|
محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب
|
محمد عبدالرحمن شيبون حنجرة الشعب: متي يغرد خارج سرب صلاح أحمد إبراهيم
عبدالله علي إبراهيم
أجدني متفقاً جداً مع رفيقنا محمد عبدالله القطي (الصحافة أول أبريل 2005) في دعوته أن يكف بعضنا عن هذا الحب القاسي للمرحوم صلاح أحمد إبراهيم. وأول مظاهر قساوة هذا الحب هو الأخذ بشهادة صلاح عن أستاذنا عبد الخالق محجوب كمسلمات لا يأتيها الباطل. وهذا سوء أدب في عرض خصومة "اصبح أفرادها في ذمة التاريخ." وخشي القطي أن لا يكون هذا الحب لصلاح لوجه الرجل بل نكاية بالحزب الشيوعي. ونبه بذكاء أنه بقدر ما كتب الناس عن صلاح فهم لم يتجاوزوا واقعته عن الحزب الشيوعي. وعلى أهمية هذه الواقعة في حياة صلاح فإنها لم تأت علي حصيلة عمره الحافل السديد القصير. والحق إنك لا تقرأ للمروجين لصلاح الشيوعي المتمرد كتابات عن عوالم الرجل الغناء. بل ليس بالمكتبات سيرة له حتى تناهشت مأثرته ضباع السياسة الحزبية الوخيمة. فهو في صباه منطقة شيوعية وفي شبابه وكهولته الباكرة منطقة لخصوم الشيوعيين وهو في خواتيم كهولته منطقة محررة للإسلاميين وبكوا وفاته بالدمع الثخين من لدن الأستاذ نزار ضو النعيم حتى السيد حسين خوجلي. وهذا فعل العميان بالفيل. وصلاح نهر بطران فائق الدلالات والرموز جري في غابنا وصحرائنا واكتفي كل منا منه بالشليه التي علي "قدر ظرفه."
أما الحب القاسي حقاً فهو حب مناصرى صلاح هؤلاء لصديقه المرحوم الشاعر محمد عبد الرحمن شيبون. فهم يحبونه بالعدوي من صلاح لا عن علم بالرجل وأدبه. التقي صلاح بشيبون في حنتوب الثانوية وكانا ضمن أول وحدة شيوعية بها عام 1950 وثالثهما عبد الوهاب سليمان. وقد وصف صلاح في ديوانه "نحن والردى" ملابسات اجتماعاتهم "وسط الحشائش المتعالية وشجيرات العشب والتنضدب حيث تكثر الثعابين وغيرها من الهوام وقد قتلت الطالب "جعفر" بلدغة خلال تلك الاجتماعات." وقد رثاه صلاح بقصيدة نشرت علي الصحف. وكان شيبون اكبر من صلاح بعامين وقد وثق بينهما هم الشعر وقراءة ديوان "إصرار" للمرحوم الشاعر المصري الشيوعي كمال عبد الحليم الذي تسلل إلي أفئدة ناشئة اليسار بقصيدة "عيد ميلادي." وقال فيها أنه إن لم يمد يده يلحق شعبه المرهق :
فأنا لست بإنسان له عيد ميلاد، أنا لم أولد
وقد ذكر صلاح أيام شيبون وحنتوب في قصيدته "حنتوب: شاعر وشعب" التي ألقاها في عيد حنتوب الفضي عام 1971 ونشرت له في "نحن والردى" (2000) الذي أهداه إلى شيبون. وقد التحق شيبون بكلية غردون الجامعية عام 1952 وهو دفعة واحدة مع الأستاذ محمد ابراهيم نقد كما حدثني يوماً وهو في غملته الثالثة التي خرج منها مؤخراً. وفصلتهما الكلية معاً إثر نشاط سياسي ما. فأدخلهما الحزب الشيوعى ضمن حلقة الكادر المتفرغ بالأمر الواقع. ثم اكتنفت حياة شيبون المتفرغة لوجه النشاط الشيوعي ملابسات قضت رفع ذلك الالتزام عنه كما سنتطرق إلى ذلك لاحقاً. ثم وقعت الواقعة وهي إنتحاره رحمه الله وأحسن إليه.
بصورة ما صارت سيرة شيبون ومأثرته وانتحاره حكراً لصلاح يروي عنه وتقبل روايته. فأول ما عرفنا شيبون نحن الجيل العاقب لهما في اليسار كان مما رواه صلاح عن شيبون. فقد جاء ذكر شيبون في بيت شعر لصلاح وهامش في قصيدته "أنانسي" من ديوان "غضبة الهبباي." وهي القصيدة التي هجا فيها أستاذنا عبد الخالق محجوب هجاء حامضاً. فقد شبهه بأنانسي العنكبوت الذي تدور حوله الحكايات الشعبية في غرب أفريقيا. ووصف صلاح أنانسي الأحاجي بأنه "واسع الحيلة كثير الدهاء والخبث." وأنانسي ربما شابه "أبو الحصين" في حكاياتنا الشعبية. وهي قصيدة لا تملك إلا أن تعجب بقوة عارضتها الشعرية والشعورية حتى لو كنت من المتيمين بعبد الخالق مثلي. وقد جاء ذكر شيبون في القصيدة في معرض ضحايا أستاذنا عبد الخالق الذي يغتال وبسمة بيريا علي شفتيه، علي حد قول صلاح. وبيريا هو من نسبت إليه فظائع ستالين لأنه كان علي رأس الكي جي ب الاستخباراتي السوفيتي. قال صلاح أنه يغني لأنانسي صاحب الجريمة الكاملة باسم الشعب:
لتقبيله (هل هي تقتيله؟) الشعب، للاغتيال وبسمة بيريا علي شفتيه، لمقتل شيبون
شيبون حنجرة الشعب، صوت بلادي الغني المثير
ثم أردف هذا البيت بهامش علي الصفحة اقتبس فيه من كلمة نشرها شيبون بجريدة الأيام بتاريخ 10-4-1960. وجاء في المقتبس: "وحتى أصدقاء السلاح رفعوا سلاحهم في وجهي، وضربني من كنت اعلمه الرماية حتى اشتد منه الساعد، وأدار لي آخرون الأكتاف الباردة التي تبينت أنها لم تكن ساخنة في يوم من الأيام. لقد استعمل كل إنسان سلاحه ولن نعدم سلاحاً إذا كنا نحارب عواطف إنسان."
وسأعلق في كلمة قادمة علي كيف أضعنا فتي في وسامة شيبون وعذوبة حنجرته حين اختصرنا حياته الخصيبة إلي مجرد ذكري لصلاح وحاشية لشعره إستصحبهما في خصومته المعروفة للحزب الشيوعي. وشيبون مستحق أن يستقل بسيرة تفض عبق سحره وسره. وحتى نلتقي أترككم مع كلمة شيبون التي اخذ منها صلاح مقطعاً في هامشه فتأملها أيها القاريء حتى نعرض لها.
صندوق
التجربة
يكتبها شيبون
ما أمتع أن يدخل الإنسان في تجربة. فالحياة الرتيبة تحيل الإنسان إلي آلة، إلي ساعة أوتوماتيك لا تخطيء الوقت. وهذا حسن أو هكذا يقولون. ولكنني جئت إلي هذا العالم لكي أحارب طواحين الهواء!
بدأت التجربة سراً وهي ما زالت فكرة، ثم عملاً، وأخذت أرقب تطورها من بعيد، من خلف ستار كثيف من تقاليد هذا المجتمع الجامدة. ولكني لم أصبر. فقد أغراني النجاح المبكر بالظهور علي المسرح وليتني ما ظهرت. إنها تجربة صغيرة ولكنها (؟) بمقياس الإنسان وانفعالاته. لقد بدأ المجتمع يتدخل.
لم أهتم في البداية. ورفعت عالياً شعاري الخالد: " أيها الناس اتركوني لحالي." ولكن الناس رفعوا أعلي شعارهم الأخلد: "تدخلوا، أوقفوا هذا المجنون عند حده، هذا ضد الأمور السائدة، ضد ما وجدنا عليه آباءنا."
وتحرك الجمود. وبدأت التجربة الحقة. كل النماذج من البشر أدلوا بدلائهم. كل واحد من زاويته التي يحكم بها علي الأمور. لقد وجدوا أخيراً ما يملأ الفراغ القطبي في حياتهم القاحلة. حتى أصدقاء السلاح رفعوا سلاحهم في وجهي وضربني من كنت اعلمه الرماية حتى اشتد منه الساعد وأدار لي آخرون الأكتاف الباردة التي تبينت أنها لم تكن ساخنة في يوم من الأيام. لقد استغل كل إنسان سلاحه.
ولن نعدم سلاحاً إذا كنا نحارب عواطف إنسان. ومن بعيد جاء الأهل بدافع من حرصهم وأجبروني علي أمور روضت نفسي علي قبولها. وكما ينحسر ماء النهر في فصل الجفاف تلاشت حماستي وتدثرت بحكمة الجيوش المنهزمة وبدأت أتراجع بانتظام. وتفضل ضابط مباحث فأجهز علي البقية الباقية باسم القانون واجتزت آخر المراحل بعون رجلين فاضلين.
لقد عدت إلي القواعد بسلام، قواعد المجتمع الراكد الذي يرتعش من التجربة وعدت اشتغل أفندياً التزم وأتقيد بثمن بخس دراهم معدودات.
وفي اليوم التالي القي الجميع أسلحتهم وأخذوا يلوحون بالتحية للقب الأفندي. وكنت أحييهم وأنا أردد: " عاشت بلادنا، بلاد الأفندية."
ملحوظة: كتب الذي يساعدني في الأبحاث أن تاريخ هذا المقال هو 25-4-1960 فالرجاء مراعاة فروق الوقت
|
|
|
|
|
|
|
|
شيبون: الأفندي المضاد (Re: bayan)
|
شيبون: الأفندي المضاد
(إلي روح الزميل الخاتم عدلان. كان افندياً مضاداً من الطبقة الأولي. قال لي علي التلفون والعمر الي نفاد "لقد تبقي الكثير مما لم ينجز يا عبدالله." وصدق. ما زلت أذكرك يوماً في سجن شالا وقد طربت لعبارة "هديل الحمام" وكررتها مراراً. ربما هذا ما تبقي.)
يكتنف المرحوم صلاح أحمد إبراهيم حب مما يسمي بالحب القاسي. وهو حب تركز في واقعة خصومته للشيوعيين دون مناهل حياته العذاب الجمة. وبدا هذا الحب يشمل بالعدوى صديقه المرحوم محمد عبد الرحمن شيبون الكاتب الشيوعي الذي مات منتحراً في الستينات الأولي. ومصدر هذه العدوى إن القلائل من الجيل الحدث الذين عرفوا عن شيبون عرفوه عن طريق صلاح في خضم خصومة عاصفة وممتدة مع الشيوعيين. فقد ذكر صلاح المرحوم شيبون في مقطع شعري لقصيدة "أنانسى" من ديوان "غضبة الهبباي" و ارتدفه بهامش له عن الرجل. والقصيدة هجاء مر لأستاذنا عبد الخالق محجوب واتهام صريح له بتقتيل الشعب ببسمة معروفة عن قتلة الشعب. وفي سياق هذه الجريمة الكاملة قال صلاح أن أستاذنا حمل شيبون، حنجرة الشعب كما وصفه، على الانتحار. وجاء صلاح بهامش اقتبسه من كلمة كان نشرها شيبون عام 1960 قبيل انتحاره. وصارت الكلمة دليل صلاح الوثيق علي قتل الشيوعيين للرجل. ففي مقتطف صلاح نجد شيبون تحسر على أصدقاء السلاح الذين "رفعوا سلاحهم في وجهي وضربني من كنت اعلمه الرماية حتى اشتد منه الساعد وأدار لي آخرون الأكتاف الباردة التي تبينت أنها لم تكن ساخنة في يوم من الأيام."
لم يكتب صلاح ترجمة وافية لشيبون. و لما كان ما قاله عنه هو كل ما نعرفه عن الرجل صح أن نقول أنه ترجمة لشيبون. ومن جهة نظرية فكلمة صلاح عن شيبون هي من صنف تراجم تتعلق بقوة ب "آخر ما قال المرحوم." ونبه كاتب أن الولع بهذه الكلمات الاخيرة للمرحوم قد يسوقنا إلي اصطناع الأساطير والتحريف. فبمثلها يثقل كاتب السيرة علي حياة صاحب الترجمة إثقالاً يجعلها الأدنى بينما يصبح موت صاحب السيرة هو الأعلى. ويبلغ إهمال حياة صاحب السيرة ذروته إذا مات المرحوم انتحاراً. فلحظة الموت الفاجع هذه هي وحدها التي تبرق أمام عين كاتب الترجمة فتعشيه عن مغزى حياة المترجم له الكلية. وبهذا التركيز المجازف علي لحظة الموت يصبح المترجم مثل صلاح بطلاً للترجمة بدلاً عن صاحبها الأصلي. ويصح بذلك قول القائل إن المترجم له يموت دائماً بما اتفق لكاتب الترجمة. فكاتب الترجمة يشحن كل إشارة أو كلمة أو فعل أخير وقع من أو للمرحوم بدلالات ومغاز اتفقت لذلك الكاتب اتفاقاً. وقال مؤلف لسيرة الكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف أنه قرر أن لا يجعل من انتحارها مناسبة للترويج لسداد أي فكرة أو نظرية ما. فما يقتضيه واجب الترجمة الحق أن نكتب كل معلومة عن المترجم له وكل تفسير لحياته بقدر ما وسعنا من الدقة والشمول. و أضاف أنه مع ذلك لم يرد في ترجمته لولوف أن يصف انتحارها وصفاً يترك الانطباع بخلو ذلك الموت الصعب من دافع غامض أو غريب. وكان غاية قصده أن يصف ما وسعه كيف أنهت حياتها من غير إدعاء منه بأنه أو غيره يجرأ علي القول لماذا أقدمت علي الانتحار.
يبدو من القليل المتناثر من سيرة شيبون أنه عاش حياته القصيرة بمسئولية وشغف وتطلع شيوعي أغر. فهو من أبناء حاضرة أو ديم أبو زبد من كردفان وعملت أسرته، التي تنتسب الي جوابرة بارا والأبيض، بالتجارة. وهو كاتب وشاعر وكان فاز بجائزة القصة في مسابقة جريدة "الصراحة" لعددها الأدبي الخاص الذي شهد جدل الدكتور النويهي والمرحوم محمد محمد علي وأشرقت علي صفحاته أقلام الجيل اليساري: صلاح احمد إبراهيم وعلي المك وأبو بكر خالد والطيب زروق ومحجوب عبد المالك ومبارك حسن خليفة وآخرين. وقال الأستاذ جعفر محمد حامد، (رجال وتاريخ، 199 أن شيبون ممن تأثر بالحركة التقدمية المصرية مثل كمال حليم وعبد الرحمن الشرقاوي وإبراهيم عبد الحليم وفتحي الرملي. وقال الدكتور فاروق محمد إبراهيم أن شيبون وصلاح برزا في الجيل اليساري شاعرين في مقام شوقي وحافظ. وأضاف أنه كان يكتب في جريدة "المؤتمر" ، الناطقة باسم مؤتمر الخريجيين، كتابة سلسة وناضجة بإمضاء م م ش. وقال أنهم عرفوا فيما بعد حين دخلوا الجامعة أن صاحب التوقيع هو "شيبون."
جاء شيبون إلي حنتوب في دفعة الأستاذ محمد إبراهيم نقد عام 1948. وصار عضواً بالحزب الشيوعي عام 1950 وهو في الثامن عشر ربيعاً في أول خلية شيوعية ضمته والمرحوم صلاح احمد إبراهيم. ومعرفتنا عن فترته القصيرة بكلية الخرطوم الجامعية أميز بفضل ما كتبه الدكتور فاروق محمد إبراهيم (الشيوعي 155-سبتمبر 198 في باب "صفحات من تاريخ الحزب." جاء شيبون إلي الكلية في 1952 وفصل في نفس العام لعضويته في لجنة اتحاد الطلبة التي نظمت إضراب ومظاهرة 17 نوفمبر 1957. وكان الإضراب احتجاجاً ضد تطورات سياسية بعينها أعقبت الثورة المصرية في يوليو 1952. فلما أطاحت الثورة بالملك فاروق فتحت الباب لمفاوضات مع الإنجليز انتهت بإتفاقية الحكم الذاتي في 1953. وهي تطورات تشككت فيها جمهرة من السودانيين وعلي رأسهم الشيوعيين لظنهم أنها ستؤدي إلي استقلال شكلي لا روح له. وتمسكت هذه الجمهرة بعقيدة الكفاح المسلح لضمان مجيء الاستقلال بلا شق أو طق. ولذا نظموا احتجاج الكلية لشجب المفاوضات الجارية. ولم يكن الشيوعيين شذاذاً في هذا فقد وقفت معهم كل الاتجاهات السياسية لأخري في إضراب نوفمبر 1952. ولكن طامة الشيوعيين المعروفة مع اتفاقية 1953 أنهم ظلوا علي موقف معارضة المفاوضات حتي بعد أن أينعت وحان قطافها بينما قبل الآخرون بالثمرة. وعاني الشيوعيون العزلة من هذا التطرف. وقال فاروق أنه لم يقف معهم سوي 35 طالباً حين عرضت الاتفاقية للتصويت لجمعية الاتحاد العمومية. وكان هذا العدد أقل من عضوية الحزب بالكلية نفسها. وقد راجع الشيوعيون موقفهم المعزول هذا في دورة اللجنة المركزية في مارس 1953.
وربما لم يطل الفصل شيبون، عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد، مثل ما طال نقد، السكرتير التنظيمي لرابطة الطلاب الشيوعيين، الذي قاد المظاهرة، لولا أنه القي خطاباً باسم الاتحاد لم يكن مؤهلاً له كمجرد عضو باللجنة التنفيذية. وحكي فاروق محمد إبراهيم ملابسات الأمر. فقد كان مفروضاً أن يلقي الكلمة جعفر الحسن رئيس الاتحاد. ولأنه طالب نهائي تقرر أن لا يلقيه ووقع الدور علي نائب رئيس الاتحاد الذي هو فاروق نفسه. فكتب الخطاب وأعد نفسه ليلقيه ولكن لسبب أو آخر، لم يرد عند فاروق، تقرر أن يلقي شيبون الخطاب بيمنا لم يكن سوي عضو باللجنة التنفيذية للاتحاد. وفصل أيضاً السيد الأمين حاج أبو سكرتير الاتحاد.
ودخل المفصولون الثلاثة، شيبون وأبو ونقد، حلقة المتفرغين لعمل الحزب بعد حادثة الفصل هذه.والتفرغ للسياسة وظيفة مبتكرة لم تطرأ علي بال من وضع فلسفة التعليم والتوظيف في السودان يوم سمي كلية غردون ب "التجهيزي" أي انها التي تعد الطلاب لخدمة الحكومة لا لمكافحتها. وعليه كان المتفرغ للسياسة هو "الأفندي المضاد" في عبارة للدكتور حسن الترابي. وقد أمسك شيبون نفسه بعصب المسألة في كلمة له نشرناها في حديثنا السابق. فقد قال انه عاني الأمرين في خياره أن يكون افندياً مضاداً ممن جهزوه لأن يكون افندياً ومن أصدقاء السلاح الذين اراد أن يتفرغ تفانياً لعقائدهم الجديدة. ووصف كيف تنفس الجميع الصعداء حين اشتغل أفندياً مثل غيره من الناس بثمن بخس دراهم معدودات. وقال: "وفي اليوم التالي القي الجميع أسلحتهم وأخذوا يلوحون بالتحية للقب الأفندي. وكنت أحييهم وأنا أردد: " عاشت بلادنا، بلاد الأفندية."
وسنقلب في حديثنا القادم حياة هذا الأفندي المضاد القصيرة وما أثارته من مسائل لحق منها بأستاذنا عبد الخالق محجوب والحزب الشيوعي رشاش كثير.
| |
|
|
|
|
|
|
حياة دنيا شيبون (Re: bayan)
|
حياة دنيا شيبون
عبد الله علي إبراهيم
(إلي العم الرفيق حسن سلامة. لإنسانيته عذوبة و مذاقها كالبشارة)
التبست معرفة الأجيال العاقبة بالمرحوم الشاعر والشيوعي محمد عبد الرحمن شيبون (1930-1961) بخصومة الشاعر صلاح احمد إبراهيم مع قيادة الحزب الشيوعي. فلم يبق من مأثرة شيبون سوي مقطع من مقال نشره في 1960 قبل انتحاره في اكتوبر 1961 حشي به صلاح بيت شعر له في ديوانه "غضبة الهبباي" (1965). والبيت وهامشه يحملان قيادة الشيوعيين وزر موت شيبون، حنجرة الشعب، المأسوي. ولم يرد ذكر لشيبون عند صلاح أبداً إلا كبينة علي جفاء الحزب الشيوعي واستهتاره بحياة مناضليه. وقد عاد صلاح إلى هذه المادة في مبارزاته الشهيرة مع المرحوم عمر مصطفي المكي ( الصحافة، 23 يوليو 196 فقال أن فصله من الحزب في آخر 1957 كان بمثابة سقوط لمثله الأعلى كشفت له عن خساسة وضعة. وقد رمت به في حالة مفضية إلى الانتحار: "الحالة التي انحصر فيها شيبون فقضت عليه" لولا أنه تمسك بشعره ومضي يناضل لشعبه حنى بدون حزب.
أحاول منذ حين في هذا الباب فك الارتباط بين صلاح وشيبون حتى نخلص إلى ترجمة لشيبون تحيط بحياته الغراء وموته المفحم معاً. وقد فتح لي هذا النهج معابر إلي مأثرة شيبون ردمها الزمن وعلاها الصدأ من فرط أحادية السيرة المروية عنه من زاوية غضبة صلاح الهببابية. فقد تحدثت في الأسبوع الماضي علي التلفون إلي السيد كمال شيبون ، ابن أخ الشاعر شيبون ، المقيم بكندا وإلي السيد عبد الوهاب سليمان الأستاذ (بالمعاش) بجامعة السودان للتكنلوجيا وخدن شيبون منذ عهد الطلب بحنتوب في آخر عقد الأربعين. ولم أجد تعبيراً في سداد منهج "تحرير" حياة شيبون عن صلاح أبلغ من حديث كمال. قال لي كمال : "شكراً يا دكتور علي كلمتك عن عمي. فقد نشأنا في بيئة استؤصلت منها كل ذكر له. فأهلنا قد راعهم موته انتحاراً من بعد جساراته الشيوعية فصمتوا خشية تقليب الوجع والفقد. و لم نجد لعمي في الحياة الثقافية ذكراً سوي ما ورد عن المرحوم صلاح أحمد إبراهيم وهو نبأ سلبي كما كتبت. وقد استغربت دائماً إنني التقيت بالشيوعيين صغاراً وكباراً وفيهم من عرف عمي ولم يتكرم أحدهم بسؤالي إن كنت أمت للمرحوم شيبون بقرابة. لقد حللت عقدة من لساننا يا دكتور." وروي لي عن جده حكاية ربما ألقت الضوء علي تربية شيبون المعادية للاستعمار التي قادته للشيوعيين. قال كمال أن جده كان بقوة دفاع السودان أو بمؤسسة متصلة بها بمدينة الفاشر. وعصي يوماً أمراً فقرر الضابط الإنجليزي عقوبته سحلاً علي الأرض. وكان ذلك بمرأى من الناس. وحز ذلك في نفس امرأة من المشاهدين وأعجبها صبر الرجل علي الأذى فطفقت تزغرد له. وأبعد الإنجليزي والد شيبون عن الفاشر ولكنه عاد إليها بهدف وحيد هو البحث عن المرأة التي زغردت له ليتزوجها. وقد كان. وربما كان من التطابق الدال وصف صلاح لشيبون الشاعر الفدائي بأنه "حنجرة الشعب." فقد سبقته زوجة لأبيه إلي ذلك بالزغاريد يوماً غير بعيد.
أما حديثي إلي عبد الوهاب فقد ذكرني بلازمة المرحوم حسن نجيلة في درته الغراء "ملامح من المجتمع السوداني." كان نجيلة يغشي الجيل السابق له يتسقط أخبار زمانهم وربعهم. وكان يستثير كامنات وطوايا النفوس وربما استغربوا أن ما ظنوه زبدة حياتهم قد اصبح مادة للتاريخ. وكان نجيلة يردد نيابة عنهم: "ويل للشجي من الخلي." وكنت المؤرخ الخلي وكان عبد الوهاب الشجي وهو يشرق تذكراً لأيام شيبون.
تعارف عبدالوهاب علي شيبون وصلاح احمد إبراهيم بمدرسة حنتوب الثانوية في فبراير 1950إثر رحلة مدرسية قام بها طلاب أم درمان الأهلية الثانوية إلي مدرستهم. وكان في طلاب الرحلة المرحوم معاوية إبراهيم سورج ومصطفي نديم. وكانا شيوعيين. و ترقي معاوية في سلك الحزب حتى صار السكرتير التنظيمي له يوماً ثم خرج علي الحزب في انقسام 1970 المعلوم. وشغل منصب وزير الدولة بالخارجية والسفارة على عهد نميري الباكر. وبحي اركويت بالخرطوم محطة بص مسماة به لقرب منزل المرحوم منها. وكان معاوية قد سبق وجند عبد الوهاب للحزب في امدرمان. وعرفه خلال الرحلة بشيبون لعلاقة معاوية بكردفان عن طريق بعض أهل له من جلابة أم روابة علي أن وطنه الصغير هو الكوة. وكان شيبون قد سبق عبد الوهاب إلى حنتوب في 1948. ومن الجهة الأخرى تعارف عبد الوهاب وصلاح احمد إبراهيم، وهما من أم درمان، بفضل مصطفي نديم. ودعا عبد الوهاب صلاحاً لعضوية الحزب فقبل. وذكر صلاح هذه الواقعة فيما بعد في لقائه التلفزيوني مع الأستاذ حسين خوجلي. وذكرها مرة أخيرة في ديوان "نحن والردى" بقوله أنه كان وشيبون وعبد الوهاب نواة الحزب الشيوعي الأولي بالمدرسة.
لما جاء شيبون للخرطوم نزل بدار آل سليمان بأبي رووف وفيهم بالطبع الأستاذ أحمد سليمان. ثم انتقل ليقيم مع الأستاذ حسن سلامة (1924- ) بحي العمدة. ويبدو أنه تعرف علي سلامة بالأبيض وفي سياق الحركة الشيوعية التي كان يديرها سلامة كسكرتير سياسي لمديرية كردفان. وكان الثالوث، شيبون وصلاح وعبد الوهاب، يلتقي في بيت سلامة. ولسلامة أثر كبير علي شيبون. فهو مثاله وقدوته. أخذ عنه الهدوء والرقة. فكان مثله ميالاً لأخذ التحليل الجدلي إلي غايته. وما تزال هذه سمات حسن سلامة بعد ستين عاماً حين التقيت به في السنين الأخيرة. والتحق ثلاثتهم بتحرير جريدة "الأحرار" التى رأس تحريرها عبده دهب وكان سلامة من محرريها. وكانت مكاتبها في عبارة بالخرطوم استأجرت بها لاحقاً "صوت المرأة" مكتباً حين صدرت في 1955.
قال عبد الوهاب أن شيبون وصلاحاً كانا من أهل الذكاء الجارف. وكان يشع مخيفاً من عيونهما. وكان يقول لهما بذلك وكانا يضحكان. وكان شيبون رقيقاً شديد التأمل مع الصلابة وقدر من العناد. ويشترك مع صلاح في الرقة والعناد غير أن صلاحاً شديد الخصومة ويبلغ الحد منها. وقد أثر شيبون علي صلاح وعبد الوهاب معاً برقته. وكان البون بينه وبقية أعضاء الحزب شاسعاً. فهو واسع الصدر منفتح بينما أكثرهم منغلق سريع إلي دمغ الناس بأحكام قاضية. فإذا بخس بعضهم أحداً أمامه قال لهم لا تستعجلوا الحكم فمآله إلينا وسنكسبه رغماً عنه. وكانت معرفته بالماركسية حسنة و رشيقة. ووجدت مصداقاً لذلك في كلمة نشرها بصفحة الأدب بجريدة الميدان الشيوعية عام 1957 (اليوم والشهر تحت التحري). وكان عنوانها "في غير معترك." وتري في كلمته اليسر الذي يخلع به قفص الشعار لينفذ إلي الجوهر. وقال شيبون فيها أن الصراع الدائر حول وجوب أدب واقعي اشتراكي أو أدب هادف صراع زاغ عن المعني. والمعني الحق عنده هو كيف نوقظ مثقفينا من سباتهم العميق. وأضاف "المشكلة هي أزمة ثقافة، أزمة مشكلة حملة شهادات يواجهون أعباء بناء الوطن المستقل وأزمة المثقفين الماركسيين الذين اكتفوا من الماركسية بالانتساب إليها. نحن بحاجة إلي ثقافة وطنية . . . وهذا ميدان أبوابه مفتوحة للجميع: الواقعيون الاشتراكيون والبرجوازيون والمدافعون عن السلم وحملة النظريات الإنسانية المختلفة. . . أنتجوا إذن وأنتجوا فإن يبقي إلا ما ينفع الناس. . . أنتجوا ودعونا من عبد الصبور وعبد الزمار." ودعوته للإنتاج والإنتاج فحسب فيها صدي من كلمة حمزة الملك طنبل المشهورة :"يا شعراء السودان اصدقوا وكفى." وقد استفدت من كلمة طنبل في ورقتي التي هدفت منها رفع التمذهب الأدبي عن الشيوعيين صوب تأسيس طلاقة شيوعية في دنيا الإبداع. وكان عنوان الورقة "نحو حساسية شيوعية تجاه الإبداع والمبدعين" (إبريل 1976). وقيل أن التشبه بالنابهين فلاح.
ولم يبلغ حديث عبد الوهاب تمامه بعد. وطالت هذه الكلمة عن شيبون فوق ما قدرت. وأنا أسعد الناس بذلك. فحياة الرجل ريحانة فاح عبقها السجين. وربما كانت عنواناً لحياة دنيا جيل، وكفاح جيل، وموت دنيا جيل
| |
|
|
|
|
|
|
شيبون : جمر الجسد، صندل الشعر (Re: bayan)
|
شيبون : جمر الجسد، صندل الشعر
عبد الله علي إبراهيم
لو أخذنا الأشياء بالظاهر لم يكن ذلك اليوم من اكتوبر 1961 يوماً أوحت دلائله بإقدام الشاعر الشيوعي شيبون (1930-1961) علي الانتحار فيه. فلم يكن بين تلك الأيام والليالي العديدة التي استوحش فيها الشاعر عن نفسه ومحيطه وحشة استحلي بها الموت. ولكنه اختار ذلك اليوم بالذات ليعلق نفسه بعمته من مرق سقف بدار السيد أحمد جابر بمدينة الحصاحيصا ليرحل إلي دار البقاء. ولم يمت الشاعر قليل الجثة بكسر العنق بل اختناقاً. كان اليوم الإكتوبري يوماً تكنفه دفء الأسرة. فقد ودع أمه وأخته عند محطة سكة حديد الحصاحيصا بعد إجازة قضياها معه ببندر رفاعة حيث كان يعمل بمدرسة "الأمل" الوسطي للبنات لصاحبها مجتبي عبد الله. وربما رتب لهما زوادة لرحلة عودتهما لديم أبي زبد بكردفان بشيء من كنتين المحطة: جبناً وطحنية وطعمية وخبزاً وموزاً وعلبة من عسل الأسد البريطاني. وكما تقتضي طقوس الوداع ومواقيته ربما انتظر شيبون حتى صفير كمساري القطر له بالرحيل ليدس في يد الوالدة بالمصروف ويري كيف سرت كهرباء القبول علي وجهها القديم مشرقاً بالعفو والرضا والإجازة.
لو أخذنا بالظاهر لم يكن انتحار شيبون مما يتمخض عن يوم في بر ذلك اليوم ورضاه. ولربما تأخرنا طويلاً جداً في تحري هذه الواقعة الفاجعة واكتفينا بقشور منها. فقد توارثنا واقعة هذا الموت الغاشم عن المرحوم صلاح احمد إبراهيم، صديق صبا شيبون وزميله في الحزب الشيوعي في الخمسينات، كبينة أخري علي لؤم أستاذنا عبد الخالق محجوب وحزبه الشيوعي. ونحن إذ نجدد النظر فيه نستلهم كلمة الأستاذ كمال الجزولي الغراء عن انتحار المرحوم الشاعر عبدالر حيم أبو ذكري الذي انقذف من مبني عال بموسكو في ابريل 1990. ولم يمنع حرج المسألة المعلوم كمالاً من الخوض في موت أبي ذكري من حالق بكلمة مكتوبة بماء الحساسية. وهي الكلمة التي قال كمال أنها من فروض ولائنا لأبي ذكري. وأضاف أنه من حقه علينا أن نأخذ المهمة العسيرة التي لا بد منها وهي تحري اغتياله بجدية وأن لا نسمح بانتزاع "واقعة انتحاره من مجري التاريخ الأدبي في السودان لتقبرها في طوايا الحياء الاجتماعي المتخلف والنجوى الخاصة المحضة ولا خير في كثير منهما." ولم نزدد بفضل تحري كمال الوثيق علماً بموت الشاعر فحسب بل و بجغرافيا العوالم الغراء التي ناشدها يوماً أن تنتظره:
إنتظرني، فأنا أرحل في الليل وحيدا
موغلاً منفردا
في الدهاليز القصيات إنتظرني
في العتامير وفي البحر إنتظرني
إنتظرني في حفيف الأجنحة
وسماوات الطيور النازحة
وقت تنهد المدارات
وتسود سماء البارحة
إنتظرني
ولسنا نرمي من وراء تحرينا لانتحار شيبون تبرئة أحد طالما تواتر الدليل علي تورطه في اغتيال الشاعر. وغاية المأمول من تجديد ذكري شيبون هو هز راكد عقيدتنا عن موته كما أرادها لنا صلاح ومن تبعوه بإحسان وبغيره. فمتي زللنا ميدان التحري من عقابيل العقيدة الصماء السائدة انفتح الباب علي مصراعيه للنظر الطليق ما التزم الدليل والبرهان.
حين يموت الشاعر "ينفصل الجمر عن صندل الشعر" كما قال محمد المكي إبراهيم في مرثيته للمرحوم المجذوب. ولو فهمت مغزى البيت فود المكي أراد القول أن جسد الشعر يذهب إلي مستقر له ويبقي الشعر فينا. والحال غير ذلك حين ينتحر الشاعر. فجمر الجسد يبقي كأنه يستصرخنا الثأر ممن اغتالوه خلال تأديته لواجبه الرسمي في فتح الكون بالقصيد، في عبارة بليغة للتيجاني يوسف بشير.
وأراد شيبون بالفعل أن يبقي جمر جسده صقيلاً مشعاً. فلم يكن انتحاره مثل انتحار الشاعر الروسي الثوري مايكوفسكي ( 1929) الذي التمس من أمه وأخوته ورفاقه ألا ينشغلوا بموته أو يلاحقوا من حمله عليه. فهذا عنده لغط وهو لم يكن من اللاغطين. خلافاً لذلك قصد شيبون أن يشهر بمن نغصوا عليه حياته بمضاضة التجني علي وقد جسده وجمره. فلما جاء بوليس الحصاحيصا ليتحرى انتحاره وجد في جيبه مذكرة عن ضيقه بالحياة بسبب تجنى ثلاثة من زملائه المدرسين بمدرسة الأمل وذكرهم بالاسم. واستجوب البوليس المدرسين المذكورين ولم يجد بينة يقيم عليهم بها جرماً بموت الشاعر. وأطلق سراحهم. وكان المدرسون الثلاثة من أعضاء الحزب الشيوعي أو من العاطفين عليه. واتضح لاحقاً أنهم كانوا حرباً عليه. فقد كانوا عيروه بسقوطه من شاهق التفرغ للحزب والقضية، أي ما وصفناه ب " الأفندي المضاد" ليصبح أفندياً آمناً بماهية ومربوط ماهية وآخر صرفية.
كان ظاهر يوم انتحار شيبون نجاحاً يتمنى المرء أن يدركه. ولكنه كان غير ذلك عنده. كان يوماً تحسب له وخشي منه كما ورد في مقال له بجريدة الأيام (10 أو 25 إبريل 1960 حسب روايتين مختلفتين للتاريخ). ففي المقال كشف شيبون عن اضطرابه بين أن يكون افندياً أوأفندياً مضاداً. وقال أنه وطن نفسه علي أن يكون الأفندي المضاد في تجربة جاسرة بين الكادر المتفرغ في الحزب الشيوعي بين 1952 وحتي نحو 1958. وقد طلب بهذه التجربة الحرية من قفص الأفندي الذي كان منتهى طموح وديدن كل خريج مثله. ولكن تداعت التجربة التي تناصر علي هدمها مجتمع لا قبل له بالأفندي المضاد ورفاق خذل. وما أن انطوت صفحة هذه التجربة الجاسرة الخاسرة، التي أصبح بعدها افندياً وجيهاً، حتى تنفس الجميع الصعداء وتراصوا يشيرون له بالبنان. وختم شيبون كلمته بما حياهم به وهو : "عاشت بلادنا . . . بلاد الأفندية!"
حين عبأ شيبون قفة زوادة أسرته بالجبن والطحنية وعسل الأسد البريطاني ومدها بنافذة القطار ثم أودع المصروف كف الوالدة علم شيبون أنه قد بلغ من الأفندية مبلغاً لا يريد بعده أن يقطع النيل من الحصاحيصا إلي رفاعة. لم يرد أن يري شماتة أولئك المدرسين الشيوعيين. فسينهض طقس "تسفير" الأم والأهل دليلاً علي هروبه من وعثاء الأفندي المضاد لينعم بأمن الأفندي. وقد وصف لي أحدهم الأفندي المضاد يوماً بأنه حالة خاصة من عقوق الوالدين. وربما قصد شيبون بانتحاره في يوم سؤدده كأفندي أن يحتج علي سوءات "بلاد الأفندية." ولكن ليس قبل أن ينحت علي جمر جسده اسماء عصابة الثلاث التي حالت دونه والنيل الأزرق ومدرسة "ألأمل" التي أجرت عليه رزق الأفندية المهين.
