|
25 عاما من رفقة الشهيد/ الذبيح محمد طه محمد أحمد
|
أحبتي الكرام جميعا :
ثلاث رسائل تسلمتها من شقيق الزميل الراحل محمد طه محمد أحمد .. وهي - في ما يبدو -
من صديق لصيق بالرجل لمدة ربع من قرن من الزمان .. وهي دون شك تعكس أهم ملامح شخصية الراحل
المغدور به والتي تبلورت الى صحفي شغل الكثير من الاوساط وعلى أكثر من صعيد !!! ولم تكن حياته
بأقل( صخبا وضجيجا)من طريقة رحيله عن هذه الفانية.. فقد شغل الناس حيا وميتا .. وهذه ظاهرة قل
ان يتمتع بها انسان عادي دون شك ..
وما يجعلني احترم هذا الراحل كثيرا - رغم اختلافي الجوهري العميق معه فكرا وفلسفة ورؤية - ليس
هو زمالة المهنة فحسب ولكن منافحته واستماتته ( مهنيا ) من أجل ما كان يؤمن به ويعتقده ..
وبذلك كان - برأيي - أشرف بكثير من أولئك الذين كان لهم في كل محفل ( رقصة !!!!) وما أكثر
هؤلاء من صحفيي بلادي وكتابها الميامين !!!..
والان اليكم نص الرسالة الأولى .. مع تجديد خالص عزائي لكل فرد في أسرته المكلومة ..
خضرعطاالمنان
Quote: From : Mutwakil Taha Sent : Wednesday, November 29, 2006 7:10 PM To : [email protected] Subject : محمد طه
في عام 1979م كنت قد أنهيت المرحلة الثانوية التي بداتها في مدرسة القطينة الثانوية وأكملتها بمدرسة كوشتي ( القوز)... قبل تلك السنة بعام كان لنا اتصال شبه مستمر بجامعة الخرطوم التي كنا نحضر لها أيام مواسم انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وكذلك لحضور المواسم الثقافية .. كما كنا نحضر لإحضار بعض المحاضرين من قيادات الإتجاه الإسلامي ليقموا لنا المحاضرات الإسلامية بمدرسة القطينة الثانوية أو ليشاركونا الرحلات الاستقطابية التي نقيمها لطلاب الثانوية في تلك الفترة التي أعقبت المصالحة الوطنية مباشرة... الكثيرون من قادة الإتجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم كانوا يؤمون مدرستنا... الزبير أحمد الحسن – ابن عمر محمد أحمد – ادريس ابراهيم طه – حسن مكي محمد أحمد – عبد العزيز حبيب الله – سيد الزبير عبد العزيز – الشهيد الغالي عبد الحكم – الشهيد ادريس الخير – عبد الله الصديق دروس – محمد عثمان محجوب وآخرون – كانت الجامعة في تلك الفترة تعيش عصرها الذهبي إذ تلاقح البعد المعرفي الفقهي الذي مثلته قيادات الإتجاه الإسلامي بالجامعة التي أفرج عنها من معتقلات كوبر ودبك وغيرها من العتقلات المايوية مع البعد السياسي الذي مثله القادمون من اللجؤ السياسي خاراج السودان فكان ذلك يمثل عصراً ذهبياً للإتجاه الإسلامي بالجامعة .. مثل جيل المعتقلات من الفقهاء والحفظة محمد عثمان محجوب – إمام مسجد البركس/ الأمين عثمان علي – عبد الرحيم المهدي الجيلي – أمين حسن عمر – سليمان صديق على – محمد علي السفوري ( محمد الراجل) – محمد طه محمد أحمد – عبيد ختم بدوي – أمين بناني نيو وآخرون , كما مثل مدرسة السياسة ابن عمر محمد أحمد – داود بولا – التجاني عبد القادر حامد – محمد عبد الرحمن مختار عجول – محمد محي الدين الجميعابي – المعتصم عبد الرحيم الحسن – عبد المحمود نورالدايم الكرنكي – وآخرون. كان الشهيد محمد طه واحداً من هذه الكوكبة التي مثلت العصر الذهبي للحركة الإسلامية بجامعة الخرطوم في الفترة 1978-1985 م ( أى فترة ما بعد المصالحة الوطنية مع نظام نميري ( 7 يوليو 1977 – 10 فبراير 1985).. حتى العام 1980 لم أنتظم طالباً بجامعة الخرطوم لكننا لم ننقطع عنها في كل مواسمها الثقافية والسياسية.. لقد لفت نظري أثناء تلك الزيارة للنشاط الطلابي صحيفة ( أشواك) الحائطية بمقهى نشاط طلاب جامعة الخرطوم والتي كان يصدرها الشهيد محمد طه .. كانت على عكس (آخـــر لحظــة) الناطقة باسم الإتجاه الإسلامي و( مســــاء الخيــــر) الناطقة باسم الجبهة الديمقراطية ( الشيوعيين), كانت (أشواك) تجمع بين الخط السياسي الساخر أحياناً والساخط على النظام المايوي بصورة شبه مستمرة . ليس هذا فحسب بل كانت (أشواك) لا تتردد في نقد الإتجاه الإسلامي وبعض نشاطاته.. فذات مرة صدرت ( مجلة الجامعة) التي كان يتولي رئاسة تحريرها طالب القانون أبوبكر يس الشنقيطي ( إتجاه إسلامي) وكان غلافها باهتاً .. فكان تعليق أشواك على مجلة الجامعة هو ( لو وجدتُ مجلة الجامعة ملقاة على الطريق لما كلفت نفسي عناء رفعها من