أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 06:35 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-25-2004, 02:21 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد

    بروتوكولات نيفاشا ... البدايات والمآلات- المقال

    المقال العاشر (1-2)

    د. منصور خالد

    أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل

    الإدارة الأهلية كانت توفر آلية ناجعة لحل النزاعات ولكنها، بالطبع،

    في المقالات التسع الماضية حاولنا إلقاء اضاءات كاشفة على بروتوكولات نيفاشا الستة وبروتوكول ماشاكوس، الإطار الجامع لها، لنُجلي للقارئ ما توصلت إليه من حلول للمشاكل التي أغرقت السودان في الدماء منذ نصف قرن. وعبر المقالات أبرزنا بقدر ما سمح المجال التراكم التاريخي لتلك المشاكل ليس فقط لتبيان عمقها، وإنما أيضاً لنوازن بين مناهج الإقبال على علاجها في الماضي وفي هذا الاتفاق. من تلك الموازنة خلصنا إلى أن هذه الاتفاقيات في مجملها تخاطب جذور تلك المشاكل التاريخية، أي جذور الأزمة السودانية، للمرة الأولى منذ الاستقلال. وهذا ما أعلنه التجمع الوطني الديمقراطي في اجتماعه الأخير بأسمرا (بيان هيئة القيادة يوليو 2004)، وكان في ذلك ناضجاً وأميناً. هل يعني هذا أن السودان على موعد مع مستقبل زاهـٍ؟ هذا ما يقوله المتفائلون بعد أن رأوا للمرة الأولى تحديداً واضحاً لتضاريس الأزمة في هذه الاتفاقيات، وتحديد أبعاد الأزمة هو نصف الحل. رأوا أيضاً حكماً شمالياً مهيمناً على المركز يفعل ما لم يسبقه إليه حاكم مركزي: إمتلاك الشجاعة لدفع استحقاقات السلام بالنسبة للجنوب واستحقاقات اللامركزية بالنسبة للأطراف، ولا سلام أو استقرار دون دفع كليهما. وفي ذلك أيضاً نضج وحكمة. أما المتشائمون فسيقولون ''هذا أروع مما يصدق'' (it is too good to be true). لِمَ التشاؤم يا تُرى؟ اغلب الظن أن الذي لا يريد ان يستبشر بنعمة من الله وفضل آتاهما الله علينا، مازال أسير تجربة خمسة عشر عاماً من الكرب والضيق لم تنمح آثارها بعد، ولسان الآثار بليغ. أنا في حيرة من الأمر بين هذين القطبين، رغم أن التفاؤل ديدني. ما أقبلت على الحياة إلا وكلي ثقة، بعد استقدار الله خيراً، في تيسر الصعاب. وفي النهاية، لا يُسر، إلا فيما يسر الله. أعجز لهذا تماماً عن إدراك أي دافع ـ مهما كان ـ يجعل أي سوداني لا يستبشر باليُسر القادم لبلاد ابتلاها الزمان بكروب بأكثر مما يستاهل أهلها، لا سيما وقد تطاولت العُسرى وتمدد ضيق الحال. هل يبعث هذا على التشاؤم ؟ تفاؤلي المَرَضي يجعلني أقول لا، ولكنه قطعاً يرمى بي في منزلة بين المنزلتين كما يقول أهل الاعتزال. تلك هي الحالة التي وصفها الكاتب الفلسطيني الراحل اميل حبيبي ''التشاؤل''. وموجبات التشاؤل عديدة وسأوضحها.

