|
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي (Re: jini)
|
هل كانت الآلهة بدعة من بدع العراقيين ؟
نقلا عن الف ياء 1 اكتوبر 2004 بقلم حاتم عبد الهادي إن اقدم لغة مكتوبة ، جري اكتشافها حتي الآن ، هي اللغة السومرية في جنوب العراق . ومنها جاءتنا اقدم التصورات عن الآلهة والإنسان والعالم . وتتنوع النصوص السومرية بشكل مذهل . فمنها ما هو أدبي ومنها ما هو ديني في المقام الأول . بالإضافة إلي ذلك ، هنالك الكثير من النصوص التجارية وغير ذلك مما يتعلق بالنشاطات الحياتية المتنوعة .
وما يهمنا منها بالدرجة الأولي هو النصوص التأسيسية للتصورات الدينية الأولي كقصة الطوفان العظيم الذي نجد صداه في كثير من ثقافات الشعوب المتنوعة ، ناهيك عن إن الأديان التوحيدية الثلاث ، وهي اليهودية والمسيحية والإسلام ، قد جاءت بسرد لاهوتي لا يخرج كثيرا علي الخطوط الرئيسية التي نجدها في النصوص السومرية والبابلية الأقدم بآلاف الأعوام. فآتونوبشتم أو أتراحاسيس هو نفسه نوح (ع) والفلك هو قارب القصب والنداء الإلهي هو هو .كما إن الدرس الأخلاقي العظيم احتفظ بنفس المبادئ والعضات التي أراد الكاتب السومري أن يلقن بها بني قومه قبل آلاف السنين من أول ديانة توحيدية (اليهودية) وقبل أن تنجح هذه الديانة ، شيئا فشيئا ، بالتخلص من آثار الديانات المتعددة الآلهة التي نشأت في أحضانها أول مرة .
ولا يخفي ، أيضا ، أن أسطورة الخلق العراقية القديمة كأسطورة تأسيسية بنيت علي التصورات السومرية الأولي ، لا يمكن أن يخطئ القارئ آثارها الواضحة علي سفر التكوين في العهد القديم . أما قصة آدم و حواء وخلقهما ومن ثم طردهما من الجنة ، وقصة ولادة موسي وكيفية إلقائه في اليم ، فلا يسعنا القول غير أن الكتاب العبريين الأوائل قد نقلوا هذه القصص وغيرها بتصرف لا يخفي ، مع ذلك ، أصولها الواضحة بعدما كانوا أسري في بابل أيام السبي . حيث تسنت لهم الفرصة للاطلاع علي التراث الديني الرائج أيام البابليين .وهذا هو ما يفسر وقع الحافر علي الحافر في الكثير من النصوص التوراتية .وإذا ما كان المتابع المعاصر يجد حرجا في الكشف عن هذه التأثيرات فان الكتبة الأوائل لم يجدوا أي حرج في الأخذ عمن سبقهم لان التراث الديني في العراق القديم كان من القوة والخصوبة بحيث استحق عن جدارة احترام الشعوب المجاورة له آنذاك .
ودليلنا علي ذلك ، هو إن اغلب إذا لم نقل كل الحضارات التي أتت بعد السومريين لم تفعل سوي إعادة إنتاج ما أبدعته مخيلة السومري بهذا الصدد . إذ لم يفعل الاكاديون والبابليون ومن بعدهم الآشوريون غير أن استبدلوا أسماء آلهتهم المحليين بأندادهم السومريين وابقوا ما عدا ذلك علي حاله . إلا إن الحضارة البابلية ، والحق يقال ، كانت هي الأبرز لان دورها كان خلاقا في بناء و إعادة تركيب مكونات التراث السومري بالشكل الذي يخدم أهدافها الحضارية العظمي .
