مذكرات بقرة مجنونة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-12-2024, 10:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-22-2004, 09:35 AM

rani
<arani
تاريخ التسجيل: 06-06-2002
مجموع المشاركات: 4637

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مذكرات بقرة مجنونة

    مذكرات بقرة مجنونة - تأليف: إسماعيل همتي ترجمة: فاضل بهزاديان
    من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق
    *
    *
    *


    أنا بقرة


    بقرة عادية. مثل بقية الأبقار الأخرى. ولكنني سمعت كلاماً يقال حولي. قد كنت أتمنى أن لا أسمعه! من الممكن أن يكون صحيحاً؟ قد أكون بقرة غير عادية، وأنا أعرف ذلك؟ ومن الممكن أنني غير جميع البقر؟ وربما أنني لست بقرة؟!‏

    لا. ولكن أنا بقرة، وعلى هذا الأساس إنني بقرة، وقد أكون موجودة هنا، لأتحدث إليكم. صحيح أنا بقرة، والدي أيضاً ثور قوي، ونشيط. مما لا شك فيه أن والدي كان ثوراً. صحيح أنه ليس من سلالة والدتي لكنه في المحصلة النهائية هو ثور. ولأنني ثمرة هذا التواصل بين البقرة، والثور؛ إذاً أنا بقرة. منذ فترة سمعت كلاماً حولي. فيه شيء من الغرابة، وقد تعجبت كثيراً، مثلاً يقولون لا، لماذا هذا الشك. حتى أفسح المجال بالقول: أحقاً أنا بقرة أم لا.؟ وبعيداً عن كل هذه التأويلات وعن المسائل الجينية والوراثية، وإن كان والداي هما في الأساس من البقر أم لا؟‏

    الوضع الخارجي لجسمي يشير إلى أنني بقرة! قدمي، جسمي، رأسي، عيوني، وأهم من كل ذلك صوتي وهذه كلمة ماع، التي أقولها مااااااع.‏

    من الممكن أن تقولوا بأن جزءاً من جسم الكركدن يشبه جسمي، أو عدداً كبيراً من أرجل الحيوانات تشبه قدماي أو عيوني ماذا تقولون، الجميع يعرف أن العيون البقرية هي للبقر، فهل عيوني غير عيون البقر؟ انظروا جيداً، وهل نظراتي غير نظرات البقر؟‏

    نعم أنا متأكدة أن الأشخاص الذين لهم أعين يطلق عليها عيون البقر، يعرفون ذلك. أو الذين لهم معرفة بالعيون يؤكدون ذلك.‏

    من الممكن أن يكون بعض من طباعي وأخلاقي ينسجم قليلاً مع البقر ويشبه إلى حد ما البشر. وهذا ليس ذنبي، بل هذا ظلم بسبب انتمائي إلى هذه السلالة، هنا بيت القصيد، أبعدت عن والدتي، وسيق بي إلى بلد آخر بعد الرضاعة مباشرةً. هذا البلد الذي يختلف جغرافياً وثقافياً عن بلدي. كنت أقبل لو أنهم أخذوني إلى مزرعة أخرى. وعندها كنت أرى والدتي كلما ذهبت إلى المرعى، وهكذا أشبع عاطفتي، برؤية والدتي، أو على الأقل لو أنهم أخذوني إلى قرية مجاورة، على الأقل أسمع صوت أمي بطريق الصدفة من بعيد، وعندها أهدأ قليلاً… أما أن يأخذوني إلى بلد آخر يختلف عن بلدي في مائه وهوائه وطعامه وعلفه وعاداته وتقاليد بقره وطريقة رعيهم للبقر تختلف عن طريقتنا. لغتهم تختلف عن لغتنا، ولهذا السبب لا أستطيع أن أتفاهم معهم بالأخص مع البقرات اللواتي من عمري.‏

    أنتم تعلمون أن عامل اللغة هو الرابط الذي يربطنا، مرة أردت أن أتكلم معهم فلم أستطع فكانت الإشارة والإيماءة هي الوسيلة للتفاهم بيننا، حزنوا كثيراً علي وعلى الذي أنا فيه. لم أستطع أن أنقل لهم مشاعري ضحكوا لأنهم لم يستطيعوا فهم شيء مما قلت. في النهاية ضجروا وضاقوا ذرعاً وقالوا: اذهبي عنا. إلا أن أحدهم استطاع أن يفهمني، ولهذا قررت: أولاً أنه يجب أن أذهب لأتعلم لغتهم وبعدها أستطيع أن أتفاهم معهم.‏

    هذا العمل كان جيداً بحد ذاته، فمنهم من كان يقول لي بلؤم (كان الأجدر بك أن تتعلمي لغتنا بعد ذلك تأتي إلى هنا) اثنان من هؤلاء كانا غير لطيفين عندما قالا لي: (أنتِ التي كنت تريدين اللجوء إلى هنا، كان عليك أن تتعلمي لغتنا، حتى لا تضيعي عنا وتتشردي).‏

