نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 00:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-23-2004, 03:42 PM

Hani Abuelgasim
<aHani Abuelgasim
تاريخ التسجيل: 10-26-2003
مجموع المشاركات: 1103

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . (Re: محمد عبدالقادر سبيل)

    في نقد خطاب السودان الجديد (1)
    الاستعلاء و الاستعلاء معكوسا
    مناقشة أطروحة الشاعر عالم عباس عن الاضطهاد الثقافي
    في ثقافة المركز و الهامش--غرب السودان نموذجا

    الشقيق .. بابكر فيصل بابكر/كلورادو [email protected]

    تقديم أول:-
    (التناقض الرئيسي في السودان في نظر قرنق هو عرقي. و المتهم فيه هو الدولة العربية الأسلامية. و ليس في مشروعه هذا نظر ألي عرب مسلمين مغلوبين من دولتهم المزعومة)) (1)
    عبد الله علي أبراهيم
    ((لا بد من التفريق بين الحكومة القائمة اليوم في الخرطوم و الزائلة غدا و بين السودان الوطن. و ادراكا لهذه المسافة, فنحن لا ندافع عن الحكومة السودانية بل ندين بشدة حملاتها العسكرية و ما ارتكبت من انتهاكات لحقوق الانسان على نطاق السودان كله و في دارفور بشكل أخص, و بنفس القوة نرفض دمغ ما يجري هناك بحسبانه تطهيرا عرقيا, لأن التوصيف بهذا المعنى, أن العرق العربي يرفض الأفريقي حتى لو كان على ملته و يسعى لأبادته و استئصاله, و تلك تعتبر فرية تنطوي على خطر كبير)) (2)
    محمد الحسن أحمد
    ((أولا أنا ضد شعار السودان الجديد تماما لأنه شعار سياسي و ليس بناء آيدولوجيا متكاملا و ليس لهذا الشعار رؤية أو برنامج شامل وما يجعلني انتقل من حالة الضدية له لحالة التأهب للدفاع عن عروبتي أن تجلياته الراهنه تستهدف الكيان العربي بشكل واضح لدرجة أن مشايعيه يتوسلون بالكمبو و المولد في جوبا و البحث عن جذر أفريقي في شجرة نسبهم بما يشير بأن الأنضواء اليه يتطلب جذرا أفريقيا, لم أقرأ طوال السنوات العشر الماضية و هي عمر هذا الشعار عن برنامج للتأصيل الثقافي أو النظر الاقتصادي أو أنماط البناء في شعار السودان الجديد و في المقابل قرأت الكثير من الآهات و الانفعالات و الغضب بما جعلني أستوثق أنه زبد ستحمل أمواج البحر لججه جفاء)) (3)
    محمد محمد خير
    ((أننا لا نشك مطلقا في أن جماعات جنوبية كثيرة في (الحركة الشعبية) و في (خرطوم مونيتور) و غيرهما مناضلون و لهم قضية و يؤثرون في ذهنية أقسام و قطاعات واسعة من الانتلجنسيا الجنوبية. لكننا, في هذه الناحية, نختلف معهم, يقينا, في الفكر و في تصور طبيعة القضية, و في المنهج النضالي الذي يتبعونه و من ثم في قيمة الوعي الذي يروجون له. فثمة فرق شاسع بين الوعي بالدور التدميري الذي لعبه تاريخيا تيار الاستعلاء (السلطوى/التفكيكي) و سط الجماعة المستعربة المسلمة, و بين الدعوة لتدمير ثقافة و لغة هذه الجماعة ذاتها, أي وجودها أصلا. و لئن كان ثمة تيار ديموقراطي (عقلاني / توحيدي) وسط هذه الجماعة, يبغض الاستعلاء, و يستشعر خطره, فيناصبه العداء, و يتصدى لحرية من داخل ثقافة الجماعة, دفاعا في المقام الأول عنها, و تبرئة لذمتها, و تنقية لها من هذه الشبه التاريخية, و ذلك باب في النضال لو تعلمون عظيم, فمن الوهم تصور أن هذا التيار الديموقراطي نفسه يمكن أن يقبل بممارسة الاستعلاء المضاد على هذه الجماعة بل و الى حد الدعوة لمحو هويتها من الوجود السوداني حلا للمشكلة! هذا أمر لا يستقيم عقلا, و لا يعقل منطقا و لا يخوض فيه غير داعية لفتنة جديدة أو متجانف لهلكة أخري (4)
    كمال الجزولي
    أقام تنظيم جديد يسمي كيان الشمال الثلاثاء الماضي ندوة حاشدة في قاعة الشارقة المجاورة لجامعة الخرطوم, و هي أعرق الجامعات السودانية, تحدث خلالها بعض قادة التنظيم مطالبين أن لا يقتصر الاستفتاء الذي يفترض تنظيمه بعد ست سنوات على الجنوب و قالوا أن الشمال لابد أن يستشار في الأمر و أن الشماليين يرغبون بدورهم بالتخلص و ألى يوم القيامة من أعباء الجنوب وابتزازه. و لأول مرة في تاريخ السودان يقتصر تنظيم سياسي في عضويته على القبائل السودانية التي تعيش شمال الخرطوم و أبرزها قبائل الجعليين و الشايقيين و الرباطاب و الدناقلة و المحس و الحلفاويين(5
    صحيفة ايلاف الالكترونية
    تقديم ثان:-
    أخذ شعار السودان الجديد يزداد انتشارا و يجد المزيد من المدافعين عنه في السنوات العشر الأخيرة لأسباب عديدة لعل أهمها تفاقم الأزمة الوطنية و الأنهيار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الحروب الداخلية التي لا نجد مثيلها الا في فترة حكم الخليفة التعايشى أخريات القرن التاسع عشر. و على الرغم من أن شعار السودان الجديد الذي تبنته الحركة الشعبية لتحرير السودان و قائدها الدكتور جون قرنق لم يرد في نصوص المانفستو التأسيسي الذي اصدرته الحركة عام 1983 , الا أنه اصبح "اليافطة" التي يرفعها كل من يعتقد أن ازمة السودان هي في الاصل أزمة الصفوة الشمالية التي حكمت في مرحلة ما بعد الاستقلال.
    و قد تبنت العديد من النخب الشمالية هذا الشعار و سارت في الدفاع عنه خطوات بعيدة ابتدأت بالانتماءات الفردية للحركة الشعبية و اصدار الدراسات و الابحاث و المقالات السياسية و الدعوة في المنابر العامة و انتهت بالاندماجات داخل الحركة الشعبية من قبل حركات سياسية بأكملها مثلما فعل تنظيم التحالف و قواته.
    و من المهم هنا أن نشير الى أن هذا الشعار لم يتطور ليصبح بناء فكريا متكاملا تنيثق منه برامج سياسية واضحة المعالم, بل اكتفى باطلاق مفردات و مقولات من مثال "المركز" و "الهامش" و "الاضطهاد" و "الاستعلاء" يتم استخدامها من قبل هذه النخب دون قراءة منهجية و ضبط علمي بل من أجل التوظيف السياسي, و أضرب مثالا على هذا التخبط المفاهيمي بتعريف مفهوم "الشمال" الذي يتبناه هذا الخطاب و الذي يكاد يختلف حوله دعاة السودان الجديد أختلافا يصل حد التعارض. فقد جاء في الفقرة السادسة من الفصل الاول لما لمانفستو الحركة الشعبية أن لفظة الشمال و بهذا المفهوم تضم مديرية الخرطوم و مديرية النيل الازرق القديمة, و لا تضم ايا من المناطق الاخرى في شمال السودان (6)
    و بينما لا يتعدى هذا الشمال مديرية الخرطوم و النيل الأزرق القديمة بحسب المانفستو نجده في كتابات البعض من دعاة ذات الخطاب يعني كل الشمال النيلي و الأوسط بل و يتوسع عندهم مفهوم الشمال ليضم شرق السودان و غربه و عند البعض الآخر يعني كل ما هو عربي و مسلم.
    لقد استشعرت العديد من النخب الفكرية تناقضات شعار السودان الجديد و ما ينطوي عليه من تزييف و تعمية ذات محمول مشوه يهدف الى استئصال كل ما يمت للثقافة العربية الاسلامية بصلة, و ليس مستغربا أن تضم هذه النخب المفكرة عناصر من جميع الوان الطيف الفكري و السياسي من أقصى اليسار الى أقصى اليمين بما يوحي بأن شعار السودان الجديد أنما يعني في حقيقته أستهداف أركان الثقافة العربية الاسلامية في السودان.
