الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
اختطاف الندوات - محمد ابراهيم الشوش
|
نقلا عن جريدة الرأي العام عدد السبت 21/8
محمد ابراهيم الشوش اختطاف الندوات عندما اتصلت بي السيدة الجليلة هويدا صلاح الدين العتباني لاكون رئيسا لندوة يقيمها مركز السلام والتنمية بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم مساء الاربعاء 18/8/2004م لمناقشة قضية دارفور وتداعيات التدخل الاجنبي قابلت ذلك بترحاب ينم عن طيبة وسذاجة مطلقة. فقضية دارفور قضية ساخنة وهي الاولى بالبحث والتقصي والتوعية والتدخل الاجنبي بغرض اضعاف السودان وجيشه في وجه مؤامرة مدبرة، امر في نظري واقع لا محالة بصرف النظر عما تفعله الحكومة أو تقدر عليه أو تعد به وانما هي لعبة سياسية معلومة الخطوات والنتائج تبدأ بتقرير متهافت لرجل لم يعد نزيها أو محايداً جعله القدر في اسوأ الظروف العالمية وتدهور المثل الاخلاقية امينا عاما للامم المتحدة يؤكد لزوم الظهور بالحيدة بوجود تقدم ضئيل في بعض الجوانب الانسانية ولكنه ينعي تباطؤ الحكومة وعدم جديتها في نزع سلاح الجنجويد أو بسط الامن لعودة النازحين «الذين لا يجدون سببا معقولا لترك معسكرات يتوفر فيها الطعام والماء والمأوى لعودة لقرى خالية ينعق البوم في انحائها» مع الاشارة لهجمات حكومية جاءت ردا عشوائيا لتحرشات المتمردين ومحاولات حكومية لتعويق انشطة جمعيات الغوث التي تتضمن عضويتها بعض الجواسيس المتمردين وتجار السلاح وطلائع التآمر.
وسيشير التقرير الى تدهور الاوضاع بسبب هجمات الجنجويد وغارات الحكومة وهطول الامطار وستسارع الولايات المتحدة وحليفاتها الاوربيات وتابعاتها الافريقيات الى اعتبار ذلك انتهاكاً للقرار 1556 ومن ثم المطالبة بتوقيع بعض العقوبات. وسترتفع بعض الاصوات منها الباكستان والصين وربما الجزائر خجلا للمطالبة باعطاء السودان فرصة اخرى. وستبدي الولايات المتحدة مرونة توافق على ذلك لا امتثالا لرغبة احد ففي عهد بوش لم تعد امريكا تهتم باحد وانما لان اتفاقية السلام لم توقع بعد في مرحلتها النهائية وليس من الحكمة تعكير المياه بل الانتظار لتوقيع العقوبات على مهل بعد ان يتوهط قرنق ويستتب له الامر في الجنوب ويتفرغ لاشعال النيران في دارفور وارض البجة والنوبة.
ذلك في نظري سيناريو لا مهرب منه ولهذا لم يكن غريبا ان ارحب برئاسة ندوة تدق طبول معركة والناس نيام علها توقظ نائما أو تثنيه غافلا والذكرى تنفع المؤمنين ولقد سعدت اكثر ان هذا الموضوع هو ايضا محل مناقشة في نفس المساء والساعة في الجانب الآخر من النيل في جامعة القرآن الكريم والدراسات الاسلامية بام درمان. وقلت في نفسي سبحان الله السودانيون اما يصمتون أو يتحدثون في آن واحد وبأكثر من لسان. وذلك شأنهم في التجارة والصناعة لا تخلو لهم صنعة أو تجارة الا اذا قام بها احدهم حينئذ ينكبون عليها ويصيبهم ما يتمنونه دائما «الموت مع الجماعة».
وكانت بداية البشرى استقبال مدير المركز الدكتور ابندقو اكوك الذي لا تحس معه بوجود هوة من التهميش ومشاعر الغبن تفصلك عنه.
وتعزز تفاؤلي وانا ارى امامي جمعا غفيرا من الشباب المتحفز المتوثب واغلبهم من الجامعة الام التي بعثت الروح الوطنية وقاومت حركة التحرر والاستنارة.
كانوا يملأون القاعة ويتمددون في الممرات والبلكونة المطلة عليها.
واحسست - يا لتعاستي وسذاجتي وقلة خبرتي- بكثير من الغبطة والسعادة فقد كنا من قبل مجتمع الناس بجهد جهيد وها هم يأتون حشدا طوعيا للاستماع لقضية تهمهم وتهم وطنهم. وقلت في نفسي قد تنذر السماء بالغيوم وقد تهب الاعاصير ولكن السودان- الذي يهتم زهرة ابنائه لقضيته- لا يزال بخير.
وتضافرت جهود كل من المتحدثين الثلاثة استاذ العلوم السياسية الدكتور عوض السيد الكرسني والفريق اول ابراهيم سليمان القائد والوزير والوالي السابق لدارفور والكاتب والمحلل السياسي ابن دارفور عبدالله ادم خاطر، كل من وجهة نظره وخلاصة تجربته في اعطاء صورة للوضع في دارفور مع انعكاسات الاحداث التاريخية والصراعات الدولية والتحالفات القبلية عبر الحقب. ثم عرجوا من ذلك الى حلول بعضها سهل التحقيق وبعضها عسير ولكنها تستثير الخيال وتتطلب المساهمة الواعية لتطويرها وتنقيحها. ولكن ذلك كله لم يفلح في تحريك الجموع التي لم يأت اغلبها اصلا للاستماع لقضية دارفور او سعيا لايجاد حلول لها. جاءوا وقلوبهم مفعمة باشياء اخرى ومشاعر ليست دارفور الا منطلقا لها.
لم تدب الحياة في القاعة ولم يعل الت######## والاستحسان الا حين تطرق الامر الى قضايا التهميش والظلم وفساد الحكم وصراع السلطة.. حتى التدخل الامريكي قوبل بالفرحة والت######## وبلغ العجب به ان تمنى احد المتحدثين الغاضبين الا يقف عند الفاشر بل يكتسح الخرطوم ايضا. واختطفت الندوة التي لم تكن اصلا ندوة بل ليلة سياسية تتخذ من الندوة شعارا وواجهة. وفلت الامر من يدي لم يعد السماح بالكلام يأتي من الرئيس بل من اصوات داخلية معبأة سلفا.
ادركت حينئذ ان كل ذلك التحفز والحضور لم يكن من اجل قضية دارفور أو تهديد التدخل الاجنبي وانما هي ليلة سياسية تعلقت باشعار الندوة ثم مزقتها اربا ونحن رئيسا ومتحدثين ومناقشين مجرد ديكور أو مقدمة للمناسبة الحقيقية وادركت ايضا لماذا تحولت مراكز البحوث والدراسات التي طالما نادينا بها الى منابر لندوات ملأت كل الاندية والمراكز والقاعات والجامعات ولماذا تحظى على كثرتها بهذه الحشود التي لاتكل ولا تمل.
وفي طريق العودة الى المنزل احسست بالم عظيم وتحول التفاؤل عندي الى تشاؤم وشعور عميق بالاسى على مصير بلد يواجه مخططا شريرا خطيرا بدأ تنفيذه بالفعل وهو مخطط يرمي الى تفتيت السودان واضعافه واثارة الفتن والفوضى في اركانه. ويواجه اطماعا دولية، وبعض اهله مشغولون بحزازاتهم واحقادهم وثاراتهم واجندتهم السياسية. هؤلاء اسوأ حالا من اهل بيزنطة فقد انشغل اهل بيزنطة بقضية فلسفية قد لا ترقى لخطورة الموقف ولكنهم لم يصفقوا لجنود الغزو التي تقف خارج اسوارهم.
ومهمة مراكز البحوث والدراسات ـ زادها الله كثرة- ان تتوقف عن هذه الندوات التي لا تخدم غرضا غير ان تكون مطية لخدمة اهداف حزبية وعنصرية وشخصية، وان ننصرف الى البحث والتقصي العلمي الذي ينير الطريق لهذا البلد المتخبط والا فان طريق الندوات سيؤدي حتما الى تحرك فئات اخرى مضادة وتدخل الاسياخ والعصي كما دخلت من قبل حرم الجامعة الام. وتكون هذه المراكز قد اسهمت لا في اضاءة الطريق واشاعة السلام بل في اضرام المعارك. وكان الله في عون السودان.
|
|
|
|
|
|
|
|
|