدستور 1984م). ولقد ساق الأستاذ محمود، نماذج عدة لفشل الديمقراطية في السودان، كما أشار إلى فشلها في تجربة الشرق الشيوعي، والغرب الرأسمالي فقال «إن الإنسان المعاصر يرى أن الديمقراطية والإشتراكية، تمثلان معاً الحقوق الأساسية له -حق الحياة وحق الحرية.. ويرى أن الاشتراكية وسيلة لازمة لتحقيق الديمقراطية.. ففي حين أن الديمقراطية هي الحرية السياسية، فإن الاشتراكية هي الحرية الاقتصادية، فمن غير المعقول أن يطلب إلى الإنسان التنازل عن حريته الديمقراطية، لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الاشتراكية، كما تريد الماركسية. أو يطلب إليه، أن يحقق حريته الديمقراطية، في نظام اقتصادي تستأثر فيه القلة بالثروة، كما تريد الرأسمالية.. أما النظام الماركسي، فهو نظام دكتاتوري، لا يمارس الديمقراطية أصلاً، وإنما يزيّفها، فيسميها دكتاتورية البروليتاريا - العمال والمزارعين- وما هي في الحقيقة إلا دكتاتورية المثقفين على العمال والمزارعين، وأما النظام الرأسمالي الغربي فإنه يمارس الديمقراطية، ولكنه يتسم بقصور الممارسة، حيث تسعى القلة الرأسمالية للسيطرة على السلطة، حتى تخدم مصالحها الرأسمالية، ضد مصلحة طبقات الشعب الأخرى.. فلا تتحقق الديمقراطية مع الرأسمالية». (المصدر السابق ص3). ورغم هذا النقد الواضح، للممارسة الديمقراطية، والذي ساق عليه الأستاذ محمود نماذج عديدة، فقد قال «ونحن لا نسوق هذا لندلل به على فشل الديمقراطية، وإنما لندلل به على فشل الممارسات القواصر، مما يوجب علينا تطوير، وتسديد، ممارستنا في سبيل تحقيق الديمقراطية. ويجب أن يكون واضحاً، فإن الديمقراطية، بمعنى حكم الشعب، بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب لا تفشل.. وهي الحكم الباقي.. تتطوّر المجتمعات في تجويده، والارتفاع به، حتى تكون الشعوب، هي الوالدين الشرعيين للأفراد الأحرار، حرية فردية مطلقة.. ولقد تطوّرت الديمقراطية، في معنى ما تطوّر مدلول كلمة «الشعب» حتى أصبحت تشمل كل المواطنين، من نساء، رجال، منذ أن يبلغوا سن الرشد.. وأصبح علينا الآن أن نطوّر مدلول هذه الكلمة، كلمة «الشعب»، لندخل بها مجال «النوع» بعد أن فرغنا من مجال «الكم».. ذلك بأن الشعوب الواعية، وحدها، هي التي تستطيع تطبيق الديمقراطية الشعبية.. وللوصول لتوعية الشعب لا بد من إعادة التعليم، في جميع صوره، فإن فشل البشرية المعاصرة، إنما هو فشل منهج التعليم في كل بلد...». (المصدر السابق ص 8). فإذا وضح ذلك، فإنه لا عبرة بما ردده البروفيسور، كثيراً، في هذا المقال، من أن الديمقراطية لا تمنع الفساد، أو أنها قد تقيم الحروب، وذلك لأنه عجز عن التمييز بين الديمقراطية، وتزييفها.. كيف فهم البروفيسور دينه؟! يقول بروفيسور جعفر «أقول إذا كان خير ما في الديمقراطية بهذه المعاني التي يحصرها فيها الدكتور الطيب موجوداً في ديننا فلماذا نذهب لنتقمشه من فضلات الفكر الغربي؟ لماذا لا ندعو إليها باعتبارها شيئاً من ديننا وإذا كان لا بد من تسميتها باسم يناسب العصر فلماذا لا نجتهد ونتواصى باختيار اسم لها؟». (الصحافة 29/10/2007 م). وفي هذا السياق، يعدد البروفيسور بعض عناصر الديمقراطية، التي ذكرها د. الطيب ويقرر دون تردد أنها موجودة في الإسلام.. ومن ذلك -مثلاً- نظام الانتخابات، وتداول السلطة، وسيادة حكم القانون، ويستدل عليه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».. كما أنه يزعم بأن فهمه للإسلام، يجعله يقبل حقوق الإنسان، ويتساءل فيما يشبه البداهة «وحقوق الإنسان إذا لم نجدها في كتاب الله فأين بربك نجدها؟».. وكذلك حرية التعبير، يرى أنها متوافرة في الإسلام، مع رفض الإسلام للتعبير السئ الذي لا يوافق مكارم الخلق. لقد وضح جلياً من عبارة البروفيسور هذه، أنه يخلط خلطاً موبقاً بين الدين والشريعة، فهو إما أنه لا يرى فرقاً بينهما، أو أنه لا يقبل أن يكون هناك فرق بينهما.. والحقيقة التي لا يستطيع بروفيسور جعفر وكل قبيلة السلفيين الفرار منها، هي أن الدين الإسلامي يحتوي على الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتداول السلمي للسلطة، وسيادة حكم القانون، إلى غيرها من المعاني الإنسانية العصرية الرفيعة، التي أشار إليها د. الطيب.. ولكن الشريعة الإسلامية -وهي قد كانت حكيمة غاية الحكمة، في وقتها، لمناسبتها لواقع المجتمع في القرن السابع الميلادي- لا تقبل الديمقراطية، ولا التعددية، ولا تداول السلطة، ولا حقوق الإنسان، وليس فيها دستور، ولا سيادة حكم القانون!! وحين رفض بروفيسور جعفر الديمقراطية، فإنه كان يقف على أرض الشريعة، ولكنه حين قبل حقوق الإنسان، وتداول السلطة، والانتخابات فإنه لا يقف على أرض الشريعة.. فإذا كان لا يعرف أو لا يقبل مستوى من الدين أرفع من الشريعة، فإنه حينئذ، لا يختلف من الذين رفضوا الدين، ولاذوا بحمى الفكر العلماني.. أما كيف يختلف الدين عن الشريعة، ولماذا لا تحتوي الشريعة على المعاني الإنسانية المحدثة، فهذا ما سوف أعالجه في الحلقة القادمة بإذن الله الصحافة 2/12/2007
