|
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)
|
اشكال النشاط والدعوة
الطابع السلمى والاتصال الفردى :
لقد تميز نشاط الاخوان الجهوريين بتفرد مميز ؛ طوال سنوات نشاطهم ؛عن بقية تيارات الحركة الفكرية والسياسية فى السودان ؛ فى مجال الدعوة والتنظيم ؛ مما يمكن اجمالها فى التالى :
· انعدام النشاط المعارض او التصادم مع السلطات .
· الطابع السلمى للنشاط والدعوة .
· الاتصال الفردى والمخاطبة الشخصية فى كسب التاييد .
ان الخاصية الاولى ؛ ورغم النشاط المصادم للجمهوريين ؛ والاستاذ محمود شخصيا ؛ ضد الحكم الاستعمارى ؛ وضد نظام مايو بعد قوانين سبتمبر ؛ الا انها تبدو لنا واضحة خلال موقفهم من نظامى الفريق ابراهيم عبود 1958-1964 ؛ ومن نظام جعفر نميرى 1969-1983 ؛ حيث انعدم نشاطهم المعارض طوال سنوات حكم الفريق عبود ؛ رغم المضايقات التى كانوا يتعرضوا لها ؛ ضمن بقية مكونات القوى الفكرية والسياسية ؛ ومجمل قطاعات الشعب السودانى . بل ان الاستاذ محمود قد وجه الى الفريق عبود رسالة ينصحه فيها بتطبيق افكار الجمهوريين ؛ وتبنى مقترحاتهم الدستورية فى بداية عهده ؛ الامر الذى واجهه الفريق عبود بالتجاهل التام .
ان هذا الموقف السلبى ؛ اى انعدام النشاط المعارض ؛ قد تحول ايجابيا بعد مايو ؛ حيث دعم الجمهوريون النظام ؛ واعلنوا ذلك فى نشراتهم ومواقفهم ؛ رغم الاختلافات الفكرية بينهما ؛ الا انهم عدوا النظام خيرا من تحالف الطائفية والاصولية ؛ واعتبروه مرحلة انتقالية لكيما يتاهل الشعب بالتربية لاستشراف الحرية والنظام الاسلامى الصالح .
ان انعدام النشاط المعارض هذا ؛ قد يكون جزءا من مفهوم " التقية " الممارس من قبل الكثير من الحركات الاسلامية والصوفية السابقة ؛ لحقن الدماء وحفظ المال والبدن . وربما كان لدواع تكتيكية ؛ تتمثل فى الاستفادة من تسامح السلطة للنشاط الاعلامى والدعوى . الا ان الباعث الاساسى يكمن فى نظرى فى طبيعة فكرهم الاصلاحى والسلمى ؛ وفى انعدام الافق السياسى الجذرى فى حركتهم ؛ وفى الطابع الصفوى لها ؛ والذى يركز على تربية الافراد اكثر مما يركز على استنهاض الجمهور والثورة .وعموما فان لنا عودة فى فقرة قادمة لهذه الثيمة .
اما الخاصية السلمية فى نشاط الجمهوريين الواضحة ؛ وموقفهم فى عدم الرد لمواجهة القوى السلفية (الاخوان المسلمين وانصار السسنة تحديدا) ؛ وفى مواجهة العنف البدنى واللفظى تجاههم فى العديد من المحافل والمواقع ؛ فقد وصلت الى مراحل متطرفة . فكم من اعتداءات تمت تجاههم فى الجامعات والمدارس بل وحتى فى الشوارع ؛ تعرض فيهم كوادرهم للضرب والتجريح ؛ دون ان تحرك فيهم ساكنا . بل ان الاستاذ محمود نفسه لم يسلم من هذا العنف فى مناسبات مختلفة ؛ والذى كانت قمته فى اغتياله الدامى بيد السفاح نميرى . ان موت محمود بالطريقة التى تم بها ؛و التسليم او الاستسلام الذى واجهت به حركتهم هذه المحنة ؛ يدل على نوع متطرف من الروح السلمية وانعدام روح المصادمة فى بنيتهم .