    كنت قد نشرت العديد من المقالات تهدف الى تحليل و نقد شعار السودان الجديد كان آخرها بعنوان: ملاحظات حول خطاب السودان الجديد من وحي قراءة كتاب حرب أيما للكاتبة الأمريكية دبرا سكروغنغ. و اليوم أقوم بنشر هذا المقال المطول الذي يناقش الورقة التي قدمها الشاعر "عالم عباس" في ندوة الثقافة و التنمية التي أقامها مركز الدراسات السودانية في العام 1999م بالقاهرة, و كنت قد نشرت المقال في حلقات على صفحات صحيفة الصحافة و رأيت أن أعيد نشره كما هو حيث خلصت فيه الى أن الهجوم على أهل المركز كما يسميهم عالم عباس دون النظرالى جذور المشكل بعمق و خلع رداء الآيدولوجيا لن يؤدي في خاتمة المطاف الا الى ردود فعل متطرفة في هذا المركز و هو ما حدث بقيام تنظيم "كيان الشمال" الذي يدعو الى الانفصال علانية.
    المقال الثاني الذي سأقوم بنشره على صفحات "سودانايل" الغراء هو دراسة تحليلية لما نفستو الحركة الشعبية: البدايات و المآلات ثم أختتم هذه الثلاثية بدراسة مطولة لمقال الأخ محمد جلال محمد هاشم يكون أو لا يكون: السودان في مفترق الطرق و هي دراسة باللغة الأنجليزية أعمل حاليا على ترجمتها.




    الأستعلاء و الأستعلاء معكوسا
    مناقشة أطروحة الشاعر عالم عباس عن الأضطهاد الثقافي
    في ثقافة المركز و الهامش--غرب السودان نموذجا
    على سبيل التوطئة:
    البواخر مخرت عرض النيل أول مرة تحمل المدافع لا الخبز, و سكك الحديد انشئت أصلا لنقل الجنود. و قد أنشأوا المدارس ليعلمونا كيف نقول "نعم" بلغتهم. أنهم جلبوا الينا جرثومة العنف الأوروبي الأكبر الذي لم يشهد العالم مثيله في السوم و في فردان, جرثومة مرض فتاك أصابهم منذ أكثر من ألف عام, نعم يا سادتي, انني قد جئتكم غازيا في عقر داركم قطرة من السم الذي حقنتم به شرايين التاريخ (7)
    عندما قال مصطفى سعيد هذه الكلمات في المحكمة كان يصور صدمة الحداثة الثانية التي تلقيناها مع جيوش الفتح الانجليزية و كنا قبلها قد تلقينا الصدمة الأولى--بطريقة غير مباشرة--بواسطة مشروع محمد علي باشا النهضوي في مطلع القرن التاسع عشر, و في كلتا الحالتين كان الشمال هو البوابة التي عبر عن طريقها مشروع التحديث, و كان قدر أهل الشمال أن تشهد أرضهم هذه التحولات قبل الاجزاء الأخرى من الوطن, فمع الفتح التركي المصري عرف الشمال و الوسط أساليب الأدارة الحديثة و التعليم المدني العصري, و مع الفتح الانجليزي جاءت البواخر و سكك الحديد و قامت المشاريع الزراعية و مشروعات الري و أنشئت دواوين الحكم و فتحت دور التعليم العصري العليا. و يحكم موقعه فقد تضافرت فيه عوامل جغرافية و حضارية و بيئية جعلته ينال الحظ الأوفر في الاستقرار الأمر الذي حمل انسانه أعباء تفوق أعباء انسان الأطراف الاخرى من الوطن، و من ثم كان الانتشار الواسع لأبناء النيل الاوسط و الشمالي في كل مناطق البلاد و اقاليمها بأسباب التجارة أو العمل في دولاب الدولة، وفي مرحلة الحكم الوطنى التي أعقبت خروج المستعمر و بحكم العوامل السابقة مضافا إليهاالحراك الاجتماعى الناتج من التعليم و التجارة و الإرتباط بالمدن و من ثم المشاركة الفعالة في قيادة الحركة الوطنية، نال أبناء الشمال الحظ الاكبر من المشاركة في السلطة مقارنة مع ابناء المناطق الأخرى.
    والأن و بعد مرور قرابة النصف قرن من الزمان تبدى فشل مشروع الحكم الوطني في إنجاز الوجه الآخر للإستقلال السياسي و هو الإستقلال الاقتصادي و التطور الاجتماعي (التنمية) و في ترسيخ أسس التكامل الوطنى المستند على إطار ثقافي يحافظ على وحدة الوطن في محيط التنوع العرقي و الجغرافي و البيئي.
    و مثلما كان لأبناء الشمال النصيب الأوفر من المشاركة في السلطة فأنهم يتحملون بالقدر الأكبر المسؤلية في فشل هذا المشروع الوطنى و لكن ذلك لا يعني براءة أبناء المناطق الأخرى من المشاركة في الفشل بدرجة من الدرجات إذ كانت لهم مشاركة كبيرة في السلطة خصوصا في ظل الفترات الشمولية التي حظيت بالحيز الزمني الأكبر في حكم الوطن.
    و لما كانت قضيتا الثقافة و التنمية هما جوهر المشكل الوطني الذي تجلى في التدهور الذي تعيشه بلادنا على كافة الأصعدة و تهدد بتفكك القطر إلى دويلات صغيرة فقد ظهرت أصوات تحمل أبناء النيل الأوسط و الشمالي كل المسؤلية في فشل المشروع الوطنى, و قد إتخذت هذه الدعوة صورة البحوث العلمية و المقالات السياسية و الندوات الثقافية و ليس في ذلك ما يعيب اذا ما توخت الصدق في القول و التحليل و التعمق في البحث بعيدا عن إسقاطات و تأثيرات الانتماء للجهة أو المرارات الخاصة إذ أن مشكلة الوطن قد بلغت مدى يهدد بانسرابه من بين أيادي بنيه و حينها لن يجدي التلاوم و القتل رميا بالاتهامات.
    و من بين هذه الدراسات ماكتبه الشاعر المبدع عالم عباس عن الاضطهاد الثقافي في ثقافة المركز و ثقافة الهامش--غرب السودان نموذجا, حيث صب جام غضبه على أهل الشمال و كتب في هذه الدراسة محاور عديدة لم يخل أي منها من التشكيك في وطنيتهم و "استعلائهم" و "عجرفتهم" و "عقدهم" و "فقرهم الثقافي" , و لم يترك لهم جنبا يستندوا عليه الا و رماهم فيه بسهم من كنانتة الغاضبة. إن هذه الدراسة إحتوت في رأينا كثيرا من التبسيط و التسطيح في التناول إضافة لمجافات حقائق التاريخ في كثير من القضايا مع التجني غير المبرر على أبناء الوسط و الشمال و قد رأينا أن نتناولها بالنقاش الهادئ الهادف لتجنيب بلادنا كثيرا من دعاوى الجاهلية والعصبية التى لن تزيد المشاكل إلا تعقيدا يضاف لتعقيداتها الماثلة، ونأمل ان تكون مناقشتنا هذه مساهمة في إثراء الحوار الجاد بين أبناء الوطن الواحد.
