دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف
|
مفاكرة الجمعة مؤتمر الهويّة والحرب الأهلية: لا علمية الأطروحات وعنصريتها الشيخ عمر الأمين [email protected]
ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف 3/1/1 مدخل: الأسبوع قبل الماضي قامت مجموعة من أصدقاء هذه المفاكرة ممن يتتبعون مقالاتها ويغيرون عليها أن يروها مقصّرة في أداء واجبها التنويري بلوم وتقريع شديد حول تصنيفي لأوراق مؤتمر الهويّة، فأجمعوا على أنني أعليت من شأن أوراق لا قيمة لها وأدرت النظر عن أكثر هذه الأوراق خطورة ألا وهي ورقة دكتور الباقر العفيف وعنوانها (من نحن؟ هل من تفسير سايكولوجي للحرب الأهلية؟). ولم أكد أدافع عن موقفي ذاكراً أنها ورقة صغيرة لا تزيد عن (5) صفحات مكتوبة ببنط (16) عاطلة عن التوضيب المنهجي ومبتسرة الأفكار، فلا تبدو أكثر من مجرّد فرضيات تفتقد الترتيب الصحيح، لم يبذل فيها ما يكفي من الجهد لتحويلها من مجرّد فرضيات إلى حقائق متثبّت عنها. وبقليل نقاش حول تلك الورقة اتضح أننا نتكلّم عن ورقتين مختلفتين. فقد قيل لي إن ورقة د. العفيف تحتوي على أكثر من ثلاثين صفحة، كانت مكتوبة باللغة الإنجليزية ترجمها الأستاذ المرحوم الخاتم عدلان، نشرت مؤخراً على الشبكة الإلكترونية. والحال هذه فقد كان لازماً عليَّ قراءتها، فحدث ذلك بمساعدة الأخ الأستاذ الباحث المجد خالد كمتور الذي نسخها وأرسلها إليَّ عن طريق البريد الإلكتروني، وعنوانها (أزمة الهويّة في شمال السودان/ متاهة قوم سود.. ذوو ثقافة بيضاء). والحق يقال، فهي ورقة مطوّلة عبارة عن بحث مصغّر يقع في (32) صفحة مكتوبة ببنط (15)، مما يمكننا من التقرير أن ما قدّمه الباحث لمؤتمر الهوية كان يمثل جزءاً بسيطاً عبارة عن مختارات منتقاة بعناية مما أرادنا الباحث أن نطلّع عليه ونقرأه في ذلك المؤتمر. 3/1/2: وقد تبادر إلى ذهني بعد قراءة الورقة استشكال يدور حول عدم تفهمي الدوافع التي حدت بالباحث إلى حجب هذه الورقة في كمالها ذاك، فيختصرها إلى تلخيص غير موفٍ ولا معبّر عن أفكارها الأساسية فتساءلت: ما الذي قاد د. العفيف إلى كتابتها باللغة الإنجليزية؟ وإلى من كان يوجّه خطابه فيها؟ وما الذي دعا الأخ المرحوم الخاتم عدلان إلى ترجمتها ومتى كان ذاك؟ وإلى من كانت موجّهة تلك الترجمة التي لم نطلع إلا على مختصر منها مؤخراً في مؤتمر الهويّة بعد أربع سنوات من كتابتها بافتراض أن ترجمتها كانت تسبق وفاة مترجمها ما بين سنة إلى سنتين على أقل تقدير، فهل يوجد في هذه الورقة ما يستحق الحجب والإخفاء؟
توجّهت بهذه الأسئلة للدكتور الباقر العفيف لاستجلاء بعض الأمر كي أطرح بعيداً عن أفكاري تساؤلات جانبية موفراً جهدي لما يفيد النظر في لب الأطروحة، لكن ما أفادني به يثير المزيد من التساؤلات والحيرة إذ قال: «كتبت هذه الورقة العام 1999م بالولايات المتحدة الأمريكية. وقدّمت ضمن فعاليات مؤتمر انعقد في جامعة ثاوثويست في نفس العام». فتساءلت في نفسي مباشرة: أهي تجليات علمية تنزلت عليه فجأة؟ ولنقل نعم بافتراض حسن النية، فهل قام بتنوير أهله بهذه (التجليات العلمية) التي تبدت له في غربته كي يؤصل لوجودهم وهويتهم الحقيقية حديثة الإكتشاف؟ ثم عنّ لي سؤال آخر: وبالمناسبة إلى أي قبيلة سودانية ينتمي د. العفيف؟ وتأتي إجابتان: (هو جعلي، من مدينة الحوش. وأول مرة يطالع أهله من الجعليين وأشياعهم من (المستعربين) هذه التجليات كان ذلك هذا العام 2007 م، وقد حدث ذلك بمركز الخاتم عدلان، ثم في صحيفة (السوداني) بعد ذلك في معرض تغطيتها لفعاليات ذلك المؤتمر وفي كلتا الحالتين لم يكن التنوير إلا من خلال تلك الوريقة المبتسرة ذات الصفحات الخمس).
ولم تزايلني تلك الحيرة رغم ما قاله لي أحد فعاليات مركز الخاتم عدلان وهو الأخ الأستاذ محمد الفاتح العتيبي أن هنالك كتاباً جديداً صدر حديثاً عن مركز الخاتم عدلان طرحت فيه هذه الدراسة بعد توسيع أطروحتها. 3/2: تطفيف موازين البحث 3/2/1: ويبدو أن الدكتور العفيف قد تخيّر لهذه الأطروحة مسلكاً صعباً للتنقيب عن حقيقة الحرب الأهلية في السودان بين شماله وجنوبه، وذلك باختيار علم النفس كأداة ووسيط حامل للمعلومات، فقد قرر الباحث ومنذ البداية وقبل أن يدخل الى حقل مباحثه، أن الحرب الأهلية في جنوب السودان ما هي إلا صراع نفسي بين هويتين، الأولى تدّعي عروبتها رغم لونها الأسمر الذي ربما يميل أحياناً إلى قليل من البياض، وهذا هو لون بشرة سكان شمال السودان. والهوية الثانية هي لأفارقة سود يستعرّ الشمالي العربي المسلم من الإنتماء إليهم، وذلك لسواد لونهم ويسكنون جنوب السودان. ومنذ قولة (تيت) نلاحظ التحامل، إذ لا يعترف الباحث دون أي تبريرات علمية بحقوق تمظهر الهوية بالنسبة للمجموعة الأولى فيحرمهم مجاناً بعد أن يتهمهم بجريمة الإنتحال. فهم عنده -دون تدقيق مباحثي كافٍ- ينتحلون هوية كاذبة يستعيرونها من مركز تهفو إليه نفوسهم دون أن يمتلكوا اعترافاً بالإنتماء صادر من ذلك المركز، وفي ذلك تبدو فرضيّة أطروحته نافية لواقع مستقر تاريخياً يتصف بأنه معزز بأشجار أنساب، ولسان (هويوي) ناطق بالإنتماء، ودين تم التزامه لأول مرة في تاريخ الإسلام طواعية دون قهر سلطوي، وآداب عريضة ينضح إناؤها بهذه الهويّة بصورة عفوية طبيعية لا تمكّن قوة عنصر الأصالة في بنائها من تسريب أي شكل من أشكال اتهامات بالإنتحال، لكونها آداب فريدة لا تجد لها مثيلاً في أي ثقافة عربية إسلامية مشابهة. وكل ذلك ليس على سبيل الحصر، إذ يمكننا أن نعدد ما يضيق المكان عن حصره من أوصاف وخصال (هويوية) عربية إسلامية أصيلة تجدها في السودان منفردة لا طبيق أو مثيل لها عندما يدّعي د. العفيف أنهم مركز للهويّة مجاناً دون أي مبررات غير ما هو مشاهد، مما نظن أنه يحتاج لفحص وسبر غور مباحثي علمي ومتبصّر ونزيه، لا يتعامى نتيجة ميول سياسية أو آيديولوجيّة أو نتيجة ليد سفلى ممتدة للمانحين من أصحاب الأغراض المبيّتة الدنيئة كما هم أساطين التخريب الثقافي و(الكلام ليك يا المنطط عينيك).
وبالطبع فلا يمتلك د. العفيف كباحث تجاوز كل ذلك القدر من الحقائق مجاناً حتى ولو كان استقراراها أحادي الجانب عند أهلها فقط، إذ تقتضي الأمانة العلمية أن يبرر كيفيّة تملك (هويّة انتحالية) مع كل هذا القدر من موجبات الأصالة. لكنه يضرب بكل ذلك عرض الحائط مرتكزاً على ثلاث نقاط يظن أن فيها القول العلمي الفصل وهي: 3/2/1/أ: تخريجات موسوعة (ويبستر) حول مصطلحي الهويّة والتماهي إضافة إلى تخريجات بعض الباحثين الغربيين حول المصطلحين.
3/2/1/ب: عدم اعتراف مركز الهويّة العربية في الخليج العربي بالسودانيين كعرب إذ يصفونهم كبقية أقرانهم الأفارقة بأنهم عبيد.
3/2/1/ج: استناده إلى عنصر لون البشرة كمحدد أساسي لتصنيف الهوية في السودان. 3/2/2: وقد كان منتظراً من د. العفيف بحكم ما حاز عليه من إجازة علمية، مضافاً إليها انتماؤه الإثني، أن يكون الأكثر جدارة حتى من موسوعة (ويبستر) لخدمة أطروحته ورفدها بما تستحق من كشوفات حول عملية (انتحال الهوية) هذه، خاصة أن أهله الجعليين موجودون لم ينقرضوا، ومعهم كذلك أبناء عمومتهم من الشايقية والمناصير والرباطاب والشكرية والبطاحين والكواهلة... إلخ. وآدابهم مبذولة من تاريخ وقصص وأحاجٍ وأشعار وأغانٍ ومديح صوفي وأسفار وهجرات ومعارك... إلخ... إلخ. ووسط ذلك الكم الهائل المتراكم لا يعدم د. العفيف أن يتتبع عناصر الانتحال، خاصة إذا ما لاحظنا أنه يتمنهج بأسلوب التحليل النفسي لبناء (الشخصية/ الهوية).
لكن، ومما لا يمكننا أن نقبله من باحث لنيل درجة الماجستير، وبالطبع نفجع أن نراه ظاهراً في ورقة د. العفيف مع كونه يحمل إجازة علمية رفيعة، أن نمرر له هذا الكسل المباحثي في اعتماده على تخريجات موسوعة (ويبستر) أو قاموسها في تعريفاته للهويّة. والناظر بعيون علمية لا يتغشاها التحامل السياسي أو الأيديولوجي أو اليد السفلى على أيامنا هذه يلاحظ بوضوح أن أطروحات العولمة تتجه إلى القفز فوق حواجز الهوّية لأجل خلق هويّة (كزموبولتية) أي عالمية. وأن ذلك لا يستند إلا على عنصر واحد هو تحرير التجارة العالمية الذي يتجه إلى تصفيف مختلف الفعاليات على نطاق العالم تحت بند (قابل للتسويق) وبالطبع قابل لسيطرة المنظمة التجارية إنما بأرجل سياسيين آيديولوجيين تعتبر ذات تمرد أوروبي عتيق ضد كل ما هو ثقافي، قد لا يتسع مجالنا لتتبع تمظهراته الفكرية والايديولوجية والسياسية، لكنه معترف به درجة أنه يمكننا أن نقرر أن بحوث الهويّة في الغرب تعاني من دخن كبير مشهود ومشموم يجعلها تتحاشى الثقافي نتيجة امتلاء تاريخها بكل ما يهمها السكوت عنه من حماقات طفولة ومراهقة ثقافية تاريخية كمثلية الإسكندر الأكبر الجنسية، وسواها من الكثير مما لا تعمى عن ملاحظته عيون صغار باحثينا، ولا أنوفهم في شم رائحتها، فما بالي الكبار.
3/2/3: ولأن الفائدة العلمية العامّة مطلوبة فإننا مجبورون أن نقرر في أساس ورقة د. العفيف فنكتب في أسفل صفحتها الأولى ما يلي:
يعاد البحث للباحث من أجل إعادة النظر في ما يأتي: 3/2/2/أ: تركيب مصطلح (هويّة) في اللغة العربية مع مصطلح (آيدينتتي) في اللغة الإنجليزية لعدم التطابق مما يؤدى إلى استنتاجات ظاهرة الإختلال. فالمصطلح الإنجليزي مستخرج من الفعل (آيدينتفاي) ومعناه المباشر تحتويه عملية مركّبة عن مجهول يحتاج لتعريف وتشخيص مفتوح غير مؤطر ولا محدد قد يتمدد أو يتقلّص تبعاً لمجهولية ما يراد التعريف به. ولا أعرف ما إذا كان مجال عمل المصطلح الإنجليزي يقتصر على المجهولات البشرية أم يشتمل على مجهولات أشياء أخرى. أما مصطلح هويّة العربي فهو فريد ومتفرّد، إذ أنه مستخرج من الحرف (هو) الذي لا يشير إلى مجهول من أصوله الأصيلة التي تشير إلى اسم للجلالة كما في قوله -جلّ وعلا- (الله لا إله إلا هو الحي القيوم...) أو قوله (شهد الله إنه لا إله إلا هو...)، لذلك فهو يشير من مبدئه إلى استعارة تكريم تطلق لأجل كائن بشري، فيصير معرّفاً تعريفاً أولياً من حيث التكريم الإلهي، نعمد بعدها في إطار معرفة المزيد من تفاصيل هذا التكريم فنتساءل: إلى أي الكرام ينتمي هذا الإنسان؟ وهذا هو سؤال الهويّة مما لا بد أن يكون قد واجهه د. الباقر العفيف يوماً ما، خاصة عندما تقدّم إلى قوم كرام ليخطب ابنتهم العزيزة المكرّمة. ذلك اليوم الذي ما كان من الممكن أن تنفعه فيه أي إجابة تستند إلى مصطلح إنجليزي فنقول (إنه من حملة شهادة الدكتوراة) ذلك أن هذه إجابة خارج الموضوع لا يلبث المتسائل أن يضيف إليها: ومن هو هذا الحامل لشهادة الدكتوراة: فنقول إنه سوداني من مدينة الحوش واسمه د. الباقر. فإذا كان آباء سيدتنا القادمة الفضلى لا يعرفون حينها تفاصيل سكان مدينة الحوش، فإن ذلك يصير تعريفا ناقصا يدفعهم إلى أسئلة أخرى لا يهدأ لهم بال حتى يتعرّفوا على تفاصيل تفاصيلها، فتصدر براءة بموجب تحديد ومعرفة آبائه الكرام، وأهل أمه الأكرمين، بعد أن يتم التباري في ذكر مناقبهم السمحة، ويضاف إليها لزوماً مناقب أبناء عمومته وأبناء خؤولته، ذلك أن سيدتنا الفضلى القادمة إنسانة كريمة الأرومة والمحتد، لا نقبل في حقها بأي صورة من الصور أي شكل من أشكال المرمطة الثقافية، فأي ثقافة تحتوي ذلك غير الإسلاموعربية سوى ثقافتين الإسلامية الفارسية والإسلاميّة التركيّة قبل تغريبها؟ أما دون ذلك مما تم التعرّف عليه حديثاً عن إثبات للشخصية وبطاقتها مما يتلامس بقوة مع المصطلح الإنجليزي، فذلك شأن يخص دولة الحداثة وهويتها التي تتوافق مع مناظيرها السياسية والآيديولوجية. وذلك بداهة لا يتقاطع مع هوية تبحث عن أصالة الإنتماء الثقافي واحتداد الأرومة وارتباط كل ثقافياً -أي دينياً وأخلاقياً وعُرفياً وإثنياً- مع مثل عليا مما لا يرى تمثلاتها د. العفيف وأضرابه من العاكفين على عبادة شيطان دولة الحداثة المتحررة مواطنتها من هويّة لا يحبون دخول حضرتها من حيث حقوق التمظهر الثقافي، بل يدخلون عليها من باب الدولة وإشكالياتها المتلتلة.
3/2/2/ ب: النظر في شأن ما يقوله في اعتماد السودانيين على اللون الأزرق (الأسود) كحدود لهويّة تقع أسفل هويتهم، وكيفية انسجام ذلك مع توصيفهم لشيخهم الأكبر الشيخ محمد الهميم ود عبدالصادق حينما يقول شاعرهم:
دق الخيمــــــة، جــاء بإشــــارة دخل الأزرق قــــــط مــــا رارا ورا اب يعقوب وعجيب مقدارا كثير من تركش وقال دي حـارة أو قول شاعرهم: أبواتي الأمنــــا الزينيـن الزرق فرســان الديــــن القدلو بي سر تـاج الدين ماء زمزم شربو بالهيـن أو كيفية أن يطلقوا على واحد من كبار مشايخهم وهو الشيخ عبدالباقي العركي بـ(أزرق طيبة).
3/2/2/ج: توضيح مدى ارتباط ذلك بعصاب نفسي مع قوله برفض السودانيين لـ(الحلب) ذوي الإبيضاض اللوني ليوضح لنا نفسياً موجبات هذا التناقض بين عصاب نفسي ينفر من اللون الأسود ويدعي الإبيضاض ثم يأتي وينفر أيضاً من اللون الأبيض عند الحلب. ومن هم الحلب الذي يعنيهم السودانيون؟ وهل يعتبر الشوام القاطنون في ما يقول إنه مركز للهويّة منهم؟
لكن يهون كل تنكب في هذه الورقة لموجبات البحث العلمي المعروفة عندما يطالعنا افتئات كبير وعريض ومجافاة الحقيقة، فيبرز عدم الإخلاص الثقافي أو العلمي واضحاً لا يحتاج إلى كثير تثبت. فقد ضرب د. العفيف عرض الحائط بأدب عريض ثر ومتنوّع كتب عن الهوية السودانية العربية المسلمة، وما أورده منه مما استند إليه من أقوال كالجاحظ مثلاً فقد أورده دونما أمانة علمية، فبتر منه ما يتوافق مع أرومة سودانية سمراء قالها الجاحظ صراحة كدليل على أن (السودان) من أوسط العرب. وذلك ليس ضعفاً أو عدم أمانة علمية وحسب، بل يتصل بتطرّف سياسي وآيديولوجي ينم عن خيانة ثقافية عظمى، وهذا هو ما أود أن أحشده في الحلقة القادمة، لأن شأن ذلك التحامل أن ينفي ويضحد ما يظنون أنه أطروحة علمية فيحيلها إلى تحيّز آيديولوجي سافر لا نقبله ولو على مستوى بحوث الخريج الجامعي ناهيك عن درجة الماجستير أو الدكتوراة.. والله من وراء القصد وعليه التوكّل، إنه نِعم المولى ونِعم النصير.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: khalid kamtoor)
|
شكراً كثيراً للدكتور والباحث والفنان التشكيلي الشيخ عمر الأمين وحتى لا يعتقد البعض أن الباحث الدكتور الشيخ عمر الأمين على علاقة بالمشروع الحضاري الذي سقط، نؤكد أنه سوداني صميم وباحث مدقق لا ينتمي لأي من التيارات السياسية القائمة الآن.. فقد كان شيوعياً في سابق عهده أيام الطلب.
الأمر الثاني: هو تفكيكه للمغالطات التي جاء بها الباقر عفيف في متن دراسته، وسبق أن أشرنا إلى أن هذا البحث كُتب ليعرض في سوق العالم الغربي، وخرج من صلب مركز الدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة، وهذه وحدها كافية بالنميمة فيه... ولكم ودي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: khalid kamtoor)
|
شكرا لك خالد على عرض هذا المقال الرصين.
Quote: وحتى لا يعتقد البعض أن الباحث الدكتور الشيخ عمر الأمين على علاقة بالمشروع الحضاري الذي سقط، نؤكد أنه سوداني صميم وباحث مدقق لا ينتمي لأي من التيارات السياسية القائمة الآن.. فقد كان شيوعياً في سابق عهده أيام الطلب. |
أراك قد استبقت أهل الكسل العقلي و الاتهامات المعلبة بكلامك هذا و لكن لا تظنن أنك أغلقت عليهم الباب فالاتهام بالكوزنة أسهل أسلحتهم و شعارهم (عنز و لو طارت). أرجو أن يجد كلام الأستاذ/ الشيخ عمر الأمين حطه من النقاش.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: doma)
|
شكراً دوما والعوض على المشاركة.. ولكم مودتي
قلت ذلك لأننا بإزاء أشخاص لا يقرأون ما يكتب، بل تجدهم يصنفون الأشخاص من قبل أن يقرأوا ما كتبوه... فلا يمكن لإنسان أن يجنح لتصنيف الآخرين وإلصاق الأوصاف بهم دون أن يقرأ ما كتبوا وما قالوا في مسألة ما من المسائل.........
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: khalid kamtoor)
|
,Dar Khalid Omer, and Doma Thanks for sharing Omer's article. You wrote وأدرت النظر عن أكثر هذه الأوراق خطورة ألا وهي ورقة دكتور الباقر العفيف وعنوانها (من نحن؟ هل من تفسير سايكولوجي للحرب الأهلية؟). ولم أكد أدافع عن موقفي ذاكراً أنها ورقة صغيرة لا تزيد عن (5) صفحات مكتوبة ببنط (16) عاطلة عن التوضيب المنهجي ومبتسرة الأفكار، فلا تبدو أكثر من مجرّد فرضيات تفتقد الترتيب الصحيح، لم يبذل فيها ما يكفي من الجهد لتحويلها من مجرّد فرضيات إلى حقائق متثبّت عنها. وبقليل نقاش حول تلك الورقة اتضح أننا نتكلّم عن ورقتين مختلفتين. فقد قيل لي إن ورقة د. العفيف تحتوي على أكثر من ثلاثين صفحة، كانت مكتوبة باللغة الإنجليزية ترجمها الأستاذ المرحوم الخاتم عدلان، نشرت مؤخراً على الشبكة الإلكترونية. والحال هذه فقد كان لازماً عليَّ قراءتها، فحدث ذلك بمساعدة الأخ الأستاذ الباحث المجد خالد كمتور الذي نسخها وأرسلها إليَّ عن طريق البريد الإلكتروني، وعنوانها (أزمة الهويّة في شمال السودان/ متاهة قوم سود.. ذوو ثقافة بيضاء). والحق يقال، فهي ورقة مطوّلة عبارة عن بحث مصغّر يقع في (32) صفحة مكتوبة ببنط (15)، مما يمكننا من التقرير أن ما قدّمه الباحث لمؤتمر الهوية كان يمثل جزءاً بسيطاً عبارة عن مختارات منتقاة بعناية مما أرادنا الباحث أن نطلّع عليه ونقرأه في ذلك المؤتمر.
3/1/2: وقد تبادر إلى ذهني بعد قراءة الورقة استشكال يدور حول عدم تفهمي الدوافع التي حدت بالباحث إلى حجب هذه الورقة في كمالها ذاك، فيختصرها إلى تلخيص غير موفٍ ولا معبّر عن أفكارها الأساسية فتساءلت: ما الذي قاد د. العفيف إلى كتابتها باللغة الإنجليزية؟ وإلى من كان يوجّه خطابه فيها؟ وما الذي دعا الأخ المرحوم الخاتم عدلان إلى ترجمتها ومتى كان ذاك؟ وإلى من كانت موجّهة تلك الترجمة التي لم نطلع إلا على مختصر منها مؤخراً في مؤتمر الهويّة بعد أربع سنوات من كتابتها بافتراض أن ترجمتها كانت تسبق وفاة مترجمها ما بين سنة إلى سنتين على أقل تقدير، فهل يوجد في هذه الورقة ما يستحق الحجب والإخفاء؟
توجّهت بهذه الأسئلة للدكتور الباقر العفيف لاستجلاء بعض الأمر كي أطرح بعيداً عن أفكاري تساؤلات جانبية موفراً جهدي لما يفيد النظر في لب الأطروحة، لكن ما أفادني به يثير المزيد من التساؤلات والحيرة إذ قال: «كتبت هذه الورقة العام 1999م بالولايات المتحدة الأمريكية. وقدّمت ضمن فعاليات مؤتمر انعقد في جامعة ثاوثويست في نفس العام». فتساءلت في نفسي مباشرة: أهي تجليات علمية تنزلت عليه فجأة؟ ولنقل نعم بافتراض حسن النية، فهل قام بتنوير أهله بهذه (التجليات العلمية) التي تبدت له في غربته كي يؤصل لوجودهم وهويتهم الحقيقية حديثة الإكتشاف؟ ثم عنّ لي سؤال آخر: وبالمناسبة إلى أي قبيلة سودانية ينتمي د. العفيف؟ وتأتي إجابتان: (هو جعلي، من مدينة الحوش. وأول مرة يطالع أهله من الجعليين وأشياعهم من (المستعربين) هذه التجليات كان ذلك هذا العام 2007 م، وقد حدث ذلك بمركز الخاتم عدلان، ثم في صحيفة (السوداني) بعد ذلك في معرض تغطيتها لفعاليات ذلك المؤتمر وفي كلتا الحالتين لم يكن التنوير إلا من خلال تلك الوريقة المبتسرة ذات الصفحات الخمس).
I wonder if you can post here or send me the original English copy with its footnotes of Dr.Bagir Alafif's paper of أزمة الهويّة في شمال السودان/ متاهة قوم سود.. ذوو ثقافة بيضاء You can drop me a line at [email protected] Regards
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: Mahjob Abdalla)
|
يا دوما ورقة الباقر العفيف حرقة فشاش الجلابه (على قول اميرنا الكوشي) لذا اكثر من زول عامل برد عليها
Quote: فوووووق لعنايه تراجي وجماعتها شكرا للناقد ولكمتور |
ياترى فكرتي لمذا التآمر وصل حد حذف بكري ابوبكر ليها؟؟؟!!! كدي انت حسه يا كمتور يجب لينا ورقة الباقر العفيف في عضمها وبعدين نناقشك. او جيب لينك ليها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: Tragie Mustafa)
|
أزمة الهوية في شمال السودان متاهة قوم سود... ذوو ثقافة بيضاء
ما وددت أن أكون غير ذلك الرجل الذي يرقد تحت جلدي والذي لابد أن أعرفه
بقلم د. الباقر العفيف ترجمة الخاتم عدلان
خلفية الدراسة : تشتعل في السودان حرب هي الأطول عمراً في أفريقيا، وربما في العالم كله. استمرت هذه الحرب ثلاثين عاماً، قتل فيها 1،9 مليوناً وشرد 5 ملايين. وقد قتل منذ أن استولت هذه الحكومة على الحكم عام 1989م، بسبب الحرب والمجاعة الناتجة عنها، عدد أكبر مما قتل في الحروب البوسنية والرواندية والصومالية مجتمعة . وفي محاولاتهم لفهم جذور الحرب، اتبع المؤرخون والمحللون السياسيون السودانيون، منهجين. الجيل الأول من هؤلاء ركز بصورة أساسية علي القوى الاستعمارية، ومخططاتها المحسوبة لفصل الجنوب عن الشمال ببذر بذور الكراهية في الجنوب. و لكن وبعد أكثر من أربعة عقود من الحكم الوطني ما تزال الحرب قائمة فحسب، بل تفاقمت, واتخذت سيماؤها الدينية الكامنة, شكلها الواضح والمكتمل. وقد دفع هذا الواقع أجيالاً جديدة من السودانيين للتفكير في الأمر بصورة مختلفة. وهنا برز المنهج الثاني، لينقل مركز الاهتمام من العدو "الخارجي" إلى العدو "الداخلي" عندما يحاول الوصول إلى جذور الحرب، باعتبارها نزاعاً بين الهويتين الرئيسيتين في البلاد: الشمال والجنوب. وهناك الآن اتفاق واسع بين السودانيين، شماليين وجنوبيين علي حد سواء، أن بلادهم تعاني أزمة الهوية الوطنية. وأصبحت الحرب بالنسبة لهم وبصورة جوهرية، حرباً للرؤى، كما عبر عن ذلك تعيراً بليغاً، فرانسيس دينق ، الشخصية السودانية الجنوبية البارزة . وقد سعى الشمال الذي يشعر بأنه عربي ومسلم، إلى تعريف البلاد كلها على هذا الأساس. وهو لم يكتف فقط بمقاومة كل محاولات القطاع غير العربي لتوصيف السودان باعتباره جزءً من أفريقيا السوداء . بل بذل جهداً خارقاً لاستيعاب الجنوب من خلال سياسات التعريب والأسلمة، وسعى إلى تحويل الهوية الجنوبية إلى انعكاس مشوه للذات الشمالية. ولكن الجنوب، الذي نظر إلى المشروع كنوع من الاستنساخ الثقافي، قاوم هذه الاتجاهات دون هوادة. ولكن هذه الدراسة تذهب خطوة أبعد، وتبحث، على مستوي اعمق، عن جذور هذه الحرب.أنها تسلط الأضواء على النزاع داخل الهوية الشمالية التي تقود إلى النزاع الأكبر بين الهويتين الجنوبية والشمالية.أنها تحاول الكشف عن العلاقة بين الانشطارات التي سببتها النخبة الشمالية الحاكمة علي مستوى البلاد، وتصدعات النفس الشمالية ذاتها، وتحديد ما إذا كانت الأولى، هي في نفس الوقت ، عرضاً للثانية وعلامة عليها. وهكذا فإن هذه الدراسة تحاول إنجاز تحول أخر، بنقل الانتباه من الازدواجية الخارجية التي تميز الانقسام الشمالي/ الجنوبي، إلى الازدواجية الداخلية التي تعاني منها الذات الشمالية.
تعريف الهوية:- يعرف قاموس وبستر الجديد، للغة الإنجليزية، الهوية باعتبارها "تماثل الخصائص الجينية الأساسية في عدة أمثلة أو حالات أو تماثل كل ما يحدد الواقع الموضوعي للشيء المعين: تماثل الذات، الواحدية ، تماثل تلك الأشياء التي لا يمكن التمييز بين آحادها إلا بخصائص عرضية أو ثانوية. الإدراك الناتج عن التجربة المشتركة، هو أحد حالات هذا التماثل. أو وحدة الشخصية واستمرارها: وحدة وشمولية الحياة أو الشخصية أو حالة التوحد مع شئ موصوف، مزعوم أو مؤكد أو حيازة شخصية مدعاة" . إذا شئنا تحديد هوية الشخص، فربما نحتاج لمعرفة اسمه أو اسمها، لونه، خلفيته الاثنية أو الثقافية، والموقع الذي يحتله وسط الجماعة. هناك، إذن ، وجهان للهوية، أحدهما أصلي، بدائي، ومعطى، والأخر مصنوع ومختار . فالهوية في نفس الوقت ذاتية وموضوعية، شخصية واجتماعية، ومن هنا طبيعتها، المتفلتة ، العصية على التحديد. ويملك الأفراد تشكيلة واسعة من الهويات الممكنة. إذ يمكن أن تكون لهم هويات عرقية أو اثنية، قومية أو دينية، أو حتى هويات خاصة بالمدن التي يقيمون فيها . ويرتبط الحديث حول الهويات الشخصية، ارتباطا وثيقاً، بمجال الخطاب الجينوي. ومع إن الخصائص البيولوجية هي خصائص موضوعية، إلا أن الهويات الفردية تعني شيئاً أكثر من ذلك. فهي تشتمل على دلالة ذاتية لوجود مستمر وذاكرة منسجمة ومترابطة منطقياً . الدلالة الذاتية للهوية هي الإحساس بالوحدانية والاستمرارية الشخصية ، الإحساس بالانتماء إلي منظومة راسخة من القيم التي تكون الاتجاه العقلي والأخلاقي للمرء، وتعطى الأفراد خصائصهم المتفردة. إنها تمكن الفرد من تحقيق حياة ممتلئة وكثيفة. في مثل هذه اللحظات يمكن أن يقال أن الشخص حقق ذاته أو ذاتها. وصار "متصالحاً مع جسده أو جسدها". وعلى وئام مع بيئته أو بيئتها ومع نظامه أو نظامها الرمزي. ولكن الذي يقوم هذه الدلالة الذاتية، هو الخصائص الموضوعية، والتي يمكن التعرف عليها من قبل الآخرين. الهوية دينامية أيضاً ومستجيبة للظروف المتغيرة. وهي قابلة للتحول مع التقنيات والنظم الثقافية والسياسية المتغيرة . وهي استراتيجية. فالناس يتبنون هويات معينة لأسباب استراتيجية مثل "التمكين" وقبل كل هذه العوامل وبعدها، هناك الإرث التاريخي لأجدادنا الذي "يحط بثقله في تحديد من نحن وماذا يمكن أن نكون . الهوية إذن إدعاء للعضوية يستند إلى كل أنواع النمطيات مثل العرق، الجنس ، النوع، الطبقة ، الطائفة، الدين، الثقافة ... الخ . إنها الطريقة التي يعرّف بها الناس أنفسهم، ويعرفهم بها الآخرون، على أساس من الأنماط السابقة .
تعريف التماهي :-Identification قاموس العلوم الاجتماعية يعرف التماهي باعتباره "الميل للتقليد،و/ أو عملية تقليد سلوك شئ ما. وربما يدل كذلك على عملية التمازج العاطفي، أو حالة هذا التمازج الناجزة، مع هذا الشيء ذاته." . وقد استخدم س. فرويد، هذا المصطلح في علم النفس، لأول مرة عام 1899. إذ قال أن "التماهي هو التعبير المبكر عن الرابطة العاطفية مع شخص أخر". يتماهي الفرد مع شخص أخر "كمثال للذات " بوصفه شخصاً يريد أن يكونه، أكثر مما يريد أن يمتلكه. وهذا ما يجعله مهماً في سلوك المجموعات. وهو يفسر حاجة الفرد ومقدرته علي الارتباط، وقوة الروابط العاطفية. المشار إليها، كخصائص جوهرية للبشر. وهو يذكر في نفس الوقت" الأصل الطفو لي لعملية التماهي، ويفترض أن هذا الأصل الطفولي هو الذي يفسر بقاءها على مستوي اللاوعي، وقوتها كعامل تحفيزي، وتظاهراتها اللاعقلانية والنكوصية في بعض الأحيان. ولكن التماهي بالنسبة إليه ليس مجرد محاكاة، بل هو بالأحرى تمثل يستند إلى سلسلة سببية متشابهة .
ن. سانفورد يعارض مقولات فرويد ويقول أن التماهي، علي عكس ما يقول فرويد ، هو عملية واعية ، وأن المحاكاة هي اللا واعية، ويعرف ج. ب سيوارد، التماهي بأنه "استعداد عام لمحاكاة سلوك أحد النماذج" ويتحدث فرويد عن ثلاثة مستويات للتماهي. وتقول فرضيته أن التماهي يتخذ أولاً شكل الارتباط العاطفي بشيء ما. ثم يصبح بديلاً عن الرابطة الجنسية، وكأنما يتخذ شكل امتصاص أو تشرب أو تمثل الشيء في الذات. ثم يؤدي في النهاية إلى بروز إحساس جديد بخاصية مشتركة مع شص أخر ، أو مجموعة أخري. ويميز شيلر بين نوعين من أنواع التماهي، هما الايديوباثي أي الذاتي؛ والهتروباثي، أي الغيري. يحدث التماهي الايديوباثي من خلال "اضمحلال الذات الأخرى وامتصاصها من قبل الذات المتماهية"، بينما في التماهي الهتروباثي "تتضاءل الذات المتماهية أمام هيمنة وجيشان النموذج" .
تكوين الذات: المفهوم الكلاسيكي يقول أن الذوات الاجتماعية تمثل معطيات أصلية، أو بدئية، موروثة مثل الخصائص البيولوجية. ولكن هذا المفهوم يخلي الساحة الآن لمفهوم أخر هو أن الهويات تتكون وتصنع اختيارياً ، وهي في حالة مستمرة من التكوين . ولكن اختيارات الناس لهوياتهم محكومة ومحدودة بالعوامل المعطاة مثل ملامحهم، أسرهم ، جماعاتهم، تواريخهم، ثقافاتهم...الخ, تكوين الشخصية ، بالنسبة لاريكسون ، عملية يستطيع الفرد من خلالها : "أن يحكم على نفسه على ضوء الطريقة التي يعتقد أن الآخرين يحكمون عليه من خلالها، مقارنين اياه بأنفسهم، وينمط حيوي بالنسبة لهم، ولكنه في نفس الوقت يحكم على الطريقة التي يتصورنه بها على ضوء تصوره هو لذاته بالقياس إليهم،وبالقياس إلى الأنماط التي أصبحت هامة بالنسبة إليه" .
"يقول خبراء علم النفس الاجتماعي، إن تماهي الفرد مع أية مجموعة، مثلاً، الطبقة الاجتماعية، أو الجماعة العرقية أو الاثنية،هو في الغالب الأكثر شمولاً من كل العمليات النفسية المرتبطة مباشرة بالسلوك الاجتماعي .التماهي مع المجموعة المهيمنة مثلاً يحدث عندما "يستبطن (الفرد) منظومة الأدوار الخاصة بالمجموعة، ويعتبر نفسه أحد أفرادها" وهذا يحدث من خلال التمثل الثقافي. ويعبر ديفيد ليتين عن ذلك بقوله: "التمثل الثقافي شبيه باعتناق الدين، وكما توضح أدبيات التحولات الدينية بصورة قاطعة، فإن ما يعتبر مسلكاً برغماتياً بالنسبة لهذا الجيل،يعتبره الجيل الذي يليه أمراً طبيعياً. ولذلك فإن الأطفال الذين ينشئون في ظل الجماعات الدينية، سيلجأون، مدفوعين بضغوط السلطات الدينية، إلى توبيخ آبائهم على ما يعتبرونه مسلكهم المنافق" . وهذا الرأي يشابه مفهوم دي فواه عن الهويات المصنوعة" كهويات منحرفة". فهي تدل بالنسبة إليه "على نفعية بلغت مبلغ الشطط" وتمثل علامة على "الاختلال الداخلي" ، الذي يحدث في شروط اجتماعية محدده تمارس تأثيراً هائلاً على الإدراك الذاتي للهوية الشخصية . فرغم طبيعتها المصنوعة، فإن "مكونات الفرد تستطيع إدراج الفرد في سياقها بل حتى استعماره" .
في ثنايا تكوين الهويات الاجتماعية، هناك دائماً مجموعة داخلية، تمثل الهوية الاجتماعية المبتغاة، ومجموعة هامشية، تحتاج إلى الموازنة حتى تتماهى مع النموذج. وفي مثل هذه الحالات، فإن الأولى تمثل اللب، وتحتل مركز الصدارة من تلك الهوية الاجتماعية، بينما تمثل الثانية الدائرة الخارجية وتحتل الهامش. الأولى مستحوذة على الامتيازات، والثانية تبحث عن ذلك. الأولى تملك صلاحيات إضفاء الشرعية على الثانية أو حرمانها منها. ويلجأ شارلس تيلور إلى استخدام مصطلحي "التعرّف، والغيرية". ويقول أن هويات البشر "تتكون جزئياً بالتعرف أو غيابه، أي بالانتباه إلى غيرية الآخرين" .
وعلى سبيل المثال، بينما تمثل الطبقات الوسطي والعليا، مركز الهوية الأمريكية، فإن السود واليابانيين ...الخ الأمريكيين يمثلون تخوم هذه الهوية. ويحتكر المركز الحق في الاعتراف أو عدمه، بهذه المجموعات. ويمكن للتوتر بين المركز والتخوم أو الهوامش أن يظل مكتوماً، أو فاعلاً علي مستويات أدنى في الأوقات العادية والسلمية. وتبدو عباءة الهوية وكأنما هي قادرة على نشر أجنحتها ومد ظلالها على كل المجموعات التي تكون الأمة. ولكن المركز يلجأ في لحظات التوتر إلي استغلال صلاحيات الاعتراف أو إساءة استخدامها. ويمكن حينها أن يسحب المظلة عن أية مجموعة هامشية إذا رأى أن الضرورة تستدعى ذلك. وقد حدث هذا بالفعل في الحرب العالمية الثانية، حينما تم احتجاز اليابانيين الأمريكيين في معسكرات الاعتقال، لأن ولاءهم لأمريكا صار موضع شك من قبل مركز الهوية الأمريكية، ويمكن الاستدلال على الأسلوب الانتقائي للمركز في استخدام صلاحيات الاعتراف وسحب الاعتراف، بأن الأمريكيين الألمان لم يتم اعتقالهم، بالرغم من أن ألمانيا كانت هي القوة الرئيسية في دول المحور الأوربية. ولذلك قرر المركز أن يسحب الاعتراف عن الأمريكيين اليابانيين أثناء الحرب، وإعادته إليهم بعدها. ويمكن أن تقول نفس الشي عن بريطانيا، حيث تمثل الهوية الإنجليزية مركز الهوية البريطانية. فمن الملاحظ أن مصطلح "إنجليزي" يستخدم كثيراً من قبل المجتمع الإعلامي ندما يكون المقصود "بريطاني"، وهو ما يسبب الضيق للوطنيين باسكوتلاندة وويلز. وتلاحظ الجماعات السوداء البريطانية أيضاً أن وسائل الإعلام البريطانية المركزية تطلق على الرياضيين الأفرو كاريبيين صفة "بريطانيين" عندما يكسبون الميداليات لبريطانيا، وصفة "كاريبيين" عندما يخسرون.هذه الأمثلة توضح التوترات بين المركز والهامش داخل كل هوية، كما تشير إلى ديناميات وعمليات الاعتراف وسحب الاعتراف التي تشتغل بين المركز والهامش.
تغيير الهوية:- مستنداً على نموذج ابتدعه توماس شيللنج، يحاول ليتين تفسير تحولات الهوية عن طريق "منظومات" السلوك وما يترتب عليها من "ميول". وتحدث منظومات السلوك عندما يتكون سلوك الناس أو أفعالهم مستندة إلى، ومدفوعة بتوقعاتهم لما يمكن أن يفعله الآخرون. وعندما تفكر أعداد كبيرة من الناس في المجموعة، أن أعضاءها الآخرين سيفكرون بطريقة معينة، وسيتصرفون وفق ذلك التفكير، فإن المجموعة"تميل" أو "تنتقل" فجأة من نظامها المعتاد قبل نمط السلوك الجديد، إلى نظام آخر جديد. ولتوضيح كيفية "ميل" المجموعات واستوائها يورد ليتين المثال التالي:" خذ حالة واحد أو اثنين من الأفرو –أمريكيين يشتريان منزلين بضاحية "بيضاء" مستقرة. فجأة تفكر العائلات البيضاء، وقد اندفعت كل منها بالخوف من أن تكون آخر أسرة بيضاء بالضاحية، في بيع منازلها. ولكن الأفرو أمريكيين هم وحدهم الراغبون في الشراء. وبسرعة خاطفة "تتحول" أو "تميل" الضاحية من بيضاء إلى أفرو- أمريكيين" .
تتحول الهوية بنفس الطريقة، أي تستوي وتنتظم في سياق متخيل . ويعطينا ديفيد ليتين، في دراسته الميدانية للجالية الروسية بأستونا، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتقلص حدوده، مثالاً واضحاً على تحول الهوية. وقد قام بشرح الجهود التي بذلها الأفراد الروس، وقد وجدوا أنفسهم غرباء وسط مجتمعات كانوا يهيمنون عليها في يوم من الأيام، للتأقلم مع الواقع الجديد. وقد اجتهد الروس باستونيا للحصول على الجنسية الأستونية. فبدأوا يدرسون اللغة الأستونية التي لم يشعروا بضرورة دراستها قبل انهيار الاتحاد، إذ كان الأستونيون هم المجبرون على دراسة اللغة الروسية. ويستنتج ليتين أن رغبة هؤلاء الناس في الحفاظ على سلامة عائلاتهم، وفي تفادي الإبعاد، أعطتهم حافزاً لتحويل الهوية. وهذا بدوره يضع الأساس لصنع هوية أستونية لأحفادهم، وهذا يعني إنهم كمجموعة، يتحركون نحو "انقلاب" هويتهم . تعيش المجتمعات عادة في توازن. وفي هذه الحالات تشعر الجماعات أن العالم ثابت ثباتاً مطلقاً. حينها تكون الهويات بمأمن من الشكوك، ولا تكون هناك حوافز للتغيير، ويشترك الجميع في تصور ضمني لمن يكونون. وتضطلع النخب الثقافية والسياسية، لكل مجموعة،بإصباغ المعني على هذا التوازن، بإنتاج المعتقدات، والمحاذير، والمبادئ ، والأساطير والنظم الرمزية. في هذه المرحلة يمكن وصف المجموعة بأنها حققت ذاتها، أي إنها تعيش في انسجام مع بيئتها، وتري العالم بأم عينها. ولكن الحوادث والاضطرابات يمكن أن تزلزل التوازن، وتشيع عدم الاستقرار وسط الجماعة، وتقود إلى أزمة هوية، وتدفع بعض الناس إلى استكشاف هويات جديدة. في هذه الحالة غالباً ما تنقسم النخبة الثقافية والسياسية إلى أولئك الذين يحاولون الدفاع عن الوضع القائم، وأولئك الذين يحاولون خلق منظومة جديدة، تحقق توازناً جديداً .
أبعاد الهوية :- ليس بمقدور أية نظرية منفردة، من النظريات التي تم تلخيصها فيما سبق، أن تفسر تعقيدات الهوية السودانية الشمالية، ولذلك تنشأ الضرورة لصياغة تركيبة منها جميعاً لتحقيق هذه الغاية. واستناداً إلى ما سبق، يمكن للمرء أن يضع اليد علي ثلاثة عوامل، تستطيع إذا ما تفاعلت مع بعضها البعض، أن تفسر كل هوية اجتماعية. العامل الأول هو تصور المجموعة لنفسها. العامل الثاني هو تصور الآخرين للمجموعة. العامل الثالث هو الاعتراف أو عدمه من قبل مركز الهوية بهذه المجموعة. إذا تفاعلت هذه العوامل الثلاثة بصورة منسجمة، أي إذا كان تعريف الناس لها مقبولاً و واقعياً.
وإذا كان مركز تلك الهوية يمحضها اعترافه، حينها يقال أن تلك المجموعة تعيش في توازن. وهنا تتقدم النخبة الثقافية والسياسية لإعطاء هذا التوازن معناه، مزودا إياه بمنظومة من المعتقدات، والقيود، والمبادئ ، الأساطير والنظام الرمزي. ويحاول النظام الرمزي إشاعة الانسجام في كل العالم المحيط بهذه المجموعة أو بمعني آخر، يحاول جعل العالم كله يبدو وكأنما ينبثق من الذات الجماعية للمجموعة، أو كأنما هو بعد واحد من أبعاد هويتهم. في هذه المرحلة يمكن وصف المجموعة بأنها صارت ذاتها، وأنها ترى العالم بعيونها أصالةً. أحد الأمثلة على الكيفية التي يشتغل بها النظام الرمزي، هو الكيفية التي أعادت بها الثقافات الغربية رسم صورة المسيح لجعله شبيهاً بالانجلو –ساكسون. وقد حدث هذا رغم حقيقة أنه يهودي، ولم يكن له بأي حال ما الأحوال شعر أشقر ولا عيون زرقاء. ومع ذلك كانت إعادة التركيب والصياغة هذه ضرورية من أجل تحقيق الانسجام في هوية البيض، لأن الناس يدركون العالم بصورة افضل، عندما يعبدون آلهاً يشبههم، وليش آلهاً غريباً عنهم.
ومن الجانب الآخر، إذا تفاعلت العوامل الثلاثة بصورة متناقضة، إي إذا كانت تصورات الناس لأنفسهم لا تنسجم مع الطريقة التي يعرفهم بها الآخرون؛ أو، وهذا أخطر الأمور؛ إذا كانت القوى المالكة لصلاحيات إضفاء الشرعية، لم تقبل تعريف الجماعة لنفسها، فإن هذه الجماعة توصف بأنها تعيش تناقضاً، وعدم انسجام. في هذه الحالة لا ينبثق النظام الرمزي من الذات الجماعية للجماعة، بل يكون مستعاراً في العادة من مركز الهوية التي تهفو إليها تلك الجماعة، وترغب أن "تكونها". هذه الشروط تعد المسرح لبروز تناقضات الهوية، ولزحف عدم الاستقرار إلى خلايا المجتمع، ولتفاقم أزمة الهوية حتى تسد عليه الأفق.
أزمة الهوية:- يمكن لأزمة الهوية أن تحدث علي المستويين، الشخصي والاجتماعي. على المستوي الشخصي، تنشأ الأزمة عندما تحين لحظة إحداث التوافق بين التماهيات الطفولية وبين تعريف جديد وعاجل للذات، وأدوار مختارة لا يمكن النكوص عنها . يضاف إلى ذلك أن الهوية الشخصية تقوم علي جهد يستمر كل الحياة، كما يقول اريكسون، والفشل في تحقيقها يسبب أزمة ربما تكون لها نتائج مدمرة على الأفراد . أما على المستوى الاجتماعي، فتنشأ الأزمة عندما يفشل الناس، وهم يصنعون هوياتهم ، في العثور على نموذج يناسبهم تماماً، أو عندما " لا يحبون الهوية التي اختاروها أو اجبروا على تبنيها" ولأن الهويات الاجتماعية يتم تكوينها عادة " من التشكيلة المتاحة من التصنيفات الاجتماعية، فإن ظهور الخلعاء يكون حتمياً" . كذلك يمكن أن تحدث الأزمة عندما يسود الغموض نظرة الناس إلى هويتهم، أو يفتقرون إلى هوية واضحة . وفى حالة أخرى يمكن أن تنشأ أزمة الهوية عندما يكون هناك تناقض بين هوية الشخص ونظرة الآخرين إلى الهوية ذاتها. وأخيراً يمكن أن توجد أزمة الهوية إذا كان مركز الهوية، أي الجهة التي تملك صلاحيات إصباغ الشرعية، لا تعترف بادعاءات الهامش.
عوامل الأزمة في شمال السودان:- من ضمن العوامل التي تسبب أزمة الهوية في أية جماعة، يمكن وضع اليد علي ثلاثة عوامل، تنطبق على السوداني الشمالي. أولاً هناك تناقض بين تصور الشماليين لذواتهم، وتصورا ت الآخرين لهم. فالشماليون يفكرون في أنفسهم كعرب، ولكن العرب الآخرين لهم رأي أخر، فتجربة الشماليين في العالم العربي، وخاصة في الخليج، أثبتت لهم بما لا يدع مجالاً للشك، أن العرب لا يعتبرونهم عرباً حقاً، بل يعتبرونهم عبيداً. وقد تعرض كل شمالي تقريباً للتجربة المريرة بمخاطبته كعبد. يمثل عرب الشرق الأوسط، وخاصة عرب الجزيرة العربية، والهلال الخصيب، لباب الهوية العربية التي تهفو أفئدة الشماليين إليها، وتطمح للانتماء إليها. فهؤلاء "العرب الأصلاء الأقحاح" يحتلون مركز هذه الهوية، ويتمتعون بصلاحيات إضفاء الشرعية أو سحبها من ادعاءات الهامش. ويمثل الشماليون، من الجانب الأخر، الدائرة الخارجية من الهوية العربية، ويحتلون الهامش ويتطلعون إلى إدنائهم للمركز، كعلامة من علامات الاعتراف. سحب الاعتراف عن أية مجموعة من قبل الأخريات، وخاصة إذا كانت هذه الأخريات يمثلن مركز الهوية، يمكن أن يلحق أثراً مؤذياً بهذه المجموعة . وكما قال شارلس تيلور: "يمكن أن يلحق بالشخص أو المجموعة من الناس، أذى حقيقي، وتشويه حقيقي، إذا عكس لهم المجتمع الذي حولهم، صورة عن أنفسهم، تنطوي على الحصر والحط من الكرامة والاحتقار . وقد كان المركز أبعد ما يكون عن الاعتراف بالشماليين عندما سماهم "عبيداً" ، وأبقاهم بالتالي،إذا استخدمنا مصطلح تيلور، "على مستوى أدنى من الوجود" . العامل الثاني في أزمة الهوية بشمال السودان، يتعلق "بالغموض" حول الهوية. وقد وقف الشماليون وجهاً لوجه أمام هذه الظاهرة، خاصة في أوروبا وأمريكا ، حيث يصنف الناس حسب انتماءاتهم الاثنية والاجتماعية. ففي عام 1990 ، عقدت مجموعة من الشماليين اجتماعاً بمدينة بيرمنجهام لمناقشة كيفية تعبئة استمارة المجلس، وخاصة السؤال حول الانتماء الاثني. فقد شعروا أن أياً من التصنيفات الموجودة ومن بينها "ابيض ، أفرو- كاريبي ، أسيوي، أفريقي أسود، وآخرون " لا تلائمهم.الذي كان واضحاً بالنسبة لهم إنهم ينتمون إلى "آخرون" ولكن الذي لم يكن واضحاً هو هل يحددون أصلهم "كسودانيين، أو كسودانيين عرباً ، أو فقط كعرب؟ ".و عندما أثار أحدهم السؤال : لماذا لا نؤشر على فئة "أفريقي-أسود" ؟ كانت الإجابة المباشرة هي: "ولكننا لسنا سوداً" وعندما ثار سؤال أخر لماذا لا نضيف "سوداني وكفى؟ كان الجواب هو:" "سوداني" تشمل الشماليين والجنوبيين، ولذلك لا تعطي تصنيفاً دقيقاً لوصفنا" ولوحظت ظاهرة الغموض حول الهوية كذلك في الشعور بالإحباط والخيبة الذي يشعر به الشماليون، عندما يكتشفون لأول مرة، أنهم يعتبرون سوداً في أوروبا وأمريكا. وتلاحظ كذلك في مسلكهم تجاه المجموعات السوداء هناك. إطلاق كلمة اسود على الفرد الشمالي، المتوسط ، كانت تجربة تنطوي على الصدمة. ولكن الجنوبيين يرونها مناسبة للمزاح، فيقولون لأصدقائهم الشماليين : "الحمد لله، هنا أصبحنا كلنا سوداً " أو "الحمد لله، هنا أصبحنا كلنا عبيداً" . مسلك الشماليين تجاه المجموعات السوداء بهذه البلدان، شبيه لمسلكهم إزاء الجنوبيين. وغالباً يطلقون عليهم كلمة "عبد" وقد أشار واحد ممن استطلعت أراءهم، إلى الافرو –كاريبيين كجنوبيين .
العامل الثالث من عوامل الأزمة يتعلق،" بخلعاء" الهوية، أو أولئك الذين لا يجدون موضعاً ملائماً داخلها. فالشماليون يعيشون في عالم منشطر، فمع إنهم يؤمنون انهم ينحدرون من " أ ب عربي" و" أم أفريقية" فإنهم يحسون بالانتماء إلى الأب الذي لا يظهر كثيراً في ملامحهم، ويحتقرون الأم، الظاهرة ظهوراً واضحاً في تلك الملامح. هناك انشطار داخلي في الذات الشمالية بين الصورة والتصور؛ بين الجسد والعقل، بين لون البشرة والثقافة، و بكلمة واحدة بين " الأم والأب". فالثقافة العربية تجعل اللون الأبيض هو الأساس والمقياس، وتحتقر اللون الأسود. وعندما يستخدم الشماليون النظام الدلالي للغة العربية والنظام القيمي والرمزي للثقافة العربية، فأنهم لا يجدون أنفسهم، بل يجدون دلالات وقيماً تشير إلى المركز. فالذات الشمالية كذات غائبة عن هذا النظام، ولا تُرى إلا كموضوع، من خلال عيون المركز، ومن هنا جاء " الخلعاء".
آثار الهوية الهامشية على النفسية الشمالية:- لا شك إن هذا الموقع الدون، كانت له آثاره على نفسية الفرد الشمالي، فعندما أفاق هذا الفرد، على إن الخصائص المعيارية، المثالية، لهذه الهوية، هي البشرة البيضاء، والشعر الناعم المرسل، والأنف الاقني المستقيم، وجد أنه يفتقر إلى بعض هذه الخصائص والصفات، واستشعر الحاجة للحصول عليها أو التعويض عنها، فصار مفهوماً أن اللون كلما مال إلى البياض، كلما صار الشخص أقرب إلي المركز، وكلما صار ادعاؤه بالانتماء العربي أكثر مشروعية. وعندما تتعثر الاستجابة لشرط اللون، كما هو بالنسبة لأغلب الشماليين، يحاول الفرد أن يجد ملاذاً أو مخرجاً في الشَعْر، للبرهان على أصله العربي؛ فكلما كان الشَعْر ناعماً، كلما كان الشخص أقرب إلى المركز . وعندما يفشل المرء في امتحان الشَعْر هو الأخر، يحاول أن يجد ملاذه الأخير في شكل الأنف، وكلما كانت قريبة من المعايير العربية للأنف، كلما كان ذلك أفضل، إذ إنها، على الأقل ستكون شاهداً على أصل غير زنجي.