هذا الطابع السلمى ؛ قد يجد جذوره فى طبيعة الفكر الصوفى نفسه ؛ وهو فى رأينا نبع اساسى ومرجع فكرى ومسلكى رئيسى للاستاذ والجمهوريين . ففى مسلك اقطاب الصوفية الذين ووجهوا بالمحن ؛ وتميزوا بروح عالية من المسالة ؛ يكمن قدر كبير من التسامح الفكرى والسياسى . هذا التسامح والروح السلمية ؛ تسنده صفوية الفكر والفعل الصوفى نفسه ؛ اضافة الى معرفة الصوفيين ( ومن بعدهم الجمهوريين ) ؛ بتفرد طريقهم وغرابته للعامة واهل الشريعة ؛ حيث جاء فى الاثر الصوفى ( لا يبلغ احد درج الحقيقة ؛ حتى يشهد فيه الف صديق ؛ بانه زنديق " الجنيد") .وفى نفس الاتجاه كان الجمهوريون يكرروا الحديث النبوى ( جاء الدين غريبا ؛ وسيعود غريبا ؛ فطوبى للغرباء ..) . اضف الى ذلك تسليم مطلق لله ؛ وفق فهم راسخ بان كل ما فى الكون ؛ وفى حياة الانسان ؛ انما يجرى بمسيرته ؛ ولذلك فقد كان مقتل مختلف الصوفيين ؛ مربوط بنوع من الاستسلام اللامبالى بالمصير ؛ وانعدام اى نوع من المقاومة تجاه الجلادين ؛ واستشهاد محمود فى ذلك لا يشكل استثناء.
غير هذه المصادجر المرجعية ؛ فاننا نرجح مصدرا آخر يمكن ان يكون له تاثيره فى تكوين الروح السلمية عند الاستاذ والجمهوريين ؛ وهو ظاهرة المقاومة السلمية لغاندى ( satia grasha ) فى فترة نهاية الثلاثينات والاربعينات ؛ وهى فترة التكون النفسى والسياسى والفكرى لمحمود . ان هذا الاستناج غير مستبعد ؛ اذا ما علمنا بان منهج غاندى السلمى ؛ قد تجاوز حدود الهند ؛ الى العديد من المجتمعات الشرقية والغربية . لقد اثرت تكتيكات غاندى لفترة طويلة على النهج السلمى لحزب المؤتمر الوطنى الافريقى فى جنوب افريقيا ؛ وهى البلد التى عاش ونشط فيها غاندى لفترة من الزمن ؛ كما امتد الى المنهج السلمى لمارتن لوثر كنج ؛ والتيار الذى قاده فى حركة الحقوق المدنية لزنوج امريكا . اننا لا نبالغ بالقول ان هذا المنهج قد اثر حتى على بعض القوى اليسارية الماركسية ؛وهى التى لا تستبعد العنف فى العمل السياسى ؛ وترى فيه مرات قابلة التاريخ (ماركس) . ان محمد ابراهيم نقد قد اشار الى ان احد جذور فكرة الاضراب السياسى ؛ ترجع لممارسات وتكتيكات غاندى فى افريقيا وفى نضاله من اجل التحرر الوطنى فى الهند ؛ وقد تم من بعد تبنى الاضراب السياسى العام ؛ وهو اسلوب سلمى فى مجمله ؛ فى ارث واستراتيجية اليسار السودانى ؛ كاداة اساسية اللنضال والتغيير ( من ندوة لمحمد ابراهيم نقد ؛ جامعة القاهرة فرع الخرطوم ؛ اكتوبر 1985).
اننا ورغما عن عدم توفر دلائل اكيدة على وجود هذا التاثير الغاندوى ؛ الا انه محتمل جدا فى نظرنا ؛ بطبيعة التكوين الفكرى والنفسى لمحمود ؛ واتباعه من الجمهوريين ؛ وتقارب الجذور الفلسفية للفكر الهندى الذى استقى منه غاندى ؛ مع الاصول الفكرية والمرجعية الصوفية التى استند عليها محمود . اننا نزعم هنا ان فى حياة الرجلين تشابهات اعمق ؛ ليس هنا مجال دراستها ؛ ولذلك فاننا لا نراها مجرد بلاغة لفظية ؛ حينما وصفت صحيفة اللوموند الفرنسية محمود بعد بموته ؛ بانه "غاندى افريقيا" .