أي موت؛ ناهيك عن الموت انتحاراً، لم يسأل بعده حبيب أو قريب ما الذي هجس في خاطر الميت قبل أن يلقى حتفه. ولسنا ندري لماذا يؤرقنا حصاد الخاطر الأخير هذا. وقد زكي لي الأستاذ عبد الوهاب سليمان أنه ربما هجس لشيبون خاطر من قصة ترتبت عن تكليف أستاذنا عبد الخالق محجوب لهما عام 1955 بمهمة حزبية ما. يذكر عبد الوهاب أن أستاذنا، الذي كان كثيراً ما يغشي منزل صديقه أحمد سليمان شقيق عبد الوهاب، سأل عبد الوهاب أن يذهب إلي دار شيبون بحي البوستة ليأخذا معاً متفرغاً بالحزب من أهل رفاعة مسه شيء من ناس بسم الله إلي مقابلة نظمها أستاذنا مع المرحوم التيجاني الماحي. ويتذكر عبد الوهاب أن الرفيق كان صعباً وحملاه حملاً علي ركوب التاكسي وظل يهرف بقول غير مفهوم طوال المشوار. وما بلغا عيادة التيجاني حتى وجدا في الانتظار بها صحفي معروف من حزب الأشقاء. وأثارت مخائل جنون متفرغ الحزب والصحفي الشقيق كوامن شيبون فمضي يحدث عبد الوهاب عن الضغوط الاجتماعية علي من يحترف السياسة وكيف تفضي به إلي اختلال النفس وعلل الوجدان. وكان عبد الوهاب علي معرفة بمثل هذه الضغوط المفهومة من أسرة شيبون عليه بحكم أنه كبير الأولاد الذي خطبت وده الوظيفة فجافاها ركضاً وراء مغامرة أخري. وكان يتفادى السفر إلي أبي زبد خشية أن يرى بأم عينيه تلك الحاجة الأسرية التي صبأ عنها إلي السكة الخطرة.
ربما أبترق في خاطر شيبون الغبين وهو يلفظ أنفاسه انتحاراً مالآت الصحفي من الأشقاء الذي رآه في قائمة المنتظرين ذلك اليوم في عيادة التيجاني الماحي للأمراض العصبية. فقد انتحر الرجل يوم عيد الاستقلال الأول من يناير 1956 والعلم الذي اشتهاه أبداً قد استقر فوق السارية. فقد كان الصحفي الشقيق يريد للملأ أن يقرأ انتحاره علي خلفية خفوق ورفيف هذا العلم المقدس طوي. ومثله أيضاً أراد شيبون الرفيق أن يقرأ الناس انتحاره من بين اضابير دولة الأفندية وبحيثيات زملائه الشيوعيين في مدرسة "الأمل" برفاعة
| |
|
|
|
|
|
|
شيبون : الفارس معلق (Re: bayan)
|
شيبون : الفارس معلق
عبد الله على ابراهيم
نحاول منذ حين في هذه المقالات وضع وفاة الشاعر الشيوعي محمد عبد الرحمن شيبون (1930-1961) في سياق سياسي واجتماعي وفكري قصدنا منه أن يوفر لنا فهماً أفضل لرحيل هذا الإنسان العذب. وكان اختار لمغادرة الفانية الانتحار وهو الحل الذي قال المنتحر الأكبر، الشاعر السوفيتي فلاديمير مايكوفسكي، أنه حل لا يوصى به أحداً برغم لا أنه لا مخرج سواه. واتجهت المقالات بشكل رئيسي لتجديد ذكري المرحوم بعد أن جمده الشاعر صلاح احمد إبراهيم في بيت شعر من قصيدته "أنانسي" (غضبة الهبباي 1965) وهامش له. وهما من نفثات صلاح ضد أستاذنا عبد الخالق محجوب وحزبه الشيوعي. وقد قر في فهمه أنهما قد دفعا شيبون دفعاً للانتحار. ولم نقصد بالطبع من العودة لموت الشاعر شيبون تبرئة أحد ممن استحق التجريم بحق القتيل. وقد رأينا الشاعر نفسه كتب أسماء من نغصوا عيشه بمدينة رفاعة وطواها في جيبه قبل أن يسلم عنقه طوعاً لعمامته في ذلك المنزل بمدينة الحصاحيصا في يوم في أخريات عام 1961. ولكننا من الجهة الأخرى لم نرد للشاعر القتيل أن يكون مجرد معروض قضائي دليلاً علي بؤس الحزب الشيوعي كما أراد له صلاح علماً بأنه لم يبق من شيبون للجيل الطالع سوي ما كتبه صلاح نفسه عنه. وقد نمت معرفتي أنا نفسي بالشاعر أضعافاً منذ بدأت كتابة هذه المقالات التي قدرت أن افرغ منها عند الحلقة الثالثة فإذ هي قد تجاوزت السبع وقد تزيد. وقد شد من أزري فيها نفر من مثل الأستاذ عبد الوهاب سليمان من زملاء شيبون وحافظي ذكره حتى أنني لأعده كاتباً للمقالات علي قدم المساواة من فرط إحسانه.
وجدت في مواقف الشيوعيين من شيبون مفارقات لافتة للنظر. فهناك من ناصبه العداء وهناك من ظل يحتفل به بغير تثريب. وهذا دليل أنه لم يكن للحزب نفسه توجيهاً أو آخر بشأن الرجل. وما كان له أن ينبغي. فشيبون لم يستقل برأي سلبي في الحزب ولم يستقل حتى منه. الغاية أنه، لملابسات إفراطه في الشرب مما سنأتي عليه في حديث قادم، ترك التفرغ بحلقته القائدة باتفاق مع مركز الحزب كما رأينا في اللقاء الذي انعقد بينه وبين أستاذنا عبد الخالق محجوب. وعليه فقد خضع تعامل الشيوعيين معه إلي اجتهادات فردية وإقليمية ربما شاب أفضلها شيء من سوء ظن الشيوعيين المقيم، مستر وغير مستتر، في من اختلف معهم أو حتى من انحدر دركاً وما زال بينهم مثل شيبون. ولم تزل هذه البغضاء او الوسوسة مع الشيوعيين للأسف. فقد رثيت لهم ينعون في صحيفة الميدان المرحوم الخاتم عدلان بقرينة أنه لم يكشف أسرار وخبايا الحزب حين ترك ساحته. فالخارج عنهم مخبر حتى يثبت العكس ويذكر له ذلك قبل حساب الملكين . وقد خرجت منهم قبل سنين وأكرمني جهاز الأمن بأنه لم يستدعني إطلاقاً ووقرني فلم يظن بي ظن السوء وأكل لحم المناضلين حياً. فتأمل.
وجدت أقوي الأدلة علي لؤم الشيوعيين حيال شيبون في ما كتبه الدكتور خالد المبارك (الرأي العام 8 فبراير 2005) في استرجاعه لذكريات من شبابه الشيوعي يوم فصلوه من الجامعة وعمل مدرساً بمدرسة أهلية للأولاد بها حتى غادر لبعثة دراسية بألمانيا الديمقراطية في خريف 1960. قال خالد: "والمعروف أن شيبون انتحر بعد أن قاطعه الأصدقاء وسدت في وجهه الأبواب. . . كما عرفت شيبون وكنت أحد الذين خاصموه عندما صدرت الإشارة بذلك، و أذكر أنني التقيت به أمام مبني المديرية بمدني وكنت مفصولاً من الجامعة أيام حكم الفريق عبود فتفاديت المرور بناحيته ولم أزره في رفاعة حيث كان يعمل بمدرسة البنات وكنت بمدرسة البنين". وأضاف في رسالة خاصة لي أنه لا يعرف عن اتهام حزبي معلوم لشيبون غير أنه أصبح غير مقبول بعامة وتفاديه أوجب. وأضاف خالد أيضاً أنه لم يضع اسم شيبون ضمن قائمة المدعوين لحفل أقامه له نفر من أصدقائه وزملائه برفاعة. وقال أنه لما التقي به في مدني كان في مهمة حزبية شديدة التأمين. فغير طريقه وأشاح بوجهه عنه غير أنه متأكد أن شيبون قد رآه. وكان خالد قد تعرف علي شيبون في مدينة كوستي حين عمل الأخير بها متفرغاً شيوعياً لبعض الوقت. واعترف خالد بفضله المعروف لصديقنا الشاعر شابو أنه ربما كان من ضمن أولئك الذين طعنوا شيبون من الخلف بشكل غير مباشر. وربما كانت تلك الإشاحة هي بعض ما ذكره شيبون عن الزملاء الذين أداروا له أكتاف باردة لم تكن حارة في يوم ما أبداً. وقد عض دكتور خالد بنان الندم علي لؤمه بالوكالة وقال أنه شرب من الكأس التي سقاها شيبون في مدني ورفاعة فقد تحاشاه خلان وخاصمه أعزاء بعد تركه الحزب.
من الجهة الأخرى كان شيبون موضع حفاوة جهات متنفذة في الحزب في الفترة التي سبقت انتحاره مباشرة. فقد بعث شيبون بقصيدة عن لومببا، رئيس وزراء الكنغو وشهيد حركة التحرر الوطني الأفريقية، قال أنها "كتبت علي عجل ولا بد أنها لا تخلو من نواقص. لقد أرسلت هذه القصيدة إلى جريدة "الرأي العام" منذ يوم 15-12-61 ولسبب ما لم تنشر حتى الآن وكان غرضي من إرسالها لهم هو نشرها بسرعة علها تؤدي بعض الفائدة لخدمة هذه القضية الهامة فإذا لم تنشرها الرأي العام حتى وصول رسالتي هذه إليكم فأرجو التكرم بنشرها. وبهذه المناسبة إنني في وضع الآن يمكنني من الكتابة إلى صوت المرأة. أرجو أن اوجه إلى نوع الخدمات التي يمكن أن أساهم بها في مجلتكم المتقدمة الموفقة مع خالص تحياتي."
وقد أخجل تواضع شيبون محررة المجلة وهي الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم. فشكرته علي رسالته ونشرت القصيدة في مكان آخر بالعدد (أبريل 1961) (أنظر الصندوق المرفق لتجد القصيدة). وأكدت لشيبون ترحيبها الحار بقلمه وأضافت: "ونعتقد أن شيبون يطلب توجيهاتنا من باب التواضع. وإذا كان المثل الذي يقول "أعط الخبز لخبازة" صحيحاً فإن شيبون خباز ماهر ولا نطلب منه إلا أن يقدم لنا ما يخبز."
وبلغ صفاء أفراد من الحزب حيال شيبون حد رثائه بعبارات فائقة الود . فقد بكاه المرحوم الحاج عبد الرحمن بقصيدة نشرها في ديوانه "أنا عطبرة" (بلا تاريخ والواضح أنه نشر بعد انقلاب مايو 1969) وكان قد صاغها في يناير 1962 . وعنوانها "أفق" (بفتح الهمزة وكسر القاف). وهو يسأل شيبون، الموصوف بالفارس في القصيدة، أن يفق ليصوغ للفجر الذي أطل ألحانه بعد انهيار سدود الليل:
أحقاً قد مضي شيبون في تابوت إنسانا؟
أم الناعون ذلك قد جنوا زوراً وبهتانا؟
فإن قد فارق الأحياء في ضجر وكم عاني
فإن جميل ذكراه سيبقي رمز طوفانا.
وقد وجدت المرحوم الحاج قد رثي ايضاً الزميل خليل نصر الدين الذي توفي في 1953 بداء الصدر وبكاه أستاذنا عبد الخالق كما ذكرنا. وقال أنه حي في ملامح الرفيقة الباكية الطموحة وفي وقائع "كل يوم كالنشيد" و "في القطن يجني في الجزيرة في تلودي" و "في مصر في الفيتنام وفي الصين البعيد." رحمهم الله أجمعين.
وفي حديث قادم نخرج من إطار التحقيق البوليسي الذي نصبه المرحوم صلاح أحمد إبراهيم منذ نحو نصف قرن حول من قتل شيبون إلى علم أفضل بالشروط الكاملة لحياة شيبون التي ساقته إلى الانتحار. وسنبدأ في الأسبوع القادم بمنزل بحي البوستة بأم درمان.
حاشية: كنت قلت أن شيبون قد انتحر في اكتوبر 1961. والتواريخ الواردة في هذا المقال تشير إلى تاريخ متأخر نوعاً ما ربما كان أواخر ديسمبر 1961. وستنحل هذه العقدة متي عدت قريباً إلى جرائد تلك الفترة.
صندوق
لومببا
يا لومببا
أي اسم في ذري التاريخ أربي
وتناهي
صار للشهداء قطبا
هام بالكنغو فشق له علي الألغام دربا
ناداه للبذل الضنين فكان قلبا
هزه شوق إلى المجد فلبي
وتحدي ملء سمع الكون غربا (أي دول الغرب)
هم أرادوا أن تكون الغصن سهل القطف رطبا
فكنت صلباً ،كنت كالفولاذ صلبا
أصليتهم حمم الكفاح
وسمتهم ركلاً وضربا
حسبوك فرداً اعزلا
لا يستأم ولا يلبي
فتفجرت قمم الجبال
ودوت الغابات شعبا
فإذا همو ملء السهول
كتائب كالثأر غضبي
وتحولت سود العيون مشاعلاً تشتاق حربا
عف السلاح علي يديك
فما استبد ولا تخبا
لو كنت سفاحاً غليظ القلب ذئبا
لأبدتهم وصلبتهم كالضأن صلبا
ولسقتهم نحو الحتوف
عواجزاً كلباً فكلبا
يا هيئة (هيئة الأمم المتحدة) جمعت لصوصاً
لا تري في القتل ذنبا
جندت قطاع الطريق
ودنت بالدولار ربا
أوكلت قرصان (عميل الاستعمارية العالمية) القرون
فاصبح الميثاق تربا
ضللت بالأمن الشعوب
فما استقر ولا استتبا
قد كسر الشعب القيود
فمن يذل اليوم شعبا
لا تحسبوا من مات مات
فإنه حي لومببا
هو في مياه الكنغو يجري
صاخب الأمواج عذبا
هو في اهتزازات الغصون أصفي ندي
وأعم خصبا
هو في التماعات النجوم
تبثه ضوءاً وشبا
هو في قلوب الطيبين
تحوطه عطفاً وحبا
هو في قوانين الحياة مضي إلى الآفاق رحبا
هو في ضياء الشمس
دفء
مرسل شرقاً وغربا
هو قصة التاريخ تضوي سيره درباً فدربا
لا تحسبوا من مات مات
فإنه يحيا بنا، يحيا لومببا
| |
|
|
|
|
|
|
شيبون وعبد الخالق (5) (Re: bayan)
|
عبد الله علي إبراهيم
شيبون وعبد الخالق: الشعر بفمه الأهتم، وأنت بحفلات التأبين
كتب أحدهم علي صفحات سودانيزأونلاين بالشبكة كلمة بعنوان "عبد الخالق محجوب ورفاقه أبطال من كرتون يحملون سيوفا من خشب" (12-4-05) قال فيها أن أستاذنا عبد الخالق محجوب ليس بشيء. وتوالت عليه تأكيدات الشيوعيين انه بشيء وأكثر. وأخذوا يسوقون القصيدة في رثائه بعد القصيدة بعد القصيدة في بيان ميزة الرجل. وهي قصائد أوسعوها المرحوم. وكأنما توقع كاتب سودانيزأونلاين منهم ذلك فقال لهم انصرفوا بقصائدكم عني وقولوا لي "وبخشمكم الذي سيأكله الدود" من هو عبد الخالق في كلمتين أو ثلاته. ويطلق أهل هذا المنبر بالإنترنت علي مثل سوق القصائد وكتب الزعماء من قبل اتباعهم مصطلحاً ذكياً هو "عتالة النصوص". واشتهر بها الجمهوريون من أنصار المرحوم محمود محمد طه. فما تغلط وتكتب ما لم يرضوه عن فكرهم حتى عرضوا عليك نصوص الأستاذ كلها، بلا استثناء، حرفاً وشكلة.
وهكذا لم يعد أستاذنا عند الجيل الشيوعي الذي لم يشهد مأثرته عياناً بياناً سوى قصائد مادحة بينما احتكر خصومه نثر هجائه: عدو الخالق، صانع الانقلابات ومنكرها ثلاثاً، المنبطح علي النصوص الماركسية، العاطل المنعم باسم الشعب، المستبد صاحب النظرات المفخخة يديرها فيصيب ويصيد، وشيخ الطريقة ذو الغارات يحرق بها من خاف على نفسه من منافستهم: الجنيد وقاسم أمين وخلق كثير. لقد قتل الشعر بفمه الاهتم أستاذنا عبد الخالق وقتله الشيوعيون بحفلات التأبين كما ورد في عبارة جيدة لود المكي في رثاء صديقنا الشاعر علي عمر قاسم.
ربما تأخرنا جداً في فك ارتباط مأثرة الشاعر الشيوعي محمد عبد الرحمن شيبون (1930-1961) عن مدونة المرحوم صلاح أحمد إبراهيم. فقد اقتصر علمنا بشيبون علي ما كتبه صلاح عنه. وهي كتابة شحيحة ومغرضة. فلم يزد ما كتبه عنه من بيت شعر في قصيدة "أنانسي" (ديوان غضبة الهبباي) هجا بها صلاح أستاذنا عبد الخالق محجوب لدفعه شيبون للانتحار. واتصلت بالبيت تحشية اقتطف فيها فقرة من كلمة كان شيبون نشرها عام 1960 بجريدة الأيام.
وظل هذا الاتهام لأستاذنا معلقاً فوق رؤوس الشيوعيين لا يملكون له صرفاً ولا عدلا. وهذا من سحر الشعر ووقعه. وقد ذكرني الأستاذ غازي صلاح الدين بالأمس بقول المتنبىء في التحريج من عداء الشعراء: "فإن عداوة الشعراء بئس المقتني." وبلغ بالشيوعيين الخزى من الأمر انهم لا يريدون لأمر شيبون أن "ينبش" في عبارة لأحدهم سألته في الأسبوع الماضي أن يدلي بما عرف عن شيبون. ولم يترك شيبون مجالاً لمستزيد حول هوية الذين ساقوه سوقاً إلي الانتحار. فقد كتب أسماء الشيوعيين الثلاثة أو العاطفين علي الشيوعيين من زملائه المدرسين علي مذكرة احتجاجه علي الحياة التي وجدتها شرطة الحصاحيصا في جيبه علي جسده المتأرجح من السقف. بل قال لي عبد الوهاب سليمان أنه كان قد بعث له رسالة في هذا المعني رسخت له منها عبارة جاء فيها: "بعنا لهم أنضر سنوات العمر بتراب الجحود". وقد كتب نفس الشيء لزميله الأمين أبو ممن تشرد معه من كلية الخرطوم الجامعية عام 1952.
أريد في "جرد حساب" محنة شيبون الذي انشغلت به منذ أسابيع أن افرق بين تبعة مزعومة لأستاذنا عبد الخالق في انتحار الشاعر وتبعة حزبه. وهي تفرقة قصدنا منه أن تعين علي الفهم الحسن لهذه المسألة المعقدة لا طمسها وتفريق دم شيبون بين القبائل. وسنرى كيف ميز شيبون نفسه بين من أحسن إليه من الشيوعيين ومن أساء.
اتفق الرفيق حسن سلامة والأستاذ عبد الوهاب سليمان أن أستاذنا عبد الخالق محجوب لم يكن يرتح لشيبون. بل ألمح لي الإنسان الشيوعي الحبيب حسن سلامة (طال عمره وخيره ونبله) من أن شيبون ربما دخل في مواجهات مع أستاذنا بحكم كتاباته الأدبية. ويرى حسن سلامة أن قصيدة "تذكر يا أخي" المنشورة بجريدة الصراحة هي موجهة إلي أستاذنا تذكره له بوثاق القضية التي جمعت بينهما. ومن أسف إننا لم نقع بعد لا على القصيدة ولا ردة فعل أستاذنا لها. وسنترك مناقشة الأمر هنا حتى يتوفر لي أو لغيرى الوقوف علي جلية الأمر. ووجب التنبيه مع ذلك أن ما يكتبه الكاتب مرة ليس هو رأيه في كل مرة. فقد نشرت أنا نفسي كلمة جافية بحق أستاذنا في عام 1968 ثم ما لبثت أن وجدتني أخطو خلفه في السكة الخطرة. وأحبه جداً.
ربما طمع أهل الفضل في دور أميز لأستاذنا في استنقاذ شيبون. ولكن الواقعية تقتضي أن نحاسبه علي ما تمليه مسئوليته في قيادة حركة سياسية آخذة في الاتساع وفي ملابسات نظام عسكري قيد من طلاقته.
تسنى لي لقاء الأستاذ محمد إبراهيم نقد خلال غملته الثالثة. ورميت له سؤالاً عن شيبون زميله علي عهد حنتوب (194 وكلية الخرطوم الجامعية حتى فصلا معاً في 1952 بعد إضراب 17 نوفمبر من نفس السنة احتجاجاً علي مناورات إنجليزية أتينا بطرفها في كلمة مضت. وقد استفاد نقد من بعثة عرضت للحزب من بلغاريا بينما تفرغ شيبون لعمل الحزب. ثم أخذ شيبون للشراب مما لا يستغرب في ثقافة "القعدة" الوطنية والشيوعية مما سيكون موضوع حديث قادم. وافرط شيبون في الشرب. وخشي الناس عليه خاصة بعد فترة قضاها معتقلاً. وتدارس مركز الحزب مسألته واستقر الرأي علي رفع تبعة التفرغ عن كاهله. وأوفد المركز استاذنا والمرحوم الشفيع أحمد الشيخ (أو المرحوم إبراهيم زكريا) لمناقشته في الأمر. وقال نقد أنهما عرضا عليه أن يذهب في بعثة دراسية إلي دولة بالمعسكر الاشتراكي أو يشتغل بالتدريس. وقد جاء شيبون بهذه الواقعة حرفياً في كلمته بجريدة الأيام (1960) التي أخذ منها المرحوم صلاح أحمد إبراهيم ما ناسبه في هامشه من قصيدة "انانسي" (غضبة الهبباي) وترك الباقي. وفي هذا الباقي المتروك يصف شيبون أستاذنا وزميله من المركز بالفضل لأخذه بعيداً عن مدرج سكة الأفندي المضاد الخطرة، وهي سكة إدارة الظهر لشغل الأفندية المأمون، ونذر النفس لقضية العدالة الاجتماعية. فقال: "ولن نعدم سلاحاً إذا كنا نحارب عواطف إنسان. ومن بعيد جاء الأهل بدافع من حرصهم وأجبروني علي أمور روضت نفسي علي قبولها. وكما ينحسر ماء النهر في فصل الجفاف تلاشت حماستي وتدثرت بحكمة الجيوش المنهزمة وبدأت أتراجع بانتظام. وتفضل ضابط مباحث فأجهز علي البقية الباقية باسم القانون واجتزت آخر المراحل بعون رجلين فاضلين." وكان ثاني اثنين منهما إذا هما في وفد مركز الحزب هو أستاذنا عبد الخالق.
ولم يعرض أمر شيبون علي أستاذنا إلا ألقى السمع وهو شهيدا. فقد حدثني الرفيق حسن سلامة عن انزعاجه لما آل إليه حال شيبون من انصراف إلي الشراب واعتكاف بالمنزل. وقد تقدم قولنا أنه كان بين سلامة وشيبون ود عظيم. وكان شيبون يتخذ سلامة قدوة ومثلاً. وقال سلامة أنه قابل أستاذنا عبد الخالق بشأن شيبون وطلب أن يصطحبه إلي الأبيض التي هي مقره كالسكرتير السياسى للحزب الشيوعي بمديرية كردفان. واستحسن أستاذنا الفكرة وأجازها. وأضاف الأستاذ عبد الوهاب سليمان أن شيبون أقام بمنزل السيد مكي عبيد الموظف بشركة مركنتايل بشرط أن يكف عن الشراب وبملاحقة من سلامة دقيقة ورؤوفة. واستعاد شيبون نفسه السياسية والشاعرة في الأبيض. وما لبث أن تسلل عائداً إلي الخرطوم في ملابسات نأتي عليها في حديث قادم. وقال سلامة أنه لم يعلم برجوعه ولكنه أخذ يتفادى لقاءه متي كان بالخرطوم.
وصف شيبون لأستاذنا بالفضل كلمة صادفت أهلها. فأستاذنا، علي نفاذ عقله ومتانته، رجل رقيق الحاشية يصغي للعوجة ويسد الفرقة. وهذا بعض تربيته. فقد توفيت والدته، أم النصر الحسن في عام 1944، وهو في السابعة عشر من عمره. وتركت صغاراً بين من هو في الرابعة (المرحومة هدى) ومن هو في السابعة (محمد). وكان رحيل الوالدة الأميرة الدبيرة هزة لم يسلم البيت بعدها وبخاصة والده الذي قطعت رأسه أبداً حتي وفاته في 1956. وتولى عبد الخالق مع اخته آمنة رعاية الزغب والوالد. فكان يأخذ هدى إلي مدرسة الراهبات في طريقه لمدرستة هو ثم يعود بها بعد الظهر. وكان هو الذي ردف محمد على العجلة وأدخله المدرسة الوسطي في حي العرب بمعرفة الرفيق آدم أبو سنينة وآخرين.
وعرف استاذنا عن كثب ما يجره خيار الأفندي المضاد، أي من تفرغ للعمل السياسي الشعبي واشمعل في السكة الخطرة، علي أسرة أملت أن يرفع من شأنها بأجر الأفندي الجزيل. فقد صبر والده علي قراراته في السفر إلي مصر وهجران كلية الخرطوم الجامعية ثم قراره الذي فاتح فيه الأسرة وهو تبني الشيوعية خطة في حياته، ثم اعتقاله في مصر. وآزاره الوالد بوجع لم يخف علي أحد. ولما عاد مصمماً للتفرغ للعمل الحزبي زاد الأمر ضغثاً علي إبالة. واضطر أن يعمل بجريدة "سودان هيرلد" لفترة محدودة إرضاء للوالد. وقالت السيدة فاطمة محجوب: "ولا أنسي أول ماهية لعبد الخالق وكيف صرفت علي كسوة العيد وشراء راديو وادخال الكهرباء للبيت."
وكان الانتحار بعض عاصفات حياة أستاذنا المركزية. فقد انتحرت أخته هدى في 1960 وهو رهين كوبر وأخوه محمد قعيد سجن الرصيرص. وحرموه أن يزورها في المستشفي وهي تلفظ أنفاسها بين حرائق جسدها الفاقعة. وخرج من السجن لفراش البكاء. وكتب لأختيه، آمنة وفاطمة، رسالة من السجن يقويهما علي نائبة الدهر ويستوحي من صبرهما قائلاً: " "وإنني في هذه الظروف الشديدة الحساسية أود أن أؤكد لكما عزمي المصمم علي المضي في طريق الاستقامة والشرف. ولكنني أيضا أؤكد لكما إننا سنشهد بزوغ الشمس في منعطف الطريق وسيبتسم محمد وهدى والجميع من حولنا." وقالت فاطمة لقد صدق واحتفل الحي كله معنا بثورة أكتوبر 1964 وخروج محمد من السجن. واتفق أهله أنه لم يبلع غصة هدى حتى فارق الدنيا.
وأستاذنا بكاء. بكى يوم حمل نعي الرفيق خليل لإخوته في البيت في عام 1951. وقال أخوه محمد أنه لم يره يشرق بالدمع لا قبل ذلك ولا بعده. وتلك حكاية ترد.
| |
|
|
|
|
|
|
شيبون: كان بدري عليك (Re: Adil Al Badawi)
|
شيبون: كان بدري عليك
عبد الله علي إبراهيم
حاولت في سلسلة مقالاتي عن المرحوم محمد عبد الرحمن شيبون (1930-1961)، التي اختمها اليوم، فك ارتباط مأثرته ومأساة انتحاره عن تدوين وتأويل صديقه المرحوم صلاح أحمد إبراهيم لهما. فقد نفث صلاح في عرض محنة شيبون غضبته هو نفسه على الحزب الشيوعي وعلى أستاذنا عبد الخالق محجوب. فقد قال إن شيبون هو ضحية من ضحايا أستاذنا. وأستاذنا عند صلاح واحداً من ستالينيي (جمع ستالين) المناطق الحارة. وقد كان أكثر همي في هذه المقالات أن نحصل على علم أفضل بمحنة شيبون مما علمنا صلاح منذ أن نظمه في قصيدة "أنانسي" في ديوانه "غضبة الهبباي" الصادر في 1965. وقد حاولت رد هذه المحنة إلى البيئة السياسية والاجتماعية التي اكتنفت حياته القصيرة. وهي بيئة التفرغ للعمل ضمن الحلقة القائدة للحزب الشيوعي. وقد سميت هذه البيئة ب "الأفندي المضاد" جرياً وراء مصطلح صكه الشيخ حسن الترابي في لقاء لي معه عام 1996. فمعظم هؤلاء المتفرغين كانوا ممن جهزوهم للعمل في دواوين الدولة بأجر مرغوب معلوم ولكنهم اختاروا طوعاً وظيفة أخري يهدمون بها هذه الدولة ليبنونها علي نهج يخدم مصالح كادحي السودان. وهذه الهمة هي ما وصفه الإنجليز ب "النشاط الهدام".
ومما يؤسف له أن وقائع ومتاعب وخسائر هذه الحلقة المتفرغة محاطة بكتمان رفاقي حال دون وضعها تحت مجهر النقد والتقويم. فحتى المتفرغين الذين خرجوا على الحزب غالباً ما دسوا ضيقهم بشروط حياتهم المستحيلة وتحدثوا عن مسائل العقيدة والتكتيك وهلمجرا. فلا أحد يريد أن يطلع الناس على خفايا خيبته في الوظيفة التي اختارها يوماً بحماسة وتفاؤل. وهذا الستار المسدل على شقاء الأفندي المضاد إهمال مرموق لأمية (في لغة الكهرباء) الحزب التي عليها مداره ووهجه. فحلقة متفرغة الحزب في وسط دائرة العمل القيادي. ولا يصلح إلا بها. وقد فسدت كل مناقشات تطوير الحزب لما قصر الحزب دون تنمية منهج لتقويم وتصويب هذه الحلقة المتميزة في منظومة القيادة. ووقع هذا الإهمال في شكم هذه الحلقة حتى بعد أن شكي بعض من خاض تجربة التفرغ بالصوت الجهير. فقد كتب الأستاذ احمد علي بقادي عن نواقص حياة التفرغ كلمة شجاعة في كتابه "صحافة بالسياسة" (1971مايو). ولا حياة لمن تنادي.
فقد تفرغ بقادي للعمل كصحفي بجريدة الميدان الشيوعية في خمسينات القرن الماضي بعد هروبه من مصر التي تلقى بها بعض التعليم الجامعي. وكان أجره الشهري من الصحيفة عشرة جنيهات. ورأينا بالمقارنة أن مرتب الزميل حمري، ناظر المدرسة الأولية، كان 35 جنيهاً لوقتها. (قال المرحوم أحمد خير أن مرتبه في عام 1925 حين تخرج من الكلية كان 8 جنيهات. أي أن مرتب شبه الخريج بقادي بجريدة الميدان لم يزد بعد مرور ربع قرن سوى جنيهان ) وكان كل محرر بالميدان يقبض 25 قرشاً يومياً لحوائج اليوم الملحة. وزاد بقادي أنه كان يستنفد الماهية بالسلفيات قبل يوم الصرف الذي هو في علم الغيب. وقال إن من عجز عن تدبير سكن من المحررين بات في مكاتب الميدان.
ووجد بقادي كما وجدت أنا لاحقاً في السبعينات أن المتفرغ متروك في أكثر معاشه وكل معينات إزجاء فراغه للأصدقاء. فقد بليت ملابس بقادي فاعتصم بالبيت لأن الجريدة اعتذرت عن كسائه. ولامه رفاقه في اجتماع لا حق علي فشله في توسيع دائرة الأصدقاء من حوله لعونه في حلحلة أزماته الشخصية. ولم يكن بوسع بقادي حسب قوله بناء هذه العلاقات في زحمة عمل يبدأ صباحاً وينتهي في منتصف الليل. و قال إنه هدد بالاستقالة من جريدة لا توفر له ملابسه الضرورية. واستجابوا له غير أنهم "صروها" له كبرجوازي متعال متمرد وعنيد. وابتلى بقادي بهذا الشح والكدر في مؤسسة الميدان الحزبية التي ربما كانت الأفضل دخلاً بفضل دبارة زميلنا المرحوم سمير جرجس كما كتبت في نعيه منذ أشهر. وقد أتيحت لي فرصة التعبير عن فساد إسناد المتفرغ على بند الأصدقاء في حلقة انعقدت لمناقشة متاعب العمل القيادي بسجن زالنجي عام 1972. وقلت أن هذا الإسناد تفريط في الأفندي المضاد ( وهو استثمار حساس ونادر) الذي نريد له أن يخرج من عوالم الأفندية، التي شق عليها عصا الطاعة، ليرتاد شواغل الكادحين الذين خرج لنصرتهم. علماً بأن التفرغ لعمل الحزب لم يقتصر لا علي طبقة الأفندية ولا علي الرجال. فقد كان في حلقة المتفرغين جماعة من ذوي الأصول العمالية مثل المرحوم محمد محمود الشايقي. كما تفرغت الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم منذ منتصف الخمسينات لعمل النساء. ولما ترك الحزب الأفندي المضاد في ذمة غيره كان الأحمل لتبعة الأفندي المضاد هو الكادر الأغزر في الأهل والأصدقاء بالعاصمة. ولم يكن لشيبون، الفتى الكردفاني الشاعري الرؤى، سبيلاً إلي تدبير حاله بمقتضى أعراف الحزب للأفندي المضاد مثله.
كان المنزل بحي البوستة بأم درمان الذي سكنه شيبون مع متفرغين حزبيين آخرين هو بيت الداء. فقد كان بؤرة لقعدات ليلية شبه يومية. ولم يبدأ المنزل كذلك بل تردى في عادة الأنس شئياً فشئياً. فقد كان يتنادى إليه الرفاق والأصدقاء للسمر والشرب كما جرت سنة شباب المدن آنذاك. فحتى غير الشاربين كانوا يؤمون هذه الملذات المسائية لتفريج هم والخوض في الشأن السياسي. وللقعدة فرسان ليل هم غير فرسان النهار من أمثال شيبون. فإن تعمق النقاش وأوغل في "ساس يسوس" علي يد أمثال شيبون قال سادن القعدة: "أها عاوزين تقلبوها اجتماع. إنتو ما بتشبعوا اجتماعات". فالقعدة ساحة لأبن النكتة، الفلفلة، صاحب الطرفة، وخفيف الروح. وهي أيضاً موضع للتحلل من بعض العقائد طلباً للطرافة. فقد سمعت فيها من يقول إنه ماركسي إلا أنه لا يعتقد في حقوق العوين والعبيد. هكذا بالحرف. وهي أخيراً معرض للنعرات القبلية النيلية التي تطفو مع أبخرة المشروب. وهذه النعرات مادة أنس جاذب حتى للأخوان المسلمين ممن لا يجتمعون في قعدات مثل الرفاق. فقد وجدت المرحوم مبارك قسم الله، القيادي الإسلامي المعروف، يشكو مر الشكوى من إخوانه في الله الذين يسمرون بحديث الجاهلية عن مكارم الجعليين والشايقية. وهي مكارم يزدردها ازدراداً من لم يكن من هذه الأصول البهية من أمثال شيبون الكردفاني. وكان مبارك إذا سئل عن أصله قال إنه "بلالي" نسبة إلى سيدنا بلال.
القعدة تقليد بندري وطني أوفى دراسته المرحوم حسن نجيلة في كتابه "ملامح من المجتمع السوداني". وقد أخذ اليسار بأنس القعدة عن جيل 1924 والخريجين. وتوسع الجيل اليساري فيها حتى كادت أن تصبح حياة موازية لحياة الحزب نفسه. وقد تنبه استاذنا عبد الخالق إلى مخاطر هذه الحياة الثانية فأشار في تقرير للجنة المركزية صدر في 1963 بعنوان "إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير" إلى ما ينجم منها من عادات تنعكس سلباً على الحزب. وجاء في التقرير أن الجماهير لا تستمع إلى من لا تحترمه. وقال إن بيننا الثرثارين ومن يستفزون مشاعر الناس الدينية ومن انزلقوا في السكر والعربدة. وقد أقاموا بأفعالهم هذه حاجزاً بينهم وبين الجماهير. ونبه التقرير إلي خصلة "استثقال" الناس والرفاق بغير ذنب جنوه وسمي ذلك فردية برجوازية صغيرة تبني الأحكام طيشاً علي النزوات.
ويقع أكثر هذا الاستثقال بالطبع في بيئة القعدة ثم يستشري إلى غيرها. وربما كان شيبون ضحية لمثل هذا الاستثقال المجاني. فلم يكن فيما يبدو ممن يستلطفه سوى الفطن. فقد قال الأستاذ عبد الوهاب سليمان إن الشقة بين شيبون والآخرين كانت واسعة. وكان لا يقبل تبخيس الناس في مجلسه لأنه يعتقد أن الناس كلهم، وإن طال الزمن، أهل لهذا الجمال الذي ينبت علي ضفاف الماركسية والزمالة التي كان قد نشدها في الحزب. والمعلوم أن القعدة لا تكتمل إلا بالقطيعة التي هي "عنكوليب أوقصب سكر" الونسة. وللأفندية عبارة في هذا المعني هي "النفتحلك فايلو." وكان شيبون صعب الاستئناس. فقد كان لماحاً بعيد النظر جريئاً علي نطاح حتى ما تواضع عليه رفاقه الثوريون. فقد سبق أن رأيناه يهزأ بانقسام الأدباء إلي مدارس بما فيها الواقعية الاشتراكية العزيزة عند الشيوعيين ويقول لزملائه قولة في معنى مراد حمزة الملك طنبل :"أبدعوا وكفي." والواضح في كلمته أنه كره لجاج الرفاق عن الشاعر صلاح عبد الصبور وعقيدتهم فيه وقال لهم "دعكم من عبد الصبور ومن عبد الزمار." رجل بهذه الجراءة علي المعلوم بالضرورة من ثقافة اليسار في زمنه لا بد أنه كان قليل الرفقة.
الواضح أن عنان نفس شيبون بدأ في التراخي بين جغرافيا هذه الفوضى. وزاد من سوء الأمر بعض عادات شيبون. فقد لاحظ من احتكوا به أنه نوؤم. فقد يستغرقه النوم اليومين والثلاثة بلا انقطاع. وأفرط في الشراب. ومؤكد أن هذا الإيغال زاد الطين بلة. وقد أخذ بعض الشيوعيين ذلك عليه ثم أهملوه أو ضايقوه. ووجد هؤلاء في تهافته سبباً للقول انه "زول شعر ساكت". أي أنه لم يخلق لمهمة الأشغال الشاقة، الأفندي المضاد. وهناك من قال أنه "مجنون". و نصحته قيادة الحزب بترك التفرغ كما مر من قبل. وفعل شيبون ذلك مكرهاً لا بطل.
