|
فساد الإدراك يؤدّى إلى فساد الإستدلال والإستنتاج
|
Edgar Morin
بينما كنت مارّا فى أحد التقاطعات رأيت اصطداما بين سيّارة و دراجة بخارية ( موتر ) أدى الى انقلاب الدراجة البخارية وانطراح راكبها أرضا ممّا ألقى بداخلى انطباعا أوّليّا مفاده أن السيارة صدمته
وعند إقترابى من موقع الحادث وجدّت أن سائق السيّارة يقول أن سائق الدراجة البخارية ( الموتر ) هو الذى صدمه ( وهو مالم يكذّبه سائق الموتر خاصّة بعد أن أخذ سائق السيارة يرى المتجمهرين كيف أصاب الموتر الجانب الخلفى الأيسر من سيّارته).
وهنا.. فهمت على الفور أن إدراكى الأوّلى كان مخطئا رغم أن عيناى كانتا قد أبصرتا الحادث جيّدا ولكن استقبال عقلى لرؤيتى البصرية للوهلة الأولى كان محكوما بثوابت عقليّه مسبقة التجهيز وأن ادراكى كان قد جرى برمجته وترتيبه مسبقا بموجب ظاهرة عقلانية ملخّصها أنه طالما أن الصغير قد وقع فان الكبير هو الذى أوقعه وبالتالى فان الكبير هو الذى صدم الصغير
ورغم أننى كنت واثقا أننى كنت منتبها ورأيت ماجرى بوضوح الاّ أن البرهان المادّى كذّب بعد لحظات الاستنتاج الذى بنيته بناءا على رؤيتى الشخصية التى كنت أعتقد أنها فى كامل الوعى والانتباه , وهو ما أكّد لى أننى عانيت فى تلك اللحظة ليس من خداع بصرى ( فقد كانت الاشارة البصريّة غير معيوبة) ولكن من قصور ادراكى ( فقد كان استقبال الاشارة البصرية هو المعيوب ) وهو بالقطع أحد أشكال الهلوسة الغير مرضيّة التى سمّاها المفكّر الفرنسي الكبير Edgar Morin باسم Hallucinating Complexity ( المركبة الاهلاسيّة)
اذن .. فإن متابعة أحد الشهود لأى حادث يجرى تؤدّى الى ادلائه ليس بحقيقة ما شاهده ( فالحقيقة معناها الصواب الكامل ) وانّما بتصوّره عن حقيقة ماجرى ( الذى يحتمل أن يكون خطأ ) , فالتصوّر لما يجرى يختلف من شاهد الى آخر بموجب زاوية الرؤية أو بموجب وجود عامل مرئى لشاهد دون الآخر أو بموجب التصوّر والبرمجة الادراكية المسبقة عند الشاهد أو بموجب الهيجان والعاطفة لدى الشاهد أو بموجب علاقة الشاهد بأحد أطراف النزاع.....الخ
هذه العوامل قد تبدو بسيطة ظاهريّا خاصة عندما يدور الحديث حول حوادث تافهة و لكنها لا تكون كذلك فى مجال السياسة التى تتحكم بمصائر أمم و شعوب ...... و للحديث بقية
مع خالص تحياتي
|
|
|
|
|
|
|
|
|