الواقع يقول أن البيئة التي نشأ فيها ( مصطفى )كان لها الدور الأهم في صقله فناناً متجاوزاً ... ومبدعاً جامحاً للمغايرة والتمرّد على السائد ... رفضاً لإبتذال والتقليدية ولنشأة ( مصطفى ) في بيئة ترتبط بالأرض وتقدّسهاخلال إمتهانهم ( سكان المنطقة ) حرفة الزراعه والتي تشكل علاقة الإنسان بأرضه تماماً كعلاقته بذاته / محبوبته / أسرته / أبنائه / أو كما غنّى ( مصطفى ) وكتب القدّال : مُزارع بات علي عشقين تراب بلدو .. وسماح فوق بت مزارعيّه ولعبت الرمزيّة دورها في تشكيل وعي (مصطفى ) ... رمزيّة العمليّة الزراعيه نفسها ... من حرث الأرض ... بذر التيراب ... السقيا ... الحصاد ... وفي كل هذا الصبر / العمل / الإنتظار / كما الرمز الجمعي في ( التعاون ) في كل هذه العمليات كما الرمز في مقاومة الطبيعة / الآفات كل ذلك و ( مصطفى سيد أحمد ) يتفتح وعيه على الحياة الجمعيّه والإنتماء الكامل للهم العام وإندغام الخاص فيه ... ويتفتح حسّه الجمالي على مساحات شاسعه من الخُضرة ... وعبق الطين وجماعات طيور ( السمبر ) وهي تهاجر أو تؤوب .. والخريف ودعاش المطر .. وأطياف قوس قزح ويتفتح وعيه وحسّه الجمالي على ما تنقله موجات الإذاعه من غناء ومعرفه بالعالم خارج تلك البقعه وربما من المثير للدهشة والمؤكد لحقيقة فطرته الفنانه ... كونه يفاجئ أسرته بالغناء وهو في حداثة سنه ... يغني في حفل ختانه فيطرب الحضور ويغني وهو ممتلئ بإحساس الفنان الذي ينتمي دائماً للحظة التي يثري فيها حياة الناس ويشعلها إبداعاً .. أو هكذا هي فطرة الفنان الحقيقي تجده دائماً مستعداً للعطاء في أيّ حال وأيّ ظروف لأن يعطي تماماً كما شاهدناه في الصور التي زيّن بها الحميم شيبا البورد الصور التي تحكي آخر حفل غنى فيه ( مصطفى ) في الدوحة ليلة 1 يناير 1996موالتي تعب فيها من رهق المرض وضعف الجسد ومن رغبة الغناء والإستمرار فكان أن واصل الغناء وهو جالس على كرسي في طرف المسرح كان لتعرّضه ودفعته في المرحلة المتوسطة لإلغاء التعليم الفنّي بإنهاء فترة البعثة الكورية والتي أرجعها نميري لاغياً ورافضاً ما تقدمه من عون في التعليم الفني فقط للإنقلابه على الشيوعيين كان لهذا الموقف العصيب والذي غيّر بعده رغبته الدراسة الفنية إلى الدراسة الأكاديمية في مدرسة بورتسودان بعد أن رفضت الحكومة حكومة مايو لما قاموا به من تظاهر لأجل إعادة البعثة .. هذا أحد المواقف والتي لابد وترسبت في وعيه تماماً كما ترسبت الحكايات التي يتناقلونها في ودسلفاب عن جدهم والذي وقف في وجه الخليفة بشجاعه وتحداه بأن أرجع الجهادية رافضاً دفع الأتاوات التي كان يفرضها عليهم الخليفة مانحاً الجهادية صلاحيات تعرّض بسببها الأهالي للقمع من قبل هؤلاء العسس فرض جدهم هذا هذا الإسلوب وتحدى الخليفة وذهب إليه وأكد له رفضه للإسلوب الذي تجمع به الأتاوات بل رفض الأتاوات التي كانت تثقل كاهل الأهالي ... بطولة كهذه تشحذ وعي الرفض مبكراً في فطرة فنانة كفطرة ( مصطفى ) ثم إصطدامه بنظام مايو في سن مبكرة ثم النتيجة التي