قال نلسون مانديلا إن النضال، مثل الرياح الهوج، يترك خرائب في أثره. وشيبون رسم جميل حزين. وتحميل أستاذنا عبد الخالق دمه كما فعل صلاح احمد إبراهيم حيلة عاجزة. فهي شخصنة للأمر (كما نقول الآن) نكتفي من غنيمتها بتذنيب أوسم رجالنا قاطبة. وتحجب مثل هذه الشخصنة وجه القضايا في حين تكشف عن وجه المذنبين. ومن قضايا محنة شيبون العالقة هي كيف يترقى العمل القيادي بالحزب الشيوعي ليثبت قلب مثله على الإيمان بقضية الكادحين التي نذر لها نفسه. وهي قضية لا أعرف من احسن تعريفها مثل أستاذنا عبد الخالق حين ظل يلح أن الأصل في أزمة الحزب هي في التناقض بين نفوذ الحزب الواسع وتوقعات غمار الناس منه وبين بدائية العمل القيادي فيه. وهو تخلف طال وأعول. وغاب هذا التلخيص الرشيق لأزمة العمل الثوري عن أفواج شباب التقدميين المتلاحقة. ولما غاب عنهم رأس الخيط هذا كان احتطابهم للإصلاح احتطاب ليل. فقد رمت جماعة "حق" في طلبها الإصلاح بالماركسية نفسها، وجازف آخرون بالهرب من سفينة الشيوعيين إلي الحركة الشعبية وغيرها، ولا زال هناك من يعتقد أن أزمة الحزب هو العجوز القاعدة بره: نقد والتجاني وآخرون ممن حجبوا الشباب عن مواقع القيادة. وترتب على ذلك أن راحت طاقة إصلاح حركة المستضعفين هدرا.
طوال كتابتي لهذه الكلمة الطويلة عن حياة شيبون القصيرة العذبة كان يتردد على خاطري مقطع من أغنية "كان بدري عليك" للمرحوم عمر احمد. مات في ريعانه أيضاً. ولم اصدق سمعي حين قال لي الأستاذ عبد الوهاب سليمان أن المرحوم عمر أحمد كان يتردد علي قعدة الرفاق بمنزل حي البوستة. وكان صوته قد بدأ في الطرطرة بعد إشراقه في الصبا. ولا بد أنه غني للقعدة "كان بدري عليك" مراراً وتكرارا" فقد كانت شبه وحيدته. وكانت الأغنية علي كل لسان حتى قيل إنه إنما كان ينعى نفسه بها قبل رحيله الفطير. إنسان جميل آخر غرد في السحر ورحل في الأصيل. وكان بدري عليه.
رحم الله أموات التقدميين السودانيين الذين كانوا، برغم عثراتهم الكبيرة وألوان شقاقهم المؤذية، اجتهاداً كثيفاً باسلاً غير مسبوق في مصائر وأشواق خلق الله المساكين:"ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما ما كانا يحذران
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
فعلق رفيقنا المرحوم أحمد عجيب، المشاغب المرح شديد الهمة في خدمة الناس، أن طبهما هو طب الأطباء بلا حدود. وأسرة المرحوم أحمد ما تزال تشكو أنه مات متأثراً بضربات تلقاها علي رأسه خلال اعتقال ما. آمل أن تعينهما السلطات لكشف جلية الأمر!!!. فمن عرف احمد وقف علي بؤرة الشغف في الدنيا. مات في ريعانه. رحمه الله.
أحمد عجيب
يا
أبن دمى وألمى
وأمى وحزنى
وخط أنابيب البترول ..عطبرة
حدثنى عبد الرحيم محمد على الخراط فى السكة جديد ..وجار الشهيد أحمد عجيب فى الداخلة باكيا
احمد عجيب ساقوه ناس الامن .. وضربوه بى سيخة تلاتة "لينا" فى راسو وجابوهو
ميت للبيت ...وقالو ملاريا.
يشهد الله دا الحصل بالظبط
تصدق كلام زى دا؟
قلت ليهو ... بصدق... نفس المشهد حصل للشهيد د.على فضل
البركة فيكم وفينا ياعم عبد الرحيم
وتار احمد مابروح
الاخت العزيزه
د.بيان
تسجيل حضور ومتابعة وإنتباه ...وارجو ان يكون القول اعلاه .. طفيفا على مسار البوست
أتوقع حوار مجدى واضافات غنيه لهذا الموضوع الكبير .
والشكر كثيرا للدكتور عبد الله على ابراهيم
ولك التحية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: عمر ادريس محمد)
|
العزيز عادل البدوي
تحية طيبة... هذه المقالات تحكي واقع لانسان جميل وضع الوطن في حدقات العين ومات ماسوفا عليه هذا الموت الماساوي... لاول مرة سمعت عن شيبون في حواشي قصيدة انانسي. لصلاح ا حمد ابراهيم.. وسالت عنه كثيرا لم اجد اجابة شافية.. ودائما اعرج عليه في حديثي عن صلاح.. ارسل لي اخي الاكبر العزيز عبدالله هذه المقالات.. بعد ان كتبت عنه وعلى ما اعتقد نشرت في الصحافة...
من الاشياء التى تؤرقني لحد بعيد يضعني في كآبة عالية هي ان اسمع ان فلان مات منتحرا او مات تحت التعذيب.. اذكر في فيلم قبلة انثى العنكبوت في منتصف الثمانيات. بكيت بنشيج عالى ادهش من حولي..لا شئ يعذبني قدر هذين الموتين لانهما تفريط في حياة انسانية دون مبرر.. شيبون مات محاصرا حزينا مكسور القلب.. بالمناسبة كنت اظن ان غضبة صلاح على الحزب انتحار شيبون كما
يروج البعض... ولكن قد مات شيبون في الستينات وخرج صلاح من الحزب في نهاية الخمسينات فظل شيبون جرح من جراحات صلاح و ليست كلها...وهذا ما ساكتب عنه بالتفصيل في كتابي حتى تتفرز الكيمان.. احزنني لدرجة بعيدة حديث استاذي خالد المبارك. وعن الاشارة التى اعطيت وعن تجاهله لشيبون وتخيلت هذا الرجل العالي الحساسية الرقيق الذي استبدل اسرته بالحزب فلفظه وتركه وحيدا يائسا فاخذ حياته وهو في شرخ شبابه..تخيلت خيبة الامل والحزن الذي عصف به.. العزيز عادل تغيم لوحة المفاتيح عند الحديث عن هذا الرجل الوطني الذي اراد ان ينشر الوعي من خلال حزب عقائدي تحول الى اقطاعية.. ونحن هنا لا نود محاكمة الحزب الشيوعي ولكن نود ان يكون للحقيقة الصوت الاعلي ومثلك اتمنى ان يكون هناك نقاش انتلكشوال راق. بعيدا عن هلال مريخ.. اتمنى ان يشارك الاخ دكتور مجدي اسحق وبرير في اثراء النقاش.. حتما ساعود..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Marouf Sanad)
|
العزيزة بيان سلامات
فعلت خيرا بجلبك كامل المقالات. في جريدة الصحافة إطلعت على بعضها و ها انا إتممها الآن. اتمني ان يتوب الله على من الماوس لاشارك ببعض الافكار.
ملاحظة سريعة يا عزيزتي:
Quote: ورد اسم الحاج عبد الله القطي ك "محمد عبد الله القطي". وقلت أن شيبون هو عم صلاح شيبون المقيم بكندا وصحيحه هو أنه ابن عمه. وصوبنا تاريخ وفاة المرحوم خليل نصر الدين بفضل ما قاله لنا الأستاذ عبد الوهاب سليمان. |
لعل كاتبنا الكبير عبد الله علي إبراهيم يقصد الأخ كمال شيبون المقيم في مدينة ترونتو.
Quote: كتب أحدهم علي صفحات سودانيزأونلاين بالشبكة كلمة بعنوان "عبد الخالق محجوب ورفاقه أبطال من كرتون يحملون سيوفا من خشب" (12-4-05) قال فيها أن أستاذنا عبد الخالق محجوب ليس بشيء |
كاتبنا يقصد الشيخ هاشم نوريت و بوسته المعنون:عبد الخالق ورفاقة ابطال من كرتون يحملون سيوفا من قصب
Quote: الأخ عمر، الرجاء أن تساءل الزميل قرشي عوض عن صحة اسم ابن عمه. وبارك له المنصب. |
اما الأستاذ قرشي عوض فهو موجد كعضو متفاعل منذ ايام في المنبر العامر.
آتمنى ان نسمع منهما او عن الأخ كمال حول سيرة ابن عمه.
شكرا لك د. نجاة لهذا السقف العالي في الطرح حيث يسقط ادعياء.. و ما اكثرهم.
بالمناسبة عبدالله علي ابراهيم عضو بالمنبر. هل نطمع يا ترى?
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: ثروت سوار الدهب)
|
Quote: وماذا عنكِ يا دكتوره . هل تقفين مع صلاح لوجه صلاح , ام ينطبق عليكِ قول عبد الله |
الاخ الكريم سند في حديثك هذا اجحاف كبير في حقي.. لماذا اعادي الحزب.. فأنا لم اكن يوما عضوا فيه.. حتى اخرج عنه واعاديه. وانا لا حزب لي ولا اطمع يوم في حكم السودان.. اهتمامي بصلاح كجزء من شعراء الغابة والصحراء التي كتبت فيها الدكتوراه خاصتي.. مدخلي لصلاح مدخل ادبي بحت ولا اهتم بالسياسة الا اذا لامست الادب واتمنى ان تتفهم ذلك ولا تحرف هذا البوست في مجادلات لا معنى لها لم اتعرف على صلاح الا كشاعر وبعد ذلك هو الوحيد في المجموعة الذي مارس السياسة ومن هذا المنطلق اكتب عن هذا الجانب فيه.. اتمنى انك ما قاعد تاخد معلوماتك عني من بورد كفاية.. لا عداء لي مع الحزب الشيوعي ... وانا اعد نفسي باحثة في الثاقفة السودانية ومتخصصة في فترة الستينات.. والقطي حديثه جانبه الصواب.. لم يعرف الناس صلاح كسياسي بل اشتهر بينهم كشاعر لاجمل الاغاني والاشعار.. من قرأ صحف الستينات في هذا الجيل ليحب صلاح نكاية في الحزب الشيوعي؟ ومن يعرف مشكلة صلاح مع الحزب؟ ومن يعرف صلاح الان؟ هدوا اللعب ولا تبخسوا الناس اشياءهم واتقوا الله فمن تكرهونهم..
هذه آخر مرة اكتب عن شئ خارج هذا الموضوع المطروح..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
عزيزتي الأستاذة بيان،
Quote: هذه آخر مرة اكتب عن شئ خارج هذا الموضوع المطروح.. |
أما أنا فلا أرى سبباً يدعو للخروج عن الموضوع المطروح وبالمقالات، على الرغم مما يراه الشيوعيون والتقدميون من أوزار للأستاذ ع ع إبراهيم، ما يدعوهم للترجِّل عن مركباتهم عند باب هذا البوست، كما فعل الجنيد، ويلتقطوا فحماً من واطـات الله دي ليكتبوا وليحسنوا الخط: "قائدنا العظيم، حضرنا آلاف المرات ولم نجدكم"...إن هذا البوست يصلح لتمجيد قائد مثل عبد الخالق محجوب قاد حزباً مثل الحزب الشيوعي السوداني في بلدٍ مثل السودان في فترة مثل ستينات القرن الماضي وبالتالي فواهمٌ من يعتقد أن مقالات ع ع إبراهيم أعلاه هي في شأن شيبون أو تقريع صلاح أحمد إبراهيم، إنَّها تكاد تكون في تمجيد هذا القائد، عبد الخالق، الذي ما علمنا عنه إلا عن طريق قصائد وشذرات هنا وهناك تتوارى خجلاً أمام ما أورده خالد الكد من كتابة الجنيد بالفحم على باب عبد الخالق...هذا هو ما يجب أن يمسك به الشيوعيون والتقدميون ممَّن يفتح الله عليهم بالتداخل في هذا البوست.
بمقالات ع ع إبراهيم مواقف لعبد الخالق ولآخرين جعلت عيناي، أنا الما شيوعي دا، تطفران بالدمع تارة وتبرقان بالنشوة تارة أخرى فكيف يجب أن يكون فعلها بالشيوعيين والتقدميين. لا مجال لهذا البوست أن ينحرف عن مساره.
ما دام، يا أستاذه بيان، لديك اتصال بالأستاذ ع ع إبراهيم فأرجو التكرَّم بالحصول على نسخة مبرأة من الأخطاء المطبعية (أم هي الطباعية) ومبرأة أيضاً من بعض التناقضات التاريخية (أوردها لك غداً) ومثبت بها الهوامش بشكل واضح إذ أنَّني وجدت جزءاً (أورده غداً) استعصى على فهمي ربَّما لأنَّه هوامش لم تثبت بشكل واضح.
لك من التحايا أفضلها وليكن النقاش بهذا البوست مثمراً لأن المقالات التي وردت به تستحق أكثر من ذلك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: ثروت سوار الدهب)
|
Quote: شكرا لك د. نجاة لهذا السقف العالي في الطرح حيث يسقط ادعياء.. و ما اكثرهم.
بالمناسبة عبدالله علي ابراهيم عضو بالمنبر. هل نطمع يا ترى? |
الكريم ثروت
سلام وتقدير شكرا لك كثيرا... نطمع في مكوثك هنا.. ومناقشة هذه المقالات الثرة...
وشكرا على الثناء واتمنى ان اكون عند حسن الظن
احترامي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: عمر ادريس محمد)
|
العزيز عمر كيف انك
قطعت قلبي بتلك القصة يوما ما سياتي القصاص البيروح في الدنيا ما بيروح في الاخرة.. وقلبي على اهل احمد هو مات وارتاح.. لكن اهل المقتول ابدا ما بتجيهم الراحة...
Quote: تسجيل حضور ومتابعة وإنتباه ...وارجو ان يكون القول اعلاه .. طفيفا على مسار البوست
أتوقع حوار مجدى واضافات غنيه لهذا الموضوع الكبير .
والشكر كثيرا للدكتور عبد الله على ابراهيم |
وانت ايضا نتوقع منك الكثير المفيد... لك التحية و الود
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
الاستاذة بيان
بصفتك باحثة اظنك تتفهمين انه لا حرج علينا ان نسأل أسئلة مباشرة .
انت طرحت هذا الموضوع هنا ,و في جزئية منه طرح رأي مقدر عن اهتمام الناس بالمرحوم صلاح احمد ابراهيم , وانت واحدة من الناس الاصيلين المهتمين بشعره كما أعرف , ومن هنا نبع السؤال .
وشكراً لكِ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Marouf Sanad)
|
Quote: لك من التحايا أفضلها وليكن النقاش بهذا البوست مثمراً لأن المقالات التي وردت به تستحق أكثر من ذلك |
العزيز عادل سلام
لكتابات عبدالله نكهات متعددة كما ان لها سطح وغور.. السطح ممتع ومبهج والغور مليان كلام وافكار.. فهو كاتب ممن نقول عليه انا واصدقائي مدحا كاتب "لصيص"
بحوثه ممتازة مجودة مقالاته الصحفية ممتعة ولطيفة هو يعد من االكتاب الصحافين القليلين الذين يبحثون لمقالاتهم في السودان.. تدهشني كثير من المقالات الصحفية التي تعج بالاخطاء والمغالطات في المعلومات. كل المراجع تكون للغالبية سماعية وعلى سبيل الونسات مثال كلما اقرا مقال عن السينما في السودان يجلب فلم امال واحلام يكتب الكاتب من اخراج الرشيد مهدي رغم ان الفلم في الحقيقة.. من اخراج الاستاذ ابراهيم ملاسي رحمة الله عليه.. او تجد معلومات كثيرة خاطئة في مقالات ثقافية.. مثل اورد احدهم في مقال نشر في صحيفة البيان ان ابو ذكرى شاعر من شعراء مدرسة الغابة والصحراء.. ثم ذكر ان الغابة ترمز للجنوب و الصحراء للشمال.. هكذا يكتب الكتاب الصحافيين دون بحث وتوثيق لمعلومات مقال يفوت ولا حد يموت.. ولكن عبدالله لا يكتب الا بعد بحث وتمحيص وينفق ساعات وايام في التنقيب عن المعلومات.. ولذلك هذا الجهد يحتاج مننا ايضا لجهد في المقابل في مناقشته..
وارى انك قد رايت الغور.. تصدق ما كتبه الجنيد على باب عبدالخالق ابكاني ولامس شغاف قلبي..الصداقة والمحبة التى يحملها الجنيد لصديقه تشجي القلب.. ولك المودة والتقدير .. ويبدو اننا سنكون وحدنا لآن حرب الماسنجرات قد بدأت والتصنيفات..وفرض الحصار..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
الاعزاء القراء والمشاركين
وصلتني رسالة من الاخ العزيز دكتور عبدالله
اقتطع هذا الجزء
Quote: . الذي قال أن له ملاحظات تحريرية أود لو اطلعني عليها لتصحيح النص. أنا مستعد للتداخل على ضوء اسئلة محددة من الراغبين في معرفة خلفيات لا اجتهادات فهذه بابها مفتوح. وشكراً لك ولهم. |
لمن يرغب في الكتابة من خارج المنبر او لديه اضافة او تعليق او اسئلة لدكتور عبدالله اكتبوا لي على هذا الايميل... [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
د/بيان
تحياتى
Quote: (ببندر رفاعة حيث كان يعمل بمدرسة "الأمل" الوسطي للبنات لصاحبها مجتبي عبد الله) |
تصحيح للمعلومة : مدرسة الأمل الوسطى للبنات لصاحبها الاستاذ/مجتبى عبدالوهاب عليه
الرحمة.
هناك رواية اخرى بشأن المكان الذى حدثت فيه واقعة الانتحار ,فبحسب علمى ان شيبون انتحر
فى رفاعة وبالتحديد فى منزل فى فريق (حمدين). وهذه رواية احد قدامى الشيوعييين من
ابناء رفاعة .
مع تحياتى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: ازرق)
|
سلامات يا أستاذة بيان،
Quote: الذي قال أن له ملاحظات تحريرية أود لو اطلعني عليها لتصحيح النص. |
أنا من قال بذلك وهذه فرصة للقول أنَّني وددت لو استمتعت بالمقالات بدون ما يعكِّر صفو ذلك. الملاحظات كما يلي:
(أ) ما رصدته من أخطاء "طباعية؟" يسأل منه من طبع المقالات وهي في الغالب املائية مثل قلب ال (ى) إلى (ي) والعكس وقلب (ـه) إلى (ـة) والعكس وأخطاء أخرى مثل: نوؤم (ربما يريد نؤوم أو غيرها)، لا حق (يريد لاحِق)، ألقى السمع وهو شهيدا (يريد شهيدٌ)، حرفاً وشكلة (ربما يريد شكلا)
(ب) ما رصدته من تناقضات في التواريخ هو كما في أدناه:
1. لابد أن التناقض في التاريخين أدناه ناتج عن السهو.
Quote: جاء شيبون إلي الكلية في 1952 وفصل في نفس العام لعضويته في لجنة اتحاد الطلبة التي نظمت إضراب ومظاهرة 17 نوفمبر 1957 |
2. ربما من السهو أيضاً التناقض في التواريخ الواردة بالأقوال:
Quote: ...كتب أسماء من نغصوا عيشه بمدينة رفاعة وطواها في جيبه قبل أن يسلم عنقه طوعاً لعمامته في ذلك المنزل بمدينة الحصاحيصا في يوم في أخريات عام 1961... |
Quote: ...فقد بعث شيبون بقصيدة عن لومببا، رئيس وزراء الكنغو وشهيد حركة التحرر الوطني الأفريقية، قال أنها "كتبت علي عجل ولا بد أنها لا تخلو من نواقص. لقد أرسلت هذه القصيدة إلى جريدة "الرأي العام" منذ يوم 15-12-61... |
Quote: ...فشكرته علي رسالته ونشرت القصيدة في مكان آخر بالعدد (أبريل 1961)... |
فلا يمكن لشيبون أن يرسل قصيدة إلى "الرأي العام" ربما بعد موته ثم يعيد إرسالها إلى "صوت المرأة" لتنشر قبل موته. أعتقد، من السياق، أن القصيدة أرسلت إلى الرأي العام بتاريخ 15-02-61 (ج) ذكر اسم صلاح شيبون (يريد كمال شيبون) وهو سهو فالأستاذ ع ع إبراهيم قد ذكر اسم كمال شيبون في مكان ما من المقالات.
(د) هنالك أيضاً الزول أب نظارات سوداء البِظْهر بي شغلة وبرا شغلة ليفسد علينا روعة المقالات إذ يأتينا بتواريخ ما أنزل الله بها من سلطان وقد سبق للأخ عبد الله عقيد أن نبَّه بكري لذلك.
(هـ) أما الأمر الأهم فهو ما استعصى على فهمي وعزيته لاحتمال عدم اثبات الهوامش بشكل واضح ويوجد في أغلب ما يرد في أدناه:
Quote: تصويب:
ورد اسم الحاج عبد الله القطي ك "محمد عبد الله القطي". وقلت أن شيبون هو عم صلاح شيبون المقيم بكندا وصحيحه هو أنه ابن عمه. وصوبنا تاريخ وفاة المرحوم خليل نصر الدين بفضل ما قاله لنا الأستاذ عبد الوهاب سليمان.
الأخ عمر، الرجاء أن تساءل الزميل قرشي عوض عن صحة اسم ابن عمه. وبارك له المنصب.
القعدة:
"إصلاح): أن تقبل الجماهير الاستماع في احترام لرأي الشخص ولما يدعو إليه بغض النظر عن تقبلهم لدعوته أو كرههم لها. ,إذا كان الناس كارهين لشيوعي لمسلكه الرديء فكيف يمكنهم الاستماع إليه. شواهد لناس من الشعب وضعوا بينهم وبين الحزب حاجزاً لرداءة المسلك الفردي لبعض الشيوعيين الذين يعملون بينهم. فهنام الثرثارومن يستفز مشاعر الناس الدينية "وآخرون بالسكر والعربدة." وأداء الواجب في منظمات الشعب لا حدود له في مجتمعنا علي خلاف المجتمع الغربي. "إن شعبنا يقدر من يهتم به، من يسأل عن أحوالهم، من يتفقدهم في السراء والضراء. ليس م
الأحكام العاجلة (إصلاح): "وهناك بعض الرفاق في فصائل القيادة يسلكون هذا المسلك غير المسئول إزاء الجماهير (من ليس معنا فهو ضدنا) بل في بعض الحيان إزاء العضاء "قيستثقلون" دم شخص دون ذنب جناه ويذمون آخر ويجرحونه دون مراعاة لمراكزهم ومسئولياتهم.ط وسمي هذا فردية برجوازية صغيرة تبني أحكامها علي النزوات الطائشة والعواطف الفجة.
الزميل جبارة في قيادة مديرية الخرطوم: كان الاختلاف في الرأي عنده هو " يعني العداوة والأحقاد والطرد من العضوية."
بيئة الحزب:
الدكتور حامد فضل الله: (قضايا سودانية 13، ديسمبر 1996): في كلمته بمناسبة العيد الخمسين للحزب كصديق للحزب جاءه من مواقع الإخوان والمستقلين.
في الخمسينات طلب بعض الشيوعيين من المسئولين اللمان الديمقراطيين سحب دبلوم الدراسات الاجتماعية من سيد أحمد نقد الله لأنه لا يشرف المانيا ان سكون من بين خريجييها. نقد الله يتصل بالوزير ويقول له لقد جئيت للدراسة في المانيا بتقدير أن سادتها اهلها ام ان يكون سادتها السودانيين فهذا طرفي من دبلومكم. ووقف الألمان مع نقد الله ووبخوا الطلبة السودانيين. "بعضهم خلع رداء الماركسة بعد أن تحصل عي شهادته الدراسية وقبل أن تحلق الطائرة متجهة إلي سماء الخرطوم. وبعضهم ركز "ولبد" الداخل مترصداً الوظيفة او البعثة فوق الجامعية."
كان شيبون وامثاله: "ناس شعر" في نظر الحزبيين.
بيت البوستة:
اعتقل في 18-6-1959
نقد: قال أن شيبون دفعته في حنتوب. قال أنه ممن كان يستغرقه النوم لثلاثة أيام متوالية. كان ممن فصل معه عام 1952 من الكلية ومعهم طه محمد طه واعتبرهم الحزب متفرغين بمجرد فصلهم. بدأت نوبات الوم الطويل تنتاب شيبون. وقضي فترة معتقلاً. ثم لما خرج تدث إليه عبدالخا لق أو الشفيع أو إبلااهيم زكريا يعرضان عليه بعثة دراسية بالخارج او العمل بالتدريس.
(فاروق)دخل شيبون الحزب حوالي 1950 كان به قليل من الكسل الشخصي وكنه كان موهوباً وناذراً نفسه
كان يغني لهم في القعدات المرحوم عمر احمد وكان في ايامه الخيرة وفقد بهاء صوته الطفل. سكنه سليمان علي (ابن اخت سيد احمد عبد الهادي) ومحم الهادي والمين محمد نور وآخر.
في رفاعة مدرسان وموظف بالبوستة. كانوا يتجسسون علي علاقة او علاقات عاطفية بالمدرسة (بنات) ويفتحون خطاباته.
صحفي الشقاء، علي شيخ بشير. المكتبة كان فيها محجوب الماحي.
للحاج عبد الرحمن قصيدة في رثاء شيبون كما قال حسن سلامة.
الأحرار: جريدة الأحرار الاتحاديين، حسن سلامة، أحمد عبد الله المغربي، عبده دهب، حسن الطاهر وسلامة.
قال حسن ان عبد الله رجب كتب كلمة اغلظ فيها علي شيبون. كان يأنس للرأي العام وربما نجيلة بشكل خاص. وقيل انه كتب بمقدمة انتحاره للعتباني وقال العتباني لعبد الوهاب أن هذا لم يحدث. ربكا كتب بذلك لنجيلة.
الأفندي المضاد:
لقد القي علي المحقق في هذه القضية سؤالاً أظنه فيما اعتقد—وآمل أن أكون مصيباً، محرجاً: كيف تعيش كل هذه المدة ولا عمل لك؟ وحق له أن يدهش قليلاً قفد تسءلت أنا نفسي بعد عودتي من الدراسة في القاهرة ماذا أعمل؟ ولم يطل بي التفكير فقررت دون تردد أن أكرس حياتي لما أعددت نفسي مجاهداً في سبيل استقلال الوطن ومن أجل الاشتراكية. أليست هذه قضية تستحق التفرغ وتكريس الجهد من اجلها؟ كم هو رائع ما قاله الكاتب السوفيتي نيكولاي استروفسكي في هذا الصدد: "إت اثمن ما يمتلك الإنسان حياته وهي تعطي له مرة واحدة لا عودة لها فعليه أن يعشيها حىي لا يشعر بالندم والمرارة وهو مسجى علي فلراش الموت بل عليه أن يعيشها حتى يقول: لقد قضيت حياتي في سبيل أنبل واعظم قضية، قضية تحرير البشرية" واليوم، ورغم أنني ما زلت حياً، فإنني أقول عندما أرجع بالبصر عبر السنين إنني قضيت هذه الفترة من أجل قضية نبيلة هي قضية استقلال السودان وسيره في طريق الاشتراكية."
اشتغل احمد شامي يالصحة ثم الحصاء عام 1952 حتي 1953 حين طلب منه الحزب (التحق به عام 194 التفرغ للعمل للحزب. وافق وقدم استقالته للباشكاتب المرحوم عوض أبو زيد، والد مامون، فرفضها تحسباً لأنه ربما رغب عن الوظيفة لأنه وجد فرصة بالشركات بشروطها المميزة مثل زميله سليمان علي الذي استخدمته شل. وقال له لقد كتنا لكل الشركات ان لا توظفك لكي يفرض عليه الأمر الواقع. فقال له الشامي: "إن الشركة التي أنا ذاهب للعمل فيها ستتمسك بي أكثر كلما كتبت أنت تقارير ضدي." ولم يداوم الشامي بدء من يوم 1-4-1953. واستدعوه لمجلس تأديب بواسطة خطاب حمله له المراسلة في مقهاه المفضل. ولم يووووقع علي الخطاب وقال للمراسلة انه لن يات للمجلس. أبوه: أنا هسع فاضي في نائب المأمور حين قال له خال شامي (دكتور أبو شمة) لوالده أن يسمح له بالامتحان للوسطي في بربر . قال الوالد: ويبقوا شنو بعد الوسطي؟ الخال : لكي ييعينوه نائب مأمور. الوالد: أنا هشع . . . " (الصحافة 32-11-1999)
عبد الخالق ومساهمته في كلمتين ثلاثة:
عبد الخالق في كلمتين:
أنظر كلمته في "اليسار" ووضوحه حول تهافت الفكرة الوطنية بدون الماركية. الإستعمار ليس حرباً للأجانب كمنطوق الفكرة الوطنية. وذكر غاندي ضمن ذكر في ضيق أفق الفكرة الوطنية. وعاد في (المحاكم) يتوسع في الأمر.
صراع 1952 لخروج الطبعة الجديدة للحركة الوطنية السبولترن.
الفجر الجديد، اللواء الأحمر، تجديد الحركة الوطنية. التهامي محمد عثمان. حياة دنيا وموت دنيا.
في سياق مسألة اللغة في منطقة التبليغ-الدعاية بأفق المبدأ الشيوعي ووسيلتها اللسان-الشفاهة والرمز-الكتابة. تحاشى غريب الماركسية وتبسيطه وان لا يكون مناسبة لاستعراض البرجوازيين الصغار أو غيرهم ميزاتهم المعرفية. تحاشى الوعظ والحديث من عل وغمط الناس حقهم في الحوار والحكمة عملاً بمبدأ ديمقراطية عملية التبليغ وضرورة اتساع الصدر وحسن الاستماع. مبدأ لكل مقام مقال فلا يحسن الكلام في السياسة في موضع أنس خفيف في فرح مثلاً. في الكتابة أن تكون صحافتنا طازجة مع النبأ وأن يتسم أسلوبها بالإشراق. وقد بلغت من السوء حداً اعتبر الرفاق أنهم موزعين لها لا قراء من فرط بؤسها. وأن تركز علي الحث لا الأشخاص مهما كان فعلهم فضائحياً أو مثيراً. من جهة اللغة نظر عبد الخالق إلي مسألتين وهما تنوع لغات السودان وتعددها ثم إلي فارق لغة الحديث بالعربية عن لغة الكتابة (دايقلوسيا). قال أن حل المعضلة الأولي عسي غير أننا نكافح لتجد هذه اللغات حقها أن تكون لغة التعليم بين أهلها وأن تكتب في ظل الحكم الوطني الديمقراطي والاشتراكي. وقال انه نحن بالطبع لن ننتظر تلك المحطات ويجب أن نصل اهل تلك المناطق بلغاتهم كما حولنا بالنسبة للجنوب وفي مجاة "سكناب" للبجا. وحتى نبلغ الغاية سنعتمد علي طلائع القوميات في نقل أدبنا باللغة العربية إلي جماهيرهم في الشمال خاصة. ووجه لدراسة كتابة اللغات (سماها اللهجات)في مدارس الجنوب. ودعا إلي استمرار صدور (الجنوبي) باللغة الإنجليزية.
من جهة الايقلوسيا دعا إلي الاقتراب من لغة الشفاهة "واللغة العربية مرنة" ويمكن أن تسع هذا المشروع.
أن عبد الله خليل اشتري لعقاب عرفات البنات منزلاً علي شارع العرضة ما يزال موجوداً بغير أن يعلم احد.
في الخمسينات كان متفرغاً في كوستي علي عهد نجومها الزواهر: شاكر مرسال والطاهر عبد الباسط. روي جنكينز قال أنه خلا من الفظاظة التي تترقى بك مراقي الزعامة.
هذا حل لا أوصى به لأحد
ولكن لا مخرج لي سواه
فما استبد ولا تخبا
لقد قضي الأمر كما يقولون وقارب الحب تحطم
علي صخرة الحياة اليومية
كلانا ، أنا والحياة، اقتضى حقه من الآخر
ومن العبث أن نستعرض الآن الأحزان والملمات
وما أنزله كلانا بالآخر من الأذى
انعموا بالسعادة
وحش السياسة
ملابسات وكان ممن يستغرق في النوم لأيام ثلاثة بطولها أحياناً. وقد دخل كلية غردون وفصلوه ونقد في حادثة واحدة عام 1952. وقد لوحظ عليه تفاقم حالة النوم المبالغ فيه. ثم قضي فترة معتقلاً. واستقر رأي الحزب أن يعفيه من التفرغ فأنتدب أستاذنا عبد الخالق والمرحوم الشفيع (أو المرحوم إبراهيم زكريا) يعرضان عليه السفر في بعثة دراسية أو العمل في التدريس.
وقال نقد أن صلاحاً بدأ إسلامياً وحاول تجنيده للإخوان المسلمين.
درجات جرم الشيوعيين ةق فس لحس وأكثر شيبون من الشراب. وقد اخذ الشيوعيون ذلك عليه ثم أهملوه أو ضايقوه. ولم يكن ثمة خلاف فكري بينه والحزب. لم يكن عبد الخالق يستلطف لا شيبون ولا صلاح. زربما لم يستحسن ميل شيبون للشراب الزائد عن الحد. وكان هناك من قال عنه "مجنون." لم أجد سوي مأخذين ملموسين علي لؤم لأستاذنا عبد الخالق محجوب أو حزبه تجاه شيبون علي كثرة ما يرد نقلاً عن المرحوم صلاح عن هذا للؤم الشيوعي. وأول هذه الحوادث الملموسة أما الحادثة الأوفر بياناً في هذا اللؤم الشيوعي تجاه المرحوم شيبون فهي مما ورد عند صديقنا الدكتور خالد المبارك (الرأي العام 8 فبراير 2005) في استرجاعه لذكريات من شبابه الشيوعي. فقد قال: "والمعروف أن شيبون انتحر بعد أن قاطعه الأصدقاء وسدت في وجهه الأبواب. . . كما عرفت شيبون وكنت أحد الذين خاصموه عندما صدرت الإشارة بذلك، و أذكر أنني التقيت به أمام مبني المديرية بمدني وكنت مفصولاً من الجامعة أيام حكم الفريق عبود فتفاديت المرور بناحيته ولم أزره في رفاعة حيث كان يعمل بمدرسة وكنت بمدرسة البنين". وقد عض دكتور خالد بنان الندم علي لؤمه بالوكالة وقال أنه شرب من الكأس التي سقاها شيبون في مدني ورفاعة فقد تحاشاه خلان وخاصمه أعزاء.
لابد أن استغرب لخالد هنا كما استغرب الرفيق محمد عبدالله القطي بعطبريته السائغة. وأقول بذلك لأنني أعرف عن شيوعية عطبرة أنها الأدخل في الطبقة العاملة الشاخصة في المدينة لا في اعمل لينين وجوركي بينما الشيوعيات السودانية الأخرى أدخل في الحزب أو جهاز الحزب بالأحرى كما قال بذلك دائماً السيد محمد علي خوجلى. فالحزب عندنا في عطبرة خادم الطبقة بينما هو سيدها عند الآخرين. ويتبعونه خيراً وشراً غير أننا نمشي إليه بسيف النقد نعاتبه متي اشتط. فقد بكى فرع الحزب في عطبرة عن بكرة أبيه يوم جاءهم نبأ المرحوم قاسم أمين اللائحي الفاجع. وفرض الأستاذ هاشم السعيد نفسه علي اجتماع عام للحزب بالمدينة بصحبة أستاذنا عبد الخالق بعد شكواه من جور الأستاذ محمد ابراهيم عبده ( كبج) السكرتير السياسي للمديرية الشمالية.
أعود من هذا الاستطراد لأقول كان ظني بخالد أميز من أن يصاب بعدوي الإشارة. فقد سبقنا بسنوات إلي جامعة الخرطوم وكنت اغبطه علي وقاره الجم وخلوه من عادات الشباب الشيوعيين من تدخين ومعاقرة بنت الحان.وهذا صحو وقدوة. لقيته أول مرة في غبش مساء عند ممر النخيل الكاذب ورسخ عندي كصورة لرفيق أريد أن أكونه ويحول نزقي وتسخطي دون ذلك. وسرعان ما فصلوه من الجامعة وافترقت سبلنا حتى عاد للجامعة بعد ثورة أكتوبر. ومن يومها وأنا مدين فضله الجم علي. ولذا استغربت أن يصدر من خالد هذا الجفاء . . . بالإشارة لأن أهلنا قالوا أن المحرش ما بكاتل.
ومن جهة أخري أهم لم يجد أهل الفضل من مثل دكتور خالد جدوى اتباع الحزب في كل بادرة. فلما اشتط الأستاذ أحمد علي بقادي في الهجوم علي السيد محمد يوسف موسى لخروجه من الحزب كتب له القارىء الشيوعي ع.ع. مدني من بندر النهود يعاتبه علي سخونة الهجمة وينبهه إلي خطر هذا المنهج قائلا أنه "سيجعل هذا الشخص يتخذ من حزبنا مواقف عدائية لا لزوم لها خاصة وان رسالتك كانت منشورة بالجريدة الناطقة باسم الحزب." (الميدان عدد لعام 1957 وتوثيق اليوم والشهر تحت الحصر). وأميز ما في رسالة قارىء النهود ليس احتجاجها بل فرضها نفسها علي بقادي لنشرها علي الملأ وهذا غير كثير في صحف لسان الحال. علاوة علي أن الحزب لم يكن إشارياً جملة واحدة كما توحي كلمة دكتور خالد. فلم يمر علي جفاء الدكتور حيال شيبون حتى نضجت في الحزب تربية الخلاف وأدبه وتبينت في وثيقة "إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير" من أعمال اللجنة المركزية لدورة سبتمبر 1963. وقد قصدت تنمية حساسية شيوعية تنأى بصحبه عن عقيدة "من ليس معنا فهو ضدنا ومن اختلف معنا مرة فهو ليس منا." |
لك الشكر ولأستاذنا كل التقدير والاحترام ولنا أن نطمع في إعادة قراءة هذه المقالات الهامة بسلاسة ومتعة غير منقوصتين.
تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
العزيز عادل
سلام شكرا لك على هذه القراءة الفاحصة الحصيفة.. سيسعد بها جدا الاخ الاكبر عبدالله.. واكيد سيقوم باجراء اللازم,,,
وشكرا لك كثيرا.. وساعود لاحقا بالتفصيل..
يوم الاحد هو يوم الطبيخ العالمي لي.. تقديري
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
كتب الاخ العزيز عبدالله :
Quote: أنا سعيد لمن تكرم من زملائك بتصويب بعض ما جاء في كلماتي عن شيبون. وأنا شاكر للأستاذ عادل البدوي حرصه على أخطاء الإملاء . بعض الأخطاء آفة رواتها وكلها مما اتحمل تبعته بالطبع واصحح على ضوئه مسودة الكتاب. ما أزعج عادل في ذيل إحد المقالات وظنه خلط هوامش هو بالأحرى معلومات أو مذكرات بحثية لم استفد منا في المقال المخصوص وكان علي شطبها قبل إرسال المقال لنجاة. ولو أراد نسخة أفضل نسبياً فعليه بما أودعته بالسودانفورآلل التي تحررها نجاة وبولا. وأرجو أن تتمكن نجاتنا من إزالة ما علق بآخر المقال المعلوم. واتفق معه على سوء التأرخة في مواضع ذكرها. أما قول الأستاذ أزرق أن موضع انتحار المرحوم كان ببلدة رفاعة فهو مشكوك فيه. فقد قدر لي لقاء ضابط البوليس الذي تحرى الواقعة ولم يقل بغير الحصاحيصا. وسيسعدني أن أتلقى دحضاً قوياً للرواية السائدة من أنه انتحر بالحصاحيصا. وأنا شاكر له تصويب اسم والد المرحوم مجتبى مؤسس مدرسة الأمل برفاعة |
وننتظر مزيد من الحوارات المفيدة...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
Quote: ولو أراد نسخة أفضل نسبياً فعليه بما أودعته بالسودانفورآلل التي تحررها نجاة وبولا |
فَزَعْتَ لاااا عِنْد بِلْدَات سودان فور أول ورجعت راسي ما فوقو غير الوِقَاية. الجماعة ظنيتهم ما نزّلوها لي هسَّع وألا أكان كمان نزّلوها والعَتَب على النظر، تراهو العَتَب على النظر.