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
تعقيب على بروفيسور جعفر شيخ إدريس لا تفرغوا الإسلام من محتواه (3-4)
د. عمر القراي
الشريعة والديمقراطية:
حين طبقت الشريعة في الماضي، وقامت عليها الدولة الإسلامية الأولى، في المدينة، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما تبعها من دول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، كانت حكيمة كل الحكمة، ولهذا راعت حاجة، وطاقة المجتمع الجاهلي.. ولما كان ذلك المجتمع، يقوم على عرف حكم شيخ القبيلة، فقد جاءت الشريعة بحكم الفرد- الخليفة مجاراة للواقع. ولم يكن الخليفة، يختار عن طريق الانتخابات، وإنما كان يرشحه فرد، يتبعه جماعة، ثم يبايعه الحاضرون، ويحضر للبيعة من الأمصار، وجوه الناس وساداتهم.. وحين اجتمع المسلمون، في سقيفة بني ساعدة، ليختاروا الخليفة، بعد التحاق النبي صلى الله عليه وسلم، بالرفيق الأعلى، واحتدم الخلاف بينهم، خطبهم أبوبكر الصديق، رضي الله عنه، بأن الخلافة لا بد أن تكون في المهاجرين، لسبقهم إلى الإسلام، وقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم. ولعل هذه المميزات تناسب المجتمع القبلي، ولكن لا مكان لها في المجتمع الحديث، الذي يمارس الديمقراطية، فلا يمكن اليوم، أن يكون سبب اختيار نائب رئيس الجمهورية، قرابته للرئيس. ولقد قبل الناس أبابكر الصديق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدّمه للصلاة بهم، وهو في فراش مرضه الأخير، فقالوا: ما كان رسول الله يرضاه لنا لديننا ولا نرضاه لدنيانا.. ولقد جمع إبوبكر رضي الله عنه، كل السلطة في يده، وحين خالفه الأصحاب، في قتال مانعي الزكاة، أصرّ على رأيه، وفرضه عليهم، فكانت حروب الردّة المشهورة.. ولقد خاف ابوبكر رضي الله عنه، أن تتكرر الخلافات بعد وفاته، فلم يعط الأصحاب فرصة تداول، مثلما حدث في السقيفة، وإنما قال وهو على فراش الموت «وليت عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا». وهكذا جاء الخليفة الثاني، دون انتخابات. وحين طعن عمر، أوصى بأن يتم الاختيار من بين ستة فقط، ولم يتح الفرصة لكافة المواطنين ليرشحوا أنفسهم، لأنه لم يكن هنالك انتخابات أصلاً.. أما عثمان رضي الله عنه، فقد ضاق به الناس، لموالاته قرابته من بني أمية، فصاحوا به في المسجد، أن يتنحى عن الحكم فقال «والله لا أخلع ثوباً ألبسني إياه الله ورسوله»!! ولو كانت الجماهير هي التي انتخبته، لخلعته بنفس الطريقة.. وليس في الشريعة، تداول سلمي للسلطة، فالخليفة الذي اختارته قلة، وبايعه أهل المدينة، يبقى في منصبه حتى وفاته، وتستمر سلطته، بعد وفاته بوصيته لمن يخلفه، كما فعل الشيخان.. فليس هنالك حاكم في تاريخ المسلمين، ترك السلطة مختاراً، لأنه حسب القانون أو العرف، يجب عليه أن يعطي الفرصة لحاكم آخر، حتى يتداول المجتمع السلطة.. والسبب في ذلك، أن تداول السلطة، من سمات الديمقراطية، لأنه يقوم على افتراض أحقية الجماعة بالحكم، بينما يقوم نظام الخلافة على أحقية الفرد.. وحين تحالف التيار الإسلامي مع المخلوع نميري، فطبق قوانين سبتمبر البغيضة، وسمّاها الشريعة الإسلامية، اقترح منظرو الاتجاه الإسلامي، أن يعدل الدستور، ليمنح نميري حق الحكم مدى الحياة، وأن يوصي لمن يشاء من بعده، إقتداء بالأصحاب رضوان الله عليهم.. ولقد رضي زعيم الاتجاه الإسلامي آنذاك، د. الترابي أن يكون مستشاراً للنميري، يزيّن له سوأته، ولم نسمع في ذلك الوقت، من بروفيسور جعفر اعتراضاً، أو نقداً لجماعته، فكيف يحدثنا، الآن، بأن تداول السلطة لا يتعارض مع فهمه للإسلام؟! الدستور والشريعة: الدستور هو عنوان الحكم الديمقراطي.. ولقد عاشت المجتمعات البشرية، حقباً طويلة، دون دستور.. ولكن ليس هنالك مجتمع بشري، طوال تاريخ البشرية، قد عاش دون عرف أو قانون.. والفرق بين الدستور والقانون، هو أن القانون ينظّم وينسّق علاقة الإنسان، بأخيه الإنسان، في المجتمع المعين.. ولكن الدستور هو القانون، الذي ينظّم العلاقة بين الدولة والفرد.. والقوانين إنما تتفرع، وتتنزل من الدستور. فالدستور هو القانون الأساسي، ولقد سمي القانون الأساسي، لأنه ينص على الحق الأساسي للإنسان، وهو حق الحياة، وحق الحرية.. وهذه سميت الحقوق الأساسية، لأنها لا تمنح، ولا تسلب، بل قامت على الفطرة.. وكل الحقوق الأخرى، وأن نص عليها الدستور، إنما تتفرّع من هذين الحقين الأصيلين.. والدستور لا تضعه هيئة تشريعية، ولا يخضع لها، إنما تضعه جمعية تأسيسية، وقد سميت تأسيسية، لأنها تضع القانون الأساسي - الدستور، وهي فوق الهيئة التشريعية لكنها يجب أن تعقد مرة واحدة، لتضع الدستور، ثم تحل نفسها، وتخلي مكانها للهيئة التشريعية، لتضع القوانين، التي لا تتعارض مع الدستور، والتي تسمى القوانين الدستورية.. وليس في الشريعة الإسلامية دستور، وذلك لأنها، لا توفر حق الحياة، وحق الحرية، لكل المواطنين!! فقد أحكمت الشريعة القتل في المشركين، لا يرفع عنهم، إلا إذا قبلوا الدخول في الإسلام.. قال