    بؤس المصطلح واعوجاج المنهج :-
    نتفق مع الجعلي ( في انه قد يكون مفيدا ان تتوقف النخب المثقفة عموما عند الحديث عن" المركز" و"الهامش" ، لأن الدلالات المباشرة لهاتين المفردتين معروفتان على المستوى الإقتصادي فهل تنسحب ذات الدلالات على الصعيد الثقافي ؟
    إن استلاف المصطلح من نظريات الإقتصاديين الماركسيين الجدد أمثال سمير أمين وإسقاطه على التحليل الثقافي يمثل خلطا في المفاهيم والتطبيقات المنهجية، فإذا كان المركز هو الوسط النيلي و شمال السودان فما هي الهوامش ؟ هل هي الغرب الكبير (كردفان و دارفور) وشرق السودان و الجنوب ؟ أم هل هي مركزية الثقافة العربية الإسلامية في مقابل هامشية الثقافات الأخرى ؟ وهل توجد مراكز داخل المركز و هوامش داخل الهامش تتأسس على الخط الثقافي المشترك ؟ و بمعنى آخر هل تمثل القبائل العربية في كردوفان و دارفور مركزا في مقابل القبائل الزنجية ؟ أم هي في الهامش من المركز الذي تمثله قبائل الوسط و الشمال ؟ و ماذا تمثل نظرة الجميع للجنوب ؟إن طرح الاسئلة بهذه الطريقة المباشرة يساعد في كشف الضعف الذي تنطوي عليه مقولات المركز و الهامش، فإذا كان عالم عباس ينعي على" أولاد البلد" نظرتهم الاستعلائية لأهل الغرب فها هم مثقفو الجنوب لايفرقون بين غرب ووسط، إنه إستعلاء الثقافة العربية الأسلامية في نظرهم !! وهاهم حتى أبناء النوبة الشمالية( المركز ) يتحدثون عن تهميشهم من قبل أبناء البلد.
    إن ضعف المنهج ليتبدى واضحا في الانتقائية التي يمارسها "عالم " عندما يحاول الأيحاء بأن الصورة الدموية والانشاء الذهني السلبي للخليفة عبد الله و كأنها من صنع أهل "دار صباح" وبسبب دوافع الغيرة السياسية فقط، فماذا عن مواقف أهل غرب السودان أنفسهم من الخليفة و نعني قبائل دارفور و كردوفان و نضرب مثلا بقبيلة الكبابيش و التي هي بالضرورة ليست من قبائل الشمال النيلي في إصطلاح "عالم" و لكنها بالقطع تمثل الشمال العربي المسلم في ذهبية بعض اهل الهامش (الجنوب).
    لقد دخل السياسي على الثقافي في المنهج الذي تعامل به "عالم" مع قضية الأستعلاء للدرجة التي اختلط فبها تحليله و أظهر ضعفا بائنا في تماسك "مداميكه" و المثال الواضح لهذا الخلط هو إشارته لحوادث. يوليو 1976 حيث يقول : (( و هكذا ذالت القشرة الرقيقة فبدت سوءة العنصرية و الشعوبية كأقبح ما تكون ...وليست هذه مسألة عارضة فلعلنا نذكر بالأمس القريب حوادث يوليو 76 فقد سموا تلك الحركة المسلحة بالغزو الاجنبي و بالمرتزقة؟ بل انكروا إنتماءهم للسودان))
    إن محاولة "عالم" إسقاط الدعاية الاعلامية التي مارسها جهاز السلطة المايوي خلال أحداث يوليو 76 على أهل "دارصباح" للدرجة التي يتماهي فيها عقل "أولاد البلد" مع السلطوى و الحكومى فيه كثير من التعسف حتى إذا افترضنا أن تركيبة السلطة في ذلك الوقت كانت جزءا من عقلية "أولاد البلاد"، فنظام البشير الحاكم في السودان اليوم و الذي ينظر إليه باعتباره ممثلا لقمة الاستعلاء العربي الاسلامي أستخدم ميكانيزم الاعلام السلطوي للتشكيك في المعارضة(التجمع الوطنى) و التي يمثل ثقلها أبناء "دار صباح"، حيث لم تخل أي إشارة اليهم من عبارات الارتزاق و العمالة و الخيانة!
    إن دخول السياسي على الثقافي لم يضر بالسياسي فقط و إنما أضر بالثقافي أيضا حيث قعد به عن دوره في البحث و التنقيب عن سبل التواصل لا البحث عن المسوغات السياسية للتباين و المبنى على الملاحظة السياسية لا البحث الثقافي المتعمق(9).
    لم يقتصر اعوجاج المنهج على الاجتزاء و الانتقائية بل تعدى ذلك إلى "التمويه" و عدم تناول الحديث في سياقة الذي ذكر فيه فنجده يقتبس من محمد أبو القاسم حاج حمد قوله:
    ((ثم جاءت الثورة المهدية التي حكم فترتها الخليفة عبدالله 1885 -1898 م وهذه الفترة شهدت انهيارا إقتصاديا، مجاعة سنة ستة، شهدت صراعا أقليميا بين أولاد البحر و أولاد الغرب، شهدت مواجهات دولية حيث دخلت بلجيكا، و المانيا، و كادت ايطاليا تجتاح الشرق))
    يعلق "عالم" على الفقرة أعلاه قائلا:
    ((هذا التلخيص لفترة المهدية لم يكتبه كتشنر أو سلاطين باشا، و إنما إبن من أولاد البلد))
    إن عنصر التمويه في تعليق "عالم" - وهو أحد ادوات التحيز الآيدولوجي- يكمن في قوله أن هذا هوالتلخيص لفترة المهدية ، فإذا أردنا نقاش الفقرة المقتبسة على أرضية الواقع نجد ها تتحدث عن حقائق تاريخية لايطالها الشك فقد شهدت فترة المهدية كل الاحداث المزكورة ولكن محاولة إيهام القارئ بأن هذا هو تلخيص لتك الفترة فيه كثيرا من التحيز و هنا يتجلى التمويه الذي يهدف للتشكيك في الكاتب بحيث تبدو رؤيته للمهدية أسوأ من رؤية الاجنبى الغازي ومن ثم تعميم الرؤية و اسقاطها على عقلية أولاد البلد التي لا ترى في المهدية إلا هذة الاحداث!
    لعل ضعف المنهج يبدو أكثر وضوحا في الاشارة لحادثة سليمان كشه و على عبد اللطيف، وكذالك مقال جريدة الحضارة (11) الممهور يتوقيع حسين شريف فقد كان أجدى بمن يدعى المنهجية والعلمية في تحليل أحداث التاريخ أن يتعمق في النظر قبل أطلاق التعميمات في الأحكام الجائزة. فهاتان الاشارتان إرتبطتا في الأساس بتطورات اجتماعية و سياسية و اقتصادية صاحبت نشوء طبقة الأفندية (الإنتلجنسيا) في الربع الأول من القرن العشرين و حول تبلور مفاهيم تقدمية للوطنية السودانية و للأمة في مقابل مفاهيم أخرى جسدتها طبقة كبار الملاك و قواها الدينية و القبلية, فصحيفة الحضارة الناطقة بإسم تلك الطبقة كانت تؤكد أن القادة الدينيين و الزعماء القبليين هم وحدهم الذين فوضوا من قبل "الأمة السودانية" للتحدث بإسمها, فيما رأت طلائع الطبقة الوسطى أن هؤلاء الزعماء و القادة لا يمكن أن يكونوا وحدهم ممثلين للأمة السودانية. ذلك كان الإطار الذي دار فيه الصراع بين القديم و الجديد و ليس بين الأعلى و الأدنى, بين من استطاعوا أن يطوروا وعيا ذاتيا خال من فكرة المحتد و بين من جذبتهم طبقتهم فانحاذوا لها, فكان عبيد حاج الأمين (ابن البلد) هو النموذج التام و الكامل لإبن الطبقة الوسطى الواعي بذاته بينما إنجذب سليمان كشة لطبقته الثرية (التجار) و لم يطور وعيا ذاتيا كأفندي مقابل القوى الدينية و القبلية, إذ ظل وعيه الذاتي هو وعي "الشعب العربي الكريم ". (12)
    إن صراع القديم و الجديد و ليس أبناء"دار صباح " و أبناء "الغرب" أو المركز و الهامش هو الأساس العلمي الذي يجب أن يتجه إليه التحليل, ففي مرحلة لاحقة من مراحل التطور الاجتماعي في السودان و صف الكثيرين من الذين تحملوا أعباء الحركة الوطنية المناهضة للمستعمر بأنهم "صعاليك" و "أولاد شوارع" على الرغم من أن جلهم من أبناء النيل الأوسط و الشمالي.
    إن أعتماد الملاحظة السياسية في المنهج العلمي ينبئ عن ضعف المنهج و هشاشة الاستنتاج المبنى على استقراء الحوادث من منظور سياسي و محاولة صبغها بالصبغة العلمية فعندما يقول "عالم":
    (ينقل الفرد من أهل المركز إلى الأطراف فيحمل معه كل عنجهيته و عقده, و ينظر الي مواطنيه و أهله في الأطراف من عل, فيعمد مثلا من واقع سلطته إلى تغيير إسم المكان لأنه لا يستسيغه فيسميه ((عد الفرسان)) بدلا عن ((عد الغنم)) جاهلا المعنى الرمزي و الأرث التاريخي و الظرف البيئي و الجغرافي من وراء الأسم).