    لكيما أوضح ما أعنيه، ولإجلاء قضايا أخرى في هذا المقال، أبدأ من حيث لا يحتسب القارئ. في العام الماضي سمح الكونغرس الأمريكي لوزير الخارجية بتكوين فريق يقوم ببلورة سياسة أمريكية جديدة تجاه أفريقيا بهدف تطوير العلاقات الأمريكية - الأفريقية في كل المجالات، ومن الواضح أن الكونغرس شهد تخبطاً في سياسات الإدارة الأمريكية نحو القارة. على ذلك الفريق أُطلق اسم المجموعة الاستشارية لوزير الخارجية حول السياسات الأفريقية (Africa Policy Advisory Panel). وفي نهاية العام كلف وزير الخارجية الأمريكي، بالتعاون مع حكومة النرويج، مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية بجامعة جون هوبكنز، بما له من خبرة بالسودان، بإعداد تقرير للحكومتين يُقَدم أولاً للمجموعة الاستشارية حول ما ينبغي عمله لتمتين السلام في السودان. كان ذلك بعد الاتفاق الذي توصل له الطرفان بشأن الترتيبات الأمنية التي اعتبرت وقتها إيذاناً بان الاتفاق على الأبواب بعد تجاوز الطرفين عقبة صعبة المرتقى. الحرص على ذلك التقرير يكشف، بلا شك، عن رغبة الدولتين الراعيتين للمفاوضات وللاتفاق على المضي لآخر الشوط مع السودانيين من اجل ترسيخ السلام ودفع التنمية. هذا مبعث تفاؤل مهما ظن المصابون برُهاب التدويل.

    فور تكليفه ابتعث المركز اثنين من خبرائه إلى السودان زارا الخرطوم والجنوب وجبال النوبة ثم عادا إلى واشنطن ليكملا التقرير، الذي رفع لوزير الخارجية في يناير 2004 وصدر التقرير تحت عنوان : ''كيف يُضمن السلام، استراتيجية للعمل في سودان ما بعد الحرب.'' المركز، لمن لا يعرف أو يتذكر ، هو صاحب التقرير الذي أوصى في عام 2001 بقيام دولة واحدة بنظامين، وهو تقرير قابله التجمع بامتعاض لأنه دعا لتركيز كل جهود الولايات المتحدة على إنهاء الحرب ووضع القضايا الأخرى (مثل التحول الديموقراطي) في المضرم الخلفي back- burner) )من الموقد. الحركة أيضاً قابلت ذلك التقرير برد فعل غاضب لأنه اغفل كليةً حق تقرير المصير، في حين استقبلته الحكومة برضى خفي، ربما بسبب دعوته إلى تطبيع العلاقة مع الخرطوم ورفع درجة التمثيل الأمريكي فيها. فما الذي جاء به التقرير الجديد؟ وما هى علاقة ذلك ببواعث التفاؤل والتشاؤم؟

    في بدايته قال التقرير أن أكبر تحدٍ يجابه السودان هو بناء مؤسسات قادرة على صيانة وحدة القطر وحماية حق الجنوب في الإدارة الذاتية، من ناحية، وعلى إنهاء الاختلال في الكفاءات المؤسسية والمهنية بين الشمال والجنوب، من الناحية الأخرى. وكنموذج لهذا الاختلال أشار التقرير إلى انه في الوقت الذي يمثل فيه الجنوب ثلث القطر (أرضا وسكاناً) لا يتجاوز عدد الأطباء فيه الست وثمانين طبيباً، وعدد الممرضين والممرضات الستمائة، كما لا يزيد عدد القضاة عن ثلاث وعشرين قاضياً في درجات القضاء المختلفة. هذه أمور لم تَخفَ على الطرفين، وقد أولياها اهتماماً ملحوظاً في الاتفاقيات التي وقعت بعد صدور التقرير، واستعرضنا جوانب منها في هذه المقالات.