لحدي ما أجيك صادِّي، تحياتي واحترامي لأستاذنا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
سلامات يا أستاذة بيان،
كُنتُ قد قرأت للأديب محسن خالد في تيموليلته، وإن كنت على عجل، الحوار أدناه:
Quote: عاد إدمون ليقول: "لقد أعدمتوه لتفتقر سياستكم؟؟"، يعني عبد الخالق محجوب. سألته أنا ضاحكاً: - ألم تقل بأنني لم أره، أنا إذن لم أعدمه. لم يهتم بإجابتي، بل واصل قائلاً بنغمة: "أنا لم أرَ مثلكم في العالم، مَنْ يقتل مثل عبد الخالق لا بدّ أنّه يعيش خارج العالم،...". قلت له، نميري كان يخطّط لمجازر كثيرة على كل حال. "لا لا، لا تقل لي أنا مثل هذا الكلام. عبد الخالق يعرف ما كان يفعله، ولكن منكم من أفسد كل شيء". زعمه- يعني، أما كان يجب مقاومة النميري؟ سألته أنا،.. نميري يُقاوم، لا أحد يقول بغير ذلك. ولكن لا يُضحّى برجل مثل عبد الخالق مقابل علج تافه مثل نميري،.. أنتم السودانيون فوضويون ولذلك قتلتم عبد الخالق، كلكم وليس النميري وحده، عبد الخالق كان يجب أن لا يموت هذا هو قولي جملةً وتفصيلاً. سَكَت قليلاً، كان متعباً،.. قلت له: النميري وجدها فرصة ليقتل الكثيرين معه، الشفيع أحمد الشيخ،.. قاطعني: نعم نعم ذاك رجل فَقْد هو الآخر. وإن كان عبد الخالق المفكّر،.. أضاف بتعجّل مع نبرة هادئة: هذا طبيعي، هذا طبيعي، مثل ذلك الخطأ لا بد أن تنجم عنه كارثة بذلك الحجم،.. أضفت أنا لعامل التشبيع التاريخي وليس المأساوي، فالرجل يبدو أنه محب كبير لعبد الخالق ولفكره: - ولا تنسَ الشهداء هاشم العطا وبابكر النور وفاروق حمد الله. "هاشم هذا أعرفه أمّا الأخيران فلا بد أنني نسيتهما، كنت أعرف القضية كاملة في حينها". قلت له هؤلاء عسكر، أجاب: هممم، لم يتحمّس للموضوع، همهم بفتور. "أصحاب الانقلاب؟؟ سألني. قلت له نعم. "الآن تذكرت، واحد منهم سلّمه القذافي"،... – نعم، حمد الله. سألني: أنت شيوعي؟؟ "أنا؟ لا لا، أنا محب للروح الثورية والاشتراكية عندهم فحسب". فأخذ الرجل راحته أكثر في الحديث. قال لي لقد حزنتُ على هؤلاء العسكر بنوازع الإنسانية وتعاطفها، لا بد أنّ لديهم أُسَر، ولأنّ بواعثهم كانت وطنية. ولكنهم قتلوا عبد الخالق بانقلابهم الغبي ذلك. لم يعطني فرصة للحديث، أضاف: الرجل لم يكن موافقاً على الانقلاب، صحيح أم أنا مخطئ؟؟ قلت له صحيح، ضحك بلطف وثقة: هذا لأنه مفكّر وليس بعسكري، الفكر هدفه هو تحجيم هؤلاء جميعاً، النميري وحميد الله-هكذا قالها- على حد السواء. الانقلاب يجر إلى ثأر انقلاب آخر، ومن يُعطه الناس السلطة برضاهم، يعيدها هو مرة أخرى كي لا يخسر رضاهم. قال حسّان بورقية: لو كان الرجل عائشاً لتحوّل الحزب الشيوعي السوداني لشيء آخر، يناسب هذه الأيام. |
وقد قلت (حينها) بيني وبين نفسي، و...إنَّ النفس لأمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربي...: "مبالغة مغاربة ليس إلا" والآن، وأنا أقرأ للأستاذ ع ع إبراهيم عن عبد الخالق، لا يسعني إلا أن أستغفر لذنبي فقد كنت من الخاطئين وأقول:
Quote: لو كان الرجل عائشاً لتحوّل الحزب الشيوعي السوداني لشيء آخر، يناسب هذه الأيام. |
لكن، هل من أحد ليقول معي؟...هل أقول هيهات؟ قاتل الله الفجور في الخصومة.
هل نتجرأ ونسأل عن قول أستاذنا ع ع إبراهيم فيما ورد من آراء في أعلاه.
تحياتي.
يتسلسل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Adil Al Badawi)
|
العزيز عادل
لا نشك ابدا في عظمة من يعطي حياته لهذا الشعب.. ويموت من اجل المبادئ.. ولكن هناك اخطاء جسيمة ارتكبها عبدالخالق.. ادت الى فرملة الحزب وتعليقهم في المشانق... ربما كان شخصيا رجل آسر.. ولكن هناك الكثير الذي حدث في عهده.. فنحن قوم جبلنا على ذكر محاسن موتانا.. حاول عبدالله ان يوضح الصورة الانسانية لعبد الخالق..ولكن هناك الكثير الذي يمكن ان يناقش فعبدالخالق لم يكن نبيا معصوما..
قد اظهر هؤلاء الرجال شجاعة نادرة.. قد اتى احدهم الى المشنقة وقفز عليها وقال لها: يا مشنقة امانة ما جايك راجل.. هذه الشجاعة المنقطعة النظير هي ما جعلتهم فرسانا.. ولكن نظرة الى ما قبل المشنقة. هناك كثير من النقد كان يوجه لعبدالخالق وكثير من الانسلاخات في الحزب بسببه وكثير من اغتيالات الشخصية والتصفيات لم يكن حزبا منزها..
لا احد سيحضر الى هذا البوست الا بعد انجلاء الحرب الخفية بالماسنجرات والخوف من العزل والترميز,, شكرا لك كثيرا على انتصارك لحقك في التعبير.. وجد انت ولد بلد تقعد وتقوم على كيفك.. وشكرا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
. .
العزيزة بيان شكرا ليك على هذا البوست القيم عرفتينا على شاعر ماكنا بنعرفو أنا شخصيا استفدت منو جدا جدا شكرا لكاتب المقالات قرأتها كلها بنهم شديد ساهرت فيها ليلة كاملة و كم أحزنتنى مأساة هذا الشاب البائس المزيد و المزيد من هذا مودتى لك
. .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: منى أحمد)
|
كتب العزيز عبدالله :
أرجو ان تتقبل الأستاذة منى أحمد شكري لعرفانها تقديمي لها الشاعر البائس: شيبون. ووجدت في كلمتها نصحاً أن نعرف بأفاضلنا قبل أراذلنا. غير أنه من سوء الطالع أنه اقتصر علمنا بالأشرار. بل أدمنا سيرتهم نلوكها صباح مساء . . . لاجديد كالأفيون القديم. أما أستاذ عادل فقد دلني على مصدر للعلم بعبد الخالق لم يكن في قائمتي بعد وهو رواية الكاتب المحسن محسن خالد. وأرجو أن أقول إن إدمون لو لم يقل "إنتم السودانيون فوضويون ولذا قتلتم عبد الخالق" لما أحتاج لقول شئ. قتلت الرجل الفوضي التي أصبحت هرجاً، سوق عجيبة هايصة. ولكنها فوضى لا تسم السودانيين قاطبة. إنها فوضى فئة كنا نسميها بغير حرج البرجوازية الصغيرة. وذلك زمان. وقد اكتشفها صلاح أحمد إبراهيم باكراً "البرجوازية الصغيرة وقصص أخرى" بالاشتراك مع علي المك. ولم آت بالمصطلح إلا لأبعد السودانيين كجماعة من كسب الفوضى وأحصرها في فريق منهم. وقارئ عبد الخالق المنصف سيجده قد سمى قاتليه. لم يقتله نميري إلا كعضو مؤسس في هذه الجماعة التي تستوطن حتى الحزب الشيوعي وربما بمعدل أكبر من غيره. ليس نميري وزن عبد الخالق ومن حمله الوز ضل في التحرى. فنميري معتاد إجرام. وقتلة عبد الخالق قوي (مذعورة) ومفهوم (شره) وأفق (محدود). وحتى يستبين هذا الخيط الأسود ستكون كل قصائد رثائه الحزينة . . . سدى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Sidgi Kaballo)
|
استاذنا المبجل صديق كبلو
سلام و احترام
سعدت جدا باضافتك الممتازة المقدرة.. التي اعرف انها ستسعد الاخ عبدالله كما انها القت الضؤ على بعض الاشياء الهامة...
Quote: حب عبدالله لعبد الخالق لم يؤثر على منهج عبدالله في البحث والتوثيق فقد سعى سعيا حثيثا للقاء الأحياء ممن كانوا على صلة مع شيبون ويعرفون تاريخ حياته |
حقا كل ما قلته على الاخ عبدالله.. الذي اتفق معك على موضوعيته وعلى بحثه الدائب واثرائه للمكتبة السودانية ابداعا وتنظيرا عالى الجودة والامتياز.. فعبدالله مثل اعلى لناشئة الباحثين امثالي...
سعدت جدا بملاحظاتك الشخصية التي اضفت على البوست ثراء وحميمية... ادفع نصف عمري لاقرأ تداعياتكم وذكر تارخيكم وتحركات جيلكم.. متعتي في هذه الدنيا معرفة التاريخ من افواه صانعيه او حاضريه.. فانتم جيل صامت...وبخيل جدا .. أجد صعوبة في معرفة احداث حدثت في السبعينات.. ولذلك اعتبر بوست ابدماك الذي فتحه صلاح يوسف كان اهم بوست مر على هذا البورد..
اتوقع منك اضافات كثيرة والقاء الضؤ على كثير من الاشياء .. واتمنى ان تعيطنا زمن من وقتك الثمين. لتنير الطريق لي ولغيري فمن راي ليس كمن سمع.. ولك دائما الاحترام والتقدير..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
د. نجاة سلام و سلام تانى خاص لصاحبي الكديد عادل بدوى لظروف خاصة تصعب على متابعة المناقشة هذه لكن اود اضافة بعض رؤوس مواضيع - لم ارى اثر لحديث عن الادب و الثقافة فى مجموع مقالات د. عبدالله المنشورة هذه و لا عن علاقة المثقف او المبدع بالحزب الشيوعى و هى علاقة مليئة بالصراعات و المحن , بل كل علاقة المثقف او المبدع بالسلطة و المؤسسةالممعنة فى الايديولوجية بما فيها الاحزاب . المقالات هى مواصلة فى saga د. عبدالله عن الحزب الشيوعى . - من الصعب بل من المستحيل على الاجيال و الافراد التى لم تعايش شخوص و تفاصيل الاحداث هذه - مثلى - الافادة بشئ لانها مبنية على سرد وقائع محددة لا تحتمل الاستنتاج او التحليل , مفيد هنا رأى و سرد المعاصرين و المعاصرات لها. - موقف و رأى د. عبدالله عن عبدالخالق ملتبس و متناقض, لننظر ماذا كتب فيه الحاتم عدلان:
مقال الثلاثاء: بين عبد الخالق محجوب وعبد الله علي إبراه... في الإعدام المعنوي.
Quote: هذا مقالي للأضواء الغراء هذا الأسبوع، وهو يتعرض لمحاولات الدكتور عبد الله علي إبراهيم للإعدام المعنوي لعبد الخالق محجوب، بعد أن قتله أعداؤه جسديا.
بين الدكتور عبد الله على إبراهيم، والأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب:
لا يكتفي الدكتور عبد الله علي إبراهيم، بأقل من الإعدام المعنوي لليسار، ممثلا في واحد من أوضأ رموزه: الأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب. ومن خلال إشارات مبثوثة في عدد لا يحصى من المقالات، يحاول عبد الله على إبراهيم أن يمدح عبد الخالق محجوب بأن ينسب إليه قيما ومواقف لم تكن حياة الشهيد وموته، إلا نفيا ودحضا لها. وإذا كان ما حدث لعبد الخالق محجوب صبيحة الثامن والعشرين من يوليو 1971، إعداما جسديا إجراميا نفذه حاكم معتوه، فإن رد فعل عبد الخالق عليه، قد مثل الدرجة العليا من التسامي الفردي، والبطولة الإنسانية، والشجاعة العقلية، التي ألهمت أجيالا من الشعراء والرسامين والمبدعين، بقدر ما ألهمت المناضلين في كل الدروب. ومصدر الإلهام هنا لم بكن تلك الوقفة الأسطورية وحدها، بل كانت السيرة كلها، والقيم التي أضاءت تلك السيرة، والتي لم يزدها الإعدام الجسدي إلا جلاء. أي أن عبد الخالق محجوب، لم يعد منذ تلك المأثرة الباهرة التي خطها بموته، سوى تلك القيم التي عاش من أجلها، وجاد بروحه ودمائه لإضاءتها وسقياها. وهو قد قال لنا بفعله ذاك: جسدي فداء لفكري، دمي زيت لقيمي، عبوري ثمن لبقاء معناي. فإذا أتي من ينسب لعبد الخالق قيما ومواقف نقيضة لما كان يؤمن به، ويرفعها علما على ذكراه، مع كل آيات التمجيد الزائفة وحسرات الفراق المفتعلة، فإنه يحاول إتيان جريمة أفظع من القتل الجسدي، وهي قتل المعنى. وهذا هو ما ظل يمارسه عبد الله علي إبراهيم منذ أن زلزلته الإنقاذ بحضورها الرهيب، وخلعت فؤاده وكسرت جبارته. في كتابه عن الترابي كزعيم للتجديد الإسلامي في السودان، وعن إمكانية حكم البلاد بواسطة فئة القضاة الشرعيين، يورد عبد الله علي إبراهيم الإهداء التالي: " إلى أستاذنا المرحوم عبد الخالق محجوب كنا قد إئتمرنا أو " تآمرنا" على شيئ من هذا الكتاب في فترة من الزمان عند منتصف ستينات القرن الماضي. واستعجلت أنت تخطو وئيدا شجاعا في السكة الخطرة. أو أبطأت أنا. وهذا بعض كسبي من " المحضر السابق" صدقة جارية لروحك السمح العذب، يا أيها الرجل الوسيم." ألاحظ عرضا هنا إستخدام عبد الله على إبراهيم، في إهداء يوجهه إلى عبد الخالق محجوب، لمصطلحين أساسيين في فكر حسن عبد الله الترابي، هما مصطلح الإئتمار، الذي يفضله الترابي لمعناه المزدوج، الظاهر المتعلق بعقد المؤتمرات، والخفي الذي يعني التآمر، فالترابي يعشق مثل هذه المصطلحات ويهيم بها هياما لا فطام منه. ومصطلح "الكسب"، الذي يصور العمل السياسي والفكري، ليس كعطاء يجود به المرء طوعا على الآخرين، بل ككسب يأخذه الفرد عنوة من الجماعة، ويأخذه الحزب غصبا من المجتمع. وأتجاوز عن ظاهرة ذلك المستعجل الذي " يخطو وئيدا"، في مزاوجة مستحيلة بين نوعين من المشي، وأنفذ إلى جوهر فكرة عبد الله، وهي إشراك عبد الخالق في تأليف كتاب لم يكن ليتردد في إستنكار كل مقولة أساسية وردت فيه، ودحضها بحزم فكري عرفه عنه عبد الله قبل سواه. والدليل الذي يسوقه عبد الله على إشتراك عبد الخالق معه في فكرة هذا الكتاب، هو تآمر سري، بينه وبين عبد الخالق. وهي فكرة ليست كاذبة فحسب، بل هي غبية كذلك. لقد أتهم عبد الخالق محجوب بالتآمر في أشياء كثيرة، في مراحل مختلفة من حياته، من مؤامرة الشيوعية الكبرى، وحتى مؤامرة الإنقلاب العسكري. وكانت الإتهامات ذات طابع سياسي واضح، لأن عبد الخالق كان قائدا سياسيا فذا، من أخمص قدميه إلى شعر رأسه. ولكن أحدا لم يتهم عبد الخالق بمؤامرة فكرية. في مسائل الفكر كان عبد الخالق واضحا كالشمس. بل كان يوصي الشيوعيين بأن يكونوا واضحين فكريا مثله، وألا ينحشروا في مواقع الدفاع، حتى لا يتهموا بالإنتهازية. فكيف يمكن لرجل هذا شأنه أن يتآمر مع عبد الله على أفكار هابطة مثل تولية شؤون الدستور والحكم لفئة القضاة الشرعيين، إذا كان ذلك هو الجزء من الكتاب موضوع التآمر، أو تنصيب الترابي زعيما للتجديد الديني، إذا كان موضوع التآمر هو الجزء الثاني من الكتاب؟ وكيف يمكن لعبد الخالق أن يتآمر على كل تاريخه الفكري؟ التآمر المشار إليه هنا، لا يعني سوى أن عبد الله، وقد سار في الدروب الموحشة، بدلا عن "السكة الخطرة"، يريد أن يدعي أنه يفعل ذلك وهو في صحبة رفيعة، كما يريد أن يتأبط ذراع عبد الخالق إلى قبره المعنوي، الذي أعده بدافع الكراهية العميقة التي تسمي نفسها حبا خالدا. وسأوضح ما أجملته هنا عندما أتناول في مقالات قادمة، كتاب عبد الله المدوّن بمداد التهافت المنطقي والمرجّب بعمد الحجج الخاوية. وما أجمله عبد الله هنا في كلمة إهدائه المسمومة، فصله شيئا ما في مقدمته لكتاب عبد الخالق: أفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين الذي كتبه الشهيد أواخر الستينات. ولأن الرسالة التي حددها عبد الله علي إبراهيم لنفسه، إزاء عبد الخالق، لا يمكن أن تكون مستقيمة، وإلا كشفت نفسها للدحض المباشر، فإن إلتواءها قد ظهر هنا بأجلى ما يكون الظهور. إن عبد الله إذ يقدم لكتاب، ينتقد دون رحمة، وباستقامة فكرية عظيمة، عرفت عن الشهيد، أفكار الإخوان المسلمين، لا يورد حرفا واحدا، أو فكرة واحدة من الكتاب الذي بين يدي القاريئ، بل يلجأ إلى نسبة أفكار نقيضة لما ورد في الكتاب إلى مؤلفه، بإعتماد مراجع أخرى ليست بين يدي القارئ ولا يؤمل أن يحصل عليها حتى إذا شاء! والأخبار غير السارة بالنسبة لعبد الله، إننا حصلنا على بعضها، ونعمل على الحصول على الأخريات ولو طال السفر، فليكفهر وجهه ما شاء له الإكفهرار! يقول عبد الله علي إبراهيم أن عبد الخالق محجوب، لم يكن معترضا على دعوة الدستور الإسلامي، عند ظهورها، بل كان محبذا لتلك الفكرة، منشرحا إزاءها، ومحتفيا بها. وربما يكون رد فعل كثير من القراء، وهم يطالعون هذه الدعوة الغليظة، أنني أتجنى على الرجل، وأرجمه بالغيب، وأتهمه بما لا يمكن أن يكون قد صدر عنه. ولا أستطيع أن أرد على هؤلاء إلا بكلمات عبد الله علي إبراهيم نفسه الواردة في مقدمته تلك لكتاب عبد الخالق. يقول في صفحة 11 ما يلي: " ويذكر الشيء بالشيئ، فأريحية عبد الخالق الفكرية حيال مشروعية، بل وسداد الدعوة إلى الدستور الإسلامي قديمة. فقد تقبل هذه الدعوى بطيب خاطر في كتابات باكرة له بجريدة الميدان عام 1957، والدعوى إلى مثل هذا الدستور في طفولته بعد" (الدعوى بدلا عن الدعوة وطفولته بدلا عن طفولتها، نقلتها كما وردت في الأصل.) ولكن التأييد المزعوم للدستور الإسلامي، المنسوب لعبد الخالق محجوب، وإيمانه ليس فقط بمشروعية الدعوة، بل بسدادها، لا يتوقف على مقال نشر عام 1957 عندما كان عمر عبد الخالق 30 عاما، بل يمتد معه في دعوى عبد الله حتى مماته على ما يبدو، يقول على ص 13 من مقدمته: " وعليه لم يكن عبد الخالق في عام 1958م، كما لم يكن في عام 1965 م، ممن أستثقل أو إستفظع أو إسترجع –أي جعلها رجعية باطلاق- الدعوة إلى الدستور الإسلامي، بل كان أكبر همه فحص إن كانت الدعوة إليه قد جاءت من باب المواتاة السياسية أم أنها صدرت عن إنشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالإستعمار، الخصم الأكبر، وعن عزيمة كتأمين السيادة الوطنية على أساس من العدل الإجتماعي. والدليل على رحابة صدر عبد الخالق لخطاب الدستور الإسلامي هو تنبيهه إلى أن المناقشات التي جرت حول وجوب تطبيقه في ما بعد ثورة أكتوبر 1964م " ولدت وعيا بين الناس لا سبيل إلى إنكاره ولفتت الإنتباه لأول مرة في بلدنا للنظر للدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذي أصاب الإنسان في القرن العشرين." وربما يكون روع القاريئ قد هدأ حاليا، بعد أن وقف من عبارات عبد الله، على أنني لم أنسب إليه ما لم يقله. فالعبارات رغم حظها الضئيل من الإبانة، ورغم ما فيها من اللغو والعويش، إلا أنها توضح موقف صاحبها بصورة كافية. إذن كان عبد الخالق محجوب منشرحا لدعوة الدستور الإسلامي، محتفيا بها، غير منكر ولا "مسترجع" لها. كل إعتراضات عبد الخالق محجوب، إنطوت على اعتبارات ثانوية، مثل أنها طرحت في غير محلها، وأنها لم تتشرب بصورة كافية بعداء الإستعمار، كما أنه لم يكن واثقا من أنها "صدرت عن إنشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالإستعمار، الخصم الأكبر" أو كما قال! هنا أيضا، يريد عبد الله علي إبرهيم، في مسيرته الهابطة، أن يقنع الناس أنه يسير في صحبة راقية. وهنا أيضا يحاول أن يسوق عبد الخالق محجوب إلى قبره المعنوي، بعد أن تكفل الآخرون بقتله الجسدي. والواقع أن عبد الخالق لم يكن في أية لحظة من لحظات حياته المدونة، من دعاة الدستور الإسلامي، سواء بتوضيحاتها أو بدون توضيحاتها. بل كان خصما لدودا، ومجادلا عميقا عارفا، ضد ذلك الدستور وتلك الدولة، وما كتابه هذا الذي يقدم له عبد الله علي إبراهيم، ولا يذكره بكلمة واحدة، سوى شهادة دامغة على ما نقول. مواقف عبد الخالق محجوب في المعركة الممتدة ضد الدستور الإسلامي معروفة وموثقة، وخطبه داخل الجمعية التأسيسية عندما كان نائبا من نوابها معروفة للجميع، تسميته لتلك الدعوة بالمشبوهة والرجعية معروفة كذلك، ويعرفها عبد الله علي إبراهيم أكثر من سواه. وهذه كلها شواهد سنوردها ونفصل أمرها. ولكنا هنا نكتفي بالدحض المنطقي لمقولات عبد الله علي إبراهيم المتهافتة حول موقف عبد الخالق محجوب. فإذا كانت الرواية التي أعتمدها عبد الله لتلك المقالة التي نشرها عبد الخالق صحيحة، وليس لدي ذرة من الثقة في أمانة عبد الله، فإن جوهر حجة عبد الخالق هي أن المعركة في ذلك الوقت، كانت هي الوحدة ضد هجمة الإستعمار، وليست الفرقة حول الدساتير. هذا لا يعني أن عبد الخالق كان يؤيد الدستور الإسلامي، بل كان يرى أن من يطرحونه إنما يريدون خلط الأوراق، والهروب من المعركة الماثلة إلى معارك أخرى سيأتي أوانها. فلنحارب الإستعمار جميعا كسودانيين، ثم نتعارك بعد ذلك حول الدساتير. وهذا موقف لا أستبعد أن يكون عبد الخالق قد وقفه بناء على التحليل الماركسي في التناقضات الأساسية والثانوية، المعروفة لدى عبد الله دون ريب. وبمعنى أوضح إذا كان عبد الخالق يدعو إلى دستور علماني، وقد كان يدعو إليه حتى إستشهاده، وهو بعض من معانيه الباقية، فإنه يقول دعونا نعرض حاليا عن طرح الدساتير، ودعونا نتوحد ضد الإستعمار وأذناب الإستعمار، وبعد أن نزيح ذلك الخطر فليطرح كل منا دستوره، وفي هذه الحالة فإنني سأعترض على دستوركم الإسلامي، طارحا دستورا علمانيا مستقيما. هذا كل ما يمكن أن يستشفه المحلل الأمين من مواقف عبد الخالق محجوب. المهم أن عبد الخالق محجوب لو كان يدعو إلى الدستور الإسلامي، فإن معانيه كلها تكون قد جفت تقريبا، بقيام الدولة الإنقاذية الأصولية التي ألتحق عبد الله بخدمتها الفكرية، من مواقع الإلتواء والخفاء الشديد والنكران. وإذا كان ذلك مبتغى عبد الخالق، فإن إعدامه المعنوي يكون قد إكتمل. فكيف يمكن أن يكون عبد الخالق داعية للإشتراكية والعدالة والعلمانية والشيوعية، إذا كانت أحلامه تنتهي عند عتبة الدولة الدينية؟ ولست مندهشا لمحاولات عبد الله إعدام عبد الخالق معنويا، لأن ذلك يمثل بالنسبة إليه حاجة نفسية قاهرة. فهو لم يكن ليقدم على مثل تلك المحاولة لولا أنه اختار الإعدام المعنوي لذاته أولا، في مواجهته لأخطار لم يكن من ضمنها الموت. وذلك على النقيض تماما من عبد الخالق محجوب الذي اختار الفناء الجسدي، والبقاء المعنوي، وهو عارف تماما بتبعات خياره. ولا يكتفي عبد الله بمقالات مجهولة كتبت عام 1957، بل يورد وثيقة قضايا ما بعد المؤتمر كشاهد على أطروحته. وهذا ما سنعالجه في حلقة مقبلة. |
- حجوة الشيوعيين و الخارجين عن الحزب افراد و جماعات تحتاج زمن و براح اخر اتمنى ان اعود لها مرة اخرى , فهى ذات شجون
سلام و احترام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: esam gabralla)
|
رد دكتور عبد الله علي أبراهيم علي حوارت سودانيز أون لائن حول قضية الأستاذ عبد الخالق والدستور الأسلامي ... نقلا عن سودانائل عبدالخالق محجوب: الإسلام وغربة الماركسية د. عبد الله علي إبراهيم [email protected]
تدور حول المقال المنشور أدناه مناقشات علي منبر سودانيزأونلاين استفدت منها أن أكثر المعقبين ربما لم يطلعوا علي النص. وكنت كتبته كمقدمة لكتاب استاذنا عبدالخالق محجوب "أفكار حول فلسفة الأخوان المسلمين" الذي صدرت طبعته الثانية عن دار عزة في مطلع هذا القرن. وقد شاب الإصدارة أخطاء كثيرة حتي نصحت الناشر بان يتعوض الله ويوقف توزيع الكتاب. ويبدو ان بعض نسخه قد تسربت ووقع بعضهم عليها ورغبوا في مناقشة محتوي مقدمتي. ولا تثريب. وقد عدت الي مسودتي لأطبع منها النص الذي بين أيديكم كما كان ينبغي له أن يظهر في الكتاب. وقد رأيت مع ذلك ضرورة تغيير بعض العبارات وقد أشرت الي هذه المواضع بعلامة (؟) لمن أراد مقارنة النص في أصله بالنص في الكتاب المنشور علي الناس. وسيجد القاريء أنني لم أوفق في كتابة خاتمة مناسبة للبحث. وسافعل ذلك متي نشرته لاحقاً.
وقد سعدت بهذه السانحة التي وفرها نقدة هذه المقدمة لإذاعتها علي نطاق واسع ليتعرف الجيل الحدث علي فكر استاذنا عبدالخالق محجوب عليه الرحمة.
عبدالخالق محجوب: الإسلام وغربة الماركسية
عبدالله علي إبراهيم
صدر كتاب "أفكار حول فلسفة الأخوان المسلمين" (لأستاذنا عبدالخالق محجوب في آخر الستينات؟) في ذيول المحنة السياسية والفكرية التي أخذت بخناق الحزب الشيوعي السوداني مباشرة بعد انتصار ثورة أكتوبر 1964 التي أطاحت بالنظام العسكري للفريق إبراهيم عبود. وكان الحزب أحد ابرز مهندسي هذه الثورة وقد بوأته منزلة من القوة والنفوذ في الدولة والمجتمع أثارت غيرة خصومه السياسيين. ونجح هؤلاء الخصوم في حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في آخر عام 1965. وكان إلحاد الحزب الشيوعي هو ما شدد عليه هؤلاء الخصوم في حملتهم عليه حتى تحقق لهم إزالة الوجود القانوني للحزب. وكانت القاصمة هي الحادثة التي يشار إليها ب "ندوة معهد المعلمين العالي". ففي تلك الندوة المخصصة لمناقشة البغاء والمجتمع (وكان البغاء منذ عهد الاستعمار ممارسة مشروعة) (في شتاء 1965؟) وقف طالب نسب نفسه للحزب الشيوعي وقال، في المروي عنه، أنه شيوعي وملحد و"أفخر أنني تحررت من خرافة الله . . . أما الدعارة فهي فطرة غريزية في الإنسان وفي بيت الرسول كانت تمارس الدعارة مشيراً إلي حديث الإفك." (1)
وقد استثمر خصوم الحزب مقالة الطالب للتشديد علي إلحاد الشيوعيين بقصد تأليب جمهرة المسلمين عليهم. وقد نجحوا بالفعل في استثارة حملة كبري قضي بها البرلمان علي شرعية الحزب الشيوعي.
انصرف أكثر الشيوعيين وطوائف اليسار، والعهد بهم ما يزال، إلي اعتبار هذه الحادثة داخلة في عداد "استغلال الدين" لتحقيق مآرب سياسية. ولم يغب هذا الاعتبار السياسي بالطبع عن مؤلف هذا الكتاب: الاستاذ المرحوم عبد الخالق محجوب (1926-1971)، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني منذ 1950. فقد شرح عبد الخالق هذا المعنى بغير هوادة. فقد نظر في كتابات عديدة له الي مطلب خصومه في تطبيق الدستور الإسلامي مما راج آنذاك قبيل حل الحزب الشيوعي. ودرس غلوهم في هذا المطلب بعد حل الحزب الشيوعي (2). وكان رأيه أنه من مفارقة الحكمة أن ينظر المرء الي شعار الدستور الإسلامي وصلاحيته للحكم من زاوية تكوين السودان الإسلامي الثقافي كما يزعم دعاة ذلك الدستور. ورد عبد الخالق هذه الدعوة إلي إسلامية الدولة إلي منابت في السياسة السودانية بخاصة في وقائع ومستجدات نجمت عن ثورة إكتوبر 1964. تساءل عبد الخالق: لماذا احتاج النادي السياسي الحاكم إلي الدعوة إلي الدستور الإسلامي بعد تلك الثورة في حين اكتفي قبلاً بدساتير ليبرالية غير دينية مثل دستور الحكم الذاتي 1954 ومسودة دستور السودان 1958؟ وأجاب عن سؤاله بقوله أن الذي أزعج هذا النادي الحاكم عن الليبرالية إلي الإسلامية هو ما كشفت عنه ثورة إكتوبر عن إمكانية نشوء حركة سياسية مستقلة من نقابات العمال والمهنيين واتحادات المزارعين والحزب الشيوعي. وهي حركة تدير ظهرها نهائياً لهذا النادي وتنزع إلي نهج وأفق اجتماعيين جذريين جديدين. وروع هذا التطور، في قول عبد الخالق، النادي السياسي الذي رأي عياناً بياناً كيف انفصل جهاز الدولة بفضل قوي العاملين وإضرابهم السياسي العام عن السلطة الحاكمة وتركها تامة العري الاجتماعي والسياسي. ولذا سارع النادي الحاكم إلي الدعوة إلي أمرين. الأمر الأول هو تبني الجمهورية الرئاسية بعد أن كان يعتقد في الرئاسة البرلمانية. وأراد بالجمهورية الرئاسية أن يضع في يد رجل زعيم منهم سلطات جامعة مانعة يسيطر بها علي جهاز الدولة. فقد جعلوا الرئيس قيماً نهائياً علي الخدمة المدنية كما يعين القضاة والقيادات العسكرية. أما الأمر الثاني فقد تنادي أهل النادي السياسي إلي الدستور الإسلامي كغطاء إيدلوجي يغطون به إفلاس مناهجهم والتي رأي كيف مجتها طلائع الشعب واستقبلت قبلة أخري.
تساءل عبد الخالق في سياق عرض فكرته عن استغلال النادي الحاكم للدين عن منشأ النبع الإسلامي في الحركة السياسية آنذاك. وتساءل (؟) هل أصابت النادي الحاكم شحنة فكرية مفاجئة حولته عن قناعته الأولي بالدستور الليبرالي إلي الدستور الإسلامي. وفي تقدير عبد الخالق أنه لم ينشأ بين جوانح هذا النادي شوق فكري مرصود معلوم ينتفض للإسلام في جهاد إحيائي فكري مستنير. وغاية الأمر، في قول عبدالخالق، ان الإسلام وقع للحاكمين المأزومين "من باب التجريب والمواتاة السياسية".
ولم يكتف عبد الخالق بهذا البيان عن "استغلال الدين" في سياسة أهل الحكم السودانيين فيما بعد إكتوبر 1964. فقد راجع نفسه حتى لا تكون مقالته عن "استغلال الدين" مما يلقي علي عواهنه. فقد استدرك عبد الخالق قائلاً: وما الخطأ في لجوء النادي الحاكم إلي الدستور الإسلامي في الوقت الذي اختاره؟ وجاء بثلاثة (؟) أسباب في تخطئة هذا اللجوء:
فقد قال أن العيب الذي يراه في هذا النادي السياسي ليس في لجوئه إلي الدين بل في مفهومه للدين. وعاد هنا إلي شرح اعتراضه من أن الدين لم يقع لهذه الفئة السياسية في ميدان ثورة فكرية رشيدة. فهي لم تستنبط إسلامها المرشح للحكم من حركة إصلاح هزت بها قاع العقائد السودانية التقليدية التي كانت الحركة المهدية (1881-189 نفسها مجرد امتداد لها لا ثورة عليها.
وتنويعاً علي ما سبق قال عبد الخالق أن مفهوم هذا النادي للدين لم يكن ثمرة جهاد ضد الاستعمار كما هو حال الإسلام في الجزائر الذي طبعه حرب المستعمرين بنظرات متأملة ناقدة في سياسات فرنسا التذويبية لشخصية المستعمر (بفتح الميم) (؟)، والربط بين التحرير السياسي والروحي والاجتماعي. فإسلام النادي الحاكم السوداني غير ممتحن في دقائق السياسة العامة ومشاغلها وخبراتها في النضال وأشواق العدل الاجتماعي.
ومما زاد الطين بلة أن النادي السياسي السوداني جاء إلي الشعار الإسلامي تابعاً لا رائداً لأنه استقي مدده الفكري والروحي والمالي من القوي الرجعية في العالم العربي والإسلامي التي قبلت العمل في نطاق الأحلاف الاستعمارية ووطنت نفسها علي أفكار التقدم والاشتراكية.
ويذكر الشيء بالشيء. فأريحية عبدالخالق الفكرية حيال مشروعية، بل وسداد، الدعوة إلي الدستور الإسلامي قديمة. فقد تقبل هذه الدعوة بطيب خاطر في كتابات باكرة له بجريدة الميدان (الميدان) عام 1957 (3) والدعوة إلي مثل هذا الدستور في طفولتها بعد. فقد بادرت بعض الهيئات الإسلامية، ومنها حركة الإخوان المسلمين التي هي في القلة السياسية آنذاك، إلي الضغط علي أحزاب الكثرة لتتبنى الدستور الإسلامي قبيل انتخابات 1958. وكان من رأي عبد الخالق أن هذه الانتخابات إنما تدور حول سيادة السودان التي تتهددها قوي الاستعمار التي لا تريد أن يكون "في قلب أفريقيا، وفي الحدود الجنوبية للقومية العربية، أثر لجمهورية سودانية مستقلة حقاً تساند دعوة الحرية في الوطن العربي وتحمل شعلتها في أفريقيا، آخر قلعة للمستعمرين".
لم يعب عبد الخالق علي الهيئات الإسلامية دعوتها للدستور الإسلامي. بل عاب عليها غفلتها عن أن المعركة المقدسة حقاً هي المعركة ضد الاستعمار. فقد استغرب لوقوف هذه الهيئات خلف مرشحي حزب الأمة في الانتخابات وهو الحزب، في تحليل الشيوعيين آنذاك، ركيزة المستعمرين ووكيلهم القديم والحديث في السودان (4). استعان عبد الخالق بلغة القرآن لكي يبين كساد خطة هذه الهيئات في اختيارها الانحياز لحزب الأمة قائلاً:" والله أنتم في واد والشعب في واد آخر غير أن واديكم غير ذي زرع."
وبرغم وصف عبد الخالق لدعوة الدستور الإسلامي بالغموض ومفارقتها لواقع البلاد إلا أنه لم ير وجهاً لجعل الصراع حول صورة الدستور سبباً لانقسام الصف الوطني في وجه الهجمة الاستعمارية. فالمعركة في نظره ليست بين الدستور الإسلامي والدساتير الأخرى. ففي اعتقاد عبد الخالق أن أياً من هذه الدساتير لا يمكن لأنصاره تحقيقه إلا في ظل سودان مستقل الجانب موفور الكرامة. فالدعوة للدستور الإسلامي، في قوله، لا تعفى صاحبها من تحديد موقعه من الاستعمار. وذكر أن باكستان المعلن أنها جمهورية إسلامية هي سند مؤكد للاستعمار وعدو لدود للمسلمين.