تعالى «فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم». جاء في تفسير هذه الآية الكريمة («فإذا انسلخ الأشهر الحرم» أي إذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم.. قوله «فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم» أي من الأرض وهذا عام والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم.. قوله «وخذوهم» أي وأسروهم إن شئتم قتلاً وإن شئتم أسراً قوله «واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد» أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم. بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام ولهذا قال «فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم»، ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهي الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته.. وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» الحديث.. وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية لم يبق لأحد المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم...). (تفسير ابن كثير- الجزء الثاني 317-318 طبعة دار الحديث القاهرة). ولم يقتصر الأمر على المشركين الوثنيين، وإنما انطبق على أهل الكتاب أيضاً، جاء في التفسير (قوله تعالى «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون».. وهذه الآية الكريمة أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعد ما تمهّدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا واستقامت جزيرة العرب أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع.. قوله «حتى يعطوا الجزية» أي إن لم يسلموا «عن يد» أي عن قهر وغلبة «وهم صاغرون» أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه...). (المصدر السابق ص332). فإذا كان البروفيسور يعني الشريعة حين قال «أقول إن الناس لا يصلحهم إلا الدين الحق» (الصحافة 31/10/2007م) فليعلم أن هذا المستوى ليس فيه دستور، ولا يحقق المساواة بين المواطنين، بل لا يحقق السلام، خاصة في بلد متعدد الأديان، والثقافات كالسودان، أكثر من ذلك، هو لا يمثل صورة العدل، التي تناسب المجتمع المعاصر.. سيادة حكم القانون: إن سيادة حكم القانون، تعني أن يسود في الدولة، قانون واحد، يجري حكمه حتى على السلطة التنفيذية، ويطبق على جميع المواطنين، دون تحيّز أو تمييز، ويتساوى الجميع أمامه، بغض النظر عن اختلافاتهم المختلفة.. وليس في الشريعة، سيادة لحكم القانون، لأنها لا تساوي بين المواطنين أمام القانون!! فالنساء وهن نصف المجتمع، ليس لهن حقوق قانونية، مساوية للرجال.. يعتمد الفقهاء، في إعطاء المرأة حقوقاً قانونية ناقصة، على الآية الكريمة «واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل احداهما فتذكر أحداهما الأخرى ...». جاء في تفسير الآية (وهذا إنما يكون في الأموال، وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة...). (تفسير ابن كثير- الجزء الأول ص335)!! ولقد يطيب لبعض الدعاة الإسلاميين، أن يذكر أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل في الأمور المالية فقط، حتى يفهم الحاضرون أنها مساوية له في شهادتها فيما عدا ذلك!! والحق أن المرأة في قوانين الشريعة وآراء الفقهاء، ليس لها الحق مطلقاً في الشهادة، فيما عدا الأمور المالية هذه، التي تساوي شهادتها فيها، نصف شهادة الرجل!! لذلك (يرى جمهور الفقهاء عدم قبول شهادة في الحدود والحرابة والقذف والبغي والزنا وشرب الخمر والسرقة والقصاص، سواء كن منفردات وإن كثرن أو مع رجال، واستندوا في ذلك على حجج من المنقول والمعقول. المنقول: وهو ما يستخلص من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. 1- الكتاب الحكيم: قوله تعالى «واستشهدوا ذوي عدل منكم» (الطلاق2)، وقوله عز وجل «لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون» (النور13)، ويستدل من هذه الآيات على اشتراط الذكور في الشهود دون النساء. 2- السنة النبوية الشريفة: ما رواه مالك عن الزهري أنه قال مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده أنه لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص (البخاري جزء13 ص222). المعقول: استند الجمهور إلى حجج مستخلصة من المعقول وذلك في ما يلي: 1- إن الحدود تدرأ بالشبهات، فلا تثبت بحجة فيها شبهة، وشهادة النساء شبهة لتطرق الضلال والنسيان إليها تطبيقاً لقوله تعالى «أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى»، فالضلالة شبهة والحد يسقط بالشبهات. كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفهن بنقصان العقل والدين...). (د. حسن الجندي: أحكام المرأة في التشريع الجنائي الإسلامي ص105- 106). فالمرأة إذاً، ليس لها الحق في الشهادة، ما عدا في الأموال، حيث تكون شهادتها منقوصة، إذ تساوي نصف شهادة الرجل، أكثر من ذلك أن شهادتها هذه لا تقبل أصلاً إلا بوجود رجل!! فلا يمكن أن تشهد