من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أبوبكر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 11:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.جون قرنق
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-13-2003, 05:50 PM

WadalBalad
<aWadalBalad
تاريخ التسجيل: 12-20-2002
مجموع المشاركات: 737

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب (Re: WadalBalad)

    (15) عجبي ممن يؤثر العوراء على العيناء
    دكتور منصور خالد
    رغم إغلاق الحزب الحاكم الباب أمام الاتهامات الموجهة له بأنه وراء الدعوة لفصل جنوب السودان عن شماله، ورغم المباريات الصحفية الناقدة التي أبانت ما في دعوة الوزير السابق الطيب مصطفي من هشاشه، إلا أن الحماسة التي طغت على مقاله الأخير (ألوان 24/1/2003) تحيك الظن بالنفس، ولا تورثها اليقين. نقبل ما جاء من قيادات الحزب الحاكم أن الكاتب لا يعبر إلا عن رأيه، ونقول أيضاً أن من حق الكاتب التعبير عن رأيه حتى وإن تَبَدع. على أن الكاتب لم يستنبط ما أتى به من رأي، أو كان بِدعاً في التعبير عنه، بل وقف على سطر شبه مستقيم مع آخرين سبقوه إلى رأيه في انفصال الجنوب عن الشمال. من أولئك من أشار إليهم مثل يوسف مصطفي التني، أول من دعا لفصل الجنوب في الصحيفة التي كان يشرف علي تحريرها (جريدة الأمة). وكان عمنا التني، الشاعر المهندس، واحداً من أقطاب مؤتمر الخريجين، لم يصرفه عن رأيه أن المؤتمر قد جعل من توحيد شقي القطر (الفقرة الخامسة من مذكرة المؤتمر) دعوى طبقت شهرتها الآفاق (cause celebre) وإلى يوسف التني نضيف رجلين، كلاهما أنطلق، كما أنطلق الكاتب، من الافتراض أن ليس بين شقي القطر أي مقوم للوحدة. أول هؤلاء هو حسن محجوب، عضو اللجنة الاستشارية للمجلس الوزاري لشئون الجنوب (1956)، والثاني أقري جادين، قائد لواء الدعوة لانفصال الجنوب في مؤتمر المائدة المستديرة(1965).
    السياسيان الشماليان (وقد نضيف إليهما الأبروفيين) كانوا على درجة كبيرة من الأمانة مع النفس منذ ذلك الوقت الباكر لأنهم لم يروا للسودان ، من وجهة نظرهم الاحـادية الانغلاقية (insular)، إلا وجهاً واحـداً هـو الوجه العربي الإسلامـي. لهـذا لـم يندفعـوا ـ كمـا اندفـع غيرهـم ـ إلـى فـرض الوطنيـة الشماليـة المصغـرة (Northern Sub-nationalism) على السودان الواسع (Sudan writ-large). وحتى في إطار الشمال نفسه لم تكن رؤية هؤلاء للهُوية العربية الإسلامية تخلط بين المقدس والدنيوي، وبين الدين والسياسة. فالتني الشاعر المُجيد، مثلاً، هو صاحب النشيد الوطني الذائع "المجد للوطن"، والذي ختمه بقوله: "الدين للآله، والمجد للوطن". من جانب آخر، كان أقري منطقياً مع نفسه لأنه لم يَرَ في الجنوب إلا وجهه الأفريقي، ودياناتـه التقليديـة، وأعرافـه المحلية رغـم كـل التناضـح (osmosis) الثقافي، والتواصل الحياتي بين الإقليمين منذ أن وحد محمد علي باشـا السودان. عن ذلك الرأي عبر في مؤتمر المائدة المستديرة (1965) بالقول: "ليس هناك سمات مشتركة بين المجموعات المختلفة، أو هيكل مشترك للمعتقدات الروحية، أو وحدة في المصالح، أو إشارات محلية تدل على وجود تلك الوحدة". المنطق الحاكم لآراء هؤلاء (وهي آراء لا نشاركهم إياها) كان