|
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات (Re: atbarawi)
|
الالتزام بصلاة الجمعة في ظل أمام سمج
هل انتابك احساس بالملل وانت تستمع الى خطبة الجمعة في احد المساجد التي تؤمها أين كان موقعها؟ الحقيقة أن مثل هذا الشعور يغشى الكثيرين في العالم الاسلامي، والاسباب في ذلك مختلفة. فمثلا ، كثيرا ما يكون الامام الذي تستمع اليه لا يمتلك الجاذبية التي يتمتع بها بعض الخطباء نظراا لضعف المامه بعلوم الدين عموما أو لطغيان الايدولوجية التي يتبعها وبالقدر الذي يسد عليه منافذ الواقع المعاش، مما يجعل منه مجرد شخص يتجشأ ما تلقنه وبشكل سيء لا يحتمل0 هناك البعض الآخر من الائمة ممن يرتضي أن يكون بوقاً سياسيا للنظام الحاكم وبشكل لا حصافة فيه يفتقد معه الحد الأدنى من الحساسية اللازمة التي تجعله يدرك أن الذين يسمعونه اناسا خلق الله لهم عقولا تميز وليسوا "بهما" كما يظن0 وهناك من بلغ به العمر عتيا بحيث يصعب عليه قراءة الخطبة من الورقةالتي يحملهانظرا لضعف بصره، فضلا عن قدم المعلومة التي يقدمها لاعتزاله الحياة لأسباب صحية مبعثها الشيخوخة. كل هذه النماذج وأكثر تشاهدها في المساجد وبشكل دائم ومنتظم، للدرجة التي يبدو فيها احياناً أداء صلاة الجمعة نوعا من العنت والمشقة وباعث على الكدر وسوء المزاج في بعض المساجد. ولكن، بالرغم من ذلك يصبح الذهاب الى صلاة الجمعة غاية في حد ذاتها أو عادة طقوسية لا فكاك منها، ولا يمكن الغياب منها بهكذا حجة، ولافائدة ايضا في الاحتجاج، لأن الأمر ليس بتلك السهولة التي تظن ان كنت باحثاً عن التغيير. فمن أنت حتى تحتج على أداء أمام؟ "وشن عرفك" في الدين؟ اسكت صلي صلاتك دي ساكت والزم أدبك قبال يسري عليك لقب "مسخوت"، ان لم يستطيل الأمر الى زنديق أو كافر.
ولكن لماذا هذه الحالة مستفحلة الى هذا الحد؟ الاجابة ليست بتلك السهولة، فالاسباب متعددة ومتشابكة، ولكن يبقى للانحطاط الكبير الذي تعيشه الأمة الاسلامية دوره المقدر في ذلك0 فتحنط الفكر الديني وتكلسه، واقتصاره على فئة معينة محتكرة يجعل منه طقسا سحريا أكثر من كونه مفهوما عقلانيا قابل للاثراء المعرفي والتجديد والمراجعة. هذا النوع من الاحتكار جعل الفكر الديني خارج سياقه التاريخي وأبد للجهل واحتكار المعرفة ،واسهم في قدسية الجهد الفكري للاوائل الذين أنتجوا هذا الارث الضخم من الفقه وعلوم الدين.
فأئمة المساجد ما هم سوى انعكاس لهذا الانحطاط والتدليس وخداع النفس الذي يعيش فيه العالم الاسلامي0 فالاصرار على النظر للدين بشكل مجرد بغرض النقاء لا يلبس أن ينكشف ويتعرى في أول اختبار حياتي معاش، وما الأئمة أو علماء الدين الا واحدة من هذه المحكات الصعبة. كيف ذلك؟؟ الاجابة على ذلك تقودنا الا ما بدأنا به هذا الموضوع، أي لماذا الكثير من الأئمة جهلة أو مؤدلجين لدرجةالملل أو مناففقين في تمريرهم لأجندة الدولة؟ ان مجرد التأكد من أن الامام ما هو الا موظف دولة في وزارة اسمها وزارة الشئون الدينية، أول الدلائل على أن تفسير الدين على الواقع الارضي ليس بمنجى من تأثيرات السلطة السياسية الدنيوية وثقل الواقع الاقتصادي الذي يجعل من الامام موظفا يتقاضى راتبا ثابتا من هذه الدولة تنبني عليه مسئولياته وآماله وأحلامه الدنيوية، وهو بالتالي - وفي ظل هذه الظروف- ليس بمنجأ من مهادنة السلطة، وهو في الحقيقة السيناريو الأقرب كما يبينه واقع الحال. ثم أن تحول الأمامة الى وظيفة في الدولة يتم التعيين لها، يعني ذلك أن هناك ظروفا كثيرة قد تجعل من الشخص اماما ليس من الضروري ان يكون من بينها كفاءته، خصوصا في ظل واقع حياتي بالغ الصعوبة تعيشه جل الشعوب الاسلامية0 فكم منا ارتضى بفعل الظروف ،ليس الا، وظيفة لا تشبهه أو حتى تناسب امكانياته ؟ وهذا معناه ان الدين ليس نصوصا متعالية على اشكالات الواقع وثقل تأثير هذا الأخير على مناحي تفسير هذه النصوص.