والمدهش اكثر هو إن الثقافات الشفوية التي لم تصلنا والتي كانت رائجة في الشرق الأوسط قديما ربما كانت هي الأخري حلقة من حلقات الوصل بين السومريين وما وصلنا عن العهود المتأخرة . ولنضرب علي ذلك مثلا ، حادثة الإسراء والمعراج المشهورة قصتها في الإسلام ، آخر الديانات التوحيدية . إذ يبدو أن آدابا السومري هو أول من أسري و عرج إلي السماوات العلي قبل آلاف السنين من أول ديانة توحيدية . و كان آدابا - الذي يعده بعض الآثاريين آدم أبو البشر _ صيادا للآلهة . ولقد حدث أن كسر أجنحة ريح الجنوب التي تجلب الأمطار وذلك لأنها ضايقته أثناء عمله ، فتفوه بلعنة تسببت بكسر أجنحتها . وحتي هذا التفوه باللعنة لهو دليل قوي علي القوة السحرية التي يمكن أن تملكها اللغة للتأثير علي عالم الكون والفساد . إذ يذكر كلنا النص الديني المتكرر في التوراة والإنجيل والقرآن والذي مفاده إن الله إنما يقول للشيء (( كن فيكون )) دليلا علي قدرته اللامتناهية. المهم إن آدابا يستدعي إلي السماوات العلي حيث مجلس كبير الآلهة (( آنو )) فينصحه (( أيا )) - وهو نفسه (( أنكي )) الذي خلقه أول مرة - أن يلبس ثياب الحداد ويبدي حزنه عند بلوغه بوابة آنو في السماء التي يحرسها (( دموزي )) و (( ننكشزيدا )) الذين يبدو وكأنهما قد قتلا بصورة غير مباشرة عندما آذي (( آدابا )) ريح الجنوب ، سبب الخصب المرتبط بهما . لذلك عندما شاهداه وقد أبدي حداده وحزنه واسفه العميق هدأت خواطر الإلهين الناقمين وشفعا له عند الإله العظيم آنو الذي أمر بإكرامه . فقدم له طعام وشراب الحياة الأبدية والزيت المقدس لكي يعمد جسده .
غير أن آدابا ،ورضوخا لنصيحة ألهه آيا ، تقبل أبو البشر التعميد ورفض الطعام والشراب الإلهيين اللذين تصور انهما سيوردانه الهلاك مثلما اسر له ((أيا)) الذي خدعه حين أوحي له بالكلمات التالية : (( عندما يقدمون لك خبز الموت ، فإياك أن تأكله . وعندما تعرض عليك مياه الموت ، فلا تشربها . نصيحتي هذه التي أقدمها إليك ، لا تتجاهلها ، والكلمات التي بها خاطبتك تمسك بها بقوة . )) . وبذلك فقد ضاعت عليه فرصة الخلود مثلما ضاعت علي آدم (ع) . ويبدو إن عبادة أنكي لا تزال ظاهرة في احترام و تقديس مزارات العبد الصالح أو الخضر (ع). المهم من ذلك كله أن قصة آدابا و صعوده إلي السماوات العلي تشرح المعاني العميقة التي يمكن الوصول إليها من حادثة الإسراء والمعراج الإسلامية التي تحاول أن تستعيد اللحظة التأملية العميقة التي استطاعت أن تقفز إليها الروح السومرية بخيال خلاق قلما نجد له نظيرا .
و قد لا نغالي كثيرا إذا قلنا إن السومريين قد ملؤوا الفضاء بآلهة لها النظام والهياكل التراتبية التي كانوا قد عهدوها أو تمنوا أن يتوصلوا إليها في حياتهم اليومية عبر قرون من البحث المضني . و لكن النظام الإلهي قد تم تصعيده إلي درجة سامقة أكسبته احترام المؤمنين به آنذاك ولا يزال يحضي باحترام الباحثين والاركيولوجيين الذين لا يكاد يمر عام دون أن يتحفونا باكتشاف اثر عظيم من آثارهم .
كما لا يستطيع أحد أن يتجاهل التشابهات الواضحة بين الإسلام ، ثالث الديانات السماوية ، والتراث الرافديني القديم . و من ذلك ، علي سبيل المثال لا الحصر ، ما نعرفه من أن (( ماني ، النبي الذي أتي من بابل مثلما كان يقول المسلمون )) كان يدعي بأنه (خاتم الأنبياء ) . بالإضافة إلي معتقدات المانويين الأخري كتحريمهم للخمر ، وتأدية الزكاة ، والصيام 30 يوما ، و تشديدهم علي الطهارة والوضوء بالماء أو التيمم بالتراب ، والركوع أثناء الصلاة ، و تفاصيل أخري كثيرة يذكر طرفا منها الباحث العراقي ، سليم مطر : كأوصاف الجنة والنار و يوم القيامة و الحساب و عبور الصراط المستقيم الخ . .
إلا أن من يتصدي ليتتبع التشابهات بين المعتقدات الرافدينية القديمة وباقي الديانات الأخري سواء كانت توحيدية أم وثنية ، تذهله الحقائق المحيرة عن قدرة العراقيين القدامي في التوصل إلي الصياغات التأسيسية الأولي للتصورات الدينية التي يمكن أن نتلمس آثارها الواضحة علي تأريخ الفكر الديني و تطوره إلي الأشكال والممارسات المعهودة حتي الآن .