إحساس باللون مصحوب بالحرج:- عندما يجد الفرد نفسه مفتقراً إلى ما يعتبره القسمات المعيارية، فإنه عادة ما يحاول التعويض عنها أو إكمالها. ولأن الزواج يعطي الأفراد فرصاً للتعويض والإكمال، فإن الفرد الشمالي المتوسط، يتطلع ويبحث عن الارتباط بآخر يكون قريباً من المثال في اللون والقسمات . فمثل هذا الاتحاد يعطي الفرد، رجلاً أو امرأة، فرصة للتعويض عن سواده )أو سوادها(، كما يعطيهما فرصة لتخليص أطفالهما منه. وفي دراستها الممتازة لقرية شمالية أطلقت عليها الاسم الوهمي "حفريات" توصلت جانيس بودي ،إلى مدى حدة وعي القرويين باللون. فقد عرفت منهم أن هناك تراتبية لونية،حسب الأفضلية "تتدرج من الأصفر، أي الفاتح،وتمر بدرجات أكثر دكنة تسمى "الأحمر" ، "الأخضر" ، و"الأزرق"" ثم تستطرد فتقول أن كلمة )أسود(" تستخدم دائماً للجنوبيين والأفارقة" .
و مع إن هذا المقتطف من "بودي" يبرهن على أفضلية الألوان الفاتحة وسط الشماليين، إلا أن ترجمتها الحرفية للاصطلاحات اللونية الشمالية، مثل أصفر ، أسمر ، أخضر، وازرق ، ربما تسبب بعض التشويش، إذا لم تشرح. ومن أجل شرحها، سأعيد صياغة عبارات "بودي" على النحو التالي: اللون الأول من حيث الأفضلية هو الأصفر ، وهذا هو معناه الحرفي، ولكنه يستخدم مع الأحمر للإشارة إلى البياض. اللون الثاني من حيث الأفضلية هو" الأسمر" وهذا يعني حرفياً الميل إلى الحمرة، ولكنه يستخدم لوصف تشكيلة لونية تتراوح من الفاتح إلى الأسمر الغامض. وهذه التشكيلة تشمل في العادة تقسيمات مثل "الذهبي" ، "القمحي" ، و"الخمري". اللون الثالث هو "الأخضر" ، ويستخدم كبديل مهذب عن كلمة "اسود" عندما يستخدم في وصف الشمالي الداكن اللون .وأخيرا،ً وآخراً "الأزرق" ولكنه يستخدم بالتبادل مع "الأسود" أي لون "العبيد".
إن الشمالي المتوسط ينظر إلي اللون الأسود كمشكلة تستوجب الحل. ومع أن الإناث يتعاملن معها مباشرة باستخدام الأصباغ، إلا أن الرجال يتعاملون معها بطريقة غير مباشرة أي الارتباط بأنثي فاتحة اللون . ولكن وبصرف النظر عن الشعور بالرضى الذي يوفره هذا الإجراء التعويضي والاستكمالي للفرد، إلا أنه يظل باقياً. ما يزال قدر كبير من القلق يفرزه الشعور الملازم للفرد بأنه يحمل معه أينما ذهب ذلك اللون الخطأ. ومن أجل مقاومة هذا القلق يجب توظيف ميكانزمات دفاعية ملائمة. وهنا يصبح اللون الأسمر هو المعيار، ويعطي اللون الأسود اسماً أخر. ولتفادي وصف الذات بأنها "سوداء"، ابتدع الوعي الجماعي الشمالي لفظة" أخضر" والتي كانت تستخدم أصلاً في وصف اللون الداكن للأرض. وبناء على ذلك، بينما يكون الشمالي الداكن اللون "أخضراً" ، فإن الجنوبي الداكن اللون بنفس القدر يسمي "أسوداً". وفي نقاشه لمفهوم اللون لدى الشمالي، يكتب فرانسيس دينق ما يلي: "يركز الكبرياء اللوني الشمالي على اللون الأسمر الفاتح للبشرة، ويعتبره المثال والمعيار بالنسبة للشمال، وبالتالي للسودان. إذا صار اللون "فاتحاً" أكثر من اللازم بالنسبة للسوداني، فإنه يصبح مهدداً باعتباره"خواجا" أو "أوروبي"، أو عربي من الشرق الأوسط، أو ، وهذا أسوأ الاحتمالات، اعتباره "حلبياً"، وهو اللفظ المستخدم لفئة الغجر، المعتبرة الأدنى قدراً من جميع الفئات ذات البشرة البيضاء. الوجه الأخر من العملة، هو بالطبع، النظر إلى الجنس الأسود كجنس أدنى، وهي حالة تلطفت العناية الرحيمة بإنقاذ المرء من براثنه. ومن هنا فإن العنصرية السودانية الشمالية، والشوفينية الثقافية، تنزل لعنتها في نفس الوقت بشديدي السواد وشديدي البياض .
ومع أن ملاحظة دينق صحيحة بصورة عامة، إلا أنها تحتاج إلى كثير من الضبط.فأنا أعتقد إن "أحمر" أي "أبيض" هو المعيار اللوني النهائي للشمالي المتوسط، فهو يعتبر اللون المثالي للمجموعة الداخلية، أي مركز الهوية العربية. في حين لا يكون اللون الأسمر معياراً إلا على مستوي أدني، وإلا كآلية دفاعية، مجبرة على تبنيه كواقع لا مهرب منه. وعلى عكس الأبيض، فإن الأسمر ليس جيداً لمزاياه الخاصة، بل فقط كبديل للأبيض الغائب. ومع أن الأغاني الشعبية غالباً ما تتغنى بالنظرات الساحرة للحبيب الأسمر "أسمر يا ساحر المنظر" ، إلا أن النظام الدلالي المهيمن للثقافة العربية الإسلامية، يجعل اللون الأبيض هو المعيار والمثال،كما سنوضح أدناه. ولو كان الشماليون قد استطاعوا تطوير نظام دلالي شامل ومنسجم، يجعل الأسمر معياراً، لاستطاعوا حل الجزء الأكبر من أزمة هويتهم.
ومع أن الشماليين يستقبحون اللون الفاتح جدا)أي الأحمر( ،واللون الموغل في السواد، إلا أنهما لا يستقبحان بنفس الدرجة. فالوصمة الاجتماعية اللاحقة باللون "الأسود" ترجع إلى إنه لون "العبيد". أما وصمة اللون "الأحمر" فتتعلق بكونه لون الحَلَب أو الغجر، فالحَلَب ، الذين ينظر إليهم كفئة منحلة أخلاقياً ومنحطة سلوكياً، يعتبرون فئة "منبوذة اجتماعياً" الصيغ الثقافية التي تزدري اللون الأسود شائعة بصورة مزعجة، وعميقة الجذور في الثقافة والأدب العربيين، عكس تلك التي تزدري اللون الأحمر، والتي هي شحيحة ولم تظهر إلا مؤخراً مع الغزو التركي للسودان. وقد جاءت هذه المقولات الثقافية الأخيرة نتيجة للبشاعات التي ألحقها الترك بالمواطنين، والتي جعلت الشماليين ينظرون إلى الأتراك كصور مجسمة للفساد، والشراهة والجبن. وجاءت الثورة المهدية ضد الأتراك، وانتصارها الساحق عليهم، لتكثف وتعمق من احتقارهم في عيون الشماليين. وهذه هي الفترة التي ظهرت فيها عبارة "الحمرة الأباها المهدي" ولذلك فإن اللعنة التي حلت باللون الأحمر، آخذين بالاعتبار هذه الحدود وهذا السياق، لم تكن مطلقة. والواقع أن الأحمر يعتبر بصورة جوهرية، سواء بالنسبة للثقافة العربية أو الثقافة السودانية المحلية، تجسيداً للجمال. ففي" قاموس اللهجة العامية في السودان" قال عون الشريف قاسم ما يلي حول اللون الأبيض: "إنهم )أي العرب (يسمون الفرد ذا اللون الأبيض "أحمر". فعائشة زوجة النبي كانت تسمى "الحميراء" (وهي تصغير أحمر) لأن لونها كان أبيضاً. وكان العرب يسمون الفرس والروم ، أيضاً حُمراً (جمع أحمر)، لأن ألوانهم بيضاء. ويقصدون اللون الأبيض حينما يقولون "الحسن أحمر" . وتوضح جانيس بودي كيف كانت نساء قرية "حفريات" ذوات وعي باللون. فبالنسبة لهن "اللون الأبيض نظيف، جميل وعلامة على قداسة كامنة"وقد أخبرنها مراراً وتكراراً أنها كامرأة بيضاء، تملك فرصاً أفضل منهن بمراحل، لدخول الجنة، إذا اعتنقت الإسلام. وأضفن أن فرصها أفضل من جميع السودانيين في دخول الجنة. وكانت الأسباب التي ذكرنها هي : "وذلك لأن النبي محمداً ابيض، وكل البيض من البشر أعلى شأناً لأنهم ينتمون إلى قبيلته البيضاء" . يضاف إلى ذلك ، أن احتقار الأحمر (أي الأبيض) يبقى فقط علي مستوى التنظير، ولا ينعكس في المسلك الاجتماعي للسوداني الشمالي. فعلى سبيل المثال أبدى الشماليون استعداداً للتزاوج مع البيض، سواء كانوا أوروبيين أو عرباً، ولكنهم عبروا عن تثاقل وصد في التزاوج مع السود، سواء كانوا جنوبيين أو أفارقة عموماً . وبصورة أكثر تحديداً، بينما لا يجد الشماليون حرجاً في تزويج بناتهم للفئة الأولى، إلا انهم لا يتصورون مجرد تصور تزويجهن من الفئة الثانية .
الوعي المحرج بالهامشية:- يمكننا أن نلاحظ مظهراً أخر من مظاهر تأثير الهوية الهامشية على النفسية الشمالية في المسلك السياسي للطبقة الحاكمة الشمالية. فأول القرارات التي اتخذتها الطبقة الحاكمة الشمالية بعد الاستقرار هو الانضمام للجامعة العربية.
ويخبرنا محمد أحمد محجوب: "سارعنا بالانضمام إلى الجامعة العربية مباشرة بعد إعلان الاستقلال" . ولأنها كانت واعية بموقعها علي هامش العالم العربي، رضيت هذه الحكومة بدور متواضع، ولم تتخذ موقفاً منحازاً في الصراعات العربية الداخلية، سواء مع الراديكاليين أو المحافظين . ومثله مثل أي كيان هامشي، يكاد السودان أن يُنسى تماماً في أوقات الهدوء والانسجام. ويعلمنا التاريخ انه فقط في أوقات الاضطرابات المصاحبة للحروب والانتفاضات، والتي تهز بعنف وتمزق النسيج الاجتماعي، يمكن للنساء والعبيد، كفئات مهمشة، أن ينعموا باعتراف المركز. ,على ذات النسق، فقط عندما كان العرب في قمة الشعور بالمهانة والإحباط ، نتيجة للهزيمة الساحقة التي ألحقتها بهم إسرائيل عام 1967، تذكروا السودان، وأدنوه من المركز، وسمحوا له أن يلعب دوراً حيوياً داخل الجامعة العربية. فحياد السودان، أو قل دور المتفرج الذي كان يلعبه، هو الذي أهله لاستضافة مؤتمر القمة العربية عام 1967. ويخبرنا المحجوب: "كانت الخرطوم هي الموقع الوحيد المقبول سياسياً لعقد المؤتمر، بالنسبة للمحافظين والمتطرفين من القادة العرب" ولكن ما لم يخبرنا به هو أن الهامش صار مكاناً ملائماً بالنسبة للمركز ليلعق جراحه في جنباته.
منهج حمل المتاع:- المظهر الأخر لتأثير الهوية الهامشية هي ما يمكن أن نسميه منهج" حمل المتاع". فالهوية الهامشية ترنو دائماً إلى المركز كمصدر للإلهام الثقافي، والديني والسياسي، وكمجال للسياحة الفكرية. إنها ميالة لاستعارة المنتجات الفكرية للمركز، وليس متوقعاً منها أن تنتج أو تُعير. يقول شون أوفاهي:"السودان النهري الشمالي تفاعل دوماً مع مصر، أم تطلع عبر البحر الأحمر إلى الجزيرة العربية" فالرابطة الثقافية بين الشماليين والعالم العربي، كانت على وجه العموم طريقاً ذا اتجاه واحد، تنتقل فيه المنتجات الثقافية، من خارج الحدود الشمالية، عكس مجرى النيل، أو من الشرق عبر البحر الأحمر. ومن المثير للدهشة أن كل حزب في العالم العربي، تقريباً، له فرع في شمال السودان، فهناك حزب البعث العربي الاشتراكي، بجناحيه السوري والعراقي، وهناك الحزب الناصري، ومؤتمرات القذافي الشعبية، والحركة الوهابية السعودية، وحركة الأخوان المسلمين المصرية. كل هذه الحركات والأحزاب لها فروعها في السودان. وكانت ثورة 1924، والحركات الاتحادية مؤخراً، في الأربعينيات، والتي عملت كلها تحت الرعاية المصري، تهدف إلى تحقيق الوحدة السياسية مع مصر وبالنسبة للمركز، ليس الهامش سوى خواء ثقافي وسياسي، إن لم يكن سلة للنفايات، ينبغي ملؤها. وهذا هو السبب الذي يجعل مختلف فئات المركز تتسابق لملئه.
التواؤم مع المركز:- علامة أخرى على تأثير الهوية الهامشية، على نفسية الفرد الشمالي، تتمثل فيما يمكن أن اسميه:"الميل للتواؤم". فمن الملاحظ أن أغلبية الشماليين الذين يعملون في أقطار عربية مختلفة يتبنون لهجات البلدان التي يجدون أنفسهم فيها. وحتى عندما يعودون إلى السودان، يكون الاحتمال كبيراً، أن تصبح هذه اللهجات، أو على الأقل بعض كلماتها وعباراتها، جزء من الذخيرة ا للغوية للشخص المعين. ومن الملاحظ أيضاً أن القلة من العرب الذين يجيئون إلى السودان لا يغيرون لهجاتهم حتى إذا مكثوا وسط السودانيين لعدة سنوات. بل إن الشماليين الذين يختلطون بهؤلاء العرب، في السودان، غالباً ما يعدلون لغتهم ولهجتهم حتى تتوافق مع لسان العرب الذين يعيشون وسطهم .
الوعي بخفاء الهامش:- نسبة لأن الهامش يشعر بحالة من الخفاء، إزاء المركز، فهو محتاج دائما للإعلان عن نفسه. ولذلك فإن علامة أخري من علامات الهوية الهامشية للشماليين، هي تركيزهم المفرط علي الأصل العربي، فالشماليون، وخاصة نخبتهم، يرددون دائما أنهم عرب. فعبارات مثل : "أنا عربي ولدي شجرة نسب" ، أو "أنا عربي شئت ذلك أم أبيت" أو "نحن عرب العرب" أو "أنا عربي، قوميا وثقافيا" تتكرر دائما في خطاب النخبة السياسية والثقافية. وعلي عكس النخبة في العالم العربي، التي لا تحتاج لإثبات أمر واضح بذاته، يشعر الشماليون بالحاجة للتعويض عن عياب القسمات العربية بالكلمات العربية. وينظر المرء لهذه الظاهرة باعتبارها استمراراً للظاهرة القديمة التي كانت سائدة وسط الشماليين لكتابة شجرة النسب. فالظاهرتان تعكسان الشكوك العالقة بادعاءات الشماليين للعروبة. وتمثل كل هذه العلامات، شواهد علي أن الشماليين يعانون كل أعراض "عدم الاعتراف"، التي ناقشها شارلس تيلور في كتاب "سياسات الاعتراف"، وخاصة استبطان الدونية، "الحط من قيمة الذات"، و"الكراهية الخانقة للذات".
تكوين الهوية العربية الإسلامية في الشمال : السودان الشمالي الحالي هو موطن الثقافة النوبية التي ازدهرت لعدة آلاف من السنين قبل مولد المسيح، وهو موطن الممالك النوبية العظمى. وتقف الأهرامات حتى الآن في أرض النوبة، شاهدة علي عظمة الأمة النوبية. وفي القرن الثامن قبل الميلاد قامت المملكة النوبية باحتلال كل أرض مصر وفرضت سلطانها علي وادي النيل . وكانت مملكة النوبة لاعباً أساسيا في المسرح العالمي في العالم القديم، و أقامت الصلات مع عدة حضارات. وكما أوضح لويدس بنغاي "للسودان الشمالي حضارة قديمة مزدهرة، سابقة لحضارة مصر الفرعونية ولمجيء الإسلام. وكانت النوبة ذات علاقة مع كل حضارة ظهرت في مصر .. الإغريق .. الرومان .. العرب .. الأتراك والبريطانيين" .
دخلت المسيحية إلي النوبة في القرن السادس، وحولتها إلى مملكة مسيحية، استمرت ألف عام. ومباشرة بعد ظهور الإسلام في القرن السابع، فتح المسلمون مصر، وطرقوا أبواب دنقلا عاصمة النوبة. ومع أن مقاومة النوبيين قد نجحت في إيقاف الزحف الإسلامي، إلا أنها لم تفلح في طرد العرب من الأراضي النوبية . وقد أدت حالة التوازن التي قامت بين الطرفين إلي الوصول إلي تسوية سياسية. وقد أبرمت معاهدة بين النوبيين والعرب عام 651 – 652 ميلادية، وتفسر هذه الاتفاقية تفسيرات مختلفة من قبل الكتاب المعاصرين. وبينما يراها بعض هؤلاء الكتاب في صالح العرب ، فإن آخرين يعتبرونها نصرا للنوبة . ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن مملكة النوبة حققت ما لم تحققه مملكة أخرى في الزمان القديم، وهو إيقاف الزحف الإسلامي الذي كان لا يقاوم. كان المسلمون يقسمون العالم إلي دار الإسلام ودار الحرب. ولما بقيت النوبة وحافظت علي سلامة أراضيها كان علي المسلمين أن يخلقوا فئة ثالثة، لا هي دار إسلام ولا دار حرب، فأطلقوا عليها دار العهد. ومع أن الاتفاقية ضمنت سيادة النوبة لمدة ألف سنة تقريبا، إلا أنها فتحت المجال للعرب ليدخلوا بحرية من أجل التجارة، مما دشن عملية الأسلمة والتعريب، التي قادت في نهاية المطاف إلي انهيار المملكة.
ومع أن الهوية العربية الإسلامية يمكن إرجاعها إلي دخول العرب السودان، إلا أنها ظاهرة حديثة نسبيا. فالقرنان الرابع عشر والخامس عشر، يعتبران فترة تغيير في السودان النيلي. فالحركات الاجتماعية وخاصة تلك الخاصة بالعرب والفونج، مصحوبة بالتطورات الاقتصادية والثقافية الوافدة من الأقطار المجاورة ، وفرت ظروفا مواتية لعمليات الأسلمة والانتماء إلي العرب. فالرحالة الذين جاءوا إلي مملكة الفونج في الربع الأول من القرن السادس عشر، وصفوا تكوينات أثنية شبيهة بتلك التي نجدها في سودان اليوم. فقد وصفت قبائل الشايقية والجعليين والرباطاب باعتبارهم برابرة، أي نوبيين شماليين، من قبل غيليود الذي زار مملكة الفونج عام 1523 . وقد وجد غيليود أن سكان المملكة ينقسمون إلي ست فئات أثنية وكانت هذه الفئات من الوضوح والتمايز بحيث لم يكن هناك فرد واحد لا يعرف إلي أي منها ينتمي . خمس من هذه الفئات صنفت حسب لون البشرة، بشكل أساسي. كان لون الفونج هو "الأزرق". "كان لونهم لو النحاس". حسب غيليود .. وكان العبدلاب قريبين في ألوانها وملامحهم من الفونج، إذا أستثنينا شعورهم الملتفة، وكان لونهم أخضر، (أي نحاسي غامق إلي أسود). أما البرارة، أي الجعليين والرباطاب والشايقية والدناقلة، فوصفوا بأنهم "خاطف – لونين"، أي خلطة من لونين. يقول غيليود "أفراد هذه الفئة نصف صٌفر ونصف خٌضر .. وفصيلة الدم التي نغلب عليهم هي تلك التي نجدها عند الأثيوبيين" أما لون العرب فوصف بأنه "أصفر" أي "أبيض" وقد قال عنهم مايلي : "هؤلاء هم الأقل اختلاطا من حيث الألوان، أنهم ينتمون إلي العرب البدو الرحل. شعورهم مرسلة. ولا يختلطون مع الفئات الأخرى إلا فيما ندر. ويسهل التعرف عليهم، ليس فقط من ملامح وجوههم، بل من نقاء الطريقة التي ما زالوا يتحدثون بها اللغة العربية". والمدهش أنه تحدث كذلك عن "العبيد" الذين جلبوا إلي سنار من الجنوب والغرب "أي جبال النوبة" . هذا هو علي وجه التقريب التصنيف اللوني الموجود حاليا.ومن المحتمل أن الفارق الوحيد أن الجعليين والرباطاب والشايقية، كانوا ما يزالون في القرن السادس عشر، يتحدثون لغاتهم النوبية. وقد استمروا يتحدثونها حتى أوائل القرن التاسع عشر . هذه الظروف هي التي غرست مكونات الهوية الشمالية في تربة الشمال. هذه المكونات هي اللغة العربية، مزاعم الأصول العربية، الإسلام، وتراث الرق. فسكان هذا الجزء من السودان أظهروا تعلقا خاصا بالعرب. وتدل الشواهد علي أنهم انتهزوا كل فرصة عابرة، سواء كانت هذه رابطة بعيدة، متخيلة، أو حتى ملفقة، للتماهي مع العرب وتبني لغتهم. الفونج يزودوننا بمثال واضح لانقلاب الهوية، الذي ربما يلقي لنا الضوء علي عملية التماهي مع العرب. ففي بداية مملكتهم، كان الفونج وثنيين، من الناحية الدينية، وكانوا يتحدثون لغتهم الخاصة، والتي كانت هي اللغة لرسمية للمملكة حتى القرن الثامن عشر. وكانوا يسيرون العدالة في محاكمهم وفق تقاليدهم الخاصة. وقد اعتنق ملكهم الأول، عماره دنقس، الإسلام اسميا، من أجل أهداف سياسية . وبعد ثلاثة قر ون من ذلك التاريخ، أي خلال القرن الثامن عشر، أقيمت العدالة علي أساس الشرع الإسلامي، وصارت الوثائق الرسمية تحرر باللغة العربية، والتي أصبحت هي اللنغوافرانكا للدولة . ليس ذلك فحسب، بل أعلن بادي الثالث، ملك الفونج، رسميا في خطاب إلى رعيته، أنه وقومه "ينحدرون من العرب، ومن الأمويين علي وجه التحديد" وقد أ صدر ذلك المنشور ردا علي حملة من الإشاعات، صاحبت تمردا في الأقاليم الشمالية، يدمغهم بأنهم "وثنيين من النيل الأبيض". وقد أختتم المنشور، الذي أٌرسل إلي دنقلا، بالعبارة التالية :" وما دمتم قد رأيتم الحقائق فلتخرس الألسنة، وعسي أن يتوخى العبد عزيز فضيلة الحذر في أحاديثه المؤذية" . وكجزء من هذه الأحاديث المؤذية هي "اتهامه" للملك بأنه ليس من أصل عربي فمع زيادة قوة التجار العرب، وانتشار الطرق الصوفية، وتعاظم نفوذ العلماء، سعي الملوك إلي الإبقاء علي نفوذهم القضائي المتداعي بدراسة الشريعة الإسلامية، ليتحولوا إلي "علماء" لهم مكانتهم المستقلة. ويقول سبولدنج أن الطبقة الحاكمة الفونجية "انضمت إلي العائلات الأرثوذكسية للتجار في نشر مزاعم الأصول العربية " بل أنهم" اكتشفوا حقيقة كانت مجهولة حتى ذلك الوقت وهي أنهم أمويون" وهكذا فإن انقلاب الهوية الذي حدث في القرن السادس عشر لخدمة أهداف سياسية، قد أكتمل في القرن التاسع عشر. وكما قال ديفيد ليتين : "ما يعتبره هذا الجيل مسألة عملية محضة، يعتبره الجيل الذي يليه أمرا طبيعيا."
وإذا كان ملوك الفونج قد صاروا عربا بأمر ملكي، فإن قبائل الشمال النيلي قد ضمنت هذا الأصل المرغوب، لأنفسها، بطرق أخري. فقد كان هؤلاء قادرين علي كتابة أشجار نسبهم الخاصة والتي "كان من المعروف عنها أنه يتم تقفيها، مع القفزات والفجوات، حتى الجزيرة العربية، وفي الحالات التي يكون فيها الأصل السوداني بارزا سياسيا أو دينيا، فأنما تنسب الأصول إلي النبي محمد، وقبيلته قريش؛ وذوي قرباه، وأصحابه الأقربين". ومن الواضح أنه بالنسبة للنوبيين، وللفونج بعدهم، لم يعد العالم مستقرا. فالهويات القديمة حامت حولها الشكوك، والناس لم يعد بإمكانهم أن يكونوا أنفسهم .الحوافز لإجراء انقلاب في الهوية كانت قوية وكثيرة. والشروط قد اكتملت. وكانت نتيجة ذلك أن نوعيْ التماهي اللذين تحدث عنهما شيلر قد حدثا في نفس الوقت، ونقصد بهما الايديوباثي و الهيتروباثي.ويمكن ملاحظة حدوث التماهي الأيديوباثي في المناطق التي تلاشت فيها اللغات المحلية، وتم تبني العربية بدلا عنها. كما يمكن ملاحظة التماهي الهتروباثي في المناطق التي صمدت فيها اللغات المحلية.
الخواص الأكثر وضوحا للثقافة العربية الإسلامية : في الفصل الماضي حاولت الإجابة علي ذلك الجزء من السؤال الذي يقول : لماذا تماهى الشماليون مع العرب؟ أو بمعني آخر، ما هي دوافع انقلاب الهوية الذي حدث لهم؟ وأحاول في هذا الفصل أن أجيب علي الكيفية التي تم بها ذلك. أي بمعنى آخر، ما ا لذي يسّر للشماليين، بل لشعوب عديدة عبر العالم الإسلامي، أن تتعلق بالأصل العربي؟ اعتقد أن هناك ثلاث خواص بارزة للثقافة العربية الإسلامية جعلت من الميسور تماما، للأفراد والجماعات، إدعاء الأصول العربية دون أن تواجه بتحدٍ جدي ومعلن من قبل مركز الهوية العربية. الخاصية الأولي هي التركيبة الأبوية للقبائل العربية. في هذا النظام ينسب الأطفال لإبائهم، ولا تلعب المرأة دورا يذكر في النسب، وذلك لأنها "حرث" الرجل و"ماعونه". ويترتب علي هذا المفهوم الذي يجعل الزوجة مزرعة لزوجها، أنها وإن حملت بذوره، إلا أن الحصاد حصاده هو، وليس حصادها. وهكذا فإن أي اختلاط للدم العربي، بخط النسب النوبي، يضع حدا لكل الأنساب النوبية قبل هذا الاختلاط، ولا فرق إذا كان هذا الاختلاط حقيقيا، أو متخيلا أو مفتعلا. وهكذا، وبناء علي الاعتقاد الشعبي الشائع في الشمال، كان الجد الذي تحدرت منه المجموعات الجعلية الكبرى في الشمال : أي الشايقية، الرباطاب والجعليين أنفسهم، هو إبراهيم جعل. عن هذا الجد المشترك، تحولت أنساب هذه المجموعات النوبية إلي الجزيرة العربية (إلي قريش) وارتبطت بالعباس عم النبي. ولكن هذا الإدعاء، وبناء علي بحوث مؤرخ كبير ينتمي إلي نفس هذه المجموعة "يصعب إثباته" .
الخاصية الأخرى للمجتمع العربي الأبوي، هي أن القبائل القوية تكون لها دائما مجموعات تابعة، مثل الحلفاء والمستجيرين والعبيد، وغيرها من أنواع الارتباط. النظام التراتبي للقبيلة يستوعب كل هذه المجموعات في فئات اجتماعية مصنفة تصنيفا دقيقا، ويسمح لها بالانتساب إلى القبيلة رغم أنها تعرف مكانها جيدا. ويمكن للفرد الذي ينتمي إلي هذه الفئات الدنيا، أن يصعد إلي مرتبة أعلي بناء علي فضائله، أو اعترافا بأبوته، أو كليهما، كما يوضح مثال عنترة. هذه الخاصية جعلت من السهل علي العرب قبول الانتساب الشمالي، مع وضع الشماليين في فئة أدني من نظامهم التراتبي.
الخاصية الثانية هي مفهوم النقاء، أو الطهارة في الإسلام. فالطهارة مفهوم مركزي للإيمان، ومع أنه يمكن تحقيقه من خلال عملية محددة للتطهير ، إلا أنه أيضا هبة من الله للرسول وآل بيته. يقول القرآن : "أنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" . وهكذا، كلما كان المرء قريبا إلي قبيلة النبي كلما كان ذلك أفضل، والأفضل من كل ما عداه هو انحدار المرء مباشرة من فاطمة بنت النبي. ولكن مع ذلك فإن قطرة من الدم العربي تكفي لتطهيرك وذريتك. ويلاحظ المرء أن الثقافة الغربية تقوم علي مفهوم نقيض تماما في هذا الشأن، حيث تكفي قطرة دم واحدة من السود أن تلوثك وتجعلك أسودا، حتى ولو كان لونك غالب البياض.
الخاصية الثالثة هي العلاقة بين الإسلام واللغة العربية. فحقيقة أن الإسلام نزل علي نبي عربي، وأن الذين نشروه هم العرب، وأن اللغة العربية هي لغة القرآن، كل هذه الحقائق جعلت العرب أفضل الأمم في عيون الشماليين، وجعلت اللغة العربية، ليس فقط أفضل اللغات، بل جعلتها لغة مقدسة. ومع أن غياب العربية لم يمنع غير المتحدثين بها في العالم العربي، مثل تركيا وإيران والباكستان وحتى في السودان، من ادعاء الأصول العربية، إلا أن تحدث العربية كلغة للأم قد ثبّت أسطورة الأصل العربي لدي بعض الشماليين، وأمدهم ببرهان يسمي "لسانُ عربيُ مبين."
عملية مستمرة : ومع ذلك فإن تشكيل هوية عربية إسلامية في الشمال هو عملية مستمرة. فالأتراك دفعها إلي الأمام عملية التعريب، وجاءوا بالإسلام التقليدي المدرسي، وسيروا، مع العرب والأوربيين والشماليين، حملات الاسترقاق، في أراضي القبائل التي لم تستعرب، وخاصة في الجنوب وجبال النوبة. وجاءت الدولة المهدية، وحلت محل الدولة التركية المنهارة، عام 1885، ودفعت بدورها عمليات التعريب والأسلمة. ولم تكن الدولة المهدية مختلفة عن الأتراك فيما يتعلق بحملات الاسترقاق. وعندما أستعمر البريطانيون السودان عام 1898، وضعوا القبائل المستعربة فوق القبائل الأفريقية السوداء. وقد وصف عالم الأجناس ك. سيلجمان، الذي دعمته حكومة الخرطوم الاستعمارية لدراسة الجماعات السكانية بالسودان، وصف القبائل الجنوبية بأنها "متوحشة" وقد تعامل البريطانيون باحترام شديد مع مجموعات الشمال المستعربة، كما عبروا عن احترام عظيم لهويتهم العربية-الإسلامية، وشجعوها. وقد ركزت السياسات التعليمية، بصورة أساسية، علي المجموعات المسلمة، التي تتحدث العربية، من الشمال الأوسط النيلي وقد كان المستفيدون من هذه السياسات التعليمية، من بين هذه الجماعات، أبناء الأسر البارزة : أسرة المهدي، والخليفة، وأسر أمراء المهدية، والأسر العربية "الراقية" . وفي السنوات الأولي من القرن العشرين، بدأت النزعات الوطنية تنشأ وتزدهر وسط الأجيال الشابة المتعلمة لهذه الأسر. "وقد صاروا يفتشون عن "السودانوية" في القصائد العربية، والمقالات، والأشكال الأدبية الأخرى، وصاروا يمجدون اللغة العربية؛ والتراث العربي، والدين الإسلامي، باعتبارها القيم الجوهرية لهذه الوطنية." .
ونسبة لوعيهم بالتاريخ الطويل لمصطلح "سوداني"، والمعاني السلبية العالقة به، فقد أعطوه معني مزدوجا. فعلي أحد المستويين بقي لفظ سوداني كما كان دائما، أي مرادفا لـ"عبد". وعلي مستوى آخر أستخدم اللفظ "كمجال للانتماء الوطني" أي أنهم تعاملوا معه كإطار خاوٍ، حاولوا أن يملئوه بصورتهم الذاتية. وهكذا أصبح مصطلح "سوداني"، علي هذا المستوى، "علامة علي الهوية الوطنية التي تخصص قيمة عظيمة للثقافة العربية الإسلامية." ولذلك ومن وجهة نظر الجماعات الاثنية الأخرى، أن تكون سودانيا علي هذا المستوي يعنى أن تكون شماليا. يعنى "محاكاة أسلوب" أكثر عروبة "للحياة" واعتناق "أسلوب للحياة ظهر تاريخيا علي ضفاف النيل" وقد اتضح فيما بعد أن هذا التعريف كان محدودا جدا، وضيق الأفق وينطوي علي كثير من المشكلات. فهو استبعادي من جهة، واستيعابي من جهة أخري. فأولئك الذين لا ينطبق عليهم التعريف الجديد للفظ "سوداني"، أما أن يبعدوا من المجال السياسي، ماديا (بالانفصال)، أو سياسيا (بالتهميش)، أو تتم إعادة صياغتهم ليلائموا اللفظ (أي يصيروا شماليين). وكما لاحظت هيذر شاركي عن حق "إذ فشل في الاعتراف بالمساهمات الثقافية للسكان غير العرب وغير المسلمين، فإن برنامجهم الوطني نفر مجموعات كثيرة، بدلا من جذبها وإغرائها، وخاصة في الجنوب. أن الحرب الأهلية، التي ظلت تشتعل علي فترات منذ 1955، هي الثمرة المرة لهذا النوع من الوطنية." والثمرة الأكثر مرارة لهذا التعريف هي الجبهة الإسلامية القومية، التي استولت علي السلطة عام 1989، وشرعت في إزاحة "الخلعاء" عن طريق القوة الغاشمة.
الثقافة العربية واللون الأسود : يقول عبده بدوي في كتابه "الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي" ما يلي: "العرب يكرهون اللون الأسود، ويحبون اللون الأبيض. ويصفون كل شئ حسن (ماديا كان أو معنويا) بأنه أبيض. اللون الأبيض مصدر فخر للرجل، وخاصية جمالية بالنسبة للمرأة. البياض بالنسبة لهم علامة علي الشرف. ويمدح الرجل بأنه ابن امرأة بيضاء. والواقع انهم يفخرون بامتلاكهم النساء البيض كجوار لهم. ويطلقون علي الشعراء السود أغربة العرب، في تشبيه لهم بذلك الطائر البغيض الذي يعتبر سواده عادة علامة علي الشؤم." كراهية اللون الأسود نشأت من تجارب العرب مع الأفارقة. فالصورة النمطية للأفريقي الأسود، في الثقافة العربية أنه كريه الرائحة. ناقص جسدا وعقلا، ومنحرف عاطفيا. المثل العربي القائل : "الزنجي إذا جاع سرق، وإذا شبع زنا" يلخص هذه الصورة تلخيصا وافيا. وتمثل عبارة "يا ابن السوداء" قمة الإساءة التي يمكن أن توجه للرجل الأسود.
قبل الإسلام : قبل الإسلام، لم يكن أبناء الرجل الأبيض من أم أفريقية يقبلون كأعضاء كاملي العضوية بالقبيلة، حتى ولو كانت القبيلة تعتمد عليهم في الحروب، كما توضح قصة عنترة، ويوضح بدوي كيف كان اللون الأسود عقبة كؤود أمام هؤلاء الشعراء. فدعوة أحدهم بالغراب كانت إساءة. يقول بدوي : "كانت هناك حساسية عالية بالألوان وسط الشعراء السود قبل الإسلام. وذلك لأنهم كانوا فئة مضطهدة وتعيسة. وكانوا يستبعدون، بقسوة أحيانا وبلطف أحيانا أخري، من دخول النسيج الاجتماعي للقبيلة. وهكذا عاشوا علي هامش المجتمع كفئة فقيرة وبائسة. ولم يكن يتم الاعتراف بهم إلا في ظروف الضرورة القصوى، كما نعرف من حياة عنترة. فبالرغم من أن هذا الشاعر كان حامي قبيلته، وكان صوتها الشعري السامق، إلا أن الطريقة التي ظلت تعامله بها قبيلته كانت تؤلمه وتثقل علي عقله. وقد علق به اسم "ابن السوداء" حتى عندما يكون عائدا من المعركة منتصرا"
أثناء حياة النبي : مع أن الإسلام دعا لوحدة ومساواة بني البشر، رغم اختلاف ألسنتهم وألوانها "إن أشرفكم عند الله أتقاكم" إلا أن موقف العرب من السود لم يتغير أبدا. وقد قال النبي "لا فضل لعربي علي أعجمي أو لأبيض علي أسود، أو لأحمر علي أصفر، إلا بالتقوى". ولكن ذلك لم يمنع أباذر الغفاري، أحد صحابة النبي البارزين، من أن يدعو أخاه بلال بن رباح الصحابي الآخر الجليل ومؤذن الرسول، "بابن السوداء". وعندما سمع النبي بذلك وبّخ اباذر توبيخا شديدا حتى شعر أبوذر أن مجرد الاعتذار لبلال لا يكفي. ولذلك انطرح أبوذر أرضا، ووضع خده علي التراب، وطلب من بلال أن يطأ خده برجله، كعلامة علي التواضع والصغار .
القرون الوسطي : وإذا كان ذلك هو الوضع إبان حياة النبي، الذي كان يدعو للمساواة بين المؤمنين، فمن الطبيعي أن مسلك العرب نحو السود سيسوء بعد وفاته. ويشير برنارد لويس إلى ذلك في الفقرة التالية: في الوقت الذي كان فيه الدعة الدينيون ينادون بالمساواة، وإن بعبارات غامضة، كانت حقائق الحياة تحكم بغير ذلك. فالتوجهات السائدة لم يكن يحددها الوعاظ ورواة التراث، بل كان يحددها المنتصرون ومالكو العبيد، الذين يمثلون النخبة الحاكمة في المجتمع الإسلامي. والاحتقار الذي كان يشعر به هؤلاء، تجاه العناصر غير العربية عموما، وتجاه السود علي وجه الخصوص، يتم التعبير عنه بآلاف الطرق، في الوثائق، والآداب والفنون التي وصلت إلينا من القرون الوسطى. هذه الآداب، وخاصة الشعبية منها، تصور (الرجل الأسود) في صور نمطية عدوانية : كشيطان في الأساطير، وكجنس متوحش في قصص الرحلات والمغامرات، أو كعبد كسول، غبي، كريه الرائحة، أبرص، في الحالات العادية. وشهادة الآداب أكدتها الفنون. ففي الرسومات واللوحات العربية والفارسية والتركية، كثيرا ما يظهر السوء، كشخصيات أسطورية شريرة في بعض الأحيان، أو كبدائيين يقومون بأعمال حقيرة، أو كمخصيين في القصور أو البيوت." ابن خلدون يرى أن السود معروفون بالهزل والطيش والعاطفية الزائدة وأنهم "يتصفون بالغباء أينما وجدوا". وهو يفسر هذا الغباء وحب الملذات بإرجاعه إلى "تمدد وشيوع الروح الحيوانية". أسطورة العهد القديم القائلة بأن السود هم أبناء حام، تبناها ووسعها بعض الكتاب العرب مثل ابن جرير . ولكن ابن خلدون لم يقبل هذه الحكمة السائدة في زمانه، بل حاول أن يتوصل إلي تفسير "علمي" لسواد الأفارقة يقوم علي حرارة الشمس . وفي وصفه لسكان خط الاستواء قال الدمشقي ما يلي: "خط الاستواء تسكنه أقوام من السود يمكن اعتبارها من الحيوانات المتوحشة. ألوان أجسادهم وشعورهم محروقة، وهم غير طبيعيين جسديا وروحيا. إن عقولهم تكاد تغلي من حرارة الشمس."
ويسير ابن الفقيه الهمذاني على نفس المنوال. وقد اعتمد في رأيه علي نظرية يونانية جغرافية قديمة، تقسم الأرض إلى سبعة أقاليم عرضيه، حيث يمثل الإقليم الأول والسابع الحرارة الشديدة والبرودة الشديدة علي التوالي. ويفترض أن هذين النقيضين ينتجان متوحشين، بينما في الإقليم الأوسط، حيث اعتدال المناخ، يوجد الناس المتحضرون. وبالنسبة إليه فإن أهل العراق لهم "عقول راجحة، وعواطف حميدة، وطبيعة متزنة، وإنتاج غزير في كل الفنون، مع أطراف متناسبة متناسقة، ولون أسمر رقيق، هو أنسب الألوان وأصحها." ولكن الزنج الذين يسكنون الإقليم الأول وهم "مفرطون حتى درجة الاحتراق، ولذلك يجئ الطفل منهم أسودا، معتكراً، كريه الرائحة، ومفتول الشعر، بأطراف غير منسجمة، وعقول ناقصة وعواطف منحرفة." ويلاحظ جون هنويك أن تحيز الهمذاني ضد السلاف ينحصر في ألوانهم " البرصاء"، إلا أن عداءه للزنج يتخطى اللون ليصور "أجسادهم الشائهة"، "وعقولهم الضعيفة" و"روائحهم البخرة". وكان ابن خلدون يعتقد أن الأفارقة أقرب إلى الحيوانات منهم إلى البشر، وأنهم يأكلون لحوم البشر. فهو يقول : "خصائص شخصياتهم أقرب إلى الحيوانات البكماء .. أنهم يسكنون الكهوف، ويأكلون الأعشاب، ويعيشون في عزلة وحشية، ولا يجتمعون، ويأكلون بعضهم البعض."
استجابات السود : في وجه هذه العداوة الصارخة، يمكن تصور نوعين من ردود الأفعال : المقاومة واستبطان الاحتقار. ففي الوقت الذي تصدي بعض السود لمواجهة هذه الآراء المتحيزة ضدهم، استسلم آخرون لمصيرهم التعيس، وصاروا يرون أنفسهم من خلال انعكاسها العربي. ولكن المقاومة نفسها أخذت طابعين : أحدهما رفض الصورة النمطية معلنا أن اللون الأسود هو اللون الجميل، والثاني قبل المرأى السائد بأنه قبيح، واعتذر عنه، وتغنى بالخصائص الإنسانية الأخلاقية. ويخبرنا عبده بدوي بما يلي : "نظر الشعراء إلى أنفسهم وإلى ذويهم كقوم مضطهدين، ومع أن هذا الشعور بالاضطهاد يختلف من قرن إلى قرن، ومن شاعر، إلا أن الرجل الأسود لم يتردد في أن يكون صوت احتجاج على الحياة من حوله وعلى مأساوية أوضاعه الشخصية. وسنرى فيما بعد (الشعراء السود) وهم ينفجرون في وجوه أولئك الذين يشيرون إلى سواد الوانهم، كما يشهد علي ذلك شعر "الشعراء الثلاثة الغاضبون" وهم الحيقطان، صنيج وعاكم (أوائل القرن الثامن). فبالنسبة لهؤلاء لم يكن يكفى أن يدافعوا عن أنفسهم فحسب. بل تراهم يفخرون بسواد ألوانهم، وبتاريخ قومهم السود والبلدان التي جاءوا منها، بل كانوا يهاجمون العرب بما كان هؤلاء يفخرون به.
استبطان الاحتقار : المثال على استبطان الاحتقار هو نسيب الأكبر، الشاعر ذو الأصول النوبية. إن مسلكه شبيه بمسلك "أنكل توم" في الثقافة الغربية. فقد اختار ألا يواجه المجتمع بل يتواءم معه، ويقبل تحامله. وعندما تقدم ابنه لخطبة فتاة من عائلة مالكيه السابقين، والذين كانوا مستعدين للموافقة عليه، جاء نسيب وأمر بعض عبيده السود بجر ابنه من رجليه وضربه ضربا مبرحا. وقد ضرب العبيد ابنه ضربا شديدا. ثم رأى نسيب رجلا شابا من أصل نبيل، فقال لعم الفتاة "زوّج بنت أخيك لهذا الشاب وسأقوم أنا بدفع المهر." وهكذا لم يجد ابنه أهلا للزواج من فتاة نبيلة الأصل، بل ضربه ليعرف مكانه الصحيح. وتقول حكاية أخرى، أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، طلب من نسيب أن ينضم إلى ندمائه، ولكن الشاعر اعتذر بأنه أحط من أن يستحق هذا الشرف وقال للخليفة: "يا أمير المؤمنين، لونى اسود، وقامتي عوجاء، ووجهي دميم، ولست أهلا لهذا المكان". وتقول قصة أخري انه كان يلوذ بالخفاء. كان يحب أن يخفى سواده عن مستمعيه، عندما طلب منه أن يلقى شعره على بعض النساء، حتى لا يجرح شعورهن. وقال في ذلك: "دعوني أقرأ من وراء حجاب. لماذا يردن رؤيتي. لونى أسود، وشِعري أبيض. دعوهن يستمعن لي من وراء حجاب."
ويعطينا عنترة، الشاعر الفارس، مثالا آخر على استبطان الاحتقار. فكان يظهر كراهية لأمه الأثيوبية، زبيبة، باعتبارها المسؤولة عن سواده. وكان يراها تجسيدا للقبح. وكان يدعوها الضبعة، ويشبه رجليها بساقي النعامة، وشعرها بالفلفل الأسود .
المقاومة (1) : المثال علي المقاومة، على غرار المنهج الأول، نجده في أعمال الكاتب الكلاسيكي العظيم الجاحظ، الذي عاش ببغداد في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، والذي كان هو نفسه أسود اللون. كان لا يفتأ يذكر العرب أن السود خلقهم الله، وأنه لا يمكن أن يكون صحيحا أن الله قصد تشويه خلقه، كما يعتقد العرب، قال : "لم يشوهنا الله بخلقنا سودا. فألواننا السوداء جاءت نتيجة أحوال البلاد (البيئة). والشاهد على ذلك أننا نجد السود بين القبائل العربية، مثل بنى سليم بن منصور الذين يعيشون بالحرّة. فكل سكان الحرّة سود، وحتى دببتها، ونعامها، وذئابها، وضباعها وبغالها ومعيزها وطيورها سوداء، بل إن هواءها نفسه أسود." وقد كتب الجاحظ "فخر السودان علي البيضان" وهو يمجد البشرة السوداء مشبها لها بالحجر الأسود المقدس، حجر الكعبة، فضلا عن عناصر الطبيعة الداكنة اللون والقوية، مثل التمر، الأبنوس، الأسود، النوق، المسك، الليل والظل . وبعد ثلاثة قرون أخري، سينهض كاتب بغدادي آخر، هو الجوزي، الذي عاش في نهاية القرن السادس الهجري (الثالث عشر الميلادي)، للدفاع عن السود. وقد كتب الجوزي "تنوير الغبش، في فضل السودان والحبش". وكان يمجد اللون الأسود، ويمدح فضل وأخلاق ونبل ملوك وملكات السودان وأثيوبيا، إضافة إلي صحابة النبي السود.
المقاومة 2: المقاومة وفق المنهج الثاني، تقبل سلبية اللون الأسود، ولكنها تركز على الخصائص الأخلاقية والعقلية. والحجة هنا تتخذ الشكل التالي : "نعم نحن سود، ولكننا ذوو فضل. " الشاعر النوبي، سحيم عبد بنى الحساس يقول : " إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً أو أسود اللون إني أبيض الخلق
ويقول أيضا : أتيت نساء الحارثيين غـــــــدوةً بوجهٍ براه الله غير جميل فشبهنني كلباً ولســـت بفوقــــــه ولا دونه إذ كان غير قليل
وقال أيضاً : فلو كنت ورداً لونه لعشقنني ولكن ربي شانني بسواد"
الشاعر خفاف بن ندبة، وهو شاعر أسود أيضاً، نسج على نفس المنوال. فهو يقبل حقيقة أن سواده سُبّة، ولكنه يفخر بصفاته كمحارب صعب المراس، يصفي حساباته مع من يذمونه في ميدان المعركة. يقول : أقول له والرمح يأطر متنه تأمل خفافـــــــاً أنني أنا ذلكــــــا ويقول : فجادت له يُمنى يديّ بطعنة كست متنه من أسود اللون حالكا سلك عنترة نفس الطريق. فهو يقول : ينادونني في السلم يابن زبيبة وعند صدام الخيل يابن الأطايب ويقول كذلك : فأنا الاسود والعبــــــد الذي يقصد الخيل إذا النقع إرتفع نسبتي سيفي ورمحي وهما يونساني كلما إشتدّ الـــفزع ويقول عن أمه : وأنا ابن سوداء الجبين كأنها ضبع ترعرع في رسوم المنزل الساق منها مثل ساق نعامـة والشعر منها مثل حب الفلفـــل ويتمنى لو أن عبلة تقبله علي "علاته"، أي سواده : لعل عبلة تضحى وهي راضية علي سوادي وتمحو سورة الغضب
ولكن أعمال المقاومة الشحيحة هذه، لم يكن لها أثر أبعد من إثبات حقيقة الرفض. فالتحامل علي اللون الأسود صار أكثر حدة في الثقافة العربية الإسلامية، مع نمو الإمبراطورية، وانخراط العرب في اصطياد العبيد. وبمرور الزمن نشأ ارتباط بين العبودية والسودان، أي السود. وكما يكتب أكبر محمد، مع اتساع الإمبراطورية، "اختفت بشكل كامل تقريبا، وانهارت نزعات المساواة التي كانت سائدة علي عهد النبي، تحت ثقل التمدن، والتثاقف، والانقسامات الاثنية الداخلية، والمركزية العربية." وهذه النزعات تنعكس بصورة واضحة، وبأشكال لا حصر لها في الأدب العربي الكلاسيكي.
لم يكن العرب، عادة، يخاطبون السود بأسمائهم، بل يخاطبونهم بكلمة "الأسود" أو "العبد الأسود". وعندما كان أحد الشعراء السود يلقى شعره أمام أمير أو خليفة فإن عبارة الإطراء عليه هي عادة: "أحسنت يا أسود". وكان الشعراء العرب يشعرون بالغضب والحسد عندما ينظم شاعر أسود شعرا جيدا. وكان رد فعلهم الطبيعي عندما يسمعون شعرا جيدا هو "وددت لو قلت هذا الشعر قبل هذا العبد الأسود." وكانت طريقتهم المفضلة في إغاظة زملائهم السود أن يقولوا لهم "قل غاغ"، أي قلّد صوت الغراب .
وتعتبر قصائد المتنبي التي يسخر فيها من كافور الإخشيدي، حاكم مصر في العصور الوسطى، مثالا علي ذلك. فالمتنبي معروف بأنه أعظم الشعراء العرب موهبة علي مر العصور. وقد قصد كافور، العبد النوبي، الذي تحرر واستولى علي الحكم بمقدراته العسكرية والإدارية المتفوقة. وكان المتنبي يأمل في أن يتفضل عليه كافور بأمارة يحكمها. ونظم لهذا الغرض قصائد عديدة في مدح كافور. بل وصل إلى درجة مدح لونه الأسود وأعبره تجسيدا للجمال. ولما فشل في الحصول علي مبتغاه، كره كافورا، وفرّ هاربا من مصر، وبدأ حملة من التشنيع والهجاء ضد كافور. وقام بنظم قصائد في هجاء كافور، تعتبر من عيون الشعر من حيث خصائصها الفنية، وسماه "الأسود المخصي"، والزنجي الدميم. في كل هذه القصائد كان المتنبي يعيّر كافورا بلونه الأسود. ويقول في إحداها : وأسود مشفره نصفه يقال له أنت بدر الدجى وهو يسخر من المصريين أيضا، ويدعوهم مضحكة الأمم ، لأنهم يرضون بكافور حاكماً لهم. ويهجو كافوراً بسواده في أبياته المحفوظة عن ظهر قلب من قبل كثير من السودانيين ذوي الثقافة العربية: العبد ليس لحر صالح بـــــــأخ لو أنه في ثياب الحر مولود لا تشتر العبد إلا والعصا معــه إن العبيد لأنجاس مناكيـــــد إلي أن يقول : من علم الأسود المخصي مكرمةً أقومه البيض أم آباؤه الصيــــــــد أم أذنه في يد النخاس دامـــــــيةً أم قدره وهو بالفلسين مـــــــردود أولَى اللئام كويفير بمعـــــــــذرة في كل لؤم وبعض العذر تفنيـــــد وذاك أن الفحول البيض عاجزة عن الجميل فكيف الخصية السـود ومن المدهش أن الشماليين عندما يقرأون هذه القصائد، فانهم ينحازون إلى المتنبي وليس إلي كافور، رغم أن كافوراً كان رجلاً نوبياً، وبمعنى معاصر كان سودانياً شمالياً.
المصادر الإسلامية ورمزية اللون : ذكرنا من قبل أن الثقافة العربية الإسلامية، في نظامها الرمزي، تجعل اللون الأبيض هو المقياس والمثال، وتذم اللون الأسود. وسواء في الشعر قبل الإسلامي، أو في القرآن، أو في الفقه الإسلامي الكلاسيكي، وفي الأدب القديم والمعاصر، يصور اللون الأبيض كرمز للجمال، والبراءة، والنقاء، والأمل .. بينما يمثل اللون الأسود نقائض هذه المعاني. ويحتوى القرآن نوعين من الخطاب، أحدهما واع باللون والآخر أعمى لونياً. أحدهما يمدح اللون الأبيض، ويذم الأسود، والآخر محايد لونياً حياداً كاملاً. الأمثلة على الخطاب الأول هو الآيات التالية: "يوم تبيضّ وجوهٌ و تسودّ وجوهٌ، فأما الذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون.وأما الذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون." (آل عمران، آيات 106و107) ." ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسوّدة.أليس في جهنّم مثوى للمتكبرين"، (الزمر،آية 60). "وإذا بُشّر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم" ( الزخر، آية 17) .
نماذج على الخطاب القرآني الثاني ، في هذه الآيات.التالية: "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم،إن في ذلك لآياتٍ للعالمين" (الروم، آية 22) . "يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.إن الله عليم خبير." (الحجرات، آية 13) . والأحاديث النبوية كذلك لها نفس الخصائص للمستويين المتوازيين للخطاب.نموذج المستوى الأدنى للخطاب مثل"أسمعوا وأطيعوا أولي الأمر منكم وان تأمّر عليكم عبد حبشي ..............".المستوى الأعلى من الأحاديث النبوية يبشّر بوحدة وتساوي الجنس البشري رغم اختلافات اللون، اللغات،والعادات. نموذج لذلك"كل الناس سواسية كأسنان المشط"، و"كلكم لآدم وآدم من تراب".
في التعامل مع هذين النوعين من الخطاب، تبنيت فكرة محمود محمد طه، حول ثنائية الخطاب القرآني. فطه يعتقد أن القرآن يحتوي مستويين من الخطاب، أدنى وأعلي، خاص وعام، زمني وخالد. المستوى الأدنى يعكس، بدرجة ما، القيم العربية المحددة، والأيديولوجيا والثقافة الخاصة بالقرن السابع. وهو محدود تاريخياً، ولذلك، يعكس ويستوعب بعض نقائص العرب وأهوائهم. أما النوع الأعلى، فيعكس القيم الإنسانية ويرمي، بالتالي إلي رفع العرب، وكل المسلمين، إلي مستوى هذه القيم الإنسانية الشاملة. المستوى الأدنى نسخ المستوى الأعلى . ومشكلة المسلمين هي أنهم ينظرون إلي هذا النسخ كظاهرة أبدية وغير قابلة للمراجعة. ولكن طه، من الجانب الآخر، يقول أن هذا النسخ ليس أبديا ولا نهائيا، ويحث المسلمين على الارتفاع من المستوى الأدنى إلي المستوى الأعلى، بعكس عملية النسخ، وإحداث بعث جديد على هذا الأساس .
وكما أوضحنا بالنوع الأول من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فإن اللونين الأبيض والأسود يستخدمان كرمزين للخير والشر، للحظ السعيد والحظ السيئ، للسعادة والشقاء. هذا المستوى الانتقالي للقرآن والسنة، يعكس تحيز العرب ضد السود، ويجعل اللون الأبيض هو اللون الصحيح. وعلى أساس هذه الحجج التي سقناها، يمكن للمرء أن يقول أن هناك علامات ظاهرة توضح أن الثقافة العربية الإسلامية، في مجراها الرئيسي، تنظر إلي نفسها كثقافة بيضاء.
