كتاب «الجيش السوداني والسياسة»

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-01-2024, 05:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-29-2004, 01:26 AM

عصام الدين ميرغني

تاريخ التسجيل: 02-09-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» (5) (Re: عصام الدين ميرغني)

    التعقيب علىالوقفة الثانية (5)
    تنظيم الضباط الأحرار 1974-1977

    الخلفية السياسية لنشأة تنظيم الضباط الأحرار بالسودان:

    كتب العميد خوجلي: تحت عنوان: الخلفية السياسية لنشأة تنظيم الضباط الأحرار بالسودان:
    ظلت مصر تتمسك بوحدة وادي النيل (مصر والسودان) منذ عهد محمد علي باشا، ولكن الانجليز أرغموا الجيش المصري على الانسحاب من السودان بعد الثورة المهدية، ثم وأعادوا فتحه بقوات أغلبها مصري، ورفعوا العلمين البريطاني والمصري في السودان، ثم عقدوا اتفاقية الحكم الثنائي بين البلدين في عام 1898 لم يكن لمصر أي رأي أو دور فيها سوى التوقيع عليها. ألغى مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر هذه الاتفاقية في 8 أكتوبر 1951 وأعلن فاروق ملكا على مصر والسودان. عندما جاءت ثورة 23 يوليو 1952 برئاسة اللواء محمد نجيب، تنازلت عن التاج المشترك ووقعت مع بريطانيا اتفاقية في 12 فبراير 1953 لإعطاء السودان الحكم الذاتي يقرر فيها السودان مصيره بعد ثلاث سنوات إما بالاتحاد مع مصر أو الاستقلال.
    في عام 1943 ، أسس الاستاذ اسماعيل الأزهري أول حزب سياسي في السودان وهو حزب الاشقاء. ينادي الحزب بوحدة وادي النيل ونشأت بعد ذلك عدة احزاب تنادي ايضا بالوحدة والدي مع مصر. في عام 1945 ، أسس السيد عبد الرحمن المهدي حزب الأمة وهو صاحب شعارالسودان للسودانيين.
    يعتبر اللواء محمد نجيب الوجه المشرق والواجهة لسياسة مصر في السودان ومعروفا بأصوله السودانية عن طريق والدته. ولد محمد نجيب في ساقـيـة أبو العلاء في الخرطوم وتلقى تعلـيمـه في السودان وعند تخرجه من الكلية الحربية عمل في شنـدي ووادي حـلفا وبحر الغـزال وأعـالـي النيل، وعندما كان في رتـبـة ملازم أول حصـل على دبلومـيـيـن في الاقتصاد السـياسـي القانـون الخـاص وتحصل على شهادة أركان حرب في عام 1939 . اشترك في حرب فلسطين واصيب فيها ثلاث مرات ومنح نجمة الملك فؤاد العسكرية مرتين تقديرا لشجاعته. وكان شخصية مرموقة بين أقرانه في الجيش المصري. ثقافة محمد نجيب واخلاقه الطيبة وتاريخه المجيد في حرب فلسطين جعل منه مثالا يحتذى وموضع اَمـال الضباط الاحرار. خاض انتخابات نادي الضباط على رأس قائمة الضباط الاحرار وبفوزه فيها وقف في مواجهة ملك مصر كرمز لرفض الجيش للاوضاع السائدة وضد الفساد الذي كان يعم البلاد. كان محمد نجيب الوجه المضئ الذي قدم للعالم ولشعب مصر حركة 23 يوليو 1952 تحمل مسئوليتها العسكرية السياسية أمام الجميع. استطاع اللواء نجيب توحيد ثمانية احزاب وحدوية سودانية في حزب واحد وهو الحزب الوطني الاتحادي برئاسة السيد اسماعيل الأزهري. اشار المفوض البريطاني ريتشرد في رسالة بعث بها إلى لندن من الخرطوم بأن أغلبية السودانيين ينظرون بالاعجاب بل بالحب للواء محمد نجيب شخصيا فهو نصف سوداني وبذلك فهو واحد منهم.
    زار الصاغ صلاح سالم وفضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف المصري السودان في 21 ديسمبر 1952 وقام بزيارة الجنوب والتنقل في ارجائه بالسيارات لمدة عشرة أيام زار فيها جميع المديريات وقطع ثلاثة الف كيلومترا داخل أدغال الجنوب ورقص عاريا في رقصة الحرب مع راقصي قبيلة الدينكا. وبناء على رغبة الصاغ صلاح سالم نشرت صحيفة أخبار اليوم القاهرية صورته وهو يرقص عاريا في رقصة الحرب الشهيرة. أهم اثر لزيارة الصاغ صلاح سالم هو نجاحة في الاتصال بكل الاحزاب السودانية و إقناعها بالتوقيع على اتفاق سياسي وصفه الازهري في مذكراته بأنه أعظم اتفاق في تاريخ السودان. من الجانب الاَخر، اثارت هذه الاتفاقية حفيظة الانجليز لأنها ابعدتهم عن مركز ادارة ومتابعة أهم الأحداث السياسية في السودان وسحبت منهم البساط في الاشتراك في صياغة مصير السودان وهو على عتبات التحرر الوطني وتقرير المصير.
    بدأ النظام المصري بعد ذلك في التغلغل في الجيش السوداني لاستقطاب بعض ضباطه. هذا وقد اشار حينذاك السيد خلف الله خالد وزير الدفاع السوداني علنا بأن مجلس الثورة المصري يوحي للعسكريين السودانيين تقليده والاستيلاء على السلطة السياسية في السودان. هذا وقد اثار حديث وزير الدفاع اصداء داوية في السودان وتعليقات عدائية تجاه مصر في أجهزة الاعلام والصحف السودانية.
    خطط في تلك الظروف الصاغ عبدالرحمن كبيدة انقلابا باسم الضباط الاحرار في عام 1957. المعروف أن الصاغ كبيدة كان يعمل في مدرسة المشاة بأم درمان. حسب المعلومات التي توفرت للقيادة العامة للجيش، كان يوم 31/5/1957 موعدا لتحركه. اعتقل الصاغ كبيدة وقدم وهو المجموعة التي كانت تسانده لمحكمة عسكرية برئاسة الاميرلاي محمد عثمان محمد نائب القائد العام وحكم عليه بالعزل من الرتبة والطرد من الخدمة والسجن لمدة عشرين عاما.
    هذا هو المناخ السياسي الذي خرج من رحمه تنظيم الضباط الاحرار في السودان وهو يمثل فئة محدودة من العسكريين الوطنيين الذين ارتبطوا باتجاهات وتنظيمات سياسية متباينة ومدارس فكرية مختلفة وقد اجتمعوا في تنظيم واحد حول اهداف وطنية محدودة لغرض الاسهام في بناء الوطن ولم تكن هناك أي انتخابات لتمثيل أي تيار سياسي لادارة تحركه.
    أول انقلاب عسكري في العالم العربي قام به الاميرلاي بكر صدقي وكان رئيسا لاركان حرب الجيش العراقي بالانابة. وفي عام 1949 ، وقع انقلاب حسني الزعيم في سوريا رئيسا لاركان حرب الجيش السوري.