    أقرب لموضوعنا ما أسماه التقرير المخاطر التي تتهدد الاتفاق، وتلك أحصاها في : التخريب من الداخل ، الديون الخارجية ، ضعف الأداء الحكومي، سوء استغلال الموارد، تدخل الجيران. وعند مخاطبة هذه المخاطر أورد التقرير توصيات لعل المراد منها أن تكون أساساً لسياسات الإدارة والدول الراعية للاتفاق تجاه السودان. من ذلك: حث المجتمع الدولي على التعاون مع السودان لضمان عدم العودة إلى العدائيات (توطيد الإجراءات الأمنية)، حث الأمم المتحدة والدول الكبرى على توسيع مبادراتها الاقتصادية والدبلوماسية لدعم عملية البناء ويشتمل هذا على اقتراحات لحل مشكلة الديون، الضغط على الطرفين لتوسيع نطاق المشاركة السياسية في الشمال والجنوب مع اقتراحات محددة حول متطلبات التحول الديموقراطي، توجيه جهود التعمير والتنمية نحو تكامل حقيقي بين المجموعات السودانية ، وبناء علاقات أفضل بين الجنوب والشمال وبين الجنوبيين والشماليين لهدف ترسيخ وحدة القطر. لست بذي ولع بتقارير ذلك المعهد أولاً لدعواه الكبيرة بأنه سيد العارفين في الشأن السوداني، وثانياً لاختلافي مع النتائج التي توصل إليها في تقريره في عام 2001، التي أثبتت الأحداث ما شابها من سوء تقدير. ولكني أعترف أن كلا الحكمين انطباعيين وواحداً منهما ذا دوافع ذاتية. إلا أنني هذه المرة لا املك إلا الاعتراف بحسن تقويم المركز للأوضاع، ولقراءاته الصائبة للمشهد السوداني، ومن ذلك توصيفه للمخاطر الداخلية التي تتهدد الاتفاق.

    في تناوله للمخاطر الداخلية، أو احتمالات التخريب من الداخل، لم يخلُ التقرير من طرافة، خاصة عندما ذهب إلى تسمية من هم أكثر الأطراف انتفاعاً من الاتفاق، وبالتالى أكثر حرصاً على حمايته، ومن الذين سيتضررون من الاتفاق ، وبالتالى هم أقل رغبة في حمايته. وضع التقرير على قائمة المنتفعين الرئيس البشير والدكتور جون قرنق، ومن بعدهما عامة الناس ، فالشباب ، ثم رجال الأعمال . البشير في رأي التقرير لن يضمن فقط دورة حكم كاملة في ظل سلام شامل يُحظى فيها بتأييد الشمال والجنوب، بل سيدخل التاريخ كأول حاكم يعيد للسودان الأمن والاستقرار. هذا تقويم صحيح، ولعل هذا ما عناه الرئيس البشير نفسه عندما قال، بعد أن حمد الله في خطابه في الذكرى الخامسة عشر للإنقاذ : إن السلام مكرمة غالية ادخرها الله لثورة الإنقاذ ''ليتحقق على يدها أكبر حدث بعد الاستقلال''. أما قرنق ، فيقول التقرير انه سيحقق بالاتفاق عدة أمانٍ: السلام ، حكم الجنوب لنفسه بنفسه ، حل قضايا المناطق المهمشة التي ظل يكافح من أجلها ، لعب دور رئيس على الساحة القومية ، العمل على نشر أفكاره حول السودان الجديد بأسلوب سلمي . عامة الناس لا خلاف في أنهم أصحاب مصلحة مباشرة في إنهاء الحرب، بل هم أصحاب المصلحة الأولى فيها بسبب ما عانوه من ويلاتها ، وكذلك الشباب من الجانبين فقد كانوا دوماً وقود الحرب. أحسنهم حالاً من فر من أخيه وأمه وأبيه بحثاً عن ملجأ آمن. ولا تسألن عن المصلحة التي يترجيها رجال الأعمال في ظل السلام. للحروب تجارها، أما السلام فهو الذي يجعل من السودان بلداً مَتجْرَاً (تروج فيه التجارة) تتاح فيه لرجل الأعمال المستقيم فرص الكسب الوافر بسبب تعدد وتنوع برامج التعمير ، وتوجيه عائدات النفط للإنتاج من بعد أن كان جلها يذهب للمجهود الحربي، وتحسن العلاقات مع الجيران، ورفع الحظر والعقوبات عن السودان. في كل هذا صدق التقرير، في إشارته. مالم يشِر إليه التقرير عند رصده للمنتفعين من السلام هو الجيش في الجانبين. وقد علمتني التجارب، منذ اتفاق أديس أبابا، أن العسكريين دوماً هم الأكثر استجابة لدواعي السلام متى توفرت أسبابه. هذا إحساس لم يفارقني إثناء مفاوضات السلام الراهنة.