الاغتراب عن الذات : الهوية الثقافية العربية هي انعكاس خارجي للنفس العربية. أنها تعكس تصورهم للعالم، وهو تصور لابد أن يكون مختلفا عن تصورات الآخرين للعالم، وذلك لأن الناس يفهمون العالم من خلال الثقافة وليس من خلال الطبيعة. إن اللغة العربية تعكس العالم كما تراه العيون العربية، وذلك لان هناك علاقة قوية بين الكلمة والعالم word & world))، وبين الخطاب والكون. فالكلمات هي التعبيرات اللفظية عن محتويات الكون. وفي تحليلاته النفسية للثقافات الغربية توصل لاكان إلي أن الثقافات الغربية واللغات الغربية، تتميز بالذكورة. وعندما تستخدم النساء هذه الثقافات، لا يستطعن أن يكن فاعلات كنساء. وعندما يتحدثن فإنما يتحدثن لغات مذكرة. ولا يستطعن، بالتالي، في إطار البنية القائمة لهذه اللغات، أن يحققن رغباتهن ككائنات متحدثة . ويوضح لاكان كذلك كيف يدخل الطفل إلي عالم اللغة من خلال "رمزيتها الاجتماعية" وتحدث هذه العملية بالتماهي مع الأب والاغتراب عن الأم. وككائن متكلم فإن الطفل "ينمو داخل عالم الأب ".
يمكن إثارة نقطة مشابهة في علاقة الشماليين باللغة العربية. فعندما يدخل الطفل الشمالي عالم اللغة العربية، فهو أو هي، يدخل في عملية التماهي مع الأب العربي، والاغتراب عن الأم الأفريقية، ولكن الشماليين يشعرون بالوجود الظاهر للأم في جلودهم ووجوههم، وكما أوضح فرانسيس دينق : "ولا يحتاج الأمر إلي عالم متخصص في علم النفس الاجتماعي، لاستنتاج أن هذا الاحتقار لبعض العوامل الظاهرة في ملامح الوجه، لا بد علي مستوى ما من مستويات الوعي أن يسبب لصاحبه درجة من التوتر والتشويش" . ولكن طريقة الشماليين في التعامل مع هذا التوتر والتشويش، تعتبر متفردة نوعا ما. فبدلا من محاولة إعادة صياغة وتدجين اللغة لتناسب ملامحهم، فانهم يخترعون صورة خيالية لوجوههم لتلائم اللغة. ولذلك يتفادون استخدام كلمة "أسود" لوصف أنفسهم، ويصرون إصرارا مبالغا فيه علي أصلهم العربي". ويحدثنا أحمد الشاهي الذي درس قبيلة الشايقية قائلا : "من الوقاحة أن تصف الشايقي بأنه أزرق (أسود)، حتى ولو كان لونه كذلك، لأن هذا الوصف يساويه بالعبد."
ومن الأمثلة الصارخة علي وجود هذا التوتر، هذا المقتطف من خطبة للشريف زين العابدين الهندي، أحد القادة السياسيين البارزين في الشمال. فقد قال : "أنا عربي. وأعرف أنني عربي. ولا يستطيع أحد أن يناقشني في ذلك. فأنا أملك شجرة نسب. فأنا فلان بن فلان بن محمد رسول الله. ولكن، من الجانب الآخر، يستطيع أي فرد أن يشير إلي أفريقيتي. فقد جئنا (نحن)، واختلطنا (معهم)، والنتيجة هي هذه (الخِلَقْ) القبيحة التي صرنا عليها." "نحن" في المقتطف تشير إلي العرب، و"هم" تشير إلي الأفارقة النوبيين، و"هذه الخلق التي صرنا عليها" تشير إلي الحاضر، إلى الشماليين الموجودين الآن. والعبارات تعبر عن التماهي مع "الأب"، والاغتراب عن الأم "هم" وكراهية الذات (هذه الخلق التي صرنا عليها). هذا هو المثال الأكثر فصاحة لمفهوم دوبوا عن الشخص الأسود الذي "يرى نفسه من خلال عيون العالم الآخر، والذي يزن روحه في ميزان يبخسها ولذلك ينظر إلى هذه العملية باستمتاع يختلط بالاحتقار والشفقة." ويعتبر تماهي الشماليين، مع المتنبي، في هجائه لكافور، النوبي، مثالا آخر علي تكوين نفسي منحرف.
تشعر النخبة السياسية والثقافية الشمالية، بالحاجة لترداد أنها عربية. ويشعرون بالضيق من كلمة "السودان". وقد قال الطيب صالح، الروائي ذو الصيت العالمي، ما يلي : "تمنيت لو أن قادتنا سموا هذه البلاد سنار. ربما يكون السبب وراء عدم استقرار هذا البلد أن اسمه (السودان) لا يعنى شيئا بالنسبة لأهله. فما السودان؟ مصر هي مصر، واليمن هو اليمن، والعراق هو العراق، ولبنان هو لبنان. ولكن ما السودان؟ فالاستعماريون أطلقوا هذا الاسم علي المنطقة التي تمتد من أثيوبيا في الشرق وحتى السنغال في الغرب. الأمم الأخرى أطلقت علي أوطانها أسماء تعنى شيئا بالنسبة لها، وتركنا وحدنا نحمل هذا العبء علي أكتافنا. كراهية السواد تنبع من التماهي مع العرب، وتبنى منظورهم للعالم. وهذا الاقتراح بتغيير اسم البلاد ليس جديدا، فقد ظهر مباشرة بعد الاستقلال. والسبب الأساسي وراء الاقتراح هو معنى الاسم وإيحاءاته. فكلمة (سوداني) يستخدمها الشماليون كمرادف لكلمة (أسود) وكلمة (عبد). وهذه الكلمات تستخدم للدلالة علي العبودية أو الأصل العبودي، أي لأولئك الذين ينتمون لجماعات غير عربية مسلمة ، سواء من الجنوب أو جبال النوبة. بالنسبة للشمالي أن تكون سودانيا يعني أن تكون أسودا، وأن تكون أسودا يعني، بدوره، مستوي اجتماعيا أدنى، وأصلا أدنى. ويتفق أغلب الباحثين الذين درسوا السودان، مثل هيذر شاركي وأحمد شاهي، أن وصمة (السواد) متأصلة في تراث الرق، خاصة وأن كل الأسر الشمالية تقريبا، في منطقة الوسط النيلي، كانت مالكة للعبيد . ومع أن هذا صحيح، إلا أنني أعتقد أنه لا يمثل كل الحقيقة. فهناك مستوى أعمق تجد فيه وصمة (السواد) أصولها، وهو الثقافة العربية، التي تحتقر السود، كما رأينا من قبل. فالشماليين لم يدجنوا الثقافة العربية، واللغة العربية والقيم العربية، بل استبطنوها جميعا. وهذا هو السبب في كونهم يرون العالم من خلال العيون العربية، رغم المفارقات، ورغم ابتذال الذات المترتب على هذه النظرة. ومن الملاحظ بصورة عامة، أن الشمالي كلما تبحر في اللغة العربية والأدب العربي، كلما بالغ في تأكيد أصله العربي، وكلما أمعن في كراهية (السواد) وكلمة (سوداني). ويحدثنا خالد حسين أحمد عثمان أن أعضاء جمعية "أبو روف" (رفضوا بعد الاستقلال، أن يقدموا لاستخراج الجوازات، لأن الفرد منهم كان مطالبا بتسجيل أسمه كسوداني قبل أن يحصل علي الجواز) ولذلك فإن عبارة الطيب صالح تعبر عن تجديد لرغبة شمالية قديمة للتخلص من لعنة اسم (سوداني). ولو أخذناها مقروءة مع ما قاله الهندي، لوضعنا أيدينا علي الرغبة لهروب المرء من جلده، أو تبييضه، من خلال الخطاب، ليشبه جلدا عربيا. ويصيب دينق عين الحقي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: khalid kamtoor)
|
الاستاذ خالد كمتور تحية وود وسعيد بأن نلتقي هنا في هذا المنبر ، خاصة وانا متابع لكتاباتك ومجهوداتك الفكرية.
اتابع هذا البوست كما قرات مقالات عمر الشيخ في الصحافة. ولكن لاحظت ان هنالك بوستا اخر للاخ محمد طه الملك في نفس الموضوع وهو جدير ايضا بالنقاش فلدي اقتراح بأن نوحد الجهود حتى نسهل الامر على القارئ والمناقشين توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) .
* لدي الكثير حول اطروحة الاخ د. الباقر ، كما سبق لي ان استضفته في منزلي لتقديم اطروحته لعدد من المهتمين بمنطقة واشنطن، وقد كان نقاشا حتى منتصف الليل.
* سوف ابدأ بطرح آرائي في نقاط بعد ان ارى ما اثمر عنه اتفاقكما انت والاخ الملك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: khalid kamtoor)
|
.
انتبه كاتب المقال دون عناء فيما يبدو إلى مناطق الضعف في منهج دراسة د. العفيف. كما وفق كاتب المقال كثيراً في الإشارة إلى الإهمال المتعمد – ربما - لدكتور العفيف للإرث الثقافي العروبي الاسلاموي الغزير لشمال السودان.. ولكنه مال حسبما اعتقد إلى ما كان في غنى عنه من كثير التعريض والسخرية. ويبدو أنه يجد العذر في التعريض الذي بدأ به العفيف خاصة فيما يتعلق بوصم الشمال كله "بانتحال الهوية". وأعجبني أن المقال قد تنبه بالمثل إلى أن المنهج الذي اعتمده العفيف " التحليل النفسي الفرويدي" ربما يبدي عقدة عند كاتب الدراسة أكثر مما يبدي عقدة تنتاب النخب الشمالية. ولكنه كان سيصيب نجاحاً أكبر لو أنه مضى إلى فرقعة فسيفساء تحليل العفيف عوضاً عن المضي بافتراضات إيحائية لمسببات "أزمة العفيف" حسبما فهمت بين السطور. وإن كانت الإشارة إلى احتمال تلقي العفيف "لشاكوش" بينة نوعاً ما. أقصد بالمقال وليس بالدراسة بالطبع. فيما يتعلق بضعف بنية أُطروحة كراهة "نخب الشمال" للأسود. فاعتقد أن بالإمكان الذهاب إلى أكثر من مجرد الاستشهاد ببعض أبيات الشعر. إذ أن ذلك هو للأسف ما يؤخذ على دراسة العفيف نفسها. ويستطيع كاتب المقال في سهولة ويسر بيان ذلك بعدد لا يحصى من الأمثلة والحقائق. وهو ما أومأ له هو بنفسه عند قوله:
Quote: وقد كان منتظراً من د. العفيف بحكم ما حاز عليه من إجازة علمية، مضافاً إليها انتماؤه الإثني، أن يكون الأكثر جدارة حتى من موسوعة (ويبستر) لخدمة أطروحته ورفدها بما تستحق من كشوفات حول عملية (انتحال الهوية) هذه، خاصة أن أهله الجعليين موجودون لم ينقرضوا، ومعهم كذلك أبناء عمومتهم من الشايقية والمناصير والرباطاب والشكرية والبطاحين والكواهلة... إلخ. وآدابهم مبذولة من تاريخ وقصص وأحاجٍ وأشعار وأغانٍ ومديح صوفي وأسفار وهجرات ومعارك... إلخ... إلخ. ووسط ذلك الكم الهائل المتراكم لا يعدم د. العفيف أن يتتبع عناصر الانتحال، خاصة إذا ما لاحظنا أنه يتمنهج بأسلوب التحليل النفسي لبناء (الشخصية/ الهوية). |
أتراه استعجل الانقضاض على العفيف وقد توهم أو تلمس وهنه؟
اعتقد كذلك أن البحث عن نقد تعريف د. العفيف للهوية عبر تناقض/اختلاف الدلالة لكلمتي "هوية" وآيدينتيتي غير مجد. إذ بالإمكان التعذر بأن الورقة قد أعدت في الأصل باللغة الانجليزية. وليس في هذا ما يعيب. ولكن بالإمكان بالطبع الاتجاه إلى تفنيد اعتماد العفيف إلى تعريفات بعينها دون غيرها. أو تفنيد اعتماده على التعريف "النفساني". أو تخطي كل ذلك ببيان إن كانت هناك " أزمة هوية" بالفعل. إذ أن هدم هذا الافتراض من شأنه أن يأتي على دراسة العفيف من أول كلمة فيها (أزمة). وسيجد الكاتب نفسه مضطراً في تناول دراستي العفيف إلى التداول حول الأسباب الحقيقية للنزاع في جنوب البلاد وفي دارفور التي تتجاوز كونه مجرد إنعكاس "لأزمة هوية". ويمكن فعل ذلك عبر محاولة الإجابة على الأسئلة التالية: هل دارت/تدور النزاعات في السودان بسبب أساسي عماده "أزمة الهوية عند النخب الشمالية" أم أن للأمر أسباب متعددة يجب تناولها كما تقتضي كل مناهج البحث السليم؟ ويتسلسل عن هذا السؤال العديد من الأسئلة الأخرى مثل: هل هناك دور لأية أطماع إقليمية أو دولية أو حتى مجرد اهتمام جيوي سياسي لقوى خارجية يؤثر على مستوى النزاع أو نوعه؟ هل هناك دور أو تأثير لأية أسباب أخرى بيئية أو مناخية – مثلما أشار أمين عام الأمم المتحدة مؤخراً ودعمته دراسة لصندوق الأمم المتحدة للبيئة؟ هل يفسر زعم "أزمة الهوية عند "الشماليين" مثلاً التواجد الكثيف للأسلحة المتوسطة والثقيلة بالمنطقة؟ هل هناك دور للانقسام الذي حدث في "الحركة الإسلامية" مؤخراً على وتيرة النزاع خاصة وأن أحد أكبر الحركات المتمردة بدأت في الواقع كصوت احتجاجي خافت داخل التيار الحاكم؟ ولماذا لم يتم التمكن من حل النزاع على قرار النزاعات السابقة عبر الأطر العدلية التقليدية؟
وعلى النقيض مما يمكن أن يتبادر إلى ذهن البعض من أن كاتب السطور إنما يحاول غسل الدماء عن أيدي مَن يعتقد هذا البعض أنهم الفعلة الحقيقيين فإن لإجابات هذه الأسئلة أهمية حقيقية ليس فقط في التوصل إلى الحل وإنما كذلك في كيفية المحافظة عليه. وقد أشارت دراسة برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن أي تسوية لا تشمل سبل تحقيق تنمية مستدامة تتضمن حل مسألة شح الموارد وفرص العمل لن يكتب لها النجاح.
أهم من كل ذلك فإنني أرى أن كاتب المقال قد حرم نفسه الشيء الكثير من الوقوع في الفخ الذي وقع فيه د. الباقر نفسه من تعريف الشمال بأنه ليس أكثر من القبائل التي تنتسب إلى أصول عربية. حيث أن لنوبيي الشمال دوراً كبيراً في المكون الثقافي "الشمالي" إن جاز التعبير. بل أن البعض منهم ربما يحث بالدونية إن أنت وصفته "بالعربي". والكثير منهم إنما يحتفي بأصله النوبي أكثر من انتمائه إلى مركز عربي متوهم – مثلما يعتقد العفيف. وهم إذ يفعلون إنما يتصالحون مع ذواتهم ولا يجدون أي حرج من التصالح بالمثل مع الثقافة الغالبة على مستوى القطر. وهو أمر متبع في كل بلاد الدنيا والتي لا يخلو أي منها من أقليات كما هو معلوم.
والمدهش أن تبني العفيف للتفسير الفرويدي قد وصم دراسته بالكثير من الهنات بل والطُرف. ومن بين ذلك الافتراض بأن الشماليين يحتقرون الأم الأفريقية في موازاة الإحساس بالانتماء إلى الأب العربي.
يقول د. الباقر العفيف:
Quote: فالشماليون يعيشون في عالم منشطر، فمع إﻧﻬم يؤمنون اﻧﻬم ينحدرون من "أب عربي" و" أم أفريقية" فإﻧﻬم يحسون بالانتماء إلى الأب الذي لا يظهر كثيرًا في ملامحهم، ويحتقرون الأم، الظاهرة ظهورًا واضحًا في تلك الملامح. هناك انشطار داخلي في الذات الشمالية بين الصورة والتصور؛ بين الجسد والعقل، بين لون البشرة والثقافة، و بكلمة واحدة بين " الأم والأب".
|
لماذا يفترض العفيف أن من كل من ينتمي إلى العرب من الشماليين أو من يدعي الانتماء إليهم إنما يدعيه من جانب الأب، خاصة وأن هذا الادعاء لا يستقيم وفهم "الأشراف" والذين يصل نسبهم في خاتمته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عبر أم وليس أب كما هو معلوم؟ هذا رغم اعتقادنا الجازم بأن انتماء أهل الشمال إلى العروبة إنما يرتكز على الثقافة المكتسبة وليس الأنساب كما ورد سابقاً. وكما أشار الكثيرون.
.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: abdelwahab hijazi)
|
الأخ العزيز/ إبراهيم علي إبراهيم التحية لك على المشاركة، وقد مضى زمان طويل لم نلتق فيه عبر البريد... أشكرك ولا مانع لدي من توحيد الصف.. ولك الود
عزيزي/ عبد الوهاب حجازي دمت لنا... والحق قد أقنعني أسلوبك وما ينطوي عليه... وأصدقك القول أن هذا الانشطار المزعوم في الشخصية السودانية – كما يتوهمه الباقر عفيف لا وجود له أصلاً في الذهنية الشمالية المُدّعى عليها، ويكذبه الواقع. والدكتور الشيخ عمر الأمين سيواصل حسب كلامه في نقد الورقة، وقد يداخلك عبري إن سنحت له الفرصة – كما ذكر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: ابراهيم على ابراهيم المحامى)
|
عندما قرأت في هذا الـمنبر عن نشاطات مركز الخاتـم عدلان في موضوعة ما يسمي بالهوية وجدتني أصرخ مستفسرا(الهوية!! تاني ??) وهي صرخة ترجع للعام1990 إذ إستفسرت مقدمي ندوة الهوية بـمعهد الدراسات ألآسيوية والإفريقية عن ماجدوي هذا السؤال عن الهوية في بلد مثقل بالهويات كالسودان...ففي القاهرة عام1991 قدمت ورقة بإتحاد الـمحامين العرب بعنوان{مقدمة في سؤال الهوية أم التنمية}وذلك عقب إجتماع التجمع الوطني الديـمقراطي بلندن والذي خلص فيه إلي ترك مسألة الهوية لحين إنعقاد الـمؤتـمر الدستوري..فعن لي أن الهوية إختيار وليس لكائن من كان أن يحدد لك هذا الخيار..وعليه طرحت سؤال التنمية بدلا عن الهوية فالتمية(برامج ملـموسة ومحسوسة)أما الهوية وفي كثير من الاحيان تصير (اشواقا)خاصة إذا نوقشت في حظيرة(الايدلوجيا) كما هو بائن في ورقة العفيف ورد الشيخ عمر ألأمين عليها..وتبان أكثر وضوحا في مساهمات الـمحجوب وخضر حمد وعبدالنبي مرسال وأدهم(في الثلاثينات) ثـم مساهمات ناس ألآفروعروبية(في الستينات والسبعينات) ثـم مساهمات ناس السودانوية(جون قرنق وعشاري احمد محمود واحمد الطيب زين العابدين)
كنت آمل ان نطور البحث السوداني تجاه نقد ألآثار التي خلفها سؤال الهوية منذ مجلتي النهضة والفجر وإبنهما الشرعي(مؤتمر الخريجين) وحتي إتفاقيات نيقاشا وخطل الـمصطلح الدائش والـمسمي دون فحص بـ{قوي الهامش..والجلابة}
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: doma)
|
ألشاعر إبراهيم العبادي وكذا الحال الـمؤرخ محمد عبدالرحيم عنبر..فهما من أوائل النفر الذين إلتفتوا لخطل هذا السؤال(سؤال الهوية).. فالعبادي صرخ بها عاليا:-
جعلي وشايقي ودنقلاوي أيه فايداني غير خلقت خلاف خلت أخوي عاداني
خلو نبانا يسري في البعيد والداني
يكفي النيل أبونا والجنس سوداني
فالعبادي لـم يرتكز علي الهوية كعامل متغير بطبيعته وإنـما إرتكز علي (النبل) والنيل يا جماعة ظاهرة طبيعية لا تقبل الجدل..ولكن لـم يلتفت السياسيون آن ذاك لهذه الصرخة فولجوا بنا محيط الهوية الهائج..فوجب علينا أن نجترح الأسئلة ناقدين للنتائج التي افضي إليها سؤال الهوية(الملعون)...فيا خالد آسف لأني أدخلت البوست في متاهات غير متاهاته
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: abdalla elshaikh)
|
Conclusion
We have mentioned that Northerners believe that they are descendants of an Arab father and an African mother, and that they identify with the father and reject the mother. To the average Northerner, the mother symbolizes the Southerner within, and unless Northerners accept their mother, and identify with her, they will not accept Southerners as their Al-Baqir al-Afif Mukhtar 45 equals. Recognition of the long denied African component within the Northern self, and accommodation of the long suppressed African mother within their identity, are the prerequisite for Northerners to recognize and socially accept Southerners as a little bit different but equals. The problem of the war could be resolved through cessation of the South from the North. This could probably solve the Southern problem with the North, but will not solve Northerners’ identity crisis. It is obvious now the crisis of identity in the North has reached its peak, and the equilibrium started to swing again. Questions about identity have been posed, and Northerners have to make a choice; to continue to lurk in the margin or to create a center of their own, to continue to be second rate Arabs, or to try to be first rate Sudanese. Cultural and political entrepreneurs are split between those who suggest a construction of a new identity that enables Northerners to see the world through their eyes, and those who are defending the status quo. However, destabilizing the old identity is the point of departure for the construction of a new identity, and exposure of the paradoxes of the old identity is essential for the purpose of destabilization. This is what this paper set to do. Notes 1 The term Northern Sudan here does not designate the geographical North, but rather the ideological North, whose geographical confinements are limited to the Muslim, Arabicspeaking, central riverain Northern Sudan. 2 Oedipous’ words in Sophocles’ play Oedipous Tyranous, in Antony D. Smith, National Identity, (England: Penguin Books, 1991), 2. 3 See Address to the United Nations Human Rights Commission in Geneva by Dr. John Garang on March 24, 1999, News Article by UNHR on March 27, 1999. 4 Francis M. Deng, War of Visions: Conflict of Identities in the Sudan, (Washington, D.C.: The Bookings Institution, 1995). Al-Baqir al-Afif Mukhtar 46 5 Ibid., 4. 6 Philip Babcock Gove, Webster’s Third New International Dictionary of the English Language Unabridged, (ed.) (London: G Bell & Sons Ltd, 1959). 7 David Laitin, “A Theory of Political Identities”, in Identity in Formation: the Russian Speaking Population in the Near Abroad, (Ithaca and London: Correll University Press, 1998). 8 David L. Sills International Ensyclopaedia of Social Sciences, ed. (The Macmillan Company & the Free Press, 1968), 7, 61. 9 Ibid. 10 Maurice R. Stein, Arthur Virdich, & David M. White, Identity & Anxiety, eds. (New York: Free Press , 1960). 11 Laitin, “A Theory of Identities”, 13. 12 Ibid., 20. 13 Deng, War of Visions, 1. 14 Julius Ground & William L. Kolb (ed.) A Dictionary of Social Science, London: Tavistok Publications 1964, 314. 15 Sigmond Freud, The interpretation of Dreams, trans. J. Starchy, (London: Allen & Unwin, 1945), 150. 16 J. P. Seward, “Learning Theory and Identification”, Journal of Genetic Psychology, 84, (1954), 202. 17 Sigmond Freud, Group Psychology and the analysis of the Ego, trans. J. Starchy, (London: The International Psychological Press, 1922), 65. 18 M. Scheler, The Nature of Sympathy, (London: Routledge & Kegan Paul, 1945), 18, 19. 19 Laitin, “A Theory of Identities”. 20 Ibid., 14. 21 Erik H. Erikson, Identity: Youth and Crisis, (New York: Norton, 1968), 19-23 22 H. M. Johnson, Sociology: A Systematic Introduction, (New York: Harcourt, Brace, 1960), 128. 23 Laitin, “A Theory of Political Identities”. 24 George A. De Vos, “A Psycho-cultural Approach to Ethnic Interaction in Contemporary Research", in Marthsa E. Bernal and George P. Knight, ed. Ethnic Identity: Formation and Transmission among Hispanic and other Minoroties, (Albany: State University of New York Press, 1993), 235-68. 25 Laitin, "A Theory of Identity". 26 Ibid., 18. 27 Charles Taylor, “The Politics of Recognition”, in Amy Gutmann, ed., Multiculturalism Examining the Politics of Recognition, (Princeton, New Jersey, Princeton University Press, 1994), 25. 28 Laitin, “A Theory of Political Identities”, 21. 29 Ibid. 30 Ibid., 23. 31 Ibid., p. 22. 32 Ibid., p. 23. 33 Ibid. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 47 34 Erikson, Young Man Luther, New York: Norton, 1958. 35 Erikson, Identity: Youth and Crisis, 19-23 36 Laitin, "A Theory of Identities", 17-18. 37 Ibid. 38 Taylor, "The Politics of Recognition". 39 Ibid., 25. 40 Ibid. 41 The writer attended this meeting which took place after a Friday prayer in 1990, in Martin Luther King Hall at Aston University in Birmingham. Most of those who attended the meeting were members of the National Islamic Front (NIF). 42 Many of my informants contested the title of my research on grounds that Northerners are not black, but brown, and accused me of being influenced by the "western" color concept. 43 A Sudanese joke says that a Northerner, who is very dark and has very soft and straight hair, was taking a taxi in Syria, and was chatting in Arabic with the Syrian taxi driver. After a while the taxi driver said to his passenger: “Are you from Senegal? ”. The offended Northerner directed the driver's attention to his (the passenger's) soft hair saying: “ Do you think this is wig?". 44 An average chap in the North usually seeks to get a white or light skin girl with a soft long hair. Girls also prefer light skin boys. 45 Janice Boddy, Wombs and Alien Spirits, Women, Men, and the Zar Cult in Northern Sudan, ((Wisconsin: The University of Wisconsin Press, 1989), 64. 46 The Northerners' use of the word akhdar instead of aswad is probably an effect of the Arabic culture. The early Arabs used the word akhdar to describe people of unquestionable nobility whose color, for one reason or the other, was black. An example of these is al-Fadl ibn 'Abbas ibn 'Abdel Muttalab ibn Hashim ibn 'Abd Munaf. He is said to have got the black color from his grand mother. He said about hiself: "I am the akhdar (green) for those who know me, my skin is akhdar but I am a son of an 'Arab noble home". See Abduh Badawi, al-Shura' al-Sud wa khasaisuhum fil-shi'r al-'Arabi, (Cairo: 1973), 93. 47 The use of chemical creams that lighten dark color is widely spread among young girls in the North. The side effects that these creams caused have recently become a matter of concern in the local newspapers and among Sudanese discussion groups in the Internet. For a detailed description of the local methods used by brides in Northern Sudan to soften and lighten their skin color see Boddy, Wombs and Alien Spirits, 64-65. 48 Deng, War of Vision, 5. 49 Ahmed al-Shahi, “Proverbs and Social Values in a Northern Sudanese Village”, in Ian Cunnison and Wedny James eds., Essays in Sudan Ethnography, (London: C. Hurst & Company, 1972), 97. 50 'Awn as'Sharif Qasim, Qamus al-Lahja al-'Amiyyah fi-s-Sudan, (Cairo: 1985), 298. 51 Boddy, Wombs and Alien Spirits, 64. 52 It is observed that probably all the earlier generations of Northern Scholars who studied in the west, and who married European or America women, got married to white women. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 48 Neither my informants nor myself know of a single case where one of them got married to a black woman. Even among the younger generations the vast majority is married to white women, and very few of them married black women. 53 Because marriage between Muslim women and non-Muslim men is forbidden in Islam, Northerners, in case of Europeans, usually accept the nominal Islam declared by the individual before marriage is conducted. 54 Mohamed Ahmed Mahgoub, Democracy on Trial, Reflections on Arab and African Politics, (Cheshire: Andre' Deutsch, 1974), 59. 55 This period is from independence in 1956 until the end of the second democracy in May 1969. During this time "Arabism" was the undeclared identity and ideology of the governments. However, starting from May 1969, governments took "socialist" and then "Islamic" identities and started to take sides with their allies in the Arab countries. For an elaborate discussion of Sudan's foreign policy, during these eras see Mansur Khalid's Nimeiri and the Revolution of Dismay, (London: Boston Routledge & K., 1985); The Government they Deserve: the Role of the Elite in Sudan Political Evolution, London / New York: Kegan Paul International 1990). 56 Mahgoub, Democracy on Trial, 136. 57 R.S. O’Fahey, Arabic Literature of Africa, the writing of Eastern Sudanic Africa to c. 1990, (Leiden, New York, Koln, E. J. Brill, 1994), xi. 58 For more information about the White Flag League of 1924 see Yushiku Kurira, Ali Abdel Latif and 1924 Revolution: Researching the Origins of the Sudanese Revolution, trans. Majdi al-Na'im, (Cairo: Center for Sudanese Studies, 1997). For more information about the unionist movement see Khalid, the Governemet they deserve; Mahgoub, Democracy on Trial. 59 Although I have not so far come across a study of this phenomenon, it is widely observed. 60 Abdellahi Ali Abrahim, al-Thaqafa wal-Dimogratiyya fil-Sudan, (Cairo: Dar al-Amin, 1996), 31. 61 Ibid., 30. 62 Ibid., 31. 63 Al-Sharif Zein al-'Abidin al-Hindi, see end note 131. 64 Abdella al-Tayeb, in the Sudanese Studies Association triennial Conference in Darham in 1990. 65 Salah Ahmed Ibrahim, a well known statement. 66 Al-Sadiq al-Mahdi, Interview, Masarat Jadida, (Cairo: 1998), 171. 67 Mohammed Omer Beshir, Revolution and Nationalism in the Sudan, (Barnes and Noble, 1974), 2-3. 68 Lloyd A. Binagi, The Genesis of Modern Sudan: An Interpretive Study of the rise of Afro-Arab Hegemony in the Nile Valley, A.D. 1260-1826”, Ph.D. Dissertation, (Temple University, 1981), 3-4. 69 Abd el-Fatah Ibrahim el-Sayed Baddour, Sudanese Egyptian relations, (The Hague: Martinus Nijhoff, 1960), 17. 70 Ibid. 71 William Y. Adam, Nubia Corridor to Africa, (Prenciton: N.J.: Prenciton University Press, 1977). Al-Baqir al-Afif Mukhtar 49 72 R. S. O'Fahey and J. L. Spaulding, Kingdoms of the Sudan, (London: Methuen & Co LTD, 1974), 15. 73 Ibid., p. 31. 74 Ibid, p. 30. 75 Ibid., p. 30. 76 Ibid., p. 31. 77 Ibid., p. 28. 78 Muhammad Ibrahim Abu Salim & Jay Spaulding, Some Documents from Eighteenth- Century Sinnar, (Kartom: Kartoum University Press, 1992), 8. 79 There are many theories trying to explain the Funj conversion to Islam. One theory is that they did it out of fear of the Turks who eventually invaded and destroyed the kingdom. Another theory maintains that they did it in response to a persuasion from the 'Abdallab, their Muslim allies. For more information see R. S. O'Fahey and J. L. Spaulding, Kingdoms of the Sudan, 31-33. 80 Islam, of course, reinforced the use of Arabic, for the Muslim population "held Arabic in great esteem for religious reasons". See R. S. O'Fahey and J. L. Spaulding, Kingdoms of the Sudan, p. 31. 80 Ibid., p. 31. 81 Ibid., p. 75. 82 Ibid., p. 86. 83 Laitin, "A Theory of Political Identities". 84 Ibid., 40. 85 Muhammad Ibn Jarir al-Tabari, Tafsir al-Tabar: Jami' al-Bayan 'An Ta'wil 'Ulum al- Qur'an, ed. Mahmoud Mohammad Shakir, (Cairo: Dar al-Ma'arif, no date), vol. 8, 104. 86 Yusuf Fadl Hasan, The Arabs and the Sudan from the Seventh to the Early Sixteenth Century, Edinburgh: EUP, 1967), 146. 87 It is known that Muslims purify themselves by washing their limbs and faces five times a day in preparation for prayer. The idea is that in prayer you will stand in front of God, and therefore you should be pure. The physical washing of the limbs is a means to and a symbol of the moral and psychological washing of sins committed through these limbs, by the mouth, the tongue, the ear, the eye and the nose. The process of purification includes worship, doing good and abstaining from evil. 88 See The Qur'an, 33:33. 89 Aya (verse) 103 in sura (section) 16 says: "And the tongue of whom they wickedly refer is foreign 'A'jamiyyun and this is a clear pure Arabic tongue (lisanun 'Arabiyyun Mubin). 90 C. G. Seligman and Brenda Z. Seligman, Pagan Tribes of the Nilotic Sudan, (London: Routledge & Kegan Paul ltd., First published in 1932, Revised 1965), XVIII. 91 J. S. Trimingham, The Christian Approach, 25. 92 Heather J. Sharkey, Colonialism and the Culture of Colonialism in the Northern Sudan, Ph.D. Dissertation, (Princeton: Priceton University, 1998), vol. 1, 40. 92 Deng, War of Visions, 4. 93 Sharkey, Colonialism and the Culture, vol., 1, 40- 58. 94 Ibid., 34. 95 Ibid., 34. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 50 96 Ibid., 35. 97 Ibid., 40. 98 Paul Doornbos, "On Becoming a Sudanese", in Tony Barnett and Abbas Abdelkarim, eds. Sudan: State, Capital and Transformation, (London, New York, Sydney: Croom Helm, 1988), 100 &101. 99 99 Sharkey, Colonialism and the Culture, vol., 1, 34. 100 'Abduh Badawi, al-shu'ara' al-sud wa khasa'isuhum fi-l Shi'r al-'Arabi, (Cairo, 1973), 223-4. 101 John Hunwick, West Africa and the Arab World: Historical and Contemporary Perspectives, (Accra: Ghana Academy of Arts and Sciences, the J. B. Danquah Memorial Lectures, series 23 Febryary 1990, 1991), 2. 102 'Abduh Badawi, al-shu'ara' al-sud, 223-4, in Hunwick, West Africa and the Arab World, 12. 103 This story is common place knowledge in the Muslim world. 104 B. Lewis, "The African Diaspora and the Civilization of Islam", in M. I. Kilson & R. I. Roteberg, The African Diaspora (Harvard University Press, 1976), 48-9. 105 Ibid, p. 7. 106 Abduh Badawi, al-Sud wal-Hadara al-'Arabiyya,(Cairo: al-Hay'a al-Masriyya al- 'Amma Lil-kitab, 1976), 22. 107 Hunwick, West Africa and the Arab World, 1990, 6 & 7. 108 Ibid., p. 5. 109 Ibid., 5. 110 Ibn Khaldun, The Muqaddimah, trans. Franz Rosenthal (2nd edn, Princeton University press, 1967), i, 186-9. Cited in John Hunwick, West Africa and the African World, 6. 111 Badawi, al-shu'ara' al-sud, (Cairo: 1973), 223-4, in Hunwick, West Africa and the Arab World, 11 & 12. 112 Ibid., 108. 113 Ibid., 6. 114 Ibid., 6. 115 Badawi, al-Shu'ra al-Sud, 31. 116 Badawi, al-Sud wal-Hadara al-'Arabiyya, 23. 117 Carolyn-Fluehr-Lobban, “A Critical Anthropological review of the Race concept in the Nile Valley”, a paper presented at the Fourth International conference of Sudan Studies at the (American University in Cairo, 1997), 5. 118 Ibid., 5. 119 Abduh Badawi, al-Shu'ra al-Sud, p.78. 120 Ibid., 42. 121 Ibid., 34. 122 Ibid., 5. 123 Ibid., 111. 124 Ibid., 111. 125 Badawi, al-Sud wal-Hadara al-Arabiyya, 185-186 126 A. Yusuf Ali, The Holy Qur’an, Text, Translation and Commentary, 3rd ed., (Cambridge, Massachusetts, Murry Printing Co, 1938). 127 Ibid. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 51 128 Ibid. 129 Ibid. 130 Mahmoud Muhammad Taha, The Second Message of Islam, (Beirut: 1968). 131 Ibid. 132 Teresa Brennan, History After lacan, (London, New York: Routledge, 1993). 133 Deng, War of Visions, 64. 134 Ahmed S. al-Sahi, “Proverbs and Social Values in a Northern Sudanese Village” in Ian Cunnison and Wedny James, eds., Essays in Sudan Ethnography (London: C Hurst & Company, 1972), 95. 135 Al-Hindi is the current Secretary General of the democratic Unionist party (DUP General Secretariat), the minority faction which has split from the mainstream Democratic Unionist Party led by Muhammad Osman al-Mirghani. This statement was made in a speech he delivered to a Sudanese audience in London in 1995. 136 W. E. Burghardt Du Bois, The Souls of the Black Folk, Essays and Sketches, (Chicago: A. C. McClurg & Co, 1908), 3. 137 Al-Tayeb Salih, al-Majala Magazine, issue 78, 18/6/1989. 138 Sharkey, Colonialism and the Culture, vol. 1, 36. 139 In the 19th century the influx of slaves flooded the Northern markets, causing a sharp fall in the prices of slaves to the extent that as Sharkey puts it "even the humblest families in the central riverain North were able to purchase a slave or two". Sharkey, ibid., 37. 140 Khalid H. A Osman, The Effendiyya and the Concept of nationalism in the Sudan, Ph.D. Dissertation, (University of Reading, 1987),122; See also Sharkey, ibid, 71. 141 Deng, War of Vision,
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: ابراهيم على ابراهيم المحامى)
|
ما الذي يجعل نوبيا من أقصى شمال السودان لا تجيد والدته اللغة العربية و يتحدثها والده بصعوبة و بلكنة ثقيلة..ما الذي يجعله يقول بأن المحس جاءوا من المدينة المنورة و أنهم من الخزرج و غير ذلك من القصص المشابهه عن الزبير بن العوام و غيره. هناك محاولات دائبة من جميع الشماليين للبحث عن شجرة نسب تعود بهم إلى أصل في الجزيرة العربية و كأنما وضعك كمواطن سوداني محترم لا يتحقق بغير حيازتك لمثل هذا الصك.. في قرى الشمالية حيث اهلي يحرص الناس تمام الحرص على عدم تسرب أي قطرة دم "إفريقي" إلى نسلهم-باعتبارهم عربا خلصا حسبما يعتقدون- و يكثر الكلام عن أن فلان فيهو"عرق" و علان حبوبته"سرية" و غير ذلك من السخافات. طيب..اذا كان سكن ضفاف النيل شمال الخرطوم عربا..أين ذهب النوبيون الذين كانوا يسكنون هذه المناطق بل كانت حواضر ممالكهم فيها؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: سيف النصر محي الدين محمد أحمد)
|
Quote: وهذا هو سؤال الهويّة مما لا بد أن يكون قد واجهه د. الباقر العفيف يوماً ما، خاصة عندما تقدّم إلى قوم كرام ليخطب ابنتهم العزيزة المكرّمة. ذلك اليوم الذي ما كان من الممكن أن تنفعه فيه أي إجابة تستند إلى مصطلح إنجليزي فنقول (إنه من حملة شهادة الدكتوراة) ذلك أن هذه إجابة خارج الموضوع لا يلبث المتسائل أن يضيف إليها: ومن هو هذا الحامل لشهادة الدكتوراة: فنقول إنه سوداني من مدينة الحوش واسمه د. الباقر. فإذا كان آباء سيدتنا القادمة الفضلى لا يعرفون حينها تفاصيل سكان مدينة الحوش، فإن ذلك يصير تعريفا ناقصا يدفعهم إلى أسئلة أخرى لا يهدأ لهم بال حتى يتعرّفوا على تفاصيل تفاصيلها، فتصدر براءة بموجب تحديد ومعرفة آبائه الكرام، وأهل أمه الأكرمين، بعد أن يتم التباري في ذكر مناقبهم السمحة، ويضاف إليها لزوماً مناقب أبناء عمومته وأبناء خؤولته، ذلك أن سيدتنا الفضلى القادمة إنسانة كريمة الأرومة والمحتد، لا نقبل في حقها بأي صورة من الصور أي شكل من أشكال المرمطة الثقافية، |
هل الهدف من اسئلة أهل العروس هنا تجنيب ابنتهم مرمطة "ثقافية" أم "عرقية"؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: khalid kamtoor)
|
ما من شك في أن نوبيو شمال السودان اليوم ليسوا هم بالنوبيين الذين عاصروا مملكة (كوش)، فقد جرى امتزاج وتصاهر عريض بينهم وبين المجموعات المحلية والعناصر التي وفدت على هذه الأرض. ولا غرو من أن ينتسب بعضهم إلى العروبة أو إلى أية مجموعات وإثنيات أخرى مادام الفرد يدرك أن الامتزاج العنصري بينه وبين الآخرين قد وقع فعلاً. لكن أنْ يخرجَ علينا بعض الشماليين الساخطين على الثقافة العربية ليحددوا لنا هويتنا وفقاً لرؤيتهم وتصورهم للهوية، وأننا ينبغي أن نؤوب لعصر (الكوشية) وإلى ما قبل التاريخ (في الألفية الثالثة) لنؤكد على أصالتنا وهويتنا وانتمائنا الراسخ، ولكي لا ننظر إلى بعدنا النوبي وكأنه مجرد تاريخ وثني!! كل ذلك وأكثر هو عين ما يدعو له الباقر عفيف الأكاديمي الشمالي، عبر (منبر الصحافة)، رصْد الأستاذ الشاعر حسام الدين ميرغني (الصحافة 10/9/ 2005م) يقول :« مشكلة الهوية أعاقتنا عن معرفة امتدادنا في التاريخ، بل أصبحنا ننظر إلى بعدنا النوبي كتاريخ وثني، ثم تحولت أنسابنا من أرض النوبة إلى شبه الجزيرة العربية وبالتالي أصبحت نظرتنا لأنفسنا هي نظرة العرب إلينا ـ في حين كان يجب أن تسود هذه الثقافة العربية، ولم ننفِ النظام الدلالي للغة العربية»
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ثالثاً: تطفيف موازين البحث عند د. الباقر العفيف (Re: khalid kamtoor)
|
أما عن صلة السودان بالجزيرة العربية يشير الطبري في تاريخه إلى أن العرب كانوا يعيشون منذ القدم على ضفتي بحر (القلزم)، وبحر القلزم هو البحر الأحمر. ويذكر الجغرافيون العرب القدماء أن عشائر من (حضرموت) في اليمن قد اختلطت بقبائل البجا في شرق السودان قبل ظهور الإسلام مكونة ما عرف بـ (الحداربة) ومفردها حدربى، ولعلها تصحيف لكلمة حضرمي وقد احتفظوا بلغتهم البجاوية، وفيهم قال المادح حاج الماحي رحمه الله مدحته المشهورة التي أنشأها إبان حجه لبيت الله الحرام. وحول العلاقة بين الجزيرة العربية والقارة الإفريقية يشير كذلك البروفيسور الكيني الأصل علي مزروعي إلى ذلك متسائلاً ومشككاً في موضوعية الاعتبارات التي جعلت البحر الأحمر حداً جغرافياً فاصلاً بين إفريقيا وآسيا ملحقة جزيرة العرب بآسيا. ويتساءل كيف اعتبرت جزر (موريشص) التي تبعد ألف ميل عن الساحل الإفريقي، ومدغشقر التي تبعد خمسمائة أجزاء من القارة الإفريقية. بينما اعتبرت (عدن) التي تقع ـ حسب تعبيره ـ على مرمى حجر من سواحل الصومال عبر (باب المندب) جزءاً من قارة أخرى هي آسيا؟.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تعقيب الأستاذ الشيخ عمر الأمين (Re: khalid kamtoor)
|
الشيخ عمر الأمين
أخى الأستاذ خالد بابكر السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
لا تعبّر عبارات الشكر على مدى تقديرى لما قمت به من هذا مجهود ، لكن ورغم أخوّة صادقة تجمعنى بك، فقد أحسست أنى ممن لا يملكون حقوق إزداء الشكر لك ، إذ أنك هنا مقاتل أقدم منى فى شأن الثقافة السودانية و جخانين مباحثها حتى فى صحيفة الصحافة ، لذا فأنت صاحب حق أصيل و أعتبر كل ما يخطه يراعى ناطق باسمك لك الحق فى تقليبه واستعماله كيفما تشاء ، وهذا توكيل مطلق. حقاً أحس بأن طرح الموضوع من خلال (سودانتز أون لاين) ذلك الموقع العملاق أعطاه دفعة قوية من التداخل بأفكار ثرة وجليلة أوضحت لى ضعف بياناتى فى بعض الجوانب مما يحتاج للمزيد من المراجعة ، فقد أضيفت نقاطاً جيدة كلها دون استثناء. و لأنى (دقة قديمة) فقد لا تطاوعنى طريقة التفكير أثناء الكتابة خاصة على (الكى بورد) و أحبذ الكتابة على الورق بالطرق التقليدية ثم مراجعتها تم طباعتها، فقد وجدت صعوبة فى مجاراتكم بالتداخل. و لأنى عجوز بما فيه الكفاية فإنه يصعب إصلاح عودى لأنه (نشف وأكان عافرتو بنكسر) لذلك سأتبع طريقتين الأولى هى تفعيل هذا التوكيل بمراسلتك عبر الإيميل و(إنت قوم بالباقى). والثانية مراجعة أخرى فى مفاكرة الجمعة كل أسبوع، و أرجو أن يسمع لى أصدقاؤك من المتداخلين أن أقوم بذلك على المفاكرة. وعلى عموم الأمر ، فإنى أرجو اعتبار المفاكرة كمثل بوستكم تدعوكم التفاكر والتداخل الفكرى. أشكرك على تعريف موقفى السياسى خارج المشروع الحضارى كما نعرفه على أيامنا هذه ببلادنا السودان، و أزيدك أنى أعتبر نفسى خارج كل المشاريع السياسية والحضارية المعاصرة ، فمشروعى الخاص مفارق (ليلية وضحوة) وصعب الطريق وشائك ووعر لا يمكن أن يسير عليه ( أى زول ساكت كدى بى أخوى و أخوك) . لذلك فلا أدعو له إلا لماماً، مما يجعلنى أصف ما أقوم به ليس كمشروع ودعوة الى ذلك المشروع ، بقدر ما أرى أن مهمتى أن أكون (قاطع طريق) فكرى، أجمل عكازتى مصادماً لأطر الحداثة الفكرية وما بعدها، و ذلك بغرض كشف التضليل الفكرى الذى تمارسه على عقولنا استكياشاً. لذلك فإذا ما نظرت الى نظرة تصنيفية فيمكنتك إن تقول أنى أنشد أن أكون شاهداً على عصرى ، يخاف أشد الخوف أن يُصنف داخل تصنيفات السياسة المعاصرة، ويحب أن يكون متخارجاً من كافة أطرها (تخارج) الشعرة من العجين. مع ذلك فلا أقع فى حاله العداء المجانى السياسى على أهل المشروع الحضارى، فهم ليسوا بدعاً من السياسة والسياسيين، ( وما فى شدرة ما هزاها الريح).
طالعت ما أرسله الأخ طلعت الطيب من نص باللغة الإنجليزية. وهو لجزئية لا تزيد عن خلاصة البحث و ثبت المراجع والمصادر. أظن أننا نستحق منه أن يورد نص الورقة متكاملاً ، إذ أنها تواجه اتهامات جدية لاحظناها فى قراءة ما يختفى فى سطور مداخلة الأخ الأستاذ ابراهيم على ابراهيم المحامى الجيّدة . فقد قال بالتداخل الفكرى ما بين (فرانز فانون) ود. العفيف ، و نود أن نتأكد من أن ذاك لم يكن تعدياً على أفكار (فرانز فانون) دون أى إشاره له كمصدر نصّى أو فكرى. وأظن أن (الكلام دخل الحوش) فرغم تقديرنا لعلاقة الصداقة التى تربط الأستاذ ابراهيم بالأخ د. العفيف ، فإنه لا ينقص من ودنا لدكتور العفيف نفسه أن نحقق فى مبحثه للتأكد من هذه القضية الخطيرة التى تحتوى تهمة مباحثية كبيرة مفادها أن فكرة ما تم تحويرها خارج سياقها بالإستفادة من نصوصها بما يوهم أنها مكتشفات لملاحظات عن حالة سودانية بينما هى ملاحظات لحالة أخرى غير متطابقة. ووقوفاً على ثر ما أثارته مداخلة الأستاذ إبراهيم فقد كانت جل نقاطه ذات وزن معتبر نوافقه عليها جملة وتفصيلاً مع قليل تحفظ حول مقولته عدم ممارسة الصرامة المنهجية على بحث د. العفيف بحسب ما يراه أن البحوث الأكاديمية وحدها تقتضى الدقة والحرص فى تحرى طرائق ومناهج البحث العلمى، فمناهج البحث العلمى الأكاديمية المعاصرة كان خروجها الى التداول فى (حوش) الجدل والصراع الفكرى الفلسفى الآيديولوجى قبل المدارس الأكاديمية. و ليس هنالك من بحوث مخففة المناهج مما يمكن أن نقول أنها مستثناه من التدقيق المنهجى كشرط لتتبع أفكارها الأساسية و ذلك لدراء حالة الدخول فى توهان مباحثى. إضافة فباحثنا يحمل درجة الدكتوراه، وقدم بحثه الى مؤتمر منعقد فى وسط أكاديمى.أرجو من الأستاذ ابراهيم مخلصاً أن يبعد عمنًا أساليب التسويات القانونية، فتلك بضاعة لا نحسن التداول فيها فى مجال البحوث .