    التعليق:1.
    1. بدأ العميد خوجلي وقفته الثانية تحت عنوان جانبي هو «الخلفية السياسية لنشأة تنظيم الضباط الأحرار بالسودان:». أورد في البداية ثمان فقرات هي عبارة عن سرد تاريخي تقود القارئ إلى فهم إن عامل رغبة مصر في الحفاظ على وحدة وادي النيل، والتأثير المباشر للواء محمد نجيب والرائد صلاح سالم هما كل العوامل الأساسية في خلفية تنظيم الضباط الأحرار. .. ولا أدري السبب في كتابة كل تلك الفقرات إن لم تكن لمضاهاة ومقارنة ما ورد في الكتاب المعني بالنقد «الجيش السوداني والسياسة». يبدو لي إن ما أورده العميد هو جزء أو مقتطف من كتابه الذي يعده، ورأى أن يحوله لـ (وقـفة) في مسار نقده للكتاب.
    2. لا أجد هنا إلا إن أقول بأن المعلومات التي أوردها العميد خوجلي فيها جانب من الصحة عن بعض المؤثرات على خلفية تنظيم الضباط الأحرار في نهاية حقبة الخمسينات، ولكنها تفتقد الترابط والتسلسل المنطقي. وهي أيضاً فيها بعض ما ورد في كتاب «الجيش السوداني والسياسة»... ما أغفله العميد خوجلي فهو بدايات العمل السياسي في الجيش السوداني منذ ثورة 1924، مروراً بقوة دفاع السودان، وتأثير مخاض الاستقلال.. وخيبة ما بعد الاستقلال، وتلك مؤثرات تراكمية أسهمت بصورة أو أخرى في دخول الجيش السوداني حلبة السياسة في نهاية حقبة الخمسينات.
    3. جاء في وقفة العميد خوجلي معلومات غبر صحيحة ننتظر منه تصويبها، فقد أورد التالي: (اعتقل الصاغ كبيدة وقدم وهو المجموعة التي كانت تسانده لمحكمة عسكرية برئاسة الأميرلاي محمد عثمان محمد نائب القائد العام وحكم عليه بالعزل من الرتبة والطرد من الخدمة والسجن لمدة عشرين عاما.). بالرجوع إلى كل تاريخ الجيش السوداني، لم نجد نائب لقائد عام الجيش السوداني يسمى الأميرلاي محمد عثمان محمد؟؟ أول قائد عام بعد الاستقلال هو الفريق أحمد محمد الجعلي، ومن شغر منصب نائب القائد العام منذ الاستقلال على التوالي اللواء إبراهيم عبود، ثم اللواء أحمد عبدالوهاب، وأخيراً اللواء حسن بشير نصر وبعدها عدل التنظيم وأستحدث منصب رئيس الأركانحرب العام.
    4. في ختام هذا الرد، أود أن أترك القارئ مع الجزء الذي ورد في الكتاب موضوع التعقيب عن الخلفية التاريخية لتنظيم الضباط الأحرار في السودان. ونتابع.
    (كما تحجب الغيوم وجه الشمس ولا تطفئها، كذلك يحجب الجهل وجه الحقيقة.. وتبقى الحقيقة حقيقة).. ميخائيل نعيمة

