|
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات (Re: Tragie Mustafa)
|
العزيزة أماني سلامات الاعزاء جني وتراجي لكم الود والمحبة وشكرا على المتابعة، ومرحب بأي اضافة نواصل
لا يتوقف تأثير الخطب المملة والانصرافية التي يجود بها الامام الموظف على مستمعيه في كل جمعة أو درس على مجرد "الدبرسة"، بقدر ما أن تداعياتها على المستوى البعيد في غايةالخطورة والكلاحة. وهي دون مجازفة سبب العلل المستفحلة التي يعيشها المسلم منذ أزمان بعيدة وحتى راهن اللحظة دون أمل في الشفاء.
انها استراتيجية محكمة ضاربة في أعماق التاريخ جادت بها قريحة معاوية بن أبي سفيان أول سلطان في التاريخ الاسلامي. وكان ذلك - كما هو معروف- ايذانا بتحالف السلطة ورجال الدين ضد المواطن البسيط. لا شك أن الطريقة التي يتم بها تعيين الامام من قبل الدولة هي أولى الخطوات المهمة لابتلاع المسجد وتقزيم دوره من كونه برلمان شعبي "مفترض"، تمارس فيه مناقشة أحوال البلاد والعباد بجانب العبادة في حرية تامة - كم يقول المفكر الليبي صادق النيهوم- الى مجرد بوق سلطوي تمارس فيها السلطة السياسية أو الجماعة الايدولوجية المهيمنة كل أدوات قمعها ونفيها للآخر بجانب تمرير اجندتها الايدولوجية، في ذات الوقت الذي تسعة فيه جاهدة لتعزيز قيم الانصياع والتلقين والامتثال للقضاء والقدر.
هذه الاستراتيجية الخطيرة والممثلة في هذه الخطب المكرورة لها قدرة فذة على شيوع اللامبالاة والبلادة في الذهن الجمعي كمظهر لفراغ الروح والعقول نتاج التآلف المنتظم بفعل العادة مع هذه الخطب ذات الايقاع الواحد الممل. يظهر هذا التآلف جليا في التململ الصامت والغير قادر على اتخاذ مواقف صارمة تتسق مع مسئولية الوعي وأمانته والاستسلام لذلك كنوع من الرضوخ للأمر الواقع من حيث أنه قدر لا مفر منه.
هذه القدرة على بلع الاحتجاج والتماهي مع كافة أشكال الظلم واستعذاب الهوان باتت تشكل الملمح الأبرز والقاسم المشترك الذي يميز الشعوب المسلمة. ولم يتم ذلك لاسباب جينية بالطبع، بقدر ما أنه نجاح تام للخطاب الديني في قدرته الفذة على الالتفاف والمراوغة بحيث يشوش على الانسان قدرته على قراءة واقعه بالشكل الصحيح وبما يبعث في نفسه الارتباك وانعدام الثقة واللجوء للعدمية واللامبالاة بمرور الزمن. ويتجلى هذا الارتباك في قلب الاولويات والذهول عن التحديات التي يعيش فيها المسلم نتاج تمرير هذا النوع من الخطاب الذي يصب في خدمة السلطة وأهدافها التي المتصادمة مع مصالح الأمة. فعندما تسيطر أجندة من شاكلة الحجاب ، النقاب ، المصافحة ، طول اللحية ، السروال أم البنطلون والمسواك أم المعجون، على قضايا مصيرية كالحرية والعدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة وحقوق الانسان بجميع تفريعاتها، عليك في هذه اللحظة ان "تتحسس مسدسك"، لأن الأمر جد خطير والمؤامرة تبدو في أبراز صورها.
تخيل مدى القبطة التي التي يمكن أن يشعر بها نظام سياسي كالذي يمسك بخناق الشعب السعودي ، حين يرى حكامه أن القضايا الأساسية التي تناقش في مساجده من خلال الخطب هي النقاب والحجاب في بلد لا تملك المرأة حق أن تلبس غيرهما حتى وان كانت أجنبية أو من غير الدين!!! أو أن تناقش فيه حرمة المرأة لقيادة السيارة!!. ما هو التواطوء اذن ان لم يكن هذا؟ في بلد يمثل اسوأ نموذج للفساد والاستبداد والقمع ومصادرة الحريات على ظهر البسيطة. هل نعرج قليلاً لنسمع ما يدور في مساجد السودان؟ لا باس. ستجدهم هنا يتكلمون في كل التوافه الا فساد النظام وفشله وتدميره للوطن وجعله حظيرة جماعات ثيوقراطية لا يجمعها جامع سوى الخراب والموت.
