|
وفاة عمر الحسين جامع ديوان حاج الماحي وشاعر شدولك ركب فوق مهرك الجحجاح
|
إنتقل إلى رحمة مولاه الأستاذ عمر الحسين الشاعر والأديب ... أنجز أعظم إنجاز وهو جمعه لديوان مدائح حاج الماحي ... وهو شاعر الأغنية الشهيرة شدولك ركب فوق مهرك الجحجاح التي تغنى بها المبدع سيد خليفة ... لقد كان عمر الحسين شاعراً رقيقاً ... وكاتباً متميزاً ... ألا رحم الله هذا المبدع ...
وأنقل لكم بعد إذن من الأستاذ أحمد شاموق مقال له حول الراحل ...
بين النقاط والحروف أحمد محمد شاموق
رحم الله عمر الحسين
الدنيا دار ممر وليست دار مقر، وبقاء الإنسان فيها، طال أم قصر، محكوم بالنهاية المحتومة، ومن حسن حظ الإنسان أنه لا يعرف متى تحين هذه النهاية، ولا كيف تحين، ولا أين تحين، فالنهايات الثلاثة علمها عند علام الغيوب. * * * بالأمس فقدنا صديقا عزيزا، وأخا كريما، وفقدنا شاعرا، وأديبا، وباحثا، ومتحدثا، وفقدنا علما من أعلام الثقافة السودانية، وفقدنا رجلا صادقا، وغيورا، ومحبا، وشجاعا. * * * احترف الأدب، وصدق في احترافه، لكنه لم يجن منه إلا ما يجنيه الأدباء المخلصون، لم يلتفت إلى المغانم، ولا إلى المناصب، ولا إلى متاع الدنيا، ولم يحسب لذلك أي حساب. * * * كان مثل أبي ذر : عاش فقيرا، حتى قيل أنه كان يهرب من متاع الدنيا كما يهرب السليم من الأجرب، واعتزل الناس، حتى بدأت الحكايات تروى عن قصص اعتزاله، ومات وحيدا، حتى كانت قصة موته أقرب إلى الأسطورة، تماما مثل أبي ذر .. في فقره واعتزاله ووحدته .. وفي عفته .. * * * جمع ديوان حاج الماحي، بعد أن كان مبعثرا في صدور الرجال، وشرحه، بعد أن كانت مفرداته أشبه بالطلاسم، وحققه وقدم له حتى أصبح قصة متكاملة الحبكة، ونشره في مجلد ضخم .. مائدة شهية لمن يريد أن يطعم. * * * بدأ قبل سنوات يجمع ديوان شاعر الشايقية الفحل حسونة، لكن مع تقدم السن بدأ الجسم يضعف، وبدأت قوة التحمل تتلاشى، وأخذ التركيز يتضاءل، ولذلك بدأ يعطي الموعد تلو الموعد لإنهاء الكتاب، لكن تسارع تسرب الأيام من بين يديه .. حتى انتهت قبل أن ينتهي الكتاب. * * * قيل أنه عبر الدنيا لكنه لم يفهم كيف تسير، فكان عبوره مثل طائر محلق في علا شاهق لا يلتفت إلى تفاصيل الأرض من تحته. فلم ير تضاريسها ومرتفعاتها ومنخفضاتها وتشققاتها وحفرها، ولم ير وعورة الطريق، أو لم يكن يريد، ولم يوازن بين حاجاتها ومتطلباتها، ولم يفهم كيف تدفع استحقاقاتها، ولذلك عاش معها في خصام دائم حتى يومه الأخير. وبعــد .. رحم الله عمر الحسين، عاش حياته كما يريد دون أن يأبه بأحد، وحتى دون أن يأبه بالدنيا، ولكن الدنيا قوية غلابة، اعتاد الناس أن يتعاملوا معها بوجه عندما تقبل، ويتعاملوا معها بوجه آخر عندما تدبر، لكنه عاش معها في الحالتين بوجه واحد، ليس بالوجه الذي تريد هي، وإنما بالطريقة التي يريد هو، وكان ذلك خلاصة خلاصات حياته ..
|
|
|
|
|
|