    كتاب الجيش السوداني والسياسة
    مقتطف من الفصل الأول
    الجيش السوداني والعمل السياسي المنظم

    البـدايات..
    بدراسة التأثير السياسي على الجيش السوداني وتطوره في الفترة التي سبقت استقلال السودان، نجد أنه كان محدوداً، وقد تسببت فيه التطورات السياسية التي سبقت الاستقلال، خاصة التجاذب بين مسألتي الوحدة مع مصر أو الاستقلال التام، إضافة إلى طبيعة العلاقة المستقبلية مع جنوب السودان. كان التأثير السياسي على الجيش السوداني بسبب مسألة الجنوب أيضاً محدوداً، ولكنه أصبح أكثر وقعاً ونتائجاً على الضباط والأفراد الجنوبيين العاملين في الفرقة الجنوبية، وما قاد إليه من تمرد دامِ في أغسطس 1955. أما المؤثر السياسي الخارجي فقد تمثل أساساً في تمدد التيار الوطني والنزعات التحررية في العالم العربي، وخاصة بعد انتصارات ثورة يوليو 1952 في مصر، وما أحدثته من تحولات سياسية عميقة فيها، ومن نهضة قومية عربية على نطاق الشرق الأوسط، ومساندة لحركات التحرر الوطني في أماكن أخرى. بنفس القدر أظهرت ثورة يوليو 1952 في مصر مدى الدور المتعاظم الذي يمكن أن تلعبه الجيوش في دول العالم الثالث في تحقيق إنجازات وطنية، وتحولات اجتماعية كبيرة. بلا شك أن السودان قد تأثر طوال تاريخه بما يحدث في شمال وادي النيل إيجاباً أو سلباً، ولذا لا يمكن نفي ذلك التأثير المباشر على تطور ونمو الدوافع السياسية وسط كوادر الجيش السوداني.
    في محاولة لتعريف مفهوم النشاط السياسي المنظم داخل الجيش السوداني، لابد من تحديد مكونات أساسية لطبيعة ذلك النشاط وأهدافه وهي قد تنحصر في التالي:
    أ. أن يكون ذلك النشاط السياسي يتم في إطار تنظيم سري لديه ضوابطه الصارمة في تجنيد العضوية وأسلوب العمل الذي يمنع تسرب أي معلومات خارج نطاق ذلك التنظيم.
    ب. يكون للتنظيم أهداف سياسية يسعى لتحقيقها، وهي أهداف تتفق عليها تماما كل كوادر التنظيم وتجمعها إرادة موحدة لتنفيذها.
    جـ. أن يكون للتنظيم هيكل تنظيمي محدد مبني على أسلوب هرمي في التسلسل القيادي يحدد المسئوليات، ويشدد على الطاعة والأمن والسرية.
    بإسقاط معايير العمل السياسي المنتظم على الجيش السوداني للوصول إلى تحديد بداياته الحقيقية، نجد أن كل القرائن تشير إلى منتصف الخمسينات من القرن الماضي. جاءت البداية الخارجية الأولى من شمال الوادي، بعد زيارة الصاغ صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة المصرية للسودان في العام 1953، وسنأتي لتفاصيل ذلك لاحقاً. بنفس القدر تشير كل المصادر وخاصة التوثيق الحزبي لتلك الفترة إلى أن حركة الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي السوداني كانا من سائر الأحزاب السياسية الرواد في فتح نفق العمل السياسي داخل الجيش السوداني.
    تأثرت تجربة الإخوان المسلمين في السودان بصورة كاملة بمسار وتطور التجربة في مصر، وبلا شك أن الإخوان في مصر كانوا الأسبق في اكتشاف دور الجيش في المستقبل وضرورة تأسيس العمل التنظيمي داخله. «ذكر صلاح شادي في كتابه ـ صفحات من التاريخ: أن حسن البنا مؤسس الحركة فكر في إنشاء قسم (الوحدات العسكرية) للإخوان في أوائل الأربعينات، وبدأت النشأة المنظمة لهذا القسم بزيارة الإمام الشهيد لمدرسة الصيانة التابعة لسلاح الصيانة أسبوعيا كل يوم أربعاء».