ان المفهوم المعشعش في لا وعينا - رغم الانكار ظاهريا- بأن رجل الدين لا يخطيء هوالمسيطر علينا ويجعلنا في كثير من الاحيان نكذب آذاننا، وحتى أن ثبنا الى رشدنا نعجز عن الفعل المناسب لايقاف هذه المهازل المتكررة. والنتيجة ذهاب دائم الى خطب مملة وبشكل آلي لا تحس معه بأي متعة روحية، سوى أنه الخوف المرضي من مغبة ارتكاب الاثم، مع أن الاثم الأكبر - حسب اعتقادي- هو ان تمنح اذنك طوعاً لمن يلوثها بلغو كلامه، أو من ينافق الظلم والاستبداد على مراى منك وبرضاك، وأنت لا تملك سوى أن تصمت وتنصت وتأتي مرة وثانية وعشرة دون كلل أو ملل، رغم أن دواخلك فارغة مستهلكة من هذا الكذب والافتراء.
أذكر أنني قضيت ثمانية سنوات بالسعودية أمضيت فيها عدة أشهر متنقلا بين مساجد الاحياء المختلفة لمدينة جدة باحثاً عن خطبة "معقولة" تراعي مشاعر الانسان وتحترم عقله، ولا تبيعه الكذب والتضليل، ولا تجبره على رفع أكفه للدعاء بالخير والبركة للاسرة المالكة، بلا جدوى، فكان قرارا بالتوقف عن الذهاب للمساجد ، حتى لا اخادع نفسي. هل كان ذلك قرارا صائبا أم خاطئا؟ لا أجزم ، فالامر نسبي ويتفق حتما مع زاوية رؤيتي للدين والدنيا.
السؤال الذي يؤرقني، لماذا يتم تجاهل أمر بهذه الخطورة- مسألة تعيين الأئمة- دون أن يجد عنايته من قبل المسلمين لأنه يمس صميم المغزى من أداء الصلاة بوصفها ركن أساسي من أركان الدين؟ فأن تصلي لمجرد العادة يختلف تماماً من أن تصلي بمتعة روحية قوامهاجو مفعم بالعلم والمعرفة الحقة المؤسسة على الصدق والشفافية التي تتيح تشريح الواقع حسبما هو ماثل وليس كما يريده السلطان؟ ولماذا لا يكون الاضراب عن صلاة الجمعة - مثلا- كنوع من الاحتجاج الحضاري اللائق بمسلم على قدر من الوعي بدينه، ولا يرضى بأنصاف المتعلمين والعجزة والمنافقين لكي يبيعوا له بضاعة كاسدة لا نفع فيها؟.
في الحلقة القادمة سنركز على التأثيرات السالبة للخطب المكرورة والمملة على الذهن الجمعي وقدرتها الفذة على قلب الاولويات وتصعيد الثانويات كلازمة حتمية للتواطوء مع السلطة الفاسدة.
فتكم بعافية عبد الخالق
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-21-05, 00:47 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-21-05, 02:07 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | الجندرية | 10-21-05, 02:31 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | jini | 10-21-05, 03:57 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | Tragie Mustafa | 10-21-05, 04:40 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-22-05, 00:44 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | النصرى أمين | 10-22-05, 01:10 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-22-05, 03:31 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | Sudany Agouz | 10-22-05, 04:03 PM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-23-05, 02:40 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | Marouf Sanad | 10-23-05, 09:22 PM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | bint_alahfad | 10-24-05, 00:17 AM |
Re: الفقه والدين بين النسبي واليقين.... سلسلة مقالات | atbarawi | 10-24-05, 01:10 AM |
|
|
|