    انظروا! يهيئ لهم أنني لجأت إلى هنا! هم لا يعرفون بأن بلدي أفضل من هنا، والخضرة الدائمة هناك جميلة، وضعي الصحي كان أفضل من هنا، يجب أن لا تضعوا هذا الكلام في خانة الغرور هذه هي الواقعية بعينها. لأننا بني البقر نختلف عنكم يا بني البشر. يوجد بينكم أنتم من باستطاعته أن يضع أطفاله عند العائلات الميسورة لأنه لا يستطيع أن يهتم بأطفاله ويأخذون أطفال البلدان الجائعة إلى البلدان المتخمة، حتى لا يموتوا من الجوع. ولكن نحن البقر عندما نكون أصحاء الجسم والمزاج وسلالتنا جيدة وحليبنا جيد ولحمنا لذيذ يبعدوننا عن أمهاتنا ليبيعونا إلى بلدان أخرى وهذا من سوء حظنا أن البلد الذي تكون أبقاره غير جيدة يبيعوننا لهم لتحسين وضع أبقارهم.‏

    لن أزعجكم ولن آخذ من وقتكم الكثير، أول صدمة تلقيتها في طفولتي هي إبعادي عن بلدي وأخذي إلى بلد آخر لا أعرفه للأسف.!‏

    في ظهر أحد الأيام شخصان غريبان إلى مزرعة الأبقار التي كنا نتواجد فيها، تصورنا أولاً أنهم من قبل إدارة الصحة والبيطرة جاؤوا لمعاينتنا. أنا لم أرهما من قبل. بعد ذلك اتضح لنا ماهيتهما، أول شيء فعلوه إبعادي عن والدتي.‏

    في البدء تصورت أنهم يريدون وزني، اعترضت والدتي بالصياح مااااااع، أحدهم قال لها اسكتي بلؤم، سكتت والدتي بعد ذلك، من الممكن أنها خافت من أن يعذبوني أكثر من ذلك وحفاظاً على سلامتي أخذت جانب الصمت، من الممكن أنها قررت أن تطعن أحدهم بقرونها، لتنبيه ذلك الوغد.؟‏

    لم يأخذوني إلى الميزان ولم يرجعوني إلى أمي، سحبوني بشكل مقزز إلى الشاحنة الصغيرة التي كانت واقفة خلف الموقف.‏

    لم أكن أعرف ما يحدث، صعدت إلى الشاحنة بالقوة، وربطوا بالحبل قدمي بحديد الشاحنة حتى لا أتحرك أبداً، وبعد ذلك عرفت لماذا هذا الربط الشديد، حتى لا أقع عند المنعطفات.‏

    رأيت أحدهم يخرج النقود ويعدها ويسلمها إلى صاحب المزرعة وسلم عليه وانصرف. إنهم عديمو العاطفة لم يسمحوا لي بوداع والدتي، حتى لم يقولوا لنسمح لها بتقبيل والدتها عند الوداع الأخير.‏

    أخذوني إلى مكان آخر فيه أبقار بعمري، لاحظت أنها منزعجة مما حدث معها أيضاً، إحداها كانت تبكي بصمت، والحزن مخيم على المكان الذي نحن فيه. قبل الغروب وصلت شاحنة كبيرة، وضعنا فيها. كان العمال يتعاملون معنا بعنف، وقد أخذنا بقوة. وعلى الرغم من أنه كان يجب أن يأخذونا بلطف وبكلام جميل، بالعكس كان كلامهم لنا عنيفاً ووحشياً.‏

    لا أعرف ما عملكم؟ ولكن هل سمعتم بحامل العصا الذي يضرب البقر! حتى تلك اللحظة كنت لا أعرفه، أقول لكم أنه يجب أن نفرق بين الراعي المسكين الكادح وحامل العصا قاسي القلب، كانت الشاحنة مكشوفة وغير مغلقة، والبرد قاسٍ أزعجنا، لم يسمحوا لأنفسهم بأن يضعوا شادراً حتى ولو كان قديماً ليحمينا من البرد، لكم أن تتصوروا ماذا حصل لنا في الشاحنة، البرد أزعجنا، قسم منا أغمي عليه وقسم آخر بكى من شدة الفراق، وقسم آخر قتله الخوف من المصير المجهول.‏

    إحدى البقرات مرضت ونامت. وعند المنعطفات، عندما تتوقف الشاحنة فجأة كنا نقع على بعضنا. إحدى البقرات فقدت وعيها من شدة الألم وخفنا عليها من الموت.‏