(1) رغم أن مؤرخي حركة الإخوان المسلمين السودانية تفادوا بصورة متعمدة تسليط الضوء على تجربة «التنظيم الخاص» الذي يعمل بصورة مباشرة وبأسبقية أولى داخل الجيش السوداني، إلا أنهم أخفقوا في حجب الحقيقة التاريخية الواضحة بأنهم كانوا أول حزب سياسي سوداني سعى لاختراق الجيش السوداني في مطلع الخمسينات: «أما الجيش فقد ركز عليه الإسلاميون مبكرا وتم تجنيد عدد من الضباط مثلوا (جيل الطلائع العسكري الإخواني) وهم: بشير محمد علي وعبدالله الطاهر وعبدالرحمن فرح وعبدالرحمن سوارالدهب، وتطور العمل داخل الجيش. ويبدو أن أبا المكارم عبدالحي ـ ضابط مصري هرب إلى السودان ـ حينما جاء إلى السودان في 1955 كان منفعلاً بتجربة الإخوان المصريين مع الجيش، فأوصى بالتركيز عليه، ونقل تجربة التنظيم الخاص في مصر، مما أدى إلى أن يقبل بعض شباب الأخوان على الكلية الحربية محمود عبدالله برات وحسين خرطوم دار فور»(2). عموماً، إن معظم الضباط الذين أشار إليهم مؤرخ الجماعة كانوا طلاباً حربيين في الكلية الحربية السودانية في مطلع الخمسينات، وأصبحوا ضباطاً في الجيش السوداني قبل العام 1955، مما يؤكد أن البداية الحقيقية لذلك العمل السياسي المنظم كانت قبل ذلك التاريخ.. سنتطرق لتفاصيل تجربة الإخوان المسلمين مع الجيش السوداني في فصل قادم.
    نأتي إلى الحزب الشيوعي السوداني، وهو الحزب السياسي السوداني الثاني في التعرف على أهمية الجيش السوداني في تشكيل مستقبل السودان، والسعي بصورة متصاعدة إلى بناء قواعده الأولى داخله. يتشارك الحزب الشيوعي السوداني مع الإخوان المسلمين في التعتيم على نشاطهم وتجربتهم مع الجيش السوداني، إلا من نزر يسير أورده أعضاء في الحزب في توثيقهم لفترات تاريخية محددة، وخاصة عند تقييمهم للتجربة مع نظام مايو وحركة 19 يوليو 1971. «يعود تاريخ النشأة الحقيقية، وعملية التأسيس إلى ما قبل الاستقلال السياسي للسودان بداية عام 1954، وما صحب هذا من زخم وانفتاح ديمقراطي نسبي، أتاح الفرصة لعناصر متفتحة من الحركة الطلابية لولوج المؤسسة العسكرية، رغم القيود الثقيلة التي كبلتها بها قوانين الإدارة البريطانية الاستعمارية السابقة. وفي تلك الظروف تفتحت الفرص أمام مجموعات من الطلاب ذوي الميول الديمقراطية وآخرين من أعضاء ـ رابطة الطلبة الشيوعيين ـ للدخول للكلية الحربية والتخرج منها كضباط صغار داخل الجيش. ولقد شكل ذلك النواة الأولى لتنظيم الضباط الشيوعيين. والذي تقتضي الأمانة التاريخية القول بأن القدح المعلى في عمليات بناءه قد قام على أكتاف المقدم بابكر النور».(3)
    ويضيف المصدر أن ذلك يعتبر تطوراً للحزب الشيوعي واكب عمله الفكري والسياسي ومشاريعه وتوجهاته لبناء رصيد وطني ديمقراطي للحركة الشعبية داخل الجيش. وقد عزا الكاتب ازدياد اهتمام الحزب الشيوعي بالجيش السوداني بفكرة بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية التي طرحها الحزب في برنامجه للمؤتمر الثالث في العام 1956. وقد أورد أيضا أن ذلك المفهوم قاد إلى تصنيف ذوي البزة العسكرية ضمن فئات المثقفين الثوريين، كما جرى التركيز على خصائص الجيش بوصفه مؤسسة عالية التمركز، تتميز بروح الانضباط والحس الجمعي، المستمد من التوحد التقني والوظيفي، وما يوفر لها هذا من قدرات على التحرك السريع وحسم المواقف بالسلاح. أورد أيضا المؤرخ محمد سعيد القدال تأكيده بإعطاء الحزب الشيوعي لهذا الأمر أهميته حينما أورد: «وكان الحزب الشيوعي قد بدأ منذ الخمسينات في إقامة تنظيم داخل الجيش تحت إشراف عبدالخالق مباشرة».(4)