وعليه لم يكن عبد الخالق في 1957، كما لم يكن في 1965، ممن استثقل أو استفظع أو "استرجع" (جعلها رجعية بإطلاق) الدعوة إلي الدستور الإسلامي. بل كان أكبر همه فحص إن كانت الدعوة إليه قد جاءت من باب المواتاة السياسية أم أنها صدرت عن انشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالاستعمار، الخصم الأكبر، وعن عزيمة لتأمين السيادة الوطنية علي أساس من العدل الاجتماعي. والدليل علي رحابة عبد الخالق لخطاب الدستور الإسلامي هو تنبيهه إلي أن المناقشات التي جرت حول وجوب تطبيقه في ما بعد ثورة إكتوبر "ولدت في الناس وعياً بين الناس لا سبيل إلي إنكاره ولفتت الانتباه لأول مرة في بلدنا للنظر إلي الدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذي أصاب الإنسان في القرن العشرين."
ولذا لم ينشغل عبد الخالق بعد واقعة حل الحزب الشيوعي بالإلحاح علي مسالة استغلال خصومه للدين قطعاً لطريق التقدم، وهي واحدة من عباراته المفضلة آنذاك. خلافاً لذلك، رأي عبد الخالق أن تكون محنة الحزب الفكرية مع الإسلام مناسبة يأخذ الحزب نفسه بالشدة النظرية يتأمل قامته الثقافية في مجتمع إسلامي. فقد كتب في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع (196 يقول أن المؤتمر الرابع للحزب (1967) (5) لم يثر مسألة الدين من الزاوية السياسية وحسب. وبعبارة أخري، فالمؤتمر لم يقتصر في خلاصاته فقط علي استنكار استخدام الدين بواسطة النادي الحاكم ستاراً لمصادرة الحقوق الأساسية في مثل حله الحزب الشيوعي. وقال أنه لو كان هذا المغزى السياسي هو كل ما انطوي عليه حل الحزب من مغاز لكان الأمر يسيراً. فالحزب، في نظره، ذو تجربة ثاقبة في العمل بين جماهيره في حين تكتنفه الحملات الناعمة والكثيفة الموجهة إلي إلحاده ومفارقته الجماعة. فهو قد تمرس في النضال الحازم بين العمال والمزارعين والطلاب والمثقفين وعامة الناس المسلمين للدعوة إلي فصل الدين عن السياسة ولم يعان حرجاً أو عزلة بل أصاب سداداً كثيراً. والحزب، من الجهة الأخرى، في قول عبد الخالق، قد تشرب حساسية الناس الدينية وتوسل إلي إقناع الناس بتوقيره ما يوقرون بالمسلك العملي المتأدب في حضرة الإرث الثقافي والعقدي للمسلمين. وبالفعل نجح الحزب في عام 1965 من حماية ظهره سياسياً في وجه حملة العداء التي انتهت بحله وعاد في انتخابات 1968 ليرسل نائبين من دوائر جغرافية لم يجد الناس حرجاً في الانتصار له فيهما. ولم يدر في خلد دهاقنة حملة 1965 أن يستقوي الحزب بالناس هكذا في اقل من ثلاثة ( ؟) أعوام.
لم يرد عبد الخالق أن يتذرع باستغلال خصومه للدين لكي يتفادى الحرج الثقافي الأصيل للفكرة الشيوعية في بلد مسلم. وقد رأي أن يلقي هذه المسالة وجهاً لوجه. فقد دعا في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" (196 ( 6 ) أن يتأمل الشيوعيون غربتهم و"غربة الفكر الماركسي" التي ارتسمت بغير خفاء من جراء حادثة معهد المعلمين وذيولها. تساءل عبد الخالق: كيف تسنى للرجعية السودانية، بغض النظر عن دوافعها السياسية التي اتخذت الدين أداة ومخلباً، وبغض النظر عن نفوذها في الدولة والتشريع، أن تحرك بسهولة نسبية قطاعاً من الجماهير ضد الحقوق الديمقراطية والدستورية في البلاد حين قبل بحزب الحزب الشيوعي؟ وأضاف قائلاً: كيف تسني لهذه القوي الرجعية أن تنفذ إلي غرضها هذا من خلال استغلال حادث مفتعل لا يعرف أحد حتى ذلك الوقت أبعاده؟
ومن شأن هذه الأسئلة، التي تنأى عن تحميل الخصم كل اللوم علي ما يقع علي الذات من أذى، أن تفضي بهذه الذات إلي مكاشفة ذاتها مما هو في باب النفس اللوامة. وقد ساقت هذه الأسئلة عبد الخالق إلي اجتهادين مرموقين في منهج الحزب الشيوعي تجاه مسالة الثورة والإسلام:
فقد خرج عبد الخالق من تبكيت النفس إلي دعوة الحزب ان يخوض في أمر الدين لا من موقع الدفاع عن نفسه كمتهم في دينه، بل من مواقع الهجوم. وسبيل الحزب إلي ذلك تبسيط الماركسية وجعلها لصيقة بحياة الناس. فتطوير نظرة الحزب للدين، في رأيه، هي في تقريب الماركسية لجماهير الشعب بجعلها جزءاً من تفكيره وتراثه الثوري بإدخالها بين مصادر حضارة الشعب العربية والإسلامية والأفريقية. وهو يري أن هذا التقريب للماركسية هي تبعة علي مثقفي الحزب تلزمهم باكتشاف مصادر هذه الحضارة وعناصر القوة والخير والثورة فيها. فالماركسية، في قول عبد الخالق، ليست مناسبة يخلع (؟) بها الشيوعي هويته الحضارية كمسلم وعرب وأفريقي. خلافاً لذلك، فالماركسية هي "تجديد للمعرفة وسط شعبنا، تجديد لمصادر حضارته وثقافته." وهي مع ذلك (الماركسية؟)لا تقف مكتوفة اليد مبهورة حيال ماضي هذه الحضارة كمثال جامع مانع. وإنما تنفذ إليه بالنقد الدقيق المحيط تتغذى بخير هذه الحضارة وتلفظ ما عداه وتتغلغل يوماً بعد يوم إلي ثري الوطن وثقافته.
فالحزب الشيوعي، في نظر عبد الخالق ، يكسب بالهجوم الذكي المستنير المتفقه في علوم الدين وغير علومه. فلا مخرج للحزب من غربته الفكرية بالاستخذاء وإدارة العقل إلي الجهة الأخرى في وجه ما يلقيه الدين عليه من مسائل وتحديات وفقه. وقال:
"هذه الغربة (الماركسية) التي أشرت إليها لا تحل علي أساس سياسي كما ان مراكز الدفاع مراكز ضعيفة ويمكن أن توصف بالنفاق السياسي ولا توصف بالحالة الجادة لاكتشاف مصادر الثقافة في بلادنا ولاتخاذ موقف تقدمي منها: ما كان مفيداً يدخل في ميدان التطور، وما كان منها يعوق التطور يجب ان يتكلم عنه الشيوعيون بجراة وأن يقفوا بثبات دفاعاً عن مراكزهم"
أما الخاطرة الاجتهادية الثانية (7) التي عنت لعبد الخالق حيال غربة الماركسية في مجتمع إسلامي فهي تفرقته بين الدين كأيدلوجيا، مما يؤدي إلي استغلاله بواسطة الصفوات النافذة لتأمين حكمها بين الناس، (وبين) الدين كيوتوبيا، أي الدين كجغرافيا راسخة لعالم مثالي من العدل والإخاء والمساواة. فدين عامة الناس، اليتوبيا، قد فطر عليه المسلمون، واستمدوا منه أبداً عالماً بديلاً لعنت واقعهم السياسي الأليم، وشغفوا فيه بصور العدالة والإيثار والمساواة، التي هي صفة مجتمع أبكار المسلمين. واسترسل عبد الخالق في وصف الإسلام اليوتوبيا في خيال وفكر عامة المسلمين قائلاً:
"الناس يتصورون هيئة عمر ابن الخطاب حاكم الدولة الإسلامية التي امتدت شرقاً وغرباً وجنوباً وانتشرت تهز أركان العالم حولها وهو مجرد من زيف السلطان وغربته عن الشعب وقد استلقي تحت ظل شجرة مثل عامة الناس لأنه حكم وعدل وأمن شعبه . . . يذكرون مصعب ابن عمير يحف به بذخ الإرستقراطية وهو شهيد في واقعة أحد بعد أن أبلي وهو يحمل لواء الرسول بلاء (؟) لا يدانيه بلاء، وقد خر علي وجهه، ويهم المسلمون بدفنه فلا يجدون له كفناً، إنما هو ثوب رث قصير إن أخفى رأسه أظهر رجليه، وإن اخفي رجليه أظهر رأسه، والنبي (ص) يري فيتلو قول عز وجل: "من المؤمنين رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه."
ويستطرد عبد الخالق قائلاً أن هذا العالم المثالي هو الذي يشد أفئدة الناس في واقع يحدق بهم: الفساد فيه وحل، والمحسوبية عاهة، تغلب فيه الاثرة والتفاوت الطبقي اللئيم والفردية القاتلة. وعامة المسلمين أسيرة تناقض بين عالم المثال هذا الذي الإسلام فيه مستودع العدالة والإيثار والمساواة وبين ارتباطهم بقوي النادي السياسي التي تفسد في الأرض، تناقض بين المثال الذي يجعلها ترفض الواقع الفاسد وبين قلة حيلتها وهي أسيرة النادي السياسي وخطته السياسية. ولا مخرج لها من هذا التناقض سوي بنظرية اجتماعية للسلطة تنتقل بها من رهن إرادتها بانتظار فيض القلب الرحيم والمدد المثالي إلي اكتشاف القوة الاجتماعية للتغيير لتحرير نفسها من لعنة وعبودية المال. وويواصل عبد الخالق قائلاً:
"إن الجماهير التي يثير فيها شعار الدستور الإسلامي ما ذهبت إليه من صور إنسانية مدعوة للبحث والتفكير عن ردود شافية لأسئلة تطرح نفسها وتلح بإصرار: هل يمكن تحقيق تلك الصور والمعاني بواسطة سلطة أصحاب المال والمترفين الذين يعملون عن طريق مسودة دستورهم لعام 1968 لدفع البلاد بخطوات سريعة علي طريق الرأسمالية."
من المؤسف إن نظرات عبد الخالق حول غربة الماركسية والدين لم تجد من الخلف الشيوعي لا تجريحاً ولا تطويراً. فلم يتسن للحزب أن يتخطى أطروحة "استغلال الدين" في العمل السياسي" الي الرحاب التي افترعها عبد الخالق. فلم يكن بوسع الشيوعيين انتهاج فقه ماركسي غير فقه "التهويس الديني للسياسة" بالنظر إلي الشروط السياسية والفكرية التي اكتنفتهم لعقود أربعة (؟) منذ آخر الستينات. فقد توالت علي الخلف الشيوعي واليساري عامة النكسات بعد محنة حل الحزب الشيوعي في 1965. وكان الدين ،بصورة أو أخرى،من الملهمات الرئيسية للذين أوقعوا بالشيوعيين الأذى. وصح هذا التقدير أو لم يصح، فالذي استقر في خاطر الشيوعيين هو أن خصومهم كادوا لهم بالدين وما زالوا يكيدون. والمعروف أن الدين قد اصبح أيدلوجيا الرئيس نميري البديلة لليسارية الثورية بعد فراقه الدامي مع الشيوعيين بعد انقلاب 19 يوليو 1971 . وقد تدرج نميري بالشعار الديني حتى أقام دولته الإسلامية في 1983. ثم جاء انقلاب 1989 الإسلامي الذي شتت شمل اليساريين في أطراف الأرض والغرب المسيحي بالذات. وليس من المستغرب إذاً أن ينشغل الشيوعيون بمحض غريزة الدفاع (عن النفس؟) بأطروحة استغلال الدين وتنويعاتها مثل إرث الإسلام في مجافاة حقوق الإنسان واضطهاد المرأة وغيرها مما اتفق للغرب من صور نمطية عن الإسلام. وهي صور يعاد إنتاجها وترويجها في ملابسات عالم ما بعد الحرب الباردة الذي جري تصنيف الإسلام فيه ك "خطر" دولي بواسطة دهاقنة الفكر الأمريكي. وهكذا تناصر واقع محلي سوداني وواقع عالمي لكي يبعدا الشيوعيين عن افتراع معني للإسلام في السياسة غير معني استغلاله في هذه السياسة.
ولم يتسن للشيوعيين وهم بهذا الانشغال ب "تهويس" الدين أن ينموا فكرة عبد الخالق عن يوتوبيا الإسلام التي تعبئ المسلمين حول المثال الباكر لمجتمع النبي (ص) والصحابة الذي اتسم ببساطة الحكم وكرامة الرعية. وقد رأينا كيف حاكم المسلمون حكومتي نميري والإنقاذ الإسلاميتين بقواعد هذه اليوتوبيا الناقدة النافذة حين اشتطتا في البوليسية أو الفساد أو المحسوبية. وقد اخرج هذا النقد النميري من طوره فقال ببجاحة وكفرانية أنه يعلم أن للبيوت في الإسلام حرمة غير أن إسلامه هو إسلام "النط" في البيوت وتفتيشها. وقال الدكتور الترابي أن هذه اليوتوبيا قد قعدت بالحركات الإسلامية دون استحداث برنامج متدرج عملي تأخذ به مجتمعاتها من واقعها إلي مثال الإسلام. فهذه الحركات، في نظر الترابي، تعلقت بمثل تشخص نحوها بالأماني. فحالة الكمال الإسلامي لن تقاربها الدولة الإسلامية وقد لا تبلغها. فهذه الدولة لن تنشأ تامة وهي تولد من واقع إسلامي منحط، بل ستبدأ من بعض الطريق ثم تتقدم نحو مثل الإسلام. وأضاف الترابي أن الحركات الإسلامية المعاصرة اعتزلت المجتمع وتجافت عنه لإخفاقها في تحقيق المثال الإسلامي. وانطوت علي هذه اليوتوبيا تنتظر حدوث معجزة تحقيق أمانيها. وهكذا يري هذا الناشط الإسلامي الكبير كيف أن اليوتوبيا الإسلامية قد تصبح قيداً علي(؟) الحركة الإسلامية المعاصرة وسبباً للنكوص والخيبة (.
وكان بوسع الخلف الشيوعي أيضاً أن يصوب بعض خاطرات عبد الخالق. فكلمة عبد الخالق في أن الدعوة للدستور الإسلامي لم تنشأ عن تنوير إسلامي سوداني هي عين الصواب إذا انصرف بها إلي الأحزاب التقليدية الطائفية. ولكننا، وبآخرة، قد نميل إلي تخطئتها إذا عنت الحركة الإسلامية الحديثة الناشئة آنذاك والتي تحالفت مع تلك القوي الطائفية علي المستوي السياسي وآذت الحزب الشيوعي. غير أن تحالفها السياسي لم يمنعها من احتضان جذوة ما تروم التجديد الديني والتحديثي وبخاصة تحت قيادة الدكتور حسن الترابي منذ نصره علي خصومه التربويين في الحركة في عام 1969. والمعلوم إن الشيوعيين لم يحتاطوا فكرياً لدرس هذه الحركة التي عدوها اجتماعياً فريقاً من أتقياء الريف "الكيزان" وعدوها سياسياً امتداداً فاشستياً للحركة المصرية التي اشتهر إرهابها بين شيوعي السودان نقلاً عن خبرة لهم بها في مصر (9) وفي مقاومتها للناصرية التي عقد الشيوعيون معها أحلافاً متأرجحة. ولم يقرأ الشيوعيون الحركة الإسلامية في نصها وتجلياتها السودانية وبخاصة خلال صراعها المرموق للاستقلال عن قبضة "الشيخ" المصري المتمثل في التنظيم العالمي لحركة الأخوان المسلمين الذي أراد للتنظيم السوداني أن يكون فرعاً تابعاً. وقد شددت حركة الترابي طوال هذا الصراع علي أصولها في الديمقراطية السودانية في طيات الحركة الطلابية والشعبية (10). وقد استحسنت دائماً خاطرة للأستاذ محمد إبراهيم نقد، السكرتير العام للحزب الشيوعي، قال فيها أننا حاكمنا الأخوان المسلمين في السودان بما نعرفه عن الإخوان المسلمين المصريين. وهذه خطة عاجزة.
مصادر وهوامش البحث:
حسن مكي محمد احمد، حركة الإخوان المسلمين في السودان، 11944-1969، الخرطوم 1982، صفحة 83.
نشر بعض هذه الكتابات في جريدة "أخبار الأسبوع" في أعداد صدرت في 12-3-1969 و10-4-1969. والأفكار الواردة بعد هذه الإشارة ماخوذة من هذين المقالين ما لم أشر بغير ذلك.
نشر الكلمة الولي في "الميدان" بتاريخ 12-10-1957 والأخرى في نوفمبر من نفس السنة وفات علي حصر اليوم مع كثير الأسف.
راجع الحزب الشيوعي هذه الفكرة المركزية ونفض يده عنها في وثيقة "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" التي صدرت في 1968. غير أن الفكرة ظلت تراوح في مكانها ولم تتسرب إلي الوعي الجمعي للحركة.
في الوثيقة المسماة "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" وصدرت منها طبعتان، أول إنشائها في 1967 وجاءت الأخرى في 1986. وقد نسبت الوثيقة الدعوة للدستور الإسلامي بواسطة "القوى الرجعية" إلي الإفلاس السياسي تاركة الحياة السياسية العلمانية ناشرة جواً من "الدجل الديني مس كل أوجه الحياة في البلاد، ويهدف في النهاية إلي قيام سلطة باسم الدين." غير أن الوثيقة نبهت بعدم كفاية الدفاع عن الحياة السياسية العلمانية وشعار فصل الدين عن السياسة كموقف وحيد للحزب وطالبت (؟) الحزب بتنمية خطة فكرية تربط بين قضية الدين الإسلامي وعلاقته بحركة التقدم الاجتماعي. أنظر الصفحات 168-170 من الطبعة الثانية.
الوثيقة هي نص التقرير المقدم من المكتب السياسي إلي البلجنة المركزية للحزب في دورة إستثنائية في منتصف يونيو 1968 . وكل الفكار الواردة بعد منها إلا حين نستثنى.
وردت هذه الخاطرة الثانية في مقاله بأخبار الأسبوع بتاريخ 17-4-1969.
وجدت معني الترابي في مسودة له عنوانها "نظرات في الفقه الإسلامي". وفي المقال الموسوم "في أصول الفقه الإسلامي السياسي."
أنظر كتاب للأستاذ الرشيد نائل في هذا المعني صدر في آخر الستينات.
أنظر كلمة لي عن لاهوت الدكتور حسن الترابي نشرتها في مجلة "أفريقيا اليوم" في آخر عام 1999 (تصدر عن دار جامعة إنديانا للنشر وتجدها معربة في كتابي "الشريعة والحداثة" ؟)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: esam gabralla)
|
Quote: حجوة الشيوعيين و الخارجين عن الحزب افراد و جماعات تحتاج زمن و براح اخر اتمنى ان اعود لها مرة اخرى , فهى ذات شجون |
الاخ الكريم عصام
سلام وتقدير. ومرحب بك .. وشكرا للاشارات الثرة ونتمنى عودتك رغم صعوبة ظروفك كما اسلفت.... ليس الخارجين من الحزب الشيوعي وحدهم يعانون.. الاحزاب العقائدية دائما تنصب المشانق لكل الخارجين عنها كما حدث للذين خرجوا عن الاخوان المسلمين في انشقاق 1977.. ايضا تعرضوا للضغوط والعزلة..ولتجربة عايشتها واكتشفت ان الكيزان يكرهون من خرج منهم اكثر اعدائهم التقليدين قبيلة اليسار.. والعكس بالعكس ايضا. اتمنى لو ان دكتور عبدالله مدني بالمقال الذي كتبه عن تأريخ الحزب وعدم حفظ جميل من قام على اكتافهم بعد انشقوا عنه... واشارة خالد المبارك عن خروجه وحدث له ما حدث لشيبون.. حقا هو حديث ذو شجون..
اذكر عندما قرأت مقال الخاتم هذا اول مرة حسيت بحزن عميق من كمية الاساءات الشخصية فيه.. والهجوم غير المؤسس على شخصية عبدالله.. وعرفت ساعتها انه لا فرق بين احمد وحاج احمد ينشقون ثم ينشقون ثم ينشقون ثم ينشقون الى ما لا ناهية حتى يكون لدينا 63 حق عدد العضوية..ولكن خميرة الحزب لا تتغير.. ذات الاسفاف والهجوم الشخصي والتاويل وانقاص شأن الاخر الشقي.. وأغتيال الشخصية باقتدار...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
كتب العزيز عبدالله
أرجو أن أعبر عن عميق سعادتي بكلمة الدكتور صدقي كبلو وتزكيته الغراء. كان عمراً أعتقد أننا قضيناه، وما نزال في راسخ العقيدة، في صالح الأعمال. لربما اعتورت طليعة الجيل الأخطاء الصغيرة والكبيرة ولكن ميثاقنا الروحي مع المستضعفين بقي حيث هو بفضل رجل عجيب هو الأستاذ عبد الخالق محجوب. فقد أوقد ناراً، في مصطلح المهدي، وأردنا كلنا أن نتدفأ بها. هذا هو الحق الصراح. وقد أطربتنا هذه الزمالة في المحكات المحرجة والأمل أن لا نفرط فيها مهما اختلفت الدروب. فالعمر مثل الماس (الرياضيات): فراق حبايب. ولذا استحسنت كلمة صدقي الذي ارقب جهوده في دفع "الأذي" (أو اماطته) عن الحزب الشيوعي واتمنى له التوفيق من كل قلبي. وأشكر له لفتي إلى مادة نشرت عن شيبون على صفحة الرأي العام الثانية، صور وألوان (وقد زكاها بحق كصفحة ذكية كان وراءها الأستاذ حسن نجيلة. وواحدة منها أمامي الآن وأنا أكتب هذا وفيها قصيدة للشاعر الفحل طه حسين الكد). وقد وجدتها مؤخراً بدار الوثائق بالسودان. وهي عبارة عن سجال بين المرحوم الوسيلة والمرحوم نجيلة عن "من قتل شيبون؟" مباشرة بعد الحادث المؤلم. وودت لو أن الوسيلة إما ألا يتورط فيه أو جاءة من مأتى رفيق. وهذا من شرر الحكمة بآخرة. وسأكتب عن هذا السجال في حلقة أخرى في كتابي عن شيبون. عبد الله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
العزيزة بيان:
أتابع هذا البوست المهم منذ فترة, وأكثر ما لفت إنتباهي ولأكثر من مرة الملاحظات الدقيقة لعادل البدوي, فقط أرجو أن يطلق ملكة النقد لديه للذهاب إلى أبعد, كما إني لا أدري كيف يتم نقد عبدالخالق محجوب من قبل عبدالله علي إبراهيم مقرونا ب(أستاذنا), فالمسائل في تصوري تحتاج هنا أوهناك إلى القليل من الجرأة التي قد تدفع إليها مآلات الواقع الأكثر بؤسا في العالم إن جاز التعبير. كنت أتمنى فقط أن يتاح لي الوقت هنا للمشاركة على نحو تفصيلي. ولدي (((رجاء))) هنا هو أن يتم التركيز ما أمكن حين يتعلق الأمر بعبدالخالق محجوب ليس على ما (((قاله)) بل على (((كيفية ذلك القول))), وهنا تبرز أهمية مسائل مثل (((المنهج)))!.
ملحوظة: لم يتح لي قراءة مساهمة صدقي أعلاه حتى تاريخ هذه المشاركة المقتضبة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
Quote: ولدي (((رجاء))) هنا هو أن يتم التركيز ما أمكن حين يتعلق الأمر بعبدالخالق محجوب ليس على ما (((قاله)) بل على (((كيفية ذلك القول))), وهنا تبرز أهمية مسائل مثل (((المنهج)))!. |
العزيز البرنس البوست نور زهور وزينا يا عريس..
اتفق معك مثلا صلاح كان لديه مآخذ كثيرة على الاقوال التي لا يتبعها تطبيق وقد انتقد في مقاله الضافي هنمبول الاشتراكية في السودان تباعد التنظير من التطبيق.. قد يكون عبدالخالق قد قدم روحه لمبدا هو آمن به.. وقد يكون دفع حياته ثمنا للاخطاء ارتكبها... ولكن في سيرته من منتقديه نجد انهم يظنون انه هناك ازمة منهج بين التنظير والتطبيق...في ممارساته وكنت اتمنى لو انه كتبت قصة حياته وجمعت كل مقالاته وقدم لها نقد موضوعي.. فهو انسان غير معصوم كما اسلفت.. ولكن له الاحترام والتقدير على ما قدمه في تاريخه وكانت عبارة انه قدم للشعب السوداني الوعي ما استطاع آخر اقواله.. فلماذا لم تقوم تجربته في كتاب للاجيال الجديدة وقد مات منذ اكثر من ثلاثة عقود.. الان نتحدث عنه بصورة مبسطة لاننا لم نعرفه بصورة جيدة عندما مات انا كنت في الصف الثالث الابتدائي وربما عدد كبير هنا لم يولد بعد.. فمن اين تتوفر لنا معرفة كاملة لزعيم حزب معاصر في غياب اي شئ مكتوب.. ما يقدمه عبدالله يحمد عليه.. فاذا كان من يريد ان يعارض بصورة موضوعية فحبا وكرامة لم يعجبني ابدا هجوم الخاتم الشخصي على الكاتب فقد ضيع القضية وهذا مشكلة الحوارات هنا.. ونتمنى عودتك مرة اخرى تحياتنا للعروسة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
سلامات يا أستاذة بيان وأرجو أن تسمحي لي بالترحيب بصديق من الزمن الزين، وهذا لا يعني أنه ليس بصديق في الزمن الشين (إن وُجِد). كيفنَّك يا عصام.
قال عصام، فيما قال:
Quote: من الصعب بل من المستحيل على الاجيال و الافراد التى لم تعايش شخوص و تفاصيل الاحداث هذه - مثلى - الافادة بشئ لانها مبنية على سرد وقائع محددة لا تحتمل الاستنتاج او التحليل , مفيد هنا رأى و سرد المعاصرين و المعاصرات لها.. |
وأقول: تكاد اهتماماتي بما ورد بهذا البوست تكون محدَّدة جداً* وربَّما ليس من ضمنها النظر لموضوع هذا البوست من منظور سياسي "بحت" (ساقا وما ساقا يا عصام)، لكنَّ في وجود أستاذنا ع ع إبراهيم، وتطلِّعي لوجود آخرين، بالبوست ما أرجو أن ينوِّر عليَّ شخصياً حول شخصية عبد الخالق محجوب كقائد مضى وظلَّت رؤاه باقية تلسع بالسؤال: هل استفاد منها "التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان (أو بغير إحسان)" إلى يوم الدين، حيث نحن الآن، أم لا؟
أرجو أن تسمحي لي أيضاً أن أشكر أستاذنا ع ع إبراهيم على تفضَّله بالتعليق على ما ورد من آراء فيما أوردناه من رواية الأديب المحسن محسن خالد وإن كنت أطمع في المزيد عن القائد عبد الخالق محجوب (شهادة شاهد على العصر يعني) حتى لو كان ذلك مما يتيسَّر لأستاذنا فيُسْهم به في الخروج من سدى الرثاء الحزين للرجل. شخصياً، أرى في رثاء هذا القائد قتلاً ثانياً له كما أرى حياةً أبدية للرجل في البحث، المبرأ عن الغرض، فيما أسماه أستاذنا ع ع إبراهيم "التلخيص الرشيق لأزمة العمل الثوري" الذي غاب "عن أفواج شباب التقدميين المتلاحقة" وهذه رؤية من الرؤى التي ظلَّت باقية تلسع بالسؤال فرَجَوْنا، في مداخلة لنا في هذا البوست، أن نسمع رأي هؤلاء الشباب فيها.
كما أود أن أشدِّد على قول أستاذنا صدقي كبلو في أدناه وهو قول التمس أن يدور جزء مقدر من النقاش في هذا البوست حوله وما ذلك إلا لحاجة في نفس يعقوبي تتمثَّل في أنَّ من أكثر ما لامس شغاف قلبي في المقالات هو ما يناسب ما أضع تحته خطاً من قول أستاذنا كبلو وهو جانب آخر من جوانب اهتمامي بما ورد ويَرِد بهذا البوست.
Quote: ومقالات عبدالله عن شيبون هي مقالات غنية بالمعلومات وتغتح مجالا للبحث عن مناضلين بذلوا النفس طواعية لخدمة قضايا الشعب وفق ما أنتهجوا من نهج فكري وبرنامج سياسي. المقالات تكشف عن أناس حقيقيين في لحظات عطائهم الثر وأزماتهم النفسية والشخصية وعلاقاتهم الرفاقية وقدرتهم على تفهم الصعاب التي تواجه بعضهم وتعصب البعض الآخر وميلهم للإدانة وأسلوب العزل وكل ذلك يدهو للتأمل الناقد والتقييم للتجارب لإستخلاص الدروس. |
تحياتي لك ولأستاذينا ولصديقي عصام وإنَّه لشغفٌ، ما بعده شغف، انتظارُ مداخلاتهم.
* هامش: لكي يكون الناس، في هذا البوست، على بينة من أمر اهتماماتي المحدَّدة جداً فإنَّني أورد في أدناه فرضيةً افترضتها في بوست آخر وآمل أن يتسنَّى لي، يوماً ما، بحثها:
Quote: سأل الأستاذ عادل عثمان:
Quote: هل يمكن تطبيق نظريات الادارة الحديثة على النشاط السياسى والاجتماعى فى المجتمع؟ |
فأجاب طارق بامكانية ذلك لكنَّه تساءل عن الكيفية،
رأيي أنَّ الكيفية تكمن في أن "يُكْسر احتكار" السياسة لفئات بعينها فـ"تتنافس" الأحزاب كأي "موردين" في السعي لكسب "رضاء زبائنهم" من جمهور الناخبين. هذا يتطلَّب، بالطبع، أن يكون هنالك سياسيين يعملون بكفاءة "مديري الأعمال" الناجحين كما يتوجَّب أن تكون "قيادة" هؤلاء السياسيين قادرة على ابتداع "الرؤى" المناسبة ومن ثم "المهام" القادرة على "تحقيق أهداف" كسب "رضاء الزبائن" وما على السياسيين من أعلى الهرم السياسي إلى أدناه إلا انزال تلك "الرؤى" و"المهام" في "استراتيجيات" ومن ثم "خطط عمل" "تحقِّق الأهداف" المرجوَّة. |
Re: العادات السبع للأشخاص ذوي الفعالية العالية The Seve...ly Effective People
أمَّا إنَّ عبد الخالق كان قائداً فهذه ما فيها إثنين ثلاثة**، أمَّا كون رؤاه ومنها رؤيته المشار إليها في أعلاه قد تم تنزيلها كما افترضنا، فهذه من ضمن أسباب بقائنا بهذا البوست لعلَّنا نحظى بواحد إثنين ثلاثة...الخ لها.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل من أهمية لذلك الآن؟ والجواب أن بلى وما ذلك إلا لأن الساحق والماحق والبلا المتلاحق الذي يمكن أن ينزل بمنظمةٍ ما، سياسية كانت أو غيرها، لا ينزل بأكثر مما ينزل في حالة عدم تنزيل رؤى قيادة تلك المنظمة من قمة هرمها إلى قاعدته وربَّما (أي، إنّني أفترض هنا) أنَّ الساحق والماحق والبلا المتلاحق الذي نزل بالحزب الشيوعي السوداني، والذي دعانا لأنَّ نتجرَّأ بالقول أن يوم دين هذا الحزب هو حيث نحن الآن، لم يكن لينزل به لو تم تنزيل رؤى القائد عبد الخالق محجوب (ومنها تلك المتمثِّلة فيما أسماه أستاذنا ع ع إبراهيم "التلخيص الرشيق لأزمة العمل الثوري") من قمة هرم الحزب إلى قاعدته. هذا، طبعاً، ما لم يرى من استنطقنا من أفواج شباب التقدميين المتلاحقة بغير ذلك...و إنَّا منتظرون.
** هامش في جوف هامش: لقد مكَّنني ما أورده الصديق عصام وما أوردته الأستاذه بيان (بغض النظر عمَّا يبدو من خلاف في وجهات نظر كاتبي ما أورداه)، حول موقف عبد الخالق محجوب من الدستور الاسلامي، من الاطلاع على جانبي إدارة الأزمات وترتيب الأولويَّات في شخصية القائد عبد الخالق محجوب، فشكراً لهما.
يبدو إنّني قد استنفدت المتاح لي من هوامش لكنَّني أود أن أتقدَّم بالتحية للأستاذ البرنس.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Adil Al Badawi)
|
بسم الله الرحمن الرحيم الحب القاسي وشيبون بقلم نجاة محمود احمد لم أعرف صلاح أحمد إبراهيم من خلال عدواته مع الحزب الشيوعي .. تعرفت على صلاح من خلال مدرسة الغابة والصحراء. دلفت إلى عوالمه ضمن هذه الكوكبة النيرة من شعراء مارسوا كتابة الشعر والتنظير .. والتزموا خطا مختلفا اختطوه لأنفسهم.. بالنسبة لي إذ أنني من جيل ولد في سنوات الستين صلاح احمد إبراهيم شاعرا شيوعيا مارس فعل كتابة الشعر عن طريق الواقعية الاشتراكية كغيره من شعراء جيله.. لا أكذب إذ قلت إن قصيدته "انانسيا" قد أفزعتني وحواشيها ملأ تني حزنا على شيبون "حنجرة الشعب " المنتحر.. اشفقت على صلاح احمد إبراهيم من حزن وتأنيب ضمير يحفر في وجدان لا يعرفه الا من ذاق مرارة أن ينتحر إنسانا يحبه.. فالموت انتحارا هو اكثر أنواع الموت مأساوية في المجتمعات المسلمة مرتبطا بالخزي والعار..للميت وذويه.. والإحساس المريع بالتفريط والتقصير لمن أحبوه.. كتب عبد الله على إبراهيم سلسة كتابات عن شيبون محاولا أن يجد له العذر في هذا الموت المفجع كما يجد مخرجا لمن اتهمهم صلاح احمد إبراهيم انهم السبب في موته. أعجبتني الحلقات من منا لا تعجبه كتابات عبد الله على إبراهيم الرشيقة المتنوعة المصادر؟!. الذي لم يعجبن أن يلقي عبد الله على إبراهيم اللائمة على صلاح في أن في حبه القاسي لصديقه المنتحر ظلل حضوره وغيابه وصار لا يعرف آلا من خلال ما يكتبه صلاح.. الفضل كله يرجع إلى صلاح في أن يبقى شيبون "حنجرة الشعب" في ذاكرة الشعب.. فلولا انه خلده في تلك القصيدة لمات وأندثر مثلما مات العشرات من المنسين في تأريخ الثقافة السودانية.. ولما وجد عبد الله داعيا في أن يتقفى حياته ليخرجه من عباءة حب صلاح القاسي له.. لنعرف الحياة القصيرة لبطل من زماننا.. ولموته المفجع.
كتب عبد الله على إبراهيم في خاتمة سلسلته عن شيبون:-
(حاولت في سلسلة مقالاتي عن المرحوم محمد عبد الرحمن شيبون(1930-1961)، التي اختمها اليوم، فك ارتباط مأثرته ومأساة انتحاره عن تدوين وتأويل صديقه المرحوم صلاح أحمد إبراهيم لهما. فقد نفث صلاح في عرض محنة شيبون غضبته هو نفسه على الحزب الشيوعي وعلى أستاذنا عبد الخالق محجوب. فقد قال إن شيبون هو ضحية من ضحايا أستاذنا. وأستاذنا عند صلاح واحداً من ستالينيي (جمع ستالين) المناطق الحارة)
لقد قال عبد الله مستطردا : وقد كان أكثر همي في هذه المقالات أن نحصل على علم أفضل بمحنة شيبون مما علمنا صلاح منذ أن نظمه في قصيدة "أنانسي" في ديوانه "غضبة الهبباي" الصادر في 1965. وقد حاولت رد هذه المحنة إلى البيئة السياسية والاجتماعية التي اكتنفت حياته القصيرة)
هل احدث عبد الله معرفة مختلفة عن هذه النهاية المأساوية؟
حمل عبد الله على صلاح احمد إبراهيم وتوقف قليلا من أن يتهم صلاح احمد إبراهيم . باستغلاله لموت صديقه للنيل من الأستاذ عبد الخالق و الحزب الشيوعي السوداني… لولا صلاح احمد إبراهيم لاندثر شيبون ولما جد عبد الله في فك الارتباط للحب القاسي الذي ضمه جوانح صلاح احمد إبراهيم لصديقه المنتحر شيبون.... شيبون الفتى الذهبي أتى من أبي زبد في غرب السودان إلى حنتوب الثانوية حنتوب المدرسة المفخرة التي لا يدخلها إلا زبدة الزبد.. فكان شيبون من زبدة الزبد.. دخل حنتوب ومثله مثل أطفال السودان فهو في حكم الثروة المستثمرة لوالديه أتخيل ألان سعادتهما وفخرهما به عند نبوغه ودخوله حنتوب.. يدخل شيبون المتفوق حنتوب .. يلتقي بعدد من اليساريين ويتم تجنيده هو وصلاح احمد إبراهيم ليكونا أول خلية يسارية في حنتوب سنة 1950.. يستمر شيبون في تفوقه يدخل كلية غردون متوجا نجاحاته ببلوغه غاية نادرا ما ينالها احد ذلك الزمن.. لا يبقى كثيرا تأتي أحداث نوفمبر فيقرأ الخطاب فيفصل من غردون لاسباب سياسية ذكرها عبد الله… (وربما لم يطل الفصل شيبون، عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد، مثل ما طال نقد، السكرتير التنظيمي لرابطة الطلاب الشيوعيين، الذي قاد المظاهرة، لولا أنه القي خطاباً باسم الاتحاد لم يكن مؤهلاً له كمجرد عضو باللجنة التنفيذية. وحكي فاروق محمد إبراهيم ملابسات الأمر. فقد كان مفروضاً أن يلقي الكلمة جعفر الحسن رئيس الاتحاد. ولأنه طالب نهائي، تقرر أن لا يلقيه ووقع الدور علي نائب رئيس الاتحاد الذي هو فاروق نفسه. فكتب الخطاب وأعد نفسه ليلقيه ولكن لسبب أو آخر، لم يرد عند فاروق، تقرر أن يلقي شيبون الخطاب بينما لم يكن سوى عضو باللجنة التنفيذية للاتحاد. وفصل أيضاً السيد الأمين حاج أبو سكرتير الاتحاد. ). )
لماذا تطوع شيبون لقراءة الخطاب ولم تكن مهمته؟ ثم يتم تفريغه ككادر عامل أو (افنديا مضادا) هذا في منظور العامة عاطل… ومن تأريخ الحزب فأمثال هؤلاء يعيشون على هبات الأصدقاء .. لقد تم استغلاله وتوظيفه لأغراض الحزب..