الأرض)!!! هذه التعليق لم يعجب محمد عثمان محجوب الذي همم عن تفلت بعض الأخوان المسلمين.. ومعروف عن الشيخ المرحوم محمد عثمان محجوب إلتزامه الصارم وشخصيته الكارزمية وجرأته المعهوده.. لم يتوقف محمد طه عند نقد بعض ممارسات الإتحاد و الإتجاه الإسلامي التي كان يراها خاطئة بل تعدى ذلك للإتحاد الإشتراكي الحزب الذي كانت الحركة الإسلامية ممثلة فيه بأرفع قياداتها مثل الشيخ حسن الترابي ويس عمر وأحمد عبد الرحمن وغيرهم. فعندما قام الرئيس نميري بإعفاء السيد/ أبو القاسم محمد ابراهيم من منصب الأمين العام للإتحاد الإشتراكي , كتبت أشواك عن أبي القاسم ( الصـــــنم الذي هـــــوى )!!. كانت تلك الكتابات ضد الإتحاد الإشتراكي أثناء بل في بداية فترة المصالحة الوطنية تخدم خط الحركة الإسلامية الطالبية التي كا خصومها يتهمونها بالذوبان في الإتحــــاد الإشـــتراكي , حتي أن بعض منشورات الجبهة الديمقراطية المعارضة للإتجاه الإسلامي تحمل شعارات مثل ( لا لفرع الإتحاد الإشتراكي المسمى بالإتجاه الإسلامي) .. ولكن كانت انتقادات أشواك للإتحاد الإشتراكي ممثلاً في قمته تمثل تكذيباً لدعاوي الشيوعيين.. هذه كانت ملاحظات عابرة أثناء مرورنا على الجامعة في الفترة من 1978 -1980.. أمـــا أثناء الفترة 1979 -1981 كنتُ قد تفرغت لبرنامج الإتجاه الإسلامي بالإقليم الأوسط وذلك بعد أن رفعت الحركة الإسلامية بعد المصالحة شعار رفع عدد عضويتها الي عشرة أضعاف, عليه فقد تم تفريغ عدد كبير من كوادر الحركة الإسلامية الطلابية لهذا النشاط.. كان مكتب الحركة الإسلامية في تلك الفترة الذهبية تحت إمـــرة الشيخ الحافظ/ عبد الرحيم المهدي الجيلي حيث كانت رئاسة المكتب التنظيمية في مدينة ودمدني.. كانت مدني في تلك اللحظة تشهد نشاطاً مكثفاً لا يقل كثيراً عن نشاط الإتجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم.. كانت دار جمعية الرعاية والإصلاح الإجتماعي تمثل نقطة انطلاقة للنشاط الثقافي والدعوي والإجتماعي وكان شباب وشيوخ مدني منفعلين بمسألة الدعوة حيث فتحوا بيوتهم لمناشطها وبرامجها.. كان على رأسهم الشيخ/ محمد عثمان الساعاتي في حي العشير والأستاذ النذير والفاتح الكرنكي وعبد اللطيف علي وعبد الله عبد الفضيل وعبد الرحمن عشرية وعبد الرحمن عامر والإستاذ صديق بشاشة ويمتد النشاط الي حي أم سنط حيث أنور طه حاج علي وعدلان الفضل عدلان وأبناء سعيد الشاذلي وعبد الله وآخرون.. بعد قرابة العامين تحركت لمدينة كوستي لأتولى قيادة مكتب الحركة الإسلامية الذي كان يتولى قيادته الأخ جعفر عبده حاج ثم أسنده للأخ أحمد عجب الفية والذي بدوره قد أسنده لي .. ومن مدينة كوستي التي قضيت فيها مطلع العام 1981 حضرت للخرطوم للإلتحاق بجامعة الخرطوم.. وقبل بداية العام الدراسي بعدة أشهر عملت في مكتب الخرطوم (طلاب) الذي كان يتولاه الأخ/ عبد القادر محمد زين... بعدها جئنا الي الجامعة.. قبل إجراءات التسجيل والبداية الفعلية للدراسة كنا قد عسكرنا بالبركس نتابع الحركة السياسية بالنشاط والحركة الثقافية الدعوية بمسجد البركس .. شكلت الغرفة ( 24) بداخلية القرشي لنا مأوى ومقر غير رسمي حيث كنا في استضافة الأخوان محمد سعيد عبد الفتاح ومحمد سليمان محمد علي ومعلى داود معلى.. كنا في ضيافتهم شخصي والشيخ/ سيد أحمد يوسف حسن والشيخ/ موسى عبد الله موسى ( الذى عرف مؤخرا باسم الغزالى).. كانت غرفة طالب والآداب ومؤذن مسجد البركس ابراهيم سليمان ( الشهير بــ ابراهيم خبرة) كانت تمثل ملتقى للمتشددين من رجال الدين أمثال ابراهيم خبر وعلى محمد علوان وعبد العزيز المهدى ومحمد عبد الله السلفي ( الشبيك) وآخرين ... بينما كانت الغرفة التي تجاور مسجد البركس تمثل الي حد كبير التيار الإعلامي اللبرالي الساخر وهم خيرة اعلاميي الحركة الإسلامية وأفذاذها يومئذ .. بكداش أحمد المصطفى – آدم سعد جبارة – ابراهيم محمد علي ( ابراهيم الطويل).. محمد طه محمد أحمد.. من هذا المكتب العامر بالطرفة وسخرية بكداش ونكات ابراهيم الطويل كان الشهيد محمد طه ونجم الدين محمد الأمين ومحمد المجذوب وناجي شريف بابكر وآخرون يخرجون صحيفة الصباح الجديد التي كانت أميز صحف النشاط على الإطلاق إذ كانت تهتم بالجوانب الفكرية مثل أفكار المفكر الثوري علي شريعتي وسيد قطب ومالك بن نبي.