    نشأة «تنظيم الضباط الأحرار »

    نسب اسم «الضباط الأحرار» إلى التنظيم العسكري المصري الذي أطاح بالنظام الملكي في مصر في ثورة 23 يوليو 1952. يرجع الاسم إلى أن المشاركين في ذلك التنظيم يتقاسمون قدراً من الحرية الفكرية التي تبعدهم عن أي تأثير أيديولوجي محدد، وتربط بينهم القومية، والولاء للوطن وشعبه. كان ذلك التنظيم العسكري المصري هو تحالف على مشروع سياسي، دون اعتبار للمؤثرات الفكرية القديمة لدى كوادره، ونلاحظ ذلك بوضوح في أن التنظيم المصري ضم داخله تيارات وميولاً متباينة، ففيه من كانوا أعضاء في حركة الإخوان المسلمين، أو لهم ارتباطات تنظيمية بالحركة الشيوعية المصرية. «ويذكر أنور السادات حول معنى الضباط الأحرار، أن أساس اختيار اسم الضباط الأحرار للتنظيم يعني انهم أحرار في أهدافهم الوطنية والاجتماعية، وأنهم أحرار كذلك في الانتماء إلى أية هيئة أو جمعية أو تشكيل معروف».(5) كما يتضح أيضا أن غالبية الكوادر التي انخرطت في تنظيم «الضباط الأحرار» المصري كانوا من الضباط المحترفين الذين غلب عليهم التوجه الوطني القومي. كان لنجاح التجربة المصرية وما حققته من إنجازات ثورية أثره الكبير في سرعة انتقال مفهوم وأسلوب العمل السياسي داخل الجيوش العربية، وإلى السودان وسوريا والعراق على وجه الخصوص.
    خلال العام 1953 زار الصاغ صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة المصري والمسئول عن ملف السودان في السياسة المصرية الخرطوم، وكان بصحبته الصاغ أبونار مدير مكتبه وأحد ضباط المخابرات المصرية. أتيحت للوفد المصري خلال تلك الزيارة فرصة الالتقاء ببعض ضباط الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم ومدينة جوبا، ويبدو أن دور الجيش في المشروع الوطني القومي قد تمت مناقشته بصورة ما، ومناقشة أهمية العمل التنظيمي السري وضرورة ارتباطه بـ «تنظيم الضباط الأحرار» المصري والثورة المصرية. أشارت بعض المصادر إلى أن الرائد يعقوب كبيدة الذي كان متحمساً للتجربة الناصرية حافظ على اتصالاته مع الرائد صلاح سالم، وعمل على بناء أول خلايا سياسية داخل الجيش. خلال العام 1957 رصدت شعبة استخبارات الجيش نشاطاً سياسياً لعدد من الضباط على رأسهم الرائد يعقوب كبيدة، وكانت نتائج التحقيق الذي أجرته القيادة إحالة أربعة ضباط إلى الاستيداع «الخدمة العسكرية غير العاملة» لمدة عام، وهم الصاغ يعقوب كبيدة، الصاغ محمود حسيب، الصاغ عوض أحمد خليفة والصاغ جعفر محمد نميري.
    ورَدَت أولى إشارات بدء العمل بمفهوم التنظيم التحالفي العريض «تنظيم الضباط الأحرار»، بغرض تحقيق أهداف وطنية بواسطة العمل العسكري المنظم ـ أي «الانقلاب العسكري» ـ في حركة التاسع من نوفمبر 1959 التي قادها المقدم علي حامد، وإن كانوا أطلقوا على أنفسهم اسم «حركة الضباط الوطنيين».. «ساهمت ثورة 23 يوليو 1952 في مصر بتأثيرها المعنوي في بلورة أفكار عامة اجتاحت كل الوطن العربي وبتحديد أسلوب عمل نهلت منه كل التنظيمات، فقام عدد من الضباط بتكوين تنظيم يحمل مبادئ تحررية ويتجه إلى فكرة الوحدة العربية. ولكنه لم يكن في ذلك الوقت يسعى إلى إجراء تغييرات ثورية أو يخطط للاستيلاء على الحكم. وكان من أهم عناصر هذا التنظيم الشقيقان يعقوب كبيدة وعبدالرحمن كبيدة الذين تمحور حولهما النشاط».(6)