أقدر أشد التقدير أسئلة الأخ عبدالله الشيخ، وأزيد على سؤاله لماذا إثارة الحديث عن الهوية بسؤال إضافى : ومن هو الذى يثير من هذه التساؤلات ولماذا؟ وسأحول تضمين إجابتى إن شاءالله فى مفاكرة الجمعة القادمة. و لكم كل حبى ومودتى . أخوكم عمر الأمين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين (Re: khalid kamtoor)
|
Al-Baqir al-Afif Mukhtar 1 The Crisis of Identity in Northern Sudan:1 A Dilemma of a Black people with a White Culture A paper presented at the CODSRIA African Humanities Institute Tenured by the Program of African Studies at the Northwestern University, Evanston I ask to be no other man than that who I am. And will know who I am.2 Background of the Study In Sudan, Africa’s largest land, there is a civil war, the longest in Africa, and probably in the whole world. It has continued for thirty-six years, claimed 1.9 million lives, and displaced five million people. Since 1989, when the current government came to power, more people have been killed, by war and war related famine, than in the Bosnian, Rwandan and Somalia wars combined.3 Attempting to understand the roots of the war, Sudanese historians and political analysts generally adopted two main approaches. The first generation of these focused mainly on the colonial powers, and their “calculated measures to separate the South from the North”, by sowing the seeds of hatred in the South. However, after more than four decades of national rule, the problem is not only there, but has aggravated, and its latent religious tone has now taken a full-fledged form. This matter has motivated new generations of Sudanese to do some rethinking. Thus the second approach came into being and shifted the focus from the enemy “without” to the enemy “within”; it identifies the roots of Al-Baqir al-Afif Mukhtar 2 the war as a conflict between the two main identities in the country, Northern and Southern. Now there is a wide consensus among Sudanese, Northern and Southern alike, that the country is in a state of a crisis of national identity. The war is basically viewed as a war of vision, and a conflict of identities, as Francis Deng, the prominent Southern Sudanese intellectual, eloquently puts it.4 The North, feeling that it is Arab and Muslim, has always sought to define the whole country in these terms. It did not only resist any attempts by the non-Arab segment of the country to identify Sudan with black Africa,5 but also tried relentlessly to assimilate the South through Arabization and Islamization policies, and to turn the Southern identity into a distorted image of the Northern self. The South, on the other hand, perceiving this scheme as a kind of cultural cloning, has always resisted it. However, this study goes a step further and investigates a deeper level of the roots of the war. It focuses on the conflict “within” the Northern identity, which underlies the conflict “between” Southern and Northern identities. It tries to reveal the connection between the cleavage caused by the ruling Northern elite in the country and the fissures of the Northern self, and whether the former is both manifestation and sign of the latter. Thus this study makes another shift of focus from the external duality characterizing the North/South divide to the internal duality characterizing the Northern self-divide. A Definition of Identity Identity is defined by The Webster’s Third New Dictionary of the English Language as “the sameness of essential genetic character in different examples or instances. Or Sameness of all that constitutes the objective reality of a thing: self-sameness, oneness; sameness of that which is Al-Baqir al-Afif Mukhtar 3 distinguishable only in some accidental fashion. The sense arising in shared experience, an instance of such sameness. Or unity and persistence of personality: unity or individual comprehensiveness of a life or character. Or the condition of being the same with something described, claimed or asserted, or of possessing a character claimed”.6 If we want to establish a person’s identity, we may need to know his or her name, color, ethnic and cultural background and the position one occupies in the community. Thus there are two faces to identity, one primordial and given, and the other constructed and chosen. Identity is both subjective and objective, personal and social, and hence its illusive nature. Individuals have a wide range of possible identities. They can have racial or ethnic identities, national or religious identities, or even hometown identities.7 The talk about personal identities is firmly connected to the realm of genetic discourse. Although biological characteristics are objective, personal identities mean much more than these; they also include “a subjective sense of a continuous existence and a coherent memory”.8 The subjective sense of identity is the sense of sameness and continuity as an individual,9 a sense of belonging to a deep-rooted set of values which forms one’s mental and moral attitude, and gives individuals their unique characters. It enables the individual to live life more fully and intensely. At such moments, it can be said that an individual has become himself or herself, and is “at home with his or her body”, and in harmony with his or her environment and symbolic order. However, what underlie such a subjective sense are objective attributes, which can be recognized by others. Identity is also dynamic and responsive to changing conditions. It is bound to shift with changing technologies, cultures and political systems.10 Al-Baqir al-Afif Mukhtar 4 It is also strategic. People claim certain identity for strategic reasons, such as empowerment. Above and underlying these factors are the historical legacies of our ancestors which “weigh heavily on who we are and who we can become”.11 Identity is therefore a claim for membership based on all sorts of typologies such as race, ethnicity, gender, class, caste, religion, culture, etc.12 It is the way by which people define themselves and are defined by others on the basis of the above typologies.13 A Definition of Identification Identification is defined by the Dictionary of Social Sciences as a “tendency to imitate and or the process of imitating the behavior of an object. It may also denotes the process of merging emotionally, or the state of having so merged, with the same object”.14 S. Freud introduced the term into psychology in 1899. He stated that identification is “the earliest expression of an emotional tie with another person". An individual identifies with another person as an ‘ego ideal’ someone he or she would like to be, rather than someone he or she would like to have. This is why it is relevant to group behavior. He explained the need and capacity of the individual to affiliate, and the strength of the emotional ties involved, as essential attributes of human beings. He also mentions the ‘infantile origin’ of the process of identification, and postulates that this particular infantile origin accounts for its operation at the subconscious level, for its strength as a motivational factor, and for its irrational and, sometimes, regressive manifestation. To him identification is not simple imitation, but rather assimilation on the basis of similar aetological pretension.15 N. Sanford takes issues with Freud and states that, on the contrary, identification is a conscious process, while imitation is unconscious. J.P. Seward defines identification as “a general disposition to imitate the Al-Baqir al-Afif Mukhtar 5 behavior of a model.”16 Freud speaks of three levels of identification. His thesis is that, first it takes the form of emotional tie with an object. Then it becomes a substitute for a libidinal tie, as if it takes the form of introjection of the object into the ego. Finally it gives rise to new perception of a common quality shared with some other person,17 or group. Scheler differentiates between two types of identification, idiopathic and heteropathic. In the first type, identification comes about “through the total eclipse and absorption of another self by one’s own”, whereas in the second type, “the identified is overwhelmed and hypnotically bound by the model”.18 Identity Formation The classical idea was that social identities are primordially given and inherited like the biological traits. This view started to give way to the idea that identities are constructed by choice,19 and are always subject to reconstruction.20 However, people’s choices of identities are limited or constrained by the given and primordial factors such as their features, families, communities, histories, cultures, etc. Identity formation, according to Erikson, is a process by which [T]he individual judges himself in the light of what he perceives to be the way in which others judge him in comparison to themselves and to a typology significant to them; while he judges their way of judging him in the light of how he perceives himself in comparison to them and to types that become relevant to him.21 Social Psychologists hold that an individual’s identification with a group, for example, a social class, or a racial or ethnic group, is probably the most pervasive of all the psychological processes that are directly relevant to social behavior. Identification with a dominant group, for instance, takes Al-Baqir al-Afif Mukhtar 6 place when one “internalizes the role system of the group and considers oneself a member of it”.22 This happens through the process of cultural assimilation. As David Laitin puts it: [C]ultural assimilation is like religious conversion, and as the literature of religion conversion makes clear, what one generation considers simple pragmatism the next considers natural. Thus the children who are brought up in a religious community will, egged up by religious authorities castigates their parents for what they see as their hypocrisy.23 This view corresponds to De Vos’ perception of constructed identities as “deviant”. To him, they demonstrate “excessive instrumental expediency” and a sign of “inner maladjustment”,24 which occurs in certain social conditions that have a huge impact on self-perception of own identity.25 Despite their constructed nature, “identity categories have the power to subsume and even to colonize individuals”.26 In the formation of social identities, there is always an in-group, which represents the desired social identity, and a peripheral group, which have to adjust in order to identify with the model. In such cases the former represents the core, and occupies the center stage of that social identity whereas the latter represents the outer circle and occupies the margin. The former is privileged, and the latter seeks to be so. The former has the power to legitimize or de-legitimize the latter. To describe a similar concept, Chalres Taylor uses the term "recognition / misrecognition". He postulates that people’s identity is: "partly shaped by the recognition or its absence, often by misrecognition of others".27 For instance, whereas the white middle to upper class represents the center of the American identity, the blacks, Japanese, etc., Americans represent the peripheries of that identity. The center monopolizes the power Al-Baqir al-Afif Mukhtar 7 to recognize or misrecognize these groups. The tension between the center and the peripheries may lay dormant or works at a low key in normal and peaceful times. At such times the umbrella of identity seems to embrace all the social groups that share the nation. But in times of severe conflicts the center uses and often abuses the power of recognition. It can withdraw the umbrella from any of the peripheral social groups whenever it sees it necessary to do so. This actually had happened during World War 11, when the Japanese Americans were detained in concentration camps, for their loyalty to America was questioned by the center of the American identity. The selectivity of the center in using the power of recognition and misrecognition can be demonstrated by the fact that German Americans were not detained in the same scale, despite the fact that Germany was the major force of the European Axis. Thus the center decided to misrecognize the Japanese Americans during the war, and to restore recognition to them after the war. The same thing can be said about Britain, where the English identity represents the center of the British identity. It is noticed that the term English is frequently used by the media community in Britain when it means British, the matter which irritates nationalists in Scotland and Wales. It is also observed by the black British community that the mainstream British media some times refer to Afro-Caribbean athletes as "British" when they won medals for Britain, and as "Caribbean" when they lost. These examples illustrate the tensions between the center and the peripheries in each identity as well as the dynamics and processes of recognition and misrecognition that operate between the center and the peripheries. Change of Identity Relying on a model developed by Thomas Schelling, Laitin interprets identity shifts in terms of “cascades” and “tips”. Cascades occur when Al-Baqir al-Afif Mukhtar 8 people’s behavior and actions are motivated by or based on their anticipation of what other people will do. When so many people in the community think that others will think on the same lines and behave accordingly, suddenly the community “tips” from its stable order before the cascade to a new stable order. To demonstrate how communities tip and cascade, Laitin gives the following example: “Consider the case of one or two African Americans who buy homes in a stable “white” neighborhood. Suddenly the white families, fearing that they will be the last whites in the neighborhood, all seek to sell out at the same time. But only African Americans who are willing to buy. Very quickly the neighborhood “tips” from a stable white to a stable African American”.28 Identity shifts in the same manner, i.e. it can also cascade.29 In his empirical study of the Russian community in Astonia, after the collapse of the USSR, and the shrinkage of its borders, David Laitin gives us a clear example of how identity shifts. He described the efforts Russian individuals, who found themselves foreigners in the communities they once dominated, were exerting in order to accommodate to the new realities. Russians in Astonia struggled to obtain the Astonian nationality. They started to learn the Estonian language, which they did not feel the need to learn before the collapse of the union, as the Estonian were compelled to speak Russian. Laitin concludes that the quest of these people to keep their families intact, and to avoid deportation, gave then an incentive for an identity shift. This in turn lays the foundation for the construction of an Estonian identity for their grandchildren, and that, as a community, they are moving towards an identity tip.30 Communities normally live in equilibrium. In such situations communities feel that the world is completely stable. Identities do not come Al-Baqir al-Afif Mukhtar 9 under question, and there will be no incentive for change. All people share a tacit understanding of who they are. Cultural and political elite of such a group step in to give meaning to this equilibrium by providing it with beliefs, constraints, principles,31 myth, and a symbolic order. At this stage the community can be described as being itself, i.e. it lives in harmony with its environment, and sees the world through their own eyes. However, turbulent events can shake the equilibrium, bring instability to the community, result in an identity crisis, and motivate some people to explore new identities. At this stage cultural and political elite normally split between those who try to defend the status quo, and those who will seek to induce a cascade towards a new equilibrium.32 Three Dimensions of Identity None of the identity theories summarized above can alone explain the complexities of the Northern Sudanese identity, and a synthesis of them is therefore essential for that purpose. Thus on the basis of the foregoing one can identify three elements that interact to define any social identity. The first element is a group’s perception of itself. The second is the others’ perception of the group. The third is recognition or lack of recognition of the group by the center of identity. If these three elements interact in a harmonious way, i.e. if people’s definition of themselves matches with other people’s definition of them, and that the center of that identity grants them recognition, then this particular community is said to be living in equilibrium. Here is where the cultural and political elite steps in to give meaning to this equilibrium by providing it with a set of beliefs, constraints, principle,33 myth, and symbolic order. The symbolic order seeks to harmonize the whole universe around the community’s identity, or in other words, to make the universe looks as though emanating from the Al-Baqir al-Afif Mukhtar 10 community’s collective self, or as if it is an extension of their identity. At this stage the community can be described as being itself, and as seeing the world through their own eyes. An example of how the symbolic order works is the way by which western cultures have reconstructed the image of Jesus Christ to make him look like an Anglo Saxonian. This happened regardless of the fact that he was a Jew, and by no means that he had blonde hair and green eyes. But nevertheless, this reconstruction is essential for harmonizing the white people's identity, for people make better sense of the universe when they worship a God that looks like them, not one that is alien to them. On the other hand, if the three elements interact contradictorily, i.e. if people’s perception of themselves does not match with the way other people define them, or, more seriously, if the legitimizing powers did not recognize the community’s definition of itself, then this particular community is said to live in disharmony. In such a case, the symbolic order does not emanate from the community's collective self, but is usually borrowed from the center of the identity that the community is aspiring for, and wants to "be". These conditions set the scene for the paradoxes of identity to become visible, for instability to creep into the community, and for the crisis of identity to loom in the horizon. Crisis of Identity A crisis of identity can occur at both the personal and the social levels. At the personal level, a crisis ensues when infantile identifications are brought to conform to urgent new self-definition and irreversible role choices.34 Also, personal identity is a lifetime quest, as Erikson postulates, and failure to attain it represents a crisis, which can have a damaging effect on individuals.35 At the social level, a crisis may ensue when people, while Al-Baqir al-Afif Mukhtar 11 constructing their identities, fail to find a label that adequately fits them, or “when they do not like the identity they have chosen or were compelled to go by”. And because social identities are usually “constructed from the available repertoire of social categories, misfits are inevitable”.36 Also a crisis may occur when people are ambiguous about their identity, or lack a clear identity.37 A crisis may also ensue when there is a disparity between self-perception of one’s identity and others’ perception of the same identity. Finally a crisis may exist if the center of identity, i.e. the legitimizing power, does not recognize the peripheral's claims. Elements of the Crisis in Northern Sudan Among the elements that constitute a crisis of identity in any community, one can identify three that are applicable to the Northern Sudanese. First, there is a disparity between Northerners’ self-perception of their identity and others’ perception of them. Northerners think of themselves as Arabs, whereas the Arabs think otherwise. Northerners’ experience in the Arab world, and especially in the Gulf, proved to them beyond any doubt that the Arabs do not really consider them as Arabs, but rather as abid, (sing. abd), slaves. Almost every Northerner in the Gulf has had the unpleasant experience of being called abd. The Arabs of the Middle East, and especially those of the Arab Peninsula, and the Fertile Crescent, represent the in-group of the Arab identity that Northerners aspire to. These “real Arabs” occupy the center stage of this identity, and enjoy the power of legitimizing or de-legitimizing the peripheries’ claims. The Northerners, on the other hand, represent the outer circle of the Arab identity, occupy the periphery and wait to be drawn closer to the center, as a sign of recognition. Mis-recognition of any group by others, especially if these others represent the center of identity, can inflict serious damage in that group.38 In Charles Al-Baqir al-Afif Mukhtar 12 Taylor's own words, "a person or a group of people can suffer real damage, real distortion, if the people or society around them mirrors back to them a confining or demeaning or contemptible picture of themselves".39 Far from recognizing Northerners as Arabs, the center dubbed them ‘abid, and thus kept them, to use Taylor’s term, in a “reduced mode of being”. 40 The second element of the crisis of identity in Northern Sudan is concerning “ambiguity” about identity. Northerners came face to face with this symptom especially in Europe and America where people are classified into ethnic and social categories. In 1990, a group of Northern Sudanese in Birmingham in Britain convened a meeting to discuss how to fill in the Local Council’s Form, and especially the question about the social category. They felt that they did not fit in any of the categories that include, among others, “White, Afro-Caribbean, Asian, Black African, and Others”. It was clear to them to tick on “Others”, but what was not clear was whether to specify as “Sudanese, Sudanese Arab, or just Arab”. There was a heated discussion before they finally settled on “Sudanese Arab”. When the question why not to tick on the category of Black African was raised, the immediate response was that, “but we are not blacks”. When another question raised the point why not just say Sudanese, the answer was that: “Sudanese include Northerners and Southerners, and, therefore, does not give an accurate description of us”.41 Ambiguity about identity was also observed in the feeling of dismay Northerners usually experience when they discover, for the first time, that they are considered blacks in Europe and America. It is also observed in their attitude towards the black communities there. To be called black was a shocking experience to the average Northern individual. Southerners usually joke by saying to their Northern friends “thank God here we are all blacks” and its variant “here we are all abid”. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 13 Northerners attitude towards the black population in these countries is similar to their attitude towards the Southerners. They usually refer to them by the word “abid”, and one of my interviewees, once, referred to the Afro Caribbeans as Southerners “janubiyyin”.42 The third element of the crisis is concerning “misfits” of identity. Northerners live in a split world. While they believe that they are the descendants of an “Arab father” and an “African mother”, they seem to identify with the father, albeit invisible, and despise the mother who is so visible in their features. There is an internal fissure in the Northern self between the looks and the outlook, the body and the mind, the skin color and the culture, and, in one word, between the “mother” and the “father”. Arabic culture standardizes the white color, and despises the black color. Northerners, in using the signification system of the Arabic language, and the value system and symbolic order of the Arabic culture, do not find themselves, but they find the embodiment of the center. The Northern self is absent as a subject in this order. It is only seen, as an object, through the eyes of the center, and hence the “misfits”. The Impact of Marginal Identity on the Northern Psyche This inferior position has undoubtedly had its impact on the psychology of the Northern individual. Recognizing that the standard features of the in-group as white or light complexion, soft straight hair, and non-flat nose, the average Northern individual has a sense of lacking in some of these traits and attributes, and a desire to complement or compensate for them. The understanding was that the lighter the color of the skin, the closer the person is to the center, and the more authentic his or her claim to Arab ancestry. Failing to comply with the standard color, as is the case with most of the Northerners, the individual seeks a second resort in the hair, in order Al-Baqir al-Afif Mukhtar 14 to prove his or her Arab descent; the softer the hair the closer the individual to the center.43 Failing to meet the hair criteria, the individual takes the last resort in the shape of the nose, the closer to the standard the better, for, at least, it can stand as a prove of non-Negroid origin. Colour Consciousness An individual lacking in the standard features normally seeks to compensate or complement them. And because marriage offers these individuals an opportunity to compensate and complement, the average Northerner aspires and seeks, as far as possible, to marry a partner who is closer to the standard features and color.44 Such a union gives the individual an immediate compensation for his or her darkness and offers an opportunity of recovery from it in his or her offspring. In her remarkable study of a Northern Sudanese village that she gave the pseudo name Hofriyat, Janice Boddy found out how the villagers are color conscious. She learned from them that the ranking of skin color according to desirability "ranges from 'yellow' or light through increasingly darker shades called 'red', 'green', and 'blue'". She then continues to say that the term aswad (black) is usually reserved for Southern Sudanese or Africans".45 Whereas Boddy's quotation proves the point of desirability of the lighter color among Northerners, her literal translation of the terms of the Northern color codes asfar, asmar, akhdar, and azrag, may cause some confusion, if not explained. And in order to explain it, one would rephrase Boddy's quotation as follows. The first color in ranking is asfar. This literally means "yellow", but used interchangeably with ahmar to denote "whiteness". The second in ranking is asmar. This literally means reddish, but it is used to describe a range of color shades from light to dark brown. This range usually includes subdivisions such as dahabi (golden), gamhi (the Al-Baqir al-Afif Mukhtar 15 color of ripe wheat), and khamri (the color of red wine). The third in ranking is akhdar. This literally means green, but it is used as a polite alternative of the word "black" in describing the color of a dark Northerner.46 Last and least is azrag. This literally means "blue", but it is used interchangeably with aswad to mean "black", which is the color of the 'abid. The average Northerner views dark color as a problem that should be dealt with. Whereas females deal with it directly through local or imported color lighteners, males usually resort to indirect methods, i.e. a conjugal union with a light-colored partner.47 But whatever satisfaction this latter complementary and compensatory measure may offer the individual, still there remains a great deal of anxiety generated by the consciousness that one is moving around with the wrong color. In order to counter such an anxiety, defense mechanisms must be put to work; thus the color brown becomes the standard, and the color black takes a different name. In order to avoid describing the self as aswad (black), the collective Northern consciousness renamed the word as akhdar, which originally used to describe the dark color of the soil. Thus, accordingly, whereas a very dark Northerner is only akhdar, an equally dark Southerner is bluntly aswad. In discussing the Northerners’ color concept, Deng writes the following: Northern racial pride focuses on the right brown color of the skin, considered the standard for the North and therefore for the Sudan. To be too light for a Sudanese is to risk being considered a foreigner, a khawaja (European), a Middle Eastern Arab, or worse, a Halabi, a term used for the Gypsytype racial group, considered among the lowest of the lightskinned races. The other side of the coin is of course, looking down on the black race as inferior, a condition from which one has mercifully been redeemed. Northern Sudanese racism and Al-Baqir al-Afif Mukhtar 16 cultural chauvinism, therefore, condemns both the very dark and the very light.48 While Deng’s observation is generally true, his conclusion needs many qualifications. It is my contention that ahmar (white) is the ultimate standard color for the average Northerner. It is considered the standard color of the in-group, i.e. the center of the Arab identity. Whereas the brown color is standard only at a lower level, and as a way of defense mechanism that had to accommodate it as an inescapable reality. Unlike the white color, brown is good not on its own right, but only as a second best alternative. Although popular music frequently flatters the magical looks of the brown sweet heart asmar ya sahir al-manzar, the overriding signification system of the Arabic Islamic culture standardizes the white color, as we will demonstrate later. Had Northerners developed a comprehensive and consistent signification system that standardizes the brown color, they could have solved a great deal of their identity crisis. Although it is true that Northerners stigmatize the very light ahmar and the very dark, aswad or azrag, this stigma is not at the same level. The social stigma attached to the color aswad is because it is associated with the color of the ‘abid (slaves). Whereas the social stigma attached to the color ahmar (white) is because it is associated with color of the halab (Gypsies). The halab, who are looked upon as people with lax morality and demeaning behavior, are considered as “social outcasts”.49 The cultural formulations that prejudice the color aswad are overwhelmingly abundant and deeply rooted in the Arabic culture and literature, unlike those that prejudice the color ahmar which are scant and only developed later on, during the Turkish occupation of the Sudan. These latter cultural formulations came about as a result of the atrocities inflicted by the Turks upon the population, for Al-Baqir al-Afif Mukhtar 17 Northerners came to view the Turks as the embodiment of corruption, greed, and cowardice. The Mahdist revolution against the Turks and his decisive victory over them intensified and augmented their contemptible image in the eyes of Northerners. This was when the popular catch phrase “al-humra alabaha al-Mahdi”, came into usage. The phrase can be translated as “the redness, (meaning whiteness) that the Mahdi had detested”. Ahmar is therefore condemned, with these limitations and connotations in mind, not in absolute terms. Indeed ahmar is essentially viewed, by both the Arabic culture and by the Sudanese local culture, as the embodiment of beauty. In his Qamus al-Lahja al-'Amiyyah fil-Sudan, A Dictionary of Colloquial Arabic in Sudan, 'Awn ash-Sharif Qasim has this to say about the white color. They [the Arabs] call an individual with a white complexion ahmar. 'Aisha, wife of the Prophet, was called al-humaira, (a diminutive form of the word ahmar) because her skin was white. The Arabs also used to call the Persians and the Romans humr (plural of ahmar) because the color of their skins is white. And they mean the white color when they say al-husnu ahmar (beauty is white).50 Janice Boddy shows how the women of Hofriyat village are conscious of skin color. To them, "white skin is clean, beautiful, and a mark of potential holiness". They repeatedly told her that, as a white woman, she had far greater chances to get into heaven, if she converted to Islam, than them or any other Sudanese. Their reasoning was that "this is because the Prophet Mohammad was white, and all white-skinned peoples are in the favored position of belonging to his tribal group".51 Also, condemnation of ahmar (white) remains only at the level of discourse and is not reflected in the social behavior of the Northern Al-Baqir al-Afif Mukhtar 18 Sudanese. For instance, Northerners showed readiness to intermarry with white people, be they Europeans or Arabs, but they demonstrated reluctance to intermarry with black people, be they Southerners or Africans in general.52 More precisely, whereas Northerners do not have problems in marrying off their daughters to the first category, they do not even contemplate marrying them off to second category.53 Marginality Consciousness Another sign of the impact of the marginal identity on the Northern psyche might be observed in the political behavior of Northern ruling class. One of the first decisions to be taken by the Northern ruling class after independence was to join the Arab League. Mohamed Ahmed Mahgoub tells us that "we had hasten to join the Arab League immediately on the declaration of our independence".54 Recognizing its place in the margin of the Arab world, this government kept a low profile within the Arab world, and did not take sides in the Arab internal disputes, neither with the radicals nor with the conservatives.55 Like any other marginalized categories, Sudan was almost forgotten by the Arab world in normal and stable times. History teaches us that only during turbulent times of wars and upheavals that severely shook or torn the social fabric of societies, that women and slaves, as marginalized categories, got recognized by the center. Equally, only when the Arabs were demoralized and humiliated by the stunning defeat that they suffered at the hands of Israel in 1967, that Sudan was remembered, drawn close to the center, and allowed to play a significant role within the Arab League. It's neutrality, or rather its bystander role, qualified it to host the 1967 Arab Summit. Mahgoub tells us that "Khartoum was the only politically acceptable conference site for both conservative and extremist Arab leaders".56 What he does not tell us, though, is that the margin had Al-Baqir al-Afif Mukhtar 19 become a convenient place for the center to withdraw to, in order to lick the wounds. Carrying the Luggage Another sign of the impact of the marginal identity is what may be called “carrying-the-luggage” attitude. The marginal identity always looks forward to the center for cultural, religious, and political inspirations and intellectual pursuits. It has an inclination to borrow cultural products from the center, and is not expected to produce or lend. Sean O’Fahey tells us that “the northern riverain Sudan always interacted with Egypt or looked across the Red Sea to Arabia”.57 The cultural relationship between Northerners and the Arab world is more or less a one way road, in which cultural materials flow from beyond the northern borders, against the tide of the Nile, and from the east, across the Red See. It is remarkable that almost every political party in the Arab world has a branch in Northern Sudan. The Ba’th Arab Nationalist Party, in its both factions, the Syrian and the Iraqi, the Nasirite Party, Qaddafi’s Peoples’ Conferences, Saudi’s Wahabbi movement and Egyptian’s Muslim Brothers movement all have offshoots in the North. The 1924 political movement, and later the Unionist movements in the 1940s worked under the patronage of the Egyptians, and both aimed at the political unity with Egypt.58 To the center, the margin is a cultural and political vacuum, if not a dust bin, which is there to be filled. This is why the different entities within the center compete to fill it up. Conformity with the Center Another sign of the impact of the marginal identity on the psychology of the Northern individual is what I may call the “conformist attitude”. It is observed that the majority of Northerners that work in the different countries of the Arab world adopt the accent spoken in the country they find Al-Baqir al-Afif Mukhtar 20 themselves in. Even when they return to Sudan, there is a high possibility that these accents, or at least, certain words and expressions may become part of the individual’s language repertoire. It is also observed that the few Arabs who come to Sudan do not change their accents even if they lived among the Sudanese for years. Moreover, Northerners that mix with these Arabs in Sudan are more likely to amend their language and accent in order to conform to that of the Arabs who live among them.59 Agency to the Center One of the most prevailing statements among Northern cultural enterpreneaurs is that Sudan is a bridge between the Arab world and Africa, usually referring to it as “the dark continent”, emparting to it Arabic culture and Islamic religion. Consequently, Sudan became the home of many organisations and institutions that propogate Arabic Islamic culture, such as Khartoum International Institution for Arabic language, The Institute for Teaching Arabic to non-Arabic Speakers, the African Islamic Institute, the Organisation for the Propogation of Islam, and its specialised offshoot, the African Islamic Agency for Relief, Dan Fodio Humanitarian Corporation for Trade, The African Council for Private Education, and the African Humanitarian Association for Childhood and Motherhood. The ultimate objective of these institutions is “to work towards the spread of Islam and the Deepening of Islamic Culture in Africa”. Sudan, the margin, is the agent through which the center, the Arab World, is to carry this objective out.60 Describing the role of an agent that Northerners play for the center, Ibrahim has said the following: This role which had been designed for us by the Arabic Islamic Propagation Appoach has caused us great hardship. As a result Al-Baqir al-Afif Mukhtar 21 of our readiness to undertake this task, we looked down upon our fellow citizens as worthless and primitive people who have no culture or religion. We have accused their language of intelligibility (‘ujma), and their religion of paganism, and we set out, aided with the state machinery, to destroy their languages and cultures, and to substitute them with the correct language (Arabic) and the right religion (Islam). The consequent was a fundamental misunderstanding or clash between the Arabic Islamic group and the African group, a clash which has resulted in the civil war.61 The designated role of the agent for the Arabic Islamic culture has led Northerners to two main distortions with regard to the nation building in Sudan, according to Ibrahim. The first distortion is with regard to the drive to build an Islamic state in Sudan, for this call has never emanated from an internal need that yearns for social justice and an ethical state. Propagation of Islam through jihad and missionary methods has always been the main factor behind this call. The second distortion is with regard to the ruling class. The majority of this class has confused their official role as state men who are supposed to serve all citizens, and their role as agents of the Arabic Islamic culture. Their second role has mostly prevailed. In their pursuance to get military help to fight the rebel movement in the South, the ruling class has always relied on the Arab countries. Their main argument was that Arabisim and Islam in Sudan, and not Sudan itself, are threatened by the rebel movement. As Ibrahim has rightly observed, “that who set out to mopolise people and obtain help was not the statesman but rather the agent”. He continued to say: Al-Baqir al-Afif Mukhtar 22 What we fear is that the future ruling class will come out of those who have been fed and brought up in the Institutions of the propagation of Arabic Islamic culture (with its lucrative work conditions - for they pay in dollars, and are exempt from taxes, and have regional and international connections), who deeply believe that the Arabic Islamic group in Sudan is there on behalf of the Arabs and the Muslims, and not on behalf of themselves. If this happens, we fear that the role of agency will completely take over the role of statesmanship.62 Invisibility Consciousness Because the margin is conscious of its invisibility to the center, there is a need to advertise itself. Thus another sign of the Northerners' marginal identity is their overemphasis on Arab descent. Northerners, and especially the elite, usually state and reiterate that they are Arabs. Statements such as "I am an Arab. I have a genealogy"63, or "I am an Arab, whether you like it or not"64, or "we are the Arabs of the Arabs",65 or "I am an Arab, nationally and culturally"66, are repeatedly issued by the political and cultural entrepreneurs. Unlike the elite of the Arab world, who do not need to state the obvious, Northerners feel the need to complement their lack in features by words. One sees this phenomenon as a continuation of the old Northerners’ quest to create family genealogies, for both phenomena reflect the disputable nature of Northerners claim to be Arabs. All these signs provide evidence that Northerners have all the symptoms of “misrecognition” that Charles Taylor discusses in his Politics of Recognition; namely internalization of inferiority, “self-depreciation”, and “a crippling self-hatred”. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 23 The Construction of Arabic Islamic Identity in the North The present Northern Sudan was the home of the Nubian civilization that flourished several thousand years before Christ, as well as the home of the great Nubian kingdoms. The pyramids in Nubia stand to this day, living monuments of the greatness of the Nubian race. In the 8th century, Nubia conquered the whole of Egypt and dominated the Nile Valley.67 Nubia was an active player in the international stage of the ancient world and came in contact with many civilizations. As Lloyds Binagi has explained, “The Northern Sudan has a long and rich civilization that pre-dates Pharaonic Egypt and the rise of Islam…. Nubia… has had contact with every civilization that has appeared in Egypt: the Greeks… the Romans, Arabs, Turks and British”.68 Christianity found its way to Nubia in the sixth century, transforming it into a Christian kingdom that lasted for a thousand years. Soon after the rise of Islam in the seventh century, the Muslims conquered Egypt and knocked on the doors of Dongola the capital of Nubia. The Nubians resistance, although stopped the Islamic march, could not drive the Arabs out of the Nubian land.69 A stalemate between the two parties furnished the ground for a political settlement. A treaty between the Nubians and the Arabs was reached in 651-52 A.D. The terms of the treaty are interpreted differently by different contemporary writers. Whereas some of these writers consider it to be in the advantage of the Arabs,70 others see it as a victory for the Nubians.71 However, the undisputed fact is that the Nubian kingdom achieved what no other kingdom had achieved in the ancient world, i.e. to stop the hitherto unstoppable Muslims' march. Muslims divide world into dar al-Islam and dar al-Harb (territory of Islam and territory of war). With Nubia maintaining its territorial integrity, Muslims had to create a third Al-Baqir al-Afif Mukhtar 24 category, which is neither dar al-harb nor dar al-Islam came into being. This is called dar al-'Ahd (territory of pact). Although the treaty secured the sovereignty of the Nubian kingdom for almost a thousand years, it opened the land for the Arabs to trade freely, and therefore set the process of Arabization and Islamzation in motion, the matter that ultimately led to the kingdom’s demise. Although its roots can be traced in the coming of the Arabs to the Sudan, the Arabic Islamic identity in the North is a relatively recent creation. The 14th and the 15th centuries were considered as a period of change in the riverain Sudan. Social movements, especially of the Arabs and the Funj, along with economic and cultural developments coming from the surrounding countries,72 set the scene for more favorable conditions for the processes of Islamization, and identification with the Arabs. Travelers into the Funj kingdom in the first quarter of the 16th century described an ethnic composition of the country very similar to that of present day Sudan. References to tribes such as Shaiqiyya, Ja'aliyyin, and Rubatab as "Berabra", meaning Northern Nubians, were made by Gailliaud who visited the Funj kingdom in 1523.73 Gailliaud found that the population of the kingdom was classified ethnically into six categories, which are "so distinct that there is no one individual who does not know to which he belongs".74 Five of these classes were classified mainly by the color of their skins. The color of the Funj is azraq (blue=black). "Their color", he maintained, "is that of copper". The 'Abdallab are close in complexion and features to the Funj, apart from their curly hair, and their color is akhdar (green, meaning dark brown to black). The Barabra, i.e. the Ja'liyyin, the Rubatab, the Shayqiyya, and the Danagla, are described as Khatif lunayn (of two colors mixed). "The individuals of this class", said Gailliaud,"are half Al-Baqir al-Afif Mukhtar 25 yellow [asfar] and half green [akhdar]. .. the blood strain which predominates in them is that of the Ethiopians".75 The Arabs' color was described as asfar (yellow meaning white). He said of them the following: These are the least colored, and belong to the tribes of nomadic Arabs. They have straight hair. This race crosses only rarely with the others… It is easy to recognize, not only from the traits of their visage, but from the purity with which they still speak the Arabic language. Strikingly enough, he also spoke of the abid who had been brought into Sinnar from the South and the west (the Nuba mountains).76 This is more or less the same ethnic and color classification at present. Probably, the only difference is that in the 16th century the Ja'aliyyin, the Rubatab and the shaygiyya still spoke their Nubian languages. They continued to speak it until the early 19th century.77 These conditions sowed the ingredients of the Northern identity in the soil of the North. These ingredients are Arabic language, claims of Arab ancestry, Islam, and the legacy of slavery. The inhabitants of this part of Sudan exhibited a special liking for the Arabs. It looks that they took every opportunity, whether a remote link, imaginative, or even fabricated, to identify with the Arabs, and to adopt their language. The Funj give us a clear example of identity shift that may shed light on the phenomenon of identification with the Arabs. At the beginning of their Kingdom, the Funj were pagans in religion and spoke their own language, which was the kingdom's official language until the 18th century. They also administered justice in their courts according to their own tradition.78 Their first king, 'Amara Dungas converted to nominal Islam in the early years of his rule for political expedience.79 Three centuries later, i.e. during the 18th century the administration of justice was founded on Islamic law, and official documents Al-Baqir al-Afif Mukhtar 26 were written in Arabic language, which also became the lingua franca of the kingdom.80 Not only that, the Funj king, Badi III, announced officially in a circular to his subjects that he and his folk "descended from Arab, and indeed from Ummayads". He made that announcement in response to a whisper campaign, which accompanied a revolt in the northern provinces, and which branded them "pagans from the White Nile". The circular, which was sent to Dongola, concluded that "and so you have seen the facts the tongues are silent, and the slave 'Aziz may see the virtue of the use of discretion in regard to injurious speech".81 And part of this injurious speech is obviously that he was "accused" of not having Arab ancestry. As the class of Muslim merchants strengthened, and the religious sufi communities spread, and the power of the ulama, individuals learned in Islamic law, increased, the kings sought to retain their eroding judicial power by studying Islamic law and become ulama on their own right. Therefore, the Funj ruling class, according to Spaulding "joined the Orthodox merchant families in promulgating claims to Arab origin" and they "discovered a fact hitherto unknown- they were Ummayyads".82 Thus the identity shift, which started in the 16th century for political convenience, was completed in the 18th century. And as David Laitin says, "what one generation considers simple pragmatism the next considers natural".83 If the Funj kings were able to become Arabs by a royal decree, the tribes of the riverain North secured the desired ancestry for themselves by other means. They were able to write their own genealogies which "have been known to be traced with many jumps or lacunae back to Arabia, and in cases where the Sudanese lineage is politically or religiously prominent, back to the Prophet Mohammed, his tribe, the Quraysh, his relatives, or his close associates”.84 Al-Baqir al-Afif Mukhtar 27 It was clear that for the Nubians as well as for the Funj, the world was no longer stable. Old identities came under questions, and people could no longer be themselves. The incentives for an identity shift we1re abundant, and the conditions for a “tip” and “cascade” were complete. The result was that Scheler’s two types of identification seem to have taken place, idiopathic and heteropathic. Idiopathic identification can be observed in the areas where the indigenous languages were lost, and Arabic was adopted instead. Heteropathic identification, on the other hand, can be observed in the areas where indigenous languages survived. Three Salient Features of Arabic Islamic Culture In the pervious section I tried to answer the "why" part of the question, i.e. why Northerners identified with the Arabs, or, in other words what motivated the shift of identity they experienced. In this section I try to look into the "how" part of the question, i.e. what made it possible for the Northerners, and indeed for a whole lot of people across the Islamic world, to bid for Arab descent. To my mind there are three salient features of Arabic Islamic culture that made it fairly easy for individuals and groups to lay claims to Arab ancestry without being seriously and vocally challenged by the center of the Arab identity. The first feature is the patriarchal order of the Arab tribes. In this order children are linked to their father, while the mother count little in the lineage, for she is the field (harth) or the bowl (ma'un) of the husband. The concept of the wife as the field of her husband, entails that whereas she bears his seeds, the harvest is his, and not hers.85 This is how any intervention of Arabic blood, in the Nubian family line, whether real, imagined, or contrived, immediately put an end to all the lineage before the moment of Al-Baqir al-Afif Mukhtar 28 intervention. Thus, according to the popular belief in the North, the Arab personality from whom the three main Ja'aliyyin groups in the North, i.e. the Shaigiyya, Rubatab, and the Ja'aliyyin proper, have descended is Ibahim Ja'al. Through this eponymous ancestor, the lineage of these three Nubian groups have been diverted to Arabia (Qurraish) and linked to al-Abbas uncle of the Prophet Muhammad. However, this claim, according to a prominent historian who belongs to the same group, is "difficult to substantiate".86 Another feature of the Arabian patriarchal society is that strong tribes have a set of satellite groups, such as clients, slaves and other forms of affiliation, revolving around it. The hierarchical system of the tribe accommodates all these groups in well-stratified social categories, and enables them to claim affiliation to the tribe, although they know their place. An individual belonging to these lower strata can be elevated to a higher position on merit, or/and recognition of parentage, as the case of 'Antra shows. This characteristic made it easier for the Arabs to accommodate the Northerns' affiliation, and to place them in a lower stratum of their hierarchical system. The second feature is the concept of purity in Islam. Purity is central to the Islamic faith, and although it can be acquired by all Muslims through a definite purification process,87 it is also God given to the Prophet and his family. The Qur'an says: "God has willed to remove all abomination from you, ye ahl al-Bayt, (house of the Prophet) and to purify you through and through".88 Thus accordingly, the closer the person to the Prophet's clan the better, and the best of all is to descend directly from the Prophet's daughter Fatima. But nonetheless a drop of Arab blood is enough to purify you and your descendants. One observes that western white culture has exactly the Al-Baqir al-Afif Mukhtar 29 opposite concept, where one drop of black blood contaminates you and makes you black even if your skin color is predominantly white. The third feature is the relationship between Islam and Arabic language. The fact that Islam was revealed to an Arab Prophet, and that it was spread by the Arabs, and that Arabic is the language of the Qur'an, all these factors have made the Arab race, the most prestigious race in the eyes of Northerners and Arabic not only a prestigious language, but also divine. Although absence of Arabic did not prevent non-Arabic speakers in the Muslim world, such as in Turkey, Iran, Pakistan, and even in Sudan, from laying claims of Arab descent, speaking Arabic as the mother tongue has sealed the myth of Arab descent among certain Northerners with a proof of lisanun Arabiyyun Mubin, a clear and pure Arab tongue.89 A Continuous process Nevertheless, the construction of an Arabic Islamic identity in the North is a continuous process. The Turks augmented the process of Arabization and introduced Orthodox scholarly Islam, and a long with the Arabs, Europeans and Northerners, they led slave hunt expeditions into the land of non-Arabised group, namely in the South and the Nuba Mountains. The Mahdist State that replaced the defunct Turkish in 1885 further augmented the process of Arabization and Islamization. The Mahdist State was not different from the Turks with regard to slave raids. When the British colonized the Sudan in 1898, they ranked the Arabized groups over the black African groups. Anthropologist C. G. Seligman, who was sponsored by the colonial government in Khartoum to study the groups inhabiting Sudan, for the purpose of helping the administration to rule effectively, described the Southern tribes as “savages”.90 The British showed a great deference to the Arabized groups of the North, and maintained, respected and enhanced their Al-Baqir al-Afif Mukhtar 30 Arabic-Islamic identity.91 Education policies focused mainly on the Arabicspeaking, Muslim communities of the central riverain North.92 Within these communities the beneficiaries of this education were sons of prominent families; the Mahdi and Khalifa families, the Madhist amirs (commanders), and "fine Arab" notable families.93 In the early twentieth century, nationalism started to nurture among the young-modern-educatedgenerations of these families.94 "They explored "Sudanese"-ness in Arabic poems, essays, and other literary forms, and glorified the Arabic language, an Arab ethnic heritage, and Islam as the core values of this nationalism".95 However, been conscious of the long history of the term Sudani and the negative connotations attached to it, they assigned to it a double meaning. At one level Sudani remained as it had always been, i.e. synonymous to 'abd. At another level the term was seized upon "as a field for nationalist definition".96 They treated it as an evacuated frame, and tried to fill it with their own image. Thus the term Sudani, at this level, became a "label of national identity that placed great value on Islamic and Arabic culture".97 Thus from the viewpoint of other ethnicities, becoming a Sudani at this level is synonymous to becoming a Northerner. It means an "imitation of a more 'Arab' way of life", and a conversion to a "lifestyle which has historically emerged along the Nile".98 This definition has later proved to be so narrow, shortsighted as well as highly problematic. It is exclusionist, at one end, and assimilationist at the other end. Those who misfit the new definition of Sudani, are either to be cut off from the body politics, physically (cessation) or politically (marginalization), or to be changed in order to fit (i.e. to be turned Northerners). As Heather Sharkey has rightly observed "by failing to recognize cultural contributions the territory's non-Muslim and non-Arabic-speaking populations, their Al-Baqir al-Afif Mukhtar 31 nationalist pogrom alienated, rather than attracted, many groups, specially in the South. The civil war, ranging intermittently since 1955, is the bitter fruit of this nationalism".99 An even more bitter fruit of this narrow definition of identity is the National Islamic Front (NIF) which usurped power in 1989, and set out to remove the misfits by the use of brute force. Arabic Culture & the Black Color In his al-shu'ara' al-sud wa khsa'isuhum fi 'lshi'r al-'arabi (the Black Poets and their Distinctive Characteristics in 'Arabic Poetry), 'Abduh Badawi tells us the following: The Arabs hate the black color, and like the white color. They describe anything pleasant (whether material or psychological) as white. Having a white skin is a matter of pride for a man, and a trait of beauty to the woman. Whiteness to them is a sign of honor. A man is praised by being described as the son of a white woman. Indeed they pride themselves of having white women as concubines. … They call the black poets aghribat al- Arab, the ravens of the Arabs, in simile to that detested black bird whose blackness is traditionally considered bad omen".100 Detestation of the black color stems from the historical experience of the Arabs with African people. The stereotypical image of the black African in the Arabic culture is that he is malodorous, deficient in body and mind, and depraved of passions. The Arabic proverb "the Negro, if he is hungry, steals, and if his stomach is full he commits adultery",101 sums it all up. The name 'son of a black woman' was the ultimate insult that black people were assaulted with. Before Islam Before Islam, the children of an Arab father and an African mother were not accepted as full members of the tribe even when the tribe depended on them in its wars, as the story of 'Antra reveals. Badawi shows how the Al-Baqir al-Afif Mukhtar 32 black color represented a great barrier in front of these poets. Calling somebody ghurab (a raven) was an insult. Badawi says: [T]here was a sharp sensitivity over color among the black poets before Islam. This was because they were a depressed and downtrodden group and because they were excluded, sometimes roughly, sometimes gently, from entering the social fabric of the tribe. Thus they lived on the edge of society as a poor and depressed group. They were only acknowledged under conditions of extreme pressure, as we know from the life of 'Antra. Although this poet was the defender of his tribe, and its supreme poetical voice, his own tribe's attitude towards him continued to pain him and to weigh on his mind. The name 'son of a black woman' stuck to him even when returning from victory in battle.102 During the Prophet's life Although Islam preached the unity and equality of human kind despite differences in tongues and colors and that "the most noble of you in the eyes of God is the most pious", the Arabs' attitude towards the blacks never changed. The Prophet has taught that: "no Arab shall enjoy superiority over the non-Arab, nor shall the white ever excel the black, nor the red the yellow, except in piety". Yet this did not prevent Abu Dhar al-Ghiffari, one of the prominent Companions of the Prophet to call his black brother Bilal ibn Rabah, another prominent Companion and mu'ezzin, caller for prayer, of the Prophet, "son of a black woman". The Prophet, when heard about this, reprimanded Abu Dhar so severely that the latter felt that a mere apology to Bilal would not do. So Abu Dhar lied on the ground, put his cheek on dust and asked Bilal to step on it, as a sign of humiliation, and humbleness.103 The Middle Ages If this was the situation during the life of the Prophet, who preached the equality of the believers, it is all natural that the Arabs' attitude towards Al-Baqir al-Afif Mukhtar 33 the blacks would worsen after his death. Bernard Lewis mentions this in the following passage: While the exponents of religion preached a doctrine of equality, albeit in somewhat ambiguous terms, the facts of life determined otherwise. Prevailing attitudes were shaped not by preachers and relaters of tradition but by the conquerors and slave owners who formed the ruling group in Islamic society. The resulting contempt- towards non-Arabs in general and the dark skinned in particular- is expressed in a thousand ways in the documents, literature and art that have come down to us from the Islamic Middle Ages… This literature, and especially popular literature, depicts [the black man] in the form of hostile stereotypes- as a demon in fairy tales, as a savage in the stories of travel and adventure, or commonly as a lazy stupid, evilsmelling and lecherous slave. The evidence of literature was confirmed by art. In Arab, Persian and Turkish paintings, blacks frequently appear, sometimes as mythological figures of evil, sometimes as primitive or performing some menial tasks, or as eunuchs in the palace or in the household.104 Ibn Khaldun sees the blacks as "characterized by levity and excitability and great emotionalism" and that "they are everywhere described as stupid". He offers an explanation for this stupidity and love of joy by attributing it to the "expansion and diffusion of the animal spirit".105 The Old Testament myth that the black people are the descendants of Ham, and that blackness of skin came about as a result of Noah's curse on his son Ham, was adopted and propounded by some Arab writers such as Ibn Jarir.106 However, Ibn Khaldun did not accept this prevailing wisdom of his time, and tried to provide an alternative "scientific" explanation for the blackness of the Africans based on the heat.107 In his description of the inhabitants of the Equator, al-Dimashqi had to say the following: The Equator is inhabited by communities of blacks who may be numbered among the savage beasts. Their complexion and hair Al-Baqir al-Afif Mukhtar 34 are burnt and they are physically and morally abnormal. Their brains almost boil from the sun's heat.108 Ibn al-Faqih al-Hamadhani follows the same line of reasoning. He founded his opinion on an ancient Greek geographical theory that divides the earth into seven latitudinal zones where zone 1 and zone 7 represent extreme heat and extreme cold respectively. He postulates that these two extremes produce savages whereas the middle zone, where the climate is moderate, people are well civilized. To him, the people of Iraq have "sound minds, commendable passions, balanced nature, and high proficiency in very art, together with well proportioned limbs, and a pale brown color, which the most apt and proper color". But the zanj who inhabitant zone 1 are "overdone until they are burned so that the child comes out between black, murky, malodorous, stinking, and crinkly-haired, with uneven limbs, deficient minds, and depraved passions".109 John Hunwick observes that while al-Hamadani's prejudice against the Slavs is only limited to their "leprous" color, his prejudices regarding the zanj go beyond color to depict their "deformed bodies", "feeble minds", and "stinking smell". Ibn Khaldun believed that the Africans are closer to animals than to humans, and that they are cannibals as well. "Their qualities of character", says Ibn Khaldun, "are close to those of dump animals. .. they dwell in caves, eat herbs, live in savage isolation, and do not congregate and eat each other".110 Response of the Blacks With such manifest prejudices, two kinds of reactions are predictable, resistance and internalizing contempt. While some blacks rose up to counter these prejudices, others accepted their ill fate, and saw themselves mirrored through the Arabs' eyes. However, resistance itself took two approaches; one challenged the stereotypical image and declared that black is beautiful, and Al-Baqir al-Afif Mukhtar 35 the other accepted the prevailing prejudice that it is ugly, apologized for it, and celebrated the human moral qualities. 