خاصية اخرى فى نشاط الجمهوريين ؛ وهى اتصالهم الفردى والمباشر مع الجمهور ؛ عن طريق جماعاتهم الصغيرة التى توزع وتبيع مطبوعاتهم فى الاسواق والشوارع والبيوت ؛ فى ممارسة قريبة لنشاط "شهود يهوة" فى امريكا واوروبا ؛ وكذلك عن طريق المخاطبة المباشرة ؛ عن طريق اركان النقاش التى كانوا يقيموها فى امكن التجمعات العامة ؛ والتى اسموها "بمنابر الحوار ". واخيرا عن طريق المؤسسة المسماة ببيت الجمهوريين ؛ والذى كان يتبع لهم فى كل مدينة لهم بها بعض الوجود . ان هذا الاتصال المباشر قد كانت فيه محاولة للاتصال مع الشعب عن طريق اللسان ؛ وهو الطريق الاكثر قربا من المواطن ؛ اضافة الى سيطرة الحكومة على وسائل الاعلام العامة ؛ وقد كان هذا الاتصال ميسورا لهم ؛ حيثما لم يكونوا واقعين تحت ضغوط العمل السرى ؛ والتى وقعت فيها التنظيمات السياسية المعارضة ؛ من اطراف اليسار واليمين .اما مؤسسة بيت الجمهوريين ؛ فقد كانت محاولة عصرية ؛ لبناء المسيد او المثابة ؛ التى تمارس فيها واجبات دينية (الصلاة والذكر ) اضافة الى الواجبات التنظيمية (الاجتماعات وحلقات الشرح والندوات للاعضاء الجدد وتنسيق النشاط ) ؛ والواجبات الاجتماعية وهى ربط الاخوان اجتماعيا ؛ واسكان من لا سكم لهم بالبيت . وقد كان منزل الاستاذ نفسه بامدرمان ؛ بمثابة البيت الرئيسى للجمهوريين ؛ والمركز العام لحركتهم ونشاطهم ؛ والرمز الذى اليه يرجعون .
اننا نلاحظ هنا ان الجمهوريين ورغم نشاطهم الفكرى والدعائى الكثيف ؛ فى ظروف سودان السبعينات واوائل الثمانينات ؛ ورغم امكانيات العمل العلنى المتيسرة لهم ؛ لم يفلحوا فى خلق تنظيم جماهيرى ذو نفوذ ؛يمتد الى طبقات وشرائح اجتماعية متعددة وواسعة . ان احد الشهادات تقول ان عدد الجمهوريين فى لحظة وفاة الاستاذ ؛ لم يتجاوز الالف عضو ؛ بما فيهم الاطفال والايافع ! اننا نرجع هذا الى طبيعة تنظيمهم الصفوية ؛ والى غرابة طرحهم الفكرى ؛ وعدم قدرتهم على تبسيطه وشرحه للمواطن البسيط . وقد يرجع ايضا الى الدعاية الضادة من قبل القوى السلفية والتقليدية ؛ والتى كانت تنظر لهم ككفار ومرتدين . وقد يرجع ضعف وجودهم فى الريف ؛ لموقفهم العدائى الواضح من المؤسسات الطائفية . كما ان من الاسباب المحتملة لضمورهم دفاعهم المستمر عن نظام مايو اليكتاتورى ؛ على الاقل حتى منتصف 1983 ؛ وهو نظام مكروه حتى النخاع من المواطن البسيط ؛ ويفتقد الى اى سند شعبى حقيقى ؛ وخصوصا وسط فئات العمال والمثقفين . وقد تكون كل هذا الاسباب مجتمعة ؛ وكون فكرهم قائم على اساس الطريق الفردى للتربية والتجويد والوصول ؛ وتناقض ذلك مع الشكل الجماعى للنشاط والدعاية والتنظيم ؛ كما يتبدى فى شكل المنظمات الجماهيرية ؛ذات التاييد الشعبى الواسع .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Abdel Aati | 01-13-03, 06:21 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Abdel Aati | 01-13-03, 06:22 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Abdel Aati | 01-13-03, 06:23 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Abdel Aati | 01-13-03, 06:24 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Abdel Aati | 01-13-03, 06:27 PM |
حوار مع الاستاذ عمر القراى | Abdel Aati | 01-14-03, 04:11 PM |
Re: حوار مع الاستاذ عمر القراى | Abdel Aati | 01-14-03, 04:12 PM |
Re: حوار مع الاستاذ عمر القراى | Abdel Aati | 01-14-03, 04:13 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Yasir Elsharif | 01-14-03, 06:28 AM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Omer Abdalla | 01-14-03, 06:58 AM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Abdel Aati | 01-14-03, 04:10 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Omer Abdalla | 01-14-03, 07:00 AM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Abdel Aati | 01-14-03, 09:14 AM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | مهيرة | 01-15-03, 05:22 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Abdel Aati | 01-15-03, 09:29 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Omer Abdalla | 01-15-03, 01:05 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Omer Abdalla | 01-15-03, 01:08 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Omer Abdalla | 01-15-03, 01:14 PM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Abdel Aati | 01-17-04, 03:48 AM |
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 | Raja | 01-17-04, 03:24 PM |
|
|
|