    قاد إخفاق حركة 9 نوفمبر 1959 وما أعقبها من إعدامات وسجون وإقصاء، والدروس المستفادة منها، إلى توضيح أهمية التنظيم المتماسك داخل الجيش وفق برامج سياسية متفق عليها وبضوابط أمنية عالية. في تلك المرحلة السياسية من تاريخ السودان (1960)، كان الحزب الشيوعي السوداني قد طرح استراتيجية الجبهة الوطنية الديمقراطية رغم عدم تحديده للدور المطلوب من المؤسسة العسكرية ضمن ذلك الحلف الوطني: «ومهما يكن وضع المؤثرات الخارجية فإن تركيز الجهد النظري على الجيش في تلك الفترة كان يتم وفق معطيات نابعة من تطور الحياة السياسية السودانية، ألا وهو تواتر الانقلابات العسكرية».(7)
    من الواضح من دراسة التطور الذي صاحب العمل السياسي داخل الجيش السوداني أن «تنظيم الضباط الأحرار» بصورته الكاملة، وهو تحالف جبهوي من الضباط الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين تأسس في مطلع العام 1960. تؤكد بعض المصادر، وتطور الأحداث فيما بعد، أن النقيب ـ آنذاك ـ بابكر النور عثمان عضو التنظيم العسكري الشيوعي في الجيش السوداني كان في طليعة المؤسسين لذلك التنظيم، وهذا يتفق مع توجه حزبه خلال تلك الفترة في تكوين الحلف الوطني والجبهة الديمقراطية. بدأ التنظيم بعدد من الضباط الشيوعيين والقوميين والوطنيين، الذين يمكن تصنيفهم جميعاً في إطار التيار الديمقراطي العريض. رغم نطاق السرية والتكتم التي يفرضها أي عمل سياسي عسكري سري داخل الجيش السوداني، يمكن أن نشير لبعض المجموعات والقادة المؤسسين:
    أ. مجموعة الحزب الشيوعي السوداني: كان على رأسها النقيب بابكر النور عثمان، وضمت هاشم العطا ومحمد محجوب عثمان ومحمد أحمد الريح وعبدالمنعم محمد أحمد وعثمان أبوشيبة ومحجوب إبراهيم (طلقه).
    ب. مجموعة الضباط الديمقراطيين: من أبرز قادتها النقيب فاروق عثمان حمدالله، وشارك فيها المتعاطفون مع التيار اليساري.
    جـ. مجموعة الضباط القوميين: احتوت على أسماء عديدة، منها جعفر محمد نميري، الرشيد نورالدين، الرشيد أبوشامة، أبوالقاسم هاشم، خالد حسن عباس، مأمون عوض أبوزيد، يعقوب إسماعيل، زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر، وكامل عبدالحميد. تأثر بعض أفراد هذه المجموعة بصورة واضحة بالفكر والتجربة الناصرية.
    د. مجموعة الضباط الوطنيين: وهي مجموعات ملتصقة بقضايا الوطن، ويزيد من ارتباطها التنظيمي الأزمات السياسية وتطلعات الشارع السوداني. برز من تلك المجموعة أحمد الشريف الحبيب، محمود حسيب، مزمل سليمان غندور وسعد بحر.