هذه الحالة التي تحدث عنها صلاح احمد إبراهيم… قائلا في أحد مقالاته التي كتبها في رد العدوان الذي مارسه عليه الحزب الشيوعي في مقالات بعنوان: هيهات يا مسيلمة فشرف المبارزة قاصر على الشرفاء
(قد يكون الرفيق راشد رجلا ممتازا بكل المقايس الفردية الضيقة او في ظروف أخرى . ولكنه فاشل كممثل للطبقة العاملة وكمرشد لها لان فرديته_كمثقف وبرجوازي_ اكبر من جنوحه الوجداني نحو طبقته الجديدة المتبناة, أن علاقته بطبقته الجديدة ليست علاقة عاطفة أصيلة وانتماء روحي عميق بل علاقة استعارة وتقمص فكري ليست علاقة جنس بل تجنس.وهي بذلك علاقة تنهار لدي أول امتحان حقيقي " يهبش" أشياؤه الطبقية في اللحم الحي فمتى ما قال قائد حركة شيوعية"هذه حياتي الخاصة ولا دخل برفاقي أو الحزب تكشف كبرجوازي صغير وحقير لأنه منافق .منافق لأنه ظل يتصرف بكل عنجهية استبداد بمصائر شباب يقذف بهم هنا وهناك باسم الحزب وباسم التضحية وباسم القضية الاشتراكية يطلب من هذا بكل غلظة أن يضحي بتعليمه أو بوظيفته أو بمستقبله المهني ومن ذلك بكل فظاظة أن يضحي بأسرته أن يخاصمها ويقاطعها………………….. ثم استطرد قائلا أين الجنيد علي عمر وقاسم أمين والامين حاج الشيخ وخليل نصر الدين وشيبون وكثيرون كثيرون يلعقون جراحهم في صمت مرير ة سكوت مطبق) فشيبون قد ترك دراسته وبدد حلم أهله بان يروا ابنهم افنديا " قدر الليلة وباكر" بين الانتماء للشيوعية والأسرة ما فعله النجار في الخشب..خاصة من يتركون عملهم ودراستهم لأجل التفرغ في العمل كمناضلين . كتب عبد الله في مقاله عن حياة المتفرغين(وقد وصف لي أحدهم الأفندي المضاد يوماً بأنه حالة خاصة من عقوق الوالدين. )
كما نرى فحالة العقوق هذه ليست قاصرة على اليساريين في السودان بل عامة في الوطن العربي.. حيث أن هذه الأحزاب ترى في مؤسسة الأسرة واحدة من المؤسسات البرجوازية التي يجب محاربتها..4
في كتاب وردة للروائي الشيوعي صنع الله إبراهيم يتحدث الراوي عن والده المسكين متحدثا عن وردة: ( لم اعجب للهجة العداء لأبيها التي ظهرت في أحاديثها. فقد كنا كلنا نتباري في السخرية من ابائنا وتخلفهم أو جهلهم أو قسوتهم وعدم إنسانيتهم. وكثيرا ما شاركت في هذه الأحاديث مستنكرا الحب المفرط الذي يحمله أبى لي منتهزا الفرصة لأحكي كيف قضى ليلة شتوية كاملة خارج مركز الشرطة الذي حجزت به عندما اشتركت في أحد المظاهرات المعادية.)1وردة ص 55 كتب عبد الله عن أسرة شيبون :
. (علي معرفة بمثل هذه الضغوط المفهومة من أسرة شيبون عليه بحكم أنه كبير الأولاد الذي خطبت وده الوظيفة فجافاها ركضاً وراء مغامرة أخري. وكان يتفادى السفر إلي أبي زبد خشية أن يرى بأم عينيه تلك الحاجة الأسرية التي صبأ عنها إلي السكة الخطرة)
مما سبق نرى أن شيبون كان خيبة أمل كبير لوالديه و أسرته.. كما ذكر عبد الله أن والده كان قد حضر لرؤيته عدة مرات.. وكتب شيبون في مقاله صندوق التجربة:
(ومن بعيد جاء الأهل بدافع من حرصهم وأجبروني علي أمور روضت نفسي علي قبولها. وكما ينحسر ماء النهر في فصل الجفاف تلاشت حماستي وتدثرت بحكمة الجيوش المنهزمة وبدأت أتراجع بانتظام).
بعدها ترك شييبون ما اسماه عبد الله على إبراهيم وظيفة الافندي المضاد وصار أفنديا بحق وحقيقة.. وبدأ العد التنازلي.. لم يوضح لنا أبدا عبد الله ماهية مشكلة شيبون مع الحزب الشيوعي.. أورد حديث خالد المبارك عن إشارة أعطيت لمهاجمة شيبون..ولم ندر لماذا أعطيت أصلا.. ولماذا هذا الحصار الذي حداه أن يكتب :-( حتى أصدقاء السلاح رفعوا سلاحهم في وجهي وضربني من كنت اعلمه الرماية حتى اشتد منه الساعد وأدار لي آخرون الأكتاف الباردة التي تبينت أنها لم تكن ساخنة في يوم من الأيام. لقد استغل كل إنسان سلاحه.) انظر إلى اليأس فيما كتبه وخيبة الأمل لقد تكالبت عليه كل السلطات.. كما كتب .( وتفضل ضابط مباحث فأجهز علي البقية الباقية باسم القانون واجتزت آخر المراحل بعون رجلين فاضلين. لقد عدت إلي القواعد بسلام، قواعد المجتمع الراكد الذي يرتعش من التجربة وعدت اشتغل أفندياً التزم وأتقيد بثمن بخس دراهم معدودات) ذلك اليوم التعيس الذي أنهى حياته فيه كانت والدته وأخته في زيارته.. حيث أن هذه الزيارة زيارة غريبة.. أن تأتي أمه و أخته من غرب السودان لزيارة ولدها العازب ما يدعوا إلى الريبة.. بالتأكيد أن الأسرة التي تعاني خيبة الأمل في ولدها وتحس باعوجاجه وتود أن تقومه ترسل الأب فيترك التفرغ للنضال ويتحول إلى افندي كما ذكر:-( ومن بعيد جاء الأهل بدافع من حرصهم وأجبروني علي أمور روضت نفسي علي قبوله)
ثم معاقرته للخمر وإدمانه كل هذه القصص تصل للأسرة فتحزنها اكثر.. يتقدم به العمر يصل الثلاثين وليست لديه أسرة في مجتمع يتزوج الرجل وهو دون العشرين.. تأتى والدته وتقرعه وتأنبه على هذه الحياة البائسة التي يعيشها.. وربما تقارن بينه وبين بعض الناس الذين كانت ترى أن يكون مثلهم وكيف انه ابن عاق..وكيف انهم كانوا يودون أن يرونه ناجحا.. يشرفهم ويكون مفخرتهم.. ويودونه أن يكون سندا .يحس بالدنيا تطبق عليه .. أسرته غير راضية عنه الأسرة البديلة التي ترك أسرته لها أيضا غير راضية عنه.. انهم يضايقونه ويعايرونه رجع من محطة القطار بعد وداعه لامه وأخته وشراء الزوادة كما تخيل عبد الله على إبراهيم: (ولم يمت الشاعر قليل الجثة بكسر العنق بل اختناقاً. كان اليوم الإكتوبري يوماً تكنفه دفء الأسرة. فقد ودع أمه وأخته عند محطة سكة حديد الحصاحيصا بعد إجازة قضياها معه ببندر رفاعة حيث كان يعمل بمدرسة "الأمل" الوسطي للبنات لصاحبها مجتبي عبد الله. وربما رتب لهما زوادة لرحلة عودتهما لديم أبي زبد بكردفان بشيء من كنتين المحطة: جبناً وطحنية وطعمية وخبزاً وموزاً وعلبة من عسل الأسد البريطاني. وكما تقتضي طقوس الوداع ومواقيته ربما انتظر شيبون حتى صفير كمساري القطر له بالرحيل ليدس في يد الوالدة بالمصروف ويري كيف سرت كهرباء القبول علي وجهها القديم مشرقاً بالعفو والرضا والإجازة.)
يعود واحساس عظيم بعدم الجدوى وانه صار عبئا ثقيلا وان خياراته كلها فاشلة.. يأخذ عمامته ويشنق نفسه بها.. بعد عودته من المحطة دون إحساس بالرأفة بأمه التي ستصل ويصلها اتعس خبر تتلقاه أم وهو موت ابنها وتزيد التعاسة الطريقة التي مات بها.. فإذا غضب صلاح على الحزب الذي اخذ صديقه "سمينا أمينا" وحوله إلى عظم وعندما قضي وطره منه أعطى الإشارة ليهاجم ليموت منتحرا.. فهذا حقه أن يغضب على صديقه.. كما ذكرت أن صلاح قد خلد صديقه وجعل ذكره لا يموت.. لولا صلاح لاندثر شيبون ولما رأى عبد الله على إبراهيم أن يفك الارتباط فبحث وكتب هذه المقالات الجميلة الثرة.. وهاهو شيبون يعود مرة أخرى إلى الذاكرة..لينصف فهل انصفه عبد الله على إبراهيم في حمية دفاعه عن الرفيق راشد؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
Quote: ما لم يرى من استنطقنا من أفواج شباب التقدميين المتلاحقة بغير ذلك...و إنَّا منتظرون. |
العزيز عادل سيطول انتظارك... يبدو ان هناك تلك الاشارات التي برعوا في اعطائها لحصار الاخر ومقاطعته وادارة الكتوف الباردة التى لم تكن دافئة يوما... كيف ترى هذه الاجيال الصراع السياسي وادارته؟ لا اظن ان هناك رؤية واضحة خاصة بعد انا تفرقت الكوادر في انحاء العالم وانفصل الراس من الجسد... علق احد الاصدقاء على ما كتبه المرحوم الخاتم. بان هؤلاء لم يتطورا ابدا من انهم طلاب..كما اضاف ان نقاشات البورد تذكره باركان النقاش التى تسيطر عليها الحداقة والفهلوة وسرعة البديهة...
ومودتي....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
سلامات يا أستاذة بيان،
لقد قُلْتِ:
Quote: العزيز عادل سيطول انتظارك... |
ولا ضير في ذلك. يظل هذا البوست، بالنسبة لي، مصدراً للمعرفة بقائدٍ مثل عبد الخالق محجوب وإنَّني واثقٌ من أنَّه، أي البوست، سيوفِّر لي تلك المعرفة سواء طال الانتظار أو قصر.
تحيَّاتي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Adil Al Badawi)
|
استاذة بيان
تحياتي
شكرا لك وللدكتور عبد الله علي ابراهيم قرأت المقالات باهتمام بالغ بل في واقع الامر فقد "شدهتني" ردحا من الزمن
توقفت طويلا عند واقعة الزيارة التي قام بها الجنيد الى منزل عبد الخالق بعد اعدامه والكتابة المتحدية على باب المنزل :" حضرنا للمرة الالف ولم نجدك". كنا اتسامر مع مجموعة من الاصدقاء قبل ايام، وسردت لهم هذه الواقعة التي تضج بالدلالات قد يكون تحدي السلطة احدها لكن تحدي الامر الواقع يبدو طاغيا ها هنا او هكذا ظننت وليس كل الظن اثم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: محمد خالد ابونورة)
|
Quote: قد يكون تحدي السلطة احدها |
الكريم خالد مرحب بك كثيرا.. شرفت البوست..
الغريبة ان هذه الحادثة حركت مشاعري جدا ورايتها :ان انسان لا يود ان يصدق ان صديقه قد مات وذهب الى الابد نكران الانقطاع عن الدنيا... وهذه مرحلة يمر بها كل من يفقد صديق عزيز..
وقد اسالت دمعي.. هذه الواقعة "حضرنا للمرة الالف ولم نجدك" حضرنا للمرة الاف وتمنيت ان تكون هناك احزان والام... لا حد لها...
Quote: لكن تحدي الامر الواقع يبدو طاغيا ها هنا |
نعم يا اخي الكريم تحدي الواقع يبدو طاغيا..
نشكر مرورك ونتمنى عودتك مع تحياتي..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: محمد خالد ابونورة)
|
وكتب العزيز عبدالله
Quote: أتابع بوستكم بمحبة. وددت لو نشرت كلمتي في التعليق على رأيك في مقالات شيبون الذي ظهر قبل يومين بالبوست. كنت بعث به لك بعد تفضلك باطلاعي عليه. لم أجده بطرفي.
أسعدني هذا الشغف بأستاذنا عبد الخالق. أنا معجب بتحول السيد محمد خالد ابو شورة من "البراءة" بالرجل إلى التورط فيه. مرحباً إلى النادي. فهذا رجل لم نعد نحن بعده كما كنا قبلاً.
لا أجد أمام الحاح الأستاذ عادل إلا التصريح بأنني أكتب بالفعل سيرة للرجل أجمع لها مادة مختلفة من الرواة والوثائق. وواضح أنه قرأ لي "اصيل الماركسية". وهو من وحي نقد عبد الخالق لمقاومة عبود كفاحاً بلا عزيمة على اتخاذها سبباً للنهضة. ليس بيدي من علم عبد الخالق سوى شتات أشياء . . . كثيرة. ومنها مسودة عن معالجته لمنزلة النساء في الحزب بالإنجليزية. وسأبعثها له متى مدني بعنوانه.
أذكر أنني قدمت محاضرتي عن عبد الخالق والمرأة بجامعة نورسوسترن بقولي (مستفيداً من احدهم) إن هذا الرجل موضوع المحاضرة هو بطلي وإشكالي. والمعني بالأخيرة أن القضية لم تنته به بل لربما نهضت فوق سماد جسده الصقيل وعقله النافذ. لم نأت لساحة الرجل حواريين. جئينا للقضية وقبلناه زعيما لنا في طريقها الشائك. . . وأحببناه لله والشعب: جد. ولن تجد من جيلي من لا يترقرق عينه بالدمع إذا طرق اسمه سمعه.
ومن مدخل الإشكال فقد اتصلت بالسادة على محمد بشير وكامل محجوب وحسن سلامة ممن "فض" الحزب الشيوعي سيرتهم لأعرف كيف تفرقوا عن الحزب على أنهم كانوا نوارات عجيبة. وقد علمت منهم ما ابدأ به نقد الرجل . . وتجديد محبته أبداً. ولن يكون هذا مبتدأ نقدي له. فقد فعلت ذلك في حياته. وقد افحمني بوده وصدقه وأخذني مني في السكة الخطرة.
أنا سعيد باجتماعنا فئة قليلة نتذاكر أمر استاذنا عبد الخالق. رحمه الله. عبد الله
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
سلامات يا أستاذة بيان،
شُفتي حسن الظن بي الله وعبادو! أجزل الشكر لأستاذنا ع ع إبراهيم ونُضيف الأستاذ أبو نورة لقائمة الشغف.
Quote: ليس بيدي من علم عبد الخالق سوى شتات أشياء . . . كثيرة. ومنها مسودة عن معالجته لمنزلة النساء في الحزب بالإنجليزية. وسأبعثها له متى مدني بعنوانه. |
بالحيل... [email protected] ومشكور مقدَّماً.
تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Adil Al Badawi)
|
Dear Bayan I am just start reading your post. Glad that you are back to focus on Salah Ahmed Ibrahim, and this important period in the history of the Sudanese Left. I have read most of the writings of Dr. Abdullahi Ali Ibrahim before, but I need to read the articles again. I am back in Asheville, North Carolina Regards to your family and keep on touch Abu Ghassan
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
بيان وانتى فى احلى حالتك المزاجية تجلبين واحدا من احلى من يكتب المقال فى السودان عبدالله ( مع حفظ الالقاب ) يخلط المقال السياسى بالادب فلم نعد نعرف اى نوع من الطبيخ هذا هل شعر , قصة , نثر , مجرد تداعى تاريخى . اكيد , اكيد ان هذا صنع فى ( عبدالله على ابراهيم ) وليت ملايين عبيدالله فى السودان كانوا مثل عبد الله هذا ابقوا عشرة عليه . احبك يا استاذنا الكبير . وشكرا بيان .
شاهين .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
كتب الدكتور عبد الله
Quote: ليس بيدي من علم عبد الخالق سوى شتات أشياء . . . كثيرة. ومنها مسودة عن معالجته لمنزلة النساء في الحزب بالإنجليزية. وسأبعثها له متى مدني بعنوانه.
|
وكتب عادل البدوي
وكتب محمد خالد
Quote: ابشر بالخير.. mabunoura"gmail.com
|
ولك الشكر من قبل ومن بعد، بل اننا نتشرف بأن يتيح لنا هذا العالم الاسفيري، تواصلا لم نكن نتصور مجرد حدوثه مع استاذنا الكبير
كن بخير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: محمد خالد ابونورة)
|
سلامات يا أستاذة بيان، سلامات للمتورِّطين في القائد عبد الخالق محجوب،
لقد إطَّلعت، يا عصام، على البوست الذي أوردت هنا وقد حمدت الله على مكروه ما أصابني من ارتباك ومضيت في حال سبيلي لكنَّ أستاذنا ع ع إبراهيم (عبد الله) لم يدعني أهنأ بما يهنأ به، من يمضون في حال سبيلهم، من راحة بال إذ صرَّح:
Quote: لا أجد أمام الحاح الأستاذ عادل إلا التصريح بأنني أكتب بالفعل سيرة للرجل أجمع لها مادة مختلفة من الرواة والوثائق. |
وهو تصريح يلزمني، وقد أصبحت أحد المتورِّطين في القائد عبد الخالق (عبد الخالق)، أن أعود لذلك البوست بنظرٍ فاحصٍ وقد فعلت وإن كنت أحسب أنَّني لم أوفَّق إلا إلا نظرٍ شبه فاحص. أمَّا إنَّني وجدت أنَّ التصريح يلزمني فبسبب أنَّ عبد الله يكتب سيرة لنفس الرجل الذي هو متَّهم بأنَّه لا يكتفي بإعدامه معنوياً وإنَّما ينسب إليه قيماً ومواقف لم تكن حياته وموته إلا نفياً ودحضاً لها وهذا اتهام، لا يزال قائماً، على الأقل بذلك البوست الذي لمَّا تُقدَّم فيه مرافعة نهائية بعد. يضع هذا الاتهام على عاتق من أيَّده من المتداخلين بذلك البوست (وربَّما كل من تورَّط في عبد الخالق) مسئولية السعي لإثبات أنَّ عبد الله مذنب كما اتهم أو تبرئة ساحته لأنَّه من كان ينتظر الأستاذ الخاتم عدلان (الخاتم)، ليكمل ما بدأه، فإنَّ الخاتم قد مات بينما عبد الله على قيد الحياة يكتب سيرةً لمن يُزْعم أنَّه "ضحيته". أبدأ ببضع ملاحظات، مبنية على ما ذكرت من نظرٍ شبه فاحص، عن ذلك البوست:
1. فشلت كل المداخلات بالبوست بلا استثناء، أي بما في ذلك المقال موضوع البوست، في الاتيان بدليل متماسك عن أنَّ عبد الله لم يأتمر مع عبد الخالق حول ما أَطْلِقُ عليه من هنا فصاعداً "حادثة الائتمار" وهي زعم عبد الله، في إهداءِ كتابه "الشريعة والحداثة"، أنَّه قد إئتمر على شيء من الكتاب مع عبد الخالق. أنوِّه هنا إلى أنَّ مقال الخاتم قد ارتكز على تاريخ عبد الخالق الفكري لنفي "حادثة الائتمار" وأعتقد أنَّ هذا التاريخ الفكري هو نفسه الذي جعل عبد الله يزعم بوقوع "حادثة الائتمار".
2. لقد فضح البوست جوع معظم المتداخلين إلى قبضة من أثر عبد الخالق وهو جوع غريب من حيث إنَّه يوحي بأن أغلب من أيَّد الاتهام من أولئك المتداخلين غير مؤهلين لذلك ومن حيث إنَّه بدا لي جوعاً كاذباً إذ مات البوست بموت الخاتم وبالرغم عن تفرَّق المتداخلين شذر مذر، إلا أنَّه لم يُفتح على أيٍ منهم، باستثناء أستاذنا صدقي كبلو (كبلو) والأستاذ معروف سند (معروف)*، بالتداخل في بوست الأستاذة بيان (بيان) هذا رغماً عن أنَّه بوست يُرجى أن يُطْعِم بعضاً من ذلك الجوع وإن كان بطعام يتولَّى الجائع تحسين جودته بمجهوده الذاتي.
3. أتناول بالتعليق، في أدناه، مداخلات اخترتها من بوست الخاتم وهو تعليق آمل أن يسهم في الوصول لحقيقة الأمر حول "حادثة الائتمار":
(أ) سأل الأستاذ كمال عباس (كمال) سؤالاً متعلِّقاً بـ "حادثة الائتمار" من جانب أنَّ ما يزعمه عبد الله عن موقف عبد الخالق من الدستور الاسلامي هو سبب (أم هو نتيجة) لـ "حادثة الائتمار" وإنَّنا لنرجو أن يجيب عبد الله على ذلك السؤال والذي يوجد بالاقتباس أدناه:
Quote: كتب د عبد الله ويذكر الشيء بالشيئ، فأريحية عبد الخالق الفكرية حيال مشروعية، بل وسداد الدعوة إلى الدستور الإسلامي قديمة. فقد تقبل هذه الدعوى بطيب خاطر في كتابات باكرة له بجريدة الميدان عام 1957، والدعوى إلى مثل هذا الدستور في طفولته بعد" والأن دعنا نسأل هل كان هذا فعلا موقف عبد الخالق من ما يسمي الدستورالأسلامي ?وأين جاءموقف أو حديث للأستاذ عبد الخالق يؤكد علي سداد الدعوةللدستور الأسلامي أين قال عبد الخالق ذلك نريد دليلا /? |
(ب) قال دوم دوم مخاطباً الخاتم :
Quote: أدري جيدا ان رأيك في الدكتور عبد الله مبني علي انه ادعي علي الشهيد عبد الخالق ما لم يقله و لكن كثير منا تغيرت مواقفه و قناعته لكن يكن لانتمائه و تفكيره التقدمي ( و الذي ما زالت يلزمنا الموضوعية و الافق الارحب نحو الانسانية و العدل الاجتماعي و الوطن الجامع) كثيرا من الالتزام و الاحترام لكن ذلك لا يمنع أن تمتد افق تفكرينا لتتجاذب مع كثيرا من المؤثرات التي اصبح التعامل معها ضرورة او قناعة كل حسب حالته و منها مسألة الدين . |
ونسأل، هل يشير دوم دوم إلى احتمال تغيُّر مواقف عبد الخالق فيمن تغيَّرت مواقفه وقناعاته. إن كان ذلك كذلك، فعبد الله ليس وحده في فكرة أن مواقف عبد الخالق، التي يرتكز عليها الخاتم لينفي مشاركته في "حادثة الائتمار"، قد تغيَّرت.
(ج) لجأ اسماعيل التاج (اسماعيل)، وهو (على حسب ما يوحي بروفايله) قانوني ضليع وناشط في مجال حقوق الإنسان، إلى ما أراه تأويلاً لخلق قرائن تربط عبد الله بما يتَّهم به من اغتيالٍ معنوي لعبد الخالق. ما أراه تأويلاً يكمن في ما أسماه اسماعيل السمة الترابية والسمة الاختبائية في خطاب عبد الله. أرجو أن يسهم السؤالين أدناه، مطلقين دون توجيههما لأحد، في دعم ما أزعم به من تأويل:
- هل كل من استخدم مصطلح "العولمة"، مثلاً، هو مستكين لكل ما في العولمة من شرور. - كيف يختبئ باحثٌ وراء أسئلة (وصفها اسماعيل بأنَّها مشروعة) جدَّد سؤالها وأخرج فيها بحوثاً سائغة للملاحظين.
(د) ليسامحني كبلو على أي إثم في ظني لكنَّ جلَّ ما أصابني من ارتباك كان ناتجاً عن الاطلاع على مداخلاته بذلك البوست وما ذلك إلا لأنني أظن أنَّ كبلو لم يقل ما يمكنه قوله. لكنَّني وجدت بمداخلة كبلو الأخيرة ما يجعل الباحث المثابر قاب قوسين أو أدنى من ادانة عبد الله أو تبرئة ساحته. أورد كبلو بتلك المداخلة نصاً غير مكتمل لمقالة عبد الخالق التي نشرها في "أخبار الأسبوع" والمعنونة "كيف ولد شعار الدستور الاسلامي" وهي مقالة أرجو أن لا أكون قد خلطت الأوراق إذا قلت أن عبد الله قد أرَّخ لها بأنَّها نُشِرت في يوم 17/04/1969. يشكَّل تعليقي على ما أورد كبلو، الذي أنتظر منه تعليقاً (لا أرى مفرا منه) على ما أورد، عصب رأيي في هذا الموضوع وهو أمر أورده في مداخلة لاحقة.
تحيَّاتي لكم أجمعين.
* سجَّل معروف اعترافاً بأشدّ الجوع في بوست الخاتم لكنَّه سجَّل حضوراً ببوست بيان فهمت منه أنَّه لا يتوقَّع حكمة في البوست يكون أحق بها إن وجدها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Adil Al Badawi)
|
العزيز عادل (عادل)
لقد تمت مهاجمة شرسة هنا لعبدالله اثارت حيرتي وفجيعتي.. ولكن لمن قرا تاريخ الحزب الشيوعي يعرف تماما معنى هذا "الهاركين القاتل" معناها ان المهاجم قد غرد خارج السرب وأتت الاشارة بمهاجمته..
دخول سند هنا من باب ذر الرماد وتوضيح ان كل ما ياتي هنا لانني (كوزة) واهاجم الحزب الشيوعي..حرق اوراق يجيده الشيوعيون وانشقاقاتهم...فمنذ ان بدا الهجوم علي حاولوا ان يقنعوا انفسهم وغيرهم اني كوزة ولذلك انتقدهم رغم انه اي شخص وطني يمكن ان يحمل نفس الاراء. ولكن لا يجب ان اكون كوزة وربما في الامن حتى ادافع عن نفسي..
مات عبد الخالق رحمه الله منذ 35 لم يفتح الله عليهم بجمع تراثه او نشر كتب عنه.. وهذا ما فعله عبدالله.. ولكن لازم يحرقوا اوراقه بتاطيره ووضعه تحت لافتة تحلل عليهم هجومهم عليه.. الذي ارى دائما ان الحسادة هي محركه الاساسي.. لم يتقدم اي نقد موضوعي في هذا البورد لكتابات عبدالله. فقط هجوم لا غير.. وانا سعيدة انك رايت هذه المقالات تستحق القراءة والمتابعة..ونظرت اليها بموضوعية.. كما لا يفوتني ان اشكر كل الاخوة الذين شاركوا هنا بموضوعية وتفهم..
واتمنى ان نرى عدد اكبر من المناقشين..
والتحية لك ولهم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: محمد خالد ابونورة)
|
Quote: ولك الشكر من قبل ومن بعد، بل اننا نتشرف بأن يتيح لنا هذا العالم الاسفيري، تواصلا لم نكن نتصور مجرد حدوثه مع استاذنا الكبير
كن بخير |
العزيز محمد ابو نورة
هذه هي اهمية الانترنت التى كان يمكن ان يسخر في كل مفيد ولكن كما ترى يستفاد منه في التخريب ونشر التفاهات... من اعظم البوستات التى مرت في هذا البورد
بوست عن ابدماك تحدث فيها مؤسسينها.. واذكر ان عبدالله كان قد كتب عنه في عاموده حيث جمع كل اجيال الثقافة السودانية وكان بوست يستحق النشر....به معلومات مهولة غير متوفرة في اي مكان..لمن يرغب يوما في التاريخ لحركة ابدماك.. يجد كل ما يريد من مصادره في مكان واحد. لا يعرف التعب والعنت الذي يجده الباحث الذي يكتب عن الثقافة السودانية الا من دخل المعمعة هذه.. واود هنا ان اشكر رجل يجب تكريمه هو بروفسور قاسم نور صانع الكشافات في الثقافة السودانية.. الذي بصمت واخلاص جمع كاتلوج لكل المنشورات في الصحف والمجلات السودانية اتمنى فقط ان ينجز الجزء الثاني بان تجمع هذه المصادر في مكان به الات تصوير..لتسهل عمل الباحثين.. لم اجد بوست ابدماك من يجده يضعه هنا للفائدة...
التحية والمحبة لكم جميعا..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: عبدالله الشقليني)
|
سلامات يا أستاذة بيان،
كتب الأستاذ عبد الله الشقليني:
Quote: تلاحظ تداخل أكثر من موضوع. لقد تم استفراع موضوع خاص بمسألة الدين ورؤى السيد عبد الخالق محجوب ، وما اصطُلح عليه ( بالائتمار ) والخلاف حول ذلك ورأي دكتور عبد الله وردود دكتورالخاتم عدلان ودكتور كبلو وبعض المُتداخلين . وإني أرى الفائدة في الكتابة التفاعُلية ، حين يتم فصل سيرة شيبون عن المسألة التي ذكرنا لتكون موضوعاً مُنفصل. |
وأرجو أن تسمحي لي بأن أشكر الأستاذ عبد الله الشقليني على ملاحظته وأن أعتذر لكِ وله وللمتداخلين والقراء الكرام عن استفراع موضوع صوَّر لي فهمي، إذ فهمت أنَّ المقالات ليست فقط عن شيبون، أنَّه من ضمن موضوع البوست.
لم يعد لديَّ، على أي حال، ما أضيفه إلى ما قلت وعليه فإنَّني أشكركم جميعاً.
تحيَّاتي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Adil Al Badawi)
|
اولا نرحب بالاخ الشقليني ونتمنى ان يستمر معنا.. كما اختلف معك في ان الموضوع عن شيبون فقط.. الموضوع يخص كل الشخصايت والمواضيع التي دارت حول شيبون.. واي اضافة تصب في شرح الحالة العامة... ونرحب بكل ما يكتب في هذا الشأن..
ونتمنى ان يستمر الناس في جلب معلومات وانا الان ابحث عن راي صلاح في مسألة الدستور الاسلامي ..
الاخ العزيز عادل
انا سعيدة جدا باثرائك لها البوست وحملك له وحدك كثيرا. اتمنى ان تستمر في جلب كل ما تراه قد يفيد في هذه المسألة
العزيز عبدالله اعرف مشاغلك ولكن نتمنى ان تستمر معنا...
ولكم جميعا اشكركم كثيرا..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
عزيزنا في السماء الدُنيا
الأستاذ عادل .
يا رحيباً بالوجد ، تشُف نفسك عالية المكانة. يا حاملاً قِلادة زينتَ بها عُنقي وكنتُ أنا على عجل . لن يتكثف سواد الليل قبل أن أطيب ( خاطرك الغالي ) لتُسامِح .
قرأت واعترتني كآبة عظيمة ، وأنا أجد القلم الناهِض بثرائه ، وقد لفَّ إزار الحديث وجمَّع لنا من الأطايب في القول . من المأثور قدمت علينا بنفسِكَ النـزَّاعـة للثقافة ، و دلوكَ المُتدفق للسُقا ، وجئت أنا في موضع غير ذي زرع . دَنوتُ وفي همي طرائق التمييز لتعُم الفائدة لا غير . عندما أوردت مُلاحظتي حول استفراع موضوع من آخر فإني قد قصدت ما يعرفه أهلنا من تغليف الفرع من الشجرة وخداعه بتربة أخرى ، ثم السقي ثم قليلاً استبعاده عن والدته ، ومن ثم شتله ليُصبح شجرة أخرى .
لقد رأيت أن موضوع الائتمار من الأفضل أن يستقل من شجرة شيبون ومأساته لتكون شجرة أخرى تستظل الكثير الذي لم يُقال بشأن مسألة الدين في أدبيات الحزب الشيوعي السوداني . ولدي الكثير الذي ينتظر الزمن المناسب للدخول في مسألة لم تزل ( فطيرة ) الرؤى ، ولم يتم النظر فيها بعين البصيرة منذ التجربة المُرَّة التي تسبب فيها ( شوقي ) ، وكان يمكن دراستها قبل الكثيرين من مفكري بيروت ودمشق والقاهرة . كان الراحل محمود محمد طه أسبق خُطى ، وكان يمكن النظر إليه كمُجدد ، ثم تفكيك التعقيد الخاص بالوجدان الجمعي الذي نهض غريباً في الستينات . وكان يمكن النظر جدياً في كيف يموت العامة في تظاهر ضد الرسوم الكاريكاتيرية، دون أن يروها، فقط سمعوا عنها !!!
يحتاج الأمر للنهل كيف يمكن لوجدان الأمة أن يتحرك من الخطو ثم إلى الزلزلة . ..... ثم ماذا لو تعود سيدي .
ولكَ العُذر يا رقيق الحِس . ولك شكري
والشكر موصول لسيدة الدار : الدكتورة بيان .
عبد الله الشقليني 1/5/2006 م
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: عبدالله الشقليني)
|
وارسل عبدالله هذه الرسالة..
الأعزاء بيان وعادل والشقليني وأبو نورة:
قال المغني: "وأنا ما قائل". وقلت في مسرحية ما عن أحدهم إنه "سعيد كأراذل البهم". وهذا ما أحس تجاه عنايتكم بالأمر موضوع النقاش.
أردت في هذه العجالة توضيح خلفيات إهدائي كتاب "الشريعة والحداثة" لأستاذنا عبد الخالق محجوب. فقد كون الحزب "لجنة الدين" بعد حله في نهاية 1965 في الملابسات المعروفة ل"نتمحن" فكرياً في مسألتنا والدين الذي كان قميص عثمان شتاتنا . وكنت خريجاً طر الشارب عرضت على الحزب أن ينشر إطروحة تخرجي "الصراع بين المهدي والعلماء" بعد تزكية أستاذتي وفيهم المغفور له مكي شبيكة لها . ولم يوفق الحزب إلى ذلك كدأبه (عرف هذا الأداء بالسالب في أدب الشيوعيين ب"المحقة"). والشئ بالشئ يذكر. فقد التقطت موضوع الأطروحة نفسه من عبد الخالق في ندوة قال أن حملة علماء الدين على الحزب هي من سنخ ما فعله علماء السوء بالمهدي. وكنت في فصل معادلة شرف بشعبة التاريخ بجامعة الخرطوم ويدرسنا شبيكة "الموضوع الخاص" وهو تخصصه المعروف في المهدية. فقلت أتحرى حكاية علماء السوء طالما توفر لي هذا الإطار الأكاديمي كامل الدسم. وفعلت. وحين اقول "أستاذنا" عبد الخالق يظن بنا البعض الظنون. وقد اجبت على سؤال في ورقة المهدية من وحي ندوة له بالجامعةأ أيضاً. دا وزنو ما في.
اتفقنا في اجتماعات لجنة الدين أننا نبدأ هذا المبحث من لا شئ تماماً سوي ما تواضعنا عليه من قول عن احترامنا للدين وصلاة البعض وقيامهم. وأذكر أن الأستاذ نقد قال في اجتماع عام ل "رطش" (رابطة الطلبة الشيوعيين) إن الإسلام لم يرد سوى أربع مرات في تراث ماركس وإنجلز ليحث ذوي العزيمة على البحث أن يخاطروا في هذه الحقول البكر.
وكان عبد الخالق مشغولاً بالأمر جداً وسمعت أنه عبر عن رغبة للحزب ان يفرغوه لدراسة الدين ولم يوافقوا بالطبع . وليتهم فرغوه. فما تزال كتاباته عن الدين هي زاد المناضل . وقد قرأت له لاحقاً كلمته عن الدين في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" (196 وتجدد عندى أن الحزب كان شغوفاً ليعلم ما لم يعلم عن الدين. وهذا فتح باب الاجتهاد. بل علمت لاحقاً كيف أنه قرأ قرامشي ولم يهدأ من يومها لتنشئة "المثقف العضوي" في الحزب. وتلك قصة ربما عدنا لها.
هذا سياق مصطلحي في الإيتمار والمؤامرة. فلم يخصني عبد الخالق بعلم "لدني" عن الدين والدستور الإسلامي. وإن أرخيت إذني له بعد أن وثقت منه ظاهراً و"باطناً" بعد انقلاب مايو. وعلمت منه الكثير. بل ما خصني به حقاً هو جهلنا ماركسياً وسودانياً في موضوع الدين وأنه يريد لنا جميعاً أن نتقحم عقبة جهلنا هذا بجراءة و"السماء هي المنتهي" كما يقول الفرنجة. فلم اقصد بالإيتمار سوى العودة لتلك الأيام في لجنة الحزب للدين التي خلعنا فيها عنا اللجاجة وشمرنا الساعد لنعلم عن الدين ما لم نعلم. وبدا لي ذلك كإيتمار لحرب المسلمات ومقتناياتنا الماركسية الأوربية عن الأفيون وما ادراك ما الأفيون وأن نضرب أكباد الإبل لنبلغ غاية من أمرنا. واستخدمت "مؤامرة" في معنى subversive” " أي الهدم لتواثقنا معاً على تقويض بنية مجتمنا وبنائه من أول وجديد بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقد أردت يالإهداء وصل سلسلتي بالرجل على سبيل البركة فعل شيوخ الصوفية. فقد توفرت على مفهوم هذا الكتاب الميداني (وهو بعض ما سطرته بالإنجليزية) وخططه وتمويله وعمله منذ 1986 حتي فرغت منه في نحو 2000. وكلما ضاق أمري وتعسر وتسرب اليأس إلى نفسي غالبته بذكرى عبد الخالق في اجتماع لجنة الدين. وأكاد أرى وجهه الجميل الصبوح ندي الصلعة مشمراً قميصه عن ذراعين قصيرتين نابت شعرهما يحثنا أن نتقحم الدين الذي اراد خصومنا أن يجعلوا منه حجاباً حاجزاً بيننا ووجدان شعبنا وكادحيه. وعبد الخالق بالطبع ليس مسئولاً عن اجتهاداتي في الكتاب. واتحمل أنا وزرها وتقريظها.
هذا طقطق الحكاية وسلامها عليكم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
سلامات يا أستاذة بيان وأرجو أن تسمحي لي أن أعبِّر عن كامل احترامي وتقديري للأستاذ عبد الله الشقليني...ثمَّ:
هسَّع، يا أستاذنا عبد الله، أسامحك على شنو وأخلِّي شنو... على ما وصفت به قلمي ونفسي ودلوي أم على ما وصفت به نفسك من مجيء في موضع غير ذي زرع أم على ما أصابني من خجل وأنت، أنت، تطيِّب وتطبِّب خاطري الذي لا ينبغي له أن ينكسر، وإن انكسر تماسكي، إلا أمام اعتذارٍ مثل اعتذارك.