أعطتها اللجنه المشرفة على المهرجان الذي شارك فيه بأغنية ( الشجن الأليم ) والتي أسقطت فيها الأغنية بردجة صفر للنص وصفر للحن وصفر لأداء الفرقة الموسيقية وصفر لأداء المغني .. في سابقة لم تحدث من قبل ... كذلك تعرضه لرفض طلب الإبتعاث لمعهد الموسيقى والمسرح والذي درجت كل الوزارات على الموافقة عليه لمن يتقدم بطلب رغبة في الدراسة في المعهد فيتم تفريغه ... ولكن بلا أسباب مقنعه يتم رفض طلب ( مصطفى ) الذي تقدّم به لوزراة التربية والتعليم فقط هي تلك اللجان العقيمة التي يتم إختيار أفراد لها بلا كفاءات وتخصصيّة قادرة على فهم معنى فنان ومبدع وقيمة هذا الفنان كثروة قومية مما إضطر به أن يقدّم إستقالته لوعيه بما يمكن أن يقدمه له معهد الموسيقى من إضافة معرفية ونقلة نوعيه وتقدّم للعمل كمصمم في مصنع نسيج بحري مستفيداً من قدراته الفنيّة العالية في الرسم والتصميم الفني وحتى لا يضطر لأن يطلب من أسرته المساعده المالية والتي يفترض أنه من يمدها بها كونه الإبن الأوحد لأسرته بعد وفاة شقيقه وسط سبعه شقيقات ( المقبول ) ووفاة والده في معهد الموسيقى والمسرح في طلاب قسم الموسيقى ما يشبع حاجته وتوقه للمعرفة الفكريّة إذ كان جل نشاطهم ينحصر في الجانب الأكاديمي لما يدرسون ( كما أشار الراحل بنفسه في حوار صوتي معه أجري معه بالدوحة مع بعض الأصدقاء ) وذلك إلا قلة نادرة منهم وفي رأيه أن طالب الموسيقى إضافة لما يبذل من جهد في تمارين الموسيقى عليه أن يكون مطلعاً ومثقفاً ... فكانت علاقته بزملائه في قسم الدراما أكثر قوّة وجمعته بهم حوارات ونقاشات طويلة حول الفن ودور الفنان وقضايا الشعر والحداثة والرمز هذا اشار في وقت مبكر إلى هاجس المعرفة الذي شغل ( مصطفى سيد أحمد ) وهو هاجس المبدغ التائق للمغايرة والإضافة الحقيقيّة أو في الحقيقة الطامح إلى التجاوز والمفارقة ( ما قام به فعلاً مستقبلاً ) بذلك إنفتح على النص الشعري الحداثي وبدأ في تكوين ملامح تجربته من خلال محاولته الإجابة على أسئلة شغلته كثيراً وهو يحاول الخروج من سلطة ما يسمّى بـ ( الشعر الغنائي ) والذي ظلت أسماء عجزت عن اللحاق بركب الحداثة أقول ظلت تلك الأسماء تؤسس له ( الشعر الغنائي ) في الذهنيّة السودانيّة أنتج ( مصطفى ) في تلك الفترة أغنياته كان نفسي أقولك من زمان / الحزن النبيل / المسافه / يا ضلنا / عباد الشمس / يا سر مكتوم / عشم باكر / لمحتك / ليصطدمبلجان النصوص حيث أنها لم تجز له تلك الأغاني وبدون أسباب موضوعيه أو معايير منطقيّه لإجازة النصوص ... ليبدأ ( مصطفى ) مشروعه الحقيقي ... نقد / الواقع / سلطة المجتمع .. وتغيير المفاهييم السائدة مع رفاقه من المبدعين الشعراء أصحاب الكتابة الجديدة وهو يحقق للأغنية التي يقدمها ( أو للأغنية عموماً ) وظيفة معرفيّة خطيرة أو كما قال في أحد الحوارات ( الأغنية لم تعد أرجوحة تخدّر .. الأغنية صارت همّاً ... قناة لنشر الوعي الذي تعجز عنه برامج محو الأميّة .. ) ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة