|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
الكاتب مُحسن خالد: بقي القليل من مسبحةالعُمر
لن يصفعُ خدك خير من نسيم متوسط الحرارة ، بارداً مُحبباً عندما يُسرِف الطقس بحرارته عليك ، أو دافئاً عندما تكون في حاجة لتخرج من موت البرد في الزمن الذي لا يتجمَّل بالحرارة .
من يشهد الأديب مُحسن خالد ، لن يحسب أن تلك القطعة الإنسانية النادرة هي في مطلع الثلاثينات من العُمر ، وأنه قد أسهم وشارك في التحرير والتحقيق وكتب من القصص القصيرة والروايات ما يفوق الثلاثين عَداً ونقداً كما يقول الباعة المتعجلون !.
يعرف هو أدواته اللُغوية جيداً . يُصحح انـزلاق الآخرين عندما تأخذ الفكرة بأصحابها مأخذاً يتركون معه اللغة على نارٍ هادئة ، يلُفها النسيان ..ربما يحترق الطاجن بما يحوي وتجد الكتابة وخليط الروائح الكربونية تأخذ من الطعوم نكهتها . مُحسن غير هؤلاء من الكُتاب . يكتب العربية والعامية ، في موضعهما من رُقعة الحياة التي تُنسجها مُخيلَتِه الجامحة . لست أدري من أين له هذا الصفاء ، أو ذلك الزمن ليكتب كل ذلك في هذا العُمر القصير الذي يمضي ! . تلك التجارب التي عبقت طفولتها من أرياف السودان ثم إلى المدائن الريفية ، ثم إلى مُدن الحضر على ضفاف المتوسط ، أو الخليج . ساقني جسدي في رحلة ترويح عن النفس مما بها ، ولقيته قرب منتصف يونيو 2005 م الماضي . أنا أحتسي كوبا من الشاي ، وهو عائد بعد أن غسل يديه من بعد وجبة عشاء سودانية الصفات . جلس قُبالتي من بعد أشواق حميمة . نلتقي دوماً هو على عجل ، وأنا أستطرد في حديث لا أعرف كيف بدأ . التفت يمنة ويسرى ولا أجده ،إلا اليوم ، يسرت لي الصدفة ألا يكون بيننا حاجب يحجب عنا صفاء اللقاء ، ولا شاغل يمنعني أن أتخذه اليوم أنيساً رغماً عنه .أحكمت قبضتي على زمانه ، وحاصرته برقة :
ـ أتمنى إلا أكون قد أخذتك عنوة من موعد أو عمل ..
طمأنتني إجابته ، لم نكن نحن على عجل . أخذنا من المساء حتى أقبل صباح اليوم التالي . في الثانية والنصف صباحاً افترقنا . نسكن نحن مدينة مُصنعة بالجفوة والحنان . قلت له :
ـ عُمرك لا يناسب ما تكتب . بحر أنت عميق الغور ، ربما تَنَقَل ذهن أحدهم وأنت في عُمر الطفولة ، واستوطن هذه الجُمجُمة التي تجلس بين كتفيك قُبالتي ! تناسخ فكر وروح .
تبسم مُحسن قائلاً :
ـ تقلبت طفولتي بين ريف السودان بخضاب روائحه ، ومدائنه الريفية و أخذت نصيبي من الدهشة وكتبت . لن يُدهشني من بعد شيئا . تعجبت وأنا أقول :
ـ ومن يخرج من عُلب الدهشة ؟ من يصنع لنا الدهشة غير المُبدعين ! هادئ في مجلسه أمامي ، تشابكت الأضواء في بريق عينيه ، فصُور الحضور من حولنا على قلتهم ترسم ملامح مموهة على صفحات عينيه . نظرني قائلاً :
ـ أكاد أكون عرافاً ، يُشغلني إحساس مثلاً بأني أعرف زيداً من الناس ، وأراه على وشك أن يُغادر الدنيا . أسافر للقياه وأحادثه وأنا جازم بأني لن ألقاه مرة أخرى ، ويكون كما حلمت به. كانت والدتي في صغري تتوجس من أحاديثي عن بعض المعارف . كأن المستقبل كتاب مفتوح في ناظري . أصدقك القول أنني أجهِد نفسي بالكتابة ، أكتب على أحجام (22 ) و (24) على الكمبيوتر لأنهما أكثر وضوحاً ، عيناي مُرهقتين وأعاني ضعفاً شديداً في النظر . أحاول جاهداً أن أكتب لأن الزمن والعُمر يلاحقانني . بقي القليل يا عبد الله من مسبحة العُمر . خمس سنوات بيني وبين الرحيل الأبدي . ستعلم يا صديقي وتذكر هذه الليلة من دون الليالي : السادس عشر من يونيو ، خمس وألفان من بعد الميلاد ، كُنت أجلس قُبالتك وكنت أقول الحق ، لا وقت للحزن أو الدهشة فعُمري رقاقة شفافة نظرتها وعرفت كل شيء . أفضل الأشياء أن أكتب كل ما لدي قبل فجيعة من يُحب أن أكون قربه .