أربع نساء بدلاً عن رجلين!! كما لا يجوز أن تلي القضاء فتقيم شهادة الشهود، وهي تقصر عن مدى الشاهد!! فلم يبق لها من الحقوق القانونية للمواطن في الدولة إلا حق الشكوى عند وقوع الاعتداء عليها!! ولم تأت التيارات الإسلامية الحديثة، بجديد فيما يخص الحقوق القانونية المنقوصة للمرأة، بل تذهب في تبريرها على أنها الوضع الطبيعي.. يقول الشيخ حسن البنا، رحمه الله «وإذا كان الإسلام قد انتقص من حق المرأة فجعل شهادتها نصف شهادة الرجل، فهو مجاراة للطبيعة، فطبيعة المرأة تجعلها تعيش بعاطفتها لا بعقلها، والعاطفة تتأثر، وتمتاز المرأة بعاطفتها ولا تمتاز بعقلها، وهي مع ذلك سريعة النسيان، لذا لم يساو الإسلام بينها وبين الرجل في الشهادة وعلل ذلك بقوله تعالى «أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى») (حسن البنا: حديث الأربعاء ص369). ولا يكتفي زعيم الأخوان المسلمين بذلك، بل يسعى لحرمان المرأة من ممارسة مهنة المحاماة، ومن الترشيح، والانتخاب، فيقول «أما ما يريد دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة فنرد عليهم بأن الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين» (المصدر السابق ص370).. وهكذا نرى أن البروفيسور لا يمكن أن يقبل سيادة حكم القانون، في إطار الشريعة، لأنها لا توجد في الشريعة، ولكن هل يقبل آراء الشيخ حسن البنا مؤسس حركة الأخوان أم يرفضها؟! فإذا قبلها، فلا يحق له أن يتحدّث عن المساواة، وسيادة حكم القانون.. وإذا رفضها، فإن ذلك دليل لا يقاوم، على أن تحكيم كتاب الله وسنة رسوله، الذي دعانا له بروفيسور جعفر وكأنه أمر بديهي، غير متفق عليه، حتى بين الإسلاميين أعضاء التنظيم الواحد!! الصحافة 9/12/2007
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
من فرعون الى طالوت لقران والديموقراطية
عبد الوهاب الافندى
روى ابن عبد ربه أن الحجّاج أتى بامرأة من الخَوارج فقال لأصحابه: «ما تَقُولون فيها.. قالوا: عاجِلْها القَتْلَ أيَها الأمير قالت الخارجية: لقد كان وزراءُ صاحبِك خَيْرًا من وُزرائكَ يا حجّاج قال لها: ومَن صاحبي قالت: فِرْعون استشارهم في موسى فقالوا: أرجِه وأخاه». وفي رواية مشابهة أن رجلاً ادعى النبوة أيام المأمون فأشار عليه جلساؤه بقتله، فقال الرجل للمأمون: إن فرعون كان أعدل منك وملؤه كانوا خيراً من ملئك. فعندما جاءه موسى بدعواه في النبوة طلب منه البرهان قبل أن يحكم عليه، وعندما استشار ملأه قالوا له: أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين. أما أنت فتحكم قبل أن تسأل البرهان، وملؤك يشيرون عليك بالتعجل في الحكم بدل التريث. فتراجع المأمون عن قراره بالإعدام الفوري للرجل. ويذكرنا هذا بأن السلف كانوا يقرأون القرآن قراءة متكاملة، وأيضاً بأن السجال حول الإسلام والديمقراطية يتعامل بصورة مجتزأة مع النصوص، خاصة حين يقتصر الاستشهاد في كثير من الأحيان على آيتي الشورى في القرآن، ويغفل عن مواضع أخرى كثيرة ذات صلة في القرآن والحديث. ومن أمثلة ذلك كثرة الاستشهاد بالحديث المشكوك فيه: «ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة،» مع اهمال آيات سورة النمل التي تحدثت عن ملكة سبأ ونهجها في الشورى بدون إنكار لأيٍّ من ذلك. ومن هذا المنطلق نود أن نبدأ هنا بتقديم هدية مجانية لمعارضي الديمقراطية من السلفيين بالإشارة إلى موضعين في القرآن يبدو من ظاهرهما أنهما يدعمان التفسير الذي يرى تضارباً بيّناً بين الديمقراطية وقيم الإسلام. أما الموضع الأول فهو الآيات 246-249 من سورة البقرة التي تتحدّث عن طلب بني إسرائيل إلى أحد أنبيائهم أن يبعث لهم ملكاً لقيادتهم في الجهاد في سبيل الله. وحين استجيب إلى طلبهم، اعترض ممثلو المجتمع على شخص الملك بحجة أنه غير مؤهل لتولي المنصب بسبب وضعه المالي والاجتماعي المتدني نسبياً في بني إسرائيل. ولكن النبي رفض هذا الاعتراض الجماعي، مذكّراً القوم بالاختيار السماوي للرجل. وحين خرج الملك المعين -طالوت- على رأس جيشه، وضع للجند اختباراً حين نهى أفراد الجيش العطشى عن الشرب من نهر اعترضهم، وحين شرب غالبية الجند من النهر قام بطردهم من الجيش واكتفى بالأقلية التي اتبعت أوامره. فهذه الحكاية تشير بوضوح إلى أن رأي الغالبية لم يكن له اعتبار في أمرين مهمين، هما القيادة السياسية-العسكرية وعضوية الجيش. أما الموضع الثاني فهو الآية 154 من سورة آل عمران التي ورد فيها: «وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر شيء؟ قل إن الأمر كله لله. يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا». ففي هذا الموضع ينتقد القرآن هؤلاء المعارضين لاتهامهم الرسول صلى الله عليه وسلم ضمناً بأنه لا يشركهم في اتخاذ القرار، ويرد عليهم رداً حاسماً: إن الأمر كله لله. وفي كلا الموضعين يبدو أن القرآن تعامل مع حالتين وقفت فيهما القيادة الدينية ضد شريحة مهمة من أهل الرأي، فدعمها الوحي وانتقد بوضوح حجج وموقف المعارضين، حتى حين كانوا يمثلون رأي الغالبية. ولكن التأمل الأعمق يشير إلى خطأ هذه القراءة. ففي القضية الأولى نجد أن ممثلي بني إسرائيل هم الذين طلبوا من النبي اختيار القيادة السياسية بمحض إرادتهم، وجاء الوحي مستجيباً لطلبهم. فلو أنهم اختاروا الملك بأنفسهم بدون طلب توليته عبر الوحي لما ثارت هذه القضية أصلاً. وبما أنهم طلبوا مشورة الوحي كما فعلوا في قصة البقرة، كان يجب عليهم أن يمتثلوا. وحتى هنا فإن النبي لم يقل لهم فقط إن الله اصطفى طالوت عليهم بقرار سماوي، بل فسّر لهم ذلك بأن لطالوت مؤهلات بدنية وعقلية تجعله الأصلح للمنصب، وأن اعتبارات الثروة والمكانة الاجتماعية ليست هي كل شيء في هذه القضية. وزاد النبي فأعطاهم آية تتمثّل في عودة التابوت المحمول من الملائكة لرفع الروح المعنوية وتأكيد الدعم السماوي المباشر لجهادهم العادل. في المسألة الثانية، وهي تتعلّق بالمداولات التي وقعت بعد هزيمة أُحد، حين احتج البعض على قرار الخروج لملاقاة العدو، وكانوا يريدون القول بأن الهزيمة وقعت لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستمع لنصيحتهم بالبقاء داخل المدينة، فإن القرآن يذكّر المعترضين بأن النصر والحياة والموت كلها بيد الله: «قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم». وقد كان قرار الخروج وواقع الهزيمة تدبيراً إلهياً: «وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور». ولا بد من التذكير بأن الخروج إلى أُحد كان قراراً «ديمقراطياً» كما هو مشهور، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يريد الخروج، ولكنه انصاع لإرادة الأغلبية التي أشارت بذلك في المداولات المفتوحة التي سبقت المعركة. إذاً، فإن الفئة المعترضة لم تكن تدافع عن الديمقراطية ورأي الأغلبية، بل بالعكس، كانت تجادل بأن يكون لها هي موقع متميّز في اتخاذ القرار لا يؤهلها له سند شعبي ولا رجاحة رأي معروفة ولا إخلاص مشهود به. والمشهور أيضاً أن آية «وشاورهم في الأمر» قد نزلت بعد واقعة أحد مباشرة مما يفنّد تحديداً أي استنتاج أن استشارة النبي لأصحابه كانت خطأً كما ادعت هذه الفئة. ومن هنا فإن هذه الآيات مجتمعة تؤكد على قيم تؤيد الديمقراطية من شورى مفتوحة واستئناس برأي الأغلبية. ولا بد من ملاحظة أن الواقعتين أعلاه تتميّزان أولاً بوقوعهما في وقت نزول الوحي، وثانياً بتعلقهما بشأن حربي. والمعروف أنه حتى في الديمقراطيات الحديثة فإن الأمور العسكرية، خاصة في جوانبها الميدانية، لا تخضع بالكامل للاعتبارات الديمقراطية. إضافة إلى ذلك فإن وقت نزول الوحي حالة خاصة لا تتوافر فيما عداها. على سبيل المثال فإن المعارضة لحكم سليمان وداؤود عليهما السلام قد تكون معارضة للنبوة أكثر منها معارضة سياسية واختلاف اجتهاد، ولكن ليس في كل حال. ومع ذلك فقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من حالة معارضة سياسية من أصحابه ولم يعتبرها هو خروجاً على الدين. حدث هذا في قصة أسرى بدر التي نزل الوحي فيها مؤيداً للرأي المعارض، وواقعة الحديبية التي عالجها بالحكمة (بناءً على مشورة إحدى زوجاته)، وقصة غنائم حنين التي عالجها بالحوار والإقناع. ولكن القراءة المتعمقة للواقعتين تؤكد أنها (بالرغم من هذين البعدين، أي استمرار الوحي والطبيعة العسكرية للقضايا الخلافية) تؤيد حجج المنادين بالديمقراطية وليس العكس. فمثلاً نجد أن طالوت لم يفرض على الكل ما يمليه الالتزام العسكري في الجيوش قديماً وحديثاً بإصدار أوامر حاسمة بعدم الشرب من النهر، وإنما أعطى من شاء الخيار في الشرب من عدمه، ومن ثم الاستمرار في الجيش أو مفارقته. وهكذا كان الحال في الغزوات في العهد النبوي، حيث لم تكن هناك عقوبة مالية أو جسدية أو غيرها لمن يتخلّف عن الحملة، بل كان هناك قبول لأعذار المتخلفين الكاذبة، وفي حالات نادرة عقوبات أخلاقية بالمقاطعة أو الحرمان من المشاركة في غزوات قادمة. في ما يتعلق بواقعة أحد فإن الشورى كانت الأساس قبل المعركة (مثلما كان الأمر قبل بدر: «أشيروا عليّ أيها الناس!»)، وتم التأكيد عليها بعدها. ولم يكن النكير على المنافقين الذين جأروا بالشكوى من اقصائهم من المشاركة في القرار إلا تأكيداً لهذا المعنى، فهذه المجموعة كانت تطالب بوضع خاص يتميّز عن بقية المؤمنين الذين تمت مشاورتهم كما أسلفنا، فإذا كانت الشورى والاستئناس برأي الغالبية مأموراً بها في إدارة العمليات العسكرية وفي وقت نزول الوحي، فمن باب أولى أن تكون هي السبيل في غير ذلك من الأوقات والظروف. إن التأكيد في هذه الآية على أن «الأمر كله لله» هو تأكيد على حقيقة لا جدال فيها، وهي أن القرار النهائي بشأن الكون وما يقع فيه هو للمولى عز وجل، ولا يفهم من ذلك أن حق اتخاذ القرار منزوع من العباد، إذ أن الجدال هنا كان بين النبي وبين فئة من أهل الشقاق، وقد ورد في آية سبقت هذه في نفس السياق في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس لك من الأمر شيء»، أي في ما يتعلّق بمصائر العباد وهدايتهم أو هلاكهم. أما الأمر بمعنى المشاركة في اتخاذ القرار في الشأن العام، فهو للأمة بمجملها، وليس كما يوحي تعبير «ولي الأمر» الذي يستخدمه البعض لتبرير استبداد الفرد أو الأسرة بالأمر من دون المؤمنين. وتنسف هذه الخلاصة الحجة القائلة بوجود تعارض ومقابلة بين «حكم الله» و«حكم الشعب»، لأن الله سبحانه وتعالى أوكل الحكم في الدنيا للبشر، وابتلاهم بذلك، حتى في وقت نزول الوحي وفي حضور الأنبياء، لينظر كيف يعملون. والمسألة الخلافية هنا هي هل تحتاج الأمة إلى وصاية من قلة تدعي أنها هي الناطقة باسم السماء، أم أن الأمر متروك للأمة تتداول فيه بما تراه؟ الثابت عند جمهور أهل السنة هو أن الأمر متروك لإجماع الأمة. ذلك أن القرآن يرفض وجود طبقة من الأحبار والرهبان تحتكر السلطة الدينية، ويؤكد المسؤولية الشخصية لكل فرد مع المسؤولية الجماعية للأمة. وإذا كان الأمر للأمة بعمومها، فإن هذا لا بد أن يترجم بآليات ترتضيها الأمة بغالبيتها لاختيار القيادات ومحاسبتها والتأكد من سيرها على هدى الشرع.. وقد فهم السلف الصالح ذلك حين تخيروا الآليات المتاحة وقتها لتحقيق هذا الغرض، وليس صحيحاً كما يزعم البعض أن ممارسات الخلافة الراشدة كانت تقوم على الحكم الفردي وفرض الخليفة بقرار فوقي. فبيعة أبي بكر تمت بعد حوار مفتوح شارك فيه غالبية أهل المدينة، ولم يخالف في الأمر إلا قلة معزولة. وبنفس القدر فإن ترشيح أبي بكر لعمر لم يكن قراراً فردياً ولم يفرض على الأمة، بل إن أبابكر لم يزد على أن رشح عمر، وعرض ذلك على جمهور المسلمين فوافقوا عليه في حياته بعد مداولات طويلة، ثم أمضوا الأمر بعد موته. ونفس الأمر في ما يتعلّق باختيار عمر للمجلس السداسي، إذا كان الأمر اقتراحاً لو شاء من جاء بعده لرفضوه. ولم يتم اختيار الخليفة من بين الستة إلا بعد مشاورات مكثّفة شملت كل رجال (ونساء) المدينة لاستطلاع آرائهم في الأصلح للقيادة. وينسحب هذا الأمر ليس فقط على قرارات اختيار الخليفة، بل كل قراراته التنفيذية التي كانت تتعرّض للمناقشة في برلمان الأمة (المسجد النبوي)، وكان يكفي اعتراض فرد واحد (أحياناً امرأة نجهل اسمها حتى اليوم كما كان الحال في محاولة عمر تحديد المهور) لتعويق أو إلغاء القرار. ومن هذا المنطلق فإن الاعتراضات على الديمقراطية تسقط. ولا يعني هذا أن الديمقراطية بشكلها الغربي لا بد أن تطبق إسلامياً وألا بديل عنها. فليس هناك ما يمنع الأمة الإسلامية (وغيرها من أمم العالم) من ابتداع نهج يجسّد قيم الإسلام بصورة أفضل. ولكن الثابت هو أن الديمقراطية هي اليوم أفضل المعروض، خاصة وأنها جربت في بيئات كثيرة، وتم تطويرها لتلافي عيوب التطبيق. ولا بد أن نضيف هنا أنه لولا الديمقراطية الحديثة ومزاياها لما تنبّه كثير من المسلمين إلى وجود بديل عن الاستبداد، وهو ما نوّه به الشيخ رشيد رضا حين كتب في عام 1906 رداً على قارئ سأله لماذا لا يسمى الحكم الدستوري حكم الشورى يقول: «ولا تقل أيها المسلم إن هذا الحكم (الدستوري) أصل من أصول ديننا، فنحن قد استفدناه من الكتاب المبين وسيرة الخلفاء الراشدين لا من معاشرة الأوروبيين والوقوف على حال الغربيين، فإنه لولا الاعتبار بحال هؤلاء الناس لما فكرت أنت وأمثالك بأن هذا من الإسلام». وقد صدق الشيخ، فإن التنبّه إلى هذا الجانب من تعاليم الإسلام جاء نتيجة للإطلاع على مزايا الديمقراطية الحديثة، بينما نجد العلماء في معظم بلاد الإسلام ما زالوا يؤيدون كل أصناف الاستبداد، وهو أمر ذكر به رضا قراءه، حين أشار إلى حكام مراكش وغيرهم ممن كانوا يكثرون تلاوة سورة الشورى دون أن توحي إليه بمقاومة الاستبداد الذي يؤيدون. فلتكن البداية إذاً من الديمقراطية بشكلها الحالي، ثم لنفتح الباب لتطويرها عبر التجربة الحرة واجماع المسلمين. ومن كان عنده اقتراح أفضل فليطرحه لنا حتى تتداول الأمة حوله، هذا بالطبع إذا سمح لها المستبدون بذلك.
الصحافة 11/12/2007
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
سلامات وشكرا يا الكيك على هذا البوست..
يقول د. الطيب زين العابدين:
Quote: ويكفى أن نشير الى تجربة انتفاضة أبريل 1985م، اذ لم تستطع قوى التجمع الوطنى الديمقراطى التى قادت الانتفاضة بزخم ثورى، أن تلغى القوانين الاسلامية التى استنها الرئيس نميرى، لأن قاعدة واسعة من الشعب كانت تدافع عنها فى مناخ من الحرية والتعددية، مع أن نميرى نفسه كان يمكن أن يتنازل عنها اذا ما ضغطت عليه الدول الكبرى فى تلك المرحلة الحرجة. |
حكومة الفترة الإنتقالية كانت تحت قيادة أناس اتضح فيما بعد أنهم جبهجية [سوار الدهب رئيس المجلس الإنتقالي، الجزولي دفع الله رئيس الوزراء وحسين سليمان أبو صالح في مجلس الوزراء] وهؤلاء أيدوا النميري عندما فرض تلك القوانين، فهل ينتظر أحد أن يقوموا بإلغاء تلك القوانين؟؟ العبارة الصحيحة هي أن الشعب السوداني قد تم تضليله للإبقاء على تلك القوانين.. ويبدو أن كثيرا من الإسلاميين قد أدركوا الآن ذلك الخطأ الذي ذهب بالسودان إلى الهاوية.. ولم يكن هناك مناخ حرية وإنما هو جهل وتضليل.. وهذه الحقيقة تتضح كل يوم جديد..