'Abduh Badawi tells us that: The poets saw themselves and their people as downtrodden, and although this sense of being downtrodden varies from century to century, and from poet to poet, yet the black man could not refrain from being a voice of protest against the life around him and the tragedy of his own situation. Later we see [black poets] exploding in the face of those who allude to their color as may be seen in the poetry of the 'three angry poets' al- Hayqutan, Sunayh, & 'Akim [of the early 8th century]. For them it was not enough just to defend themselves. We see them taking pride in their blackness and in the history of black people and the lands they came from and attacking the Arabs on points in which they prided themselves.111 Internalizing Contempt An example of internalizing contempt is Nasib al-Akbar, another poet of Nubian origins. His attitude was similar to that of Uncle Tom in western culture. He chose not to confront the society and to conform to its prejudices. When his own son proposed to a lady from the family of his former owners, who were willing to accept him, Nasib came and ordered some of his black slaves to drag his son from his legs and to beat him hard. The slaves beat up his son. Then Nasib saw a young man of nobility and said to the lady's uncle "marry your brother's daughter to this man, and I will pay the dowry".112 Thus he did not find his own son fit to marry a woman of nobility, and beat him in order to know his place. Another story reported that the Ummayyads Caliph, 'Abdel Malik ibn Murwan asked Nasib to join his drinking group, but the poet apologized that he was too low to deserve such an honor. He said to the caliph: Oh Amir al-Mu'minin (commander of the faithful) my skin is black, my frame is deformed, and my face is ugly and I am not fit to be in this position (of being the Caliph's drinking partner).113 Al-Baqir al-Afif Mukhtar 36 Another story reported that he resorted to invisibility. He wanted to conceal his blackness from his audience, when he was asked to read his poetry to some women, in order not to injure their feelings. He said: "Let me perform behind a veil. Why should they see me? My skin is black and my hair is white. Let them listen to me behind a veil".114 'Antra, the heroic poet, gives us another example of internalizing contempt. He seemed to resent his Ethiopian mother, Zabiba, as the one who was responsible for his blackness. He viewed her as ugliness in incarnation. He called her to a she hyena, and he resembles her legs to those of an ostrich, and her hair to black pepper.115 Resistance (1) An example of resistance based on the first approach is the work of the great classical writer al-Jahiz who lived in Bagdad in the 3rd century of Islam (9th century A.D.), and who was black himself. He tried to remind the 'Arabs that the black people are the creation of God, and that it cannot be true that God intended to distort His own creation, as the Arabs might have believed. He said: God did not deform us by creating us black. Our black color came as a result of the country (environment). The evidence is that even among the Arab tribes there are blacks, such as Bani Salim Ibn Mansour who live in al-Harrah. All the inhabitance of al-Harrah are black, even its bears, ostriches, foxes, wolves, donkeys horses, goats, and birds are black, and even its air is black.116 Al-Jahiz also wrote Fakhr al-Sudan ala al-Bidan, (the boast of the superiority of the black people over the white people). Al-Jahiz exalts the black complexion comparing it to the sacred black stone of the Ka’ba, as well as to elements of the natural world that are dark-hued, beautiful and strong, dates, ebony, lions, female camels, musk, night and shade”.117 Three Al-Baqir al-Afif Mukhtar 37 centuries later al-Jawzi, another Bagdadian writer who lived in the end of the 6th century of Islam (13th century A.D.) would rise to defend the blacks. Al- Jawzi wrote “Tanwir al-Ghabash fi fadl al-Sudan wa al-Habash, The Illumination of the darkness on the Merits of the Blacks and Ethiopians). In this works he also exalts the black color, praised the nobility and morality of the kings and queens of Sudan and Ethiopia, as well as the black Companions of the Prophet.118 Resistance (2) The resistance based on the second approach usually accepted the negativity of blackness but asserted moral and intellectual qualities. The line of argument this approach preferred is "yes black but virtuous". The poet Sahim 'Abd Bani al-Hassas, who was a Nubian, says: " if I have been a slave my soul is free, and if my skin is black my virtues are white". He also says, "had I been rosy white, they (women) would have adored me, but my God has cursed me with a black skin".119 Khifaf Ibn Nadba, another black poet, followed the same pattern. He accepted that his blackness is a negative mark, but he prided himself as a great warrior who settled his account with his detractors in the battlefield: "I said to him while my spear dripping his blood, this is me right here over your body". And "I marred his body with his blood until he turned real black".120 'Antra followed the approach as well. He said; "during peacetime they call me son of Zabiba, and when it is war, they say to me 'come on attack them son of nobility". And, "I am the black slave who throws himself in the battle field when its dust rises high in the sky. My sword and spear are my noble origin, and they are my best friends when fear strikes people".121 However, the few works of resistance had no effect more than making a point. Prejudicing the black color intensified in Arabic Islamic culture as Al-Baqir al-Afif Mukhtar 38 the empire grew and the Arabs set out to hunt slaves. Eventually an association between slavery and al-Sudan, i.e. the blacks, became instilled. As Akbar Muhammad writes, with the expansion of the empire: “almost the egalitarianism of the Prophet‘s age crumbled under the heavy weight of urbanism, acculturation, internal ethnic factionalism, and Arab ethnocentrism”.122 Such ethnocentrism and racism is abundantly reflected in the classical Arabic literature. The Arabs usually did not address black people by their names, but by the word al-Aswad (the black) or al-'abd al-Aswad (the black slave). When a black poet read his poetry in front of an Amir or a Caliph, the usual response was "ahsant ya aswad", (hey black man you have excelled).123 The Arab poets usually felt bitter whenever a black poet produced excellent poetry. Their usual reaction when they heard an excellent poetry was "I wished I had said that before the black slave". Their favorite way to taunt their black colleagues was to say to them "qul ghagh", i.e. "make the sound of the raven".124 Al-Mutanabbi’s satirical poems on Kafur al-Ikhshidi, the black ruler of Egypt during the Middle Ages, are another proof of this point. Al- Mutanabbi is widely recognized as the most talented Arab poet of all times. He approached Kafur, a freed Nubian slave, who ascended to power through his superior military and administrational skills, hoping for an amara, i.e. to be appointed ruler of one of the regions. He composed poems that hail praise on Kafur. He even praised his black color and considered it the embodiment of beauty. Failing to get the job he was aspiring to, he fell out with his benefactor, sneaked out of Egypt, and started a campaign of defamation against Kafur. He composed a number of satirical poems, considered the best in artistic terms, against Kafur, calling him eunuch slave, ugly Nubian, Al-Baqir al-Afif Mukhtar 39 and stinking pig. In all these poems, al-Mutanabbi mocks Kafur's black color. He says in one of them, "a black slave whose lower lip is half his size, yet people say to him 'you are the full moon in the midnight'". He also mocks the Egyptians, and calls them the world's laughing stock, because they had Kafur as their ruler. In one of his poems he says, "many things in Egypt are funny, but they are the kind of funny things that make you cry".125 It is remarkable that when Northerners read these poems, they identify themselves with al-Mutanabbi and not with Kafur, despite the fact that Kafur was actually a Nubian, i.e. in modern terms, he was a Northern Sudanese. The Sources of Islam & Color Symbolism It has been mentioned that in its symbolic order, Arabic Islamic culture standardizes the white color and prejudices the black color. In pre- Islamic poetry, in the Qur’an, in classical Islamic jurisprudence, fiqh, and in classical as well as modern literature, the white color symbolizes beauty, innocence, purity, hope, etc, whereas the black color symbolizes the opposite of these concepts. The Qur’an contains two types of discourse; one is color conscious and the other is color blind; one standardizes “white” and prejudices “black”, and the other is totally neutral. Examples of the first type of discourse are the following verses: “On the Day when some faces will turn white and some faces will turn black, to those whose faces have blackened (we will say) 'Did you reject the Faith after Accepting it? Do taste then the Penalty of rejecting Faith'. But those whose faces have become white, they are (enjoying) God’s Mercy; therein to dwell for ever” (S. 111, Ay. 106 & 107).126 “On the Day of Judgement wilt thou see those who have told lies against God; Their faces will be turned Black, Is there not in Hell an abode for the Arrogant”, (S. xxxix, Ay. 60). “When news is brought to one of them Al-Baqir al-Afif Mukhtar 40 of a birth of a female, his face turned black, and he is filled with inward grief” (S.XLIII, 17).127 Examples of the second type of discourse are the following verses: “Among God’s signs are the creation of heavens and of the earth and the diversity of your languages and of your colors”. (S. XXX, Ay. 22).128 “O people! We have created you from male and female and we have made you into nations and tribes so that you may come to know one another. The noblest among you in the eyes of God is the most pious” (S.XLIX: Ay. 13)”.129 The Prophetic hadiths also have the same characteristic of the parallel levels of discourses. Example of the lower level of discourse is "Listen to and obey your ruler even if he an Ethiopian slave with crincky hair". The higher level of the prophetic hadiths preaches the unity and equality of the human race despite differences in color, tongues, and customs. Example of this is "all humans are as equal as a teeth of a comb", and "all of you have descended from Adam, and Adam has descended (or created) from the mud”. In dealing with these two types of discourse I adopt Mahmoud Muhammed Taha’s idea of the duality of the Qur’anic discourse. Taha perceived the Qur’an as having two levels of discourse: lower and higher, particular and universal, temporal and eternal. The lower level reflects, to some degree, the seventh century Arabs’ particular values, ideology and culture. It is historically bound, and, therefore, it accommodates some of the Arabs shortcomings and prejudices. The higher level, on the other hand, reflects the universal human values and therefore, aims to elevate the Arabs, and all the Muslims, to these universal values. The lower level abrogated the higher level.130 The problem of the Muslims is that they think of this abrogation as eternal and irreversible. Taha, on the other hand, preaches that Al-Baqir al-Afif Mukhtar 41 abrogation is neither eternal nor irreversible, and calls Muslims to move from the lower level to the higher level by reversing the process of the abrogation, and to build a new renaissance on its basis.131 As demonstrated by the above selection of the Qur'anic verses and the Prophetic hadiths, in the lower level of discourse, white and black are used to symbolize good and evil, good omen and bad omen, and happiness and sadness. The transitional level of the Qur'an and the hadiths reflects the Arabs prejudice against the black people, and standardizes the white color. On the basis of the foregoing one can say that there are visible elements that show that the mainstream Arabic Islamic culture sees itself as a white culture. Alienation from the Self The Arab’s cultural identity is an outwardly projection of the Arab self. It reflects their sense of the world, which must be different from others’ sense of the world, for people make sense of the world in a cultural way not in a natural way. The Arabic language reflects the world as seen through the Arabs’ eyes, for there is a strong relation between the word and the world, between the discourse and the universe. What in the universe is verbalized in a given discourse. In his psychoanalysis of western cultures, Lacan concluded that western cultures and languages are masculine. In using these languages, women cannot be subjects as women. In so far as women can speak, they speak male language. Within such language order women cannot fulfill their desire as speaking beings.132 Lacan also showed how the child enters the world of language through its “social symbolic”. This process takes place through identification with the father and alienation from the mother. As a speaking being, the child proceeds into the father’s world. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 42 An analogous point could be made in relation to Northern Sudanese and Arabic language. When a Northern Sudanese enters the world of Arabic language, he or she enters into a process of identification with the Arab father, and alienation from the African mother. But Northerners feel the visible presence of the mother in their faces and skins, and as Deng has explained, “it does not require a professional social psychologist to presume that such a disdain for elements visible in their physiognomy must at some degree of consciousness be a source of tension and disorientation”.133 Northerners’ way of resolving this tension, however, was rather unique. Instead of trying to reinvent or indigenize the Arabic language to fit their physiognomy, they fantasize about their physiognomy in order to fit the language. Hence the avoidance of using the word black to describe themselves, and the over-emphasis of their Arab origin. Ahmed al-Shahi, who studied the Shaiqiyya tribe, tells us that: “it is rude to refer to a Shaiqi person, “as being azraq (black) even though if his skin is of this color because such reference equates him with the ‘abid”.134 A stark example that demonstrates this tension is the following passage which was uttered by al-Sharif Zein al-‘Abdin al-Hindi, a prominent political leader in the North. He said: I am an Arab. I know I am an Arab. No one can dispute this fact with me. I have a genealogy. I am so, son of so, (fulan ibn fulan) son of Muhammad Rasoul Allah (Prophet Muhammad). Yet, on the other hand, nobody can dispute my Africanness. … We have come and mixed with them, and the result is these ugly figures of ours.135 “We”, in the quotation, indicates the Arabs, “them” indicates the Nubians, and the expression “ugly figures of ours” indicates present day Northerners. The statement reflects identification with the father (We), alienation from the mother (Them), and detestation of the self (ugly figures of ours). This is an Al-Baqir al-Afif Mukhtar 43 optimal example of Du Bois’ black person who “sees himself through the revelation of the other world”, and who measures “one’s soul by a tape of a world that looks on in amused contempt and pity”.136 Northerners' identification with al-Mutunabbi, in his satirical poetry against Kafur, the Nubian, is yet another example of a dislocated psyche. Northern cultural and political elite feels the need to reiterate frequently that they are Arabs. They also feel uneasy with the word Sudan. Altayeb Salih, a novelist of international fame, said the following: I wish that our leaders had named this country Sinnar. May be one of the reasons behind the instability of this country that its named (Sudan) does not mean anything to its people. What is Sudan? Egypt is Egypt, Yemen is Yemen, Iraq is Iraq, and Lebanon is Lebanon. But what is Sudan? The colonialists have given this name to the area from Ethiopia in the east to the Senegal in the west. The other nations have given their countries names that mean something to them, and we were left alone bearing this legacy on our shoulders.137 Loathing the name “Sudan” stems from the detestation of blackness. Detestation of blackness stems from identification with the Arabs and adopting their worldview. The suggestion to change the name of the country was not new, it came into being immediately after independence. The main reason behind the suggestion was its meaning and connotations. The word Sudani is used by Northerners in a way identical to aswad, and abd (slave). All these terms are used by Northerners to refer to "slaves, or those of slaves descent, whose relatives belonged to a non-Muslim group of the South or Nuba Mountains".138 For the Northerner, being Sudani meant being black, and being black meant in turn of a low social status and low origins. Many Sudanist scholars, such as Heather Sharkey, and Ahmed Shahi, are in consensus that the stigma of "blackness" is rooted in the legacy of slavery, especially that almost every family in the central riverain North used to hold Al-Baqir al-Afif Mukhtar 44 slaves.139 Although this is true, but to my mind, it is not the whole story. There is a deeper level in which stigma of "blackness" is rooted, and that is the Arabic culture, which despises the blacks, as we have seen earlier. Northerners internalized not indiginized, the Arabic culture, and the Arabic language and value system. This is why they see the world through the Arabs' eyes, despite the paradoxes, and the self-debasement that such an outlook generates. It is generally observed that the more the Northerner becomes learned in Arabic language and literature the more he exaggerates his Arabic identity, and the more he detests blackness and the word Sudani. Osman tells us that members of the prominent literary society Abu Rawf Group "refused, after independence, to apply for passports because they had to register themselves as Sudanese nationals before they could get one".140 Al-Tayeb Salih’s statement represents a continuation of an old Northern wish to break away from the curse of the name Sudani. And if we read it along with al-Hindi's passage we can identify a wish to escape from one’s own skin, or to bleach it, through discourse, to resemble that of an Arab. Deng rightly explains the tendency of Northern Sudanese to exaggerate Arabism and Islam and to look down on the blacks as slaves as “a deepseated inferiority complex, or, to put it in reverse, a superiority complex as a compensational device for their obvious marginality as Arabs”.141 Conclusion We have mentioned that Northerners believe that they are descendants of an Arab father and an African mother, and that they identify with the father and reject the mother. To the average Northerner, the mother symbolizes the Southerner within, and unless Northerners accept their mother, and identify with her, they will not accept Southerners as their Al-Baqir al-Afif Mukhtar 45 equals. Recognition of the long denied African component within the Northern self, and accommodation of the long suppressed African mother within their identity, are the prerequisite for Northerners to recognize and socially accept Southerners as a little bit different but equals. The problem of the war could be resolved through cessation of the South from the North. This could probably solve the Southern problem with the North, but will not solve Northerners’ identity crisis. It is obvious now the crisis of identity in the North has reached its peak, and the equilibrium started to swing again. Questions about identity have been posed, and Northerners have to make a choice; to continue to lurk in the margin or to create a center of their own, to continue to be second rate Arabs, or to try to be first rate Sudanese. Cultural and political entrepreneurs are split between those who suggest a construction of a new identity that enables Northerners to see the world through their eyes, and those who are defending the status quo. However, destabilizing the old identity is the point of departure for the construction of a new identity, and exposure of the paradoxes of the old identity is essential for the purpose of destabilization. This is what this paper set to do. Notes 1 The term Northern Sudan here does not designate the geographical North, but rather the ideological North, whose geographical confinements are limited to the Muslim, Arabicspeaking, central riverain Northern Sudan. 2 Oedipous’ words in Sophocles’ play Oedipous Tyranous, in Antony D. Smith, National Identity, (England: Penguin Books, 1991), 2. 3 See Address to the United Nations Human Rights Commission in Geneva by Dr. John Garang on March 24, 1999, News Article by UNHR on March 27, 1999. 4 Francis M. Deng, War of Visions: Conflict of Identities in the Sudan, (Washington, D.C.: The Bookings Institution, 1995). Al-Baqir al-Afif Mukhtar 46 5 Ibid., 4. 6 Philip Babcock Gove, Webster’s Third New International Dictionary of the English Language Unabridged, (ed.) (London: G Bell & Sons Ltd, 1959). 7 David Laitin, “A Theory of Political Identities”, in Identity in Formation: the Russian Speaking Population in the Near Abroad, (Ithaca and London: Correll University Press, 1998). 8 David L. Sills International Ensyclopaedia of Social Sciences, ed. (The Macmillan Company & the Free Press, 1968), 7, 61. 9 Ibid. 10 Maurice R. Stein, Arthur Virdich, & David M. White, Identity & Anxiety, eds. (New York: Free Press , 1960). 11 Laitin, “A Theory of Identities”, 13. 12 Ibid., 20. 13 Deng, War of Visions, 1. 14 Julius Ground & William L. Kolb (ed.) A Dictionary of Social Science, London: Tavistok Publications 1964, 314. 15 Sigmond Freud, The interpretation of Dreams, trans. J. Starchy, (London: Allen & Unwin, 1945), 150. 16 J. P. Seward, “Learning Theory and Identification”, Journal of Genetic Psychology, 84, (1954), 202. 17 Sigmond Freud, Group Psychology and the analysis of the Ego, trans. J. Starchy, (London: The International Psychological Press, 1922), 65. 18 M. Scheler, The Nature of Sympathy, (London: Routledge & Kegan Paul, 1945), 18, 19. 19 Laitin, “A Theory of Identities”. 20 Ibid., 14. 21 Erik H. Erikson, Identity: Youth and Crisis, (New York: Norton, 1968), 19-23 22 H. M. Johnson, Sociology: A Systematic Introduction, (New York: Harcourt, Brace, 1960), 128. 23 Laitin, “A Theory of Political Identities”. 24 George A. De Vos, “A Psycho-cultural Approach to Ethnic Interaction in Contemporary Research", in Marthsa E. Bernal and George P. Knight, ed. Ethnic Identity: Formation and Transmission among Hispanic and other Minoroties, (Albany: State University of New York Press, 1993), 235-68. 25 Laitin, "A Theory of Identity". 26 Ibid., 18. 27 Charles Taylor, “The Politics of Recognition”, in Amy Gutmann, ed., Multiculturalism Examining the Politics of Recognition, (Princeton, New Jersey, Princeton University Press, 1994), 25. 28 Laitin, “A Theory of Political Identities”, 21. 29 Ibid. 30 Ibid., 23. 31 Ibid., p. 22. 32 Ibid., p. 23. 33 Ibid. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 47 34 Erikson, Young Man Luther, New York: Norton, 1958. 35 Erikson, Identity: Youth and Crisis, 19-23 36 Laitin, "A Theory of Identities", 17-18. 37 Ibid. 38 Taylor, "The Politics of Recognition". 39 Ibid., 25. 40 Ibid. 41 The writer attended this meeting which took place after a Friday prayer in 1990, in Martin Luther King Hall at Aston University in Birmingham. Most of those who attended the meeting were members of the National Islamic Front (NIF). 42 Many of my informants contested the title of my research on grounds that Northerners are not black, but brown, and accused me of being influenced by the "western" color concept. 43 A Sudanese joke says that a Northerner, who is very dark and has very soft and straight hair, was taking a taxi in Syria, and was chatting in Arabic with the Syrian taxi driver. After a while the taxi driver said to his passenger: “Are you from Senegal? ”. The offended Northerner directed the driver's attention to his (the passenger's) soft hair saying: “ Do you think this is wig?". 44 An average chap in the North usually seeks to get a white or light skin girl with a soft long hair. Girls also prefer light skin boys. 45 Janice Boddy, Wombs and Alien Spirits, Women, Men, and the Zar Cult in Northern Sudan, ((Wisconsin: The University of Wisconsin Press, 1989), 64. 46 The Northerners' use of the word akhdar instead of aswad is probably an effect of the Arabic culture. The early Arabs used the word akhdar to describe people of unquestionable nobility whose color, for one reason or the other, was black. An example of these is al-Fadl ibn 'Abbas ibn 'Abdel Muttalab ibn Hashim ibn 'Abd Munaf. He is said to have got the black color from his grand mother. He said about hiself: "I am the akhdar (green) for those who know me, my skin is akhdar but I am a son of an 'Arab noble home". See Abduh Badawi, al-Shura' al-Sud wa khasaisuhum fil-shi'r al-'Arabi, (Cairo: 1973), 93. 47 The use of chemical creams that lighten dark color is widely spread among young girls in the North. The side effects that these creams caused have recently become a matter of concern in the local newspapers and among Sudanese discussion groups in the Internet. For a detailed description of the local methods used by brides in Northern Sudan to soften and lighten their skin color see Boddy, Wombs and Alien Spirits, 64-65. 48 Deng, War of Vision, 5. 49 Ahmed al-Shahi, “Proverbs and Social Values in a Northern Sudanese Village”, in Ian Cunnison and Wedny James eds., Essays in Sudan Ethnography, (London: C. Hurst & Company, 1972), 97. 50 'Awn as'Sharif Qasim, Qamus al-Lahja al-'Amiyyah fi-s-Sudan, (Cairo: 1985), 298. 51 Boddy, Wombs and Alien Spirits, 64. 52 It is observed that probably all the earlier generations of Northern Scholars who studied in the west, and who married European or America women, got married to white women. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 48 Neither my informants nor myself know of a single case where one of them got married to a black woman. Even among the younger generations the vast majority is married to white women, and very few of them married black women. 53 Because marriage between Muslim women and non-Muslim men is forbidden in Islam, Northerners, in case of Europeans, usually accept the nominal Islam declared by the individual before marriage is conducted. 54 Mohamed Ahmed Mahgoub, Democracy on Trial, Reflections on Arab and African Politics, (Cheshire: Andre' Deutsch, 1974), 59. 55 This period is from independence in 1956 until the end of the second democracy in May 1969. During this time "Arabism" was the undeclared identity and ideology of the governments. However, starting from May 1969, governments took "socialist" and then "Islamic" identities and started to take sides with their allies in the Arab countries. For an elaborate discussion of Sudan's foreign policy, during these eras see Mansur Khalid's Nimeiri and the Revolution of Dismay, (London: Boston Routledge & K., 1985); The Government they Deserve: the Role of the Elite in Sudan Political Evolution, London / New York: Kegan Paul International 1990). 56 Mahgoub, Democracy on Trial, 136. 57 R.S. O’Fahey, Arabic Literature of Africa, the writing of Eastern Sudanic Africa to c. 1990, (Leiden, New York, Koln, E. J. Brill, 1994), xi. 58 For more information about the White Flag League of 1924 see Yushiku Kurira, Ali Abdel Latif and 1924 Revolution: Researching the Origins of the Sudanese Revolution, trans. Majdi al-Na'im, (Cairo: Center for Sudanese Studies, 1997). For more information about the unionist movement see Khalid, the Governemet they deserve; Mahgoub, Democracy on Trial. 59 Although I have not so far come across a study of this phenomenon, it is widely observed. 60 Abdellahi Ali Abrahim, al-Thaqafa wal-Dimogratiyya fil-Sudan, (Cairo: Dar al-Amin, 1996), 31. 61 Ibid., 30. 62 Ibid., 31. 63 Al-Sharif Zein al-'Abidin al-Hindi, see end note 131. 64 Abdella al-Tayeb, in the Sudanese Studies Association triennial Conference in Darham in 1990. 65 Salah Ahmed Ibrahim, a well known statement. 66 Al-Sadiq al-Mahdi, Interview, Masarat Jadida, (Cairo: 1998), 171. 67 Mohammed Omer Beshir, Revolution and Nationalism in the Sudan, (Barnes and Noble, 1974), 2-3. 68 Lloyd A. Binagi, The Genesis of Modern Sudan: An Interpretive Study of the rise of Afro-Arab Hegemony in the Nile Valley, A.D. 1260-1826”, Ph.D. Dissertation, (Temple University, 1981), 3-4. 69 Abd el-Fatah Ibrahim el-Sayed Baddour, Sudanese Egyptian relations, (The Hague: Martinus Nijhoff, 1960), 17. 70 Ibid. 71 William Y. Adam, Nubia Corridor to Africa, (Prenciton: N.J.: Prenciton University Press, 1977). Al-Baqir al-Afif Mukhtar 49 72 R. S. O'Fahey and J. L. Spaulding, Kingdoms of the Sudan, (London: Methuen & Co LTD, 1974), 15. 73 Ibid., p. 31. 74 Ibid, p. 30. 75 Ibid., p. 30. 76 Ibid., p. 31. 77 Ibid., p. 28. 78 Muhammad Ibrahim Abu Salim & Jay Spaulding, Some Documents from Eighteenth- Century Sinnar, (Kartom: Kartoum University Press, 1992), 8. 79 There are many theories trying to explain the Funj conversion to Islam. One theory is that they did it out of fear of the Turks who eventually invaded and destroyed the kingdom. Another theory maintains that they did it in response to a persuasion from the 'Abdallab, their Muslim allies. For more information see R. S. O'Fahey and J. L. Spaulding, Kingdoms of the Sudan, 31-33. 80 Islam, of course, reinforced the use of Arabic, for the Muslim population "held Arabic in great esteem for religious reasons". See R. S. O'Fahey and J. L. Spaulding, Kingdoms of the Sudan, p. 31. 80 Ibid., p. 31. 81 Ibid., p. 75. 82 Ibid., p. 86. 83 Laitin, "A Theory of Political Identities". 84 Ibid., 40. 85 Muhammad Ibn Jarir al-Tabari, Tafsir al-Tabar: Jami' al-Bayan 'An Ta'wil 'Ulum al- Qur'an, ed. Mahmoud Mohammad Shakir, (Cairo: Dar al-Ma'arif, no date), vol. 8, 104. 86 Yusuf Fadl Hasan, The Arabs and the Sudan from the Seventh to the Early Sixteenth Century, Edinburgh: EUP, 1967), 146. 87 It is known that Muslims purify themselves by washing their limbs and faces five times a day in preparation for prayer. The idea is that in prayer you will stand in front of God, and therefore you should be pure. The physical washing of the limbs is a means to and a symbol of the moral and psychological washing of sins committed through these limbs, by the mouth, the tongue, the ear, the eye and the nose. The process of purification includes worship, doing good and abstaining from evil. 88 See The Qur'an, 33:33. 89 Aya (verse) 103 in sura (section) 16 says: "And the tongue of whom they wickedly refer is foreign 'A'jamiyyun and this is a clear pure Arabic tongue (lisanun 'Arabiyyun Mubin). 90 C. G. Seligman and Brenda Z. Seligman, Pagan Tribes of the Nilotic Sudan, (London: Routledge & Kegan Paul ltd., First published in 1932, Revised 1965), XVIII. 91 J. S. Trimingham, The Christian Approach, 25. 92 Heather J. Sharkey, Colonialism and the Culture of Colonialism in the Northern Sudan, Ph.D. Dissertation, (Princeton: Priceton University, 1998), vol. 1, 40. 92 Deng, War of Visions, 4. 93 Sharkey, Colonialism and the Culture, vol., 1, 40- 58. 94 Ibid., 34. 95 Ibid., 34. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 50 96 Ibid., 35. 97 Ibid., 40. 98 Paul Doornbos, "On Becoming a Sudanese", in Tony Barnett and Abbas Abdelkarim, eds. Sudan: State, Capital and Transformation, (London, New York, Sydney: Croom Helm, 1988), 100 &101. 99 99 Sharkey, Colonialism and the Culture, vol., 1, 34. 100 'Abduh Badawi, al-shu'ara' al-sud wa khasa'isuhum fi-l Shi'r al-'Arabi, (Cairo, 1973), 223-4. 101 John Hunwick, West Africa and the Arab World: Historical and Contemporary Perspectives, (Accra: Ghana Academy of Arts and Sciences, the J. B. Danquah Memorial Lectures, series 23 Febryary 1990, 1991), 2. 102 'Abduh Badawi, al-shu'ara' al-sud, 223-4, in Hunwick, West Africa and the Arab World, 12. 103 This story is common place knowledge in the Muslim world. 104 B. Lewis, "The African Diaspora and the Civilization of Islam", in M. I. Kilson & R. I. Roteberg, The African Diaspora (Harvard University Press, 1976), 48-9. 105 Ibid, p. 7. 106 Abduh Badawi, al-Sud wal-Hadara al-'Arabiyya,(Cairo: al-Hay'a al-Masriyya al- 'Amma Lil-kitab, 1976), 22. 107 Hunwick, West Africa and the Arab World, 1990, 6 & 7. 108 Ibid., p. 5. 109 Ibid., 5. 110 Ibn Khaldun, The Muqaddimah, trans. Franz Rosenthal (2nd edn, Princeton University press, 1967), i, 186-9. Cited in John Hunwick, West Africa and the African World, 6. 111 Badawi, al-shu'ara' al-sud, (Cairo: 1973), 223-4, in Hunwick, West Africa and the Arab World, 11 & 12. 112 Ibid., 108. 113 Ibid., 6. 114 Ibid., 6. 115 Badawi, al-Shu'ra al-Sud, 31. 116 Badawi, al-Sud wal-Hadara al-'Arabiyya, 23. 117 Carolyn-Fluehr-Lobban, “A Critical Anthropological review of the Race concept in the Nile Valley”, a paper presented at the Fourth International conference of Sudan Studies at the (American University in Cairo, 1997), 5. 118 Ibid., 5. 119 Abduh Badawi, al-Shu'ra al-Sud, p.78. 120 Ibid., 42. 121 Ibid., 34. 122 Ibid., 5. 123 Ibid., 111. 124 Ibid., 111. 125 Badawi, al-Sud wal-Hadara al-Arabiyya, 185-186 126 A. Yusuf Ali, The Holy Qur’an, Text, Translation and Commentary, 3rd ed., (Cambridge, Massachusetts, Murry Printing Co, 1938). 127 Ibid. Al-Baqir al-Afif Mukhtar 51 128 Ibid. 129 Ibid. 130 Mahmoud Muhammad Taha, The Second Message of Islam, (Beirut: 1968). 131 Ibid. 132 Teresa Brennan, History After lacan, (London, New York: Routledge, 1993). 133 Deng, War of Visions, 64. 134 Ahmed S. al-Sahi, “Proverbs and Social Values in a Northern Sudanese Village” in Ian Cunnison and Wedny James, eds., Essays in Sudan Ethnography (London: C Hurst & Company, 1972), 95. 135 Al-Hindi is the current Secretary General of the democratic Unionist party (DUP General Secretariat), the minority faction which has split from the mainstream Democratic Unionist Party led by Muhammad Osman al-Mirghani. This statement was made in a speech he delivered to a Sudanese audience in London in 1995. 136 W. E. Burghardt Du Bois, The Souls of the Black Folk, Essays and Sketches, (Chicago: A. C. McClurg & Co, 1908), 3. 137 Al-Tayeb Salih, al-Majala Magazine, issue 78, 18/6/1989. 138 Sharkey, Colonialism and the Culture, vol. 1, 36. 139 In the 19th century the influx of slaves flooded the Northern markets, causing a sharp fall in the prices of slaves to the extent that as Sharkey puts it "even the humblest families in the central riverain North were able to purchase a slave or two". Sharkey, ibid., 37. 140 Khalid H. A Osman, The Effendiyya and the Concept of nationalism in the Sudan, Ph.D. Dissertation, (University of Reading, 1987),122; See also Sharkey, ibid, 71. 141 Deng, War of Vision, 64.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين (Re: طلعت الطيب)
|
Quote: العزيز سيف.. إن مثل هذه التخريجات التي تزعم أن العنصر النوبي هو الذي كان سائداً شمال الخرطوم تدحضها فرضيات كثيرة أوردها الدكتور لام أكول الذي زعم من قبل أن الدينكا كانوا يقيمون حتى حدود (توتي) وأن توتي هي في الأصل (دينكاوية).. فهذه الفرضيات لا تستطيع أنت ولا غيرك من الباحثين أن تثبت صحتها بـ (طق الحنك) لأنك حينئذ سينطوي كل حديثك على التأويلات التي لا يسندها دليل. |
الأستاذ خالد ..سلامات
لام اكول ده خلى الهندسة الكيمائية و بقى مؤرخ و للا شنو؟
البروفيسر وليامز مؤلف كتاب نوبيا رواق افريقيا-Nubia corridor to africa - عاب على النوبيين عدم اهتمامهم بتسجيل تاريخهم..لكن عموما تاريخ آخر دولتين نوبيتين هو تاريخ قريب نسبيا رغم الغموض الذي يحيط بهذا التاريخ عموما و التجاهل التام له..دولة المغره كانت قائمة حتى عهد المماليك في مصر و دولة علوه التي بانهيارها يبدأ التأريخ للسودان الحديث. المسألة ما طق حنك لكن لو ما في ناس عايزه تأرخ للسودان بدخول العرب للسودان .. كان التنقيب عن تاريخنا الحقيقي حيكون أكثر جدية و كنا عرفنا حقائق أكتر عن ماذا حدث هنا بالضبط بدلا عن روايات ربيط و بريط و هلمجرا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين (Re: طلعت الطيب)
|
الفصل الثاني
ما وراء دارفور: الهوية والحرب الأهلية في السودان
"نادراً ما يقر العرق الغالب، أبيضاً كان أو غير ذلك، في أي مجتمع بعنصريته، وبوسعنا أن نصف هذا التنصل بأنه كوني تقريباً، وهو يرجع إلى أسباب متعددة، من أهمها أن للعرق الغالب منافع ضخمة في امتيازاته الناتجة عن هذا الوضع. وكثيراً ما يكون العرق الغالب غافلاً عن تحيزه، بل ويعتبر ميوله العنصرية أمراً صحيحاً وبديهياً، وأن لها من المبررات والقوة ما تملكه الطبيعة ذاتها. فقط حينما يتم التصدي لها من قبل أولئك الذين تمارس ضدهم، يمكن للعنصرية أن تزال، وللتوجهات أن تبدأ في التغير... إن الأمم ليست أمينة مع نفسها على الإطلاق، وكلها على هذه الدرجة أو تلك من التنصل." (مارتين جاك).
مقدمة السودان موبوء بالصراعات. وكما أشرنا في الفصل الأول فقد دخلت الحرب الأهلية في جنوب السودان موسوعات الأرقام القياسية بكونها أطول حرب في أفريقيا. وبينما كان العالم يهفو لرؤية نهاية هذه الحرب باتفاقية السلام الشامل التاريخية التي وقعت في مطلع عام 2005، اشتعلت حرب واسعة أخرى، ما زالت نيرانها تتصاعد في دارفور، بينما حرب ثالثة أقل ضجيجاً وضراوة تدور رحاها في الشرق. وفي جميع هذه الصراعات تكمن تصورات الهوية في قلب المشكلة. إن تجاهل تعددية الهوية في السودان يمثل المعضلة الرئيسة وهو الذي يؤطر كل الصراعات السودانية. لقد رفضت الطبقة الحاكمة الشمالية، التي ورثت الحكم عن الاستعمار، أن تقبل بمواطني الجنوب وجبال النوبا والأنقسنا كما هم، وأصرت على أن تراهم كما ينبغي أن يكونوا عليه. وترى تلك الطبقة في مواطني دارفور، والبجة في شرق السودان، بحكم أنهم مسلمون ويتحدثون نوعاً "مكسراً" من اللغة العربية، النموذج النهائي والمكتمل لما ينبغي أن يكون عليه مواطنو الجنوب والأنقسنا وجبال النوبا. وقد ظلت الطبقة الحاكمة الشمالية لعقود عدة تعتبر وضع مواطني دارفور والبجة أمراً محسوماً. وبما أن أهل دارفور وشرق السودان ظلوا دينياً وثقافياً وسياسياً ملحقين بالمجموعات الشمالية النيلية، ويُنظَر لهم كانعكاس مشروخ للذات الجمعية الشمالية، فهم في نظر الطبقة الحاكمة يدركون تماماً موقعهم الدوني في التراتبية الاجتماعية والعرقية، وقانعون بما تقرره هذه الطبقة في شأنهم حامدين شاكرين. وقد شرعت الطبقة الحاكمة الشمالية، مستخدمة جبروت الدولة، في تنفيذ ما يمكننا اعتباره جوهرياً مشروع هندسة اجتماعية يهدف إلى إنتاج مواطنين على نفس تلك الشاكلة، شاكلة مواطني دارفور وشرق السودان، في الجنوب وجبال النوبا وتلال الانقسنا، وقد أثبت التاريخ خطل هذا المشروع واستحالته. وفي ذات الوقت، كانت الطبقة الحاكمة تؤمن بأن الأشياء في دارفور وشرق السودان ستستمر كما هي عليه إلى الأبد، باعتبار أن السياسات التنموية والتعليمية والثقافية التي وضعتها تلك الطبقة كانت مصممة لضمان وتأبيد هيمنتها السياسية والثقافية والاجتماعية. وهنا أيضاً أثبتت الأحداث الخطأ القاتل لتلك الطبقة.
الهوية: نظرة تاريخية أشرنا في الفصل الأول إلى حقيقة أن الهوية ظلت دائماً قضية مركزية في الإطار السياسي - الاجتماعي للسودان. وكيف أن السكان في مملكة الفونج كانوا مرتبين وفقاً لهويتهم العرقية والإثنية. وقلنا أيضا أن العرب تربعوا على قمة الهرم الاجتماعي، وهو ما جعل بقية السكان يرغبون في الانتماء إليهم. وتعطي حملة الشائعات التي انطلقت ضد الفونج واصفة إياهم بأنهم "وثنيون لا تجري في عروقهم قطرة دم عربية واحدة"، وكذلك ردة فعل الملك بادي التي أكد فيها أنه عربي متحدر من الأمويين، تعطي فكرة كاملة عن المناخ الاجتماعي والنفسي في المملكة خلال عهد الملك بادي الثالث. لقد أزال انهيار مملكة الفونج أمام جحافل القوات التركية-المصرية في عام 1821 آخر حاجز أمام الهيمنة المطلقة للمجموعات المستعربة، أي السلطة السياسية للفونج. وتشير حقائق التاريخ أن محاولات الإطاحة بسلطة الفونج لم تتوقف قط من قِبَل أحفاد عبد الله جماع والمجموعات المستعربة بالرغم من أن جميع تلك المحاولات كان نصيبها الفشل. وبما أن مصير السكان المحليين كان يتقرر تبعاً لفهم الغزاة لهوية السكان العرقية والثقافية، فقد وضعت السلطة الجديدة المجموعات المستعربة المسلمة فوق جميع "الآخرين". كانت تلك هي الفترة التي تعاظمت فيها مكانة المجموعات المستعربة كوكيلة لتجار الرقيق الأتراك والأوربيين والعرب. كما كانت أيضاً هي الفترة التي امتلكت فيها كثير من الأسر الشمالية الرقيق. وحينما جاء المستعمرون البريطانيون في نهاية القرن التاسع عشر أسسوا سياستهم على نفس الفهم السائد للهوية الشمالية والجنوبية. لقد حافظوا على الهوية الشمالية وتعاملوا معها باحترام، بينما حاولوا تغيير و"حماية" الهوية الجنوبية. في تلك المرحلة لم يكن الصراع بين هوية شمالية وأخرى جنوبية، ولكنه بالأحرى كان بين مخططين متنافسين حول ما يجب أن تكون عليه الهوية الجنوبية، مخطط السودانيين الشماليين والمخطط البريطاني، ولم تكن الهوية الجنوبية فاعلاً في ذلك الصراع، بل كانت موضوعه. أيضا أشرنا إلى أن هناك إجماع في وصف الحرب الأهلية في جنوب السودان، والتي اندلعت سنة 1955، بأنها كانت صداماً بين الهويات، أو كما وصفها رئيس أفريقي بأنها حرب بين أناس يرتدون العمائم وأناس يلبسون ريش النعام. أما التمرد المسلح الذي اندلع في دارفور في غرب السودان، ثم اتخذ شكل الحرب الشاملة في عام 2003، فقد تأسس على خطاب عرقي/إثني واضح للعيان. لقد أعلنت حركتا التمرد المسلح، حركة وجيش تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة، أن السودان ظل دوماً تحت سيطرة المجموعات الإثنية "العربية"، والتي مكنت لتحيزها العنصري مؤسسياً، وهمشت المواطنين "السود" ودفعت بهم إلى أحط درجات العوز. وقد اتضح الآن أن واضعي الكتاب المشهور "الكتاب الأسود – التوازن المختل في السلطة والثروة في السودان" هم قادة حركة العدل والمساواة. ويتضمن ذلك الكتاب إحصاءات عن احتكار السلطة القائم على العرق في سودان ما بعد الاستقلال، ويركز على أن البلاد ظلت تحت سيطرة ثلاثة مجموعات إثنية، مستعربة، فقط .
لقد كان رد الحكومة على التمرد في دارفور عنيفاً ومشابهاً، بصورة ملفتة، لطرق إدارتها للحرب في جنوب السودان، كاستخدام جيش وسلاح طيران الحكومة، وخلق الميليشيات من المجموعات الإثنية العربية في المنطقة والترخيص لها بالقتل والاغتصاب والنهب. لم يخفف إسلام المواطنين في دارفور من وحشية الحملة ولا من غلواء الممسكين بمقاليد السلطة أو يجعل في قلوبهم رحمة تجاه إخوتهم في الدين، وهو ما دفع بمثقفي دارفور إلى التنقيب عن تفسير لهذه الوحشية والقسوة في العنصرية ولون البشرة. وبينما جعجعة المجتمع الدولي تصم الآذان وتعلو على أفعاله، تواصلت المذابح في دارفور دون توقف. لقد دمرت مجتمعات بأكملها أو أبيدت أو اقتلعت وهجرت قسراً من أراضي جدودها. وفيما نهب القرى وتمزيق الأسر وقتل الأطفال واغتصاب النساء يتواصل، كان العالم يتداول في ماهية التعبير المناسب لوصف المأساة. ولكن، وبصرف النظر عن الوصف الذي سيستقر عليه العالم، إبادة جماعية أو تطهير عرقي أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، ستظل الهوية وسيبقى الاستعلاء العرقي هما لحمة وسداة النسيج الثقافي الكامن تحت هذه الجرائم، وهذا هو ما ستناقشه هذه الورقة.
أسئلة أساسية الأسئلة الأساسية التي يسعى هذا الفصل لمخاطبتها هي: ما هي الأسباب الدفينة لهذه الصراعات في السودان؟ ما هي الدعامات الثقافية والإثنية التي تستند إليها الفظائع المقترفة في الجنوب وفي دارفور؟ هدفنا هو النظر إلى الجذور الثقافية للصراعات، بالتركيز على الطبيعة الإقصائية لهوية الطبقة الشمالية الحاكمة، ومحيطها الثقافي. كما نحاول أيضاً أن نميط اللثام، من جانب، عن الصلة بين أسلوب تعريف الشماليين لأنفسهم في العلاقة مع "الآخرين" في البلاد، ونوع الاستراتيجية المضادة للتمرد التي تتبناها الحكومة، وبين قبول العامة في الشمال، ظاهرياً على الأقل، لهذه الجرائم الوحشية التي ترتكب ضد مواطني تلك المناطق، من الجانب الآخر. ومن قبيل الاستطراد، سننظر أيضاً في بعض ردود الفعل في العالم العربي ذات الطبيعة الاعتذارية والمهادنة تجاه تلك الفظائع، ونرجعها إلى قضية الهوية. وحالما نثبت ذلك، ننتقل لنربط بين الطبيعة الإقصائية لهوية الشماليين، والتي حاولوا أن يصبغوا بها البلاد كلها، وبين ردود الفعل العنيفة للمجموعات التي تمزقها تلك التوجهات.
تناقضات الهوية في شمال السودان لقد أشرت في الفصل الأول إلى أن السودانيين الشماليين يعانون من أزمة في الهوية. وأن الحرب الأهلية التي أدارتها الطبقة الحاكمة بنشاط ومثابرة إنما هي نتاج لهوية منحرفة، مأزومة، ومغتربة عن حقيقة ذاتها. ويعود السبب الدفين لتلك الأزمة إلى حقيقة أن السودانيين الشماليين لا يدركون على وجه الدقة من هم. وقد أشرت في الفصل الأول إلى أن الشماليين يعيشون في عالم منشطر. فبالرغم من إيمانهم بأنهم يتحدرون من "أب" عربي و"أم" أفريقية، إلا أنهم يتماهون مع الأب ويقمعون الأم. المشكلة هي أن هذه الأم التي يقمعونها متمكنة من كامل سيمائهم لدرجة أن الأب أصبح غير مرئي تماماًً، إن لم نقل أنه كان أصلاً محض اختلاق ومن وحي الخيال. وفي حين يعتبر الشماليون أنفسهم عرباً، فإن العرب "الأصلاء" في العالم العربي، خاصة في الخليج والهلال الخصيب، لا يعترفون بدعواهم هذه ويعتبرونهم عبيداً. ويبدو الشماليون هنا كأنهم يحدقون في المرآة بحثاً عن أبيهم فلا يجدونه إلا في خيالهم الخصب، أما حينما ينظر العرب إلى الشماليين فإنهم لا يحتاجون إلى نظارات مكبرة لكيما يروا أمهم الأفريقية. وقد ذكرت أيضاً أن السودانيين الشماليين، من الناحية الثقافية، استلفوا كل النظام الدلالي للثقافة العربية، وكذلك النظام الرمزي للغة العربية. ومن المعروف أن النظام الدلالي للثقافة العربية والنظام الرمزي للغة العربية يكرسان اللون الأبيض ويصمان اللون "الأسود"، على المستويين الثقافي واللغوي. التناقض هنا هو أن الشماليين، والذين عادة ما يتراوح لونهم بين "الأسمر والأسود"، قد أخضعوا أنفسهم تماماً لهذه الثقافة العربية، والتي هي جوهرياً ثقافة "بيضاء". وفي استخدامهم النظام الدلالي لتلك الثقافة، والتي تحتقر اللون الأسود، فإن الشماليين يغيبون ذواتهم، ويجسدون المركز، فالذات الشمالية غائبة كفاعل في هذا النظام، ولا توجد فيه إلا كموضوع ينظر فيه بعيون المركز. أما على مستوى استخدام اللغة، فالشماليون يستخدمون كلمات "أبيض" و"أسود" للرمز إلى الخير والشر، السعادة والتعاسة، الطهر والفساد، والتفاؤل والتشاؤم. وتجري تعبيرات مثل "اليوم الأسود" و"السوق الأسود" و"قلب فلان أبيض أو أسود" على ألسنة الشماليين بصورة عادية، دون أي إحساس أو شعور بازدراء الذات الكامن في هذا الاستخدام للغة. ولا جدال في أن هذا "التناقض" الصريح يؤدي إلى استبطان الدونية وتخفيض قيمة الفرد وإلى الكراهية المطلقة للذات. إنها لمخاتلة مذهلة أن يقوم الشماليون، بدلاً من تعديل اللغة العربية لتتناسب مع سيمائهم، بتخيل سيماءات أخرى لأنفسهم حتى يتسقوا مع اللغة. اجتماعياً، وتماماً كما يفعل العرب، فإن الشماليين يُسَمُّون سود البشرة من الناس عبيداً، وهو ما يعرف ويفسر توجهاتهم القمعية تجاه المكون الأفريقي في البلاد، سواء تجسد هذا المكون داخل أنفسهم، أو تمظهر خارجها في صورة الجنوبيين والدارفوريين ومواطني جبال النوبا والأنقسنا. ونفسياً، يهفو عامة السودانيين الشماليين كي يكونوا بيضاً أو فاتحي لون البشرة. وهذا الوعي باللون هو من القوة بحيث أن أول ما يفعله الشماليون عندما يولد لهم طفل هو أن ينظروا إلى لون أذنه، خوفاً من أن تكون داكنة، حيث أن لون أذن الطفل يعطيهم مؤشراً عن لونه مستقبلاً. تلك علامات واضحة على مركب النقص الذي يعاني منه الشماليون والذي يدفعهم دائماً إلى أن يصبحوا ملكيين أكثر من الملك، بالتركيز المشتط على الهوية العربية. بتبني السودانيين الشماليين لهوية وضعتهم في تخوم هوية العرب "الأصلاء"، فقد دفعوا بالسودانيين من غير العرب إلى هوامش الهوية الشمالية، وبالتالي أصبح السودانيون من غير العرب منفيين إلى هامش الهامش. ولكن التناقض الأكبر في هوية السودانيين الشماليين يكمن في أنهم في حين يسمون مواطنيهم من السود "عبيداً"، فإنهم هم أنفسهم يُسمَّوْن "عبيداً" من جانب العرب "الأصلاء" خارج السودان. ومن هنا نخلص إلى أن الشماليين، بإلحاقهم أنفسهم بالعالم العربي على هذا النحو، هيّأوا أنفسهم لأداء دور الوكيل الذي سيحمل إنابة عن العرب رسالة ثقافية في السودان وما ورائه.
الهوية الجنوبية: نبذة تاريخية لا نعرف الكثير عن الجنوب قبل الفتح التركي المصري عام 1820. ولكن، بصرف النظر عن نوع الحياة التي كانت تأخذ مجراها في الجنوب حتى 1820، فقد اختلت تلك الحياة بفعل الفتح التركي المصري، والذي قدم الجنوب للعالم، وللسودانيين الشماليين، كمصدر للرقيق، وبالتالي حدد من أول وهلة العلاقة بين الشمال والجنوب كعلاقة بين سيد، هو مالك أو تاجر الرقيق من جانب، وعبد، هو متاع أو بضاعة من الجانب الآخر. وسنرى فيما بعد أنه رغم اختفاء مؤسسة الرق، فإن جوهر تلك العلاقة، وهو التحكم والسيطرة، قد استمر كما هو متخذاً أشكالاً أخرى. لقد ظلت الهوية الجنوبية دائماً، وبحكم تعريفها كهوية أدنى، هدفاً إما للإخضاع أو للتعديل. وقد استمر ذلك خلال العهد التركي المصري، وفترة المهدية، وطوال فترة الحكم الثنائي وفترة ما بعد الاستقلال. وسنرى فيما بعد أن تلك الرؤية طبعت بميسمها أيضاً العلاقات بالمجموعات الأخرى التي عرفتها الثقافة والمؤسسة الشماليتين بكونها "سوداء" أو أفريقية، بصرف النظر عما إذا كانت تلك المجموعات قد مرت بتجربة الاسترقاق أم لا، وبغض النظر عن كونها مسلمة، كمواطني دارفور السود، أم غير ذلك.
تجارة الرقيق والهوية لقد ذكرنا أن تجارة الرقيق كانت واحدة من أكثر العوامل تأثيراً في تحديد العلاقات الشمالية الجنوبية. لا جدال في أن تجارة الرقيق ليست اختراعاً تركياً مصرياً، فلقد نشأت هذه التجارة منذ عصور سحيقة وفي مناطق كثيرة من العالم. ولكن أهمية دور الفتح التركي المصري للسودان هنا تعود إلى أنه خلق طلباً ضخماً للرقيق، إذ أن واحداً من أهم دوافع الغزو كان هو جلب الرقيق لبناء جيش من العبيد. في تلك الفترة عمل الشماليون وكلاء لتجار الرقيق الأتراك والأوروبيين والعرب، ولكن بعد ذلك تاجروا في البضاعة الإنسانية منفردين وباستقلال تام، فيما اتخذ دور الوكالة شكلاً آخر.
نتيجة للزخم الذي اكتسبته حركة إلغاء تجارة الرق، فقد بدأت الدول الأوروبية، بالتعاون مع تركيا، في محاربة تجارة الرق. وقد نجح الخديوي اسماعيل، مدفوعاً بتلك التوجهات، وبتعيينه الجنرال غردون كحاكم للاستوائية، في قمع تلك التجارة إلى حد ما. في تلك الفترة اختفى التجار الأوروبيون من الساحة ولم يبق فيها أمام نظر الجنوبيين سوى التجار العرب والسودانيين الشماليين وحدهم يتداولون في تلك التجارة، ويقاومون جهود الحكومة لإيقافها. في تلك الفترة ربط الجنوبيون "بين الإسلام واللغة العربية، من جانب، والإدارة الحكومية وتجار الرقيق، من الجانب الآخر" وانخرطوا، خاصة النيليين منهم، بمقاومتهما. حدث ذلك في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة ممثلة في الإرساليات التبشيرية الإنجليزية والفرنسية، تعمل ضد تجارة الرقيق. وحينما حطم المهدي النظام التركي المصري، عادت تجارة الرق بكامل عنفوانها، ولكنها هذه المرة كانت مؤسسة شمالية بحتة، واستمرت وشملت مناطق متعددة في البلاد لما يربو على عقدين من الزمان بعد إعادة فتح السودان بقوات الحكم الثنائي في 1898. وقد واصل العرب البدو حملاتهم على النوبة في جنوب كردفان حتى 1912، أما في جنوب النيل الأزرق فقد استمر الشيخ خوجلى الحسن وزوجته ست آمنة في التجارة بأهل الأنقسنا حتى 1928، حينما تم القبض على ست آمنة وحوكمت وأدينت.
البعثات التبشيرية وتعديل الهوية مهد الاحتلال التركي المصري طريق الجنوب أمام البعثات الاستكشافية والإرساليات التبشيرية الأوروبية. وقد تأسس العمل التبشيري جوهرياً على فرضية أن الجنوب يمثل فراغاً ثقافياً ودينياً ينبغي أن يملأ بالثقافة والدين الصحيحين، أي أنه معني بتعديل الهوية. كما اهتم المبشرون أيضاً بحماية ما اعتبروه فراغاً ثقافياً من الخطر الذي تمثله الثقافة المجاورة في الشمال، والتي حسبوها ثقافة أرقى. ولهذا شرعوا في إزالة أي تأثير عربي أو إسلامي في الجنوب، وفي قطع الطريق أمام إي احتمالات مستقبلية لمثل ذلك التأثير. يتضح هذا جلياً في خطابات الجنرال غردون، حاكم الاستوائية، في 1871، إلى الجمعية التبشيرية الكنسية في إنجلترا، والتي يدعوها فيها للقدوم والعمل في محافظته.
بعد الاحتلال البريطاني لمصر في 1882، أصبح طريق الجنوب سالكاً تماماً للإرساليات التبشيرية لمواصلة نشاطها لتعديل الهوية. وقد تعرضت هذه العملية لانقطاع قصير أثناء الثورة المهدية التي طردت الأتراك في 1885، ولكن وتيرة العمل عادت كما كانت عليه، إن لم يكن بحماس أشد، بعد الاحتلال الإنجليزي المصري للبلاد في 1898.
السلطة الاستعمارية البريطانية والهوية الجنوبية مباشرة عقب احتلالهم السودان في 1898، حدد البريطانيون موقفهم من الهويتين السودانيتين الشمالية والجنوبية، وقرروا، تبعاً لذلك، وضع المجموعات المستعربة في الشمال في درجة أعلى من المجموعات الأفريقية. وقد أسندت الإدارة البريطانية الجديدة في السودان إلى الجمعيات التبشيرية مهمة تمدين هؤلاء الهمج بتعليمهم "مبادئ الإدراك العام، والسلوك السليم، وطاعة السلطة الحكومية". أما في الشمال، فقد أبدى البريطانيون احتراماً كبيراً للمجموعات العربية وحافظوا على هويتها الإسلامية بل وعززوها. إضافة إلى ذلك، اتبع البريطانيون سياسة تهدف إلى حماية الجنوب من أي تأثير ثقافي شمالي. ولهذا شرعوا في وضع الحواجز الكفيلة بإيقاف التنقل والتفاعل الطبيعي بين الجنوب والشمال، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى انتشار عناصر من هوية الشمال في الجنوب. وفي هذا الإطار قاموا بتغيير العطلة الرسمية من الجمعة إلى الأحد، وأبدلوا وحدات الجيش المصري في الجنوب بقوات الاستوائية المكونة من السكان المحليين فقط وتحت القيادة البريطانية، كما قاموا بإدارة الجنوب بصورة مستقلة ومنفصلة. وقد هدفت تلك السياسة، والتي تواصلت منذ 1898 وحتى 1920، إلى تحضير الجنوب ليتطور على نحو منفصل ومستقل عن الشمال. لقد نصت المذكرات الثلاثة التي ستحدد السياسة البريطانية في الجنوب بين 1920 و 1947 بوضوح على ما يلي: (أ) "فصل المناطق الزنجية عن العربية"، (ب) استيعاب الجنوب في نهاية الأمر في "حكومة الممتلكات الأفريقية الأخرى مثل يوغندا وشرق أفريقيا"، و (ج) منع التأثير الإسلامي من الوصول إلى الجنوب بعزل الجزء الجنوبي "الأسود" من السودان عن المنطقة الشمالية". وفي عام 1922 صدر قانون المناطق المقفولة ليعزل الجنوب كمنطقة مغلقة. لم يعد الدخول إلي الجنوب بعد ذلك مسموحاً إلا بإذن من الحكومة، كما منع التجار الشماليون من الاتجار الحر في الجنوب بحكم "أمر تراخيص التجارة" الصادر في 1925. وقد وجه المسئولون بوضوح بالحد من وجود "الجلابة"، أي التجار الشماليين، في المدن وعلى مسارات التجارة المعروفة في الجنوب. كان المخطط هو تخفيض عدد التجار المصريين والسودانيين الشماليين "ليس بصورة حادة ولكن على نحو تدريجي" واستبدالهم بيونانيين وسوريين مسيحيين. وقد هدف القانون أيضاً إلى تقليص عدد الجنوبيين الراغبين في البحث عن فرص عمل في الشمال. أما التجار الذين كانوا قبلاً في الجنوب فقد مورست عليهم الضغوط للرحيل، وبحلول 1932 كانت المهمة قد أنجزت تقريباً. أما القبائل الجنوبية المجاورة للقبائل العربية في دارفور وكردفان، فقد تم ترحيلها من مناطقها تلك إلى مناطق أكثر عمقاً في الجنوب لمنع أي تواصل بينها وبين القبائل العربية.
الإدارة البريطانية ومظاهر الهوية ذكرنا فيما سبق أن الإدارة البريطانية فعلت كل ما في وسعها لحماية الهوية الجنوبية من العناصر المكونة للهوية الشمالية، خاصة اللغة العربية والإسلام وطريقة الحياة الشمالية. تم إبدال اللغة العربية باللغة الإنجليزية، والتي أصبحت وسيلة الاتصال في الجنوب، وكذلك باللهجات المحلية. لقد اعتبرت اللغة العربية المفتاح "الذي سيفتح الأبواب لانتشار الإسلام وتعريب الجنوب وإدخال النظرة الشمالية للحياة". وقد اعتبرت الأسماء العربية أيضاً جزءاً من مكونات الهوية العربية التي يجب حماية الجنوبيين منها، فنصح زعماء القبائل وأتباعهم بعدم تبني أسماء عربية، أما أولئك اللذين كانوا قد استخدموها سلفاً فقد نصحوا بإبدالها بأسماء قبلية. وشكل اللباس الشمالي واحداً من المظاهر الملموسة للهوية الشمالية التي غزت الجنوب، فكان لابد من استئصالها. وقد نصح الجنوبيون باستخدام الأزياء الغربية بدلاً من العربية، كما أمر التجار بعدم بيع الأزياء العربية للجنوبيين. وفي عام 1935، كتب مدير المنطقة الغربية لبحر الغزال خطاباً إلى ثلاثة من وكلاء التجارة الرئيسيين الذين يزودون المنطقة بالبضائع، يوبخهم فيه على عدم إتباعهم الحرفي لتوجيهات الحكومة فيما يتعلق بالملابس، ويقول الخطاب: "ألاحظ أنه بالرغم من وخلافاً للتوجيهات المتكررة، فإن كميات كبيرة من الملابس العربية مازالت تصنع وتلبس. أرجو الانتباه مستقبلاً إلى أنه من الممنوع تماماً صنع أو بيع مثل هذه الملابس. القمصان يجب أن تكون قصيرة، بياقة وفتحة من الأمام على الطريقة الأوروبية، وليس برقبة مفتوحة كما يرتديها بقارة دارفور. وكذلك يجب عدم بيع "الطواقي"، التي يضعها العرب على رؤوسهم للف العمامة حولها، في المستقبل. يجب عدم صنع أي ملابس عربية من الآن فصاعداً. إنني أمهلكم حتى نهاية فبراير للتخلص من مخزونكم الحالي. يسري هذا الأمر على جميع الوكلاء الخارجيين وعلى مالكي ماكينات الخياطة." وحتى بتر الأعضاء الجنسية الأنثوية (أو ما يسمى بالختان) تم منعه في الجنوب، ليس بسبب قسوته في حد ذاته، ولكن لأنه اعتبر مظهراً من مظاهر الهوية الشمالية التي يجب أن تزال. لقد منع التزاوج بين الشماليين/الشماليات والجنوبيين/الجنوبيات لأنه سينجب أطفالاً شماليين. ولسد المنافذ أمام احتمالات من هذا القبيل، فقد نقل كل الشماليين الذين كانوا يعملون في الجنوب إلى الشمال. أما التعليم في الجنوب فقد أسند بصورة كاملة للجمعيات التبشيرية، مدعومة من الحكومة، للمساعدة في عملية تعديل الهوية الجنوبية في اتجاه أسلوب حياة غربي مؤسس على الديانة المسيحية واللغة الإنجليزية.
الهوية الضعيفة بالرغم من كل ذلك، فقد شعرت الإدارة البريطانية، في السنوات القليلة التي سبقت الاستقلال، أن سياستها لفصل الجنوب قد فشلت عملياً، فقررت أن تعكسها وأن تتبنى خيار السودان الموحد. هذا التغيير في سياسة الحكومة، متضافراً مع شعارات "سودان واحد" التي أطلقها مؤتمر الخريجين الشماليين، أثار مخاوف المجتمع التبشيري بما يمثله من أخطار حقيقية بالنسبة للهوية الجنوبية. وقد زاد من تلك المخاوف، على وجه التحديد، الميول القوية للشماليين لاتخاذ الإسلام واللغة العربية عناصر رئيسة في الهوية الوطنية. كان اتخاذ الإسلام ديناً للدولة واللغة العربية لغة رسمية يعني بالنسبة للمجتمع التبشيري أن الهوية الجنوبية التي صمموها، والمؤسسة على المسيحية والثقافة الغربية واللغة الإنجليزية، ستواجه خطراً ماحقاً. إضافة إلى ذلك، كانت الجمعيات التبشيرية تدرك أن السياسة التعليمية في الجنوب سينتهي بها الأمر إلى أيدي إلى الشماليين، وفقاً لما طالبت به مذكرة مؤتمر الخريجين في 1942 المرفوعة للسلطات البريطانية. رغم ذلك كله، قرر البريطانيون ألا يشغلوا أنفسهم بالمشاكل التي لاحت نذرها. وفي 16 ديسمبر 1946 ذكر السيد روبرتسون السكرتير الإداري آنذاك، في مذكرته لمديري المديريات: "إن سياسة حكومة السودان حيال جنوب السودان هي العمل بناء على حقائق أن شعوب جنوب السودان أفريقية وزنجية بجلاء، ولكن بما أن الجغرافيا والاقتصاد قد تضافرا (بقدر ما نستطيع استشفافه الآن) لربطهم، لأغراض التطور مستقبلاً، ارتباطاً لا يفصم مع شمال السودان الشرق أوسطي والمستعرب، فلابد لنا من تهيئتهم، من خلال التعليم والتنمية الاقتصادية، للاعتماد على أنفسهم في المستقبل، أنداداً لشركائهم الشماليين ، اجتماعياً واقتصادياً، في سودان المستقبل". وبالطبع فقد جربت شعوب جنوب السودان "الأفريقية والزنجية بجلاء" ذلك "الارتباط الذي لا يفصم" بالشمال المستعرب، وسرعان ما تلظت في جحيمه.
مظاهر الهوية: دور الشمال كان هناك إجماع عام بين النخبة السياسية الشمالية، باستثناء الحزبين الشيوعي والجمهوري، بأن الهوية المختلفة للجنوب هي السبب الرئيسي للنزاع، وبالتالي فإنه لحل النزاع لابد من إزالة السبب. وقد اعتبرت عملية الأسلمة والتعريب آلية طبيعية كفيلة بتغيير الهوية الجنوبية وتهيئتها للانسجام مع الهوية الشمالية. وما أن استولت الحكومة العسكرية الأولى 1958-1964، بقيادة الفريق إبراهيم عبود، على مقاليد الأمور حتى صوبت أسلحتها تجاه ذلك الهدف. كانت الاستراتيجية غاية في البساطة، إلغاء مظاهر الهوية التي غرسها البريطانيون في الجنوب، واستبدالها بمظاهر شمالية. وتبعاً لذلك قامت الحكومة بطرد البعثات التبشيرية وعجلت بوتيرة انتشار الإسلام واللغة العربية في الجنوب. تم فتح العديد من مدارس القرآن والمعاهد الإسلامية في جوبا وكادوك وواو و مريدي و ياي وراجا، وفي ذات الوقت تم التضييق على ممارسة الناس للمسيحية. غيرت العطلة الاسبوعية إلى الجمعة، وبدلت أسماء السلاطين والرعايا بأسماء عربية، وفرضت الأزياء الشمالية عليهم. نشطت الحكومة في إنشاء المساجد، وإرسال الدعاة المسلمين للجنوب، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الجنوب، وتراجعت الإنجليزية إلى المكان الثاني. ومنذ ذلك الحين، وباستثناء الفترة بين 1969 و1983، صار إدغام واستيعاب هوية الجنوب عبر التعريب والأسلمة قسرا سياسة رسمية للشمال، نفذتها الحكومات المختلفة المتعاقبة بهمة منقطعة النظير. وباستيلاء الجبهة القومية الإسلامية على السلطة في يونيو 1989، انطلقت هذه العملية بأقصى سرعة واندفاع، حيث اعتبر الجنوب مجرد خطوة أولى على طريق توطيد الإسلام في أدغال أفريقيا.
كيف فهم الشماليون التمرد الجنوبي بدأت الحرب الأهلية في الجنوب في 1955. ومنذ ذلك الحين ظلت الطبقة الشمالية الحاكمة، والتي احتكرت السلطة منذ الاستقلال في عام 1956، تردد أن التمرد في الجنوب ما هو إلا مؤامرة خارجية دبرتها القوى الاستعمارية والكنيسة بهدف فصل الجنوب عن الشمال. وعادة ما تتم الإشارة لقانون المناطق المقفولة وللإجراءات التي اتخذتها الإدارة البريطانية بين 1930 – 1938 لإلحاق جنوب السودان بشرق ووسط أفريقيا كبراهين دامغة لإثبات نظرية المؤامرة. وقد تبنت الحكومات المتعاقبة في الشمال استراتيجية مضادة تهدف، ليس إلى إلغاء ما كانت الإدارة البريطانية والكنيسة قد فعلتاه فحسب، وإنما إلى تحقيق "الحل النهائي" بإزالة "الثغرة" التي استغلتها القوى الاستعمارية، أي الهوية المختلفة للجنوب. ومن هنا جاء مشروع الإدغام والاستيعاب إلى الوجود. هذا هو الأصل الذي تنطلق منه وتعود إليه مشروعات التعريب والأسلمة في الجنوب والتي تابعتها جميغ الحكومات التي مرت على السودان بعد الاستقلال دون استثناء. إن ذلك يؤكد أن الطبقة الحاكمة الشمالية كانت تدرك منذ البداية أن الهوية كامنة في جذور المشكلة، ولكن هذه الطبقة، وكما ذكرنا فيما سبق، لم تكن مستعدة أبداً للنظر إلى الهوية الجنوبية كفاعل في الصراع، وإنما كموضوع له، وكغنيمة أو جائزة تفوز بها في المنافسة مع القوى الاستعمارية. بالنسبة لتلك الطبقة لم تكن هناك "هوية جنوبية"، بل مجرد إطار فارغ ينتظر أن يملأ بمفردات الهوية العربية. لم يكن الصراع إذاً ضد الهوية الجنوبية بقدر ما كان حولها. ولهذا السبب فإن تلك الطبقة لم تكف حتى اليوم، وبالرغم من كل هذه الفترة الطويلة منذ الاستقلال ومنذ طرد البعثات التبشيرية، عن الحديث عن المؤامرات الغربية التي تحيكها الكنيسة والحكومات الغربية.
وجهة نظر شمالية منشقة كما ذكرنا من قبل، فقد مثل الجمهوريون والشيوعيون استثناءاً من التيار العام. لقد اتخذ الشيوعيون خطوة متقدمة على الأحزاب التقليدية الشمالية باعترافهم بالخصائص المختلفة للجنوب، ولمناداتهم بحكم ذاتي هناك. ولكنهم، تماماً كالأحزاب التقليدية، عارضوا مطلب الأحزاب الجنوبية بالفدرالية في الجنوب. وبتأثير منهم تَبَنَّت سلطة مايو هذه الفكرة وأصدرت إعلان التاسع من مارس عام 1970 الذي قامت عليه اتفاقية أديس أببا عام 1972. أما الجمهوريون فقد كانوا أول من دعا إلى تطبيق النظام الفدرالي في البلاد بكاملها، كما كانوا أيضاً أول من عرّف الحرب الأهلية في الجنوب باعتبارها مشكلة حكم. لقد قال الأستاذ محمود محمد طه في عام 1955، في رسالة عن مشكلة الجنوب، أن "حل مشكلة الجنوب يكمن في حل مشكلة الشمال". بالنسبة للأستاذ محمود، لم تكن المشكلة في الجنوب إلا مجرد عرض لمرض عضال هو غياب المشروع الوطني الواسع الذي يستوعب الكيانات المختلفة في البلاد كلها. لقد انتقد الأستاذ محمود النخبة لفقدانها الرؤية فيما يتعلق بالبلاد، ولعدم اكتراثها بأهل الجنوب ولتجاهلها لمأساة أهل الجنوب "الذين قضت عليهم حضارة القرن العشرين بالعيش في فقر مدقع، جوعى، تستوطنهم الأمراض، عراة وحفاة". ولكن تحذيرات الأستاذ محمود ضاعت، كصرخة في البرية، دون أن ينتبه لها أحد. لقد احتاج الشماليون، النخبة الحاكمة وقادة الثقافة المتواطئون معها، إلى نصف قرن من المراوغة والخداع وخسائر لا تحصى في الأرواح والممتلكات والفرص ليفهموا أن الحل النهائي الذي سعوا إليه بكل ما أوتوا من قوة كان مستحيلاً، وأن مشروعهم لإدغام الجنوب واستيعابه قد فشل تماماً. ولكن ما زال عليهم أن يعترفوا بأنه كان خاطئاً من الأصل. ومع ذلك فلا أحد يعلم كم من الخسائر سيحتاج الشمال لتعميم الدرس المستفاد من الجنوب على "الآخرين" في جبال النوبا وتلال الأنقسنا ودارفور.