    إلى جانب المنتفعين بالسلام رصد التقرير العناصر التي يحتمل أن تخرب السلام في الشمال والجنوب. فمن جانب الحكومة، أشار التقرير لغلاة الإسلاميين، والمستمسكين بالسلطة، بعضهم حباً فيها، والبعض الأخر للاحتماء بها من أية محاسبة مرتقبة. كما ذكر من جانب معارضي النظام الطامعين في السلطة من السياسيين القدامى الذين فاتهم ''قطار المكاسب'' GRAVEY TRAIN. » أما في الجنوب فقد رصد التقرير الانفصاليين الذين لا تروق لهم فكرة الانصهار الوطني الذي قد ينجم عن التطبيق الجاد للاتفاق ، والمثقفين والسياسيين الطامعين في السلطة. إلى جانب هؤلاء، أضاف التقرير أن اكبر المخاطر، في حالتي الجنوب والشمال، ستجئ من الميليشيات العسكرية إما بسبب التفلت أو التحريض. هذه أيضاً قراءة صحيحة للمشهد، ولعل المرء يرى ملامحها والاتفاق لما يكتمل بعد. ومبلغ الظن أن احتمالات التخريب السياسي في الجنوب (إن استثنينا ما قد ينجم من المليشيات العسكرية) لن تستعصى على التحييد لأنها تتعلق بطموحات سياسية لأفراد أو جماعات يمكن احتواؤها مهما كانت درجة مشروعية الطموح. أما في الشمال فيُعَوص الأمر اختلاط السياسة بالايديولوجيا من ناحية، ''وبالحق التاريخي'' في الحكم عند البعض، من ناحية أخرى.

    دعنا ننظر في الشمال إلى الشق الحاكم حيث يستشف المرء من الحملات المستترة دوماً والجهيرة في بعض الأحيان ضد الذين جنحوا للسلم من قيادات النظام وثبتوا عند ما تعاهدوا عليه، ما هو اخطر من الرغبة في تقويض الاتفاق. فأخطر من الرغبة في التقويض الرغبة عن السلام نفسه. ليس كل هؤلاء ممن عناهم الأمين العام للمؤتمر الوطني الدكتور إبراهيم احمد عمر بالشموليين في التنظيم ، فالمخربون الافتراضيون فِرَق . فريق يعرف جيداً أن الصلح خير وأن للسلام ثمناً مستحقاً إلا أنه يطمع في أن لا يكون هذا الثمن على حسابه. يقول الرواة، مثلاً، أن أحد مفاوضي الحكومة قال لوفد حزب الأمة في جيبوتي (25 نوفمبر 1999) عندما أثير موضوع المحاسبة: ''أتريدون منا أن نعطيكم حبلاً تشنقوننا به؟'' نتيجة لذلك انتهى اتفاق جيبوتي إلى النص على ما يلي : ''النظر في كافة المظالم وإنصاف المظلومين''. موقف ذلك المفاوض يعكس رد فعل طبيعي وبشري ، فقلما يُقبِل إنسان على الانتحار في سبيل آخر إرضاءً له إلا إن كان عاشقاً له ، وبه مستهاماً. ومفاوضات السلام لا تدور بين عنتر وعبلة. هذه قضية لم تشغل بال المتفاوضين طويلاً في نيفاشا إلا في إطار الحديث عن لجنة الحقيقة والمصالحة من أجل تطهير النفوس والأجواء لأن مفاوضي الحركة كانوا يعرفون جيداً أن المفاوض الذي يجلس قبالتهم لم يجلس للتوقيع على وثيقة الاستسلام. ولكن بين النظام ومعارضيه في الشمال ثارات كليب، وفي الساحة ألف مهلهل يطلب ثأره، لا في ساحة الوغى ولكن ساحة الصلح. رغم خداع النفس هذا أمر يستلزم العلاج، وأحسب أن الرئيس البشير في خطابه في العيد الخامس عشر قد أوجد للناس مخرجاً عندما قال : '' أوجه جميع أجهزة الدولة لتراجع الإجراءات الاستثنائية القائمة التي اقتضتها الضرورة ، ولما لم يكن الظلم مقصداً للدولة أو نهجا لها فإننا نعلن براءتنا من كل ظلم أو تجاوز وقع في حق أحد ونعلن التزامنا بدفع الظلم ورد الحقوق إلى أهلها متى ما ثبت الحق لهم '' . فلتكن هذه نقطة البداية للحوار فيما أسماه بروتوكول اقتسام السلطة ''عملية المصالحة الوطنية الشاملة''. وفي ظل المصالحة لا تهدف المحاسبة لإغاظة قلوب ، أو شفاء أخرى ، وإنما لإحقاق الحق ورفع الظلم حتى ينصرف الناس ، جميع الناس ، لما ينفع البلاد والعباد.