ياسر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: Yasir Elsharif)
|
شكرا اخونا ياسر الشريف انقطعت فترة طويلة عن البورد ... سوف اواصل هذا البوست لك ولامثالك من المثقفين المهتمين بالشان السودانى وقضاياه .. كتب لى اخ مصرى من المهتمين بالشان السودانى قائلا اننى اوثق لاهم القضايا السودانية وانه يستعين بسودانييز اوون لاين فيما يكتب عن السودان ويرجونى الا انقطع عن البورد والاهتمام بكافة القضايا وعلى هذا المستوى .. ربنا يهيىء للسودان الاستقرار ويبعده عن اجرام المجرمين والمتامرين اللهم امين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سجال ..الديموقراطية ورافضيها ... الطيب زين العابدين يرد على جعفر شيخ ادريس (Re: الكيك)
|
تعقيب على بروفسير جعفر شيخ إدريس لا تفرغوا الإسلام من محتواه (4-4) د. عمر القراي
إذا وضح مما ذكرنا في الحلقة الماضية ، أن الشريعة الإسلامية ، على عظمتها ، وحكمتها ، ومناسبتها ، تماماً ، لوقتها لم تحتو على الديمقراطية ، ولا تتفق مع حقوق الإنسان ، وليس فيها سيادة حكم القانون ، بل ليس فيها مساواة للمواطنين ، في الدولة الواحدة ، أمام القانون ، ولا فرصة سلام مع الدول غير المسلمة المجاورة ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل يمكن أن نستغني عن كل هذه المفاهيم ، في الدولة الحديثة ، لنعيش في انسجام مع الشريعة ؟! فإذا كانت الإجابة بالنفي ، فإن السؤال الآخر هو : هل في ديننا الإسلامي ، مستوى آخر يمكن أن نحقق في اطاره هذه المفاهيم الحديثة ، دون أن نفارق جوهر الإسلام ، ومقاصده الأساسية ؟ هذا المقال ، الذي أختم به نقاشي لأطروحة بروفسير جعفر شيخ إدريس ، يتجه إلى توفير هذا المعلومة ، وشرحها ، على أمل أن تحظى بنقاشات أخرى ، يمكن أن تزيد في إيضاح هذا الموضوع الهام في المستقبل . الأصول والفروع : نسمع كثيراً من الإسلاميين عبارة «تحكيم كتاب الله وسنة رسوله» ، والحق أن هذا المطلب غير ممكن التحقيق .. وذلك لأن الكتاب ليس مستوى واحد ، ولا السنة مستوى واحد . ولم يحدث في أي وقت ان طبق كل كتاب الله أو كل سنة رسوله .. فحين أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالقرآن المكي ، لم يكن القرآن المدني قد نزل . وحين نزل القرآن المدني طبق فنسخ القرآن المكي .. ولم يحدث ان طبق كل الكتاب كله قط . لهذا حق لنا ان نسأل من يدعونا الى تحكيم كتاب الله هل يقصد القرآن المكي ام القرآن المدني . ومعلوم ان القرآن المكي ثلثا القرآن ، والمدني ثلثه . وعدد السور المكية 82 سورة ، وعدد السور المدنية 20 سورة ، والسور المختلطة 12 سورة . ولقد بدأت الدعوة إلى الإسلام في مكة بآيات الإسماح، وهي الآيات التي حددت مهمة النبي الكريم ، في البشارة والنذارة ، ثم دعته إلى الصبر على كيد الجهلاء ، والإصرار على دعوتهم، والإعراض عن سفهائهم، مع تذكيره بحقائق الدين الكبرى، في أن الهداية من الله، فيجب ألا يتحسر على كفرهم وضلالهم، بل يواصل الدعوة منتظراً لأمر الله.. وقد حصرت مهمته العظيمة في قوله تعالى: «وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيرا ً» . وحين قابل قومه الدعوة بالإعراض، ذكره الله ان مهمته هي مجرد البلاغ، ومن ذلك قوله تعالى: «فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ » ، ودعاه إلى الصبر في العديد من الآيات ، مثل قوله تعالى: «فاصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون». وجاء أيضاً «واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور»، وقال تعالى: « فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون » . وجاء أيضاً « فاعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ».. ولعل كل هذه الآيات المكية، والعشرات من مثيلاتها، يمكن أن يلخصها مفهوم الدعوة بالتي هي أحسن، الذي جاء صراحةً في قوله تعالى: « ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ». هذا المفهوم الجوهري ، إنما يعتمد على حقيقة أن الإسلام في أصوله، يقدس الحرية الفردية، بصورة ليس لها مثيل، حتى أنه يبلغ في ذلك حد إعطاء حق الكفر!! قال تعالى: «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» .. في هذا المستوى اعتبر الناس جميعاً متساوون ، لأن أصلهم واحد ، لا تميزهم إلا القيمة التي يحققها احدهم ، قال تعالى في ذلك « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل إن أكرمكم عند الله اتقاكم » .. ومن مستوى المساواة جاءت المسئولية الفردية « ولا تزر وازرة وزر أخرى » أو « كل نفس بما كسبت رهينة » فلا يسأل رجل عن إمرأة يوم يقوم الحساب .. وبإقتفاء اثر القانون الأزلي ، الذي سير الكون ، جاءت سيادة حكم القانون « ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شر يره » .. من هذا المستوى من القرآن يمكن ان يشرع في الديمقراطية ، والمساواة بين الجنسين ، وبين المسلمين وغير المسلمين، وكافة الحريات ، وحقوق الانسان .. لهذا فإن هذا المستوى من القرآن ، هو أصول القرآن، ولقد أمرنا الله تعالى باتباعه في قوله تعالى « واتبعوا أحسن ما انزل اليكم من ربكم » . وإذ أصر القرشيون المتجبرون، العتاة، على الاعتداء على هؤلاء النفر المسالمين، وأصروا على عبادة الحجر الأصم، وقطع الرحم، ووأد البنات، وفعل المنكرات ، فقد أساءوا التصرف في الحرية، وقابلوا الإحسان بالإساءة، فكان لابد من مصادرة حريتهم.. ولما لم يكن هنالك قانون لمصادرتها، فقد صودرت بحد السيف، فأمر النبي بالهجرة إلى المدينة، وأذن له بالقتال، ونسخت بذلك آيات الإسماح، والصبر، والدعوة بالتي هي أحسن ، واحكم الجهاد وما تبعه من احكام الوصاية التي صادرت الحرية ومنعت المساواة وخالفت القيم الديمقراطية كما ذكرنا في الحلقة الماضية . ولما قام القرآن المدني ، في جملته ، على الوصاية ، اعتبر فروع القرآن ، التي لم تكن لتنزل ، الا لمناسبتها لذلك الوقت .. و لقد وقع التفصيل، في الماضي على