|
الأستاذمحمودمحمدطه وعروس النيل
|
قيل أن عمرو بن العاص، فاتح مصر وأميرها يومئذ، قد انتبه ذات يوم على جلبة عظيمة، فسأل عنها، فأخبر أن القوم قد جرى عرفهم بأن يتخيروا بنتا، من أجمل الفتيات، ومن أعرق الأسر، يزفونها كل عام إلى النيل، يلقونها في أحضانه فداء لقومها من القحط، لأنها تغري النيل بأن يفيض عليهم باليمن والبركات، فطلب إليهم عمرو بن العاص أن يستأنوا بها، حتى يستأمر عمر بن الخطاب في ذلك، فكتب إلى عمر، فرد عمر بجوابه المشهور الذي قال فيه:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
من عبد الله عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، إلى نيل مصر.
السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد، فإن كنت تفيض من عندك فلا تفض، وان كنت إنما تفيض من عند الله ففض.
وأمر عمرو بن العاص أن يلقيه في النيل، ففعل، وفاض النيل، وأبطلت من يومئذ تلك العادة، وتم بالعلم فداء جديد للفرد البشري.
وهذا العنف العنيف بالفرد البشري، الذي استمر منذ فجر المجتمع البشري، وهو قبل فجر التاريخ بآماد سحيقة، وظلت صوره إلى وقت قريب، كالذي سقنا عليه المثالين الماضيين، ضلل المفكرين الاجتماعيين، فظنوا أن حرية الفرد، قياسا إلى ما جرى به التاريخ، تتعارض دائما مع مصلحة الجماعة، وان الرشد إذن في أن يضحى بحرية الفرد في سبيل مصلحة الجماعة. وتورطت في هذا الوهم الشيوعية، وهي طليعة الفلسفة الاجتماعية المعاصرة، وصاحبة الدور التقدمي الذكي في المدنية الغربية الآلية الحاضرة.
( فقرة من مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه)
|
|
|
|
|
|
|
|
|