    ان "عالم" يقع أولا في خطأ الخلط بين السياسي و الثقافي و هو ثانيا يذكر واقعه فرديه ليس لها سند و يبنى عليها تحليلا ثقافيا محملا وزرها لأبناء المركز. فالجميع يعملون أن السلطة الحاكمة في السودان اليوم قد حركتها آيدولوجيا دينية و مشروع يعمل على قطع الذاكرة في مستويات السياسة و الثقافة و التاريخ, و الرمز هو أحد ادوات الأيدولوجيا في تأكيد وجودها, فبجانب "اللحية" و "الملفحة" تعتبر الأسماء من الرموز المهمة و الرئيسية في تثبيت المشروع, و هي في ذلك لا تستثنى أبناء الشمال و الوسط فكم من مدرسة وحي و شارع تم تغيير أسمائهما, و ها هي محلية "الشهداء" و مدرسة "بدر الكبرى" و شارع "القعقاع" حتى و لكأنك تشعر بنفسك و أنت داخل "شندي" أو "بربر" تتجول في أذقة "مكة" أو طرقات "يثرب" !! فما لأبناء المركز يتحملون أوزار الممارسة السياسية السلطوية التي يشارك في تركيبتها أبناء "الغرب" بدرجة لا تقل أن لم تكن تفوق "أبناء البلد"؟
    ونتيجة أحكامه المسبقة و آراءه القاطعة يقع عالم في شراك التناقض فبعد أن يؤكد:
    ((أن أهل المركز مع ادعائهم العربي ليس لهم فن و غناء قائم بذاته الاما توارثوه من المدائح و الغناء الصوفي الديني و الذي-مع تقديرنا له يتجلى في غناء الحقيبة فمعدنها واحد و يستعير أحدهم لحن الآخر على الدوام و على رتابة لحن لاتكاد تميز فيها اختلافا الاالتنوع في الكلمات ))
    ياتى ليقول ((تسمع إذاعة السودان فلا تجد في نادي الطمبور الا مجموعة من بعض أهل الشمال النيلي وحدهم))
    و مظهر التناقض هنا هو أن غناء الطمبور ضرب مختلف عن غناء الحقيبة وهو غناء له أدواته و مفرداته و الحانه و طريقة أداءه مما يعني أن لأهل الشمال فنا قائما بذاته أصيل المقومات وهو وليد البيئة التي تميز الشمال عن بقية الأقاليم ولكل إقليم خصوصية في ذلك وهو التنوع الذي ينادي به عالم ثم يحاربه دون وعي وتحت تأثير وهم الاستعلاء المعكوس.
    ثم من يستطيع أن يدعى بأن غناء الحقيبة هو من صنع أبناء الوسط النيلي فقط؟ صحيح ان جزرها انغرس في كبوشية و لكنها ترعرعت و نشأت في أم درمان العاصمة الوطنية (عاصمة الخليفة عبد الله ) التي يسميها أصحاب التصور التركيبي للثقافة السودانية ببوتقة الأنصهار "melting pot و من هم رواد الحقيبة؟ إنه خليل فرح النوبي القادم من أقصى الشمال و الذي يشمله عالم في مصطلح الهامش، ثم هم أحفاد الزنوج المنبتين قبليا Negroid but detribalized people ، إنهم كرومة و سرور و ثنائي الموردة، ثم هم "زنقار" الذي يصعب تمييز صوته، هل هو صوت رجل أم إمرأة!!
    يضاف اليهم عددا من أبناء النيل الأوسط و الشمالي. إنهم "أولاد أم درمان" وقد لا تروق أغنية الحقيبة للكثيرين وقد لايتذوقها البعض و لكن يكون ذلك فى إطار التناول "الفني" وليس في إطار النظرة المنغلقة للوسط و الغرب، فكثير من أهل الشمال يستمتعون لالحان إبراهيم موسى أبا و عبد الرحمن عبد الله و عبد القادر سالم و عمرأحساس و يطربون لها و يشعرون أنها تلامس و ترا حيا و مكونا أساسيا من مكونات و جدانهم يفاخرون بها عندما تطير خارج الوطن لتمثيل السودان و ليس المركز فى الحافل الدولية .
    المهدية (فى الفكرة و انتشارها) :-
    في سبيل تثبيت الفكرة المسبقة لدية يجنح عالم إلى مغالطة التاريخ و أحداثه، فتحيزه لأهل الغرب أبعده عن التدقيق و التعامي عن الواقع فنجده يقول :
    (و الجدير بالتأمل حقا هو أن الغرب و مع تجزر فكرة المهدي فيه بالحاح الا أن أحد منهم لم يدعيها فهي في أذهانهم رجل من أهل الشروق (دار صباح) كما أن أهل "دار صباح" كان بامكان أي أحد منهم أن يدعيها و ثمة إحتمال كبير أن يجد أتباعا كثيرين من أبناء الغرب لكن لم يحدث أن إدعاها أحد من قبل في دار صباح ربما لأنها لم تتبلور فيها ولا كان المحيط يتقبلها أو متجزرة فيه )
    أما قوله أنه لم يحدث أن أدعي المهدية أحد من دار صباح فينفيه ماورد في واحد من أهم مصادر دولة الفونج وهو كتاب طبقات ود ضيف الله الذي ينقل عنه ابو سليم (13):
    (( أن أول خبر عن المهدية في السودان تروية المصادر ما كان من أمر حمد النحلان المشهور بحمد ودالترابي المتوفي سنة 1116ه\1705.وكان هذا رجلا صالحا معتقدا فيه وقد حج في جماعة كبيرة من أتباعه فلما كان في مكة أعلن أنه المهدي،و يبدو أنه اراد أن يوفق بين أمره و بين قول ورد بأن المهدي يظهر في مكة ، فهاج عليه الناس و ضربوه هو و أتباعه و حبسوهم)).
    أن إدعاء حمد النحلان المهدية يقودنا إلي المغالطة الثانية في حديث عالم و هي قوله أن محيط دارصباح لم يتقبل الفكرة و لم تكن الفكرة ذاتها متبلورة أو متجزرة فيه. فمن حيث الكتابة و التأليف الذي تطرق للفكرة و مهد لها، نجد مثلا كتاب المهدي المنتظر لمؤلفة إبراهيم الأمين بن علي المشهور بالكباشى أحد شيوخ القادرية المهمين، كما نقل المرحوم مكي شبيكة عن كتاب الكوؤس المترعة للشيخ عبد المحمود نور الدائم بعض أقوال عن محمد بن عبد الكريم السماني مؤسس الطريقة السمانية و استاذه مصطفى البكري بادعاء كل منهما بانه و زير من وزراء المهدي (14) وهناك روايات كثيرة تروي عن الشيخ القرشي ود الزين آخر أساتذة المهدي حول قرب ظهور المهدي المنتظر و كونه يكون من أتباعه. و يروي عنه ايضا انه تنبأ لمحمد أحمد المهدي بذلك، كما نسب إليه أنه قال: "أديته بنتي و فرسي و انا موعود انه فرسي ده يركيه المهدي و شيخته و أديته الأجازة". و يقال ايضا انه تنبأ بأن يكون المهدي من تلامذته و انه يبني فوق قبره قبة و انه يختن أولاده ".(15). و يفيدنا المهدي نفسه بان شيخه محمد شريف نور الدائم كان يحدثهم في مجالسة عن كرامات المهدي المنتظر و مقامة. و مما يزيد هذا القول قوة انه وردت الاشارة في خطاب منه إلي محمد شريف نفسه بهذا القول حيث يقول:
    ( وانك تعلم ان من لم يسلم و يتبع لمهدي الزمان يحرم من خير الرحمن و قد سمعتك غير مرة تقول امدادنا هذه في انفاس المهدى) ولم يكن الختمية اقل اهتماما بفكرة المهدي المنتظر و ظهوره فالسيد محمد عثمان الميرغني الختم ذكر عن المهدي المنتظر و مقامه كثيرا و أشار الي أن مقام الختم - اي مقام محمد عثمان - ياتي بعد مقام النبي و مقام المهدي مباشرة (17).