دارفور: أتون الجحيم على وجه البسيطة في إفادته لمجلس الأمن عن نتائج تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في دارفور، ذكر السيد كوفي أنان، الأمين العام للأمم الممتحدة، أن التقرير "يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أن السنتين الأخيرتين لم تكونا لأخوتنا في الإنسانية في دارفور شيئاً أقل من الجحيم على الأرض". وحقاً، لم يكن ما وجدته كل تقارير منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، ووسائل الإعلام الدولية، ووصفته ببشاعته، سوى الجحيم. لقد احترقت أعين الملايين من مشاهدي برنامج بانوراما الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية وهم يتابعون، لا إحصاءات مجردة، بل شهادات حية يقدمها بشر من لحم ودم، يتحدثون إليهم من قاع ذلك السعير. بشر مثل خديجة، تلك المرأة الدارفورية التي أصبحت تجسيداً للشقاء الإنساني والتعاسة والحزن وهي تقف بجانب ركام قريتها المدمرة، تتمنى لو كانت هي التي لاقت حتفها، وتصف المشهد الذي خلفه الجنجويد وراءهم، قائلة: "وجدت جثة طفلى ذي الأربع سنوات ملقاة بجانب المستشفى فحملتها وذهبت أبحث عن طفلي الآخرين، فوجدتهما مقتولين داخل المدرسة، حيث كانا يختبئان في ركن غرفة الدرس. كان هناك عدد يصعب حصره من جثث الأطفال القتلى الملقاة أمام المدرسة. فليغفر لي الله، ليتني لو كنت مت." تلك الشهادة التي تفطر القلوب ليست سوى نسخة طبق الأصل من مئات الشهادات الأخرى التي جمعتها منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، ومنظمات أخرى لحقوق الإنسان، واللجنة الدولية للتحقيق في دارفور، وصحفيون مستقلون. لقد اتفقوا جميعاً في وصف نمط للإعتداءات المنظمة على المدنيين في دارفور، يقتل فيها الرجال، وتغتصب النساء بانتظام ويطرد السكان المحليون من مساكنهم بالقوة ثم تحرق تلك المساكن وكذلك الممتلكات من الأبقار والمحاصيل أو تنهب. لقد تم تحديد المهاجمين بأنهم، بالإضافة إلى الجيش السوداني والقوات الجوية، ميليشيات عربية مدعومة حكومياً. كما أن الضحايا هم باستمرار من قبائل الفور والمساليت والزغاوة والداجو وبعض القبائل الأفريقية الصغرى الأخرى، والذين تطلق عليهم القبائل العربية في دارفور إسم "الزرقة". لقد دخل مصطلح "الزرقة" هذا إلى الاستعمال في الثمانينات من القرن المنصرم مشحوناً بالتحيز العنصري، إذ يشير إلى بشر ذوي قيمة إنسانية أدني، من أصول غير عربية، أجلاف، شبه وثنيين، ويحق استعبادهم واسترقاقهم. وبالرغم من ذلك، فإن الحكومة السودانية وأجهزة الإعلام العربية ومشائخ إسلاميين كبار وأيضاً كثير من المتعلمين والمثقفين السودانيين، ظلوا يتعاملون مع ذلك الجحيم الأرضي بدرجات متفاوتة من الإنكار والتجاهل. لقد تعامل الشماليون بصفة عامة، وباستثناء قلة منهم، مع الأخبار الملتهبة من دارفور إما بلامبالاة قاسية أو بإنكار فظ، ولكن الأكثر مدعاة للقلق هو أن البعض منهم تعامل معها بعنصرية بغيضة. وقد استمر أصحاب النوايا الطيبة من الشماليين يتساءلون في قلق وجزع عما إذا كانت تلك الأخبار صادقة، ولكن كالعادة، فإن أغلبيتهم مستعدة دوماً لتصديق الرواية الرسمية للأحداث، خاصة عندما تردهم عبر طرف ثالث، كوسائل الإعلام العربية. كثيراً ما تثير وسائل الإعلام السودانية والعربية، وكذلك مواقع الإنترنت الإسلامية أسئلة على شاكلة "لم كل هذا التركيز على دارفور من قبل وسائل الإعلام والحكومات الغربية؟" و "لمصلحة من ولأجندة من؟" و "ربما هناك ثروات معدنية طائلة يعرفها الغرب" وغيرها، مركزة على أن المصالح الاستراتيجية والاقتصادية وليس الأسباب الانسانية هي الدافع الرئيسي لذلك التحرك. إن القاسم المشترك بين تلك الجهات يتمثل في: • ليس هناك إبادة جماعية أو تطهير عرقي في دارفور. وأعداد القتلى جرى تضخيمها. • ليس هناك إغتصاب بالجملة للنساء. والحديث عن الإغتصاب الغرض منه الإساءة لأهل دارفور، وللسودانيين عامة، والنيل من "المشروع الحضاري للبلاد". • الجنجويد ليسوا حكراً على القبائل العربية. هم عصابات خارجة عن سيطرة الحكومة. • لا يصح الحديث عن "عرب" و "زرقة" فى دارفور، فجميعهم متشابهون ولهم ذات السحنة والملامح. • ليست هناك صلة أو تنسيق بين قوات الحكومة والجنجويد. • هناك مشكلة محلية بسيطة وقديمة هي مجرد نزاع قبلي حول الموارد الشحيحة، تم تضخيمه بواسطة الولايات المتحدة والقوى الغربية في مؤامرة لتشويه الإسلام وتقسيم السودان وتحويل أنظار العالم عن خزيانها في العراق والمناطق الفلسطينية المحتلة. إن تلك مؤشرات بأن هناك مشكلة جوهرية في وجدان و أذهان أولئك الناس وتلك الجهات التي تتبنى هذا الطرح المضلل. أصحاب هذا الطرح ذاهلون تماما عن مواطني دارفور وليس في أذهانهم أو اهتماماتهم أو معادلاتهم أي مكان لمعاناتهم الإنسانية. وبتعبيرهم عن الغيظ والحنق لأن تركيز الضوء على مأساة أهل دارفور قد صرف انتباه العالم عن مأساة الفلسطينيين والعراقيين، فإنما يقولون أن القيمة الإنسانية لهؤلاء الأخيرين أعلى من القيمة الانسانية لأهل دارفور. وفي محاولتهم اختلاق أسباب أخرى للاهتمام الدولى بمعاناة أهل دارفور، غير الأسباب الحقيقية المتمثلة في غضب الرأي العام على مرتكبي تلك الفظائع وتعاطفه الانساني مع الضحايا، فإن مروجي تلك المقولات إنما يقولون ببساطة أنهم لا يأبهون بمعاناة أهل دارفور، وأن حسابات صراعاتهم الاستراتيجية تطغى على الإحساس بآلام البشر. سنعود إلى مناقشة أمثلة لهذه الآراء فيما بعد، ولكن فلنناقش أولاً الأسباب العرقية للصراع.
التركيبة الإثنية لدارفور يصف عبد الله عثمان التوم، وهو باحث في الأنثروبولوجيا من دارفور، عملية تشكل الهوية في دارفور بأنها شبيهة جداً بما تم في الشمال النيلي. يقطن دارفور عدد من المجموعات الإثنية، معظمهم أفارقة سود مسلمون، بعضهم لازال يحتفظ بلغاته الأفريقية الأصلية ولكنهم يستخدمون اللغة العربية كلغة تخاطب بينهم، والبعض الآخر فقد لغته الأصلية وأصبح يتحدث العربية كلغة أم منذ قرون كما اتخذ العروبة هوية له. ولكن التصنيف الرئيسي هو بين هذه المجموعات الأفريقية السوداء، أو ما يسمى بالزرقة، من جانب، وبصرف النظر عما إذا كانوا يتحدثون العربية كلغة أم أو لا، وبين القبائل العربية، من الجانب الآخر. وتتشكل الزرقة من قبائل الفور و المساليت، الزغاوة، السلامات، الميدوب والبرتي. بينما تشمل القبائل العربية البقارة، الرزيقات، الزيادية، المعاليا والبني هلبة.
عملية التعريب في دارفور منذ أن أصدر ملك الفونج السلطان بادي الثالث، في القرن السادس عشر الميلادي، مرسوماً يعلنه هو وجماعته "منحدرين من العرب"، وبالتحديد من "سلالة الأمويين"، عرفت كل المجموعات الإثنية في هذه المنطقة أن إدعاء هوية عربية إسلامية سيرتقي بها إلى دوائر القوة وامتيازاتها. ونتيجة لذلك فإن جميع المجموعات الإثنية تقريباً في شمال السودان الجغرافي تزعم لها شجرة نسب عربية. وينطبق هذا على نوبة الشمال وبعض قبائل النوبا، خاصة في الجزء الشرقي من جبال النوبا، والبجة في شرق السودان والحوازمة في كردفان وكذلك الفور في دارفور. و يذكر عبد الله التوم أن عدداً من قبائل الزرقة نفسها قد ادعت لنفسها نسباً عربياً، فيقول: "بعض هذه الجماعات التي تزعم صلاتها العربية في دارفور لا زالت تحتفظ بلغاتها الأفريقية بينما ضيعت مجموعات أخرى، مثل الزغاوة والفور والبرتي والسلامات والميدوب على سبيل المثال لا الحصر، لغاتها الأصلية لصالح العربية في القرن أو القرنين الماضيين. وغالباً ما تدعم مزاعم هذه المجموعات في الأصل العربي بشجرات نسب مكتوبة ترجعهم إلى النبي محمد نفسه أو إلى بعض أصحابه المقربين. وبعض شجرات النسب هذه موثقة بأختام من مكاتب في المملكة العربية السعودية وتشترى من هناك. وبالرغم من غرابة الأمر، إلا أن هناك الآن مكاتب تجارية تعمل في تجارة الأنساب هذه في السعودية." تلك الفقرة تضيف الكثير إلى معرفتنا، فهي توضح أن عملية التماهي مع العروبة التي اكتملت في الشمال النيلي (أو السياسي)، ما زالت في طور السيرورة في الشمال الجغرافي، ولكن وجه الاختلاف هو أن الشمال النيلي، والمنفي هو ذاته إلى هامش الهوية العربية، أصبح مركزاً للهوية لدارفور وبقية المناطق، وأصبحت له الآن سلطة الاعتراف أو عدم الاعتراف بادعاءات الهامش.
إعادة صياغة الهوية لقد قطعت الأحداث الأخيرة في دارفور تواصل تلك العملية، كما يذكر التوم، وأجبرت المركز وكذلك الأطراف على إعادة النظر في قناعاتهم السابقة، فبعض مجموعات الزرقة والتي كانت تزعم أن لها نسباً عربياً بدأت تعيد النظر في ذلك الآن، ويواصل القول: "من المدهش أن عدداً من المجموعات الإثنية ..... تتحدث العربية كلغة أم وظلت، على الأقل حتى سنوات قليلة خلت، تحتضن أصولاً وثقافة عربيتين، بالنسبة لهذه المجموعة الأخيرة، تمكنت الأفريقانية أخيرا من أن تخلف اللغة والإسلام ونفوذ الثقافة العربية كعامل حاسم في تحديد الهوية. لقد أصبحت الأفريقانية تمثل لهم الانتماء التاريخي للأرض وكذلك الفخر بسواد بشرتهم، ولكن فوق كل ذلك فقد أصبحت تعني التميز عن خصومهم الجدد، العرب." وبالتأكيد، لو صحت تلك المقولة، فإن ذلك يعني أن المشهد قد أصبح معداً الآن لعملية إعادة لصياغة الهوية، وأن تلك المجموعات هي الآن بصدد إعادة صياغة هويتها. لقد أدركت تلك المجموعات بأنه لن يسمح لها أن تكون الأمة التي أرادت أن تكونها، وأن مركز الهوية التي يطمحون في أن يكونوها، لا يعترف بشرعية دعواهم، لذا فقد شرعت في إعادة صياغة هويتها. لقد ذكرنا من قبل في وثيقة "أزمة الهوية في شمال السودان" أن التوتر بين المركز والأطراف قد يكون كامناً كوميض النار يعمل في صمت في الأوقات الطبيعية وفترات السلام، وحينها تكون مظلة الهوية مستعدة للترحيب بكل المجموعات الاجتماعية التي تزعم الانتماء لها، أما في فترات النزاع العنيف فإن المركز يستخدم أو، كما يحدث في معظم الأحيان، يسئ استخدام سلطته، في منح الاعتراف، إذ أن بوسعه سحب المظلة من، ونزع الاعتراف عن، أية مجموعات اجتماعية طرفية كلما رأى ذلك ضرورياً. لقد رأى الزرقة أن المركز قد استخدم سلطته في القبول والرفض ضد مصالحهم، وأن الحكومة السودانية، وهي المركز في هذه الحالة، انحازت إلى القبائل العربية في دارفور وسحبت مظلة الاعتراف منهم، الأمر الذي دعاهم لإعادة النظر في هويتهم. ونتج عن ذلك، كما يذكر ذات الباحث، أن "الأزمة الحالية غيرت تصنيف السكان السابق برمته، وأنتجت تصنيفاً جديداً يعمل كآيديولوجية تملك القول الفصل في التحالف بين مختلف المجموعات الإثنية، وتبعاً لها يمكن تقسيم دارفور الآن بصورة أساسية إلى مجموعتين رئيسيتين، العرب ومعظمهم ولكن ليس كلهم من البدو، ولهم إدعاء قوي بالثقافة والجذور العربية، والأفارقة السود "الزرقة" والذين يعتبرون أنفسهم بصورة أساسية غير عرب وأفارقة في الأصل.
الكتاب الأسود: لماذا هو "أسود"؟ يتجلى التخريب الذي أحدثه النظام التعليمي في نفسية بعض المتعلمين من دارفور في عنوان هذا الكتاب، إذ أن مؤلفيه، الذين أسموا أنفسهم "الباحثون عن الحقيقة والعدالة"، هم أنفسهم سود البشرة يعانون من الظلامات القائمة على العرق، ولكنهم مع ذلك لا يرون الأكذوبة والظلم اللذين جعلا من اللون الأسود رمزاً للسوء والقذارة والشر والفساد. إنها عنصرية الثقافات "البيضاء" ضد السود في تجلياتها اللغوية، ومن اللافت للانتباه أن أشخاصا على هذا القدر من التعليم والوعي السياسي لم يروا التناقض في استخدامهم لمصطلح يسيء إلى لون بشرتهم. إنهم باستخدامهم للنظام الرمزي للثقافة العربية إنما يثبتون أنهم مازالوا مستعمرين ثقافياً، وأن القوى التي اضطهدتهم مازالت تحتل ذواتهم. إنهم بحاجة إلى تحرير عقولهم أولاً، والتفكر بأن الطريقة التي يستخدمون بها اللغة وحدها كفيلة بهزيمتهم. وإذ نقول ذلك عن أولئك المتعلمين من دارفور فإننا ندرك أن ما ينطبق عليهم ينطبق أيضاً على استخدام الشماليين للغة العربية بغير تفكر في دلالات نظامها الرمزي.
الفكرة خلف الجنجويد إن الصاروخ الذي انطلق بمصطلح الجنجويد من الاستخدام الغارق في المحلية في أقاصي دارفور، إلى أروقة الأمم المتحدة وردهات البرلمان الأوروبي والبيت الأبيض، كان وقوده ناس "الزرقة" في دارفور وعذاباتهم القاسية. لقد انشغل البعض بمعنى الكلمة، ولكن المهم هو مضمون "الفكرة" وليس معنى الكلمة. الفكرة خلف الجنجويد هي "الوكالة" وفي هذه "الوكالة" قد يتبدل الضحايا المستهدفون، وقد يتغير القتلة المأجورون، ولكن الفكرة نفسها تظل ثابتة. والثابت الآخر في هذه الوكالة هو هوية المستهدف، فلابد أن تكون غير عربية، أفريقية سوداء. إن الجنجويد هم العملاء المأجورون فيما يتعلق بالضحايا في دارفور، أما بالنسبة للضحايا في الجنوب، فقد كان المراحيل هم العملاء المأجورين. إن الفكرة ليست جديدة في ذهن الطبقة الحاكمة الشمالية، بل قديمة ومركزية حتى أنهم ابتدعوا لها عبارة محددة في قاموس المصطلحات العنصرية الشائعة وسط النخبة السياسية الشمالية ضد الأفارقة السود السودانيين وهي "إقتل العبد بالعبد". حينما وضعت تلك المقولة موضع التطبيق لأول مرة كان العبد الأول فيها هو الجنوبيين، بينما كان العبد الثاني هو أهل دارفور وجبال النوبة، الذين شكلوا الكتلة الكبرى في كتائب الجيش "الوطني" التي أرسلت للجنوب لقتال المتمردين. ثم أعيد إحياء الفكرة مرة أخرى في منتصف الثمانينات، حينما فاقت تكلفة الحرب موارد الحكومة، وحينما رأت الحكومة قواتها خائرة تتلقى الهزيمة إثر الهزيمة وقوات المتمردين يشتد ساعدها وتحرز نصرأ إثر نصر. لقد كان المجلس العسكري الانتقالي بعد انتفاضة أبريل 1985 بقيادة سوار الدهب هو صاحب الفضل هذه المرة في إعادة إحياء الفكرة، ولكن الصادق المهدي، رئيس الوزراء المنتخب بعد سنة من ذلك التاريخ، كان هو المسؤول عن وضعها موضع التنفيذ بصورة كاملة. لقد كان العملاء المأجورون في ذلك الوقت هم المراحيل، والذين تم تجنيدهم من قبائل البقارة في كردفان ودارفور لخوض حرب رخيصة الثمن لصالح الطبقة الحاكمة ولتوفير منطقة عازلة ضد المتمردين. بما أن أفراد هذا الجيش القبلي لم يكونوا يتلقون مرتبات من الدولة، وبما أن أسلحتهم الصغيرة كانت أضعف من أن تستطيع مقارعة ترسانات الجيش الشعبي لتحرير السودان، وبما أنه لم يكن لديهم دافع للمخاطرة بحياتهم في سبيل الطبقة الحاكمة التي كانت تضطهدهم أيضا وتهمشهم وتسميهم بالغرابة، واضعة إياهم مباشرة فوق جيرانهم الجنوبيين في أسفل السلم العرقي، فقد كان منطقياً تماماً أن يستخدم المراحيل أسلحتهم التي حصلوا عليها حديثاً، ليس لمهاجمة مواقع الجيش الشعبي، وإنما لتنفيذ أجندتهم القبلية التوسعية، فقاموا بمهاجمة جيرانهم المدنيين من الدينكا وقتلوهم ونهبوا ماشيتهم واستولوا على أرضهم واسترقوهم. وفي عام 1987، ارتكب المراحيل مجزرة شنيعة في الضعين ضد جيرانهم الدينكا، حيث قتلوا منهم حوالي 1500 شخص وحرقوا بعضهم أحياء في عربات القطار التي لجأ إليها الدينكا فراراً من مهاجميهم، بل وقتل بعضهم داخل مركز الشرطة تحت نظر وبصر القانون، في أبلغ وأفصح شهادة عن الحصانة المطلقة التي كان يتمتع بها المهاجمون. وبدلاً من التحقيق في الأمر وتقديم المسؤولين عنه للعدالة، قامت حكومة الصادق المهدي بحملة تضليل ضخمة لتطويق أخبار المجزرة وكتمانها عن العالم الخارجي. وحينما تجرأ أستاذان جامعيان، هما سليمان بلدو وعشاري محمود، على كسر حصار الحكومة على الأخبار وفضحا المجزرة في كتابهما "مجزرة الضعين"، تم قمعهما وتهديدهما بواسطة أجهزة الأمن الحكومية وهاجمهما الصادق المهدي شخصياً في خطبة له في الجمعية التأسيسية، بينما ظل مرتكبو تلك الجريمة بعيدين عن أيدي العدالة حتى الآن. لقد كانت تلك، كما وصفها أحد الكتاب السودانيين، واحدة من أبشع حالات العنصرية المؤسسية.
لم يكن من قبيل الصدف أنه في نفس السنة، 1987 ، قامت حكومة الصادق المهدي بمباركة تحالف جديد نشأ في دارفور تحت اسم "التجمع العربي". زار وفد من هذا التجمع، والذي ضم 27 قبيلة، الخرطوم والتقى بالصادق المهدي لكسب تأييده لأجندتهم. ظاهرياً، كانت خطة التجمع العربي، وكما فضلت الحكومة أن تراها، تهدف إلى بناء توازن عربي في دارفور يساند الخرطوم وسياستها في المنطقة. أما أجندة التجمع العربي الحقيقية في دارفور فقد كانت الاستيلاء على أراضي الزرقة عبر التطهير العرقي. لقد كان ذلك التجمع العربي هو الحاضنة التي نما في حضنها وترعرع الجنجويد. لقد استقطبت الحكومة الجنجويد من ذلك التجمع لمقاتلة حركة التمرد الجديدة في المنطقة. وكما كان متوقعا، فقد انتهز التجمع العربي تلك الفرصة الذهبية، والتي لم تُيسِّر فقط الحصول على السلاح والدعم اللوجستي من الحكومة، وإنما أيضا مساندة القوات الجوية بكل جبروتها، وانطلقوا فوراً نحو جيرانهم من قبائل الزرقة لشن حربهم القبلية التوسعية بأهداف تطهير عرقي لا تخطئها العين. ولكن لسوء حظ الحكومة هذه المرة، كانت الأقمار الصناعية لها بالمرصاد، فصورت مئات القرى المحروقة، وأجهضت كل محاولات الحكومة للتكتم على المسألة، وانتشرت صور وأخبار الفظائع ضد المدنيين في دارفور عبر كل أجهزة الإعلام العالمية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية.
ردة الفعل في الشمال ردة فعل الحكومة بعد أن تبين لها فشلها في التكتم على الحوادث ومنع تسرب الأخبار إلى أجهزة الإعلام العالمية، اجتهدت الحكومة السودانية لاحتواء التشويه الذي لحق بصورتها. وبالرغم من أن صورتها لم تكن طيبة أصلاً منذ أن استلمت السلطة في يونيو 1989، فقد طرأ عليها بعض التحسن بعد شروعها في مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ونتيجة لتعاونها المدهش مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية في الحرب على الإرهاب. قامت الدبلوماسية السودانية بحملة عارمة وظفت فيها كل قدراتها ومواردها لاحتواء الضرر الناجم عن تعرية الحكومة، واعتمدت في ذلك استراتيجية تقوم على التقليل من عدد الضحايا في دارفور، وتوزيع الفظائع والجرائم على كل أطراف النزاع وليس فقط الحكومة والجنجويد، وتحميل مسؤولية الكارثة للمتمردين باعتبارهم الذين بادروا بالقتال، وأخيراً على تصوير القلق والاهتمام العالميين تدخلاً في الشأن السوداني، وفي هذا الجانب الأخير ركزت ماكينة الدعاية الحكومية على المؤامرة الغربية ضد المشروع الحضاري للأمة، والذي ليس هو غير سلطة الجبهة القومية الاسلامية في السودان. أما في أجهزة الأمم المتحدة، فقد طفقت الحكومة، وهي تُلوِّح بعقود النفط الضخمة كرشاوى، وبتحالفاتها مع الأنظمة الشبيهة لها، تقاتل بضراوة لإجهاض أو تعطيل أو تخفيف أي إدانة أو قرار قد يصدر من لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان أو من مجلس الأمن. وبدا وزير الخارجية السابق مصطفى عثمان اسماعيل مزهواً وهو يستعرض نجاحه في تفادي العقوبات. ولكن رغم كل ذلك فقد صدر تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في دارفور متهماً الحكومة وميليشيا الجنجويد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، ومتضمناً أسماء 51 شخصاً موصياً بمحاكمتهم لدي محكمة الجنايات الدولية، وهو ما دفع بالوزير السابق إلى تركيز جهده حالياً على تفادي محكمة الجنايات الدولية: واستبدال محاكمات مسرحية زائفة بها داخل السودان. إنها ألاعيب النظام العادية والتي لم تعد تدهش أحداً من أولئك الذين يعرفونه.
أحزاب المعارضة الشمالية ولكن الأمر المدهش كان هو رد فعل المؤسسة الشمالية خارج السلطة مثل الأحزاب السياسية المعارضة وممثلي النخبة المثقفة المحافظة الشمالية. لقد لاذت أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي وكذلك التجمع الوطني الديمقراطي بالصمت، أو تحدثوا عن الأزمة بأفواه ملأى بالماء. وحسب علمي كشخص متابع لصيق بالأحداث، فلا الحزب الاتحادي الديمقراطي ولا التجمع الوطني الديمقراطي أصدر بياناً حول دارفور. إن هذه ليست ملاحظتي وحدي ولكنها ملاحظة آخرين كثر، كتبوا معبرين عن خيبة أملهم في أن التجمع الوطني الديمقراطي أصدر بياناً عقب اجتماعه الأخير عن اعتقال العميد عبد العزيز خالد، قائد ما كان يسمى بقوات التحالف السودانية، في دولة الإمارات العربية المتحدة وتسليمه للسودان، بينما فشل في إصدار كلمة تدين ما كان يجري في دارفور. وفي حين واصل التجمع الوطني الديمقراطي والحزب الاتحادي الديمقراطي الصمت البليغ، قرر حزب الأمة، والذي يستمد سنده الشعبي الرئيسي من دارفور، أن ينحاز للجناة بدلاً عن مواطني دارفور. لم يكن مدهشاً للكثيرين، خاصة أولئك الذين يدركون الدور الذي لعبته حكومة الصادق المهدي في ميلاد التجمع العربي في 1987، أن يقرر حزب الأمة التنسيق مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم في عام 2003، في تعبير واضح عن الشراكة في الجرم، فقد قام حزب الأمة بتخطيط ورسم السياسة عندما كان في السلطة حتي 1989 بينما تولت الجبهة القومية الإسلامية أو "حزب المؤتمر الوطني" الذي خلفه في السلطة تنفيذها. لقد أكد الحزبان في بيانهما أنهما يتقاسمان "الرؤية المشتركة والمسؤولية" لحل المشكلة، فلا عجب إذاً إن كانت نقطة الانطلاق للحل الذي اتفقا عليه هي "شن عمل عسكري لهزيمة التمرد"، أما تحليلهما للأزمة فمعروف سلفاً، إنها ليست سوى نزاع قبلي محلي حول الموارد وبقية الرواية. لقد حمّل بيانهما المشترك المسؤولية عن الأزمة لكائن من كان ما عدا المؤسسة الحاكمة الشمالية، إذ يقول: "إن تحول أزمة دارفور من صراع تقليدي حول الموارد ونزاع قبلي، إلى تمرد واسع يرجع إلى نشوء عوامل أخرى لم تكن معروفة قبل الأزمة الحالية، مثل تصاعد التوجه القبلي والإقليمي، وتزايد أعداد الفاقد التعليمي، ونسب العطالة المرتفعة بين الخريجين، وثقافة العنف ووفرة السلاح والانطباع العام بأن الحكومة لا تفاوض إلا الجماعات المسلحة، ووجود الميليشيات المسلحة والمناورات السياسية وتدخل الجيران والهيئات الدولية في الأزمة." إن تلك الفقرة تفقأ العين بجرأتها في التنصل عن المسؤولية، وبسردها لتلك العوامل وكأنما قد خلقها الجن أو هبطت علينا من كوكب آخر. من هو المسؤول عن انتشار السلاح في المنطقة؟ من هو الذي خلق الانطباع بأن الحكومة لا تفاوض إلا الجماعات المسلحة؟ من نشر ثقافة العنف في البلاد من أقصاها إلى أقصاها بجعل السودان قبلة للمجاهدين من كل أصقاع العالم الإسلامي؟ كيف يغفل البيان كل تلك الأسئلة في تحليله لأسباب الأزمة؟ إن إشارة البيان المشترك إلى التدخل الدولي والإقليمي في الأزمة ماهي إلا ترديد لدعاية الحكومة اليومية، ولكن إشارته إلى "تصاعد التوجه القبلي والإقليمي" تلفت الانتباه بشكل خاص، ليس فقط لمحاولة الحزبين تفادي المسئولية عنها، وإنما لأن التعبير نفسه يذكرنا بتعبير مماثل هو "المؤامرة العنصرية" والذي ظل يستخدم لوصف المحاولات الانقلابية التي يدبرها عسكريون من غرب السودان، دون العسكريين من الشمال. ما أخفق البيان المشترك في ذكره هو أن هناك وعياً متزايداً لدى الجماهير السودانية المهمشة بأن النخبة الحاكمة الشمالية بمجملها، وفي مختلف أشكال حكمها للبلاد منذ الاستقلال، سواء عسكرية أم مدنية، علمانية، طائفية أو إسلامية، قد خذلتهم، وأنها خذلتهم لإنها عنصرية في الأساس. إن نمو التوجه القبلي والإقليمي إذن ما هو إلا حصاد ما زرعته المؤسسة الشمالية بيديها، ورد الفعل العنيف لهذه الجماهير يجب أن يفهم في هذا الإطار وعلى ضوء هذه الحقيقة ليس إلا، ومن يزرع الشوك لا يجني العنب و"التسويهو بإيدك يغلب أجاويدك" كما نقول.
مروجو الثقافة الشماليون إن رد فعل أحزاب المعارضة الرئيسية، والذي لا يختلف عن موقف الحكومة، يوضح أن المؤسسة السياسية الشمالية، في الحكومة والمعارضة، تتبنى نفس الرؤية تجاه مواطني دارفور الأفارقة السود. وهذا التوجه يفصح عنه بالصمت غالباً وبالقول أحياناً مروِّجو الثقافة السائدة في الشمال، الذين نصبوا أنفسهم حماة للثقافة العربية الإسلامية في السودان. إنهم يؤمنون إيماناً جازماً بعروبتهم وبأن السودان دولة عربية ليس إلا، ويحملون آراءً إقصائية إلى أبعد مدى عن هوية السودان، ويتحسسون ويتوجسون إلى حد العصابية من أي دعوة لإعادة التفكير في هوية البلاد أو لبناء هوية متعددة الأبعاد للوطن، كما يكنون عداءً وكراهية شديدين تجاه مشروع الحركة الشعبية لتحرير السودان السياسي للسودان الجديد، ولأولئك الشماليين المتبنين أو المتعاطفين مع ذلك المشروع، أو الذين يعملون من أجل هوية جامعة لشمال السودان. وفيما يلي سنستعرض أمثلة لبعض قمم هذا التوجه وهم الطيب صالح والدكتور خالد المبارك والدكتور إبراهيم الشوش والدكتور عبد الله على إبراهيم. الكاتب الروائي الطيب صالح الطيب صالح روائي عبقري طبقت شهرته الآفاق، ورغم أنه ليس شخصية سياسية بل ويبدي امتعاضه الواضح من السياسيين، فإن ثورات غضبه الإبداعي تجاه حكومة الجبهة القومية الإسلامية من حين لآخر، والتي فجرها في مقالات قصيرة قوية تم تداولها بصورة واسعة، وظل صداها يتردد لفترة طويلة بعد نشرها، كانت مثار إعجاب أغلبية المتعلمين السودانيين. ولكن كثيراً من قرائه يتساءلون عن ما الذي يفجر براكينه تلك وعن ما إذا كانت قوة انفجارها تتناسب مع بشاعة الأحداث في الوقت الذي يسجلها أو يفجرها فيه. فمثلاً لقد لاذ بالصمت حينما روعت البلاد كلها بإعدام الأستاذ محمود محمد طه بتهمة الردة، وقد توقع الكثيرون منه أن يقول شيئاُ عن تلك الجريمة النكراء التي ارتكبتها الدولة ضد حياة رجل سوداني وقور، زميل في مهنة الكتابة ومفكر هام قتل لمجرد التعبير عن آرائه. وكذلك فقد توقع الناس من كاتب بمثل عبقريته أن تلهمه تلك المأساة وتلك البسالة التي واجه بها محمود جلاديه والموت. ما زال الناس ينتظرون أن يقول الطيب صالح شيئاً عن دارفور، مسرح أقسى وأبشع الكوارث الإنسانية كما وصفتها الأمم المتحدة. لقد حاز الطيب صالح عدداً من الجوائز الأدبية العالمية وكانت آخرها جائزة القاهرة للمواهب العظيمة في الرواية التي توج بها في مارس 2005، وتوقع الناس أن يستخدم المنبر العالي والمناسبة ذات التغطية الإعلامية الواسعة ليتحدث عن دارفور في كلمته الاحتفالية، ولكنه استغل المناسبة ليتحدث عن شيء آخر. لقد استغلها لانتقاد تطبيق الشريعة في السودان، صاباً جام غضبه على إسلاميي السودان لتطرفهم في تطبيق الشريعة بينما أرضهم لا تضم قبراً لصحابي واحد، ولم يذكر حرفاً واحداً عن دارفور. لقد أطلق ذلك عدداً من الانتقادات ضده في منابر الحوار السودانية على شبكة الانترنت، وقد نسب العديد من تلك الانتقادات لامبالاته بما يجري في دارفور إلى شعوره الطاغي بهويته العربية والذي يمنعه من التعاطف مع الأفارقة السود.
الدكتور خالد المبارك الدكتور خالد المبارك أكاديمي وكاتب مسرحي وصحفي، عرف عنه نقده اللاذع للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، واللذين يتهمهما باستهداف العروبة والإسلام في السودان. ولقد نالت الكتيبة الشمالية داخل الحركة الشعبية وخاصة الدكتور منصور خالد نصيب الأسد من انتقادات الدكتور خالد المبارك. يكتب الدكتور خالد المبارك عموداً يومياً في صحيفة "الرأي العام". لم يدن دكتور المبارك موقف الحكومة في دارفور مطلقاً، وعادة ما يكون حديثه معمماً، فضفاضاً وغير مباشر حينما يتطرق إلى ذلك. وكثيرا ما يرسل رسائل غير مباشرة تُعتَبَر غزلا في الحكومة، وآليته في ذلك هي الصمت والكلام: الصمت عن معايب الحكومة، والطعن في معارضيها وخصومها السياسيين و الفكريين، كرموز الحركة الشعبية، والجمهوريين، والشيوعيين. وربما مكافأة له على خدماته للحكومة فقد تم تعيينه مؤخراً ملحقاً إعلامياً بالسفارة السودانية ببريطانيا. فمثلاً في إحدى مقالاته علق الدكتور المبارك على مقالات صحفية تعبر عن سخطها على "الخواجات"، والمقصود بذلك موظفي الإغاثة في دارفور، وتضعهم جميعهم في سلة واحدة. بالنسبة لخالد هناك نوعان من "الخواجات"، الأخيار والأشرار، ويعبر عن ذلك بالقول: "وبالرغم من أن هناك بين موظفي الإغاثة أمراء حرب، مدفوعين بمصالحهم الذاتية وبدوافع دينية وغيرها من الأجندة الخفية والتي لا يمكننا إثباتها في المحاكم، إلا أن هؤلاء لا يمثلون سياسة القوى الكبرى، ويشهد على ذلك فشلهم في إجهاض اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، وفشلهم السابق في الحملة لغزو السودان أو فرض العقوبات عليه." أما النوع الآخر من "الخواجات" وفقاً لدكتور المبارك، فهم ممثلو المنظمات غير الحكومية العالمية الكبيرة، مثل أطباء بلا حدود التي رفض ممثلها إدانة حكومة السودان قائلاً أن وظيفته هي إنقاذ الحياة، وكذلك ممثل منظمة أوكسفام والذي قال لمندوب هيئة الإذاعة البريطانية أنه يحتاج إلى ثلاثة أشياء بصورة عاجلة، المال والمعدات والمتطوعين، وأنه لم يدع إلى مهاجمة أو غزو السودان." وأضاف الدكتور قائلاً أنه سيكون من الغباء لو افترضنا أن النوع الأول "الشرير" من الخواجات لن يسعى لاختراق النوع الثاني "الخيِّر"، ولكن ذلك سينجح فقط في المستويات الدنيا من العمالة، وفي نفس الوقت فإن التوازنات داخل هذه المنظمات الطوعية وخبرتها وتجاربها ومعرفتها بالعالم وتقاليدها الديمقراطية ستعصمها من الوقوع تحت سيطرة الحكومات والأصابع الخفية. وبالرغم من أن الدكتور المبارك يبدو هنا مدافعاً عن عمل الخواجات الأخيار فإنه في واقع الأمر ومن طرف خفي يعزز من فرضية التدخل الغربي في الشأن السوداني، وهي النظرية التي تستخدمها الحكومة السودانية ومناصريها لتحجب بها معاناة أهل دارفور، أي أنه يتفق مع أصحاب نظرية المؤامرة جوهرياً ولا يختلف معهم إلا في مداها وشمولها. والمثلب الآخر في تعليق الدكتور المبارك هو أنه يجعل من إدانة حكومة السودان أو من الدعوة لاستخدام أي نوع من الضغوط الدولية عليها معياراً تسقط به المنظمات غير الحكومية مباشرة من زمرة الخواجات الأخيار. لقد أدانت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش، على سبيل المثال، حكومة السودان للفظائع التي ارتكبتها ضد الزرقة في دارفور وبأفصح ما تكون الإدانة والشجب، وطالبتا بالمحاسبة وبإسقاط الحصانة لمحاكمة المتهمين أمام المحكمة الجنائية الدولية وبالتعويضات للضحايا، فهل يضعهما ذلك في زمرة الخواجات الأشرار؟ وإذ يعيد الدكتور المبارك إنتاج صيحة الحكومة "الذئب .. الذئب"، فإنه إنما يعين الجناة، أي الذئب الحقيقي، ويخيب أمال الضحايا في دارفور. وفي مقالة أخرى علق الدكتور المبارك على مناقشة عامة عن "مؤشرات التدخل الأجنبي في السودان" نظمها الإتحاد العام للطلاب في الخرطوم، وهو اتحاد موالٍ للحكومة، وكان هو أحد المشاركين فيها. وفي مداخلته اتفق الدكتور مع أولئك الذين يرون أن البترول هو السبب في الاهتمام العالمي بما يجري في دارفور. كما ذكر لسامعيه أن تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في دارفور وتقرير اللجنة السودانية للتحقيق في دارفور اتفقا في أن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان حدثت في دارفور وأن تلك الانتهاكات ارتكبت من قبل جميع أطراف النزاع. كما كرر إشادته بمنظمة أطباء بلا حدود والتي تعمل دون أي تدخل في "سياساتنا" كما قال. أما عن منظمة العفو الدولية، فقد قال أن تقاريرها قد أدانت حجر الحقوق والحريات في الغرب تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وأن تلك التقارير قد انتقدت ما جرى في أبوغريب وجوانتنامو". من اللافت للانتباه أن الدكتور قد وزع المسئولية عن الانتهاكات في دارفور على "كل أطراف النزاع" بالتساوي ودون تسميتها. هناك ثلاثة أطراف في الصراع، حكومة السودان، الجنجويد والمتمردون. والفظائع التي ينسبها تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في دارفور لحركتي التمرد لا يمكن مقارنتها بأي مستوى من المستويات بتلك التي ارتكبتها حكومة السودان والجنجويد. إن الاغتصاب الجماعي وحرق القرى بأكملها ونهب قطعان الماشية بالجملة ارتكبت بواسطة الطرفين الأخيرين، لا الطرف الأول. وعلى سبيل المثال، فإن تقرير تلك اللجنة يذكر أنه: "من كل الإفادات فإن اللجنة تجد أن جل حالات الاعتداء على المدنيين في القرى قد تم ارتكابها من قبل القوات المسلحة لحكومة السودان والجنجويد، ... وبالرغم من أنه كانت هناك اعتداءات من قبل المتمردين، فإن اللجنة لم تجد دليلاً على أن هذه الاعتداءات كانت واسعة النطاق أو أنها كانت موجهة بطريقة منظمة ضد السكان المدنيين. لقد كانت هجمات المتمردين في معظمها ضد الأهداف العسكرية، الشرطة أو قوات الأمن." ولكن ما كان مذهلاً حقاً هو أن الدكتور خالد المبارك حينما أشار إلى تقارير منظمة العفو الدولية اختار التقارير التي تتحدث عن أماكن بعيدة جداً عن دارفور مثل جوانتنامو وأبو غريب، بينما موضوع المناقشة هو دارفور. لقد أصدرت منظمة العفو الدولية عدة تقارير عن دارفور وأحدها كان مخصصاً بكامله للاغتصاب كسلاح في الحرب يستخدمه الجنجويد. إن المرء ليتساءل عما الذي حال بين دكتور خالد المبارك وبين الإشارة لهذه التقارير في منبر عن دارفور، ولماذا اختار بدلاً عنها الإشارة إلى تقارير المنظمة عن أبوغريب وجوانتنامو. هل هي مداهنة الحكومة طمعا وخوفا، أم أن لذلك علاقة بهوية الضحايا والجناة في كل حالة؟ حيث أن الضحايا في دارفور هم القبائل الأفريقية "الزرقة" بينما الجناة هم العرب، أما في جوانتنامو وأبو غريب فإن الضحايا عرب بينما الجناة هم الخواجات الأمريكان. وبما أن الدكتور المبارك هو أحد دعاة العروبة الأشاوس في السودان، فإن المرء يتساءل عما إذا كانت مداخلته تقول شيئاً عن مكان اهتماماته الحقيقية.
الدكتور ابراهيم الشوش الدكتور إبراهيم الشوش ناقد أدبي و كاتب وصحفي ورئيس تحرير سابق مجلة الدوحة. وهو مثل الدكتور المبارك مدافع نشط عن العروبة في السودان وناقد منتظم للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان عبر عموده في صحيفة الرأى العام. وهو معارض شديد للتدخل الأممي لحماية المدنيين في دارفور، ومؤيد لمواقف الحكومة في ذلك. وهو أيضاً جرى تعيينه كملحق إعلامي في إحدى سفارات السودان بالخليج، فيما رُؤي بواسطة المراقبين باعتباره مكافأة له على خدماته للحكومة. لقد اتهم دكتور الشوش الحركة الشعبية لتحرير السودان بأنها "تطارد مع كلاب الصيد وتجري مع الطرائد"، أي أنها تدعم المتمردين في دارفور بينما تستعد لتقاسم السلطة مع الحكومة في الخرطوم. لم يوفر الشوش أحداً لم ينتقده أو يهاجمه ، فانتقد المجتمع الدولي والأمم المتحدة وأمينها العام كوفي أنان ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي لاهتمامهم بدارفور ولا مبالاتهم التامة بالمذابح اليومية في فلسطين والعراق . ونقتطف من مقالة له بعنوان "حينما تمطر السماء لبنا وعسلا": "المطار في الفاشر يستقبل الطائرات من كل نوع، من الجزيرة العربية، من آسيا، من أوروبا وأمريكا، تحمل أطناناً من المواد الغذائية بعضها معلب بالطريقة الأمريكية. لقد اكتشف العالم فجأة أن هناك فجوة غذائية في دارفور ينبغي سدّها وإلا فإن الدنيا ستنتهي. أخبار دارفور في كل مكان، في الإذاعات ومحطات التلفزة الفضائية. الإتحاد الأوروبي الذي كان مختفياً أثناء غزو العراق، ربما متأسفاً على ضياع نصيبه من غنائم الحرب نتيجة عدم مشاركته فيها، يزأر الآن ويكشر عن أنيابه في دارفور. الأمم المتحدة، التي لم تحركها المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون والعراقيون، استيقظت في دارفور. ومجلس الأمن المحترم أصدر بياناً شديد اللهجة عبر فيه عن قلقه تجاه الكارثة الإنسانية في دارفور مُعلّياً إياها على كل الكوارث الأخرى في العالم. كوفي أنان، رجل الأمم المتحدة الهادئ، عبر عن قلقه بإرسال بعثة للتحقيق ولكن منسقه للشئون الإنسانية في السودان لم يكن بوسعه الانتظار حتى تنتهي البعثة التي أرسلها رئيسه من عملها، وقال علانية وبملء فمه أن هناك تطهيراً عرقياً ضد القبائل الزنجية في دارفور. لقد جاءت الدنيا بأجمعها إلى دارفور ولم تترك أحداً خلفها، الصليب الأحمر مع الهلال الأحمر وكل المنظمات الإنسانية تدافعوا في سباق محموم لإنقاذ أهل دارفور من الفقر والقصف والتطهير العرقي، وهكذا في غمضة عين وانتباهتها غير الله حال هذا الجزء من العالم من جحيم الفقر إلى جنة النعيم ومن عدم الأهمية إلى الشهرة العالمية." تلك الفقرة تتضمن كل العناصر التي تكون القاسم المشترك بين العرب ومناصري العروبة في السودان. إنها نفس النظرية التي ناقشناها من قبل، ولكن في أعلى تعبيراتها خشونة وقسوة وفظاظة تكاد تلامس تخوم العنصرية. ما الذي يجعل مثقفاً سودانياً كالدكتور الشوش يستنكف ويستنكر أن يهب العالم لإنقاذ حياة أبناء وبنات وأطفال وطنه، ويحسدهم على حال لا يحسد فيها أحد، ويصف شقاءهم في معسكرات اللاجئين والنازحين ب "جنة النعيم"، ويتهم العالم بازدواج المعايير، ولاشك لدينا في ذلك، ولكنه كالجمل "لايرى عوجة رقبته" فيما يتعلق بالتعاطف الإنساني، إذ لا يرى في تعاطفه مع الفلسطينيين والعراقيين واستهجانه التعاطف مع الدارفوريين ازدواجية في معاييره هو نفسه. هل يعود ذلك إلى أنه يتماهى مع الجناة لا الضحايا؟ إن هذا يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن مروجي الثقافة الشمالية هم على استعداد للذهاب لآخر الشوط في تسويق سياسات المؤسسة الشمالية ضد العنصر الأفريقي الأسود في البلاد، وأنهم خواء من أي إمكانية على التعامل بطريقة "وطنية" كسودانيين، وأنه ليس بوسعهم إلا أن يكونوا وكلاء لمركز الهوية العربية.
الدكتور عبد الله علي إبراهيم الدكتور عبد الله علي إبراهيم أستاذ جامعي وكاتب وصحفي وهو يدرس حالياً في الولايات المتحدة وكما يزور السودان ودول الخليج بانتظام حيث يحاضر عن الثقافة والسياسة. الدكتور عبد الله مثال لأولئك الذين انتقلوا من الماركسية إلى اعتناق الإسلاموية، دون اعتراف منه بذلك، والمسافة التى قطعها في تلك الرحلة يمكن قياسها بالبون الشاسع بين كتابه "الماركسية ومسألة اللغة في السودان" الصادر في 1976 وكتابه "الشريعة والحداثة" الصادر في 2004، وفي هذه ال 28 سنة الفاصلة بين الكتابين تحول من موقع الدفاع الصلد عن التعددية الثقافية واللغوية في السودان إلى داعية غيور للشريعة والعروبة. يشترك د. عبد الله علي إبراهيم مع رفقائه الثلاثة في عدائهم للحركة الشعبية لتحرير السودان، و يحظى منه الدكتور منصور خالد باهتمام خاص، حيث كتب عنه عدداً وافراً من المقالات التي تتسم بالفجور في الخصومة، شأنه في ذلك شأن د. خالد المبارك و د. إبراهيم الشوش. اختار د. عبدالله الشفاعة لسياسات المؤسسة الشمالية عبر الطريق الأكاديمي، فكتب مقالاً قصيراً بعنوان "الجنجويد: الجانب الآخر من القصة" يتقصى فيه تاريخ مصطلح "الجنجويد" ويرجعه إلى جذوره الرومانسية، حيث كان الجنجويد رديفاً لروبن هود، متابعاً المصطلح في سقوطه وترديه من تلك الصورة الشاعرية الجميلة إلى الصعلكة المجردة. وينطلق عبدالله من أطروحته تلك إلى الفصل بين الجنجويد والقبائل العربية بالقول بأنهم مجرد عصابات تجمع قطاع الطرق من كل حدب وصوب، نافياً صلة حكومة السودان بهم أو سيطرتها عليهم "إذا أخذنا في الاعتبار حجم دارفور، الوضع المعقد في المنطقة والضعف التقليدي للحكومة المركزية". وهو يقول ذلك رغم علمه بأنه "من المنطقي أن نفترض قيام النظام الراهن بإطلاق يد الجنجويد من حين لآخر ضد الجماعتين المتمردتين في دارفور" كما ذكر. وهذا "الافتراض المنطقي" يستند إلى حقيقتين لا جدال حولهما وهما (أ) أن "الحكومات المركزية قد استمرأت تاريخياً استخدام مجموعات محلية مختارة لتحارب كوكيل و (ب) أن حكومات ما بعد الاستقلال قد استخدمت هذه الاستراتيجية في جنوب السودان لتدمر المتمردين من الداخل." هناك ملاحظتان هامتان لابد من الإشارة إليهما هنا، وأولهما أن الكاتب يأخذ إنكار الحكومة لسيطرتها على الجنجويد على محمل الجد، بينما الآخرون جميعاً، بما في ذلك منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش واللجنة الدولية للأمم المتحدة، على سبيل المثال لا الحصر، يؤكدون أن الحكومة السودانية قامت بتسليح الجنجويد وبتنسيق الهجمات معهم. ويتساءل المرء هنا عما إذا كان عبد الله لا يأخذ هذه المنظمات بجدية. والملاحظة الثانية هي أن الكاتب يتعامل مع مسألة ارتباط الحكومة بالجنجويد كفرضية بحتة، بينما الحقائق الواضحة التي تكشف وتثبت هذا الارتباط على أرض الواقع تفقأ العين، وكمثال واحد فقط، فإن تقرير المفوضية الدولية للتحقيق في دارفور هذه الحقائق والتي ظل الباحثون من منظمات حقوق الإنسان ولجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة يعملون بجد لكشفها وتعريتها، والتي تم نشرها في عديد من التقارير تتفق جميعها في إثبات الصلة والهجمات المنسقة بين الجنجويد والحكومة. وكمثال فإن تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في دارفور للأمم المتحدة يذكر أن " حقيقة أن بعض الهجمات قد تلقت دعماً جوياً تشير بوضوح إلى الصلة بين الجنجويد وحكومة السودان". تلك هي الحقيقة المرة في دارفور، وذلك هو العالم القبيح الذي يدير عبد الله ظهره له منصرفاً عنه، وهارباً منه، إلى عوالمه الخيالية، عوالم الافتراضات والرؤى الشعرية والرومانسية. ماذا سيقول الكاتب الآن بعد شهادة موسى هلال، قائد الجنجويد، المسجلة على الفيديو إلى منظمة هيومان رايتس ووتش، والتي ذكر فيها بالحرف أن الحكومة السودانية وجهت جميع النشاطات العسكرية للميليشيا التي استنفرها وجندها؟ ولكن تقاليد عبدالله في استخدام مهاراته الأكاديمية للاعتذار عن المؤسسة الشمالية ليست جديدة. فقد فعل ذلك من قبل خلال مذبحة الضعين التي أشرنا إليها سابقاً. لقد كان الجناة في تلك المذبحة من القبائل العربية، البقارة، بينما كان ضحاياها من الدينكا. وقد حاولت الحكومة التكتم على الأمر، ولكن أكاديميين من جامعة الخرطوم، هما سليمان بلدو ومحمود عشاري، فضحا المذبحة. لقد كانت مساهمة عبد الله في ذلك الموضوع هي أن ينقب عن النواقص الأكاديمية في كتابهما المعنون "مجزرة الضعين". وبالرغم من أنه لم ينكر الحقائق الواردة في الكتاب، فقد ركز على انتقاد ما أسماه "الضعف المنهجي" في بحثهما، واتهمهما بإعداد كتابهما "بدون معرفة ولا توجيه" وبكونهما مدفوعين بتحيزاتهما الآيديولوجية والسياسية ضد الحكومة في ذلك الوقت. وفيما بعد، وصف هذا العمل العظيم بأنه "كتاب تلقى انتشاراً واسعاً لا يستحقه" بل ووصفه بال "بايخ". لقد كرر نفس الأسلوب في شأن مقالة كنت قد كتبتُها عن الرق في السودان. ففي نقده لهذه المقالة، والتي لفتت انتباه الشوش أيضاً، أثار د. عبد الله مرة أخرى قضية الضعف في منهجية البحث، إذ أنه حيثما يفشل في مواجهة جوهر الموضوع، يلجأ إلى المسائل الشكلية. لقد انصب نقده الأساسي على أنني لم أُرجِع أي حدث أو خبر عن الرق في السودان إلى مصدر سوداني مستقل، وعلى أنني اعتمدت حصرياً على مصادر أكاديمية وكنسية وصحفية غربية، وهو ما يعني بالنسبة له أنني سلكت طريقاً مختصراً نحو "الاستشراق الداخلي". ولدينا ملاحظتان هنا، أولاهما أن د. عبد الله الذي يعطي الانطباع بتوفر المصادر السودانية التي توافي معاييره، والذي يتهمني بأنني قد اخترتُ عمداً ألا أرجع إليها، فشل في ذكر مرجع واحد منها، ولو على سبيل المثال. ليس سراً أن الحكومة في ذلك الوقت، عام 1997، كانت في عنفوان سياساتها القمعية، وأنها كانت، ولا زالت، تتحكم في جميع منافذ الإعلام في السودان، وبالتالي لم يك هناك مصدر واحد مستقل مسموح له بالتعاطي في شأن حوادث الاسترقاق في السودان. ولكن الأخبار لم تكن تتسرب من السودان عبر المصادر الصحفية الغربية والكنسية فقط (فاقدة المصداقية لدى عبد الله)، وإنما أيضاً عبر منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وكذلك المقرر الخاص للأمم المتحدة. إذن إذا لم يكن بوسعي أن أرجع إلى تلك المصادر الغربية خوفاً من أوصم ب "الاستشراق الداخلي"، أو استخدام كتاب بلدو وعشاري، مخافة تحيزاتهم الايديولوجية والسياسية، فماذا يتبقى لي؟ الإجابة واضحة تماماً، إذا لم يرق أن أشاركه الرقص على أنغام الحكومة، فينبغي على أن أطبق شفتي وألوذ بالصمت، ولا أعتقد أن هناك أمراً مجلب للراحة والفرح بالنسبة للمؤسسة الشمالية أكثر من هذا. الملاحظة الثانية هي أنني، وفقاً للدكتور المحترم، لم أفلح وأخطأت حتى في المرة الوحيدة التي أشرت فيها إلى حادثة سودانية عن الرق، وهو هنا يشير إلى حادثة الفتاة التي لجأت لمحكمة من محاكم الشريعة لتسمح لها بالزواج، من رجل أحبته، ضد إرادة والدها الذي اعترض على الزواج بحجة أن الرجل منحدر من أسرة كانت رقيقاً، وقد عولجت القضية عبر ثلاثة مستويات من محاكم الشريعة. قضت المحكمة الابتدائية بإنكار حق الفتاة في الزواج وحكمت لصالح الأب فاستأنفت الفتاة الحكم لدى محكمة المحافظة والتي نقضت حكم المحكمة الابتدائية، فاستأنف الأب لدى المحكمة الشرعية العليا التي أيدت حكم محكمة المحافظة. لقد كانت الخلاصة التي توصلتُ إليها، والتي لم تُرْضِ د. عبد الله، هي أنه باستثناء المحكمة الابتدائية، فإن كل المحاكم الأرفع، والتي نقضت حكم المحكمة الابتدائية، تهربت من مواجهة مسألة الرق في الشريعة، ليس ذلك فحسب، وإنما انطلقت في حيثياتها من إيمانها المستتر بأن الرق موجود في الشريعة، وأنه سبب مقبول لفقدان الأهلية للزواج من امرأة حرة. إن كون المحكمتين الأرفع درجة حكمتا لصالح الفتاة وخطيبها لأسباب فنية، مثل عدم وجود دليل على أن أسرة الرجل كانت مسترقة، وأن الأدلة السماعية ليست مقبولة في المحكمة، أو القول بأن الرق في السودان لم يكن متسقاً مع مفهوم الرق في الإسلام، لا يجعل من ذلك الحكم سابقة جيدة. بل كانت القضية ستشكل سابقة ممتازة لو أن المحكمة تبنت الأسباب التي قدمتها المدعية والتي احتجت بأنه " ليست هناك عبودية في السودان الآن، وأن جميع الناس أحرار، وأن مسائل الحرية والنسب التي ترد إليها الكفاءة تختلف من جيل لآخر، وتبعاً للمتغيرات في اعتقادات الناس". لقد تجاهل عبد الله هذه النقطة، وأطلق تعميماً جزافياً بأن "الرق وكل ما يتفرع عنه أو يتعلق به مكروه في الشريعة" وتلك عبارة لا تستند إلى أي تعليل أو سلطة مهما كانت، بل وتنفيها الحادثة موضوع النقاش نفسها، كما ينقضها استمرار مؤسسة الرق سليمة ومعافاة لمدة 1400 سنة وكان من الممكن أن تستمر حتى الآن لولا أنها ألغيت بتدخل "القوي الغربية". إن ذلك يوضح أن د. عبد الله الذي يستطيع أن يرى تحيز "الآخرين" وضعفهم المنهجي، غافل عن تهافته الشخصي والناتج عن تحيزه الآيديولوجي. إن المرء يستغرب فعلاً أن هذا هو نفس الشخص الذي أنتج تلك القطعة الرائعة عن وكالة الشماليين للعالم العربي التي أشرت إليها سابقا، فلقد استدار 180 درجة ليصبح واحداً من أكبر وكلاء العالم العربي. رد الفعل في العالم العربي لا يحفل العالم العربي بالأزمة إلا في إطار ما يسميه بالتدخل الأجنبي، ولا يرى فيها إلا كونها جزءاً من مؤامرة ضخمة ضد العالمين العربي والاسلامي، بدأت بأفغانستان ثم العراق والآن السودان تليه في الطابور سوريا ثم إيران. وتعطي العناوين التالية لبرامج خصصتها محطة تلفزة فضائية واحدة، هي قناة الجزيرة، عن أزمة دارفور في الفترة بين نهاية يوليو ومنتصف سبتمبر 2004 فكرة بسيطة عن ذلك، وهي "دارفور والضغط الدولي على الخرطوم" وتمّ بثه في 26 يوليو 2004 وكان من بين عناوينه الفرعية "الاهتمام الدولي والأمريكي بدارفور، ماذا وراءه؟"، "اتهامات ضد حكومة السودان"، "مخاوف من أن يتم احتلال السودان" و "أهمية الحل السياسي ومخاطر فرض العقوبات". و"دارفور تفتح الباب واسعاً للتدخل الأجنبي في السودان"، و"دارفور بين الدوافع الانسانية ومصالح القوى الكبرى" وتمّ بثه في السادس من أغسطس 2004. أما البرنامج الرابع والذي حمل العنوان المحايد "أسباب الأزمة في دارفور" وبث في 15 سبتمبر 2004، فقد كان في حقيقة الأمر حملة دعائية صارخة بالنيابة عن الحكومة السودانية عبر مقابلة مطولة مع الدكتور محمد سليم العوا السكرتير العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهي هيئة أنشئت حديثاً ونصبت نفسها مرجعية لكل مسلمي العالم سنة كانوا أم شيعة، عرباً وأعاجم، ويرأسها الشيخ يوسف القرضاوي وتضم في عضويتها بعض الإسلاميين السودانيين مثل حسن الترابي وعصام البشير وزير الشئون الدينية في الحكومة السودانية.