نواصل ان شاءالله .. ====================
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: 25 عاما من رفقة الشهيد/ الذبيح محمد طه محمد أحمد (Re: خضر عطا المنان)
|
وهذه هي الرسالة الثانية :
Quote: From : Mutwakil Taha Sent : Wednesday, November 29, 2006 7:08 PM To : [email protected] Subject : RE: محمد طه
الآن وبعد أن تم القبض على قتلة الشهيد محمد طه وبعد أن ارتاح الشهيد في مثواه الأخير واطمأنت أسرته أن دمة لن يذهب أدراج الرياح .. الآن وبعد أن هدأت العواطف أجد نفسي في حاجة شديدة للحديث عن سيرة الأخ والصديق المجاهد الشهيد/ محمد طه وعن مدرسته في الحياة التي صحبناه فيها أخوان وأصدقاء وزملاء ربع قرن من الزمان.. نتفق معه كثيراً ونختلف معه في بعض المعالجات. وفي هذه الحلقات سوف أحاول محاكمة أفكار ومواقف الشهيد وكذلك مواقف الطرف الآخر منه.. قد يكون الطرف الآخر هو الحركة الإسلامية التي عندما كانت في المعارضة كانت ترى في الشهيد مؤسسة إعلامية كاملة وصخرة ارتدت عندها كل محاولات التجمع ابان فترة سوار الذهب الإنتقالية تجريم الجبهة الإسلامية واظهارها بمظهر السادن الذي شارك مايو وتخندق معها ضد الارادة الشعبية فكان الشهيد محمد طه وصفحته على صحيفة (الراية) ( حتى لا ننســـى) تفضح كذب زعماء التجمع الذين شاركوا مايو منذ يومها الأول مروراً بكافة مراحلها.. ولكن عندما جاءت الحركة الإسلامية الى الحكم في عهد الإنقاذ لم تكافىء الشهيد كما كافأت العائدين من أمريكا الذين كان معظمهم وبالاً على الحركة الإسلامية ووحدتها وعلى المشروع الإسلامي وأصالته حتى أصبح المشروع الحضاري لا يختلف عن مشروع سندس الزراعي ..والآن... بسم الله أبدأ هذه الحلقات. قبل يومين من استشهاده كنت معه بالمكتب.. عندما وصلت الي باب غرفته بالصحيفة, تلك الغرفة ذات العين السحرية ( العدسة) التى كان الشهيد ينظر خلالها لزواره حتى يفتح الباب لمن يشاء منهم .. فقد كان لا يرغب أن يقطع حبل افكاره بعض الزوار . فمثل تلك الزيارات كانت تقلقه وتضيع عليه زمناً غالياً سيما وقد كانت كتاباته تساوى ثلثى صحيفته ( الوفاق), إذ كان يحرر صفحتها الأولى والثالثة والأخيرة ويساهم في بعض الصفحات الأخرى. وصلت الى مكتبه ثم طرقت الباب وناديت عليه افتح يا فايز) لم ينتظر حتى ينظر عبر عدسة الباب بل جاء صوته من الداخل : ( أهلاً يا دكتور)... و ( فايز ) كان هو الإسم الحركي للشهيد إبان مواجهة الحركة الإسلامية لنظام نميري بعد أحداث 10فبراير 1985 التي أنهت العلاقة بين نظام نميري والحركة الإسلامية وذهب نتيجة لذلك معظم قيادات الحركة الإسلامية في المركز والولايات للسجون.. يومها كنا نقود العمل السياسي بجامعة الخرطوم وكنا أبرز خطباء وسياسيي الإتجاه الإسلامي بجامعة الخرطوم .. في تلك الفترة قد صدرت لنا الأوامر بالإختفاء والمشاركة السرية في مقاومة النظام المايوي... كان الإسم الحركي للشهيد محمد طه هو ( فايز).. ظللت أناديه بهذا الإسم كلما لقيته منذ عام 1985م. لأن هذا الإسم يذكرنا أياماً جميلة للكفاح والجهاد والقرب من الله والصفاء الروحي.. كان طالب الهندسة أزهري على فضل المولى يربط حلقات الأخوان في المخابىء وينورهم بقرارات القيادة والخطوات القادمة.. مررت أنا على عدة مخابىء جزء منها مع الأخ المجاهد خالد عثمان كمال وقد أشرت لذلك في كتابي ( الإسلاميون في السودان: التطور الفكري والسياسي 1969-1985).. بينما بدأ الشهيد محمد طه تخفيه – حسب أوامر القيادة – بمنزل الشيخ المجاهد المرحوم توفيق طه وزوجته المجاهدة الشيخة عائشة كرار.ولكن الشهيد رفض استمرار البقاء في منزل المرحوم توفيق طه خوفاً أن يسبب وجوده هناك بعض المشاكل الأمنية لأسرة الشيخ توفيق والذي أودع السجن ضمن قيادات الحركة الإسلامية .. ورقم اصرار المجاهدة المرحومة عائشة كرار على بقاء الشهيد معهم خاصة أن المنزل كان يمثل خلية من شباب الحركة الإسلامية من أبناء المرحوم توفيق طه أمثال هشام وعصام وغيرهم لكن الشهيد رفض ذلك وانتقل الى موقع آخر. أعود الى لقائي بالشهيد قبل استشهاده بيومين .. تحدثنا عن الإنفلات الأمني.. كما حدثني بمرارة عن اغلاق صحيفته بعد نشر مقال (المقديسي) وعن دور بعض العلماء الذين حاولوا ارضاء شيوخ الخليج على حسابه حيث كان ناغماً على الدكتور/عصام .. ثم مواجهته مع نائب رئيس الجمهورية الأستاذ/ على عثمان فيما يتعلق بإغلاق الصحيفة. سأتحدث لاحقاً بشىء من التفصيل حول ما قاله الشهيد.. كما تحدث عن الرئيس البشير وكيف أنه يحب النكات فذكر أنه ذات يوم ذهب لزيارة الرئيس وقبل أن يصافح الرئيس بادره البشير: انت عارف يا محمد طه أن جبريل قد أوصى الرسول (ص) بسابع جار وليس ثامن جار؟ ثم أراد الشهيد أن ينتقل لنقطة أخرى فقاطعته ، ماذا يقصد الرئيس؟ فقال الشهيد ضاحكاً : هو يقصد يقول أن ثامن جار كان شايقي. الحديث مع الشهيد قبل يومين من استشهاده تطرق لنقاط هامة سوف أتناولها لاحقاً... لكن أهم نقطة فيه هي عندما كنت احدثه عن الإنفراط الأمني في الخرطوم وظهور المليشيات واعتراف الحكومة بأن هنالك أكثر من أربعين مليشا مسلحة في العاصمة!!! فرد الشهيد وكأنه ينعى نفسه فقال لي : والله يا عبدالرحيم نحن يمكن أن يذبحونا في هذه العاصمة ومافيش زول يجيب لينا خبر). قبل أن أغادره اتصل علىّ الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد داعياً لي لحضور حفل عشاء مجلس الصداقة الشعبية بمجموعة أساتذة الجامعات الأمريكيين الذين كانوا في زيارة للسودان, قلت له أنا الآن مع الأخ محمد طه .. كان العم أحمد عاتباً عتاباً أخوياً على الشهيد.. فبادره الشهيد سوف أحضر مع الأخ عبد الرحيم لحفل عشاء الوفد الأمريكي .. لاحقاً سأتناول المهاتفة بين العم أحمد والشهيد محمد طه.
نواصل ان شاءالله ..