ملاحظتك، يا أستاذي، في محلها ما في ذلك شك وما ذلك إلا لأن الأصل والفرع موضوعان ذوا شأن عظيم وإن كان شأن القائد عبد الخالق قد طغى على شأن مأساة الشاعر شيبون وهو أمر أراه غير محمود لكنَّه، على أي حال، غير مستغرب. كل ما هنالك أنّه لم يعد لديَّ، بالفعل، ما أضيفه إلى ما قلت اللهم إلا إذا جدَّ جديد أرى بشارته في ما أضع تحته خطاً من قولك:
Quote: لقد رأيت أن موضوع الائتمار من الأفضل أن يستقل من شجرة شيبون ومأساته لتكون شجرة أخرى تستظل الكثير الذي لم يُقال بشأن مسألة الدين في أدبيات الحزب الشيوعي السوداني . ولدي الكثير الذي ينتظر الزمن المناسب للدخول في مسألة لم تزل ( فطيرة ) الرؤى ، ولم يتم النظر فيها بعين البصيرة منذ التجربة المُرَّة التي تسبب فيها ( شوقي ) ، وكان يمكن دراستها قبل الكثيرين من مفكري بيروت ودمشق والقاهرة . |
وأرجو أن أرى بشارات أُخر لكنَّ ذلك ليس شرطاً للعودة إذ تورَّطت وأظل متورِّطاً ليس فقط في أستاذنا عبد الخالق وإنَّما في أستاذنا عبد الله وفي أستاذنا الخاتم وفي كلِّ من يأتي به درب "نادي الأساتذة" هذا حيث نجتمع "فئة قليلة نتذاكر أمر استاذنا عبد الخالق" أو كما قال أستاذنا عبد الله وإن كان أستاذنا عبد الله قد قطع، بما في قوله الأخير عن "حادثة الائتمار"، قول كل خطيب لكنَّ الحديث، عمَّا للقائد عبد الخالق من رؤى، يظل ذا شجون وبانتظار من يثريه.
لك، يا أستاذنا، كل الود وكل الشكر على كلماتك، وروحك، الطيبة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: عبدالله الشقليني)
|
د. بيان
تحياتى نديات
وسعادتى بالغة بأننا (نستردك) الآن بهذا البوست الرصين .. وسعدت بأن تابعت مقالات د. عبد الله على ابراهيم عن شيبون بإستطراداته العجيبة التى لا تمل عبر صحيفة الصحافة لكن الأروع أنك أتيت بها كلها ( صم لم) وكنّا قرأناها على حلقات متفرقات وكانت هى أول معرفتى بشيبون ..
سأتابع هذا الحوار الراقى و(غناء) د. عبد الله - هكذا يقول صديقى د. محمد عبد الوهاب (أن د. عبد الله لا يحاضر حين يحاضر بل يغنى) .. وسأعود حتما للمداخلة ...
لك الود وللمداخلين التحية
عبد الرحمن قوى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Giwey)
|
لا يفوتني ان احي الاخ الكريم قوي على حضوره الباهي ونود منه اسهامات.. خاصة انه من رفاعة,, هل تحقق في قصة شيبون ولديه ما يضيفه؟ وخليك معانا..
ارسل عبدالله تحياتنا ومحبتنا له هذا
نحو منهج للكتابة عن عبد الخالق
الأعزاء
هذه كلمة قديمة نوعاً ما عن الرجل أحاول فيها الحفر عن مصادره الثقافية. وساحاول عرض بعض ما تيسر لي من اسس هذا المنهج متى سنحت الفرصة ويسعدني أن تكونوا معنا. عبد الله
عبدالخالق وقرامشي والجنيد علي عمر
صدرت الطبعة الثانية من كتاب "الماركسية والثقافة" لأنطونينو قرامشي (1891-1937) عن دار عزة بالخرطوم. وقد عرب الكتاب المرحوم الجنيد علي عمر. وقرامشي حجة الغرب ومرجعه في النظرية الثقافية رغم كونه ماركسياً لأنه لم يعرف للماركسية شفافية في التحليل الثقافي في ظل الستالينية خاصة. ولم يكن قرامشي ماركسياً فحسب بل كان سكرتيراً للحزب الشيوعي الأيطالي منذ 1924. وتم اعتقاله بواسطة الفاشيين في 1924 ومات بعد اسبوع من إطلاق سراحه في 1937. وأكثر كتاباته ما توفر علي تسطيره في السجن. واشتهرت دائماً عنه بين المثقفين عبارات بليغة ناسبت الظرف. أي أنه يحتفون به في أوربا كما نحتفي بالشيخ فرح ود تكتوك حلال المشبوك. وقد وجدت أن الكتاب استعادوا مؤخراً له عبارة تقول أننا ينبغي أن نتحلي بتشاؤم الفكر وتفاؤل العزيمة. وهذه عبارة مناسبة لعصر جاهلية القرن الحادي والعشرين والتي تشابه فيها بقر الفكر وخارت فيها العزائم.
كنت قد أعددت الطبعة الأولي من كتاب "الماركسة والثقافة" لدار الفكر الاشتراكي التي أدرتها ما بين 1969 و1971. وقد جاءني المرحوم الجنيد بالنص المترجم. واعترف بأنني فوجئت بكراسات الرجل وخطه. فقد كان رفيقنا الجنيد في حالة نفسية ألجأته للشراب وإدمانه. وكانت غربة الجنيد عنا هكذا مبعث حزن شيوعي عام. والحال كهذا لم اتوقع أن تكون كراساته مغلفة كفعل التلاميذ النظكين وعلي نسق بديع من جمال الخط وأناقة الهوامش. ومن يومها لم أشفق علي الجنيد فعل آخرين. فلقد رأيت منه صحواً عجيباً لا يراه المشفقون العجلي. ولم يسفر إشفاقهم مع ذلك عن شيء جدي سوي البحث عن "المجرم" الذي ساقه في طريق الإدمان. وربما ظلموا قوماً من فرط العجلة. ولم تكن موارد دار الفكر الاشتراكي تأذن بنشر كل ترجمة قرامشي ولذا اخترت ثلاث مقالات منها نقحتها ونشرتها. وقد ألف نشر الكتاب بيني وبين الفنان علي الوراق والأستاذ عبدالرحيم شنان اللذين أعاناني علي طبعه بمطبعة النيل بسبل شتي.
ظللت أتساءل بعد أن تعرفت أكثر وأكثر علي منزلة قرامشي من الماركسية والثقافة كيف أهتدي الجنيد الي قرامشي عام 1968 في نفس الوقت الذي كانت أوربا قد بدأت تفيق لخطر الرجل. وقد إنتهيت من طول التفكير إلى أنه ربما كان استاذنا عبدالخالق محجوب هو الذي نبه الجنيد الي مؤلف قرامشي. ولي حيثيات لفكرتي وأرحب بمساهمة من هو أدخل علي هذه الأمور مني. فقد كان استاذنا بعامة أكثر متابعة لما ينشر بالخارج . وكان اصدقاؤه ومعجبوه يهادونه الكتب التي يعشقها كقاريء نهم.
أما أقوي حيثياتي فهو تعلق استاذنا بمفهوم "المثقف العضوي" الذي هو اصطلاح من وضع قرامشي. فقرامشي يقسم المثقفين الي تقليديين وعضويين. فالتقليديون كالقساوسة مهمتهم اضفاء شرعية أبدية علي النظام القديم بينما المثقف العضوي هو الذي ينهض بالتغيير بفضل ارتباطه الوثيق بحركة تجديد المجتمع. وقد وقفت علي إشارتين للمفهوم في كتابات أستاذنا من غير تنويه بقرامشي. فقد جاء بذكر المفهوم في حديث صحفي مع "ود حلته" السيد عبدالرحمن مختار بجريدة الصحافة في 1968. واستغربت لماذا ذكر المفهوم في حديث صحفي عابر. ولكن يبدو أن المفهوم قد أخذ بلب استاذنا فراح يذيعه متي سنحت الفرصة. ثم وجدته يفصل المفهوم في وثيقته لاجتماع اللجنة المركزية للشيوعيين في 1968 المعنون "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع". فقد قال فيه إننا بحاجة الي أن نستقبل في حلقة الكادر المتفرغ مثقفين عضويين همهم تحليل المجتمع من زواية النهوض للتغيير بواسطة غمار الناس. بل سعي استاذنا ل"تجنيد" بعض هذا الطاقم فأتصل بالأساتذة خالد المبارك وعثمان جعفر النصيري والخاتم عدلان وشخصي وربما آخرين لهذا الغرض. وتلك قصة أخري. ولكن لو صح أن أستاذنا هو الذي دل الجنيد الي قرامشي يكون قد واده وبره بما هو موقن أن به العافية والشفاء. وهذا خلاف أهل الشفقة العقيم بالجنيد الذين فرغوا من إدانة استاذنا عبدالخالق بتضييع الرفيق الجنيد. ويستثقل هؤلاء المشفقون الكتب و لا يظنون مهاداتها من آيات الحب والمودة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
الأستاذة بيان .. وجميع ناظمي هذاالخيط .. التوثيقي الهام
شكراً جزيلاً على المعلومات المفيدة..
قرأت ما كتب ولا بد من قراءة ثانية لازمة .. فهنالك معلومات كثيرة ومثيرة .. إنتحار شيبون .. بعد أن ودع والدته بآمالها الجسام في إبنها النابغ .. الذي أخذته منهاالسياسة ..
وصلاح أحمد إبراهيم الذي قيم الحدث بعين الشاعر .. ليجد ما أورده هوى في نفس من أراد أن يختزل تجربة عبدالخالق التي تستحق الدرس المتأني .. ليرى فيه(إستاليني المناطق الحارة) .. وهو الذي لم يكن له من سلطة غير أنه قيادي في حزب يدخله الناس بإختيارهم بعد أن يطلعوا على برنامجه .. فكيف يتسنى أن نفهم الواقع إن لم نضع الأشياء في مواضعها .. فعبد الخالق قاد الحزب وهو في العشرينات .. ودور الحزب وأثر نضالاته في الخمسينات والستينات معروف .. وعمل الحزب تحت الأرض وما ينبغي في مثل ذلك الواقع من إنضباط تنظيمي .. الخ .
لا بد أن هنالك أخطاء ينبغي الوقوف عندها ودرسها.. ولكني أرى أن نتحرى الموضوعية في تناول التاريخ بلا إبتسار وتعجل .. فالروية في دراسة التجربة الماضية يمكن أن تساهم إيجاباً في صياغة مستقبل الآتين.. وفي إنتظار د. عبدالله علي إبراهيم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
Quote: قرأت ما كتب ولا بد من قراءة ثانية لازمة .. فهنالك معلومات كثيرة ومثيرة .. إنتحار شيبون .. بعد أن ودع والدته بآمالها الجسام في إبنها النابغ .. الذي أخذته منهاالسياسة .. |
العزيز محمد عبدالجليل
بوستنا نور زهور زينة
رغم انني لا اعرف شيبون ولم اسمع به الا من هوامش كتبها صلاح.. الى ان قرأت ما كتبه دكتور عبدالله.. يطفر الدمع من عيني كلما اقرأ ما كتبه عبدالله عن يوم الانتحار.. انتحار شيبون صرخة وصفعة للحزب الذي اختاره واستبدله باسرته فحاصره الحزب. يجب يا اخي الا تغفل ما كتبه خالد المبارك.. وما كتبه عدد كبير من الناس كتب صلاح مقال من اميز ما كتب في النقد السياسي رغم عنوانه الغريب وهو همبول الاشتراكية في السودان. انتقد فيه الحزب وألياته
لا احد ينكر ما قدمه الحزب الشيوعي للسودان ولكن هناك هنات اساسية يجب مراجعتها ...
ما حدث لشيبون أمر مؤسف وكاسر للقلب.. وتحميل شيبون مسؤولية انتحاره على انه خياره شئ مجحف في حقه..
اشكرك على ما كتبته اتمنى ان تشارك معنا في احتفالية صلاح.. التي ستبدا في الغد ولي عودة لمناقشة ما اثرته من نقاط اخرى بخصوص عبدالخالق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
شيبون: تراب الأحقاد والجحود
* د. عبد الله علي ابراهيم
(إلى الأستاذ عبد الوهاب سليمان وجنابو فاروق هلال والأساتذة محمد خير حسن سيد أحمد وصلاح علي علقم وعثمان الحوري والدكتورة نجاة محمود ''بيان'' والدكتور عبد السلام نور الدين وآخرين لأنهم، بشغفهم وعلمهم، أعادوني إلى تجديد ذكرى شيبون). سارت بين صفوة الكتابة والسياسة عبارة الشاعر محمد عبد الرحمن شيبون '' وأدار لي آخرون الأكتاف الباردة التي تبينت أنها لم تكن ساخنة في يوم من الأيام''. وهي تعبير عن شقائه بجفاء الشيوعيين له بعد أن ترك التفرغ للعمل الحزبي أو ربما الحزب ذاته عند منعطف العقد السادس من القرن الماضي. وقد أذاعها عنه الأستاذ صلاح أحمد إبراهيم على هامش قصيدته ''أنانسي'' من ديوانه ''غضبة الهبباي''. وجعل منها حيثية دامغة لتحميل الشيوعيين دم شيبون، المعلم بمدينة رفاعة، الذي انتحر ظهر جمعة بمدينة الحصاحيصا. ونعته الرأي العام بتاريخ العاشر من ديسمبر 1961 في بابها ''من يوم ليوم'' الذي كان يحرره المرحوم حسن نجيلة. وكان عنوان النعي ''شمعة تحترق''. ولكن العبارة الشيبونية الأكثر حموضة عن الحزب أو الشيوعيين وكيدهم كما رآه فهي ما احتفظ بها بعض أقرب رفاق شيبون. وقال فيها ''ويكفيني تجارب السنين التي بعت جهودي للتعصب الحزبي بتراب الأحقاد والجحود''. وجاءت العبارة في كلمة نشرتها جريدة (الرأي العام) بعد انتحاره بتاريخ 12-12-1961م. ذكر نعي الجريدة رسائل شيبون الناصعة لها حتى اصبح محرراً ذكياً بها حظى بتقدير ومحبة زملائه. ثم ضاق بالعاصمة والتحق بسلك التعليم مدرساً برفاعة ليعيل أسرة في عنقه منها اطفال تحت التربية. وجاء في النعي أن شيبون كتب للجريدة منذ شهر رسالة بدا لهم بها أنه ضاق بالحياة. وكان عنوانها ''ملاحقات يعوزها المبرر''. وهي ملاحقات لم يفصح عن مصدرها أرهقت أعصابه واستنزفتها. واقتطفت الجريدة فقرتين من الرسالة والتزمت بنشرها في الغد. وقد فعلت. وفي صندوق صغير (مخصص لرأي المحرر) إلى جانب رسالة شيبون قالت (الرأي العام) إنها اختارت أن لا تنشر الرسالة فيما مضى لغلبة المسألة الشخصية فيها على الهم العام. ولما خرج شيبون من الدنيا بهذه الصورة المؤسفة عادت الجريدة تنشر الرسالة الأخيرة لها ''لتكشف عن جوانب من الأزمة النفسية التي كان يعانيها في أيامه الأخيرة مما جعله ينهي حياته ويخلف قتاماً من الحزن على وجوه من عرفوه''. وبث شيبون في رسالته الأخيرة أوجاعاً هي أوجاع النهاية. فقد قال إنه ود أن لا يعرض مسألته الشخصية على الملأ لولا أن ''بعض الناس يريدون أن يجعلوا من بعض المسائل الخاصة قضايا عامة.'' وتواترت إشاراته لـ ''أولئك البعض'' الذين عنى بهم الشيوعيين بغير لبس. واشتكى من مضايقاتهم حتى بلغت الروح الحلقوم. ومن ذلك أنه اسكن معه جماعة من أصدقائه بمنزله بمدينة مدني اتضح له لاحقاً أنهم مطلوبون من الدولة. واضطره هذه لترك المدينة معدماً مرهقاً. ومن هذه المضايقات أنهم تحروا أماكن وجوده وأسباب سفره. واستغرب أن يأتي هذا من مواطنين عاديين ''ليست لهم صفة سوى ما يدعون من رسالة''. وطلب من ''أولئك البعض'' أن يتركوه لحال سبيله. فقد أعطى العمل العام 14 عاماً من عمره وسيواصل العمل وسع طاقته. وإذا اضطره ذلك للعمل في الخفاء فإنه سيفضل الصمت. وطلب من الكثرة من رفاقه ممن لفظوا أو لفظتهم السياسة الحزبية أن يجهروا بموقفهم بشجاعة بأنهم لن يتحملوا مزيداً من تبعات تلك الحزبية. وربما كان نصيبه هو نفسه من هذه الشجاعة أنه أعلن للسلطات بوسائله الخاصة أنه بعيد عن كل النشاط السياسي الحزبي وسيلتمس وسائل ''شريفة سائدة كأمر واقع في هذه البلاد الطرق التي أستطيع أن أجد بها عملاً أفضل أخدم عن طريقه بلادي وأسرتي ونفسي.'' وأنهى الرسالة بأنه يريد ان يحتفظ بعلاقات حسنة مع كل الناس مع التمسك بحقه في التصرف الحر. فهو قد أدار ظهره ''للمطبات الحزبية'' وقال لها ''نو!'' بالمفتوح. وقد جاء في الندامة من الحزبية التي عاشها بين الشيوعيين كلمته التي مر ذكرها ولم تشتهر ككلمة الكتوف الباردة ولكن يذكرها له الأصدقاء: ''ويكفيني تجارب السنين التي بعت فيها جهودي للتعصب الحزبي بتراب الأحقاد والجحود''. وهذه غضبة الشاعر وشهادته قبل أن ينفصل صندل الشعر عن جمر الجسد. وهى الشهادة التي يشفر المغادر دنيانا طوعاً فيها محنته الوجودية. ولم يرمز شيبون مع ذلك لمأزقه إلا قليلا مما لا يخفى على فطنة القاريء. وبالطبع لم يقع نعي الجريدة ونشر رسالة شيبون الأخيرة موقعاً حسناً لدى الشيوعيين. وأنبرى السيد عبد الرحمن الوسيلة، سكرتير الجبهة المعادية للاستعمار وعضو لجنة الحزب الشيوعي المركزية، يبرئ الشيوعيين من دم شيبون. فتساجل مع السيد نجيلة ثلاثاً على صفحة ''صور وألوان'' قبل أن تقرر الجريدة إسدال الستار على المسألة. افتتح الوسيلة مقاله الأول (15-12-1961) كعادته مستشهداً بشكسبير. وكان مدلهاً بحبه ويحسن ترجمته في العربية. وأتمنى أن تكون بعض ترجماته له في حرز حريز لتنشر على القارئ. وأختار الوسيلة من شكسبير مقطعاً في تمجيد الحياة التي تنصل عنها شيبون طائعاً مختاراً. وذلك قوله: ''ما أجمل البشرية، فمرحباً أيتها الدنيا الجديدة المقدامة التي يعيش فيها مثل هؤلاء الناس''. وكان الوسيلة قد نشر في جريدة «الصراحة» في الخمسينات مسلسلاً سماه ''حياة دنيا''من فرط تعلقه بهذه الحياة المقدامة بين صحبه الشيوعيين من ذوي المثل العليا. وربما كان في هذا مباراة ناقدة للسيدين محمد أحمد المحجوب وعبد الحليم محمد اللذين كتبا ''موت دنيا'' في الأربعينات. وكان أصل حزن الوسيلة لانتحار شيبون هو الطريقة التي تغاضى بها شيبون عن جمال الحياة والزمالة الإنسانية فيها. وهي ممكنات تستوجب أن يستميت الإنسان عندها. فالخروج الاختياري من الحياة المسموح به وحده هو الاستشهاد صوب المراعي العليا من هذه الممكنات. وكان الوسيلة قد احتك بشيبون بسجن كوبر لما كان معتقلاً متحفظاً عليه في الكرنتينة الخارجية بالسجن بينما كان شيبون وآخرون في زنازين الجزاءات. وكان يلتقط أخبار رفاقه وعلم عن ارتفاع معنويات شيبون وتماسكه النادر. وبعد الإفراج عنهما كان يلتقي به عابراً في الطريق أو دار نشر ما. وقال الوسيلة عن تلك اللقاءات إنه ''لم يكن يبدو لي أنه كان يخفي وراء ابتسامته خنجراً ليقضي به على نفسه. ولم يكن يدور بخلدي أنه، وهو المتعلق بالحياة، يتعلق بالحبل لينفصل عن الحياة نهائياً''. وتطرق الوسيلة لقول شيبون عن ملاحقة جماعة له عرف الناس من هي، أي الشيوعيين. وأكد الوسيلة أنه ليس من شيم هذه الجماعة إجبار الناس على أن يؤمنوا بمبادئها. فمن يقاتل عن عقيدة ما مجبراً هو أول من يلقي سلاحه ويولي الأدبار. وخلص إلى أن القول بأن انتحار شيبون ترتب على ملاحقة هذه الجماعة هو حكم متحيز لا أساس له من الصحة. وقد أسف الوسيلة أن شيبون، بملابسات موته، قد وضعه في طريق وعر ''أحاول فيه أن أفترض اقتراح الشروع في الانتحار على لسان ميت ثم أرد عليه: أي أسى في ذلك وأي إيلام وأنا الذي كنت أتوقع أن أناقشه حول الدفاع عن الحياة.'' وكتب نجيلة في رده القصير بصندوق الرأي أنه يحزنه كذلك أن ''الشخص الوحيد الذي يعرف الحقيقة كاملة قد آثر التخلي عن الحياة وبهذا ترك التساؤل واسعاً''. وقال نجيلة إن وسائل العنف معروفة في كل المنظمات السياسية ''وخاصة ذات الطابع الفاشي''. وعدم اتخاذ الجماعة المعنية قراراً باضطهاد شيبون، في قول نجيلة، قد لا يمنع الأفراد من ملاحقة شخص كان معهم في المبدأ وتخلى. ورغبت الجريدة في إسدال الستار على مأساة شيبون. ولم يقبل الوسيلة بتعليق نجيلة. فنجيلة لم يحمل الحزب، كهيئة، وزر ملاحقة شيبون غير أنه لم يستبعد أن يكون قد ضيق عليه شيوعيون أفراد. ولم يقبل الوسيلة كذلك بقفل ملف مسألة شيبون في كلمته بـ«الرأي العام» (20-12-1961). وقال معترضاً على ذلك إنه كان بإمكان الجريدة أن تغلق الملف بعد عودتها من التشييع ولكنها اختارت أن تخوض في أمر من لاحق شيبون حتى انتحر. وذنبت بذلك جماعة لها رسالة لا تخفى على قارئ. وتأسف الوسيلة لأن الجريدة لم تأت بحجة واحدة تسند دعواها بملاحقة الشيوعيين لشيبون. ومما يدحض زعم الجريدة في رأي الوسيلة أن شيبون نفسه قال في رسالته إنه لم يعد من هذه الجماعة. وسأل الوسيلة الجريدة إن لم يكن أليق بها أن تكتفي برثاء الشاعر وتكف عن لعب دور القاضي على مستند الرسالة التي بدرجها بدون بحث عن جميع نواحي حياته المادية والفكرية والعاطفية. ولم تراجع الجريدة موقفها ولم تتراجع عنه. فتمسكت بحقها في نشر الرسالة بغير أن تتحول إلى قاضي حيثيات كما طلب الوسيلة. وقالت إن هذا من حق زميل عزيز عليهم استأمنهم مكتوباً نشروه بعد انتحاره خدمة للقارئ الذي له أن يحكم من الرسالة وغير الرسالة بما شاء. وأصرت الجريدة أنها لم تفت بأن تلك المضايقة لشيبون هي عمل مخطط مؤسسي لكنها لا تستبعد أن تكون من عمل أفراد ساءهم انسلاخ شيبون عن حزبهم. واستنكرت الجريدة مطالبة الوسيلة لها بحيثيات في حين يصمت هو عن تفسير قول شيبون عن مضايقات له من جماعة لها رسالة. وهي الجماعة التي تصدى الوسيلة للدفاع عنها. وقالت الجريدة إن الوسيلة لا يريدنا أن نسدل الستار على المسألة ظناً منه أنها تلقت رسائل على رأيه ولكن الحق أنها تلقت من الرسائل ما لايريد الوسيلة أن يقرأه. وهذا قول صعب. وعاد الوسيلة مرة أخرى (24-12-1961) برسالة زينها بعبارة من شكسبير من مسرحية هاملت قال فيها: ''هل من النبل أن تقاسي من سهام الغاصب وسياطه أم تحمل السلاح ضد (غير واضحة) من المتاعب وتهزمها؟ وهذه قضية الحياة.'' وباعث الوسيلة لكتابة هذه الرسالة الثالثة هو توضيح حديث له جرى مع الأستاذ إسماعيل العتباني، رئيس التحرير، لدى مجيئه بمقاله الأول. والواضح أن الوسيلة غير من مقاله الأول بعد تلك المناقشة. فقد تعرض في نص المقال الأول للسلطات وقال له العتباني إننا إذا أدخلنا الحكومة طرفاً وجب أن نكتب لوزارة الاستعلامات والعمل عن خطتنا وننتظر رأيهم. والخطة الأخرى في رأي العتباني أن يدور النقاش بين الوسيلة كطرف أول و«الرأي العام» كطرف ثانٍ لتتبعها في نشر رسالة شيبون. وقبل الوسيلة بذلك وأعاد كتابة المقال في مكتب خال بالجريدة نفسها وفره له العتباني ''وأمطره بكرمه الفياض''. وواضح أن الوسيلة كان يريد من هذا أن يقول إن ليس من حق حسن نجيلة أن يحتج على الوسيلة لأنه طلب من الجريدة حيثيات تذنيب الجماعة-الشيوعيين بدم شيبون. فقد سبق وأن قرر رئيس التحرير أن تكون جريدته طرفاً حياً في الخلاف متبنية وجهة نظر شيبون. وجاء رد نجيلة موافقاً الوسيلة فيما قاله عن العتباني. ولكنه قال إن ذلك كله لن يغير من جوهر المسألة عن حادث انتحار شيبون وما جاء في رسالته عن الملاحقة التي اكتنفت حياته قبل الانتحار. وقرر نجيلة بحزم أن يسدل الستار على المناقشة بعد أن وفر للوسيلة فرصة مناسبة للإدلاء بوجهة نظره. وأردف أنه لم يبق غير أن ندعو لشيبون بالمغفرة والرضوان وإحياء ذكراه بالجد والإخلاص في خدمة البلاد. ولم يغفر الشيوعيون هذه الوقفة لنجيلة كما سنرى لاحقاً. * نقلاً عن الرأي العام السبت20مايو2006
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: وجدي الكردي)
|
كتب اخي العزيز عبدالله هذا
أنا سعيد جداً بالقصيدة التي جاء بها إلينا الأستاذ منصور على من شعر شيبون. لقد ذكرنا منصور بصورة دقيقة إلى مدارنا حول شاعر لم نقرأ له شئياً مذكوراً من شعره. فلم يتلاش الرجل الشاعر من بين أصابعنا فحسب بل أصبح موضوعاً في حد ذاته لمن صمتوا عن بغم حوله ومن أزعجوا الناس به. وقد بلغ منصور بحفرياته طبقات الأدب بأرتيريا وعاد لنا ب "الربيع" المنشور بجريدة كفاحية إرترية في 1963. ونأمل أن تكون حفرية منصور بادرة مبشرة بأن نستجمع شعر شيبون من فوق هذا البوست. وما نشر منه لن يتجاوز جريدة الصراحة والميدان (في الخمسينات) والرأي العام والأيام بعد توقف الأوليتين في 1958.
تذكرت أنه لا وجه لشيبون في مخيلتنا. رجل بلا شعر وبلا صورة . . ضوضاء وضوضاء مضادة واتهامات واتهامات مضادة "وضاع فتى جميل آخر" كما قال عبد الحي. أتهم أن صلاح أحمد إبراهيم نشر صورة لشيبون في ديوانه "نحن والردي" في سياق قصيدته عنه بغير تفصيل. والصورة نفسها مأخوذة من واحدة فوتغرافية ولكن المصمم "تلاعب" بها حتى بدت وكأنها جزءاً من التصميم لا صورة مستقلة للشاعر. هل من ينشر علينا هذه الصورة. بدت لي مماثلة لصورة رايتها له في جريدة الصراحة.
ألا ترانا نزيل عن إرث الرجل أثقال التراب كالأثري يطوى فلاة القرون وطبقاته بلوغاً للأشلاء في تدمر وحضارة الإينكاز. وكان الرجل المضئ بيننا منذ نصف قرن إلا قليلا.
عبد الله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
شيبون وقصة مدينتين: مدني ورفاعة
عبد الله على إبراهيم
ستكتسب واقعة زوار الليل الشيوعيين لدار الشاعر محمد عبد الرحمن شيبون بحي الجناين بمدينة رفاعة في عيد الأضحي من عام 1961 أهمية قصوى في أي تحر متحلل من المسبقات لدور الشيوعيين في دفع الشاعر للانتحار في ديسمبر من ذلك العام. وقد حدثنا عن هذه الزيارة الأستاذ محمد خير حسن سيد أحمد الذي زامل شيبون بمهنة التدريس بالمدينة. جاء هؤلاء الشيوعيون اللوامع يعيدون على ضابط مجلس المدينة الذي تربطه قرابة وثيقة بزعيم شيوعي. وفي ليلة اليوم الثاني للعيد خرجت هذه الجماعة الزائرة لتعيد على شيبون. وكان شيبون قد علم بمقدمهم واختفى حتى لا يلقاهم. وقد رجح محمد خير أن شيبون كان له مشروعاً لا يريد للشيوعيين "التطفل" عليه كما سيرد في حلقة قادمة. ولما طرقوا الباب وجدوا والدته، التي هي من حوازمة البقارة، ذات الجنان الثابت. ولدى سؤالهم عن شيبون أخبرتهم أنه غير موجود. وسألتهم أن يتفضلوا على الديوان. فهؤلاء ضيوف ابنها الأثير الذي ستبكيه متجلدة في يوم قريب من يومها ذاك وهو يتأرجح على مشنقته الاختيارية : "ليه يا فارس القلم والميدان بتعمل كده!"
كانت رفاعة قد راقت لشيبون الذي جاءها هرباً من مدينة مدني. ورأيناه يشتكى في رسالته الأخيرة قبل انتحاره أن رفاقاً شيوعيين سابقين أفسدوا عيشه مدني التي جاءها في عام 1958 وهزوا اطمئنانه لها. وقد أحب مدني السني حتى كان مثواه الأخير بها يوم شيعوه من منزل السيد إسماعيل مكي، قريبه التاجر بالمدينة. وعاد أهله وأصدقاؤه ومعارفه يبنون ضريحاً صغيراً على قبره عليه الندى والشآبيب. وقد رثاه الشاعر الرفيق أحمد جاد كريم:
أحقاً عاف شيبون المنابر وخلف بعده مأساة شاعر
وصور الأستاذ صلاح على علقم حياة شيبون بمدني من وحي خاطرات تلميذ تلقى علم الجغرافيا على يد الرجل بمدرسة أبي زيد أحمد المتوسطة بحي بانت غرب. وكان شيبون في رواية علقم أنيق المظهر غضيض الصوت حاضر الطرفة وحسن الخط. وبث بين تلاميذه بعض حبه للعمل العام بغير تبشير أو ترويج. فأشرف على الجمعية الأدبية التي كانت تنعقد مساء كل خميس. واختار جماعة من طلابه لإصدار صحيفة حائط فوقع سهمهم على تسميتها ب "الرائد" بعد اعتبار أسماء أخرى هي "اليقظة" و"الوعي". وكان شعار "الرائد" هو "أن الرائد لا يكذب أهله." وعقد علقم روبرتاجاً صحفياً مع شيبون ذكر فيه أنه من بلدة أبى زبد بكردفان وأنه تلقى تعليمه بها ثم بحنتوب الثانوية فكلية الخرطوم الجامعية التي فصل منها سرعان ما دخلها عام 1952. ولما سئل عن الحالة الاجتماعية قال "دعوها الآن". وقال إن اهتماماته هي التعليم والصحافة والأدب والشعر والعمل العام.
وكان حبه للشعر غلاباً. وكان للشعر صوتاً جهيراً بالمدرسة. فقد اعتاد الأستاذ عبد الله الحسن الأمين، معلم اللغة العربية، أن يصدح بالشعر في فصوله على طريقة الشيخ حامد العربي التي اشتهرت بإذاعة أم درمان. وكان يعجبه من المعري قوله:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر لعل بالجزع أعواناً على السهر
وإن بخلت على الأحياء كلهم فأسق المواطر حياً من بني مطر
والخل كالماء يبدي لي ضمائره مع الصفاء ويخفيها مع الكدر
ولم يكن عبد الله الحسن يبلغ بإنشاده الطلاب فحسب بل كان المعلمون يرهفون السمع له من مكتبهم. وكان شيبون وأصغاهم وأشجاهم.
ومن أجد ما جاء على قلم علقم عن حياة شيبون بمدني أنه استثمر في بوفيه بميدان بانت وسور المحل بأشجار ظليلة وانتثرت المقاعد على النجيلة التي زرعها. وكان المحل يقدم وجبات الطعام والشاي والبارد للطلاب صباحاً وله في المساء "رواد آخرون" كما قال علقم. وبدا يسر حاله بالمدينة يتضح من اقتنائه سيارة من موديل 1946 "رفعت قدمه" برغم أن سيارات الموريس ماينورز، من ميري مشروع الجزيرة، كانت تزري بها وتجعلها تبدو عجفاء أكلت السنون عليها وشربت.
وخرج شيبون من مدني مكرهاً. وقد وصف هجرته من المدينة في رسالته الأخيرة لجريدة الرأي العام: "وخرجت من مدني معدماً مرهقاً دون تذمر أو شكوى لثقتي في أنني قادر على أن أحقق أكثر مما فقدت." وبدا لي من تلك الرسالة أن تجربة مدني قد انتهت على ما هي عليه نتيجة ملاحقة الأمن لرفاق شيوعيين وسع عليهم بالإقامة معه ثم اصطدموا بأمن نظام الفريق عبود فلقي منه مثل ما لقي رفاقه. وربما كان هذه المخاشنة الأمنية هي التي أدت إلى اعتقاله بسجن كوبر. وقد عاصره في هذا الطور الأستاذ عبد الرحمن الوسيلة، القطب الشيوعي البارز، بسجن كوبر كما رأينا في الحلقة التي مضت من أحاديث شيبون هذه. وخرج شيبون من المعتقل. وبقي بالخرطوم يغشى دار نشر ما بها ثم يكتب للصحف ومن بينها الرأي العام حتى تعين صحفياً بها. ولم تطل إقامته بها. فقد شغرت وظيفة معلم بمدرسة الأمل برفاعة لصاحبها السيد مجتبى عبد الوهاب. وزكاها له أصدقاؤه كما ورد في حلقة قديمة من هذا الحديث. فقدم شيبون لها وشغلها.
ومن حسن الطالع أن الأستاذ محمد خير حسن سيد أحمد، الذي شهد مراسم توقيع العقد للوظيفة برفاعة، قد تكرم بالكتابة عن ذلك اليوم القائظ بالبلدة. فقد جاءه صديقة مجتبى وقال له:
أرح معاي المدرسة. مالك ماشي في الحر دا؟ عندك عمال واللا شنو؟ مواعد معلم. قتليهو تجيني في المدرسة عشان نكتب الكونتراتو. جبت ليك معلم من وين؟ والله ما بعرفو لكن قالو لي معلم نجيض. ولما بلغا المدرسة وقفت عربة تاكسي ونزل منها شاب نحيل الجسم أسمر اللون ربع القامة يرتدي جلباباًً أبيض نظيفاً وينتعل جزمة سوداء نص عمر ويتعمم بعمامة كرب أبيض. وكان ذلك شيبون. وتفاءل مجتبي قائلاً: "قالو لي مدرس ممتاز. إن شاء الله يشبه أبوه." وضحك محمد خير بصورة موجزة. وبعد السلام سأل محمد خير شيبون إن كان قدم من الحصاحيصا. فقال لا إنه قادم من مدني. وفي المكتب استل مجتبي ورقة فلسكاب وضعها على طقطوقة صغيرة ذات قرص زجاجي وسأل محمد خير أن يتولى كتابة العقد لجمال خطه. فقال محمد خير: "خطي ما اجمل من خطك لكن إنت لازم تتعبني." وضحك شيبون ضحكة بانت به أسنانه البيضاء. واستقل محمد خير، المدرس بمدرسة شيخ لطفي، أجر شيبون وقال لمجتبى:
-لكن ياخي دحين المرتب دا ما هو شوية؟
-يا ولد! انت أسع شيخ لطفي قاعد يديكم كم؟
قاعد اصرف ستاشر جنيه في الشهر. أها أنا أديت شيبون عشرين. وهنا تدخل شيبون قائلاً: يا استاذ هات العقد لأوقع عليه. عشرين واللا ميه كلها زايلة.
واستطاب شيبون رفاعة وبذل للمدرسة استطاعته مع الآخرين حتى نافست مدارس الحكومة. وسكن بميز عزابة منهم جماعة من الشيوعيين. وقد احسنوا وفادته وأعدوا له غرفة منفصلة يعتزل فيها من حوله ويقرأ ما يعود به بصورة راتبة من مكتبة المدينة من كتب ومجلات وصحف. ثم أراد أن يأتي بأمه وأخته من البلد فغادر ميز العزبة إلى منزل أجره بحي الجناين.