زيارة وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لدارفور الشيخ القرضاوي: دارفور والصهيونية استجابة لدعوة رسمية من حكومة السودان ترأس الشيخ القرضاوي ومعه محمد سليم العوا، وفداً من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لزيارة السودان. وكان الغرض الرئيسي للزيارة كما أعلنه الوفد هو الحصول على المعلومات عما يجري في دارفور مباشرة ومن منبعها، وإنهاء الأزمة التي شوهت صورة الإسلام، ودفع المصالحة بين مسلمي دارفور. وفي ضجة إعلامية كبيرة استقبل الوفد في الخرطوم من رئيس الجمهورية ونائبه الأول آنذاك وعدد من الوزراء والمؤسسة الدينية. وأمّ الشيخ القرضاوي صلاة الجمعة في مسجد الشهداء، حيث أدي كل المسئولين الصلاة خلفه. وفي خطبته في الصلاة التي نقلت حية عبر الإذاعة والتلفزيون الرسميين، اتهم الشيخ القرضاوي الحكومات الغربية بالتآمر ضد الإسلام، والمنظمات غير الحكومية الغربية العاملة في دارفور باستغلال المساعدات الإنسانية كقناع للعمل التبشيري الهادف لتنصير مسلمي دارفور ضمن حربها الدينية ضد الإسلام. وقد ركز أيضا على ضرورة "تقوية المعرفة الدينية لأهل دارفور" ومقابلة احتياجاتهم المادية، كما أهاب بالأطراف المتحاربة أن توقف تلك الحرب والتي أعطت أعداء الأمة الفرصة للتدخل في شئون المسلمين. بعد ذلك سافر الوفد إلى دارفور حيث قابل ولاة دارفور وغيرهم من المسئولين المحليين وزعماء القبائل، كما زار بعض معسكرات اللاجئين التي تديرها الحكومة. وفي ختام الزيارة أصدر الشيخ بياناً يكرر فيه أن "الصهاينة هم خلف ما يجري في دارفور لخلق القلاقل للسودان وصرف أنظار الأمة عن العراق وفلسطين". بالرغم من أن هدف الزيارة المعلن كان هو التوصل للحقيقة على الأرض، فإن خطبته يوم الجمعة توضح أن الشيخ القرضاوي كان قد توصل إلى تلك "الحقيقة" قبل أن تطأ قدماه أرض دارفور. لقد أبدى الشيخ في كل تعليقاته، الفارغة من أي تعاطف انساني والمشحونة بالتحاملات العرقية، لا مبالاة متناهية تجاه المعاناة الرهيبة لأهل دارفور. لقد بدت تلك المعاناة تفاصيل تافهة في خارطة اهتماماته الضخمة والاستراتيجية بالمؤامرة الصهيونية ضد الإسلام. كما كان تزويره للحقيقة في دارفور مذهلاً. أليس مدعاة للتعجب أن الشيخ كان مهتماً تماماً بكون العمل الإنساني الذي أنقذ آلاف الأرواح تم بأيدي منظمات غير حكومية مسيحية، أكثر من اهتمامه بضياع حياة وأسباب معيشة إخوته المسلمين؟ أليس مدعاة للسخرية ألا يدعوه ذلك لمناداة منظماته الخيرية لمد المساعدة للضحايا في تلك الكارثة الفظيعة بدلاً من دعوته لتقوية المعرفة الإسلامية لأهل دارفور؟ لكأنما الدين أكثر أهمية من الحياة الإنسانية، أو كأنما الله قد خلق البشر من أجل الدين وليس الدين من أجل البشر. إن الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في الهوية بامتدادها الآيديولوجي، هوية حكومة السودان، هوية الجناة وهوية الضحايا. فالحكومة السودانية والشيخ ينتميان إلى نفس التنظيم الأصلي، تنظيم الإخوان المسلمين، وقد حاول الشيخ من قبل رأب الصدع بين حسن الترابي وأتباعه السابقين الذين أزاحوه، كما إن منظمة الشيخ الجديدة، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تضم الترابي نفسه ووزير الشئون الدينية السابق في الحكومة. أولاً، لقد كان الشيخ مهتماً بمحاولات تشويه صورة الإسلام ولكن بما أن الإفصاح عن السبب الحقيقي لذلك التشويه، وهو الحكومة والجنجويد، لم يك وارداًً، فقد كان عليه اختلاق أسباب أخرى من تلك التي يكون العقل العربي على استعداد لتصديقها مثل الصهيونية. وثانياً، الجناة في هذه الجرائم الوحشية، حكومة السودان والجنجويد، عرب (على الأقل في نظرتهم لنفسهم) ومسلمون، وتلك حقيقة محرجة وضربة موجعة لنظرية الشيخ الأساسية والتي يؤسس عليها نشاطه اليومي، أي تصوير العرب والمسلمين كضحايا للعدوان الغربي والمسيحي واليهودي. لذا كان عليه إتّباع استراتيجية ذات حدين، الأول هو إنكار أن هناك عرب في دارفور (سنناقش هذه النقطة فيما بعد)، والثاني هو تزييف أزمة دارفور بجعلها من صنع "المعتدين الحقيقيين" أي القوى الغربية والصهيونية والصليبية، بحيث تجد مكانها المريح في مشروع الشيخ. ثالثاً، رغم أن الشيخ اكتشف أن أهالي دارفور مسلمون، إلا أنهم كانوا أفارقة سوداً، ولذا فقد تبنى رأي إخوته الإسلاميين السودانيين تجاه إسلام دارفور، والذي يرى أنه قد تلوث ببعض التقاليد المحلية التي لا تتسق مع الإسلام المتشدد العربي. في هذا الإطار يمكننا فهم مناداة القرضاوي بتقوية المعرفة الإسلامية لأهل دارفور وكذلك تخوفه من اعتنافهم المسيحية. كما يفسر لنا ذلك أيضاً سر عدم تعاطفه مع أهل دارفور وتخوفه من أنهم سيصرفون أنظار العالم عن مآسي العراقيين والفلسطينيين. إن الفلسطينيين والعراقيين هم عرب مثله، يشبهونه في كل شيء في هيئتهم ورؤيتهم، كما أن هويتهم وإسلامهم ليسا موضع تساؤل عنده، ولذلك فهو يتماهى معهم تماماً ويرى نفسه فيهم. إنهم يمثلون "الذات" بالنسبة له بينما أهل دارفور السود يمثلون له "الآخر". وحينما يتعلق الأمر بالسودان، فإن الشيخ يتماهى مع المؤسسة الحاكمة الشمالية التي تشاركه ايديولوجيته الإسلامية، والتي هي أقرب إليه عرقياً من أهل دارفور السود.
محمد سليم العوا: الخرطوم لم ترتكب خطأ : أجرى الدكتور محمد سليم العوا مقابلة تلفزيونية مباشرة عقب عودة وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من الخرطوم. أدار الحوار أحمد منصور، وهو إسلامي مصري، في برنامجه "بلا حدود" وتم بث الحلقة في 15 سبتمبر 2004. وقد ظل مقدم البرنامج يكرر أن دكتور العوا قد عاد للتو من دارفور وأنه سيكشف حقيقة الأحداث في دارفور بعد أن شاهدها على الأرض، وقد قدم العوا في ذلك اللقاء دفاعاً مطولاً عن الحكومة السودانية، متبنياً الرواية الرسمية عن الأحداث، أي أن الأزمة هي نزاع قبلي بين الرعاة البدو والمزارعين المستقرين حول الموارد النادرة، وأنه ليس نزاعاً عرقياً وأن الانتهاكات إما ضخمت أو فبركت. ومع أن العوا قد أصر على أن كل التقارير التي تتهم الحكومة والجنجويد بارتكاب الإبادة الجماعية والاغتصاب الجماعي زائفة ومجرد أكاذيب إلا أنه ركز بشكل خاص على نفي الاتهامات الخاصة بالأسباب العرقية والإثنية للفظائع والاغتصاب الواسع.
البعد العرقي والإثني ينفي العوا تماماً وجود انقسام عرقي بين العرب والأفارقة، ويذكر أنه كان قبل ذهابه إلى دارفور يظن أن الصراع هو بين العرب المسلمين من جهة والأفارقة الوثنيين من الجهة الأخرى، ولكنه اكتشف عند وصوله لدارفور أن الجميع مسلمون، وأنه ليس هناك عرب بل هجين لا يمكن وصفه بأنه عربي نقي أو أفريقي صاف، نتج عن ألف سنة من التزاوج بين العرب والأفارقة. ولكن نسبة لأن بعضهم ينسب جذوره إلى قبائل عربية وبعضهم إلى قبائل افريقية، فذلك هو مصدر الضجة حول العرب والأفارقة. ويواصل ليحكي قصة عن وزير الخارجية الأمريكي السابق "كولين باول" قائلاً: "عندما زار باول دارفور، كان يتحدث عن العرب والأفارقة. ورداً على ذلك وجه والي دارفور سؤالاً لباول عما إذا كان يستطيع التمييز بين من هم عرب ومن هم ليسوا كذلك من بين الحضور، وقبل باول التحدي ولكنه أخطأ فيهم جميعاً، فكل من ظنه عربياً كان من غير العرب والعكس صحيح، وبعد 6 أو 7 محاولات فاشلة استسلم باول وتوقف عن المحاولة." ثم خلص إلى القول بأنه "ليس هناك فرقاً في الملامح أو اللون أو اللغة بين أهل دارفور فجميعهم متشابهون ويتحدثون هذه العربية القرآنية اللطيفة الجميلة". وبناء على هذه الحجة يخلص العوا إلى أن الانقسام في دارفور هو بين البدو والمزارعين المستقرين وأن النزاع هو حول الموارد. هذه هي النظرية التي يؤسس العوا عليها قضيته في نفي الإبادة الجماعية، إذ طالما أنه قد أثبت عدم وجود قبائل عربية في دارفور فإن اتهام الحكومة السودانية بالتآمر مع القبائل العربية لإبادة القبائل الأفريقية في دارفور ينهار من أساسه. حجة العوا تلك تفضي بنا إلى أحد أمرين، إما أن الأشياء اختلطت عليه، أو أنه يخلطها عن عمد. إن التصنيف إلى قبائل عربية مقابل قبائل أفريقية في دارفور لم يأت به طرف ثالث خارجي ولكنه صادر من أهل دارفور أنفسهم، إنه تعريفهم هم لأنفسهم وللآخرين. حقيقة الأمر هي أن هناك قبائل في دارفور تزعم أنها عربية سواء اتفق معها العوا في ذلك أو لم يتفق، وأن لديها رابطة أو تحالفاً يجمعها اسمه تجمع القبائل العربية في دارفور. إن كونهم لا يشبهون العرب "الخلصاء" في الملامح أو اللون ليست واردة هنا، ولكن الوارد هو أنهم قد صنفوا القبائل "الأخري" بأنهم "الزرقة" وهاجموهم على هذا الأساس، وذلك هو ما يجعل من ذلك الهجوم فعلاً عنصرياً. وبالنسبة لأهل دارفور فهناك قرى عربية وهي التي وجدها تقرير المفوضية الدولية للتحقيق في دارفور في حالة سليمة ولم تمس، وهناك قرى الزرقة والتي وجدها نفس التقرير قد سويت بالأرض. ولو كان العوا أميناً مع نفسه لكان قد توصل إلى نفس النتيجة التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية وهي أن "الآيدويولوجية الإثنية والعرقية التي تخللت الهجمات في 2003 و 2004 في دارفور قد أصبحت حقيقة أساسية وقاسية". وبما أن التصنيفات "عرب" و"زرقة" لا تتسق في كثير من الأحيان مع الملامح أو اللون أو اللغة، فإن الذين هم من خارج المنطقة عادة ما يلحظون التناقض الفاضح في كون أناس سود البشرة، يدعون أنهم عرب، يصفون سودأً آخرين بأنهم "سود" أو "زرقة" ويحاولون إبادتهم على هذا الأساس. من الملفت أن العوا لم يلاحظ ذلك، بالرغم من أنها كادت أن تفلت من لسانه حينما قال أنه ما لم يذكر لك أحد بأن هذا الرجل عربي فإنك لن تعرف مطلقاً أنه كذلك، وقوله أن برهان عروبتهم موجود في شجرة عائلتهم والتي لا يستطيع هو أن يشكك فيها لأن الإسلام يلزمه بأن يصدق كل من يدعي أنه متحدر من أصل عربي. وهكذا، وكما نري فقد أثبت، على نحو غير مباشر، كل ما كان قد أنكره في البداية، أي أنه في دارفور هناك من يصفون أنفسهم بكونهم عرباً وهناك من يصفون أنفسهم بكونهم أفارقة سود. الاغتصاب ليس في الحقيقة اغتصابا أكد العوا عدم وجود أي حالات اغتصاب قائلاً "لقد تحرينا عن الأمر عندما كنا في الخرطوم مع مجموعة أعضاء البرلمان من دارفور. وحينما ذهبنا إلى دارفور قمنا بإجراء مقابلات مع العديد من النساء اللائي أخبرننا أنه لم يك هناك اغتصاب". وحينما أحاله مقدم البرنامج إلى تقرير منظمة العفو الدولية "الاغتصاب كسلاح في الحرب في دارفور"، فقد حاول أن يجعل من القضية برمتها قضية لغوية. وقد قدم دكتور العوا تفسيراً مذهلاً للخطأ وسوء الفهم الذي وقعت فيه منظمات حقوق الإنسان الدولية بأنها "ربما خلطت بين كلمة غصب والتي تعني طرد شخص من بيته بالقوة، وكلمة اغتصاب"، داعماًً تلك المقولة بأنه كان يتحدث إلى إمرأة عجوز في مخيم للنازحين فقالت له لقد غصبونا تعني أنهم طردونا من بيوتنا وهي كلمة قريبة في النطق من اغتصبونا، وذلك هو خط دفاعه الأول. أما خط دفاعه الثاني فهو ما وصفه بأنه "بشهادات من أشخاص ذوي مصداقية"، ومن أكثر مصداقية من نائب والي دارفور السابق "الورع"، وأحد قضاة دارفور، ثم رئيس القضاء الأسبق دفع الله الحاج يوسف وهو رئيس اللجنة السودانية للتحقيق والتي عينتها الحكومة للتحقيق في الادعاءات بالانتهاكات في دارفور؟ إن شهود العوا يذكروننا بالمثل المشهور "الكلب شاهدو ضنبو". وفي تقديمه لشاهد دفاعه الأول رسم العوا صورة تثير الرثاء لنائب والي دارفور واصفاً رد فعله لاتهامات الاغتصاب الجماعي قائلاً أن "النائب كان يتميز غضباً وفقد القدرة على النطق لبعض الوقت ثم قال لي " إتق الله فينا، هل تقول لي أن أهل دارفور قد ارتكبوا الزنا؟" إن حجة نائب الوالي والتي تفتقر المنطق تماماً هي أن الاغتصاب لم يحدث في دارفور والبرهان هو أن أهل دارفور، ببساطة، لا يرتكبون الزنا. إن المعاني التي يتضمنها رد نائب الوالي هي (أ) أن الزنا أفظع من الاغتصاب و (ب) أنه من المستحيل على رعيته أن ترتكب الزنا. وبما أن نائب الوالي لم ينكر حدوث القتل والتدمير والنهب، فإننا نستطيع أن نفترض، مستخدمين منطق نائب الوالي، أن رعيته تستطيع أن تقتل وتدمر وتنهب، ولكنها لا يمكن أن تمارس الاغتصاب لأنها، فوق هذا وذاك، لا ترتكب الزنا. أما شاهد دفاعه الثاني فقد كان قاضياً مهماً في دارفور وقد كانت شهادته درامية تماماً. سأل العوا شاهده عما إذا كان يعلم عن أي حالات اغتصاب، فأجابه القاضي بالإيجاب وأنه كانت هناك حالة قام هو بالحكم فيها. واستمر القاضي يحكي رواية عن كيف أن المتمردين، في سعيهم لتجريم الحكومة في مسألة الاغتصاب، استقطبوا مومسات وساقطين لتمثيل فعل الاغتصاب ولتصويره في فيلم ومن ثم تسويق الفيلم الإباحي لوسائل الإعلام العالمية كدليل على الاغتصاب. وتبعاً لهذه الرواية فإن هذه المجموعة من المومسات والساقطين قبض عليها بواسطة قوات أمن الحكومة وتم تقديمها للمحاكمة حيث اعترف جميع أفرادها بأنهم قد جندوا بواسطة المتمردين. وقد تم نشر هذه الرواية وإذاعتها بصورة واسعة بواسطة الحكومة في حربها الإعلامية ضد المتمردين قبل زيارة وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين للسودان بوقت طويل. وقد كرر دكتور العوا هذه القصة في "الجزيرة" دون أن ينتبه إلى تناقضها مع صورة المجتمع الفاضل لنائب والي دارفور حيث ليس بمقدور الرعاة من حيث المبدأ ارتكاب الزنا. إن ما لا يدركه العوا هو أن هناك أشخاصاً في هذا العالم يحاولون تمحيص الأشياء بدلاً من ترديدها، وقد كان ذلك هو ما فعلته منظمة العفو الدولية بالضبط. لقد قام أحد موفدي المنظمة، وكان في زيارة للسودان، تحرى عن هذه الحالة بالتحديد وقابل أربعة من النسوة المتهمات في سجنهن ثم نشر ما توصل إليه في تقرير بعنوان "السودان دارفور. لا أحد نشكو له، القهر للضحايا، والحصانة للجناة". إن القصة كما توردها منظمة العفو الدولية هي كالآتي: في أول أغسطس 2004 قام ما يسمى بالأمن الإيجابي باعتقال 12 شخصاً جميعهم من مليط وهي مدينة في شمال الفاشر وتحت سيطرة الحكومة، وكان المعتقلون 4 نساء و 8 رجال. عند الاعتقال أعلنت السلطات المحلية أنها اكتشفت محاولة من بعض أهالي مليط لفبركة شريط فيديو يصور عمليات اغتصاب في المنطقة. بعض تقارير الحكومة نسبت هذه الفبركة إلى جماعات المتمردين وبعضها إلى المنظمات الطوعية العالمية والتي قيل أنها دفعت أموالاً لبعض الناس لإنتاج هذا الشريط. وقد قضت النسوة حوالي الشهر في الحبس يعذبن طيلة النهار في مكاتب الأمن الإيجابي وينقلن في الليل إلى زنزانة مظلمة في سجن النساء في الفاشر. وقد طلب منهن أن يعترفن بتلك القصة، وقام الأمن الإيجابي بتجهيز الوثائق وكاميرا الفيديو لتصوير الاعتراف، ويستمر التقرير ليذكر: "بعض النساء اعترفن بالقصة تحت الضغط. وبدت سعاد النور أقل تعذيباً ربما لأنها أكرهت على القول بأن النساء الأخريات شاركن في إنتاج شريط فيديو عن الاغتصاب: "لقد أخذوني بعيداً وقالوا أنهم يعلمون أنني لم أصور الفيديو ولكن يجب على أن أقول أنني صورته، ثم ضربوني بشدة. وفي اليوم التالي قلت لهم أنني قد صورت الفيلم." أما مريم محمد دينار فقد قالت "بعد هذا التعذيب أجبرت على الاعتراف بهذه القصة. لم أوقع على شيء ولكنهم كتبوا وثيقة ما. لقد غطوا عيني ببعض الأوراق ثم صوروني بكاميرا فيديو كانوا يحملونها على أكتافهم. وبعد ذلك صورونا أنا وسعاد في أوضاع مختلفة، جالسات، واقفات، بأجهزة هاتف، وأجبرنا على أن نقول على تلك الهواتف أننا قد فعلناها." وحينما أحضرت هؤلاء النسوة أمام القاضي أخبرنه بأنه قد تم تعذيبهن للاعتراف بأنهن شاركن في صنع الفيديو. ولكن القاضي، كما ذكر، أمر بإعادتهن إلى مكتب الأمن الإيجابي لأنهن حاولن تغيير اعترافهن، حيث تم تعذيبهن مجدداً. وقد هددهن أفراد الأمن الإيجابي الثلاثة الذين كانوا مسئولين عن اعتقالهن بقولهم "النيابة تتبع لنا، والأمن الإيجابي يتبع لنا". النساء الأربع اللائي قابلتهن منظمة العفو الدولية مسئولات عن أطفال وعن أقارب مرضى وقد أكدن بشدة أنهن لم يعرفن لماذا تم اعتقالهن ولا يعرفن شيئاً عن شريط الفيديو المزعوم. أما الشهادة الثالثة فكانت من رئيس القضاء الأسبق رئيس اللجنة السودانية للتحقيق في دارفور، دفع الله الحاج يوسف، وهو أحد الإسلاميين السودانيين، والذي ذكر للعوا أنه توقع أن نساء دارفور ربما لن يتمكّن من الحديث عن موضوع حساس كهذا للجنته مباشرة فلذلك، وحتى يقطع الشك باليقين، فقد استعان بنساء ذوات خبرة قضائية وطبية لإجراء المقابلات، وأنهن ذهبن إلى معسكرات النازحين وقابلن النساء ولم يجدن حادثة اغتصاب واحدة. إذا لم كانت خبيرات رئيس القضاء الأسبق لم يخطئن الطريق إلى المعسكرات، فلابد أن فجوة المصداقية بينهن وبين النساء الدارفوريات كانت من الاتساع بحيث جعلت الحديث إليهن بلا جدوى، وإلا فما الذي جعل نساء كحواء وكليمة يواجهن كاميرات هيئة الإذاعة البريطانية ويتحدثن لهيلاري أندرسون عن مصيبتهن ويصفن بالتفصيل كيف تم اغتصابهن، ويمنع نساء أخريات من الحديث إلى لجنة التحقيق السودانية أو نسائها المعينات؟ لقد أحس الملايين من مشاهدي تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية بالحنق وتميزوا غضباً وهم يتابعون حواء تقول "حاصرني خمسة رجال، فشلني الخوف ولم استطع الهروب. لقد حوصرت. ثم اغتصبوني واحداً تلو الآخر. بعد ذلك حاولت أن أجد أبي وولدي" . كما أنهم أيضاً شاهدوا كليمة تقول "لقد اغتصبوني. لم يك هناك ما أستطيع فعله". بماذا يشي هذا عن لجنة التحقيق التي ترأسها رئيس القضاء السابق وعن مصداقيتها؟ لقد اختتم العوا حديثه بالخلاصة التالية: "إن حقيقة الأمر هي أن كل اتهامات الاغتصاب قد اخترعت للتشهير بالحكومة وأهل السودان ولتوفير الذريعة للتدخل الأجنبي في البلاد. حكومة السودان لم ترتكب أي جريرة وكل هذه الاتهامات زائفة. إن هناك مخططاً لإخضاع السودان للغرب. دارفور غنية بالحديد الخام وباليورانيوم والنفط. ودارفور هي بوابة الإسلام إلى أفريقيا. إن مسلمي دارفور المتحدين يمثلون خطراً على الغرب، ودارفور مستهدفة لهذا السبب. الآن يجب علينا أن نفضح المؤامرة. إن ما يجري في فلسطين ودارفور هو جزء من المؤامرة فالعدو الصهيوني يعمل في دارفور." ذلك الصوت هو صوت ممثل المركز يدافع عن وكلائه. في هذا الدفاع فإن الاعتبارات الاستراتيجية للمركز تحجب المأساة الإنسانية، والبشر لا أهمية لهم. ما يهم المركز هو الأرض وليس البشر، وهو الثروة وليست الحياة، وفي هذه الرؤية يُختزل السودان برمته إلى جسر يحمل المركز إلى قلب القارة المظلمة، وتختزل دارفور إلى بوابة في نهاية ذلك الجسر، وتُحجّم الحكومة ذاتها إلى حرس جالس عند تلك البوابة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين (Re: طلعت الطيب)
|
الفصل الثالث على تخوم الهوية الشمالية دارفور والحقائق الغائبة عن اتفاقية أبوجا للسلام
مقدمة في الخامس من مايو 2006، وبرعاية الاتحاد الأفريقي، وقعت الحكومة السودانية وفصيل من حركة تحرير السودان بقيادة مني أركوي مناوي، في العاصمة النيجيرية أبوجا، اتفاقية سلام دارفور. وقد رفض فصيل حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، وكذلك رفضت حركة العدل والمساواة توقيع تلك الاتفاقية، بحجة أنها لم تستجب للحد الأدنى من مطالب مواطني دارفور. وقد طالب عبد الواحد بتعزيز آليات تطبيق الترتيبات الأمنية وذلك بزيادة المشاركة المباشرة لحركة تحرير السودان، كما عبر أيضا عن عدم رضاه عن ما تضمنته الاتفاقية فيما يتعلق بصندوق تعويضات الضحايا وكذلك التمثيل السياسي. أما حركة العدل المساواة، من الجهة الأخرى، فقد استنكفت ما ورد في بروتوكولات تقسيم السلطة والثروة، وأكدت أن الاتفاقية لم تنصدى بصورة كافية للأسباب الجذرية للنزاع والتي تتلخص، حسب رؤيتهم، في عدم التكافؤ الهيكلي بين المركز والمناطق المهمشة. لقد استقبلت اتفاقية أبوجا بترحيب حذر ومحتشم من قبل الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد، وكذلك من المنظمات غير الحكومية المحلية والإقليمية والعالمية، ولكن اقساما واسعة من مواطني دارفور رفضتها على الفور. وقد وصفتها الأحزاب السياسية بأنها اتفاقية معيبة، ولكنها، مع ذلك، رأت فيها بصيصا من الأمل أن توقف الحرب، وأن تدفع بمجيئ قوات من الأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور. وكذلك وصفت "مجموعة الأزمات الدولية" الوثيقة بالهشاشة، موضحة احتواءها اخطاء فادحة. وقد أجمع المشاركون في منتدى مدرسة كنيدى لدراسات الحكم بجامعة هارفارد على وصف عملية السلام تلك بأنها "مشوهة، محدودة ومثقلة بالأخطاء". أما ممثل الأمم المتحدة، جان برونك، فقد اعترف بأن "اتفاقية سلام دارفور تواجه مقاومة على الأرض، خاصة من قبل النازحين". كما ذكر أيضا أن العنف في دارفور قد تصاعد في أعقاب توقيع الإتفاقية، وأقر بنقائص الاتفاقية، قائلا أنها لا تحظى بقبول مواطني دارفور، واقترح إدخال إضافات عليها. ولكن حكومة السودان اعترضت على مقترحاته تلك، مؤكدة أنه لا يمكن تعديل الاتفاقية، ما لم تتغير الحقائق على الأرض، في إشارة واضحة إلى ديدن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في ألا يستمع إلا لصوت القوة. تقدم لنا اتفاقية أبوجا نموذجا فريدأ لكيف يمكن لاتفاقية سلام أن تشعل مزيدا من النزاعات، وأن تقود إلى تصعيد العنف والموت والنزوح. لقد أججت الاتفاقية الانقسامات وسط الحركة الوحيدة التي وقعتها، حركة تحرير السودان-جناح مني مناوي، وبالإضافة إلى ذلك، فقد قادت إلى اصفافات سياسية جديدة. فحتى تصبح قوة مؤثرة يؤبه لها من قبل نظام الخرطوم، قامت الحركات التي رفضت اتفاقية ابوجا بتأسيس وتدشين تحالف جديد باسم "جبهة الخلاص الوطني". وقد تشكلت جبهة الخلاص الوطني من القيادات العسكرية لحركة تحرير السودان التي انشقت على مناوي (وأطلقت على نفسها "حركة تحرير السودان-مجموعة ال19") وحركة العدل والمساواة، والتحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني بقيادة السياسي المخضرم أحمد إبراهيم دريج، والذي ظل يحتفظ لنفسه بمسافة عن الحركات المتمردة إلى أن تم توقيع إتفاقية أبوجا. ورغم أن حركة تحرير السودان فصيل عبد الواحد لم تنتم بعد إلى جبهة الخلاص الوطني، إلا أن هناك تقارير تشير إلى أن محادثات جادة تدور الآن بينه وبين جبهة الخلاص الوطني لتحقيق ذلك، مع وجود مؤشرات إلى أن عبد الواحد قد يصبح عضوا في ذلك التحالف. لقد تبنت جبهة الخلاص الوطني الهجوم الذي تم على مدينة حمرة الشيخ، في شمال كردفان، مفتتحة بذلك جبهة جديدة للقتال، ومنتقلة بالحرب إلى خارج حدود دارفور. لقد ذكر أعضاء جبهة الخلاص الوطني في بيانهم التأسيسي أن الجبهة "ترغب في توصيل رسالة لحكومة السودان، بأنها قوة لا يمكن تجاهلها، وأنها تطالب بسلام شامل"، مؤكدين أن اتفاقية أبوجا لا تلبي طموحات مواطني دارفور، وأنه قد تم فرضها عليهم، وأنها لم تفعل سوى تدعيم موقف الحكومة. ومن الجهة الأخرى، خرج إلى الوجود تحالف بين حكومة السودان وحركة تحرير السودان فصيل مني مناوي، وطفق مباشرة في شن هجمات على الفصائل الأخرى. وقد أدت تلك الهجمات إلى "نزوح حوالي 8000 مدني في الأيام القليلة الماضية"، وفقا لمنسق الأمم المتحدة للطواريء، جان إيجلند. وقد ذكر أيجلند أيضا أن "هناك تقارير تشير إلى أن القوات الحكومية تدعم الهجمات ضد الفصيل المنشق وضد عاملي الإغاثة، على نطاق دارفور كلها، بصورة يومية تقريبا"، كما اتهم حكومة السودان بانتهاك المبادئ الدولية ب "استخدام طائرات مروحية مطلية باللون الأبيض، وهو نفس اللون الذي تستخدمه قوات مهمة الاتحاد الأفريقي في السودان وكذلك الأمم المتحدة"، مما "يشكل تهديدا مباشرا لموظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، والذين عادة ما يستخدمون المروحيات ذات اللون الأبيض، رغم كونهم محايدون في النزاع، وينبغي عدم التعرض لهم". وقد أشار إيجلند ايضا إلى الجرائم التي ارتكبها تحالف حكومة السودان وحركة تحرير السودان فصيل مني مناوي بقوله "إنه لمن المؤلم أن ترى جماعات حركة تحرير السودان تنفذ الآن بأيديها نفس الأفعال التي كانت، عن حق، تتهم الجنجويد بارتكابها تجاه المواطنين العزل المحاصرين في المعارك." تلك التطورات قادت جان برونك إلى الإعلان بأن "هناك احتمالا كبيرا بأن تنهار اتفاقية سلام دارفور". إن الأسئلة التي تطرح نفسها هي: لماذا سارت الأمور على هذا النحو؟ أين يكمن الخطأ؟ هل يكمن في اتفاقية أبوجا؟ أم في اولئك الذين رفضوها؟ وفي النهاية، ماهي مآلاتها النهائية؟ للإجابة على هذه الأسئلة يتوجب علينا أولا أن نراجع الظروف التي ولدت فيها اتفاقية أبوجا، وأن نراجع مضمونها ونصوصها حتى نكتشف ما أغفلته وما غاب عنها، قبل أن نستنطق مؤشراتها المستقبلية.
الظروف أقل ما يمكن أن يقال عن الظروف التي أحاطت بالمحادثات أنها كانت ضاربة في الفوضى، مما أدى إلى تعامل قاصر ومرتبك مع المشكلة. لقد كان لكل من طرفي النزاع، الحكومة السودانية ومتمردي دارفور، وكذلك كان لكل من الوسطاء، الإتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة، والحكومة الأمريكية، مشاكله وضغوطه الداخلية. ويرى بعض أساتذة العلوم السياسية أنه لا الحركات المتمردة ولا الحكومة السودانية كانت مستعدة للتوصل لأتفاق في ذلك الوقت حيث إن الأوضاع كانت هلامية ومشوبة بالغموض. لم يكن الاهتمام الدولي بما يجري في دارفور ناتجا عن إنجازات المتمردين على الأرض، وإنما عن الكارثة الإنسانية التي خلقتها حملة الحكومة السودانية لقمع التمرد. ولم تكن الحكومة السودانية ترى في المتمردين غير أنهم مجرد هواة عديمي الخبرة، يجهلون كيف يعمل المجتمع الدولي، ويحاولون في سذاجة ترجمة الإهتمام الإنساني الدولي لمكاسب سياسية. كما حارب المتمردون بلا بندقية موحدة، فقد دخلوا المفاوضات دون بلورة موقف تفاوضي موحد. لقد مثلت حركة تحرير السودان عند نشأتها وعدا صادقا وأملا عظيما لمواطني دارفور. فبتأسيسها على نمط حركة التمرد في الجنوب، الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وبتبنيها لنفس خطابها السياسي و"أيديولوجية السودان الجديد"، وبطموحها لبناء حركة تستوعب كافة المجموعات الإثنية في دارفور بما في ذلك القبائل العربية، تمكنت حركة تحرير السودان من أن تجتذب إلى صفوفها القيادية عددا من المثقفين والسياسيين الناضجين، ومثلت بذلك تهديدا حقيقيا لنظام الخرطوم. ولكن، سواء كان ذلك بتدبير من الحكومة السودانية أو غير ذلك، فقد وجه انقسام حركة تحرير السودان إلى فصيلين ضربة قاصمة إلى قضية المتمردين. لقد أضعف الانقسام نفوذ المثقفين وأبعد السياسيين النشطاء، وأدى إلى صعود مني مناوي بتجربته السياسية المحدودة. وكذلك كان من تداعيات الانقسام، أن فقدت حركة تحرير السودان مفاوضها الماهر، الدكتور شريف حرير، والذي كان يقود فريقها المفاوض في الجولات الأولى. لقد رجَّح ذلك، بالطبع، الميزان لصالح الحكومة السودانية، إذ لم يك فريق مناوي ندا لفريق الحكومة في التجربة الدبلوماسية أو في مهارات التفاوض. الدكتور شريف حرير هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرجن، وصاحب مؤلفات عديدة من ضمنها ورقته المشهورة "العنصرية في قناع إسلامي"، والتي قام فيها بتعرية الجذور العنصرية المؤسسية للتهميش في دارفور، والمغروسة بعمق في الهويات المفترضة للشماليين. وبالرغم من أن شريف كان هو من ترأس فرق حركة تحرير السودان المفاوضة في جولات متعددة سابقة، فقد بدا واضحا تضعضع مركزه عقب الانقسام، إذ سجل غيابا تاما عن فرق الحركة المفاوضة إثر ذلك. وبحكم وضعه كشخصية معروفة وتحظى بالقبول لدى المجتمع الدولي، فقد كان كل من عبد الواحد ومني مناوي ينظران إلى الدكتور حرير باعتباره يمثل خطرا على قيادتهما. إن لدى الدكتور شريف الكثير مما بوسعه تقديمه لقضية دارفور، ولكن علينا الانتظار لنرى ما إذا كان بوسعه إعادة تكوين نفسه كلاعب أساسي. لقد أضعف الانقسام أيضا عبد الواحد محمد نور. وعبد الواحد محام شاب، تخرج في جامعة الخرطوم في عام 1995، وبعد ذلك مباشرة انتقل لممارسة القانون في دارفور. وقد كان عبد الواحد ذا نشاط سياسي عارم، كما تعرض للاعتقال مرات عديدة لنضاله في سبيل قضية مواطني دارفور. وعقب إطلاق سراحه في المرة الأخيرة، اختفى لبعض الوقت، ثم عاد إلى السطح هذه المرة كقائد لحركة تحرير السودان. ولكن ورغم ذكائه ونشاطه السياسي، فإن خبرته الدولية تظل محدودة. أما حركة العدل والمساواة، فيقودها خليل إبراهيم، وهو طبيب شغل عدة مناصب قيادية في الحكومة الإسلامية خلال فترة سيطرة الترابي، حيث قام، بصحبة رفيقه الدارفوري الآخر، الدكتور علي الحاج، بحشد الآلاف من مواطني دارفور للجهاد في الجنوب. وقد ظلت سحب كثيفة من الشك والريبة تحوم حول حركة العدل والمساواة منذ نشأتها، نسبة إلى ما يقال عن علاقتها بفصيل الترابي، حزب المؤتمر الشعبي، وعن ميولها الإسلامية، والشكوك في انها تستخدم دارفور كميدان لتصفية حساباتها مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وتعتبر حركة العدل والمساواة صغيرة بقياس القوة العسكرية، ولكنها تضم عددا من السياسيين أصحاب الخبرة. لقد كانت استراتيجية الحكومة السودانية لمحاربة التمرد بسيطة جدا وتتمثل في أن تدير حربا رخيصة بالوكالة عنها، وعلى تقسيم وتفتيت الحركات المتمردة وجرجرتها إلى المفاوضات شراء للوقت حتي يتمكن الجنجويد من خلق واقع جديد على الأرض، وشن هجوم دبلوماسي وقائي لتفادي أية محاولة للتدخل الدولي أوالخضوع للمحاكمة بواسطة المحكمة الجنائية الدولية. وبالرغم من العبارات القوية التي كان يطلقها سكرتيرها العام، كوفي أنان، فقد كانت الأمم المتحدة تفتقد أية استراتيجية للتعامل مع أزمة دارفور. لقد كانت تحركاتها مقيدة بالدول الأعضاء، خاصة الدول المتقدمة، والتي كانت تدفعها لفعل شئ ما ولكنها لا توفر لها الوسائل التي تمكنها من القيام بذلك. وبالتالي فقد كان من المريح تماما للأمم المتحدة أن تحول الأزمة لعناية المولود الجديد المسمى بالاتحاد الأفريقي. وبالنسبة للاتحاد الأفريقي، فقد كانت الأزمة فرصة طيبة له لوضع شعاره "حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية" موضع التنفيذ. لقد استخدمت الحكومة السودانية ذلك الشعار كفزاعة تصد بها طيور المجتمع الدولي عن حقول الأزمة في دارفور. أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فقد كان ذلك الشعار، كما وصفه جيرارد برونير، "الطريقة السياسية المثلى للقول بأن الأمر لا يهمنا". أما حرص الرئيس السابق للاتحاد الأفريقي، الرئيس النيجيري أولوسون أوبوسانجو، والذي كان يستضيف المباحثات في ابوجا، على التوصل لاتفاق في أبوجا، فقد كان من أجل طموحاته السياسية الشخصية، حيث كان بحاجة لنجاح ما في دارفور يدعم به سعيه لتعديل الدستور الاتحادي النيجيري ليسمح له بالترشح لفترة رئاسية ثالثة. وقد فعل ذلك تماما، فما أن تم توقيع اتفاقية أبوجا، حتى تقدم باقتراح للبرلمان النيجيري لتعديل الدستور، متعللا بأن الله لن يغفر له إن ترك تلك المهمة العظيمة دون أن يكملها. ولكن اقتراحه لم يحالفه النجاح. كانت الحكومة الأمريكية واقعة تحت ضغوط ضخمة من عدد من هيئات تشكيل الرأي العام، والتي كانت من الاتساع بحيث لم يعد من الممكن تجاهلها، خاصة وأن الإدارة الأمريكية كانت قد أعلنت دارفور سلفا كمنطقة إبادة. من جانب آخر، كان من الواضح أن نظام الخرطوم يحظى بمتعاطفين داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية. ويذكر برونير أن " الواقعيين في مجتمع المخابرات ظلوا متمسكين على الدوام بأن نظام الخرطوم كان على قدر من الأهمية لايسمح بمعاملته بخشونة". تلك الضغوط المتناقضة، كما يقول برونير "قادت البيت الأبيض للمساومة والتنازلات على كل الجبهات". بالإضافة إلى ذلك، فقد قامت روسيا والصين بإضعاف موقف الإدارة الأمريكية داخل مجلس الأمن، بإصرارهما على ضرورة أن يتلقى المجلس موافقة الحكومة السودانية المسبقة قبل أن تلعب الأمم المتحدة دورا قياديا في النزاع. وكانت الحكومة السودانية قد قدمت تلميحات للإدارة الأمريكية وللمجتمع الدولي قادتهما للفهم بأنه إذا ما تم التوصل لاتفاق فإنها لن تمانع في وجود قوات دولية لحفظ السلام في دارفور. ولكن وما إن تم توقيع اتفاقية ابوجا، حتى أعلنت الحكومة السودانية أنها لن تسمح بقوات أممية مطلقا، ووصف الرئيس السوداني قوات الأمم المتحدة بأنها قوات احتلال، وأقسم أن يقاومها عسكريا، كما صرح في خطاب منقول مباشرة على التلفزيون الحكومي "أكرر هنا، مرة أخرى، أنني أفضل أن أكون قائدا للمقاومة في دارفور، على ان أكون رئيسا لبلد محتل." وكذلك فقد حاولت حكومة السودان إرعاب المجتمع الدولي بالتلويح بكرت تنظيم القاعدة، مهددة بأن مقاتلي القاعدة الانتحاريين سيأتون لدارفور ويحولونها إلى عراق آخر. ولم يكن من قبيل الصدف أن أسامة بن لادن أصدر مباشرة عقب ذلك التحذير نداءه "للمجاهدين ومؤيديهم، خاصة في السودان وشبه الجزيرة العربية، للاستعداد لحرب طويلة ضد الصليبيين الغزاة في غرب السودان." إن تصريحات بن لادن تشير إلى قدر عالٍ من التنسيق بينه والحكومة السودانية، رغم سحب الدخان التي يحاول أن يتستر بها على ذلك مثل تصريحاته بأن هدفه "ليس الدفاع عن نظام الخرطوم، ولكن الدفاع عن الإسلام، وأرضه وأمته." الطبخة السريعة لكل تلك الأسباب، أصبح أي اتفاق مطبوخ على عجل، ومهما كان مضمونه، هو الحل الأمثل لخدمة أغراض الجميع، وخاصة الإدارة الأمريكية، والتي كان بمقدور مثل ذلك الاتفاق أن يرفع عن كاهلها الضغوط الداخلية، وأن يريحها من معوقات روسيا والصين دوليا. ومن الجدير بالذكر هنا أن مجموعة الأزمات الدولية، وبناء على متابعتها اللصيقة للأحداث، كانت قد حذرت في أكتوبر 2005، من أن الأسرة الدولية قد تتصرف مدفوعة بالإحباط. ففي تقريرها المعنون "توحيد متمردي دارفور-شرط ضروري للسلام"، قالت المجموعة "بالرغم من إحباطها، كما هو الحال الآن، فإن الأسرة الدولية سترتكب خطأ فادحا إذا فضلت التوصل إلى مظهر من مظاهر الاستقرار بدلا عن العمل للوصول إلى حل شامل، حيث إن ذلك سيترك الأسباب الجذرية للصراع كما هي، رغم مئات الآلاف من الأرواح التي أهدرت، والملايين من النازحين الذين هجروا." وقد تحققت تلك النبوءة تماما حيث، وكما توقعنا، انطلق الوسطاء مدفوعين باحباطاتهم، ووضعوا كل ما يملكون من ضغوط، وبأثقال غير متساوية، على طرفي الصراع. فما إن أعلنت الحكومة السودانية في 30 أبريل قبولها بوثيقة الاتحاد الأفريقي، حتى بدأت الطائرات التي تقل كبار الدبلوماسيين تتقاطر على أبوجا، نائب وزيرة الخارجية الأمريكية روبرت زوليك، وزيرة التنمية البريطانية هيلاري بن، ومفوض الإتحاد الأفريقي ألفا عمر كوناري، "وقد وضع الوسطاء قادة الحركات المتمردة، خاصة مني مناوي، تحت الضغط للتوقيع." لقد تعرضت الحركات المتمردة للقدر الأكبر من الضغوط، وبما أنها كانت أصلا مشرذمة، ضعيفة، عديمة الخبرة، محدودة القدرات التفاوضية، فقد كانت هي الطرف الأكثر قابلية للانحناء والخضوع. وكان وفد يمثل الحركات المتمردة التي رفضت التوقيع على اتفاقية أبوجا قد قام بزيارة الولايات المتحدة في يونيو 2006، لتوضيح موقفهم للجالية السودانية هناك. وقد حكوا قصصا عن التهديدات الفظة التي وجهها الوسطاء، وعن لي الأذرع الذي مارسوه، خاصة من قبل الإدارة الأمريكية والرئيس النيجيري. وذكروا أن قادتهم قد تعرضوا لتهديدات مباشرة بالعقوبات إذا لم يوقعوا الاتفاقية. وقد خضع مناوي للضغوط ووقع، ليصدر تصريحا في اليوم التالي مباشرة يذكر فيه أنه قد وقع تحت الضغط. ولكن توقيعه زلزل فصيله، فتوالت الانقسامات في حركته، وكان أكبرها هو ذلك الذي قاده 19 من قادته الميدانيين والذين شكلوا ما سمي بحركة تحرير السودان مجموعة ال19.
المضمون تتضمن اتفاقية سلام دارفور ثلاثة بروتوكولات عن تقسيم السلطة، وتقسيم الثروة، والترتيبات الأمنية، وقد تضمنت نصوصها وموادها مبادئ عامة عن حقوق الانسان، المواطنة، حكم القانون، حقوق المرأة، والخدمة المدنية غير الحزبية، غير أن ذلك كله بالنسبة لحكومة السودان لا يعني أكثر من خدمة شفهية ومجرد ألفاظ، حيث ان أيديولوجية النظام وقوانينه وممارساته السياسية لا تتفق مع تلك المبادئ. أما النصوص الأخرى، فقد جاءت إما في صيغ معممة وغامضة وقابلة لتفسيرات شتى، أو نص فيها على تحويل البت في القضايا المعنية، والمهمة، لجولات جديدة من التفاوض في المستقبل. وعلى سبيل المثال، فإن المادة 161 تعطي الولايات التي ينتج فيها النفط أو المعادن الحق في التفاوض من جديد لتحديد نصيبها من عائدات تلك الموارد وأن تحصل على النصيب الذي يتم الاتفاق عليه في تلك المفاوضات، وهو ما يكشف إصرار الحكومة على عدم الالتزام بنسبة محددة لاقتسام الثروة في دارفور مثلما فعلت بالنسبة للجنوب في اتفاقية السلام الشامل. وأمر آخر هو أن كل ولاية من الولايات ستفاوض الحكومة بمفردها على اقتسام النفط أو المعادن المكتشفة فيها، وليس للإقليم كوحدة واحدة الحق في التفاوض، وهذا أمر أضعف الموقف التفاوضي للإقليم ككل، وحرم الولايات التي لا تكتشف فيها ثروات معدنية من التمتع بعائدات هذه الثروات الدارفورية. وهذه المادة في النهاية تعكس رغبة الحكومة في التفرقة بين أهل دارفور حتى على المستوى الاقتصادي وذلك بحرمان بعض أهل درافور من التمتع بمجموع ثروة الإقليم. وكذلك فإن الاتفاقية تجعل من التفاوض حول توزيع الموارد حوارا من طرف واحد، حيث إن المفاوضات المستقبلية ستتم بين الحكومة المركزية، من جانب، والولايات والتي ينتمي حكامها لنفس الحزب الحاكم، من الجانب الآخر. وقد جاءت الاتفاقية خالية من أية إجراءات ملزمة تضمن التنفيذ. ووفقا لتقرير مجموعة الأزمات الدولية فإن "من أكبر عيوب اتفاقية سلام دارفور هو خلوها من إجراءات وضمانات تطبيق نزع سلاح ميليشيات الجنجويد والعودة الطوعية والآمنة للاجئين والنازحين لقراهم" ويذكر التقرير أيضا أنه "فيما يتعلق بوقف إطلاق النار الشامل والترتيبات الأمنية، فإن الاتفاقية تتوقع أن تقوم الأطراف بنزع سلاحها بنفسها، بينما تلك مهمة يعهد بها في العادة إلى قوات حفظ السلام، وبدلا من أن تعهد لها بذلك، فإن الاتفاقية تترك دورا محدودا لقوات الاتحاد الأفريقي يتمثل في التحقق من ومراقبة عمليات إعادة الإنتشار والتجميع ونزع السلاح." ولعل أحد أهم عيوب الاتفاقية، هو إغفالها لأحد الأطراف الرئيسية في الصراع، وهو القبائل العربية، حيث إن القبائل العربية والتي تم تجنيد الجنجويد من أوساطها، لم تكن طرفا في الاتفاقية. إن القبائل العربية تمثل طرفا رئيسياً في الصراع، الأمر الذي تشهد عليه جرائم الجنجويد، ولا يمكن تفسير غيابهم عن طاولة المفاوضات إلا بأن الحكومة كانت تمثل مصالحهم وتفاوض بالنيابة عنهم، أو أنها، أي الحكومة، أصبحت مستعدة لاستبعادهم حيث إنهم قد استنفذوا أغراضهم بالنسبة لها.
العدالة والمحاسبة ومن النقائص العديدة في اتفاقية أبوجا هناك، أيضا، فشلها في النص على أي نوع من أنواع المحاسبة. وربما كانت الحركات المتمردة قد افترضت أن المحكمة الجنائية الدولية ستقوم بذلك الدور، ولكن إغفال ذلك الأمر في الاتفاقية نتج عنه أن الحكومة استطاعت توفير الحماية لعملائها المحليين الذين لم تضمهم قائمة ال 51 المطلوبين حاليا لدى المحكمة الجنائية الدولية. وفي غياب المحاسبة والعقاب، فقد كان من المتوقع أن تكون هناك تعويضات وإعادة اعتبار للضحايا، غير أن ذلك أيضا لم يتحقق، كما سنستعرضه لاحقا. إن غياب المحاسبة من اتفاقية أبوجا يجب أن يدفع إلى تعزيز دور المحكمة الجنائية الدولية، ولكن الموقف المزدوج للولايات المتحدة من المحكمة الجنائية الدولية كهيئة، يضعف من موقف هذه الهيئة بينما يعزز من موقف الحكومة السودانية. وفي اعتقادنا أنه لو تمكنت المحكمة من محاكمة متهم واحد، فإن ذلك سيغير من الأوضاع في السودان بشكل كبير، حيث إن كسر قاعدة الإفلات من المحاسبة، سيصب إيجابيا في صالح تغيير ديمقراطي أوسع في السودان.
التعويضات بالرغم من أن المادة 194 تشير إلى حق الأشخاص النازحين في التعويض عن ممتلكاتهم، فإن المواد 210 و213 تنصان على تأسيس صندوق للتعويضات بمبلغ 30 مليون دولار، وهو مبلغ بخس جدا إذا وضعنا في الاعتبار أن التقديرات المتواضعة لقيمة 4 إلى 5 مليون رأس من الماشية نهبت أو أبيدت تزيد عن بليون دولار.
المصالحة ينص الفصل الرابع من اتفاقية سلام دارفور على الحوار والتشاور الدارفوري-الدارفوري ويعرفه بكونه "مؤتمراً يجتمع فيه ممثلو كافة الأطراف الدارفورية لمناقشة تحديات إعادة السلام لمنطقتهم، والتغلب على الانقسامات بين مجتمعاتهم، وحل المشاكل الراهنة لبناء مستقبل مشترك." لقد صممت تلك الآلية لاستيعاب أطراف هامة في النزاع لم تشارك في المفاوضات مثل القبائل العربية والأطراف الأخرى مثل منظمات المجتمع المدني والمرأة والشباب. هو إذن عبارة عن محاولة ترميم لاتفاقية أبوجا تهدف لإلحاق مجموعات غُيِّبت عن المفاوضات، وأبرم الأمر بدونها، ولن تعدّل الاتفاقية وفق نتائج حوارها هذا، ولذلك تبدو المسألة كلها وكأنها عملية تذاكي على أهل دارفور، لإيهامهم بالمشاركة، أو استهبالهم سياسياً. فهو مثل وضع العربة أمام الحصان، إذ كان من المفترض أن ينشأ مؤتمر الحوار الدارفوري-الدارفوري قبل المفاوضات، في شكل حوارات تنظمها الحركات الدارفورية المعارضة فيما بينها، وبينها وبين بقية أهل دارفور، يكون هدفه هو بلورة رؤية دارفورية واحدة، والإتفاق على مصير دارفوري واحد، وتشكيل وفد تفاوضي واحد في مواجهة الحكومة، يمثل الجميع "عربا" و "زرقة". أما الآن فإن اقتراح قيام ذلك المؤتمر إنما يمثل محاولةً لاستعادة اللبن المسكوب، وهو في الظروف الحالية ليس غير ممكن وحسب، بل يبدو بلا معنى.
جذور المشكلة إن جذر المشكلة هو العلاقة المختلة بين المركز والهامش. فالتهميش الذي ألحقه المركز بالمنطقة بأسرها، لم يحدث صدفة، ولا هو قدر إلهي ليس منه منصرف، وإنما انبنى على الهوية: هوية المهمَّش، وهوية المهمِّش. أما داخل دارفور فإن جذور الصراع تكمن في التنافس حول الموارد والأرض بين الرعاة البدو والمزارعين المستقرين في دارفور، والطمع في أرض "الزرقة" من قبل بعض القبائل العربية داخل دارفور، وما وراء الحدود.