فروع القرآن، و اعتمد عليها التطبيق، وقامت عليها دولة الإسلام في المدينة ، في القرن السابع الميلادي . و لقد كانت آيات الفروع مناسبة تماما لذلك المجتمع، وحكيمة كل الحكمة في تدريجه و تطويره. أما أصول القرآن ، فإنها لم تفصل و لم تطبق في الماضي ، وإنما ادخرت لوقتنا الحاضر، لأنها كانت أكبر من المستوى البشري ، في القرن السابع الميلادي، وهي حتى تحفظ في القرآن دون تطبيق ، نسخت بآيات الفروع، التي قام عليها التشريع في ذلك الوقت .. و لما كان معظم قرآن الأصول قد حوته الآيات المكية، ومعظم قرآن الفروع ، قد حوته الآيات المدنية، فانه يصح القول بأن القرآن المكي في جملته يمثل أصول القرآن، بينما يمثل القرآن المدني في جملته فروعه. و من ابرز علامات القرآن المكي، ان الخطاب وقع فيه بلفظ « يا أيها الناس» أو «يا بني آدم» ما عدا سورة البقرة والنساء .. في حين يقع الخطاب بلفظ «يا أيها الذين آمنوا» في عموم القرآن المدني، ما عدا سورة الحج.. و السبب في ذلك ان اصول القرآن قد طرحت للبشرية جمعاء. بينما قدمت فروعه لأمة معينة، هي أمة المؤمنين، في القرن السابع الميلادي .. أن الاختلاف بين القرآن المكي و المدني ، ليس اختلاف زمان أو مكان النزول، وإنما هو اختلاف مستوى المخاطبين، من حيث الرشد الذي يناسب المسئولية ، والقصور الذي يستوجب الوصاية .. والتداخل بين القرآن المكي و المدني «ووجود آيات أصول مدنية، و آيات فروع مكية» سببه تدرج تطور المجتمع .فلقد هاجر المؤمنون الأوائل إلى المدينة، ونزل عليهم القرآن في أول عهدهم بها، يخاطبهم بما كان عليه حالهم في مكة فجاءت بعض السور المدنية الأولى، في مستوى الأصول .. وفي فتح مكة ، وما بعدها نزلت آيات تعتبر مكية، وان كانت في مستوى الفروع .. و لكن على العموم ، نجد ان القرآن المكي، قرآن مسئولية و حرية ، و هو يعتبر أرفع من القرآن المدني الذي هو على العموم قرآن وصاية. حكمة النسخ: ومع أن القرآن المكي هو الأرفع، و هو الأصل، إلا أن القرآن المدني، قد نسخه، وظل الأمر على ذلك إلى يوم الناس هذا !! والسؤال هنا هو: هل يجوز أن يكون ما هو ارفع في ديننا منسوخ بما هو دونه ، ثم يظل هذا النسخ إلى الأبد؟! وما الحكمة في إنزال آيات الأصول، إذا كانت ستظل منسوخة ، ولن تطبق مطلقا ؟! إن الجواب الوحيد لهذه الأسئلة ، هوان النسخ ليس إلغاء ، وإنما هو أرجاء .. فالآيات المنسوخة هي الأصل، وهي إنما أرجئت إلى أن يجيء وقتها، و تجيء المجموعة البشرية القادرة على تطبيقها.. والحكمة في إنزال الأصول في البداية ، هي أقامة الحجة على الناس ، بتقديم ارفع المستويات إليهم، حتى إذا ظهر لهم عجزهم عن المستوى الرفيع، سحب منهم، و استبدل بالمستوى الذي يناسبهم .. قال تعالى «رسلا مبشرين منذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل و كان الله عزيزا حكيما». فالآيات الناسخة ، رغم أنها أدنى مستوى من المنسوخة، إلا أنها حكيمة كل الحكمة، ومناسبة تماما لوقتها، وهي بذلك ، خير لهم من الآيات الرفيعة التي لا يطيقونها، و لهذا وقع النسخ، قال تعالى: «ما ننسخ من آية أو ننسئها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير» يقول الأستاذ محمود: فكأن الآيات التي نسخت،إنما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة إلى أن يحين حينها، فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، و تصبح بذلك هي الآية المحكمة، وتعتبر الآية التي كانت محكمة في القرن السابع منسوخة الآن .. وهذا هو معنى حكم الوقت.. للقرن السابع آيات الفروع، وللقرن العشرين آيات الأصول .. وهذه هي الحكمة ، من وراء النسخ . فليس النسخ، إذن، إلغاء تاما، وإنما هو أرجاء يتحين الحين و يتوقت الوقت«محمود محمد طه ، الرسالة الثانية من الاسلام . الخرطوم 1967». تطوير الشريعة: والانتقال من آيات الفروع ، إلى آيات الأصول ، هو ما اسماه الأستاذ محمود محمد طه، تطوير الشريعة الإسلامية . إن السبب في اختلاف شرائع الأمم ، هو اختلاف مستوى المجتمعات .. فعلى الرغم من أن الدين واحد هو الإسلام، فان شرائع الأمم اختلفت لاختلاف مستوياتها .. ويكفي في الدلالة على ذلك ، أن نذكر باختلاف شريعة الزواج ، بين آدم عليه السلام ، و محمد عليه الصلاة و السلام .. فقد كان تزويج الأخ من أخته ، شريعة إسلامية لدي آدم ، وعندما جاء محمد صلى الله عليه و سلم، أصبح الحلال في هذه الشريعة، حراما، وشمل التحريم ، ما هو أبعد من الأخت، كالخالة ، والعمة ، والأخت من الرضاعة ، إلى غير ذلك .. يقول الأستاذ محمود، عن هذا الموضوع « فإذا كان الاختلاف الشاسع بين الشريعتين ، سببه اختلاف مستويات الأمم، و هو من غير أدنى ريب كذلك، فان من الخطاء الشنيع ان يظن إنسان إن الشريعة الإسلامية ، في القرن السابع تصلح بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن العشرين ، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع ، عن مستوى مجتمع القرن العشرين، أمر لا يقبل المقارنة و لا يحتاج العارف أن يفصل فيه تفصيلا، وإنما هو يتحدث عن نفسه . فيصبح الأمر، عندنا ، أمام إحدى خصلتين: أما أن يكون الإسلام كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف ، قادرا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين ، فيتولى توجيهه في مضمار التشريع ، وفي مضمار الأخلاق، وأما أن تكون قدرته قد نفدت ، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع القرن السابع ، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين أن تخرج عنه ، وان تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات، وهذا ما لا يقول به مسلم .. و مع ذلك ، فان المسلمين غير واعين لضرورة تطوير الشريعة، وهم يظنون أن مشاكل القرن العشرين ، يمكن أن يستوعبها ، وينهض بحلها، نفس التشريع الذي استوعب ، ونهض بحل ، مشاكل القرن السابع، وذلك جهل مفضوح»«المصدر السابق». النص والاجتهاد :
| |
|
|
|
|
|
|
|