|
Re: الصلاة الوسطى والمجتمع الصالح والعالم الجديد (Re: abu-eegan)
|
ذكرنا ، فيما سلف أعلاه ، أن الصلاة الوسطى هي المعاملة ، وأوردنا الحديث النبوي الشريف : ( الدين المعاملة ) .. وتجويد المعاملة ، في مستوى رفيع ، يقتضي أن تؤثر الآخرين على نفسك ، أي أن تقدمهم في التعامل عليك ، بحيث تعمل على خدمتهم ، بالحق ، وفي الخير ، وعلى الرحمة والرأفة والبر بهم ، وتسعى إلى إسعادهم ، وإلى توصيل الخير لهم ، ولو بدا ، في ظاهر الأمر ، أن ذلك على حساب نفسك .. أو قل إن القاعدة الذهبية في المعاملة هي أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ، وإن لم يعاملوك به .. فإن من حسن المعاملة أن تحب للآخرين ما تحب لنفسك ، وأن تعاملهم وفق ذلك ، وإن لم يعاملوك وفق ذلك .. ولإحسان التعامل مع الآخرين لابد من معرفة أمرين ، لا يتم إحسان التعامل إلاّ بهما .. الأول أن الأنانية لها وجهان ، وجه جميل ووجه قبيح ، وهما : ( الأنانية العليا والأنانية السفلى ) .. والثاني أن التعامل مع الآخرين هو ، في الحقيقة ، تعامل مع الله ، ولذا سمي بالصلاة الوسطى . الأنانية العليا والأنانية السفلى : كل فرد هو بالضرورة التكوينية أناني ، ما في ذلك ريب ، وأنانية الفرد تعني تقديمه مصلحته على مصالح الآخرين .. غير أن الأنانية عليا وسفلى ، أو قل عالمة وجاهلة .. فالأناني الجاهل يظن مصلحته في أمور قد تتعارض مع مصالح الآخرين ، ومن ثم يضحي بمصالح الآخرين ، حيثما حصل التعارض ، في سبيل مصلحته المتوهمة .. وأما الأناني العالم فيعلم أن مصلحته الحقيقية هي إمتداد لمصالح الآخرين ، وأن المصلحة التي تتعارض مع مصالح الآخرين هي مصلحة وهمية ، تتصورها أوهام العقول ، وترغبها أهواء النفوس ، وأن الطريق إلى السعادة ليس هو الطريق المباشر ، الذي يتوجه فيه الفرد إلى مصلحته مباشرةً مضحياً بمصالح الآخرين ، وإنما هو الطريق غير المباشر ، الذي يتوجه فيه الفرد إلى خدمة مصالح الآخرين ، كوسيلة إلى تحقيق مصلحته ، وأن الطريق المباشر هو طريق الشقاء ، وليس طريق السعادة ، ومن ثم يسعى إلى خدمة منافع الآخرين ، وإلى البر بهم ، من أجل تحقيق مصلحته وسعادته .. ولقد تم تفصيل ذلك بصورة وافية في كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام) ، وفي غيره من كتب الأستاذ محمود ، فليرجع إليها من أراد التفصيل . التعامل مع الخلق هو تعامل مع الخالق : جاء في الحديث النبوي الشريف : ( الخلق عيال الله ، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ) .. فإنك لا تعامل الله تعالى في فراغ ، وإنما تعامله في خلقه ، فكأن الخلق هم خلفاء الله أو ممثلوه أو نوابه في التعامل معك ، فإن أسأت التعامل معهم فقد أسأت التعامل مع الله ، وإن أحسنته معهم فقد أحسنته مع الله .. وبقدر ما تحسن تعاملك مع الله يحسن الله تعامله معك ، وفي هذا المعنى ورد كثير من الأحاديث النبوية الشريفة ، منها : ( كان الله في عون العبد ، ما دام العبد في عون أخيه ) .. ومنها : ( أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) .. وللمعاملة الحسنة ، مع الآخرين ، ثلاثة درجات هي : (1) كف الأذى عن الآخرين ، (2) تحمل الأذى الصادر من الآخرين ، (3) توصيل الخير إلى الآخرين . كف الأذى عن الآخرين : كف الأذى يبدأ بكف الصور الغليظة من الأذى ، ثم يرتقي ، مع إرتقاء الفرد في تجويد المعاملة ، نحو كف الصور الدقيقة من صور الأذى ، وكف الصور الغليظة من الأذى هو المرحلة الأولى من مراحل تجويد المعاملة مع الآخرين .. وصور الأذى الغليظة التي يتوجب علينا الإقلاع عنها فوراً ، وكفها عن الآخرين ، كثيرة ، لا حصر لها ، ومنها على سبيل المثال : إقامة الحفلات الصاخبة في الأحياء ، مما قد يسبب إزعاجاً للنائمين ، أو للمرضى ، من الجيران ، ومنها التواجد بغرض الزيارة ولفترة طويلة في أماكن العمل ، مما قد يعيق العامل عن أداء عمله ، ومنها أيضاً إلقاء المهملات في الطرقات ، إلخ إلخ إلخ ، وعموماً فإن كف الأذى عن الآخرين أمر واضح ، لا لبس فيه ، وإنما يلتبس الأمر في مسألة تحمل الأذى الصادر من الآخرين . تحمل أذى الآخرين : تحمل الأذى هو المرحلة الثانية من مراحل تجويد المعاملة ، وعندما يمارس الفرد واجبه في تحمل الأذى الصادر من الآخرين ، يعينه ذلك على تجويد كف الأذى في صوره الدقيقة ، فهو بقدر ما يتحمل أذى الناس ، ويصبر عليه ، تزداد قدرته على كف أذاه عن الناس .. غير أن مسألة تحمل الأذى تثير تساؤلاً فحواه : إذا كان من واجب الفرد أن يكف أذاه عن الآخرين ، فإن من واجبه ، ترتيباً على ذلك ، أن يدعو غيره من الأفراد إلى كف الأذى ، وأيسر صور الدعوة إلى ترك شيء هي عدم الرضا عن فعله ، فكيف يستقيم تحمل الأذى الصادر من الآخرين ، مما يعني الرضا به ، مع الدعوة إلى كفه ؟؟ وللإجابة على هذا السؤال لابد في تقديري من التعرض إلى مسألتين : (1) مسألة رؤية الفاعلين ( بفتح اللام وتسكين الياء ) ، و(2) مسألة التمييز بين صور الأذى المختلفة ، وكيفية التعامل مع كل صورة .. وسأتكلم بإذن الله عن هاتين المسألتين ، وعن المرحلة الثالثة من مراحل تجويد المعاملة ، وهي مرحلة توصيل الخير إلى الآخرين ، في مواصلة هذا الحديث .. ولا تستوجب تجزئة هذا المقال أن ينتظر المشاركون والمستفسرون حتى أكمله ثم يطرحون آراءهم أو أسئلتهم حول هذا الموضوع ، وإنما يمكن لأي مناقش أو مستفسر أن يدلي بدلوه قبل مواصلتي لهذا الحديث
|
|
|
|
|
|
|
|
|