    أشرقت الشمس، وعم الدفء المكان، وتحسن وضعنا، كنا نرى الناس من خلال الثقوب، ثقوب الشاحنة. رأينا ونحن في الطريق مزارع جميلة وفيها مراعٍ كثيرة، ولكن من شدة البرد والإرهاق لم نقل حتى مزاحاً كم هي جميلة هذه المزارع، لأنه لم يكن لدينا شهية للأكل. وعندما وصلنا إلى مدينة لم نعرف ما اسمها. كان الناس ينظرون إلينا باستهزاء، ويشيرون إلينا بسخرية وكأنهم لم يروا بقراً من قبل. من الممكن أن وضعنا الخارجي هو الذي أدهشهم وأضحكهم لأننا كنا نقف إلى جانب بعضنا البعض، ومظهرنا مضحك؟‏

    السائق وصاحبنا الذي اشترانا، وقفا إلى جانب مطعم في منتصف الطريق ليتناولا طعام الإفطار وهناك تجمهر الناس لرؤيتنا، وكأنهم لم يروا بقراً.‏

    منهم من كان يقول: أبقار ميتة، لماذا لا تتحرك؟ كأننا بقر ممسوخ، لماذا لا نتحرك؟‏

    الصغار كانوا يضربوننا بالحجارة كي نتحرك، أما كبار السن كانوا ينظرون إلينا ولا يؤذوننا. إحدى الحجارة أصابت عيني وراحت تدمع من شدة الألم، أدرت وجهي حتى أرتاح من تراشق الحجارة، بعد فترة وجيزة مل الأطفال منا فتركونا بحال سبيلنا وراحوا يلهون بعيداً.‏

    بعد أن أنهى صاحبنا والسائق طعامهما، وآثار الشبع بادية على وجهيهما، وفميهما اللذين ما زالا يمضغان الطعام وهما يتحدثان، وعلى الرغم من أننا كنا جياعاً لم يقولا لنعطهما علفاً ليأكلوا، بل تركونا هكذا وانطلقوا.‏

    قلت سوف يطعموننا بعد ساعة، مضت ساعة ولم يأت الطعام. كنت أتسلى بقراءة الكتابة على مؤخرات الشاحنات والحافلات، لم نتناول الطعام يوماً كاملاً، وعندما جاء المساء قالوا إنه يجب أن ننام بدون طعام أفضل لنا.‏

    وصلنا الساعة التاسعة مساءً أنزلونا بعنف من الشاحنة إلى مكان كبير لم أقو على الكلام من شدة التعب، كان الظلام يخيم هناك، كان في المكان عدد كبير من الأبقار ولكنها كانت جميعها نائمة. بحثنا عن زاوية لننام، كنا غرباء، وحزينين، كنا نفكر بمستقبلنا، بوالدنا ووالدتنا، ببلدنا الذي كنا فيه، والذي سلخنا عنه بالقوة ماذا ينتظرنا في المستقبل؟ لا أعرف.‏

    تذكرت الكتابات على مؤخرة الشاحنات (آه من الغربة) (وحيداً وحيداً) (الغريب التائه) (تحية لصديقي) (أنا في انتظارك أرجع) (أحبك يا أمي) (صديقي أين أنت) وهذا الذي كان يكتب اسم مدينته. (مدينتي عشق آباد) (مدينتي باريس) (مدينتي اسطنبول) (مدينتي هامبورغ) (مدينتي موسكو) (مدينتي دلهي) (مدينتي صوفيا) قلت في نفسي: يا لسعادة أبقارهم إن أبقارهم تعيش بسلام مع العلم أنني لا أعرف معنى السلام والحرية الشخصية. أحدهم كتب (مدينتي العالم).. قلت لنفسي: ما هي مدينتي؟ بعدها عرفت لماذا يكتب السائقون هذه العبارات وهذه الشعارات وما الحكمة من ذلك.‏

    صحيح. أليس من الممكن أنهم تحركوا اتجاهنا! لا، لا تقلق، الموضوع مرتبط بشيء آخر! نعم.



    نواصل








                  

العنوان الكاتب Date
مذكرات بقرة مجنونة rani01-22-04, 09:35 AM
  Re: مذكرات بقرة مجنونة rani01-22-04, 04:13 PM
    Re: مذكرات بقرة مجنونة rani01-22-04, 09:10 PM
      Re: مذكرات بقرة مجنونة rani01-23-04, 05:31 PM
        Re: مذكرات بقرة مجنونة rani01-24-04, 09:29 PM
          Re: مذكرات بقرة مجنونة rani01-26-04, 04:34 AM
            Re: مذكرات بقرة مجنونة rani01-26-04, 08:44 PM
              Re: مذكرات بقرة مجنونة rani01-27-04, 08:59 PM
                Re: مذكرات بقرة مجنونة rani01-29-04, 04:29 PM
                  Re: مذكرات بقرة مجنونة rani02-05-04, 08:12 AM
                    Re: مذكرات بقرة مجنونة rani02-10-04, 06:35 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de