    الفريق الثاني هو فريق ''الكنكشة'' في السلطة من حيث هي سلطة. هؤلاء أمرهم عسير لأن الذين لا يهطعون إلا لداعي السلطان لن يدركوا أن رد المظالم الذي تتحدث عنه مشاكوس ، واقتسام السلطة الذي أقرته نيفاشا، سيترجمان في نهاية الأمر إلى مراكز ومواقع ، ووزارات (نعم وزارات). ما يتوجب إقحامه في رؤوس هؤلاء هو أن اتفاق السلام، على المستوى الوطني، اتفاق لا خاسر فيه، ولكن للوصول إلى ذلك لابد من أن يكون على المستوى الشخصي خاسرون. الخيار، إذن، خيار بين الخسارة الشخصية والخسارة الوطنية، بين خيرات السياسة واحتياجات الوطن. هذا امتحان لوطنية الرجال، وامتحان أيضاً لحديث مجته الإسماع عن أن المواقع تكليف لا تشريف. الفريق الثالث هو الأهم، أصحاب الإيديولوجيات الذين مقصدهم فيما يعتقدون هو الله. لقضية هؤلاء جانبان ، جانب رؤيوي، والثاني سياسي بحت. فمن الجانب الرؤيوي نحسب أنه لم يعد في عالم اليوم من يؤمن أنه من حق أي بشر، أو في مقدوره، احتكار الحقيقة، أو قسر الآخرين على الامتثال لرؤية أحادية لها، أو التظني أن يقينيات فرد أو مجموعة يمكن أن تكون هي ثوابت الأمة كلها. ولكن يبدو أن في السودان قوماً لم يسمعوا بعد بما أصاب أهل الحتميات التاريخية الميكانيكية. من أولئك دولة هي دولة لينين كانت تملك عند سقوطها ترسانة من الأسلحة النووية تكفي لتدمير العالم ست مرات. ما من عاقل أيضا يملك أن يرتهن الوطن كله لفكرة تلبسته، ثم يُدخِل الوطن بسبب من ذلك في صراع مفتعل مع الدين. ويصبح الأمر أكثر تعقيداً إن لم يكن أهل هذا الوطن ملةً واحدة، أو إن كان أهل الملة الواحدة فيه شيعاً وطوائف. في مثل هذه الحالة لا تصبح الحتميات فكراً انغلاقياً بل تتحول إلى يقينيات عدوانية. فإن كانت هناك لازمة واحدة من لوازم ممارسة الحرية الفكرية، فتلك هي حق الاختلاف. للأستاذ الراحل خالد محمد خالد مقالة في خلافه مع الشيخ حسن الهضيبي يفيد أن نستذكرها. قال: '' وُجد الوطن في التاريخ قبل أن يوجد الدين، وكل ولاء للدين لا يسبقه ولاء للوطن هو ولاء زائف وليس من روح الله ، فالوطن وعاء الدين وسناده ''. هل نقول من هنا نبدأ؟ نعم من حق الإنسان أن يضحي بروحه من أجل فكرته، ونعرف أن من أنصار النظام كما من مناصري خصومه من ضحوا بأرواحهم في سبيل ما يعتقدون. نعرف أيضاً في التاريخ من أقدم على التضحيه بابنه في سبيل الله (إبراهيم واسحق) وهو قرير العين. ولكن الوطن ليس ملكاً لأحد حتى يضحي به في سبيل ما يعتقد. الوطن لكل أهله، وينبغي أن يتسع لهم جميعاً. يتسع للمسلم وللمسيحي ولأهل المعتقدات التقليدية. وليس الدين وحده هو الذي يجمع بين المواطنين، فبين أهل السودان من يختزل الوطن كله في الهلال والمريخ، ولا يشغله سواهما. هذا أيضاً من حقه أن يستمتع بوطنه على الوجه الذي يراه. يتمنى المرء أن تكون الرسالة التي بعث بها النائب الأول في خطابه أمام مجلس التعايش الديني (3/8/2004) قد وصلت إلى الجميع. قال: ''إن محتوى الاتفاقيات يخلق واقعاً تسقط فيه الحواجز وتنفتح المسلمات ليتقارب الناس وليكتشفوا بعضهم وليؤسسوا على ما يجمع بينهم على أساس التعايش والاحترام المتبادل. إن التسامح هو خصيصة في قلب كل السودانيين، مسلمين أو مسيحيين أو أصحاب معتقدات عرفية أو على ديانة أخرى''. لو وصلت الرسالة ووعيها كل من وجهت إليهم ، قلت درجة التشاؤم .