وفي ثاني أيام عيد الأضحى من عام 1961جاءه زوار الليل الشيوعيين يعيدون عليه ولم يجدوه لأنه قد غادر منزله حتى لا يلتقي به
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: وجدي الكردي)
|
اخيراً.. هاهي صورة شيبون التي نشرت في جريدة الصراحة سأوافيكم بالتاريخ في ما بعد لاحظو الشبه بين صورة شيبون وصورة الشهيد القرشي التي تنشرها الصحف في حمى الاكتوبريات.! القرشي يبدو اقصر من شيبون شيبون يبدو اكثر نحافة من القرشي هل يمكن لعباقرة الفوتوشوب من الرفاق ان يزيلوا من شيبون وطأة السنوات وغبار الامسيات؟!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: وجدي الكردي)
|
شيبون : هل سيضع قنبلة تحت المكتب؟ د. عبد الله علي ابراهيم قلنا إن شيبون كان قد تلقى عرضاً من وزارة الاستعلامات والعمل في 1961، عام انتحاره، ليعمل بها كمحرر يقرأ الصحف الأجنبية ويلخصها لوكيل الوزارة، السيد محمد عامر بشير فوراوي. وقد افتتن شيبون بالعرض. وما أرجحه هنا، في انتظار بحث أدق في المسألة، أن هذا العرض كان جزءاً من برنامج لإعادة تأهيل من تركوا الحزب الشيوعي وفي سياق برنامج لحرب الشيوعية كانت الوزارة بؤرة مستفحلة من بؤره. فقد وجدت مكتب الوزير طلعت ووكيل الوزارة فوراوي يعرض على السيد رحمي سليمان أن يحرر ويمتلك صحيفة حسنة التمويل لحرب الأفكار الشيوعية بين مزارعي الجزيرة وغيرهم. وقد رفض رحمي العرض بشمم. فاستنتجت من هذا أنه ربما كانت جريدة الصحافة، التي أصدرها الأستاذ عبد الرحمن مختار في 1961، هي الصحيفة التي لم يصدرها رحمي. ولم يطل بي الوقت حتى عثرت على اعتراف عبد الرحمن نفسه في كتاب «أوراق سودانية» لشوقي ملاسي المحامي من أنه تلقى أموالاً من مكتب طلعت لإصدار الصحافة. بل بدا لي أن كتاباً قرأته في أوائل الستينات بقلم شيوعي سابق مزعوم «يفضح» انحلال الشيوعيين السودانيين ربما كان جزءاً من هذه الحملة المناوئة للشيوعية. بل وكتبت في مجلة «أوراق جديدة» عن خطة السفارة الأمريكية لتحويل مكتبة يسارية رابحة بحي السجانة إلى مكتبة ثقافية عادية بتمويل منها. ولا يستغرب المرء أن تكون وزارة استعلامات نظام كنظام عبود بؤرة لمعاداة الشيوعية. فالراجح أنه نظام كانت لأمريكا في مولده يد لم نقف على دليلها وبرهانها من الوثائق بعد. ولكن يكفي للتكهن بذلك مسارعة النظام لقبول المعونة الأمريكية التي اصطرع السودانيون حول جدواها. ولم تكن كفة من أيدوها هي العليا جماهيرياً. والمعونة كما نعلم هي رأس الجليد الطافح من مشروع إيزنهاور الذي لحمته وسداه محاربة الشيوعية. ولم يكن النظام مجرد محرش على الشيوعية. فالمثل يقول المحرش لا يكاتل. غير أن النظام كان مقاتلاً ومحرشا معاً. فما وطن النظام على حرب الشيوعية بالأصالة أن الحزب الشيوعي الفصيح كان في طليعة من حاربوه بغير هوادة. ومن الجهة الأخرى يجد الباحث أن مكتب طلعت أصبح محوراً تحلق به الكتاب الشيوعيون الذين خرجوا على حزبهم في ملابسات انقلاب 17نوفمبر 1958فقد بدأ الأمر باستمالة جماعة من محرري جريدة الصراحة من الشيوعيين. فالصراحة الغراء لم ترغب في مصادمة النظام الجديد. وكان رئيسه، الفريق عبود، كما روى الأستاذ جعفر حامد البشير، يظن أن الرفيق خرتشوف من محرري الصراحة من فرط يساريتها الفطرية. بل أصبحت وزارة الاستعلامات والعمل، ووزيرها طلعت ، منبعاً لأخبارهم. وقد وقف طلعت فريد يدافع عن الصراحة بعد إغلاقها واعتقال بعض محرريها أمام زملائه في المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وقال لهم طلعت إن جريدة الصراحة غير معادية لنا وأن محرريها أصدقاء ويتصلون بنا يومياً لأخذ الأخبار من مصادرها. وأعادها للصدور بعد 3 أيام من الإيقاف وأطلق سراح المحررين. وهذا سياسة لين الجانب أو تأليف القلوب. بل اصبح الفريق عبود نفسه مصدراً في متناول اليد لأخبار الجريدة. وكان السيد عبد الله رجب، رئيس التحرير وصاحبها، يستغرب لحصول محرريه على الأنباء بالتلفون مستخدمين كلمات مثل «سعادتك» و«معاليك». ونتيجة لممالاة الجريدة للنظام خسرت قراءها التقليديين وتضعضع موقفها المالي فاشترتها وزارة الاستعلامات إنقاذاً لها من ملاحقة الدائنين. ثم أصدرتها باسم «الصراحة الجديدة». ولم تعمر هذه الأخيرة بالطبع. ويبدو أنه كان للسيد محمد سعيد معروف، الشيوعي القيادي السابق والمحرر بالصراحة، بالذات علاقة خاصة بطلعت. وهذا سهل الاستنتاج مما كتبه الأستاذ كامل محجوب، من أميز كادر الشيوعيين في الريف، في الجزء الثاني من كتابه «تلك الأيام». وبالمناسبة فإن مأثرة كامل في حشد مزارعي الجزيرة في ميدان عبد المنعم لينتزعوا الاعتراف باتحادهم في عام 1955 تحتاج إلى فيلم تسجيلي خطر يوماً للسينمائي البارز وجدي كامل بعد أن التقينا بكامل معاً في صيف 2004 وتأملنا صوراً من ذلك اليوم العظيم للكادحين السودانيين معلقة على حائط صالونه. ونأمل أن يعان. اتصل معروف بكامل في دنقلا التي عمل بإحدى مدارسها. وكان معروف وقتها ضابطاً للعلاقات العامة بوزارة التربية لاستثارة حملة برقيات كبرى ليبرزها طلعت للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ليدعوهم للاستكثار من فتح مدارس جديدة. وهذه الخطة ربما كانت مما ناجاه به طلعت. وقد عبأ كامل أهل دنقلا لصالح أن تنال مدرسة أو أخرى. كما تبادل معروف مع كامل الوضع السياسي في 1963 واتفقا أن النظام بحاجة إلى تنظيم شعبي ينصره بين الشعب. وانصرف معروف ليقنع طلعت فريد بالرأي. ولما عرض طلعت هذا الرأي في المجلس عارضه السيد أحمد خير الذي وصفه كامل بالمرشد والمستشار السياسي لمجلس الثورة بجانب تقلده وزارة الخارجية. فقد كان رأي أحمد خير أن هذا التنظيم سيفتح الباب للديماقوقية أي اللغو السياسي. وبدا لكامل أن عمر النظام قصير طالما تعنت وكنكش. ولم يكن أمر معروف وكامل محض سياسية. بل داخله إعادة تأهيل لكامل باستيعابه في خدمة الحكومة، قمة الأفندية، من شرور المدارس الأهلية التي عمل بها منذ خروجه على الحزب الشيوعي. وكانت هذه بعض الخدمات الرفاقية لزملاء هجروا الحزب الشيوعي. وهذا قريب مما نسميه جماعة المتناصرين التي تجمع أهل المصيبة الواحدة. فكامل نفسه طلب من الرفاق آدم أبو سنينة وعبد القيوم محمد سعد، ممن عمل معهما بمدرسة الجمهورية الوسطى بأمدرمان، الانتقال إلى مدرسة دنقلا الأهلية الوسطى (1959-1963) لاستقرار أوضاعها المالية قياساً بالجمهورية. وقد درست أنا بالجمهورية عام 1963 وأعرف وقع حافر فوت الماهية عن يومها المعروف برغم جهد وحساسية المرحوم عبد الحفيظ هاشم صاحبها وناظرها. وكان طلعت فريد هناك لعون من يريد من الشيوعيين الخارجين الاستيعاب في خدمة الحكومة. فقد أراد كامل أن يتعين بوزارة التربية بعد زواجه طمعاً في شرط أفضل للاستقرار. واستدعاه طلعت لمقابلته. وسأله: هل كنت شيوعياً؟ أجاب بنعم. فانبسطت أسارير طلعت وهاتف السيد محمد التوم التيجاني، وكيل الوزارة، وقال له بما جرى بينه وبين كامل وسأله أن يستوعبه في الوزارة مستبقاً الاعتراض على شيوعيته بقوله: ما الخطر في استيعابه، هل سيضع قنبلة تحت هذا المكتب؟ وانتهى الأمر بكامل بالتعيين في وظيفة رئيس تحرير لمجلة الشباب والتربية بمساعدة من معروف. بالنظر لما تقدم ربما شمل شيبون، الكاتب البارز بالصراحة، برنامج طلعت فريد لإعادة تأهيل الشيوعيين. وسيكون من المفيد أن نعرف مسارب هذا العرض. إننا نعرف بصورة واضحة أنه كانت لوالد شيبون يد في ذلك. وسيبقي أن نعرف كيف تناهت رغبته في توطين ابنه في الأفندية إلى مكتب طلعت وهل كانت لجماعة المتناصرين من الرفاق يد في ذلك؟ لا احسب أنه خفى على شيبون أن عرض الوظيفة الذي جاءه من وزارة الاستعلامات والعمل برفاعة في 1961 هو عرض مغر وسام. فهو مغر لأنه يقع في سياق قراره أن يكون أفندياً في وقت متأخر نسبياً بعد نحو 10 سنوات من التفرغ للعمل الثوري في أوساط الحزب الشيوعي. فلقد استنكر المجتمع منه إهدار فرصه في سكة خطرة مجانباً نعماء الوظيفة الحكومية. وهي ميس التعليم كما رسمه الإنجليز. وقال إنه استسلم لضغط المجتمع الراكد وانحسرت عنه الثورية كما ينحسر الماء في فصل الجفاف. وعاد إلى قواعده في المجتمع الراكد عملاً بحكمة الجيوش المنهزمة. وهتف له الناس :«عاش الأفندي» لأنه لم يشذ عن توقعهم ممن مثله شذوذاً يهدم يقينهم بصواب الأشياء. وقال شيبون إنه روض نفسه على الأفندية واطمأن لها. وراح يرتب حياته على مقتضاها: وظيفة بمدرسة اهلية برفاعة وبيتاً بحي الجناين بالمدينة وأسرة من أم وأخت جاء بهما من أبو زبد، وربما حوالة شهرية للوالد بكردفان. وبناء عليه فعرض وزارة طلعت فريد له كان توسعاً في الأفندية التي روض نفسه عليها. والأفندية أصلاً حملة مدججة لغزو مواقع الهرم الوظيفي واحداً بعد الآخر. وكان العرض ساماً أيضاً. ففي لهفة شيبون للوظيفة كان واعياً أيضاً. فهو يعلم أن قبوله العمل في وزارة طلعت مما سيستنكر منه خاصة. فقد كان رفاقه الشيوعيون هم من أعفوه عن التفرغ ليأكل من خشاش الأفندية. وكان الظن دائماً بمن يطلب ذلك الخشاش بعد التفرغ إنه قد خسر الدنيا وآخرة الطبقة العاملة في الاشتراكية. وهناك من الشيوعيين من يفلح في إخفاء سوء الظن بهذا الخائر ومنهم من يقولها له في وجهه. واشتكى شيبون في رسالة باكرة عن هذا الجفاء وقال ما قاله عن الكتوف الباردة التي أدارها الرفاق له. وهو قطع شك قد قرأ لينين وكلمته عمن ينزلق عن سراط الحزب فيهوي من حالق أبد الدهر لأنه لا قرار للقاع. وما زجت هذا المزاج الروسي العكر فروسية سودانية مستفحلة من نوع الجعلي يقضي يومو خنق. فأصبح الخارج عن الحزب «منفنساً» من ثقل «حديد المسئولية» كما قال صلاح أحمد إبراهيم. وبلغ من عتو قيد المسئولية هذا أن الحزب لم يكن يأذن حتى بالاستقالة «تستقيل زميل، دا نادي؟ دا حزب ومستقبل». والاستقالة من المستقبل إلحاد بالطبع. واضح أن نفس شيبون قد راودته على الوظيفة. فقد وصفها للأستاذ محمد خير حسن سيد احمد بعبارة مثالية. وراح يطلق بالونات الاختبار يختبر ردة الفعل. وربما هون شيبون الأمر على نفسه بأن الوظيفة مع طلعت وظيفة فنية توفر له ما أحبه دائماً وهو القراءة. فطبيعة الوظيفة بحثية يقرأ صحف العالم ونشراته ويلخصها للوكيل ولا من شاف ولا من دري سياسياً. وقد طرشقت أول بالونة اختبار. فقد فوجئ محمد خير حسن سيد احمد بإفضاء شيبون ذات أفنديته له. فتهرب من الإدلاء برأيه حول العرض وترك الأمر برمته له متعللاً بالجهل بمثل هذه المسألة. وربما علم محمد خير سيد احمد بأفضل مما صرح به. فقد كان العمل بعرض سياسي خاص من دولة عبود عاراً في مناخ شديد العداء للنظام بين المتعلمين. ستكون من بين أوراق شيبون التي تركها عند عتبة انتحاره يوم 8/12/1961 بياناً للعالمين قصيراً عن أنه لم يقبل بوظيفة وزارة الاستعلامات. فأشهدوا. وسندخل من هنا ورائح في جدل العار والانتحار
* نقلا عن الراي العام31/5/2006م
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: وجدي الكردي)
|
شيبون: ديناميت الروح
*عبد الله علي ابراهيم''سيلاحظ القارئ الذي اطلع على كل أحاديثنا عن شيبون إننا اخذنا هنا برواية عن مصرعه مختلفة عن ما قلنا به في حلقة قديمة مضت. وقد رجحت الرواية الأخيرة لأنها على لسان جنابو فاروق هلال الذي حقق في موت شيبون لما كان ضابطاً لمركز الحصاحيصا. وسنعود لكل ذلك حين نحرر النص كله للنشر'' استغرق والدة شيبون وقت غير قصير لتدرك ثقل ما قاله لها محمد، ولدها، وهو يخطو خارج بيته بحي الجناين برفاعة في صباح تلك الجمعة الحزينة: 8-12-1961 قال لها شيبون ولأخته: ''ما تصدقو أي كلام يتقال عني أو ينشر. لو نشروا لي صورة ما تصدقوها. ولدك عاش راجل ومات راجل. وابقو عشرة على أختي.'' ولو استدبرت الأم من أمرها ظهيرة ذلك اليوم، الذي عثرت فيه على شيبون مشنوقاً من مرق حمام بمنزل السيد احمد جابر بمدينة الحصاحيصا، لأمسكت به ''بأربعاتها'' بيدها البقارية الشديدة وحالت دونه وأن يقطع النيل الأزرق بظلفه لحتفه. لم تر الأم سبباً لمنعه دون تلك الرحلة القصيرة الفاجعة لأنه ليس في مصطلح باديتها أن يوصيك مودعاً من هو في تمام العافية. لم تدر الأم في تلك اللحظة أن ابنها تأبط موته . . . وخرج. تعرف البادية ''المقنجر'' الذي يحمله ضيم الأهل ليبدل الدار بأخرى والأهل بأهل. وقد وجدت مفهوم ''القنجرة'' في كتاب حققته للشيخ الخبير عن أنساب الجعليين قال فيه إن آل الخبير أنفسهم ''قنجروا'' من بلدهم في دار جعل لإساءة من أهلهم فانتبذوا مكاناً قصياً من أرض الجزيرة. فالقنجرة فكرة قوامها أن أرض الله واسعة. ولذا لم ينتحر المتنبي القائل: وإن بٌليت بود مثل ودكم فإنني بفراق مثله قَمن ولا تعرف البادية كثيراً من حالات المدن ومزاجها. قال لي أحدهم إن قريبه الريفي قال له: ''إنت زهجان دي شنو؟ الزول بيكون زهجان مالو.'' فالبادية تمتص الزهج بنسيج من الكدح القاصد والعرف القابض والتضامن الذي لا ينفض من حول الفرد. ولست أزعم بأن البادية رحيمة كما يزعم أهل الرجعى الرومانسيين من صفوة المثقفين. ولكنها خلاف المدينة كانت قد رتبت ثقافتها وسياستها لجعل الموت إما من أجل مكتوب أو دواساً عن العرض والأرض. ولا يأتي الموت للمرء من أي باب آخر. ربما ظنت الأم أن قول محمد في صباح الجمعة الحزينة عن عزة نفسه وقوة عارضته وإنه لا يعيب أبداً من باب ''التنبر''. وهو فن تقليدي وبقاري معلوم يروج فيه الإنسان لنفسه بصفات الشرف والفروسية. ولذا لم تفطن والدة شيبون لمرمى ابنها وهو يخطو الخطوة الأولى في رحلة الخيبة في المدينة الظالم أهلها. كان انتحار شيبون جملة سياسية. وتريد هذه الكتابات عنه أن تحيط بهذه الجملة من جهة قوى الجذب والطرد التي اصطرعت حول حياته القصيرة الغراء. ربما كان لعلم النفس ما قاله أو ما سيقوله عن مأساة الرجل. ولكنني لا أحسن هذا العلم ولا أريد له متى استخدمناه أن يغطى على السياق السياسي الذي أخذ شيبون إلى مدرج الموت بمصطلحات الكآبة وانفصام الشخصية وعقدة أوديب. ولا أريد بالسياسة هنا تشكيلاتها مثل الأحزاب بل القوى الاجتماعية، والأحزاب مؤسسة واحدة من مؤسساتها لطلب الشوكة، وتدافعها. وهو تدافع حول مصالح وأغراض وغرائز عزيزة وشحيحة من نالها نالها على حساب خاسر قصر دونها. ولذا اخترت للنظر إلى محنة شيبون زاوية الأفندي، وهو شحنة اقتصادية اجتماعية عاجلة، والأفندي المضاد، وهو من نفس الشحنة ولكنها شحنة آجلة. رأينا في الحلقة الماضية كيف كان شيبون يراوح بين عاجلة الأفندي وآجلة الأفندي المضاد على ضوء ما توافر لنا من وثائق عن حياته في النصف الأخير من عام 1961، عام انتحاره. فقد كان تلقى عرضاً من نظام عبود أن يعمل بوزارة الاستعلامات والعمل بمرتب وامتيازات مغرية. وكانت نفسه قد يٌسرت لهذا العرض وهو يجمع شتات أسرته ويلتزم بها ويتعلق قلبه بصبية من مدرسته. لقد وجد صبية الأحلام فليبن العش . . . حبة حبة. ووطدت من هذه العلاقة أن الصبية كانت صديقة لأخته تغشي دار شيبون بهذا الساتر المعروف. ولكن كان شبح الأفندي المضاد، الكادر الثوري، إما لاحقه أو توهم أنه كان يلاحقه. فقد كتب، في رسالة لم تنشرها الرأي العام، قبل شهر من وفاته، أي في نحو أوائل نوفمبر، يشكو مر الشكوى من هذه الملاحقات ''من أصحاب رسالة''. وهم الشيوعيون قطع شك. وكان عنوان الكلمة نفسها ''ملاحقات يعوزها المبرر''. ولا ندري إن كان من بين هذه الملاحقات المتطفلة زيارة جماعة الشيوعيين العاصميين اللامعين له ليلة عيد الأضحى الموافقة 24 - 5 -1961م. فقد جاءوا يعيدون على قريب لهم برفاعة في أضحى ذلك العام. ولم يجدوا شيبون لأنه ''ترك لهم البلد عديل'' كما يقولون لا يريد صلة بهم. ولسنا ندري إن كانت تلك الزيارة عفوية مما يخطر للمرء يتذكر فيها المعارف القديمة في البلد الغريب. وحتى لو برؤت الزيارة من الغرض فتأويل شيبون لها واضح لا يحتاج إلى بيان. ولا ندري إن كان عرض العمل بوزارة الاستعلامات قد جاءه في آخر مايو. ولذا حرص شيبون أن لا يلتقي بهذه الجماعة الشيوعية حتى لا تنصحه بشيء. فقد كان قرر حسب منطوق رسالته للرأي العام أن يكون سيد حياته لا رقيب لها سواه. وقد أوحت لي مقالة السيد محمد خير حسن سيد احمد (الصحافة ، صيف 2005 ) أن شيبون كان يخشى بالفعل هذا النصح الرفاقي القديم وتبعاته ولذا فر منه فرار السليم من الأجرب. تغير الدراسات التي انشغلت بالقنابل البشرية الانتحارية منذ 11 سبتمبر 2001 من فهمنا لظاهرة الانتحار. فقد تخطت به شاغل النفس وأمراضها إلى شاغل السياسة وتعقيداتها. فلم يطابق الانتحاريون القذائف ''بروفايل'' علماء النفس الذي رسموه للمنتحر كمريض بذات النفس. واحتل الفيلسوف الألماني نيتشه، الذي يعنى بظاهرة الشوكة والقوة في التاريخ، محل سيغمند فرويد، الذي قَعد علم النفس الغربي. وقد اشتهرت عن نيتشه قوله في الانتحار إن ما يميز البشر عن سواهم هو أن بوسعهم أن يشطبوا أنفسهم من الوجود كما يفعل المرء مع جملة كتبها ولم تعجبه صياغتها. وهو ما يسميه العدمية المستفحلة. وهي رغبة المرء أن يٌفْرِغ العالم فيغدو خالياً من شيء وهي حالة اللا شيئية. فالعالم بنظر نيتشه قد بلغ من الكساد حداً لم يستحق به الهدم بل اصبح فرضاً على الآدمي أن يتدخل لفض هذا الكساد بهدم نفسه وهدم كل الأشقياء بالعالم. علي وعلى أعدائي. فالانتحار هو ديناميت الروح. وهو احتجاج روحي مرموق على بؤس العالم. أراد الخيرون من العلماء من نسبة الانتحار إلى نيتشه أن يقولوا إنه من مظاهر الحداثة. وأرادوا بهذا تضعيف الرأي السائد في الدوائر الأمريكية الإعلامية من أن المنتحرين تفجيراً إنما هم أبناء ثقافة إسلامية جهادية وثمرة لكهوف التاريخ تعبأت لحرب الحداثة منقضة على أبراجها المنارات. وبفضل هذه النظرة الجديدة للانتحار خرج الانتحار بنسف النفس من دائرة المصحة-تيجاني الماحي إلى صحو السياسة. وأصبح الأمر كله أمر حداثة، المنتحرون نسفاً حداثيون وخصمهم حداثي. وعلى المرء أن يختار الحداثة التي يٌسرت لها نفسه. وذهبت إلى بعض هذا الدكتورة جيسكا إستيرن التي درست ''الإرهابيين الفلسطينيين'' من زاوية الهوان الذي ران على حياتهم بسبب الصلف الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي. وقالت إنهم خرجوا يردون على هذا الهوان بتفجير أنفسهم (على نهج نيتشه). واخترعت للدلالة على ذلك مصطلح «ےےde-humiliation » واجتهدت في تعريبها بـ ''تفلية الهوان'' ناظراً إلى الطريقة التي نزيل بها القمل من الشعر. خرج شيبون في صباح تلك الجمعة ليلغي نفسه بنفسه كجملة سيئة الصياغة. وأراد بانتحاره جرح هذه الجملة الركيكة وتعديلها. ولم تنتبه أمه لحرائق لغة الحداثة: لا تسمعوا من أحد. ابنكم لم يأت بعيب. عاش راجل ومات راجل. فالناس في فريقها البقاري يموتون موت الله. ولكن للأم حدساً بالحداثة أو بغيرها. فلما تأخر عن موعده الذي ضربته له في رأسها ''شركنت''. وربما اعادت مضغ كلماته لها وهو خارج ومجتها نفسها. وأخذت تقرأ المشهد كله بفتح الباطن وفطرة الجسد. ولفحت ثوبها وهرولت للحصاحيصا تسأل عنه حتى بلغت نزله في المدينة بدار صديقه أحمد علي جابر. ولم يكن جابر بالمنزل لأنه يقضي عطلة نهاية الأسبوع بالخرطوم. ولم يٌبَلِد خلو البيت من الساكن حدسَ الأم فتكف عن البحث عن محمد. كان جسداً يشتم جسداً. وغريزة منطلقة على سجيتها القديمة حتى بلغت الحمام. وكان شبشبه خارج الحمام. ولما كان الباب مغلقاً نظرت من خرمه. ورأت رجليه متدليتين بارتفاع عن الأرض. وهرولت إلى نقطة بوليس الحصاحيصا. هرولة الأم التي نقشتها هاجر بوادٍ غير ذي زرع.
* نقلاً عن الراي العام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محمد عبدالرحمن شيبون.... حنجرة الشعب (Re: bayan)
|
الدكتور عبد الله علي ابراهيم وحوار الكتابة خبرتي الاساسية هي «الحكاية»
حاوره: عيسى الحلو لم يوجد فينا المثقف الحادب على لم الوطن ولو على أكذوبة! مدخل: الدكتور عبد الله علي ابراهيم كاتب معروف لدى القراء. متخصص في كتابة التأريخ ويدرس التأريخ الافريقي والاسلامي بجامعة ميسوري بالولايات المتحدة. له عدد من المؤلفات منها (الصراع بين المهدي والعلماء) و(الثقافة والديمقراطية) و (الشريعة والحداثة) و(سحر الرباطاب) بالانجليزية، ويصدر له(تاريخ القضائية الثنائية في السودان) و (نشأة حركة التجديد الاسلامي في السودان) عن دار بريل بهولندا. ويصدر له في القاهرة (بئر معطلة وقصر مشيد.. افلاس الفكر السياسي السوداني) و (أصيل الماركسية المقاومة والنهضة في ممارسة الحزب الشيوعي) وتحت الطبع (شيبون) و(بخت الرضا) التقت به الرأي العام الثقافي وأجرت معه هذا الحوار حول تقنيات الكتابة ومناهجها في كتاباته.
× كتاباتك السابقة كانت تستخدم منهج علم الاجتماع الماركسي. في مقالاتك الآن (شيبون) و (بخت الرضا) استخدمت مناهج علم الاجتماع والسرد الروائي الأدبي في وصف الظاهرات وتحليلها.. ماذا تقول هنا؟
- أنا لا أميز بين منهج ماركسي ومنهج سردي، لربما وقع هذا التمييز نتيجة لجفاف منسوب للكتابات الماركسية. على كل، أنا محصن دون الوقوع في فك هذه الثنائية. فقد بدأت بكتابة القصة، ثم المسرحية. وهذه امكانية لم أفرط فيها، وحملتها معي الى ممارستي الكتابية الأخرى.
حتى في مسألة علم الاجتماع كنت أغشى الفرقان والقرى في البلد والتقط الأصوات المنسية من واقع قصص تروى، من مثل ملحمة (موسى ود جلي) فارس بني جرار. وهي حكاية، ولذلك كان الحكي مرتكزاً في خبرتي في التعبير عن الأشياء. وتصادف ان كنت في الولايات المتحدة حين أصبح التعبير السردي منهجاً في التاريخ وغير التاريخ، وبهذا وجدت نفسي مرتاحاً لهذا المزج بين المنهج الماركسي والتعبير السردي. مثلاً لو نظرت في كتابي (عن تاريخ الكبابيش) أو في كتابي عن (السحر عند الرباطاب) لوجدت علم اجتماع مصاغاً بالسرد والحكي.
وربما كان مبعث سؤالك ان السرد في (شيبون) عاد الى كتابة الترجمة أو قصة حياة انسان، وهذا غاية التعبير السردي، ويمكن ان يقال ان هذا هو الرأس الطافي من جبل الجليد في ممارستي الكتابية، اقصد ان كثافة السرد في (شيبون) قد نبهت الى جبل السرد الجليدي عندي.
لقد كتبت القصة القصيرة الأدبية، والمسرحية. ما تأثير هذا النوع من الكتابة على طريقة كتابتك لمقالاتك الآن؟
اعتقد ان خبرتي الأساسية هي الحكاية، نشرت أول قصة قصيرة العام 1957م وأنا في سن الخامسة عشرة، ولم أبرح منطقة الحكاية، ولم أفتن عنها بانضباط التعبير الماركسي واقتصاده أو ما يسمى الأسلوب العلمي الموضوعي. وقد نشرت في (أخبار الاسبوع) (66/1967) (بعد حل الحزب الشيوعي) مقالات بعنوان (يا أحزان السودان اتحدي).. او هكذا.. وقد علمت انها لم تكن مقبولة بين طاقم القيادة الصحفية الشيوعية، ورأوا فيها حكياً لا ينسجم مع جلال العبارة الماركسية -كما يعتقدون - ولم أكترث. لم اعد أكتب القصة القصيرة، ولكن خبرة الحكي ظلت معي لا تريم. وقد استخدمتها على صفحات (الميدان الشيوعية) خلال أحداث جسام مثل حل الحزب الشيوعي، أو انعقاد المؤتمر الرابع للحزب (1967) وأذكر المقال الأخير إذ انني بدأت بحكاية حدثت في عطبرة خلال نظام الفريق عبود. فقد اجتمعنا نودع رفيقاً نُقل الى العاصمة، ولما خرجنا الشارع وبنا شئ من النشوة، لم نكترث لعيون الحكومة المبثوثة، وما تركنا الرفيق ليذهب لمنزله حتى صحنا فيه «الى اللقاء في دار الحزب الشيوعي بالخرطوم». وقد كان. ولم يمر أكثر من عام، فسقط النظام وافتتح الحزب الشيوعي داره فيما اصبح الآن (الخرطوم بلازا). والشاهد هنا أنه لم يكن أسلوبي في الحكي مقبولاً لدى رفاقي، ولكنني كنت شديد الاعتقاد بأن الحكي سحر ومنطق وعذوبة. وهو سبيل واسع للاتحاد مع خيال عامة الناس وطاقة أشواقهم.
× مسرحية (السكة حديد قربت المسافات).. ما الذي يقرب المسافات الآن؟
- مسرحية (السكة حديد) خبرة في اجتماع الوطن الجديد. فالسكة حديد منشأة ترامى عليها الوطن، وتولد وانصقل. وكنت في مركز الدائرة من هذا التكوين البديع للوطن. كنت كما قلت دائماً اسكن في (حلة المحطة) بمدينة عطبرة، وهي عصب السكة حديد، من حلفا الى نيالا، الى واو. ويتخلل هذا الجسد الجديد في الوطن جهاز اسمه الكنترول الذي يضبط حركة القطارات علي نطاق الوطن.. أنا ابن هذه المركزية. ولذا فأنا قليل العناية بالقبيلة. فقد اعتنقت قبيلة أخرى، وتعلق قلبي بالنقابة (كتقابة جديدة). فالمسرحية كانت احتفالاً بهذا الميلاد الجديد للسودان. وكانت بمثابة تحقيق في حيوات غمار الناس الذين تحولوا في لمحة بصر من (أروتية) في السواقي الى عمال. فالمسرحية توثيق لهذه الانتقالة العجيبة لمنشأ هذه القبيلة الطارفة.
ما يقرب المسافات الآن، هو أس المشكلة التي تستبطن. حوارنا عن الهوية _ نيفاشا _ أبوجا الذي نحتاج اليه لتقريب يقرب المسافات ، هو روحانية جديدة. تقوم على ميثاق نفسي مبتكر يأخذ من الدين ما وسع، بغير إنكفاء عليه. ويأخذ من العلمانية بصدق وعلم وذكاء.
وهذا شغل للمثقف انصرف عنه الى غيره من شغل الحرب والتأجيج والمصالحة مع الكيانات القبلية والجهوية. فقد عاتبت رفاقي من حملة الدكتوارة، الذين افتخروا بالبندقية، دون شهادة الدكتوراة، وسخروا انفسهم مقاتلين لا باحثين مدققين، شغلهم التعرف على الوطن الكبير.
× الكتابة .. أهي نقل فوتوغرافي للواقع (المادة الخام) .. أم اعادة تشكيل لهذه المادة الخام؟ كما في (شيبون)؟
- تعريفي للكتابة نشأ بعد قراءتي كتاب الدكتور بلدو وعشاري، المسمى ( الضعين والرق في السودان). فقد عرضت هذا الكتاب في الصحف ووصفته ككتاب للتشفي. بينما الكتابة شفاء. بوسع الكاتب ان يفتح دفاتره لمظالم لا حصر لها. مثلاً ما يجري في الهامش من سقم وظلم، وهذه حقائق لا مهرب منها. ويأتي التشفي هنا من عرضها هكذا عارية من الولف. وهذا منشأ الهرج في الوطن. الكتابة كشفاء هي تحليل هذه المظالم ودمجها مع مظالم أخرى. لأن الظلم واحد، والحق واحد. وبهذا تحدث للرؤية استدارة. مثلاً ما زار الجنوبيون شمال السودان بعد نيفاشا حتى اعترفوا انهم ربما كانوا أسعد حالاً من أقاليم كثيرة في الشمال، ولكن هذا وعي متأخر. فقد تدفق دم كثير قبل ان يبلغ هذا الحق مقره. هذا هو مفهومي للشفاء. وللأسف كانت أكثر الكتابات عندنا هي للتشفي ولم نبدأ بعد في الكتابة الشفاء.
× حققت سيرة ذاتية جماعية (نسب الجعليين) و(السحر عند الرباطاب).. وفي ذات الوقت كتبت سيرة ذاتية فردية (شيبون).. ماهو الاختلاف بين منهجي الكتابة هنا وهناك؟
× سيرة (شيبون) سيرة اجتماعية سياسية وتقع في باب الكتاب والحزب كسلطة. وقد حكمنا في تناول هذه السيرة من هذه الزاوية ما روجه الشاعر صلاح أحمد ابراهيم منذ الستينات عن اغتيال شيبون أو انتحاره. فلم يعد ممكناً الكتابة عن شيبون بغير هذه النبرة السياسية الاجتماعية العالية. وقد كنت أخذت على صلاح انه (تدرع) شيبون ليبث شكواه الخاصة. ومن جهتي قد صرحت بأنني جئت لكتابة شيبون من خبرة طويلة وعميقة بالحزب الشيوعي. وهي خبرة تعاورتها جراح وتظلمات. ولا يمكن لكاتب ان يتناول أي أمر بغير ان يضفي عليه خبرة سابقة. هذا أصل الكتابة، ولذلك لم أسعد بمن قالوا ان عبد الله انما يصفي حساباً قديماً بتدرع شيبون. فقد جئت لشيبون أولاً لمحو عبارة صلاح، وهي العبارة التي حملت الحزب الشيوعي مقتل شيبون، بحيثيات ضئيلة، وقد شرعت أولاً في جمع المادة عن هذا الحدث السياسي الثقافي. وقد وجدت ما يبرئ الحزب وما يجرمه. وما يبرئ جماعة أو أفراداً منه أو يجرمهم. القصد هنا. هذا حادث معقد ومؤسف، ولن نعود اليه بما بدأنا به من معالجة السؤال، من قتل شيبون؟ فهذا مبحث لا طائل منه. فليست سيرة شيبون كما قلنا، هي سيرة لشخص ساقه القدر للانتحار، انما هي علاقة مستمرة بين المثقف والسلطان. هذا ما سيبقى من شيبون، وهذا ما سيبقى من الحزب الشيوعي. وقد كتبت عن شيبون متفائلاً. ان نعيد النظر في تعريف المثقف، فقد درجنا على حمله للالتزام بالعقيدة. وقد كان لهذا المنهج ضحاياه مثل شيبون وغير شيبون. فقد تحدد الآن مفهوم المثقف على ضوء نظريات فوكو في الشوكة أو القوة بحيث يكون المثقف هو من يهز العقائد هزاً.
× مقالاتك عن (بخت الرضا).. هي رفض للحداثة.. ورجوع للتقليدية.. هل هي مراجعات فكرية..؟ أم مراجعات سياسية؟
× هذا خطأ!! في مقال (بخت الرضا) قصدت ان أهز بعنف عقائد التربويين في الماضي السعيد. فقد تنامت نظرة ماضوية نوستالجية، ترى ان الخير قد وقع في الماضي ولم نعد أهلاً له في زماننا المعاصر. فقد انتهز التربويون مناسبة ضعضعة بخت الرضا على يد المرحوم محي الدين صابر بعد انقلاب مايو، ليقيموا مأتماً كبيراً مستمراً يشقون الجيوب فيه على بخت الرضا. ربما كانت بخت الرضا معيبة أو غير معيبة. ولكن هذا النهج في توقير السلف الصالح التربوي فيه مسكنة وذلة ونفض اليد عن الابتكار والالحاح على ان التربية الحقة هي ما ينتظرنا في حاضرنا وماضينا أيضاً. وهذا ضرب من المعارضة مستكره جعلنا نتبنى بخت الرضا بغير استعداد لنقدها وتقويمها، وأخذ خيرها وترك شرها. فقد اصبح منتقد بخت الرضا مرتداً. وهذا استضعاف تقع فيه التربية عندنا بغير وازع. وقد شرحت بعض منهجي في قولي ان بخت الرضا مؤسسة خلاسية جمعت تجربة سودانية وأجنبية استعمارية. لابد ان تنفذ اليها بمنهج مبادر شجاع لهذا التكوين الضعيف المزيج، وهذا ما توفرت عليه مدرسة مابعد الاستعمار، كما شرحت ذلك بايجاز في كتابي (الشريعة والحداثة).
× مازالت النخب في السودان تتحدث عن الهوية.. ألا ترى ان الواقع الاجتماعي تجاوز هذا البحث في مستواه الثقافي، وهو يتطلع الى حقائق الاقتصاد سيما والبترول السوداني يتدفق الآن.. وينقل الوطن الى دولة عصرية، حيث تتغير كل العلاقات من الاثنية الثقافية الى الواحدية الاقتصادية؟
- حديث الهوية كألفة لن ينقطع. الذي حدث ان قادة الدولة والحركة الشعبية في مفاوضاتهم غلبوا قسمة البترول على ما عداها، وهذه مطامع اسميها برجوازية صغيرة. يبدأون بتأجيج الخلافات الثقافية وأصولنا، ثم إذا اجتمعوا لصلح مالوا الى حديث المال والوظائف. تكرر هذا في 1972 (اتفاقية اديس ابابا) وترتب على اهمال الحديث عن الهوية والالتزام بشروطها، انها ظلت تنخر فينا باستمرار. مثلاً ما حقوق اللغات غير العربية في نظام التعليم والثقافة والاتصالات. هذه المسائل يتطرق الناس اليها بسطحية لانشغالهم بشاغل السلطان والمال. الهوية هي أمن ثقافي. أمن ان لا يتعرض لك متعرض في لغتك أو في أصلك مثلاً تكرر كثيراً قول الشريف الهندي لدريج نطقه للقروض كقرود.. أو فصاحة المحجوب في نفس الأمر. هذ االطعن يجرح سلامة الوطن، ويصبح دائماً مصدر متاعب جيل أو آخر من هذا التهميش، فالهوية ليست موضوعاً نتركه خلفنا متى ما ارتاحت اطراف التفاوض للقسمة. هو شغل الخيال الجديد للوطن.. شغل السكة حديد الألفة.. وهو خيال قريب من الكذب. فقد قلت عن النسابة السودانيين في كتاب (نسب الجعليين) انهم لم يتورعوا عن اختلاق خطوط مبتكرة لبلوغ سيدنا العباس. وهي من صنع خيالهم وهذا مشروع لتجتمع الأمة حتى على الوهم لتأمن وتصطلح. فالذي ينقصنا في مسألة الهوية انها جرى احتكار الحديث فيها للسياسيين بشغبهم وتأجيجهم ولم يبرز فيها المثقف الحادب على جمع شمل الوطن حتى على الأكذوبة المثقف الذي تكون الكتابة عنده شفاء ومطلبه هو (الولف)، وتعريف الناس به على اختلاف الألسن والسحنات بما يصنع ميثاقاً روحياً وهذا الميثاق الروحي قريب من قول لصديقنا دكتور محمد عبد الحي ومفهومه للألفة. فقد كان يكره كلمة الهوية ويترجمها الألفة. فهو منذ جاء بمصطلح الألفة يدعو الى شئ خير ومتسامح ونبيل. وقد وجدت تجسيداً لمفهوم عبد الحي للألفة فقد اخذ يدعو في واقعة ما. فقد كنت أركب تاكسياً وأمامنا قندران يسوق ترلة وبلغنا كبري المسلمية وكان بيننا في التاكسي رجل من الريف فاستعجب لبقاء الترلة لاصقة في بالقندران على أننا في منحدر. فسأل ما الذي يصل بين الترلة والقندران؟ فقال سائق التاكسي بخبث مديني (الولف).
| |
|
|
|
|
|
|
|