    و يذكر المهدي كذلك في خطاب الي السيد محمد عثمان الميرغني الثاني أن والده السيد حسن الميرغني قد أشار الي مهديته المرتقبة. و كذلك يذكر المهدي في مناشير الدعوة انه قبل قيامة بامر المهدية كان يدعو الي اقامة الدين و العمل باحكامه و ينصح الحكام و يفظهم و انه كان يراقب ظهور المهدي المنتظر و يتوق الى ان يكون من اتباعه.
    ان الاشارة الكثيفة للمهدي في ادبيات الطرق الصوفية و عند كبار المتصوفة يدحض فكرة عالم" في ان الفكرة لم تكن متبلورة في دار صباح فالطرق الصوفية بانتشارها المعروف كانت تمثل جماع الرأي العام في دار صباح باعتبار ان فكرة التصوف في اسلام اهل السودان تكاد تتطابق مع الاسلام نفسه و بالتالي يمكننا القول باطمئنان شديد ان جزور فكرة المهدية كانت مغروسة في تربة النيل الاوسط و الشمالي و ان سيطرتها على عقلية اهل الغرب لاتحتم نفي وجودها في دار صباح.
    ثم تستمر القراءة المتعسفة لحوادث التاريخ في قول "عالم":
    (بل ان محمد احمد بن عبد الله نفسه ربما ما كان يمكن ان يكون المهدي لولا عبد الله التعايشي))، و يشير الى ان هناك مصادر عديدة توضح ان الاصل في انبعاث الفكرة المهدية و توظيفها دينيا و سياسيا لا يعود لمحمد احمد المهدي نفسه يقدر ما يعود للرجل الثاني وهو الخليفة عبد الله.
    ان هشاشة الفكرة و ضعفها تدحضها حقائق التاريخ التي اجمعت عليها المصادر الوطنية و الاجنبية حول شخصية الخليفة، فكيف يستطيع الرجل الذي لاقى منه والده الامرين في تعليمه بعض الايات الضرورية للصلاة و الذي لم تعرف عنه غزارة في المعرفة الدينية و العلم و ان يسوق لفكرة المهدي دينيا؟ و كيف يستطيع رجل بهذا التسطيح ان يقود و يوظف الامام المهدي الذي كان اذكى قومه و ارشدهم فكرا و اغزرهم علما و كلمته كانت هي القانون الذي يسعى الكل لتنفيذه ؟
    إن التركيز على المصدر" القولاني" في و صول الفكرة المهدوية الى السودان عبر تبشير مؤسس دولة الفلاني عثمان دانفوديو يقرب ظهور المهدي في الشرق و ان كان حديثا سليما الا ان المبالغة في ربط الفكرة بهذا المصدر فيه كثير مجافاة لحقائق التاريخ، و في هذا الصدد يكتب ابو سليم وهو مؤرخ "عمدة" لفترة المهدية:
    (الا اننا لانعتقد ان مؤلفات دان فوديو و احاديثه قد انتشرت في سوداننا بحيث أثرت في الفكر المهدوى عند المهدي، لاننا لانسمع عنها في مصادرنا و انما نسمع عنها يواسطة مصادرالسودان الغربي. ولكن مما لاشك فيه ان اخبار دانفوديو قد وصلت غرب السودان و ان بعض اقواله و مابشربه قد انتشر فيه، وقد جاء تاثيره في التهيئة لمهدية السودان على هذا الاساس و بهذا القدر. اما القول الذي ردده المرحوم محمد احمد الحاج كثيرا بان مهدية السودان كان مصدرها حركة دان فوديو باعتبار ان اقوال دان فوديو وجماعته عن المهدية قد انتشرت في دارفور، و ان عبد الله خليفة المهدي فيما بعد، قام ينقلها الى المهدي ومن ثم قام المهدي بدعوته فزعم لايسنده دليل و لامكان له الا في خيال صاحبه))
    الخليفة عبد الله التعايشي ( في عنف الشخصية وتبريرات الآيدولوجيا):-
    قد يكون مفهوما ان تتباين الآراء و الزوايا التي تتناول شخصيات اثرت تاثيرا كبيرا في مجريات التاريخ، و لكن من غير المفهوم ان ياخذ التناول العلمي منحي يتماهي مع الآيدولوجيا في كونها وعيا زائفا يتمحور حول المرغوب فيه و ليس الواقع كماهو ، أنها مانتمناه و نشتهيه. فمهما اختلفت التصورات حول شخصية الخليفة العنيفة الدموية و مهما احتشدت المبررات لممارسة العنف الدموى في ذهنية عالم بزعمه ان الاعتماد على مصادر التاريخ الاجنبية فيه الكثير من التعسف و سوء النية باعتبار ان نظرة الاستعلاء في العقل الجمعي لاهل المركزهي المحرك الحقيقي للقراءة المتحيزة للتاريخ، فكيف يمكننا نفي الاحداث التي اجمعت عليها المصادر التاريخية والتي من شأنها ابراز الرؤية الحقيقية لاهل دار صباح دون ان نفتق الجراح للدرجة التي نتبادل فيها التهم بالولوج في دائرة الخيانة الوطنية و الارتماء في احضان الاجنبي و هي التهم المتواترة في كتابات عدد من المثقفين. وفي هذا الشأن سنعمل جاهدين على توخي الموضوعية بقراءة بعض ابعاد شخصية الخليفة في السياق التاريخي الذي وجدت فيه وعدم النزوع العاطفي في التعامل مع الحوادث و نعني بذلك بيئة العنف التي وجدت فيها شخصية الخليفة (المهدية) وهي بيئة مليئة بالصراعات و الدماء و الابادة الجماعية و في هذا الصدد لم يكن هناك ثمة تفاوت كبير -كمايحاول ان يصور بعض المثقفين – فى التعامل مع ظاهرة الخليفة بين ابناء الغرب انفسهم و ابناء دار صباح، الا ان الاحكام المسبقة و القطعية المدعومة بتحيزات الجهة تنحو للاسقاطات الساذجة و التفسيرات البسيطة و التي تدور في مجملها حول نظرية المؤامرة المدعومة بنظرة إستعلاء مذعومة.
    و لتوضيح الفكرة السابقة يمكننا ان نقرأ مع حاج حمد مايلي:
    (و تمخضت عن إعراض سكان دارفور و منا هضتهم لدولة المهدية، و عن جهود الخليفة لردعهم و احباط ثوراتهم نتائج سياسية و اجتماعية بالغة الخطورة. لقد ذادت الحرب المتصلة القوم كراهية في حكم يقوم على القهر و ضاعف البطش أصرارهم على الخلاص منه. و لم يجد الخليفة انه مال حينا الى السلم، فما ان عاد سيف الانصار الى غمدة برحيل اكثر يتهم لحرب كتشنر حتى هبت جماعات من هنا و هناك و اطاحت بما تبقى للمهدية في سلطان في دارفور ))
    و خلفت الحرب بجانب ذلك قروحا و اخاديد عميقة في وجه اقتصاد دارفور.فقد اصاب الخراب المزارع، و تعطلت حركة التجارة لاشتغال الناس بالقتال ، و لشيوع الفوضى واضطراب حبل الامن، بل ان الانصار عمدو احيانا كما صنعو في دار التعايشة- الى حرق المزارع لاكراه اصحابها على الهجرة. وللباحث ان يقدر اثر هذا كله على اقتصاد إستند اصلا على قاعدة بدائية ضعيفة .ان النتيجة الحتمية لمثل الذي جرى في دارفور خلال اربعة عشر عاما من الصراع العنيف لهي الفقر والقحط))
    اما كردفان فقد(( كانت على امتداد عهد الخليفة مصدر قلق له ونشب بينه و بين قبائلها صراع عنيف شمل حتى قبائل "البقارة" الذين يرتكز اليهم. و كان ابرزه ماحدث بينه و بين "الكبابيش" بقيادة زعيمهم صالح فضل الله، وذلك بسبب رفض هذه القبائل سياسة الخليفة الرامية الى تهجيرهم الى الشمال)).
