|
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ (Re: Yaho_Zato)
|
عندما يصل الإنسان لدرجة غائرة من دنو الوازع الأخلاقي .. يصبح خوفه الوحيد متمركزا في نقطة واحدة .. الخوف من الجزاء .. جزاء أفعاله .. فإذا سولت له نفسه أنه يستطيع أن يرتكب ما يريد إرتكابه ثم ينفد بجلده .. فهو يفعله بكل برود .. أيا كانت حيوانية و وحشية الجرم
هذه القاعدة في نظري قابلة للتطبيق في مستويات عدة .. من الجرائم الفردية ( القتل، الإغتصاب، السرقة .. الخ) إلى الجرائم الجماعية .. مثل ما نرى في دارفور اليوم .. و ما ظللنا نراه عبر التاريخ بطوله و عرضه .. و هي ايضا تقع على مستويات من ناحية الحد الذي يمكن أن تصل إليه بشاعة الجرم دون أن يهتز له ضمير المجرم
هي بالطبع ليست قاعدة محكمة أو محبوكة لا يأتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها .. و لكنها تقرر أمرا أراه بديهيا .. فالطفل الصغير مثلا تجده على أتم الإستعداد أن يعصي أباه أو أمه في أمر "شيطنة" طفولية صغيرة إذا ضمن أنه يستطيع إخفاء معالم "جريمته" جيدا .. هذه النقطة هي مصدر تندر للناس عندما يرتبط الموضوع بالأطفال .. و عندما يكون حجم الخسائر بريئا كبراءة مسببيها .. و لكن العجب يحدث عندما نجد الممسكين بزمام الأمم يتصرفون تصرف الأطفال هذا !! .. و يلعبون بدمى أكبر بكثير من تلك التي يحلم بها الأطفال ..
كذلك فإن الإحساس بالسلطة .. و الترفع عن يد القانون .. تجعل هؤلاء الأطفال الكبار يمارسون هواياتهم اللامسؤولة دون حرج .. و على الملأ .. فإن كان هذا الملأ يقع تحت سيطرتهم .. فهم بطبيعة الحال لن ينتظروا العقاب منه .. بل و يرونه عظيما أن يعترض عليهم أحد هؤلاء "المواطنين" .. فيسعوا لتأديبه تأديبا سريعا يوفر عليهم زمنهم و يلجمه هو أبد الآبدين ما إستطاعوا لذلك سبيلا
ما نراه اليوم معادلته بسيطة .. بالنسبة لمرتكبي تلكم الجرائم .. فهم يرون المجرمين قبلهم .. أسوأ ما حصل لهم أنهم أبعدوا من السلطة على سبيل المثال .. إذ لم ينل من نميري أحد بعد كل الذي فعله بشعب السودان .. و لم ينل أحد من مصاصي دماء الوطن شيئا .. و عبر التاريخ كان الغالب أن أسوأ ما يمكن أن يحدث للطاغية أن يهرب أو يتنحى عن الحكم مثلا .. و رغم أن التاريخ يخبرنا أن هناك من الطغاة من دفع ثمن طغيانه .. إلا أن نسبة هؤلاء تقل مقارنة بالآخرين .. مما يشجع الطواغيت الذين يلحقونهم باعتبار أنهم لن يلقوا نفس جزاء تلك النسبة القليلة
ببساطة .. القائد المتسلط اليوم لا يتوقع أن يأتي عليه يوم يحاكم فيه على ما فعله بالشعب السوداني .. أو أن بعذب في بيوت أشباح .. أو أن يعدم رجما أو شنقا .. فكل هذه لا تجول بخاطره .. و أسوا ما يتوقعه أن يصبح مثلا كنميري .. بعد أن يذهب عنه وهج السلطة يجد زمرة من المطبلين يقولون له (ضيعنا و ضعنا معاك) .. أو (عايد عايد يا فلان) .. يرضوا بذلك ما تبقى له من غرور .. يقتات عليه باقي حياته .. هذا اسوا سيناريو قد يرد بخاطر هؤلاء الناس في إعتقادي .. و هم محقين فيه إلى درجة كبيرة .. و التجربة تمد لهم في ظنهم هذا ليناموا عليه و يواصلوا ما هم فاعلون
فقدان الوازع الأخلاقي مصيبة كبيرة كما هو واضح .. و هو خطير على أصغر المؤسسات إذا أصاب أصغر عامل فيها .. فماذا سنتوقع إذا أصاب هذا الداء قيادات الأمم ؟ .. النتيجة الحتمية قد أعيد مشهدها في السودان بأبطال مختلفين أكثر من مرة .. و التجربة التي لا تورث الحكمة تكرر نفسها
هذا علاوة على أن الخوف يصبح أكثر كمونا .. و يكبر أكثر في مخيلات هؤلاء مع الأيام .. و لكنه يترجم إلى عنف أكثر بدل الإرعواء .. و هذه أمثلتها أيضا كثيرة في حياتنا اليومية
كما أن إحدى النقاط التي يجب الإلتفات إليها .. هي أن مناطق الحروب دوما تحصل فيها تجاوزات سافرة لحقوق الإنسان من الطرفين المتحاربين .. دون أن نذكر إعتبار من له النصيب الأوفر من تلكم التجاوزات .. فالحرب دائما تأتي بالخراب .. و ليس هناك من جيش يلتزم يكل القيم الإنسانية بكل جنوده إلا أن يكون جيشا من القديسين .. و هذا نادر الحدوث .. و حتما فإن الضحايا في النهاية هم الضحايا
لهذا من الضروري جدا أن لا يكيل المرء بمكيالين في مسائل الحقوق الأساسية للشعوب .. كل الشعوب .. و هذا ما أردت الإشارة إليه في المشاهد الثلاثة أعلاه .. فالأزمة أزمة أخلاقية .. مافي ذلك شك .. و علينا جميعا أن نعي نصيبنا من تلك الأزمة و نتخلص منه .. إذ أن ذلك هو الضامن الوحيد لأن لا تتكرر التجربة البشعة التي يعيشها أهل السودان جميعا اليوم .. و أهل دارفور خاصة في هذه الأيام
و أخيرا .. لا أدري إن كان ما أقوله هنا لا يتجاوز حد الثرثرة .. و لكني بحثت و لم أجد ما أشارك به في هذا الأسبوع غير هذا .. مفاكرة من أجل وعي يعم و يشمل .. من أجل دارفور .. و من أجل السودان .. و من أجلنا جميعا..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | Yaho_Zato | 02-28-04, 08:28 AM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | Yaho_Zato | 02-28-04, 02:42 PM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | degna | 02-28-04, 03:16 PM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | Yaho_Zato | 02-28-04, 08:24 PM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | Yaho_Zato | 02-29-04, 00:36 AM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | خالد الحاج | 02-29-04, 00:56 AM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | Yaho_Zato | 02-29-04, 03:26 AM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | Yaho_Zato | 02-29-04, 08:35 AM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | Tumadir | 02-29-04, 08:43 AM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | Yaho_Zato | 02-29-04, 09:22 PM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | omdurmani | 03-05-04, 06:17 AM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | إيمان أحمد | 03-05-04, 07:11 AM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | haneena | 03-05-04, 11:13 PM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | shawgi badri | 03-06-04, 00:27 AM |
Re: كتائب التطهير العرقي في القرن العشرين .. كيف يفكرون ؟ | Yaho_Zato | 03-06-04, 03:34 AM |
|
|
|