ولعل الشعور بهذه الحقائق هو الذي يفسر اعتقاد اليهود والعرب بأنهم من أصل عراقي سواء انتسبوا إلي اسحق أم إلي إسماعيل ، ولدي إبراهيم (ع) الكلداني العراقي الأصل الذي يعتقد بأنه هو الذي بني الكعبة . كما لا يمكن تجاهل دلالة الحديث المأثور عن إن عليا ، رابع الخلفاء الراشدين (ع)، كان يقول : ( من كان سائلا عن نسبتنا ، فأنا نبط من كوثي ) . و لابن عباس حديث بهذا المعني عندما كان يقول : ( نحن معاشر قريش حي من النبط من أهل كوثي . و النبط من أهل العراق. . )
والأغرب من ذلك ، علي رأي بعض من علماء اللغة ، هو إن البادئة اللغوية الاكادية ( أل ) كانت تضاف إلي أسماء الآلهة جريا علي العادة السومرية في تصنيف هذه الأسماء و تمييزها عن غيرها .و تشير بعض النصوص الاكادية إلي أن هذه البادئة اللغوية اللاهوتية قد جري استخدامها علي طريقة التضعيف ( أل أل ) لتفيد معني الإله قبل أن تتحول بالإدغام بعد ذلك إلي كلمة ( الله ) .
فهل يمكننا ، و الحال هذه ، أن نقول بأن ( الله ) نفسه كان اختراعا عراقيا منذ البدء . بالطبع لا تخلوا الثقافات البائدة من تصورات قبلية عن وجود آلهة رغم عدم اكتشافهم الكتابة . ففي الفترة الارواحية كانت المخيلة تخلع علي مخاوفها وآمالها أشكالا و قوي و ربما أسماء لم يصلنا الكثير منها، غير أننا نجد آثارا من ذلك في اللقي المكتشفة والتي تعود إلي فترات سحيقة في القدم . ومع ذلك ، تبقي الوثيقة السومرية أقدم دليل علي قدرة العراقيين القدامي علي خلق عالم حي متكامل من الآلهة المتنوعة . فهل يعني هذا أنهم قد وضعوا مسارا للفكر الديني منذ تأملوا في الخير و الشر ، في الآلهة و البشر ؟.. بالطبع ،أنا،لا أقصد من إثارة هذا النوع من الأسئلة التقليل من شأن الأديان التي أتينا علي ذكرها أو الإساءة إليها بأي شكل من الأشكال ، و إنما أريد القول بأن الهيكل الأساسي للتصورات الكبري للأديان بشكل عام وللسماوية منها بشكل خاص ليس منبت الأصول ولا هو بالمنقطع الجذور عمن سبقه . إذ لا تزال الأسئلة المحيرة التي واجهت قدامي العراقيين من السومريين وأحفادهم ، و ستبقي لقرون قادمة ، تتحدي قدرات الإنسان علي تبديد الغموض . ففي كل مرة ، نكتشف فيها شيئا جديدا ، نتعرف علي المزيد من جهلنا بأنفسنا و بما يجري من حولنا ...
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | jini | 10-08-04, 01:04 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | هاشم نوريت | 10-08-04, 02:06 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | Amani Alsunni | 10-08-04, 02:24 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | omar ali | 10-08-04, 05:45 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | Amani Alsunni | 10-08-04, 07:37 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | omar ali | 10-08-04, 08:37 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | newbie | 10-08-04, 10:05 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | jini | 10-09-04, 07:29 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | هاشم نوريت | 10-09-04, 07:55 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | هاشم نوريت | 10-09-04, 08:06 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | jini | 10-09-04, 08:25 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | Amani Alsunni | 10-09-04, 09:19 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | jini | 10-09-04, 09:35 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | Amani Alsunni | 10-09-04, 09:44 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | هاشم نوريت | 10-09-04, 09:45 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | Ahmed Alrayah | 10-09-04, 10:24 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | jini | 10-09-04, 01:22 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | AnwarKing | 10-09-04, 03:32 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | omar ali | 10-09-04, 03:36 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | Amani Alsunni | 10-09-04, 04:08 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | omar ali | 10-09-04, 05:59 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | Amani Alsunni | 10-09-04, 08:11 PM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | omar ali | 10-10-04, 08:29 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | Amani Alsunni | 10-10-04, 11:32 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | omar ali | 10-11-04, 07:04 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | omar ali | 10-11-04, 07:16 AM |
Re: العلم والإيمان بين دكتور النجار وهاشم نوريت وفرانكلي | Amani Alsunni | 10-11-04, 07:53 AM |
|
|
|