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: 25 عاما من رفقة الشهيد/ الذبيح محمد طه محمد أحمد (Re: خضر عطا المنان)
|
وهذه هي الرسالة الثالثة كما وردتني :
Quote: From : Mutwakil Taha Sent : Wednesday, November 29, 2006 7:09 PM To : [email protected] Subject : محمد طه
في الحلقة الأولي ذكرت أن أهم نقطة قالها لي الشهيد قبل استشهاده بيومين عندما كنت احدثه عن الإنفراط الأمني في الخرطوم وظهور المليشيات واعتراف الحكومة بأن هنالك أكثر من أربعين مليشا مسلحة في العاصمة!!! فرد الشهيد وكأنه ينعى نفسه فقال لي والله يا عبدالرحيم نحن يمكن أن يذبحونا في هذه العاصمة ومافيش زول يجيب لينا خبر). نعم لقد ذبح الشهيد كما ذبح الحسين في كربلاء .. كيف لا يذبح كما ذبح الحسين وهو الذي ملأ قلبه حب آل البيت النبوي الشريف.. كان الشهيد حسينياً مفعماً بمعاني وقيم آل البيت من زهد وتواضع وحب للمساكين وبساطة في المظهر مع استعلاء ايمان وانحياز متميز ومستمر للمستضعفين... كان الشهيد حسينياً ولم يكن شيعياً في يوم من الأيام .. لقد أخطأ الذين ظنوا أن الشهيد كان شيعياً لأنهم قد نسوا أن أفراد الشعب السوداني قد تميزوا بمحبة آل البيت وعترة النبي وقد أكثرت المدائح السودانية في مدح ابا الحسنيين .. الكرار.. الليث أبوزند..فالشهيد كان امتداداً واعياً لهذه الثقافة.. لقد كان معجباً بالثورة الإيرانية التي ألهمت الحركة الإسلامية السودانية معاني الثورة وقوة الخطاب وشجاعة الموقف ضد قوى الإمبريالية والشيطان الأكبر.. والحديث عن الثورة الإيرانية وأثرها على الشهيد وأبناء جيله سنذكره لاحقاً فكلنا قد تأثرنا بالثورة الإيرانية وأعجبنا بها أيما اعجاب وعشقناها وتغزلنا في مفاتنها الثورية و أعجبنا بصدرها المشرئب نحو الشهادة في تحدي سافر لقوى السافاك وسادته من الإستخبارات الغربية.. كان الشهيد وكنا معه مفتونين لحد الهيام بالثورة الإيرانية ولكن لم يكن بيننا شيعياً واحد..فكيف نتشيع ونحن نعشق أبا بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة بما فيهم معاوية كاتب الوحي.. فالشهيد ونحن معه قد قرأنا (الملل والنحل) للشهرستاني و(مقالات الإسلاميين) للإمام الأشعري و(الفرق بين الفرق) للبغدادي وماكتيه ابن حزم عن الفرق بين الفرق وأهل الأهواء والنحل وما كتبه عمر فروخ( تاريخ الفكر العربي) وأبو زهرة ( تاريخ المذاهب السياسية) وما كتبه ابن خلدون ( المقدمة)..إذن الموالاة السياسية للثورة الإيرانية ضد الشيطان الأكبر أو مناصرة الشيخ حسن نصرالله ضد الصلف الصهيوني الأمريكي لا تعني انتماء لمؤسسة الشيعة كما يدعي البسطاء والمغرضين.. في تلك الجلسة مع الشهيد والتي كانت قبل يومين من استشهاده.. حدثني الشهيد بغبن شديد وألم وتأوه عن اغلاق صحيفته والسير في خط الغوغاء وعملاء الدول الخليجية.. يبدو أن الشهيد أراد أن يواجه خصومه أو الذين حاولوا اغتيال شخصيته عبر اسغلال مقال ( المقديسي).. والشهيد قد عرف عنه أنه ملحاح وأنه جرىء جداً وشجاع ومستعد للمنازلة في أي لحظة.. قال لي: لقد ذهبت للدكتور أحمد والدكتور عصام وقلت لهم أنتم أمرتم بإغلاق صحيفتي ..فردا بالنفي! وقالا: أن نائب الرئيس هو من أمر بذلك.. يواصل الشهيد: فذهب لنائب الرئيس في منزله وقلت لـــه أنت كنت وراء اغلاق صحيفتي.. فرد النائب بالنفي .. ولكن الشهيد عاجله بالقول: الشيخ أحمد والدكتور عصام قد قالا لي أنك من أمر بإغلاق الصحيفة والآن يمكنك أن تتصل عليهما أمامي من تلفونك وتتأكد من حديثي هذا!! لكن النائب قد رد بالقول: ( كثيرون هم الذين ينسبون لي أقوالاً وأوامر لم أصدرها ولم أأمر بها)..ثم أردف الشهيد أنه قد انتصر عليهم في كافة الميادين .. و أنه استطاع أن يرد الصاع صاعين للدكتور عصام الذي كان متحمساً لإغلاق صحيفته.. وذلك عندما واجه نائب الرئيس وقال له: أن الدكتور عصام قال انت من أغلق الصحيفة وبذلك تم اسقاط عصام من حسابات النائب تماماً ومن ثم تم إخراجه من الوزارة.. وبذلك يكون الشهيد قد رد عليهم جميعاً.. قلت للشهيد : بالطبع أن الحكومة لكي تشتري وقوفك لصالحها ضد الترابي قد دفعت لك الكثير من الأموال! أنا شخصياً كنت أعتقد أن الحكومة بما تدفعه للكثيرين لدرجة أنها قد دفعت مليون دولار للسيد/ الهامشي الحامدي.. فما يمنعها أن تدفع لرجل يساوي العشرات من أمثال الهامشي الحامدي.. لكن الشهيد قد نفى ذلك بشدة وقال لي : ( أن الحكومة قد جعلتني أخسر قرابة المليار جنيه بإغلاقها لصحيفتي ابان مسرحية ( المقريزي) ..).. أثناء الحوار مع الشهيد كان اتصال العم أحمد عبد الرحمن.. قلت للعم أحمد: أنا الآن مع محمد طه. فرد العم/ أحمد : أين هذا الرجل ؟ أنا عاتب عليه فلم يزرني منذ فترة طويله.. ناولت التلفوين للشهيد بعد أن أبلغته عتاب العم أحمد.. والمعروف أن العم أحمد عبد الرحمن يجد احترام وتقدير كل أبناء الحركة الإسلامية الذين يرون فيها نبل ومرؤة وتواضع السوداني الأصيل الذي تجده قريباً منك عند الحارة .. لكن الشهيد رد على العم / أحمد : ( ما أنت برضو ما زرتني ابان حادثة المقريزي وما ترتب عليها؟!) يبدو أن العم أحمد كان وقتها خارج السودان لوقت طويل إذ أنه لم يكن على إلمام بالأمر.. لكن الشهيد ســـرعان ما أخذ المبادرة وقال للعم أحمد سنحضر أنا وعبد الرحيم مساء الاثنين عشاء الصداقة الشعبية على شرف وفد الجامعات الأمريكية الزائر.. ودعت الشهيد وفي بالي حديثه المتشائم عن فوضى السلاح بالخرطوم وعبارته: (والله يا عبدالرحيم نحن يمكن أن يذبحونا في هذه العاصمة ومافيش زول يجيب لينا خبر) الآن يتحول دم الشهيد الي لعنة تطارد كل الذين فرطوا في أمن البلد ... وكأنه يردد قول الشهيد الراشد عثمان رضى الله عنه ( كنتم تحلبونها لبناً ووالله لن تحلبونها بعد اليوم إلا دماً) .. قد أضحت العاصمة أخي الشهيد تنام وتصحو ليس على مخدات الطرب كما وعدنا الفنان حمد الريح ولكن على مخدات السهر والأرق والرعب والخوف وفقدان الأمان.. لقد حصد المفاضون في نيفاشا دولارات المفاوضات التي امتدت لعام فجمعوا الملايين من الدينارات ومئات الآلاف من الدولارات بينما حصد الشعب نتيجة - لإتفاقاتهم الهشة المنبهرة برعاية أصدقاء الإيقاد من أحفاد القردة والخنازير وعبدة الطاغوت - الوجع والهلع والرعب وربما عراق جديد بدأت ملامحه تلوح في الأفق..جاءت نيفاشا وجاءت أبوجا - أخي الشهيد – ولم تجلب السلام للسودان بل جلبت الرعب للأبرياء والقتل للمارة والإستهداف للقوات النظامية... ومن يشهد رجب يرى العجب. لماذ لا يملكون الشجاعة – أخي الشهيد – ويأمروا بجمع السلاح فوراً وإخراج المليشيات الى الولايات التي تنتمي لها ..وليس خارج الخرطوم.. الخرطوم يحميها الجيش وتحرسها الشرطة ويسهر على أمنها جهاز الأمن والمخابرات وهذا يكفي.. الحلقة الفادمة نتحدث عن لقائنا الأول للشهيد قبل ربع قرن من الزمان
ونواصل بمشيئة الله تعالى ..
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: 25 عاما من رفقة الشهيد/ الذبيح محمد طه محمد أحمد (Re: خضر عطا المنان)
|
الاخ خضر عطا المنان
بالله من اسم هذا الرجل
احتمال يكون من الذين ضربوني بالمدرسة الثانوية العليا في القطينة
عصر ذهبي قال
عصر السيخ هو العصر الذهبي عند الجماعة
صحيح مدير المدرسة في هذه الفترة كان اتجاها اسلامي
شهدت المدرسة عدة مشدادات بين الكيزان وبقية الاحزاب ولكن خارج المدرسة
اخي حضر
انا ضد اغتيال محمد طه محمد احمد
واطالب بمحاكمة الذين اغتالوه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: 25 عاما من رفقة الشهيد/ الذبيح محمد طه محمد أحمد (Re: saif massad ali)
|
أحبتي الكرام :
الرسالة التالية ربما توضح كثيرا مما ورد ذكره في الرسالتين السابقتين .. خاصة من جهة ذكر
اسم من وردت على لسانه محتوياتهما ..
هذا فقط ما قصدت التنويه اليه ..
مع خالص مودتي وتحياتي للجميع ..
خضرعطاالمنان
Quote: From : Mutwakil Taha Sent : Thursday, November 30, 2006 7:11 PM To : [email protected] Subject : 'معلومات عن حياة محمد طه
الغالى خضر عطا المنان تحياتنا لافراد سودانييز اون لاين الحلقات الاولى كتبها الدكتور عبد الرحيم عمر
اما هذه الحلقات التالية فقد كتبها الاستاذ نجم الدين جحا قرافى
ولد في حلفا 1956م ارض ترهاقا وبعانخي بلاد النوبة العريقة الفتية بكل معاني السمو الاخلاقي والانساني ، تسربت الي جسمه الغض في بواكير النمو الاولي الاصالة فترعرع متنقلاً مع والده عامل المساحة بين قري حلفا القديمة دغيم ، دبيرة انكيت ودبروسة . في هذه المنطقة التاريخية انغرست فيه نواة الاصالة والعراقة وتأججت نيرانها بحكم مخالطته ومعايشته للبيئة النوبية الصالحة لكل اطوار النمو والسمو، ولم يزل كذلك في مراتع الصبا والطفولة فان نعم وشرب الاصالة في النوبة ففي القرير ارتوي من الخصوبة واغرقت علي المنطقة بكل ما حباه الله بها من خير اساساً راسخاً لبناء شخصيته المتفردة بين اقرانه والمتماسكة اصلاً ازاء مالحقه مستقبلاً من ابتلاءات عجمت عوده واصبح عنصراً مصادماً فعالاً في المصادمات ومصدات الهزائم . حمدون لم يكن ككل الصبية من اقرانه ولم يكن ككل الشباب من انداده بل لم يكن رقماً كبقية الارقام ، فهو في مجتمعه الصغير والكبير علي السواء القاصي والداني منها رقماً لاتتجاوزه الابصار ومعيار من المعايير المنضبطة اصلاً علي الاستقامة والقوامة . وباستقرار الاسرة في القرير عرفت حمدون كأي طفل من اطفالنا ولم يسترع انتباهي في نشأته الاولي شيئاً ماعدا تلك الجراءة والمخاطرة في السباحة متفرداِ الي جزيرة الطاهر رغم ماكان تشوب تلك المخاطرة من اخطار خوف من الغرق وتمساح جزيرة الطاهر الرابض في اطراف الجزيرة متهيئاً استعداداً لالتقاط فريسته .. وهذالم يحرك في حمدون شعرة بالاحساس بالخوف ولا الخطر وهذه المحطة الاولي