كل هذا وأكثر يحدث كل يوم وبايقاع منتظم ، وليس هناك من يحرك ساكنا، أو ينتفض لكرامة عقله. فالبلادة تغلغلت في الارواح والنفوس حتى بات التناقض الفاضح لا يلفت الانظار والخطايا المميتة لا تهز النفوس أو تبعث على الدهشة كأول بادرة على صحة العقول، للدرجة التي بتنا معها نتآلف مع مشاهدة مناظر الرؤوس المجزوزة والمحمولة كما تحمل الفواكهة وخلفها لافتة عليها عبارة "لا اله الا الله محمد رسول الله"!!! ولايعادل هذا المنظر المقزز سوى الصمت الفادح والخوف من الاثم الذي تبثه الخطب اللزجة باستمرار.
تأمل هذه الحكاية: "خطيب باحد مساجد مدينة ملبورن، تخصص في خطب اثارة الكراهية ضد الاستراليين بوصفهم كفار ومنحلين، وبخبث استدرجته وسائل الاعلام ليقول كلامه هذا على الملأ وعبر القنوات التلفزيونية، وصاحبنا ما قصر وزاد من انجعاصته0 هو يتكلم بثقة تامة بأنه المعبر الحقيقي عن صوت كل المسلمين باستراليا،ولم يجد من يعترض على ذلك0 بل أن مسجده بحي "بريستون" لم ينقص عدد المصلين فيه احتجاجا. من المتضرر من مثل هذه الحماقات؟ انهم وحدهم الذين اتوا هنا ليعيشوا في سلام بعد أن انهكتهم الحروب العدمية كالصوماليين والسودانيين والارتريين. فجل هؤلاء من النساء والارامل أو الذين يفتقدون لمهارات التواصل اللغوي والعمل، وعائلهم الوحيد الاعانة الاجتماعية التي تدفعها لهم الدولة. أما هو، فلا علاقة له بظروفهم. فراتبه يأتيه من المنظمات الوهابية بالسعودية وبكافة الامتيازات التي تهيء له عيشة رغدة. وزير المالية الفدرالي علق على ذلك بقوله أنه ليس مندهشا لما يقوله، فمثله موجودون في كل ملة وكل دين، ولكن المحزن حقا هو صمت الاغلبية الذي لا يمكن تبريره0 وأردف ان كانوا يوافقونه، فيمكنهم ببساطة ان يعودوا من حيث أتوا ان كان هذا رأيهم فينا. لأن وجودهم في ظل هذه الرأي تناقض لا يمكن فهمه. ومرةأخرى الصمت سيد الموقف!!.
باختصار، كل ما يحدث أمامنا ينبئنا عن حقيقة مؤلمة قوامها أن دور العبادة باتت - للمفارقة - هي المكان الذي يتم فيه تحنيط الدين والمسلمين وفق مواصفات خاصة تقوم بانتاجها مؤسسات الدولة الرسمية ويعمل على تسويقها حفنة من العلماء والأئمة الموظفين عبر خطب مكرورة تفعل فعلها المدمر بمعزل عن أي تهديد بعد أن نجحت تماماً في صياغة العقل والمزاج ليتماهى معها حتى وان كان يرفضها في دواخله، ولكن الاستلاب الكامل تمكن من عصب المقاومة وفتت كل قدرة على التمرد.
والى اللقاء عبد الخالق
* الحلقة القادمة "الاسلام والمسيحية في البورد على ايقاع هلال-مريخ"!!
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-21-05, 00:47 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-21-05, 02:07 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | الجندرية | 10-21-05, 02:31 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | jini | 10-21-05, 03:57 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | Tragie Mustafa | 10-21-05, 04:40 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-22-05, 00:44 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | النصرى أمين | 10-22-05, 01:10 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-22-05, 03:31 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | Sudany Agouz | 10-22-05, 04:03 PM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-23-05, 02:40 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | Marouf Sanad | 10-23-05, 09:22 PM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | bint_alahfad | 10-24-05, 00:17 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-24-05, 01:10 AM |
|
|
|