فعلها بابكر حسن مكي .. ونهض عن مائدة العمر (له الرحمة)

Quote: مسرح بدون الفاضل....اخبار اليوم عدد 13/6/2005 http://www.akhbaralyoumsd.com/modules.php?name=News&file=article&sid=8731 صعب أن نلخص عظمة الفاضل سعيد في عمود يومي ، فانه مثل كل الرموز التي تستكشف عظمتها كل يوم ، مثل كرومة وسرور وابراهيم الكاشف وادريس جماع ومثل الأزهري وعبد الله الطيب ونهر الجور وجبل الرجاف وكل الأسماء التي لا تموت . لكنني أرى أن واحدا من أعظم انجازاته أنه خلق من الكوميديا جسرا يصل ماضينا بحاضرنا ، فان (بت قضيم) المنتسبة الى الماضي ظلت تضحك أجيال الحاضر حتى آخر يوم وقفت فيه على الخشبة . أضحكتهم بشخصيتها ومفرداتها واكسسواراتها وقضايها واحلامها ، فلم يشعروا بغربتها عنهم أو غربتهم عنها رغم الهوة الكبيرة التي تفصل بين زمنها وزمنهم . كيف استطاعت (بت قضيم) أن تضحك الحاضر بطرائف الماضي .. هذا أحد جوانب عظمة المسرح الذي قدمه الراحل الكبير . والفاضل سعيد ظهر على الناس ولم يجد أمامه ارثا سوى كوميديا المونولوج والنكتة المباشرة ، لم تكن قبله ثمة مدرسة ابتدائية يؤسس عليها منهجه فبنى كل شيئ لوحده بيديه وأظافره وقلقه وتوتره وسيل العرق الذي كان يرشح منه بلا توقف أثناء ما كان يضحكنا ! ومع ذلك لم تكن مدرسته مقصورة عليه فقد كانت شعلة نهضت على وهجها الحركة المسرحية برمتها . قبله كان المسرح ، تقريبا، مكانا لحفلات الغناء ..الفاضل سعيد كان المحرض الأكبر لقيام مسرح جاد منذ اوائل الستينات يعرض قضايا الأمة بدون تهريج ويشخص آلامها بلا مبالغات ، ومن خلال (بت قضيم) و(العجب) رفع الستار عن المعايب والقصور والثغرات فكان يضحكنا وهو يمسك بمبضع الجراحة ويبكينا بشر الأمور المضحكات . وموت الفاضل كان آخر شهادة (حية) على اخلاصه لفنه ، فقد مات بالقرب من مسرحه وتلك كانت واحدة من أمنياته .. أن يموت على الخشبة أو بقربها أو في الطريق اليها .. بخلاف ذلك ما كان سيحلو له الموت ! تمرد منذ سنوات طويلة على تحذيرات الأطباء وتحدى مخاطر الهلاك وكان مصمما على ان يموت في عرينه كي لا تنام أعين الجبناء ! وكان ، رحمه الله ، رجلا زاهدا في حياته الأسرية .. أتصور أن الزمن الذي عاشه داخل بيته لا يزيد عن (عُشر) الذي قضاه بين المسرحيات وبروفاتها ، نذر نفسه على مدى أكثر من أربعة عقود للناس الآخرين ، فمع كل ضحكة تضج بها جنبات المسرح كان الفاضل سعيد يحمل هم الجملة التالية ومع كل موجة من التصفيق بعد العرض كان يحمل هم العرض التالي ، وكان يفكر في المسرحية التالية قبل ان يقدم الحالية . اذا كان الغناء السوداني الحالي لا يزال أسيرا لمدرسة كرومة فان المسرح السوداني الحالي سيظل أسيرا لمدرسة الفاضل سعيد ولن ينفك عنه قبل ان يفك الغناء ارتباطه بمدرسة كرومة . وهذه نتيجة حتمية للابداع المرتبط بالأخلاص ، فان الفاضل سعيد كان (روح) أي عمل قدمه منذ كان العمل يبدو نطفة في الخيال حتى يصير جنينا على الخشبة ، لم يترك شيئا للصدفة قط ، فكان يلاحق كل أدوات مسرحه الصغيرة والكبيرة .. الصوت والضوء ، الملابس والأكسسوارات ، الديكور والخلفية والزمن والمساحة . نتمنى ان يحافظ تلاميذه على مدرسته وقبل ذلك على احترامه لفنه وجمهوره ومسرحه .. (بت قضيم) وحدها هي التي ستفتقده أكثر منا و(العجب) وحده هو الذي سيبكيه أكثر منا .. هذان الرمزان سيعانيان أكثر من كل الذين عرفوا الفاضل سعيد ، فانه بقدر حرصه على ان يبقيهما على قيد الحياة فات عليه انه حتما سيفارق ويتركهما للوحدة والوحشة والعزلة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا . وداعا الفاضل سعيد ..الرجل الذي مات مثقلا بهموم الضحك نكشة : الحياة طابور الموت . قل ولا تقل : .. لا تقل : (انضموا الى بعضهم البعض) .. قل : (انضم بعضهم الى بعض)

(عدل بواسطة banadieha on 06-21-2005, 08:02 AM)