    لم تشهد الفترة من العام 1960 وحتى أكتوبر 1964 أي نشاط سياسي محسوس، ويرجع ذلك إلى تشديد سلطة نظام الفريق إبراهيم عبود القبضة الأمنية على الجيش بعد محاولة نوفمبر 1959 الانقلابية التي تم بعدها إعدام وسجن وطرد العديد من الضباط. وفي محاولة السيطرة على الجيش تم نقل العديد من الضباط الذين حامت حولهم شبهات سياسية غير مؤكدة للعمل في الجنوب ووحدات الأقاليم القصية.
    ___________________________
    (1) حيدر طه، الإخوان والعسكر. ص ـ 23.
    (2) حيدر إبراهيم علي، أزمة الإسلام السياسي. (نقلاً عن توثيق حسن مكي محمد أحمد عن حركة الإخوان المسلمين). ص ـ 74.
    (3) محمد محجوب عثمان، الجيش والسياسة في السودان. ص ـ 11.
    (4) محمد سعيد القدال، معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني. ص ـ 211.
    (5) أحمد بيلي، الصفوة العسكرية والبناء السياسي في مصر. ص ـ 290.
    (6) حيدر طه، الإخوان والعسكر. ص ـ 73.
    (7) محمد محجوب الجيش والسياسة في السودان. ص ـ 18.








                  

العنوان الكاتب Date
كتاب «الجيش السوداني والسياسة» عصام الدين ميرغني02-14-04, 03:44 PM
  Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» theNile02-14-04, 04:31 PM
  Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» Elmosley02-14-04, 06:24 PM
    Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» بكرى ابوبكر02-15-04, 05:11 AM
      Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» nile102-15-04, 02:00 PM
  Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» (2) عصام الدين ميرغني02-19-04, 04:24 PM
  Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» (3) عصام الدين ميرغني02-21-04, 04:16 PM
  Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» (4) عصام الدين ميرغني02-27-04, 12:38 PM
  Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» (5) عصام الدين ميرغني02-29-04, 01:26 AM
    Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» (5) Alia awadelkareem03-01-04, 09:01 PM
      Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» (5) elfaki03-02-04, 08:18 PM
  Re: كتاب «الجيش السوداني والسياسة» Raja04-04-04, 01:13 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de