في رسم حياته مستقبلاً تجاه ما ابتلاه به الله من عظائم الابتلاءات . حمدون فمنذ كان يافعاً خضل الاطراف ندي الابدان في قوة ووعي مبكر صقلته تجارب اهله من عشيرة الترياب ، جده بشير صاحب النظرات الجادة والحاذقة والشكيمة التي لاتتهاون ولا تتخاذل في ابداء الرأي صراحة وشي به كلمة الحق . جده لامه محمد نور ذو الرأي الثاقب والصائب والحكمة يصول ويجول في ساحة المنطقة بفكرة الوضاء وعزيمته التي لاتعرف الخور والخذلان ،. جده علي جنيد .. رائد التعليم الاول في المنطقة حكيم القرية وجراب الرأي ادلهمّت الخطوب وتشابكت الطرق ، كان ينجز وعده في حلها واعادة الامور الي كامل نصابها وسابق عهدها بحكمة ودراية تعوز الكثير من سواد الناس . جده جنقال او بالاصح الجن قال يؤمن كل خطواته قبل الشروع فيها يستقري الحوادث بفراسة اصبحت مضرب الامثال في المنطقة شرقاً وغرباً . جده الجزولي الهادي هدوء ماقبل العاصفة .. هدوء البحر وسكونه سكوناً يبعث في النفس الترقب والانتظار فاذا تحركت حركة وكأن السفينة تمخر في عباب البحر .. من هذا النسيج الاجتماعي المتماسك بزغ فجر حمدون تشرّب شجاعة بشير وحنكة محمد نور ودهاء جنفال وهدوء الجزولي ، لذا لم يكن لحمدون يد الا ان ينشأ علي هذا المنوال . خلطه متماسك الجوانب قوية العماد وارفة الظلال تفيأ ظلالها القاصي والداني .. بعيداً عن الاهل وصلات الرحم التي تربطني بمحمدون كانت لي عنده خصوصية اعتز بها ، اكتسبها من والده التي تربطني به روابط شتي هذه الحميمية والخصوصية تمثلت في مشاريع خيرية ارشدته اليها وكان له القدح المعلي وقصب السبق في انجازها ولا اراني في حاجة لذكرها لان كل اهل المنطقة صغيرهم وكبيرهم يدركون هذه المبادرات الخيرية التي اراها للاباعد قبل الاقارب . حمدون التلميذ بمدرسة القرير الاميرية الوسطي سطع نجمه وهو في الصف الاول من المرحلة واستطاع في زمن وجيز بما حباه به الله من قوة في الرأي والفكر في ابدائه ان يترأس الجمعية الادبية وعادة يترأسها الافذاذ من الطلاب في الصفوف الكبري وقد كان حمدون بمستوي الكفاءة التي اهلته كخطوة اولي في مسار حياته مستقبلاً - التي كنا نأمل ان تطول ليعلم الرعاديد الجبناء اي نجم غاب وهو في ريعان شبابه ولمعانه واي كوكب زاهر افل قبل بزوغ فجره . في مروي الثانوية والمدرسة تعج في تلك الفترة بالوافد من جديد الافكار علي المنطقة متمثلة في العلمية والطلاب من ذوي الرايات الحمراء .. بدأ حمدون يتلمّس خطواته الاولي في مجال الفكر في هذا البحر المتلاطم مسترشداً ومهتدياً بنشوء فكره الفطري المتنفس في اروقة الصوفية الاحمدية .. والتجانية .. والختمية واخذ يتزود بهذه الشحنات الدفاقة اتقاء الزلل مما اكتسبه من دروسه جده علي جنيد . لذا عندما جاء الي هذا الخضم جاء باسلحة فطرية ومن ثم لم ينساق كما انساق الكثيرون، بل بحكم بهذه اللبنات الاولي شق طريقه بقوة وشجاعة متناهية وهو في الصف الاول في الثانوي ليصبح احد الركائز الهامة في تنظيم الاخوان متسلحاً بفكر سيد خطيب وعبد القادر عودة والكوكبة الخيرة من رواد الحركة الاسلامية . حمدون طفل الترياب عشق النيل وتنسم شذاه وعشق الجروف واصبحت ليلاه ، يختال في القرية بين اخوانه من الشفع ،، وتري فيه الكثير من تطلعات الغد في مشاركته في مناسبات القرية لم يكن جاف الاحساس والمتبلد المشاعر بل جمرة وقادة تلقي بالوهج وبالنار وبالنور في الزوايا المعتمة بل كان يبادر الي هذه الزوايا لازالة عتمتها وغموضها حتي تواكب تطلعات الحياة في القرية .. لم يكن هياباً ولا متردداً في بذل كل جهده فيما يترأي له من معضلات .. وهذه احد المسارات السريعة التي عجلت بانطفاء وهجه . ورغم انتمائه للحركة الاسلامية واحد رموزها يتردد في الاعتراض والتمرد علي قادتها التاريخية بالرأي الصريح غير هياب ولا يخفي شيئاً عندما يطرح اراءه علي الملأ وعلي صفحات الوفاق التي اخذت منحي معادياً لتوجهات رواد الحركة الاسلامية عقب المفاصلة الشهيرة التي شقت الحركة الي جناحين .. وقد عاش محمد طه الاختلاف مثيراً للجدل ومات كذلك .. حياته في حركة دائبة لاتستقر علي حال وموته لغز محير لا تزال السلطات جاهدة في فك طلاسمه . رغم الاختلاف السياسي بين الوفاق والعديد من الوان الطيف السياسي ومنظمات المجتمع المدني ورواد الفكر بمختلف توجهاتهم توحدوا ازاء هذه الجريمة النكراء التي ارتكبت في ليل بهيم وقلب متحجر اغتيال حمدون شأناً قومياً وتوحدت كلمة السودان علي كلمة سواء رافضة اسلوب القدر في تصفية الخصوم وعلي الجانب الرسمي تحركت كل الاجهزة العدلية والامنية سعياً وراء الامساك بخيط يشير الي حل اللغز الغامض . حمدون تتلمذ علي يدي فترتين في حياته . الاولي وهو تلميذ بمدرسة القرير الاميرية الوسطي والثانية كانت وكنت اعمل صحفياً بجريدة الايام وهو طالب في كلية القانون بجامعة الخرطوم حين كان يحرر صحيفة حائطية اشواك في اروقة وردهات