    أن بيئة الصراع و اسبابه بين الخليفة و الاشراف كانت متوفرة، و قصة الخلاف بين الاشراف و الخليفة كقصة البيضة و الدجاجة الاذلية ايهما كان اولا؟، او هل كان تمرد الاشراف مجرد رد فعل لأجراءت الخليفة؟ ام فعل الخليفة مافعل كرد فعل لتآمر الاشراف؟ و الامر الذي يمكن اثباته بالوثائق ان الخليفة بدأ في القضاء على مركز القوة المناوية و تجميع خيوط القوة في يديه قبل وفاة المهدي واثناء الفترة التي انقطع فيها المهدي عن مباشرة واجباته الرسمية .
    فإذا كان مبررا وفق معطيات الصراع القبلي والتنافس السياسي ان يسعى كل طرف للنيل من الآخر، فما هو المبرر وراء الموقف المتعسف و الغريب من الخليفة تجاه إبن دار صباح عبد الرحمن النجومي؟ و لقراءة هذا الامر دعونا نتابع مع زلفو:
    ( اما ان الخليفة لم يكن يثق في ود النجومي ولم يكن يخلص له الود ولم يعامل الرجل بما يستحق فهذا ما اورده اغلب المؤرخين. فود النجومي البطل الذي قاد الهجوم الرئيسي المباشر في شيكان و امير الامراء في حصار الخرطوم و سقوطها تعرض للتجاهل والاعراض من ناحية الخليفة دون مبررمعقول. فاخلاص ود النجومي للخليفة لم يرق اليه الشك ولم تظلله الا وشايات مساعد قيدوم وقابل هو ذلك بالطاعه التي تدل على روح الجندية الاصيلة والترفع عن الصغائر،فالقوة العسكرية التي قادها الى الشمال والمسئولية التي اوكلت اليه لاتتناسب مع سمعته ومكانته كأحد اوائل ابطال المهدية و اشهر قادتها. ولكن حتى عندما التهبت الجبهة الشمالية و اصبحت الجبهة الرئيسية عند تقدم ود النجمي لمصر لم تزد قوته عن 6000 مقاتل بينما تقدم ابو عنجة بعشرات الالوف نحو الحبشة؟!
    هذا من الناحية الرسمية اما الاهانات الشخصية فقد اكثر منها الخليفة فعندما احتدم الخلاف بين ود النجومي ومساعد قيدوم توسل الاول مرارا للخليفة بان يسمح له بالحضور لأم درمان لعرض قضيته، فرد عليه ببرود آمرأ اياه بالكف عن الخلاف و ان يمتثل في النواحي الاداريه و شئون بيت المال لاوامر مساعد.....و عندما تحرك ود النجومي لغزو مصر ليقطع 1500 ميل و يناطح الجيش البريطاني و المصري كانت قوته بالضبط 4000 مقاتل و 3000بندقية و 10 مدافع و 7000 من النساء والاطفال))
    فبعد هذا السرد الذي اجمع عليه اغلب الؤرخين هل يحق لنا التساؤل عن الاساس الاخلاقي الذي استند اليه قائد الدولة تجاه احد قواده المخلصين؟ انها تحيزات الجهة التي أوغرت صدر الخليفة و قادته "لتصفية" ود النجمي الجسور بعد أن عزله و عين يونس الدكيم حاكما لدنقلا مجردا ودالنجومي من مسئولياته الادارية بحجة تفرغه للتقدم لمصر و من ثم عدم إرسال التعزيزات المطلوبة بل حجز القوة الحقيقية المتمثلة في الجهادية و الاسلحة النارية و الذخائر في يد يونس في مركز قيادته المتاخرة في ذنقلا!!
    ان المحاولات البائسة لتذويق صورة الخليفة و تسويقها من قبل بعض الأكاديميين الاعتذازيين apologetics و المثقفين وان اجتهدت في نفي جذوة العنف المتاصلة في شخصية الخليفة لتقف عاجزة عن تفسير الكثير من الحوادث و لتكتفي بتبريرات من قبيل ((ان الخليفة لم يكن يعلم عنه شيئا )) وانه (( حزن حزنا شديدا)) الامر الذي يبعدها عن دائرة البحث العلمي الى دائرة الآيدولوجيا و الموقف المرغوب فيه،فالرجل الذى قيل انه تميز بذكاء وقاد و بصيرة خارقة و كان يتميز بطاقة جبارة و شجاعة نادرة-رجل بهذه المواصفات-لايمكن ان يتسبب في قتل" الذاكي طمل" الذي كان اخلص المخلصين له ومن أكفأ قادته بسبب و شاية ساذجة مماجعل الزاكي في فراش الموت يقولقل ليعقوب: سياتي اليوم الذي تحتاجون فيه لامثالي من الرجال و لن تجدوهم).
    و يتكرر ذات الموقف في مقتل "مادبو" وهو الرجل الذي حمل عبء الثورة في دارفور في ايامها الاولي ليلقي باللوم على حمدان ابو عنجة، اما ابادة البطاحين و التنكيل بهم و قتلهم بتلك الصورة الوحشية على مراي و مسمع من الخليفة فهو امر ثابت لدى جميع المؤرخين.ثم يعقب ذلك مقتل القاضي احمد و من بعده الشيخ حسين الزهراء العالم الذي سيق الى السجن و مات فيه صبرا.
    و تتوج احداث العنف الهمجي تلك بمذبحة"المتمة" التي افرغ فيها الخليفة و محمود ود احمد كل تحيزاتهم الجهوية و كل مخزونهم من العنف و الطغيان تجاه اهل دار صباح بحسبان المتمة تمثل بؤرة الاستعلاء المتوهم في لاوعي ود تورشين، فاي مبرر ذلك الذي يسمح لقائد الدولة باصدار اوامره بابادة مدينة باكملها عزلاء الا من سلاح الافراد الذي يدافعون به عن انفسهم، فعندما تقدم الجيش المهدوي نحو بيوت المتمة و فتح عليهم النيران تساقط حوالي خمسون قتيلا في موجات الهجوم في اللحظات الاولي و سرعان ماحسمت المعركة غير المتكافئة و تمكن الانصار من اقتحام المنازل و بدات المجزرة الاليمة و ختمت في ربع ساعة حسب تقدير محمود نفسه و عندما تحرك الجيش ليعسكر على شاطئ النيل ترك خلفه الفي جثة في المتمة.
    ان مذبحة المتمة ستبقى العلامة الفارقة في سجل العلاقة المتوترة بين الخليفة و اهل دار صباح و ستظل كتابا مفتوحا نقراه لنستقي منه عبر التاريخ دون تحيزات الاهواء، فهذه المذبحة لم تكن حدثا عاديا بل كانت كارثة حقيقية لم تسبقها الا حملات المحتل الغاصب الدفتر دار و ان اي تناول موضوعي لتلك المذبحة قد يعتبره البعض دخولا في المنطقة المحرمة، فقد ظلت من المسكوت عنه و اعتبر الحديث عنها نيلا من المهدية، و للمؤرخ الامين ان يتسأل من بعد ذلك عن الفرق في المواجهة بين قوات كتشنر و قوات الخليفة في كرري و بين جيش محمود وداحمد و اهالي المتمة، فطالما بكينا على الالاف الذين استشهدوا في سفح الجبل و جسدوا بطولات لاتنكر و هزموا من الغازي الاجنبي يتفوق سلاحه الناري فما بالنا نصمت عن ظلم ذوي القربى و نهرع لفتق الجراح و رمي التهم بالتعاون مع الاجنبي في مواجهة "الوطنى" وليتنا كنا في ذلك شهودا عدولا حتى نقرأ الصورة كاملة و غير مشوشة و هي في وجهها الاخر تحدثنا عن الآتي:
    (فر على دينار وهو من سلالة ملوك دارفور الى الغرب لاقامة عرش ابائه و اجداده و لم يكن الامير الهارب على وفاق مع المهدية منذ ان انتزعه محمود من ارض الفور ليلازم باب الخليفة كاحد الخدم، و بذلك اسدى على دينار خدمة للجيش الفاتح اذ سد المسالك دون التجاء الخليفة لدارفور، او الايغال غربا فيما و راءها)).
    فها هو حفيد ملوك الغرب اصحاب المملكة الاكثر عراقة يتعاون مع الغازي الاجنبي و يسد الطريق امام هجرة الخليفة المهزوم !! انه علىدينار الممثل الحقيقي لغرب السودان (الهامش) وليس واحدا من ابناء دارصباح (المركز ) اصحاب العقلية المستعلية!!