انتابتني مشاعر من الحُزن عميقة وكآبة لم أعهدها من قبل . أنا بين مُكذب و مصدق . كان دفء حديثه يوحي صدقاً ورقَّة كأن النفس الصافية الصادقة تتكلم إنابة عنه . أخذت نفساً ثم قلت :
ـ إياك سيدي أن تُبرمِج ساعتك البيولوجية على ذلك الضبط المأساوي . إن العقل كائن يسبح في بركة تصل الواقع بالخرافة ..
قاطعني مُحسن :
ـ هذا ما أراه حقيقة ، ستذكر هذا اليوم وستعرف أنني كنت أصدقك القول .
حاولت أن أتحكم في انفلات العاطفة بين الدفء والحنين والحُزن ، فقلت :
ـ أعرف أن الذهن يستجيب للبرمجة ، وللتطبيب . يفتح بوابته للكثير من الغرائب ، فلا تعُب لنا من الحُزن فوق ما نستطيع . أنت تُهلكني برؤاك ، أنا أصدِّق ما تقول لأن لي تجارب في طفولتي . قرأت وجربت الكثير وعلمت بغرائب الذهن البشري حتى أوشكت على الانفلات . رجاءً قُم بتفكيك هذه الرسالة الحزينة ، وأعد البرمجة من جديد . قُل لعمرك أن يمتد إلى العُلا ، ففجائع مُبدعينا كُثر . والرقم الذي رأيت فيه عُمرك يا صديقي يقارب عُمر رحيل عبد العزيز العميري ، وبوب مارلي ..
ضحك مُحسن وقاطعني :
ـ إنني جاد .. ولا ألوِن حديثي بروائح القص !
على مقهى قرب مسكنه جلسنا سوياً . شربنا خليط الشاي والحليب ، وأخذ أنفاساً من ( شيشة ) أُعدت له . تداعى الحديث بيننا مُتفرقاً . سعت النادِلة أن تُجالسنا . أرادت أن تتدخل لترِفه عنا . وقفت هي في منتصف الدرج واستعصى عليها الصعود إلى سماواتنا . فقالت لي :
ـ أأجهز لك ( شيشة ) ؟
قلت :
ـ إنني ممنوع من التدخين ، لي تاريخ موجِع . كوب آخر من الشاي لو تسمحين .
فتحنا بوابة الكتابة ، بين التعب والإبداع والألق .. ولتلك قصة أخرى .
عبد الله الشقليني 27/07/2005 م
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-19-06, 02:38 PM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-19-06, 03:53 PM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-19-06, 04:17 PM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | osama elkhawad | 10-19-06, 11:28 PM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 10-20-06, 00:28 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | munswor almophtah | 10-20-06, 01:22 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-20-06, 03:47 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-20-06, 03:52 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-20-06, 04:26 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-20-06, 09:08 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | ابو جهينة | 10-20-06, 09:23 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 10-20-06, 07:22 PM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-21-06, 09:23 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-22-06, 01:57 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-22-06, 00:53 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | osama elkhawad | 10-22-06, 01:04 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-22-06, 01:22 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | osama elkhawad | 10-22-06, 01:54 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-22-06, 02:05 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | osama elkhawad | 10-22-06, 02:46 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | osama elkhawad | 10-22-06, 02:46 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-22-06, 04:19 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-22-06, 04:28 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | osama elkhawad | 10-22-06, 06:35 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-22-06, 09:57 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-23-06, 01:24 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبد المنعم ابراهيم الحاج | 10-23-06, 11:41 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | osama elkhawad | 10-23-06, 10:17 PM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-24-06, 06:30 AM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-24-06, 02:01 PM |
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد | عبدالله الشقليني | 10-25-06, 05:05 PM |
|
|
|