الجامعة وتعني النشاط وكثيراً ما كنا نتبادل الافكار والآراء في كثير من مواضيع الساعة ساعتذاك وفي لقاء ات متعددة تجمعنا وتطول وما كنت احسب ان تكون هذه اللقاءات والمؤانسات بيننا اللبنة الاولي في توجيهه الصحفي مستقبلاً رغم دراسته القانون جئت الي مكتبه بجوار سينماء كلزيوم واقترحت عليه مخططاً الموكيت لنعمل الصحيفة بموجبه استناداً علي خبراتي في الايام وقد صغت هذه الاقتراحات في شكل مؤسسي تقوم فيه الصحيفة علي دعائم بالاستعانة بذوي الخبرة وان يضع حداً فاصلاً بين العمل الرسمي في الصحيفة وذوي القربي من الاهل والعشيرة ، ولكن كعادته رحمه الله التزم بالقليل واغفل الكثير لانه شخصية جبلت على تجاوز السكون والقوالب الجامدة الاهل والعشيرة علي مستوي القرير عامة وعلي مستوي الاسرة الكبري المتجاورة من الترياب العبدلاب والعامراب يشهدون لحمدون بالايادي البيضاء في غير منٍ او اذى وما ان تنتاب احدهم حالة من الاعسار حتي تتوافد وفودهم صوبه لفك الاعسار وتذليل العقبات علي مستوي الافراد والجماعات في القضايا المتعلقة بالاهل .. المساهمات الخيرية في الافراح والاحزان ، تقويم الابناء العاملين معه في الصحيفة ليستقيم عودهم ويتأدية العمل الموكول لهم ، الاسكان الطوعي للاسرة والعاملين حسب مقتضيات الحالة بالشراء او الايجار ، ترميم وصيانة نسيج بعض الاسر والعمل علي رتق الخلل واصلاح ذات البين بجهده الجسماني والمالي . حمدون رغم الانهاك في العمل الصحفي لم يغفل الجانب الاجتماعي بالمشاركة والمساهمة بشخصه او بغيره وقد افرد جزاً واسعاً في الصحيفة بالتوجه والارشاد خاصة في المسائل والمشاكل التي تحدث من وقت لاخر رغم الشقة الجغرافية الا ان يده كانت تعين من بعد الله والامثلة والشواهد تتري ولا تحصي وتربط معني الحديث الشريف عملياً ( خيركم خيركم لاهله) واعتقد اعتقاداً لا يجاوزه ادنى شك ان كل الموروثات التي ظلت عالقة به الي حين اغتياله كانت بمثابة الانزار المبكر لافول نجمه الساطع وستظل حادثة اغتياله محل استهجان بحسبان ان الامر لم يحدث علي مر التاريخ في السودان ولا يزال كل الناس قاطبة في حالة قلق وتوجس وترقب للنتائج المتمثلة لفك طلاسم الجريمة البشعة التي وقعت الطامة الكبري زلزلت البنيان الاساسي والنسيج الاجتماعي في الاعراف السودانية . في المرات القليلة التي اتيه في مقر الصحيفة يفرد لي حيزاً من الاجلال والتقدير ليس انطلاقاً من موقع القرابة ولكن تقديراً لخلاصة تجارب كنت اغذيه بها اثناء المجالسة التي تطول بحثاً في التراث والانساب والفنون والاداب في المنطقة وكان رحمه الله نهماً فهيماً في التهامها واستيعاب مفردات الحوار ويعيد صياغتها بطريقة تمكن القارئ من الاستفادة وما ان يشرق الصباح الا وتنشر الوفاق هذه المؤانسة والمجالسة في شكل تحقيق و توثيق بحوزتي - انا صاحب الفكر. وله من القدرات الفكرية في تلمس الحقائق وبسطها بالية قادرة نادرة فيها الكثير من الالهام والافهام حمدون شارك في اغتياله من يزعمون انهم رواد الفكر الاسلامي المتجدد والمواكب لمقتضيات الظروف والاحوال الا ان زعمهم هراء وضحك علي الدقون ،وبعد وقوع الحادث البشع مباشرة زعم احد سدنتهم ان ارتكاب الجريمة خروج علي القيم السودانية وان اخذ القانون باليد سيؤدي الي عواقب وخيمة لا يعلمها الا الله ورغم اختلاف البعض مع الشهيد محمد طه في الكثير من القضايا الا ان اغتياله بتلك البشاعة وحدت اراء الناس باعتباره شنيعاً في دماء الابرياء بالشبهات والتأويلات المريضة ورجال الفكر سلاحهم الكلمة والرأي الصريح ولم يمتشقوا حساماً بحسبة انه تهديد للامن والسلم الاهلي وليس بعيد عنا مستنقع العراق . المحاكمة الاعلامية الجائرة التي شنها احد قادة التطرف واعوانه ومريدوه في مسجدهم والمساجد الاخري التي استغلت ابشع استغلال لاهدافهم والاجندة الخاصة الخفية . والملصقات علي جدار المساجد ودور العبادة الاخري ، اشرطة الكاسيت تعبئة السوق والغوغاء في مسيرات ومظاهرات ابعد ماتكون عن سماحة الدين ظلت تحاصر مبني المحكمة طيلة انعقادها واجهزة الامن بعيدة لاتحرك ساكناً .. وكأن الامر لا يعنيها .. ولو ان احد قادتهم كما صرح في جريدة الوطن يرفض الفوضي واخذ القانون باليد فلماذا لم يفرق مريديه وجماعة من الغوغاء والجهلة التي كانت تحتشد طيلة انعقاد الجلسات .. بل سارت المظاهرات الي الحد الذي حملوا فيه نعشاً للشهيد محمد طه فقتلوه قبل الحقيقة .. وهذا في حقيقة الامر تأثير شديد ووقح علي مجريات العدالة .. واي عدالة ترى ذلك ولاتحرك اجهزتها لايقاف الفوضي والعبث بمقدرات البشر ... من المسئول عن حراك الجماهير لاغتيال محمد طه ويحرك الجماهير لهذه التعبئة لمجموعة تمتلئ غيرة وحماساً اعمي في الزود عن الرسول صلي الله عليه وسلم ولايملكون ابسط المعلومات في القضية المثارة جدلاً ولا المعرفة الدينية العميقة بملابسات الاتهام الجائر باساءة محمد طه