    من الجانب السياسي، يظن المرء أن التحولات البارزة التي طرأت على العالم بعد زلزال 11 سبتمبر قد تركت أثراً على المفاهيم، لا سيما وتوابع الزلزال ما زالت تتردد، وغمامتها ما فتئت تُكدر السموات. وان كان هناك خطاً فضياً واحداً تحت تلك الغمامة فهو أنها جعلت الكثيرين يعيدون حساباتهم، ولم يكن السودان بعيدا عن هؤلاء. ولئن واتت النظام الفرصة، بسبب من هذا، ليخرج من عزلته الخانقة، ثم واتت الحركة الإسلامية الفرصة لتسترد مكانها كعنصر فاعل في السياسة الوطنية على قدم المساواة مع الآخرين أولاً بسبب الاتفاق مع أكثر معارضيها لدداً، وثانياً برضى كل أهل السودان بمن فيهم من اقتلعت منهم السلطة، أو لا يرى المعاندون في هذا مكسباً للتوجه الإسلامي ؟ ثم أو لم يفطنوا بعد إلى أن الاستئثار بالسلطة، أو أن شئت التمكين المطلق فيها، قد حول السلطة إلى طيلسان مسموم؟ لقد أجاد د. الطيب زين العابدين عند ما دعي لتشكيل '' كتلة إسلامية مؤثرة واعية من قلب النظام تنبذ الأوهام وتعقل الحقائق الكبرى المحدقة بالوطن وتدرك أن الجبهة الداخلية لا تبني بلا استحقاقات غالية ينبغي أن تدفع''. أن تفكيك الإنقاذ لا يعني نهاية الدين في السودان بل، حسب رأيه، ''يصح القول أن استمرار الإنقاذ بحالتها الراهنة فيه إضعاف للدين في السودان''. (الصحافة 15/8/2004). هذا رأي جدير بالاستماع ، وقد خاطر من استغنى برأيه. ومقال د. الطيب فيه استلهام لأدب أهل التصوف، قال الجنيد: ''أتخذ لنفسك مرآتين، أنظر في أحدهما عيب نفسك، وفي الثانية محاسن الناس''.