    لقد زكرنا قبلا ان التعميم و اصدار الاحكام المسبقة هي من سمات الآيدولوجيا و نضيف ان العقل الذي تحركه المؤامرة والذهنية التي يوجهها التجريم لهي الابعد من التناول الموضوعي و العلمي لظواهر التاريخ ، فنقد الذهنية المركزية قد قاد "عالم" الى رفض مصادر التاريخ الاجنبية بل و الوطنية، و قد اتخذت " فيفيان ياجي" من مكي شبيكة بوصفه مؤرخا من ابناء دار صباح مثالا على المؤرخين الذين يعملون على تشويه صورة الخليفة و محاولة تثبيت صورته الدموية القاسية في الاذهان فهل قرأت فيفيان ما كتبه شبيكة في هذا الخصوص:
    ((مهما قيل عن قسوة الخليفة، وما عزى اليه من حكم بالحديد و النار فانه كان يطبق مثلا عليا دينية و اجتماعية وفقا لتعاليم المهدية ، و ما ارتكب من مظالم عن جهل و عدم دراية فمرده لاولئك الاتباع)).
    اننا و مع اختلافنا مع و جهة نظر شبيكة هذه الا اننا نوردها لنفضح التحيزات التي صبغت كتابات الاعتزاريين المدافعين عن شخصية الخلبفة و الذين ما انفكو يرمون التهم و يعممونها دون وجه حق، و ليتهم ساروا في الدرب حتى اوصلوه نهاياته التي تتسق مع المقدمات التي ساقوها ففي جل كتاباتهم يستشهدون بالمصدر الاجنبي، و هل كان نعوم شقير فولانيا؟! انها الذهنية الانتقائية و عقلية التجريم التي ترفض الاستعلاء و تمارسه معكوسا على الاخرين .
    أن وصف فيفيان للخليفة بالحلم و سعة الصدر و ادعاءها بان الجميع متفقون حول هذه الصفات لامر يدعو للاشفاق على البؤس الاكاديمى، اما مايدعو للدهشة فهو وصفة بالتحلي بكل صفات القائد العربي المسلم.فالثابت أن اكبر نواحي القصور في شخصية الخليفة هو عدم الثقة بالنفس و ضعف الرؤية الاستراتيجية و فقدان الخيال و قد نتج ذلك من قلة ثقافتة، فقد وجد نفسه قائدا و خليفة لزعيم روحي ووريثا لثورة دينية وراسا لدولة كان سبب قيامها هواصلاح ما اعوج من تعاليم الدين الاسلامي ولم يكن هو عالما ولا متفقها(27) ولا يقدح ذلك في البيئة التي انجبت الخليفة كما يصور ذلك "عالم" لأن ذات البيئة انجبت يعقوب جراب الرأي شقيق الخليفة و ساعده الايمن. ان محاولة اسقاط الصفات الشخصية على مجتمع باكمله و الايحاء بان ذلك هو رؤية مثقفي دار صباح و ليس عامتهم فقط لبيئة الغرب فيه الكثير من التعسف و التحيز والاحكام المسبقة .
    في النسب: -
    ياخذ "عالم" على اولاد البلد تفشي القبلية و العصبية في أوساطهم بصورة حادة و ادعاء نسبهم العريض للعرب وللعباس خاصة، و بغض النظر عن صحة دعوة نسب الجعليين ودلالاتها على موضوع هويتهم وهو باب يكثر فيه الجدل الاكاديمي بين المتخصصين و المشتغلين بقضية الثقافة و سؤال الهوية، فإن ما يعنينا في هذا الشان هو هل دعوة النسب العربي التي وصم بها عالم قبيلة الجعليين الكبرى قاصرة عليهم وحدهم ؟ ، وذلك لأن السياق الذي ذكرت فيه هو سياق "إتهامي" وليس سياق علميا ؟ فهاهم الفلاتة-الفولانيون الذين ينتمي اليهم عالم يدعون نسبهم العربي، ففي كتابه الفلاتة- الفلانيون يرجح دكتور محمد احمد بدين ان اصلهم يرجع لقبيلة حمير القحطانية (2 و يذهب الطيب عبد الرحيم الى ابعد من ذلك بربطهم بالسيدة صفية بنت جعفر بن ابي طالب و يؤكد ان ابناء السيدة صفية هم يزيد وفولو و فيلا و غرغاو و يقول الامام محمد بلو بن الشيخ دان فوديو عن اصل اسلافه الفلاتة في كتابه: "انفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور" ان الصحابة عندما ساروا الى الغرب من المغرب و غزوا سرنكلي و ارادوا ان ينصرفوا فقال لهم امير التروز اتيتمونا بالدين و نحن جاهلون به فخلفوا لنا من يعلمنا فخلفوا لهم عقبة بن ياسر او عقبة بن عمر او عقبة بن نافع، ويقول في مكان آخر مواصلا حديثه عن اصل الفلاتة: ويقال ان اصل الفلان من ولد جعفر بن ابي طالب....(.نقلته عن الوالد). و لا أظن ان هناك فرقا كبيرا بين الانتساب للعباس عم الرسول او ابن اخيه جعفر ففي نهاية المطاف هو إنتساب للعرب من خلال بيت النبوة.
    في دفع الافتراء ( إتخذتك عدوا اتقيك وتتقيني):-
    لم يكتف "عالم" بحالة انسحاق الذات التي يعاني منها و هي الحالة التي لاترى في الاخر الا صورة المستعلي و المستكبر و المتعجرف، بل مضى وهو المثقف الناصح يمارس نوعا من الخطرفة الذهنية قادته الى نهايات بائسة من التهجم على اهل المركز مثل قوله:
    (( و ربما يجد المرء بعض التحليل اذا كان المركز يحمل شيئا حقيقيا يقدمه او بضاعة رائجة، المؤسف حقا، ان المركز فقير الى حد الادقاع)) و يواصل قائلا: ((لكن يبدو ان فقر المركز نفسه هو فقر في الذات، لايمكنه حتى من الاستفادة من كل هذة المعطيات كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ و الماء فوق ظهورها محمول او كمثل الحمار يحمل اسفارا)).
    أن حضارة المركز التي ترجع الى 4000 ق.م لم تشفع له عند عالم الذي لايرى في المركز سوى كتلة من الفقر الثقافي وهو هنا يناقض بنفسه عندما يمارس الاستعلاء المعكوس و يطلق تعميمات لا يسندها منطق. ان هذا المركز - كما يقول حاج حمد- قد ورث نبته و مروي و تضافرت فيه بحكم موقعه انواع من الثقافات و المهيئات الحضارية لم تتوافر في مناطق اخرى. وان موجة التهجم التي شنها "عالم" بهذه الطريقة العشوائية و بهذا التعميم المخل و المسطح لن تخدم قضية التكامل الوطني الذي نسعى اليه و لن يكون لها صدى في المركز الا التمترس و الدفاع عن الذات بنفس السلاح ولسان حال دار صباح سيردد مع ابى الطيب:
    عدوك مذموم بكل لسان ولو كان من اعدائك القمرآن
    ولله سر في علاك وانما كلام العدى ضرب من الهذيان
    و عندما يرفع "عالم" سيف اهل الاطراف في وجه اهل المركز للمرة الاخيرة مهددا:
    فاما ان تكون اخي بحق فاعرف منك غثى من سميني
    و الا فاطرحني و اتخذني عدوا اتقيك و تتقيني
    سياتيه الرد العاجل: طرحتك و اتخذتك عدوا اتقيك و تتقيني فماذا سيكون الحصاد حينها سوى الخسران المبين؟
    الخاتمة:-
    تحاول بعض النخب احتكار مفهوم "الهامش" الذي هو في ظني مفهوم يحتاج للتعريف القاطع و غير الفضفاض الذي يتم التعامل به حاليا فاذا كان البعض يعتقد ان الشمال قد استاثر بكل شئ و استعلى و استكبر فواقع اليوم يقول ان هذا الشمال لايفوق كثيرا بقية الاقاليم (و الحال من بعضه)، ومن هنا اتفق مع الجعلي في :
    (ان قضية التنمية هي ام القضايا و هي " يندورا بوكس" مشاكل السودان كلها، السياسية منها و الثقافية و غيرها و دون تنمية حقيقية يتم العمل على تحقيقها من منظور استراتيجي يراعي طبيعة السودان سنظل نتقهقر الى ما دون الدرك و سنظل نعمل على القضاء على مستقبل اجيال اخرى و نحن نتبادل اتهامات "الاقصاء" و الاستعلاء فلا نحصد الابقايا الهشيم من تصورات خاطئة حول الذات و الاخر تخلقت في مشيمة الفقر و الجوع والتنازع على الفتات)) (29)
    و ان تفوق المركز كانت له اسبابه الموضوعية التي لم يكن من ضمنها باية حال من الاحوال نظرية المؤامرة التي تستهدف الهوامش و اذا اردنا ببلدنا خيرا فخير لنا ان نفتح عقولنا و صدورنا و نسقط جانبا هذه الاتهامات التي تحولت عبر التاريخ الى رايات و ضعت داخل مناطق فكرية حرام و تحولت الى تابوهات غير مسموح الاقتراب منها و تصويرها و مناقشتها لانها صارت " الشماعة " التي نعلق عليها فشلنا و اخطاءنا.