للرسول صلي الله عليه وسلم .. وهو منه برئ براءة الذئب من دم بن يعقوب وقد ادت التعبئة الجائرة مفعولها بوقوع الكارثة البشعة التي اعطاها قادتهم غطاء قانونياً ، فان قدر الله لهم ان يراجعوا ضمائرهم الغائبة قبل ان ينساقوا وراء العواطف والمشبوبة الكاذبة والاجندة الخفية ، اغتيل محمد طه وهم حقيقة علي رأس المسئولية بارتكاب الجريمة التي اعطوها الغطاء الفقهي حسب زعمهم بدليل تحملهم لمقال المقريزي وتصويره وكان الشاتم الحقيقي محمد طه لجناب الرسول «صلى الله عليه وسلم »بتلكم الوسائل الاعلامية الرخيصة الفجة التي توزع قبل انعقاد جلسات المحكمة علي غير مايزعم قادتهم فقد ساهموا مساهمة بل لم يكونوا يبعدون طيلة اجراءات المحاكمة ضغطاً وتمويهاً والمعروف سلفا ان مقال المقريزي نشر في احد مواقع الانترنيت ونشر في الوفاق تحذيراً ولفت نظر للشبهات والدسائس التي تحاك ضد الاسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام . وقد ايده الاستاذ الطيب مصطفي رئيس هيئة الاتصالات القومي انذاك وامر باغلاق كثير من المواقع المشبوهة بل قام الشهيد حمدون رحمه الله بتصحيح الموقف بالرد في عدة حلقات بانه خطأ مهني غير مقصود ولاينبغي ان يحمل اكثر من حجمه الا ان اجندة خفية يدركها قادتهم . فالرد علي هذه الشبهة اكسبها رواجاً كان الاجدر بهم ان يضعوها في حيز ضيق ولم يعلموا .. اللهم الا ما كانوا يرمون اليه غير تحقيق العدالة .. والان في كل القاءات الصحفية يبذلون قصاري جهدهم في تبرئة انفسهم من تلك الجريمة النكراء التي شاركوا في تنفيذها مشاركة غير مباشرة ، ويريدون في خطبهم الجوفاء في مساجدهم ظنا منهم ان الناس بلهاء لايدركون حقيقة الجرم الذي ساهموا في اتخاذه .. ولو تأمل كل الناس والدعاة فهم علي الاخص حقيقة وعظمة الرسول صلي الله عليه وسلم فقد كان احسن الناس خلقاً ، واعظمهم عفواً عن المقدرة ومغفرة وكان لايزيدهم الجهل عليه الا حلماً .. اين انتم ايها الدعاة من هذا السمو الانساني ؟ وحقيقة ما اشعر به وعشيرتي من اهل الشهيد انهم مهما اوردوا من مبررات ولقاءات صحفية في المسموع والمرئي من اجهزة الاعلام لن يقيهم من فطنة المسئولية الجنائية ومجالهم محكمة علنية نزيهة ترفع عنا نحن اهل الشهيد الغبن ووقع المأساة وحتي نتمكن من رفع الدعوي عليهم بالاستغفار والتوبة من جرمهم البشع «ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار»صدق الله العظيم. وكل العزاء ان شهيدنا عاش حياته استثنائياً ومات علي هذه الصورة وله القدوة الحسنة في الاسلاف والاخيار من شهداء الامة الاسلامية . سيدنا عمر رضي الله عنه اغتاله ابو لؤلؤة المجوسي وهو يؤم المصلين بين يدي الرحمن ... سيدنا عثمان ذو النورين رضي الله عنه كيف تحالفت عليه قوي الشر والعدوان بقيادة بن السوداء عبد الرحمن بن سبا سيدنا علي كرم الله وجهه ورضي عنه ثم كيف تسلل اليه ابن ملجم عليه لعائن الله وغدر به وهو يؤم المصلين .. سيدنا الحسن بن علي كيف تم تسميمه علي يد هند بنت الاشعث ومن ثم دانت الامور لبني امية سيدنا الحسين رضي الله عنه استشهد في كربلاء وهو يقاتل دون دينه وعرضه ممن يفوقون عدة وعتاد .. ومااستشهاد محمد طه الاّ امتداد طبيعي لهذه السلسلة الذهبية من شهداء الامة الاسلامية .. ان الجماهير التي تقاطرت صوب الدار ساعة سماعهم الخبر الشنيع من كل صوب وفج عميق ومن كل الانحاء جاءت لتؤكد تأكيد راسخاً رسوخ الراسيات من شوامخ الجبال ان حرية الرأي والكلمة ستظل سيفاً مسلطاً علي رقاب خفافيش الظلام وان المثل والمبادئ التي اغتيل الشهيد من اجلها ستظل ثوابت يهتدى بها الهداة في كل زمان ومكان .. وبقدر ماكانت المأساة كبيرة الا انها لاتنقص من مبادئك الا بمقدار ما ينقص المخيط من المحيط وبقدرما يزيدكم خلوداً في وجداننا ابني حمدون نم هادئاً هانئاً تحيطك رحمة الرحمن رافلاً في ثوب الرحمة والغفران وعش حياة برزخية في عالي الجنان ، فان اغتالوك فلم تمت فانت بين جوانحنا في ابهي صور البيان ولا ينفك عن خواطرنا ابداً ما ارتكبه سدنة الشيطان من جرم وشنآن وليس لنا نحن اهل الوجعة الا الصبر والسلوان والعزاء كل العزاء لاهل السودان .. ابني حمدون كل الاحزان تتضاءل و بفعل الزمن وتضمحل وتزول الا ان حزننا عليك يبقي ويكبر مع الايام والدهور مابقي المجرم طليقاً دون عقاب ، وما بقيت الكلمة الراية حبيسة المغالق والدهاليز ، ولن تهدأ خواطرنا وتلتئم جراحنا الا بالعودة الى ملاذات الامن والطمأنينة في بلد ما عرف غير السماح والمروءة والنمو والاغاثة وساعتذاك يعود شهيدنا في اجمل ما تكون الصورة وفي ابهي واجمل الحلل من الخلود والاجلال . ولا حول ولاقوة ولا ارادة الا لقضاء الله وانا لفراقك لجد محزونين والله نسألة ان ينزل علي قبرك شآبيب الرحمة والعفران وان يسكنك في عالي الجنان مع الشهداء والصديقين وحسن اؤلئك رفيقا ..
ونواصل ان شاءالله
|
| |
|
|
|
|
|
|
|