    نجئ على مخربي السلام من الجانب الآخر أي على الذين مَعَضتهم ثنائية الاتفاق. الامتعاض من الاتفاق الثنائي شعور طبيعي، لاسيما وقد ذهب الاتفاق بعيداً، ولربما أبعد بكثير مما ظن الطرفان عندما جلسا للتفاوض. فالاتفاق يمثل أعادة صياغة كاملة للسودان: سياسياً وإدارياً واقتصادياً، وبهذا هو عودة بالقطر لمنصة التأسيس back to the drawing-board). ) ورغم أن في ذلك العود خير لأنه خاطب المشاكل التي ظلت تؤرق البلاد منذ الاستقلال، إلا أن اتفاقاً كهذا لن تكتب له الديمومة إن لم تشارك في صوغه كل القوى السودانية، السياسية والاجتماعية. في هذا لا خلاف بين طرفي الاتفاق كما أكدا بعد توقيعه، وها هو الحوار سيبدأ بين التجمع والحكومة غداً، وبمشاركة من الحركة الشعبية، باعتبارها عضواً أصيلا في التجمع. وبدهي أن يكون الحوار بُناءً على ما تم، لا نقضاً له، كما ينبغي أن يتسع ليشمل أطرافاً أخرى غابت عنه مثل حزب الأمة. هذا هو الطريق الأوفق، وليس الدعوة لقيام منابر جديدة للحوار، أو السعي لإغراق اتفاقيات السلام في قضايا أخرى، إلا إن كانت الغاية هي إرضاء الخيلاء الشخصية. وعلى وجه التحديد لن يكون هناك تراجع في أساسيات الاتفاق: وضع الجنوب، وضع المناطق المهمشة، اللامركزية وسلطة الولايات، أسس اقتسام الثروة وضرورة ضبط توزيعها، إعلان الحقوق واستغلال القضاء وسيادة حكم القانون، العاصمة، الدستور والقوانين إلا فيما ستتوافق عليه الأطراف في المؤتمر القومي الدستوري. ولئن قال قائل ان في هذا إجحاف بحق الآخرين يكون مخطئاً، فما إشادة التجمع بالاتفاق لأنه خاطب جذور الأزمة إلا لأنه تناول هذه القضايا بالذات وتوصل إلى حلول بشأنها. وقد بقيت تلك المشاكل إما لأنها استعصت على الحل، أو لأنها لم تكن تحتل المكان اللائق بها في هرم الأولويات، أو لأي سبب آخر. وكما يقول هيجل حتى الأحداث اللاعقلانية في التاريخ هي عقلانية، لأنها تصدر عن سبب موضوعي. ولكن إن ظن البعض، بعد كل الذي تحقق في ساحة السلام، أن لليلى المريضة بالعراق طبيباً مداوياً واحداً لا بد من إخضاعها لتطبيبه حتى وان أبلت الفتاة من دائها، فذلك أمر يتعسر عقله. ولعله تعبير عن الظاهرة التي أسلفت الإشارة إليها: ظاهرة الطبيب الذي أصبح عند فئة من السودانيين أهم من المريض.

    ما الذي ينبغي، إذن، أن يكون محط الاهتمام من جانب الذين لم يشاركوا في صوغ اتفاقيات السلام؟ الاتفاقيات، في جوهرها،هي خارطة طريق لتحول ديمقراطي يبدأ ببداية الفترة قبل الانتقالية، وينتهي بإجراء الانتخابات في بداية النصف الثاني من تلك الفترة. ومنذ مشاكوس أقر الطرفان تكوين لجنة قومية لمراجعة الدستور خلال الفترة الانتقالية واجبها الأساس وضع إطار دستوري وقانوني. هذا النص طور في بروتوكول اقتسام السلطة ليتحدث عن إنشاء لجنة قومية لمراجعة الدستور تتكون من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وممثلين للقوى السياسية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني حسبما يتفق عليه الطرفان ، وعلى هذه اللجنة أن تكمل واجبها في خلال ستة أسابيع من إنشائها. لهذا، يصبح من أولى المهام التي يتوجب حسمها بين طرفي الاتفاق والقوى السياسية الأخرى في الحوار المرتقب مع التجمع التواطؤ على كيفية تشكيل هذه اللجنة. ويوجه البروتوكول أن تعتمد اللجنة في إعدادها للإطار الدستوري الجديد على اتفاقية السلام والدستور القائم مع الاستفادة من أي تجارب ووثائق متلازمة يطرحها الطرفان '' .