    و ان انسان المركز قد هجر ارضه و زرعه مثل بقية ابناء المناطق الاخرى و معاناته لاتقل ان لم تفق معاناة الاخرين فلا مجال للمزايدة باسم استعلاء متوهم هو في تقديرى انفعال لحظي لايليق باهل الثقافة الذين يجب عليهم تحمل مسئوليتهم بالتحليل الرصين الذي يعين على ترسيخ مفاهيم التكامل الوطني و أسس التعايش السلمي بين ابناء الوطن الواحد.
    وان قراءة التاريخ ودراسة احداثه في سياقها يعين كثيرا في استخلاص الدروس و العبر بعيدا عن الاهواء و الرغبات و هذه هي فلسفة التاريخ التي تناى بنا عن الانتقائية و الاجتزاء مما يمكننا من ربط الاحداث و الوصول للنتائج التي تتسق مع المقدمات التي نسوقها.


    _________________

    الهوامش :
    (1) عبدالله علي ابراهيم، الحوقلي: قرنق و عرب و الجزيرة، صحيفة الصحافة 13/5/2004م.
    (2) محمد الحسن حمد، السودان في نفق الهوية و طمسها، سودانايل 5/5/2004م.
    (3) محمد محمد خير، شجن العقيدة الثقافية، صحيفة الصحافة 5/5/2004.
    (4) كمال الجزولي، حبال النوبة ....... الانجليزي، صحيفة الرأي 16/5/2004م.
    (5) صحيفة إيلاف الالكترونية 25/5/2004م.
    (6) منفستو حركة تحرير شعب السودان، محمد أبوالقاسم حاج حمد، السودان المـأزق التاريخي و آفاق المستقبل، ص493، الطبقة الثانية، 1996م،

    international studies , British west Indies , and research bureau.
    (7) الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال، دار العودة ، بيروت،1987،ص 98.
    ( د.محمدعثمان الجعلي، تصورات النخبة الشمالية للثقافة العربية الاسلامية و بعض دلالاتها النظرية و الواقعية ،ص19،ندوة الثقافة و التنمية، مركز الدراسات السودانية، القاهرة ، 1999م.
    (9) د.محمد عثمان الجعلي. مصدر ما بعد ص19.
    (10) في مناقشة بينه و بين سليمان كشة حول مقدمة كتيب شعري سوداني اعترض علي عبد اللطيف على عبارة وردت عن الشعب السوداني باعتباره شعب عربي كريم مطالبا بتعديلها الى شعب سوداني كريم اذ لافرق بين عربي و جنوبي .
    (11) كتب حسين شريف(ان البلاد قد اهينت لما تظاهر اصغر و اوضع رجالها، دون ان يكون لهم مركز في المجتمع و ان الزوبعة التي اثارها الدهماء قد ازعجت طبقة التجار و رجال الاعمال)). ودعا الى استئصال شافة اولاد الشوارع و ذكر انها لامة ضعيفة تلك التي يقودها امثال علي عبد اللطيف وهذا الشعب ينقسم الى قبائل و يطون و عشائر و لكل منها زعيم او رئيس او شيخ و هؤلاء هم اصحاب الحق في الحديث عن البلاد فمن هو علي عبد اللطيف الذي اصبح مشهورا حديثا والى اي قبيلة ينتسب؟.
    (12) د.يوشيكوكوريتا. علي عبد اللطيف و ثورة 1924م، بحث في مصادر الثورة السودانية ،ص 30، مركز الدلراسات السودانية . القاقرة،1999م.
    (13) د. محمد ابراهيم ابو سليم، الحركة الفكرية في المهدية، 1989م، ص 180.
    (14) د.محمد ابراهيم ابو سليم، مصدر سابق،ص19.
    (15) فوزي في ابو سليم، مصدر سابق،ص 23.
    (16) د.محمد ابراهيم ابو سليم ، مصدر سابق،ص 17.
    (17)د.محمد ابراهيم ابو سليم، مصدر سابق.
    (1 د.محمد ابراهيم ابو سليم، مصدلر سلبق .
    (19) محمد ابو القاسم حاج حمد، مصدر سابق،ص 205.
    (20) عوض عبد الهادي العطا- تاريخ كردفان السياسي في المهدية المجلس القومي للآداب و الفنون-ص204.
    (21) عصمت زلفو، كردى، ص 101.
    (22) عصمت زلفو، مصدر سابقص 120.
    (23) عصمت زلفو، مصدر سابق،ص 239.
    (24) عصمت زلفو، مصدر سابق ، ص 230.
    (25)د.مكي شبيكة، السودان عبر القرون، ص420.
    (26) د.مكي شبيكة، مصدر سابق، ص 425.
    (27) عصمت زلفو،مصدر سابق،ص
    (2 د.محمد احمد بدين، الفلاته الفلانيون في السودان،ص29/ ص1.
    (29) د.محمد عثمان الجعلي، مصدر سابق، ص19
                  

العنوان الكاتب Date
نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . محمد عبدالقادر سبيل07-19-04, 09:57 PM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . قرشـــو07-19-04, 10:35 PM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . حمزاوي07-19-04, 11:04 PM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . JAD07-20-04, 02:21 AM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . samia gasim07-20-04, 03:17 AM
      Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . abuguta07-20-04, 04:15 AM
      Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . hamid hajer07-20-04, 04:27 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . ودقاسم07-20-04, 03:58 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . تاج السر حسن07-20-04, 04:53 AM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . محمد عبدالقادر سبيل07-20-04, 10:05 PM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . JAD07-20-04, 10:00 PM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . محمد عبدالقادر سبيل07-21-04, 02:16 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Deng07-21-04, 08:16 PM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . degna07-21-04, 09:12 PM
      Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Abureesh07-21-04, 10:22 PM
        Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . محمد عبدالقادر سبيل07-22-04, 00:25 AM
          Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Munir07-23-04, 04:41 PM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . مراويد07-21-04, 11:45 PM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . hamid hajer07-22-04, 02:38 AM
      Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . degna07-22-04, 06:05 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Deng07-22-04, 05:32 AM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . خضر عطا المنان07-22-04, 07:31 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Mohamed Adam07-22-04, 07:43 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Hani Abuelgasim07-22-04, 06:20 PM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . ابنوس07-22-04, 06:49 PM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Shao Dorsheed07-23-04, 05:26 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Elnasri Amin07-23-04, 05:49 AM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . هاشم نوريت07-23-04, 08:22 AM
      Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Frankly07-23-04, 09:06 AM
        Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Frankly07-23-04, 02:04 PM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Deng07-23-04, 09:22 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Hani Abuelgasim07-23-04, 03:42 PM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . محمد عبدالقادر سبيل07-23-04, 11:10 PM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . قرشـــو07-24-04, 01:30 AM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Munir07-24-04, 04:23 AM
      Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . theNile07-24-04, 05:22 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . تولوس07-24-04, 05:26 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . د. بشار صقر07-24-04, 04:10 PM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . Khatim07-24-04, 05:02 PM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . محمد عبدالقادر سبيل07-25-04, 02:23 AM
  نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . ودالسافل07-24-04, 05:34 PM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . محمد عبدالقادر سبيل07-25-04, 00:47 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . mekki07-25-04, 04:45 AM
  Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . zoul"ibn"zoul07-25-04, 05:56 AM
    Re: نعي أليم .. دالت دولة أولاد العرب والبقية في الاسلام . محمد عبدالقادر سبيل08-26-04, 02:12 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de