الأرض وقد يكون من الجوانب الإيجابية في اتفاقية سلام دارفور هو تصديها لقضية الأرض، فقد نصت على تكوين "مفوضية الأراضي" لحل مشاكل الأراضي. ويمثل أعضاء مفوضية الأراضي مصالح مختلف استخدامات الأرض، وقد تمت الإشارة هنا للقبائل العربية بصورة غير مباشرة ولم تذكر بوضوح. وتنص الاتفاقية على وجوب رفع أي تضارب بين مفوضية أراضي دارفور ومفوضية الأراضي القومية إلى المحكمة الدستورية، وهو ما يعني رفع التضارب إلى الحكومة، حيث إن استقلال الهيئة القضائية ما زال أمرا مشكوكا فيه. إن التحديات التي تواجه تلك المفوضية عظيمة جدا. فأولا ينبغي عليها أن تواجه الأجندة التوسعية للقبائل العربية لحيازة الأرض في دارفور. وثانياً عليها أن تواجه المشاكل البيئية. من الواضح أن استمرار الأوضاع الحالية يصب في مصلحة القبائل العربية، والتي لها مصلحة واضحة في بقاء النازحين في مواقعهم الحالية. لقد كان "التجمع العربي" والذي ظهر إلى الوجود في سنة 1986، واضحا جدا في خططه للسيطرة على الأراضي والناس في دارفور. في تلك السنة، 1986، وأثناء حكومة الصادق المهدي قام "ثلاثة وعشرون من القادة الدارفوريين من أصول عربية، وخليط من المثقفين، وشخصيات قبلية وموظفون كبار" بكتابة مذكرة لرئيس الوزراء. وفي تلك المذكرة قاموا بتقديم أرقام تضخم حجم العرب في دارفور من ناحية رقعة الأراضي التي يشغلونها، مساهمتهم في الاقتصاد الوطني والرفاه الثقافي. وعلى سبيل المثال فقد ادعت الوثيقة أن العرب يمثلون 70% من سكان دارفور، وينتشرون على حوالي 55% من جملة مساحة دارفور، ويساهمون ب15% من الدخل القومي، ويشكلون 40% من الصفوة المتعلمة في دارفور. وفي ضوء تلك الأرقام، فقد طالبت المذكرة بأن يشغل العرب 50% من كل الوظائف في الحكومة "اعترافا بوزنهم السكاني، ومساهمتهم في إنتاج الثروة والمعرفة في المنطقة، ودورهم التاريخي كحملة حضارة." لقد نسبت المذكرة بناء الحضارة في المنطقة إلى العرق العربي... "في مجالات الحكم، والدين واللغة". وقد ختموا مذكرتهم تلك بتهديد مبطن "إننا نخشى أنه لو استمر هذا التجاهل لمشاركة العنصر العربي، فإن الأمور ستفلت من بين أيدي الحكماء وتنتقل إلى أيدي الجهلاء مما سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه". وبينما يعتبر التجمع العربي عنصره العربي حاملا للحضارة والمعرفة، فإنه لا يرى في عنصر الزرقة إلا أناسا ذوي قيمة إنسانية أدنى، من أصول غير عربية، برابرة، وأشباه وثنيين، يجدر استعبادهم. لقد حذر قادة قبائل الزرقة الحكومة من تحركات وأفعال التجمع العربي، غير أن تحذيراتهم ذهبت أدراج الرياح. ويذكر عطا البطحاني ما يصفه بأنه "حدث مثير للقلق" مر دون أن يلفت الانتباه محليا أو دوليا، وهو حدث يفضح المستوى العالي لتورط مسؤولين كبار في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في مخططات التجمع العربي الاستراتيجية. فقد قام عدد من الزعماء القبليين (من الواضح أنهم من قبائل الزرقة) باتهام أشخاص، لم يسموهم، من حزب المؤتمر الوطني في ولاية جنوب دارفور بالتآمر ضد أهلهم. قام أولئك الأعضاء في المؤتمر الوطني بالطواف في المنطقة "كلجنة تنسيق سياسي للتبشير بأيديولوجية التجمع العربي". وقد "أرفق المشتكون ست وثائق، وصفت بأنها وثائق داخلية، تفضح المشروع الإجرامي للتجمع وتوضح أن كارثة دارفور التي بدأت بالنهب المسلح والحروب القبلية وانتهت بجرائم الجنجويد قد نتجت، في حقيقة الأمر، من الجهد المتواصل لتنظيم عرف بإسم التجمع العربي". وكما كان متوقعا، فقد تجاهلت الحكومة الإسلامية التحذير والمطالبة بالتحقيق. إن "تلكؤ الخرطوم في الرد على مطلب إجراء التحقيق يفضح استثمارها وتلاعبها بالأوضاع المحلية. ولحد كبير، فإن الحكام في الخرطوم قد أجادوا تكنيكا خاصا لشرذمة وإخضاع وتعويق وابتياع النخبة الإقليمية." لقد أدى توقيع اتفاقية السلام الشامل، بين الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان والحكومة السودانية، وما صحبه من توقعات بأن يؤدي إلى تغيير جذري في هيكلية القوى في البلاد بأسرها، وأن ذلك التغيير قد يكون على حساب المجموعة العربية الإسلامية المسيطرة، إلى زلزلة كيان التجمع العربي. ولذلك فقد تحركوا "لاستثمار تحالفهم مع المتشددين في الحكومة الإسلامية في الخرطوم، وأن يحسموا مرة واحدة وإلى الأبد صراعا طويلا حول الأرض مع قبائل الزرقة في دارفور". ويكرر عطا البطحاني نفس الفكرة في ورقة أخرى قائلا " وفي حين أن إسلاميي الحزب الحاكم في الخرطوم يستخدمون الميليشيات العربية لدحر الحركات المتمردة في دارفور، ولتعويق عملية السلام مع حركة وجيش تحرير السودان، وحشد الدعم العربي والإسلامي في كل أصقاع الأرض، فقد وجدت القبائل العربية في تلك الأحداث والظروف فرصة سانحة ونادرة لتحسم مرة وإلى الأبد قضية الأرض بطرد غير العرب، بالمعنى الحرفي للكلمة، من أرضهم التاريخية والاستيطان مكانهم". لقد قام الجنجويد الآن بتفريغ الأرض من سكانها الزرقة، كما قاموا أيضا بخلق واقع جديد بالاستيطان في بعض تلك القرى، وفي محيط معظمها، فيما يبدو أنه الخطوة الأولى في تنفيذ مخطط التجمع العربي لانتزاع الأرض. الخطوة التالية بالنسبة لهم هي تحويل الوضع الراهن إلى ترتيبات دائمة. وهذا هو التحدي الأول الخطير الذي يتوجب على مفوضية الأراضي أن تواجهه. أما التحدي الجاد الآخر فهو العلاقة بين السكان وبيئتهم. وهنا يتوجب على مفوضية الأراضي أن تجد الوسائل الكفيلة بأن تتسع الأراضي المنهكة بيئيا أصلا لاحتياجات الطرفين، الرعاة والمزارعين. وما لم يتم اتخاذ إجراءات بيئية على المدى الطويل لمحاربة عملية التصحر، وما لم تخضع القبائل العربية لعملية تغيير ثقافي فيما يتعلق بأسلوب حياتها بحيث تحتفظ بأعداد أقل من الحيوانات، فإن الأوضاع لن تتحسن وستبقى المشكلة.
الهوية لربما كانت النقيصة الكبرى لاتفاقية أبوجا هو إغفالها التام للجذر الأعمق لأزمة دارفور. لقد تم تجاهل قضية الهوية والعنصرية المؤسسية في الاتفاقية تماماً. لذلك خلت من المطالبة بتقرير المصير الثقافي لدارفور. وهذا ربما يشير إلى أن الوفود الدارفورية المفاوضة لم تكن تحس أن ثمة مشكلة ثقافية بينها وبين الطبقة الشمالية الحاكمة، أو أن هناك قدراً من الاستلاب الثقافي الواقع على دارفور، أو أن هناك مسخاً ثقافياً لأهل دارفور يجري عى قدم وساق، تباشره مناهج التعليم على الأطفال اليافعين حسبما أشرنا إليه سابقاً. وتقرير المصير الثقافي يقتضي أن يكتب أهل دارفور مناهجهم التربوية بأيديهم، حتى يجد أطفالهم أنفسَهم، وبيئتهم، وثقافتهم، وتاريخهم، ولغتهم معكوسة في المنهج بصورة لائقة تبعث على الاحترام، وتكسبهم الثقة في الذات. وكلما صعد المنهج إلى أعلى كلما انفتح على ثقافات وتواريخ الآخرين من شعوب السودان. أما في المرحلة الثانوية والجامعية فيجب أن يُصَمَّم المنهج بحيث يؤدي للتحاور بين هذه الثقافات والتواريخ، والنظر إليها نظرة نقدية متحررة من التعصب. استمرار الأوضاع الحالية يضمن استمرارية تَحَكُّم الطبقة الحاكمة، وإنفاذ مخططها في دارفور. فالنظام الحالي كما يؤكد عطا البطحاني "ليس إسلاميا فقط، وإنما ذو مركزية عروبية". وأنه "قد أضاف بعدا أيديولوجيا وعنصريا للنزاع، بحيث أصبحت الأطراف تعرف نفسها كعرب وزرقة". ولقد أجمع المشاركون في منتدى مدرسة كنيدي للحكم بجامعة هارفارد أن "أي حل يجب أن يضع في اعتباره قضايا الهوية في السودان والجرائم الني ترتكب باسم الهوية". ذلك حقاً هو الجذر الأعمق للنزاع في البلاد بأسرها. إن نظاماً فدرالياً حقيقياً وصادقاً تؤول له السلطات كافة فيما يتعلق بالاقتصاد والتعليم والإعلام هو الحل لهذه المعضلة. إن للناس الحق في أن يحكموا أنفسهم، ويدبروا شؤونهم، وأن ينشروا ويعملوا على إعلاء شأن ثقافاتهم وأنظمتهم. إن السودان من الاتساع والتنوع بحيث يستحيل حكمه مركزياً. لقد أدت عوامل عديدة، من أوضحها الاستعلاء العرقي لمركز السلطة، وتجاهل السلطة المركزية للهوامش، والبنية التحتية الفقيرة وأنظمة الاتصالات الضعيفة، أدت كلها إلى انقطاع الصلة بأطراف البلاد ومن ثم إلى تفتتها وتشظيها.
التعليم كعملية اغتراب لقد تم استخدام الدولة، وهي التعبير المؤسسي للهوية الشمالية، للتعجيل بعملية التعريب في دارفور وذلك عبر آليتي التنمية والتعليم بصورة رئيسية. لقد تم تهميش دارفور في التنمية والخدمات، كغيرها من المناطق الأخرى في السودان. وكما يوضح "الكتاب الأسود" فإن من بين مليون ونصف طفل في دارفور تمكن فقط 4211 طفل من الجلوس للامتحان النهائي للمرحلة الأولية، وهو عدد كما يذكر محررو الكتاب "أقل من عدد تاركي المدارس الأولية في محلية واحدة في ولاية الشمالية، ولكن المقارنة تتجاوز المنطق لأن عدد سكان محلية واحدة في دارفور يساوي عدد سكان الولاية الشمالية بأكملها." ولكن إلمشكلة لا تقتصر على ضآلة عدد المدارس في دارفور، وإنما تمتد لتشمل مضمون التعليم الذي يقدم لأطفال دارفور، ذلك إن كانوا من القلة المحظوظة التي وجدت طريقها للمدرسة. تقوم الطبقة الحاكمة الشمالية برسم السياسة التعليمية وبتصميم مضمون المناهج وفقاً لرؤيتها، ولذلك فقد اقتصر الهدف التعليمي، بصورة جوهرية، على ترسيخ جوانب الهوية الشمالية كاللغة العربية وأسلوب الحياة في الشمال وتاريخ العرب في السودان وتاريخ وجغرافيا العالمين العربي والإسلامي. لقد ظلت المناهج فقيرة فقراً مدقعاً فيما يتعلق بتاريخ منطقة النوبة القديم قبل الإسلام، بل وإن شواهد هذا التاريخ التي تلفت انتباه المارة بجانب المتحف القومي في الخرطوم، كانت تثير حفيظة أولئك العروبيين والإسلاميين المتطرفين والذين يبدأ تاريخ السودان لديهم بدخول العرب لبلاد السودان "أرض السود". لقد بذلوا كل ما في وسعهم لإخفاء ذلك التاريخ كما فعل ذلك المتطرف، عبد الله محمد أحمد، وزير الثقافة والإعلام الأسبق حينما قرر إزالة جميع رموز فترة ما قبل الإسلام من المتحف القومي واستبدال أثريات تعكس التاريخ والثقافة الإسلاميين بها. لقد تم ترسيخ هذه الرؤية للتاريخ بشكل واضح بين القطاعات غير العربية في السودان، مثل دارفور. يتجاهل المنهج بصورة تامة تقريبا كل تاريخ وثقافات وديانات ولغات وأساليب حياة الشعوب السودانية الأخرى في الجنوب والغرب والشرق. وتتصاعد هذه الفظاظة تجاه الآخر وتبلغ درجة الإهانة حين يمجد المنهج تجار الرقيق الشماليين مثل الزبير باشا رحمة والذي يقدم في صفوف التاريخ كبطل وطني. لقد صمم المنهج لإنتاج صنفين من الخريجين، ففي ضفاف الشمال النيلي ينتج المنهج شخصية مزهوة بكونها عربية وبالتالي فهي تتفوق عرقياً وثقافياً على "الآخرين" الذين يشاركونها الوطن، خاصة أولئك الذين تصنفهم كأفارقة سود. هنا ينتج هذا المنهج شخصية واعية بكونها تتربع على قمة الهرمية العرقية وأن بمقدورها ترتيب بقية الأعراق أسفلها على ذلك الأساس. أما في المناطق "الأخرى" مثل دارفور وجبال النوبة، فإن المنهج يجبر التلاميذ على قبول دونيتهم للشماليين في كل شيء اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ولغوياً وحتى في لكناتهم، وينتج شخصيات مغتربة عن نفسها وعن ثقافتها وعن شعبها، تهفو لأن تكون شمالية. ويحدثنا عبد الله التوم عن تجربته الشخصية مع هذا المنهج قائلاً: "كطفل نشأ في دارفور، فقد تم تلقيني أن أرنو ببصري إلى ما بعد سواحل البحر الأحمر باحثاً عن تاريخي كجزء من شبه الجزيرة العربية وإمبراطوريتها الإسلامية المجيدة. عندما كنت صبياً في مدرسة الفاشر الثانوية، كانت فصول المدرسة الأربعة مسماة بأسماء الخلفاء الراشدين (أبو بكر، عمر، عثمان وعلي). وحينما يختفي التاريخ العربي الإسلامي فإنما ليفسح المجال لرموز من شمال السودان ونادراً ما يتضمن ذلك شيئاً من المناطق المهمشة في البلاد. كانت الداخليات في المدرستين الوسطى والثانوية اللتين التحقت بهما تحمل أسماء شخصيات تاريخية سودانية مثل تهراقا، النجومي، أبو لكيلك ودينار، وهذا الأخير هو الدارفوري الوحيد الذي يتم تكريمه من آن لآخر في هذا التاريخ المصطنع." لا تكتفي تلك المناهج بكون الأطفال في المناطق الناطقة بغير العربية لا يجدون أنفسهم فيها، وإنما هي، في واقع الأمر، تدفعهم للشعور بالعار والنقص في أنفسهم، وفي لغاتهم، وفي ممارساتهم الثقافية. ويتحدث الدكتور شريف حرير، وهو أكاديمي من دارفور وأحد قادة حركة تحرير السودان، أيضاً عن تجربته كطفل مع النظام التعليمي قائلاً أن المنهج "حينما يعكس الحياة السودانية المحلية، فهي عادة ما تكون حياة بعيدة عن متناول الفور أو حقائق دارفور المحلية". إنه يكتفي بالثقافة الشمالية النيلية فقط باعتبارها نموذجاًً ثقافياً راقياً مقارنة بالعادات المحلية الدارفورية التي تتوارى حياله خجلاً وتبدو "بدائية ومتخلفة بصورة محرجة" لقد كان منع التلاميذ من التحدث بلغاتهم المحلية في المدارس يمارس كسياسة عامة، وكان التلاميذ الذين يضبطون وهم يستخدمون لغاتهم المحلية، أو ما يسمونها ب "الرطانة"، عرضة للعقاب. وكانت تلك السياسة تهدف إلى تشجيع التلاميذ على التخلي عن لغاتهم الأصلية كقمامة عديمة الفائدة. ويقول عبد الله التوم أنه قد نتج عن تلك السياسة أن: "السودانيين الذين ما زالت لديهم "رطانة" أصبحوا يتحرجون من إظهار ذلك. وأن استخدامها في وجود الآخرين أصبح يعد سلوكاً بدائياًً وأنه من الأفضل للمرء الإدعاء بأنه لا يرطن أصلاً. وأنها سبة كافية للمرء أنه كانت لديه رطانة ذات يوم، أما كونه مازال محتفظاً برطانته تلك فذلك أمر لا يغتفر ويؤدي، ضمن عواقب أخرى، إلى الإقصاء الفوري من النادي العربي الإسلامي وفقدان الحق في الانتماء." لقد صمم المنهج لينتج، بمعاونة الثقافة السائدة والإعلام، نوعين من البشر، مهيمنين ومهيمن عليهم. وكما يذكر الدكتور حرير، فإنه بنهاية المرحلة الثانوية يكون تلاميذ دارفور قد أوشكوا على الاغتراب التام من ثقافاتهم المحلية، وما إن يحطوا الرحال في الخرطوم للالتحاق بالتعليم الجامعي حتى تكتمل غربتهم وتنتصب دونيتهم شاهدة عليهم. ومن تلك اللحظة فصاعداً سينظر هؤلاء إلى أنفسهم بعيون العالم الشمالي "وسيقيّمون أراوحهم بمعايير تبخسها بينما يراقبهم العالم باستمتاع مشوب بالشفقة والاحتقار" إذا ما جاز لنا استخدام كلمات دوبوا. إن كلمات دوبوا تنطبق أيضاً على عملية التحاق الشماليين بالعالم العربي، والتي هي أيضاً مثال للذات المنْبَتّة. إن المفارقة المحزنة هي أن الطبقة المتعلمة من أبناء دارفور قد أعادت إنتاج قصة الشماليين مع العالم العربي ولكن على مستوى محلي، باتخاذها الطبقة الحاكمة في الشمال تعبيراً يجسد طموحاتهم ومركزاً لهويتهم. لذلك فإن قلة بسيطة من هؤلاء المتعلمين تعود إلى مجتمعاتها في نهاية تعليمهما الجامعي، بينما تقطع الغالبية العظمى صلتها بجذورها وتلهث خلف "الاندماج في الثقافة النيلية السائدة"، حتى أن أحدهم وهو الدكتور تجاني حسن الأمين، وهو أستاذ جامعي من غرب السودان تقلد مناصب عدة في النظام الحالي، روى عنه القول "منذ أن التحقت بالحضارة، لم أعد إلى الغرب". وهو يعني ب "الحضارة" الخرطوم، وب "الغرب" غرب السودان. على هذا النحو استمرت الطبقة الحاكمة الشمالية في السيطرة، بل واستطاعت استخدام أشخاص متعلمين من هذه المناطق ذاتها لتعزيز سياساتها العنصرية، وما علي الحاج وخليل إبراهيم، والذين تبوءوا مناصب عليا في هذا النظام قبل اختلافهما معه، وكلاهما من دارفور ومن قبائل الزرقة، إلا شواهد حية على ذلك، إذ أنهما حشدا مواطنيهما وأهلهما للحرب في الجنوب تحت شعار الجهاد، كما أن الأخير، والذي يتزعم حركة متمردة في دارفور الآن، كان قد شارك بنفسه مقاتلا في ذلك الجهاد.
الخلاصة هذه محاولة للتنقيب عن الجذور الأكثر عمقاً للحرب في السودان ولإثبات أن سلاما دائما لن يتسنى التوصل إليه دون معالجة تلك الجذور. إنني على قناعة بأن أسباب الحرب الأهلية في السودان تنبع من مكمن الهوية العرقية، وأن الجذور الأعمق للحرب ليست سياسية، أو اقتصادية، أو تنموية فحسب وإنما هي أيضاً سايكولوجية. لقد تحدث الكثيرون، ومن بينهم متمردو دارفور أنفسهم، عن سياسات التهميش كأحد جذور الحرب، وذلك صحيح بطبيعة الحال ولكنه ليس كافياً. لأن السؤال الذي يتبع ذلك هو ما السبب في سياسات التهميش نفسها. إن التهميش لا يحدث مصادفة ولا عشوائيا، بل هو سياسة واعية مخططة مبنية على رؤية الطبقة الحاكمة الشمالية لنفسها وتقديرها للقيمة الإنسانية للناس المهمَّشين. لقد بدا التهميش أولا على مستوى التصورات، قبل أن تتم ترجمته إلى أفعال وسياسات تجاهل واستغلال للمناطق المهمشة ومواطنيها. صحيح تماماً أن جميع مناطق السودان، ربما باستثناء الخرطوم وبعض مناطق الجزيرة، هي على درجة ما من درجات التهميش في التنمية باختلافات نسبية بينها، ولكن ليس صحيحاً القول بأن أسباب التهميش هي نفس الأسباب في كل المناطق. وكمثال فإن منطقة الشمالية، مسقط رأس الطبقة الحاكمة، مهمَّشة، ولكنها ليست مهمَّشة لنفس أسباب تهميش مناطق الجنوب والغرب والشرق. إنها مهمشة لأن معظم سكانها نزحوا إلى وسط السودان والخرطوم والجزيرة واتخذوها وطناً بديلاً، وكونوا الطبقة التجارية في البلاد كلها ومن ثم احتل أبناؤها مقاعد السلطة في الخرطوم. بمعني آخر، في حين أن منطقة الشمالية مهمَّشة فيما يتعلق بفقدان البنية الأساسية والصناعة، فإن أهل المنطقة ذاتها ليسوا مهمَّشين، تبعاً للمثل الشهير "الفي إيدو القلم ما بكتب نفسو شقي". لقد ظل الذين بقوا في "البلد"، أي قرى الشمالية، ومعظمهم من كبار السن، يدعمون بالتحويلات النقدية من أبنائهم وبناتهم في وسط السودان قبل زمان أطول بكثير من بداية هجرة السودانيين لدول الخليج. وخلاصة القول أن هناك عاملاً عرقياً يعزز من أسباب التهميش في جنوب وغرب وشرق السودان، وهذا العامل غير موجود في الأسباب التي قادت إلى التهميش في شمال السودان. وعلى ذلك فإن جذور الحرب يمكن أن توصف بأنها عنصرية، والعنصرية حالة سايكولوجية. هذه الحالة العنصرية تظهر واضحة للعيان في كلمات "حكمة" تلك السيدة الدارفورية التي قالت لهيلاري أندرسون أنها سمعت مهاجميها يقولون "السود عبيد، السود أغبياء، إقبضوا عليهم أحياء، قيدوهم، وخذوهم بعيدا معكم". إنني أيضاً على قناعة بأن القسوة التي أبدتها الطبقة الحاكمة الشمالية في قمع المكون الأسود للبلد، ليست إلا انعكاساً لرغبة الشماليين الجارفة في قتل المكون الأسود في ذواتهم. وكما ذكرنا في أعمال أخرى، فإن هناك أسطورة وهناك حقيقة في الشمال. الأسطورة هي أن الشماليين عرب، أما الحقيقة فهي أنهم مستعربون. الأسطورة هي ان الشماليين تحدَّروا من أب عربي وأم نوبية. الحقيقة هي أنهم في غالبهم الأعم نوبة خضعوا لعملية استعراب وأسلمة. فالشماليون إذن يبنون حياتهم كلها على الأسطورة، وهذا مكمن أزمة هويتهم. وبناء على الأسطورة، فإن الشماليين يتماهون مع أبيهم العربي المفترض، ويقمعون أمهم النوبية الحقيقية. وقد استدعى قمع الأم النوبية استبعاد التاريخ والحضارة النوبيين، مثلما استدعى إدارة ظهرنا لأفريقيا المعاصرة. إن سلاماً دائماً في السودان لن يتسنى مطلقا تحقيقه دون مواجهة تلك الأساطير واستبدال الحقائق بها، ودون استعادة الأب النوبي المُقْصَى عن وجداننا، والذي مارسنا علية حجراً صحياً، وألقينا به في غياهب جب عميق، في أقصى أعماق اللا وعْي، وهذا لعمري عقوق ليس بعده عقوق.. كما أنه لا يمكن تحقيقه دون احترام الأم النوبية وإعادة الاعتبار لإرثها وحضارتها وتاريخها. فما لم يتعرف الشماليون على ذواتهم الحقيقية، وما لم يقبلوها، و يعيشوا في سلام معها، فإنهم لن يتمكنوا من العيش في سلام مع الآخرين. إنني على قناعة بأن الحرب التي تشنها الطبقة الحاكمة الشمالية على المكون الأسود للبلاد، ما هي في حقيقة الأمر إلا تعبير خارجي عن الحرب التي يشننها الشماليون على المكون الأسود داخل ذواتهم. إن المقاومة التي تصدى لها المواطنون المهمَّشون ضد مركز القوة يجب اعتبارها رمزا وحافزاً على المقاومة داخل الذات الشمالية نفسها. إن الكثيرين من المثقفين الشماليين يرون في الحرب الأهلية بين المواطنين المهمَّشين والمركز، صيحة إنذار وناقوس خطر يُقرع للذات الجمعية الشمالية. هذه الحروب تجد أساسها في الهوية، ويجب التعبير عنها هكذا. إن فشل اتفاقية سلام دارفور في التقاط هذا الجذر للنزاع في دارفور يترك، ببساطة، أصل الداء دون دواء ويكتفي بعلاج الأعراض فقط لا غير. لذلك فإن اتفاقية أبوجا ستظل هشة، وستزداد الحرب استعارا. ستحاول الحكومة هزيمة معارضي أبوجا عسكرياً، بينما سيسعى هؤلاء لإثبات قوتهم العسكرية على الأرض، وخلق الواقع الجديد الذي اشترطت الحكومة وجوده قبل أن تقبل إعادة النظر في الاتفاقية. ومالم يتوحّد أهل دارفور، وما لم يوجدوا مصيراً مشتركاً، ورؤية دارفورية واحدة، وما لم تتوحّد بندقيتهم إزاء العدو المشترك الذي يهمِّشُهم جميعاً ويضرب بعضهم بالبعض الآخر، ومالم يتوحّد وفدهم المفاوض، فإن العالم سوف لن يحترمهم، أو يأخذهم مأخذ الجد. وما لم تتخّذ الأحزاب السياسية المعارضة موقفاً واضحاً لنصرة أهل دارفور، وما لم تُبَدِّل الأسرة الدولية من منهج تعاملها المتهاون والمتردِّد مع حكومة المؤتمر الوطني، ومالم تُبْدِ بعض الحزم، فإن الحروب ستستمر وستزداد استعارا، مبشرة مواطني دارفور بمزيد من سنوات العذاب.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين (Re: طلعت الطيب)
|
Quote: المسألة ما طق حنك لكن لو ما في ناس عايزه تأرخ للسودان بدخول العرب للسودان .. كان التنقيب عن تاريخنا الحقيقي حيكون أكثر جدية و كنا عرفنا حقائق أكتر عن ماذا حدث هنا بالضبط بدلا عن روايات ربيط و بريط و هلمجرا.
|
العزيز/ سيف النصر لست من هؤلاء الذين ذكرتهم.. بل تجدني أريد أن أبحث وأنقب عن تاريخنا – وأؤكد لك أني لست من الداعين لتدوين التاريخ بدخول العرب السودان.. فقط يتطلب الأمر حواراً جاداً دون القفز على الواقع السوداني بكل تشكيلاته وأطيافه التي تصاهرت منذ زمان بصورة طبيعية، حتى تكاد تجد غالبية السودان الشمالي متشابهاً في كثير من خصائصه المشتركة بين أقوامه، وإن اختلفوا... أما الدعاوى الممجوجة التي تهمها بعض الظواهر دون غيرها، فهو ما يجب أن يُبعد حين نعمل أدوات البحث والتقصي الموضوعية. ولك ودي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين (Re: khalid kamtoor)
|
Dear Khalid I have written the following in another post by Elmalik
Dear Ibrahim Happy New Year, and independence day You wrote Quote الاخ المعز كل عام وانت بخير: عدم اشارة العفيف الى فرانز فانون اشار اليها المتداخلون هنا ومن سبقونا في بوست اخر قبل عامين، وهي مسالة تدعو فعلا الى الاستغراب. وانا قلت ان الباقر اعترف لي بتأثره بمداخل فانون وهيكله الذي مشى عليه في ورقته. وامسك هنا حتى لا اكرر. Having read Dr. Bagir al- Afif's original English paper, I think itis a Scolarly paper. Like other scholarly papers presented to academic institutions in the U.S, Alafif's paper should indicate all the refernces that he used in his Scolarly research including Frantz Fanon and/or Henry Gates
عدل بواسطة Elmoiz Abunura on 04-01-2008, 01:34 ص)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تعقيب الأستاذ الدكتور الشيخ عمر الأمين (Re: Elmoiz Abunura)
|
مفاكرة الجمعة مؤتمر الهويّة والحرب الأهلية: لا علمية الأطروحات وعنصريتها
الشيخ عمر الأمين [B][email protected]
4: أهنالك شيء من خيانة ثقافيّة عظمى؟ 4/1: صلة ما مضى: ومواصلة لما أثرناه في الأسبوع الماضي إن فرضية انتحال الهويّة عند من يسميهم د. الباقر العفيف مستعربي شمال للسودان تأتي في ورقتيه المبتسرة بعنوان (من نحن؟ هل من تفسير سايكولوجي للحرب الأهلية؟) والموسعة بعنوان (أزمة الهوية في شمال السودان/ متاهة قوم سود.. ذوو ثقافة بيضاء) كسبب مباشر وأولي وأساسي يؤدي مباشرة الى تحميل الشماليين وزر الحرب الأهلية نتيجة عصاب نفسى ناتج عن عملية الإنتحال هذه.
4/2/1: استنتاجات: ولا بد والحال هذه أن يُستنتج أن الدولة كجهاز تم استحداثه العام 1898م وتم تصميمه على نموذج منظومة الصراع السياسى الأوروبى بريئ من وزر تأجيج نيران الحرب بحسب ما يقوله بأن الشماليين (المستعربين) امتلكوا سلطتها!!!!! ولا يأبه كذلك د. العفيف بالمسببات الإستعمارية درجة البراءة بدعوى توفر وقت كاف بعد الإستقلال كان من المفروض أن يتجه فيه المستعربون (المختانون ثقافياً المنكرون لأصولهم) الى ايجاد حلول تتجاوز أزمات سببها الإستعمار!!!!! و يبدو هنا استنتاج آخر سياسى هام فى هذه الأطروحة العجيبة ، أن الجنوبيين خارج نطاق المساءلة، فهم أبرياء من تحمل تبعات هذه الحرب!!!! إذ أنهم لا يعانون من عصاب أو اعتلال نفسى بحسب أنهم أصحاء الهويّة لم يصبهم مرض الإنتحال لهوية غيرية أو يتطلعون لمركز هويّة لا يعترف بهويتهم.
لكن، لا تمر مزاجية هذه القولبة للحقائق التاريخية و ما يتخفى تحتها من آيديولوجيا من هنا مرور الكرام دون تفتيشها، و بالتالى ضبطها متلبسة بجرائمها فى حق الثقافى. فلا بد من التحقيق و يبدأ غالباً محققو محاكم جنايات الثقافة بالبحث فى أركان الجريمة ، و أول طريق ينبغى أن يتخذ لهذا التقصّى هو كما فى غيرها من الجنائيات ، البحث عن الدوافع. فهل يشكل الدافع السياسى الآيديولوجى فى هذه الورقة خلفية صالحة تحملنا الى تفهم ما حدا بدكتور العفيف الى التعدى حتى على أمومة ثقافية رءوم، فأتى بدراسة أشبه ما تكون بطعنة من الخلف لصالح متهمين بعدائها؟ و إلا فكيف يفهم ما قام به من تعريض بأهله وبمجتمعه فيدمغهم بجريمة الإنتحال الهويوى الثقافى فى مؤتمر بالولايات المتحدة، بدلاً من سلوك الطريق الوحيد الذى بإمكانه أن يخرجه عن مثل هذه الشبهات وهو أن يطرح هذا الأمر وسط أهله بغرض تنويرهم بمكتشفاته العلمية التى توجب على أهله التوبة والإستغفارعن ذنوبهم الإنتحالية التى ارتكبوها؟ الأمر الذى قد يقودعدم حدوثه الى ورود ظنون تابعة لتهمة إخفاء هذا العقوق الثقافى الكبير؟
4/2/2: ظنون: أنا شخصياً تتناوشنى الظنون أن المسألة ليست بهذه البساطة، إذ تبدو عندى أكثر تعقيداً خاصة إذا ما ركزنا النظر على ما يتحاوم حول فرضية الأطروحة الأساسية من ظلال سياسية آيديولوجية تثير قدراً معتبراً من الريب و الشكوك، إذ ترد شبهة أكبر أن الأمر ربما يُرى أنه يحتوى على شيئ من التعمية والتضليل لما لا يريدنا د. العفيف أن نطالعه أو نتعرف عليه. لكنى أميل دائماً الى مخالفة هذه الظنون محاولاً أن أقنع نفسى أن ذلك قد يكون سببه إهمال د. العفيف بذل ما عليه من جهد تجاه أهله. أو أميل الى احتمال أن يكون إبننا مضطراً لفعل ذلك لأسباب شتى لا تتصل بالخيانة الثقافية حيث يتوجب علينا أن نعذره. لكن مع مراعاة كل ذلك فالواجب يحتم علينا أن نتوصل الى قول فصل حول أطروحاته، فنتوغل فيها لتبيين خطل استناده الى مقولات علم النفس و علم الإجتماع الأوربى لدراسة حالة المجتمع فى السودان ؟ أنظر إليه يستند الى تعريف التماهي (باعتباره الميل للتقليد،و/ أو عملية تقليد سلوك شئ ما. وربما يدل كذلك على عملية التمازج العاطفي (أو استناده الى سيجموند فرويدفى تقريره (التماهي هو التعبير المبكر عن الرابطة العاطفية مع شخص أخر.و يتماهي الفرد مع شخص أخر (كمثال للذات) بوصفه شخصاً يريد أن يكونه، أكثر مما يريد أن يمتلكه . وهو يذكر في نفس الوقت الأصل الطفو لي لعملية التماهي، ويفترض أن هذا الأصل الطفولي هو الذي يفسر بقاءها على مستوى اللاوعي) أو استطراده فى رأى يعارض فيه ن. سانفورد مقولات فرويد ويقول (إن التماهي، علي عكس ما يقول فرويد ، هو عملية واعية ، وأن المحاكاة هي اللا واعية) أو قوله: ( ويعرف ج. ب سيوارد، التماهي بأنه استعداد عام لمحاكاة سلوك أحد النماذج ويتحدث فرويد عن ثلاثة مستويات للتماهي. وتقول فرضيته أن التماهي يتخذ أولاً شكل الارتباط العاطفي بشيء ما. ثم يصبح بديلاً عن الرابطة الجنسية، وكأنما يتخذ شكل امتصاص أو تشرب أو تمثل الشيء في الذات. ثم يؤدي في النهاية إلى بروز إحساس جديد بخاصية مشتركة مع شخص آخر).
ألا تحسون معى كما أحس بمنظومة العبودية الأوروبية و ترتيبها البشرالى سادة نبلاء و برجوازية وعبيد أقنان تحيط أمثولاتها بهذا العرض (السوسيوسايكولوجى)؟ ألا تلاحظون أن البحث هنا تعتوره اشكاليات (متلتلة) تتصل بحالات التماهى الأوروبى غض النظر عن النموذج المتماهى عليه. ألا ترون بروز تعقيد محركه الأساسى ضعف نظر أوروبى كبير وأساسى للتفريق بين التماهى الجماعى كركيزة أساسية فى الثقافة المجتمعية نسبة لعطالة أوروبية عنه و بين تماهى الفرد ضمن خياراتة للإنعتاق والتحرر من نير سلك ابتدأ بالعبودية الجسدية الكاملة الى عبودية مخففة اقتصادية تكررت بعدها بأشكال متنوعة كما هو اغتراب العمل المأجور عند كارل ماركس ومدى تكافؤ قيمة العبودية فيه مع شكلها القديم قبل التحول بما يمكننا تسميته بعبودية إقتصادية.
4/2/3: اختلافات نوعية بين هويتين: حسناً لنركز على مناقشة اشكاليات أكثر جذرية فى نموذجين للتماهى ، المتماهى جماعياً والمتماهى على نطاق الفرد، ولذلك فلا بد من إنزال كافة متعلقات المصطلحية، لأنه عند مضاهاة التماهى وفق النموذج الأوروبى مع تماهى ننظر الى نموذجه فى شمال السودان تصير أمثلة التطلع الزنجى الأمريكى للأبيض فكاهية ومضحكة، لكنها ليست فى مستوى الجدية لأخذها كعينة بحثية مقارنة لاختلافات نوعية بين منظومة الاستعباد هنا وهناك. فلو بحثت ودققت فى تطلع الزنجى الأمريكى فليس هنالك ما يتطلع إليه و يتطلبه أكثر من أن ينظر إليه كبشر له من الحقوق ما لكافة البشرية و عليه ما عليها، فهو يطلب الكفاءة البشرية و يطمح أن يتراص الناس فى موطنه على قدم المساواة. لكن لا تجد قى نقصان الحرية نتيجة الإسترقاق فى السودان نفس النقص من قدر المسترق الإنسانى. فالأحرار و الأرقاء فى السودان خاصة وفى ديار الإسلام عامة يجمعهم مسجد واحد للصلاة و يقفون فى تراص مناكبى مستقيم سواسية كبشر أما الحق ــ جل وعلا ــ، و إذا يمما شطر البلد الحرام حجاً مما هو مكفول لكليهما، فتسرى على كليهما حالة توحد بشرى لا فرق فيها بين مملوك ومالك. و لذلك بالتحديد، فتطلع السودانيين الى الحجاز لا يوجد فيه رغبة للإلتحلق بلون بشرة ــ ربما إلا فى مخيلة د. العفيف ــ لكن فيه تطلع ورغبة للتماهى ــ إن صح قول مصطلح د. العفيف هنا ــ مع مثل عليا و ليس مركزية كما يظن ، انظرالى حاج الماحى و مبتغاه فى الإرتحال الى نموذج و مثل الهوية الأعلى فى قوله: جيناك يا كاب الهمل لا دنيا لا دين لا عمل
والفارق بين التماهى للأعلى كما هو نموذج الأمثولة العليا الحجازية ــ أصلى عليه الى أن أموت ، صلاة لا تنهد ولا تنقض ولا تنهد ــ هو الفرق بين مكارم أخلاق بعث لتكملتها هذا النموذج فيه تخفيف للعبودية فى أصولها الأثينية الرومانية القديمة وفق تدرج و ترقى مع منظومة تهفو لنموذج علوى كما هو عندنا فى السودان الشمالى. مع نموذج يقال له: ممنوع دخول الزنوج والكلاب فيقول : أرحمونى فأنا بشر مثلكم.
و أظن أنه قد آن علينا الأوان وقد أكثرنا من الهدم، أن نتجه الى شيئ من البناء، فماذا عن الهوية والتماهى على خلاف ما يقرره د. العفيف فى استناده الى منظومة علوم النفس والإجتماع الأوروبى؟ و بدءً على أن أقول إنى لا أرى فى ذلك مدخلاً جديداً بقدر ما فيه من تجافٍ للمدخل الخطأ وتخير للمدخل الصحيح الذى بامكانه أن يهيئ للمزيد من التركيز ربما للقيام بعملية بناء مصطلحى جديدة لا تعتورها تعقيدات العطالة الثقافية الأوروبية الشهيرة. 4/3 : مراجعة للمصطلح: 4/3/1: أوروبا: وهى فى هذه الدراسة مصطلح تاريخى وليس جغرافيا واقعاً تحت سيطرة نخبة سياسية متمردة ثقافياً منذ دخولها تاريخ حضارة التدوين، تستحوذ على مبادرة أوروبا كجغرافيا ومجتمع، وتمثل أمريكا مهرب هذه النخبة الكبير من لحظة صدام كانت لا محالة واقعة بين مسلوبى المبادرة و هذه النخبة.) إقرأ وراجع فى هذا الصدد دراستين نشرتا فى هذه المفاكرة مثبتتان على موقعها من الشبكة الإلكترونية تحت عنوانى (نهاية الثقافة و انسانها الخاتم) الأولى و(الإختراق الحداثى الديمقراطى أهو وجه لمؤامرة تاريخية كبرى؟) الثانية.
3/3/2: الهوية: إضافة الى ما سبق أن ذكرته فى مفاكرتنا الماضية حول أصلها اللغوى العربى والإنجليزى والفارق بينمها فإنه يتوجب علينا إضافة الآتى : الهوية لاحقة وجوباً للمجتمع ولا تختص بالفرد إلا من خلال إلتحاقه كفرد بالمجتمع. و كذلك يتعذرتأصيلها بنسبتها الى شكل تجميعى آخر كالأسرة أو العشيرة أو القبيلة الخ الخ بحسب أن كل هذه التشكيلات بعد مجتمعية وليس قبل مجتمعية لم تتخذ صفتها تلك إلا بعد تكوين المجتمع وترتيب شئونه.
4/3/3: الثقافة وهى سابقة للهوية بحسب تعريف الثقافة أنها (كلما يتصل بعادات وتقاليد و أعراف و معتقدات و إثنيات مجموعة بشرية ما) حيث يصبح الثقافى مكون أبسط و أولى للمجتمع لا يمكن إطلاق صفة اجتماع من دونها، فهى مادة المجتمع اللاصقة لأفراده تنحل و تتفكك روابطهم دونها.
4/3/4: المدنية: وهي تابعة ولاحقة تبعية أبوة وبنوة لمتلازمة المجتمع والثقافة أنجبت بزواج شرعى مع الفاعلية البشرية أبنتها التى صارت ربتها، الحضارة. فالمدنية هى بداهة ، مما لا يود رؤيته المفكرون الأوروبيون، خيارفقط يمكن أو لا يمكن أن يختاره المجتمع، و يقابل خيار البداوة البريئ كل البراءة من استصحاب خيار (البربرية) أو الهمجية. وهو خيار مكفول لأى ممن يود المكوث خارج منظومة التمدين. و للبداوة شروطها الثقافية الواضحة، أحسن من ينطق بلسانها هو الشاعر الهمباتى الكبير الطيب ود ضحوية وهو، كما يقال، يغادر حاضرة البطانة مدينة رفاعة وهو يردد: البلد الأبوك عمدو وجفوك نظارو زى المتلى قاعد فيها شن افكارو أخير الخترة فوق جملاً تكب فقارو مو خالقنا زول ومولانا واسعة ديارو
واستناد منظومة التمدين فى مخالفتها لشروط الهوية والتماهى (البدوى) من جذورها هو استناد مكفول أيضاً ، فهى على كيفها فى ذلك، لذلك فإنه مما لا يمكن جره الى الوراء كى يتم إلغاء التاريخ من أجل سواد عيونها ثم إعادة تكوين المجتمع على تشرطاتها التمدينية لكى يصير قانوناً ملزماً لأن ذلك غير ممكن لأنه ينقص خيار أن يكون أى تجمع بشرى بدوياً كما هم الغجر، لذلك تظل الثقافة هى العنصر الأساسى اللازم والأولى لاحتياج الشكلين المجتمعين الخيارين. نقول ذلك رغم أنف الإسكندر الأكبر الذى أسس مدينة الإسكندرية على أرفع موصوفات التمدين والحضارة.
مع ذلك فليس هنالك عسف وفصل بائن إذا ما تام تأمين تعديات أنشوطات التمرد الحضارى الأوروبى على الثقافة. فالمعرفة البشرية هى المحك، وتثبت كل حين أ ِن أن الهوية مستخرجة من أشكال الوجود المجتمعى الأولى الثقافى، بينما يقوم التمدين و الحضارة على فاعلية هؤلاء المجتمعون دون أن يتعدى أو يتركب هذا على ذاك. فالشايقى و الدنقلاوى والدينكاوى الخ هؤلاء نتعرف عليهم من خلال مميزاتهم المجتمعية الأولية ألا وهى ثقافتهم . أما المتمدينون المتحضرون حتى ولو كاوا من هؤلاء ، فإننا نتعرف عليهم من خلال وظائفهم أو طبقاتهم فى حاضرتاهم. لذلك فلا يمكن إلا من خلال عبط معرفى أن نركب حرفة الهندسة أو الطب أو الطبقة على الجعليين أو المحس أو الهدندوة، لأن (كل كمبو بى دربو).
4/3/5: التماهى: و أتكل على الله و أحاول أن أعرفه لأول مرة فى حياتى. ويتوجب على أن أدخل بحذر نتيجة لتاريخية التخليط بين المنظومتين. فالطبقة هى ترتيب مدينى حضارى، لذلك فمسرحية الكاتب المسرحى الأوروبى موليير (البرجوازى النبيل) تحمل عبط محاولات واقتراحات بلا طائل لعبور حدود لا يمكن عبورها فى المجتمع الأوروبى ، وذلك بسبب تأسيس حقوقى ملوكى للطبقات شديد الإستقرار مرفود بقانون وسلطة، لكن و برغم ذلك تظل ملحقات مدينية حضارية. لذلك فالتماهى إن كان انتقالاً طبقياً فذلك خلط للعجين كقولك (المهندسين الشوايقة ما نافعين لذلك فينبغى اختيار المهندسين من الجعليين والدناقلة فقط). بناء عليه يصير التماهى هو التعرض لثقافة ما وبصورة سلمية وامتثال مثلها من أجل الإلتحاق بها. و ذلك إخوتى لا تجدون له أمثولة فى التاريخ زاسعة النطاق ومنتشرة إلا فى الهجرة المعتقدية الثقافيةفى التاريخ وفى الحاضر فى ما حدث فى ديارالإسلام بالتحديد.
4/3/6: المركزية: وهى على خلاف الهوية لا تلتحق بالثقافى فليست هنالك مركزية ثقافية. إذ أن الثقافة تنتشر انتشار الرزاز فى الجو فى وقت المطر، لذلك فالأندويسى المسلم كامل الأهلية كنموذج إسلامى مكرم ليس هنالك من سبب لإلحاقه بالنسب العربى. كذلك الإيرانى والتركى.
بناء عليه فالتمركز صيغة تختص بالحضارة ارتبطت بالسلطة بالقانون وبالمؤسسة. و لسبب العطالة الأوروبية عن الثقافى، فقد التبس عندها المصطلح كما يلتبس عندنا فصل الربيع مع فصل الخريف.
4/3/7:العروبة: أولاً هى لسان ثم مكارم أخلاق امتصها وابتلعها الإسلام، فقد تعمت تسويتها وتعديلها ــ أى تثقيفها ــ كهوية جديدة تستوى فى الفضل مع العجمية وهى المقابل المكافئ للعربية. لذلك فقد نشأ لضرورة تاريخية الدين الإسلامى و العروبة كتلازمين تناريخيين يصثعب الفصل بينهما بوصف العروبة مكارم اخلاقها تمت تصفيتها وتنقيحها و تعديلها إسلامياً.
مع ذلك فالعروية ليست كاليهودية دائرة مقفولة، ومن آصل أصولها الإستعراب، لذلك تصنف تاريخياً الى عرب عاربة و عرب مستعربة. لذلك بالتحديد فلا يحتاج السودانيون الى أى إجازة من أى جهة كانت لعروبتهم، ولا يعتدون بقول بعض جهلة العرب ممن يعتمد د. العفيف على تخريجاتهم. إقرأ وراجع رسالة الجاحظ وعنوانها (فضل السودان على البيضان) لتتعرف على أصل لون بنى قريش الأسمر الأخضر. وعلى أصل لون بنى طالب الأخضر الأسمر. وانتظر مفاكرة قادمة ان شاء الله لنتحدث عن مسألة الألون هذه وعلاقتها بالجغرافيا والبايولوجيا والهوية، ثم انتظر مفاكرة قادمة انشاء الله حول مفترايات الرق فى السودان رداً على كثير من التحريف التاريخى و الإفتئات، وذلك فى معرض ما تبقى لى من ورقتين ضد عنصرية مؤتمر مركز الخاتم عدلان حول الهوية ، والله من وراء القصد وعليه التوكل إنه نعم المولى ونعم النصير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فرانز فانون (Re: khalid kamtoor)
|
فرانز فانون الطبيب النفساني والفيلسوف الاجتماعي الفرنسي الشهير، وُلد في العشرين من يوليو عام 1925م في جزر المارتينيك الكاريبية، حاملاً بشرته السوداء التي لعبت دوراً كبيراً في كتاباته اللاحقة. وفيما بعد ذهب للجزائر عاملاً ضمن صفوف القوات الفرنسية، حيث بدأ يستشعر ذلك الاستعلاء الذي يمارسه الجنود الفرنسيون على غيرهم من الجنود السود، إضافة لحجم العدوانية والعنف الهائل الذي يمارسونه ضد سكان البلاد الأصليين. ولقد توفي فانون عن عمر قصير بعد صراع مع لوكيميا الدم عام 1961م.
منحت تجربة الانتقال للجزائر فانون درجة كبيرة من الوعي بالممارسات الدموية التي مارسها المستعمر. ويمكن القول بأن أهم ميزة لكتابات فانون تنبع من كونها قد جاءت شاملة للممارسات الناجمة عن انخراطه في الجيش الفرنسي من ناحية، وفي صفوف جبهة التحرير الجزائرية فيما بعد من ناحية أخرى. فلم تكن كتابات فانون وليدة تنظير مجرد مجافٍ للواقع ولطبيعة العلاقة بين المستعمِرين والمستعمَرين، لكنها جاءت نتاجاً لوضعية فانون السوداء، وخبراته في الجيش الفرنسي، وكطبيب نفسي وعضو فاعل في حركة التحرير الجزائرية. إضافة لتنقلاته في شمال أفريقيا، وفي الكثير من الدول الأفريقية الأخرى، مشاهداً ومتابعاً لنشأة وتطور حركات التحرر المختلفة في كافة أرجاء القارة.
جاءت كتابات فانون ممثلة لمرحلة التحرير التي شملت العديد من المستعمرات في آسيا وأفريقيا. فبعد الحرب العالمية الثانية استطاعت العديد من المستعمرات السابقة الحصول على استقلالها بحيث أضحى خطاب التحرير وفك الاشتباك مع المستعمرين السابقين مسألة رائجة في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية. ولم تكن المسألة ترتبط فقط بتوصيف الاستعمار وتفسيره، لكنها تعدت ذلك إلى العمل على التخلص منه وسبل مواجهته. وفي هذا السياق، يمكن وضع كتابات فانون ودوره التاريخي كمثقف ينتمي بالأساس إلى دول العالم الثالث، جاءت كتاباته تعبيراً عن مرحلة مابعد الاستقلال والكيفية التي تمت بها مواجهة المستعمرين السابقين.
ويمكن القول بأن أهم كتابين ظهرا لفانون هما (بشرة سوداء وأقنعة بيضاء) و (معذبوا الأرض)، حيث صدر الأول في عام 1952م، بينما صدر الثاني في عام 1961م قبيل وفاته بأيام قليلة. في الكتاب الأول يتناول فانون مسألة على درجة كبيرة من الأهمية تتمثل في تحليله العميق للظاهرة الاستعمارية من الداخل بوصفه محللاً نفسياً. لقد مكنه التفسير النفسي للظاهرة الاستعمارية من التوقف عند التأثيرات التي يحدثها الخضوع للمستعمِر على نفسية المستعمَرين بفتح الميم. والدور الهائل الذي يقوم به المستعمِر في مسخ المستعمَرين وتيسير خضوعهم له. فالمستعمِر يفرض قواه العقلية والفكرية على المستعمَرين الخاضعين له، بما يجعلهم يؤمنون في النهاية بأهمية هذا المستعمِر وحتمية خضوعهم له. وهىعملية ليست وليدة لحظة الاحتلال، لكنها عملية طويلة ومتواصلة من أجل تأمين خضوع الشعوب المستعمَرة للغزاة المتوحشين أصحاب البشرة البيضاء والأقفية الحمراء. والتحليل النفسي هنا يتم في ضوء ربط المعاناة الفردية للخاضعين في ضوء السياق الاجتماعي الأشمل الذي يشملهم من خلال هيمنة المستعمِرين الغاصبين. فالمسألة لا تتعلق بدراسة حالات فردية منفصلة بقدر ما تتعلق بإيجاد رابط اجتماعي سياقي عام يربط هذه الحالات، وهو هنا مستوى العنف والوحشية الممارسة ضد هؤلاء المواطنين المحتلين.
وهنا يأتي الكتاب الثاني الذي يكمل التحليلات التي انطلق منها فانون في كتابه الأول، حيث يتعمق فانون أكثر في دراسة الظاهرة الاستعمارية من خلال توقفه عند ظاهرة محددة وهامة ألا وهى ممارسة العنف ضد المستعمِرين، بشكلٍ منظم وممنهج ويومي. وفي هذا السياق، يركز فانون على جملة الممارسات الدموية العنيفة التي مارسها الاستعمار الفرنسي ضد الجزائريين طوال فترة الاحتلال. فمن خلال العديد من الحالات التي قابلها فانون استطاع أن يبين حجم التأثيرات السلبية الهائلة التي أحدثتها ممارسات العنف الاستعمارية على البنية النفسية للجزائريين المقموعين الذين تعرضوا لعمليات طويلة ومتواصلة من التعذيب المنظم.
وتنبع أهمية هذا الكتاب (معذبوا الأرض) من أنه لا يكتفي فقط بتشريح بنية العنف الاستعمارية، لكنه يشرح أيضاً وبالتفصيل ذاته الكيفية التي يجب بها مقاومة هذا العنف الاستعماري. يبين فانون أن المسئول عن ثقافة العنف هو المستعمِر، فهو الذي يخلق مناخاً عاماً من الممارسات العنيفة الوحشية، ويجد التبريرات المختلفة اليومية للقتل والتدمير. من هنا، فإن المستعمَرين لا يجب أن يلاموا على العنف الذي يمارسونه ضد المستعمِرين بكسر الميم؛ فما اكتسبوه من ممارسات عنيفة قد تولد كرد فعل لما يواجهونه على أيدي الجلادين المستعمِرين لهم. ويؤكد فانون في معرض تحليله للممارسات العنيفة والدموية الاستعمارية على أهمية دور الثقافة الوطنية في مواجهة الثقافة الاستعمارية، لذلك مزج فانون في تفسيراته بين التحليل النفسي والأنثروبولوجيا والاجتماع والسياسة، كما منح اللغة دوراً هاماً وكبيراً في تحليلاته للممارسات الاستعمارية العنيفة، بوصفها الأداة الهامة والأكثر تأثيراً في مقاومة ثقافة الهيمنة الاستعمارية التي يفرضها المحتلون على الخاضعين لهم.
يمنح فانون الثقافة أهمية كبيرة، من أجل خلق الاجماع الوطني الداخلي في مواجهة الاستعمار، ومحاولاته المتواصلة من أجل بث الشقاق والتشظي الداخلي. لا ينبع اهتمام فانون بالثقافة من فراغ بقدر ما ينبع من كونها نقطة الانطلاق لتحليل ممارسات المثقفين. فبينما يرى فانون أن البشر العاديين يمارسون حياتهم اليومية، بعاديتها وروتينيتها، بدون أن ينجذبوا إلى ثقافة المستعمِر ويتعاملون معها، فإن المثقفين هم الأكثر عرضة وتأثراً بالمستعمِرين من جانب والمتعاملين معهم والمبررين لسلوكياتهم الاجرامية والعنيفة من جانب آخر. فالمستعمِر حينما يعمد إلى ضرب الثقافة الوطنية يعمد أولاً إلى خلق الشقاق والتمزق والتفتت بين المثقفين، ومن خلال هذا التفتت يمكنه أن يخترق عناصر الثقافة الوطنية، بما يخلق له الشرعية لممارسة العنف، ومواصلته ضد المواطنين المحليين. وهو هنا، أى المستعمِر، حينما يخترق الثقافة الوطنية، فإنه يخترقها من خلال هؤلاء المثقفين المحليين الذين يقبلون خطاباته ويستدمجونها ويروجون لها، فتصبح ممارساته الدموية شرعية، ووحشيته المفرطة مبررة.
لا يقف فانون سلبياً أم ظاهرة العنف الاستعماري ضد المواطنين المحتلين، لكنه يتعدى ذلك إلى طرح أطر وممارسات للمواجهة، تتمثل في ضرورة ممارسة العنف ضد المستعمِر وضد ممارساته الوحشية. ففي اللحظة التي يمارس فيها المحتلون العنف ضد محتليهم، فإنهم يحققون أنفسهم من خلال مواجهتهم للعنف الاستعماري، كما أنهم يحققون ذلك التطهير النفسي الذي ينهي حالة الخوف والدونية أمام المستعمِرين. لا يقدم فانون حلولاً سلمية قائمة على خطابات التسامح والتعايش والسلام على الطريقة الغاندية، قدر ما يقدم من خلال تحليلاته النفسية العميقة تلك الدعوات القائمة على ضرورة مواجهة العنف بالعنف لتحقيق المعادلة الإنسانية في حياة المظلومين المقهورين، وتحقيق ذلك القدر من الثقة بالذات والإيمان بها.
إن الهدف هنا يتمثل في العمل على خلق الإنسان الجديد والوعى الأسود في مرحلة ما بعد التحرير من أجل خلق أفريقيا جديدة موحدة ومتماسكة وخالية من النفوذ الاستعماري الوحشي على مقدرات القارة السوداء. وهو الهدف الذي تحقق في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لفترة محدودة من الزمن، فيما ظهر من خلال المشاريع الثورية في القارة السوداء التي ارتبطت بأسماء لومومبا وناصر وغيرهما من الأسماء اللامعة في عالم التغييرات الثورية. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى حجم التأثيرات الهائلة التي مارستها كتابات فانون على العديد من المفكرين الكبار فيما بعد، أمثال على شريعتي في إيران وستيف بيكو في جنوب أفريقيا، وارنستو جيفارا في كوبا، وإن كان كل منهم قد فهم كتابات فانون، وتعامل معها على طريقته الخاصة في العمل الثوري.
| |
|
|
|
|
|
|
|