    اعتماد الاتفاق والدستور القائم كوثيقتين أساسيتين لعمل اللجنة صحبه تمحك من جانب البعض في الشمال، ربما لما فيه من مظنة الاعتراف بذلك الدستور، رغم ما يتيحه الاتفاق للجنة من فرص للاستفادة من أي وثائق أخرى. هذا محك لا معنى له ، بل هو مغالطة . فالنظام الذي يفاوض التجمع يحكم بهذا الدستور ويحتكم إليه. واتفاق السلام عندما يكتمل سيقره المجلس الوطني وهو مجلس قائم على هذا الدستور، بل أن الدستور الذي ستضعه اللجنة لن يصبح دستوراً للسودان إلا بعد إقراره من جانب المجلس الوطني، والمجلس الوطني للحركة. هذا النوع من المحك يدعو للتشاؤم لما فيه من عجز عن التمييز بين الشجيرات والأكمة. أنا من الناقدين لهذا الدستور وقد أوسعته نقداً في ما كتبت، ومنه هذه المقالات.

    بيد أنا جميعاً، حكومة ومعارضة، نسعى للعبور لمرحلة جديدة، فبماذا يفيد شق الشعيرات؟



                  

العنوان الكاتب Date
أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد ahmed haneen08-25-04, 02:21 AM
  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد ahmed haneen08-25-04, 02:04 PM
  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد تولوس08-25-04, 07:14 PM
    Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد حبيب نورة08-25-04, 07:25 PM
      Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد تولوس08-25-04, 07:35 PM
  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد ahmed haneen08-25-04, 09:53 PM
    Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد تولوس08-26-04, 05:30 AM
  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد ahmed haneen08-26-04, 09:30 AM
    Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة08-26-04, 02:50 PM
      Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد تولوس08-26-04, 03:10 PM
      Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-26-04, 03:11 PM
        Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد تولوس08-26-04, 03:25 PM
          Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة08-27-04, 07:39 AM
            Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-27-04, 08:49 AM
              Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد تولوس08-27-04, 09:31 AM
                Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد ahmed haneen08-27-04, 09:59 AM
                  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة08-27-04, 10:46 AM
  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد ahmed haneen08-27-04, 12:31 PM
    Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-27-04, 01:12 PM
  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد ahmed haneen08-27-04, 01:28 PM
    Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-27-04, 02:25 PM
  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-27-04, 03:08 PM
    Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد تولوس08-27-04, 08:00 PM
      Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة08-28-04, 01:11 AM
      Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-28-04, 07:02 AM
  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد ahmed haneen08-28-04, 01:50 AM
    Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-28-04, 06:51 AM
  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد ahmed haneen08-28-04, 09:29 AM
    Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة08-28-04, 12:34 PM
      Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة08-28-04, 12:54 PM
    Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-28-04, 05:42 PM
      Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة08-30-04, 01:57 AM
        Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-30-04, 02:28 AM
          Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-30-04, 10:15 AM
            Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة08-31-04, 00:02 AM
              Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-31-04, 02:02 AM
                Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة08-31-04, 10:49 AM
                  Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف08-31-04, 12:11 PM
                    Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة09-01-04, 10:34 AM
                      Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد برير اسماعيل يوسف09-01-04, 03:00 PM
                        Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة09-02-04, 02:57 AM
                          Re: أمتفائل أنت؟ لا، أنا متشائل /المقال العاشر ..د. منصور خالد محمد حسن العمدة12-02-04, 07:29 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de