سيقي السودان التوتر الدائم لوقيض له أن يتغلب. والتوتر، كما يقول علماء الميكانيكا، هي الحالة التي تصيب أي جسم يُشَد من طرفيه. التني وصحبه ممن استنجد بهم الكاتب لم يشاددوا في الأمر، لهذا بين فكره وفكرهم بون شاسع، وباختلاف الحلوم والأفكار يتفاضل الناس. أقرب إلى الكاتب الذين غلبت عليهم حُميا الاستعلاء، فلم يُهَوِدوا أو يسترخوا في سعيهم لاقتسار الوحدة وتشكيل السودان كله على رؤاهم، فنارت الحروب. ولا سبيل لهؤلاء أن يتحولوا بهذه البساطة عما أخذوا فيه بالعزيمة والعنافة بعد أن إلتوت الأمور عليهم.
    موضوع الوحدة بين شقي القطر هم استغرقنى، ولهذا ظل محوراً لأكثر مـا كتبت كمؤرخ سياسي. وفي كتاب أخير صدر هذا الأسبوع باللغة الإنجليزية، وستصدر نسخته العربية الموسعة في مطلع الشهر القادم، انتخبت للكتاب عنواناً هداماً : قصة بلدين. بذلك العنوان لم أرد إستباق الأحكام، لا سيما وقد مهدت لما توصلت إليه من حكم ببينات استغرقت ألف صفحة من الكتاب. ما ابتغيناه هو تقرير حقائق عددا تؤكد أن العناصر الطاردة عن المـركز في السودان أقـوي بكثير من العناصر الجاذبة إليه. هذه العناصر ليست من صنع الطبيعة، أو هي أمر إبتلى الله به السودان في زمن "الابتلاءات" هذا. ففى هذا الزمان حتى الذي ينكب على وجهه في اخدود حفره بيده يسمي تهالكه في الحفرة التي حفرها لأخيه ابتلاءً. حرصت أيضـاً علـى التوغل في عِرق المشكل برد الأزمة الى جذورها منذ الحكم التركي والفـترة المهديـة لأن الأزمة أعمق بكثير من الحيص والبيص اللذين أدخل فيهما نظام الجبهة السودان، فالجبهـة لم تفعل أكثر من الوصول بالاستقطاب إلى أعلى درجاته. ولا مُرية في أن الذين سعوا لفرض الوحدة على كَرْه من أهل الجنوب في الماضي، تماماً كاولئك الذين أحالوا طرفي السودان إلى قطبين متضادين، هم الذين عمقوا من الأزمة. بسبب من ذلك، هم أقل أهل السودان تأهيلاً لاستنكار النتائج التي ترتبت على مساعيهم ووصلت بالأزمة إلى درجة التشبع، أو التنكر لها. ما على أولئك إلا تحمل نتائج أفعالهم، "إن يريدون إلا فِراراً".
    ابتناءً علي هذه المقدمة فأن الحكم الذي توصل إليه الكاتب (إستفتاء أهل الشـمال في إن كانوا يريدون للسودان أن يبقى موحداً أو أن يتجزأ) يكون صائباً لو كان هو وصحبه، بعد أن انتهى إليهم الأمر، قد سعوا جادين لمعالجة المشكل من جذوره. الحقائق تقول غير هذا، ففي بداهة عهدهم ذهبوا لوضع العصى في دولاب مفاوضات السلام التي كادت أن تكلل بالنجاح. مثال ذلك إجهاض ما تواطأ عليه أهل السودان جميعاً (باستثناء الجبهة) على ترك البت في الموضوعات المشتجر عليها بين أهل السودان (ومنها القوانين الدينية) إلى حين قيام مؤتمر قومي دستوري يعبر تعبيراً متكاملاً عن إرادة الأمة. ونفضل تعبير (القوانين الدينية) علي لفظ الشريعة الذي أصبح لفظاً ذا دلالات مطاطية. ذلك هو ما تراضى عليه أهل السودان (باستثناء الجبهة القومية الإسلامية) في كوكادام 1986، وفي اتفاق الميرغني – قرنق 1988، وفي اتفاق القصر أبريل 1989. لهذا، نحن فارقون بين قرار الانفصال امتثالاً لارادة شعبية يُعَبرُ عنها تعبيراً ديمقراطياً حراً، وبين الدعوة للانفصال إنطلاقاً من انطباعات ذاتية تصدر ممن ضاقوا ذراعاً بنتائج سياسات صنعوها بأنفسهم، لم يأبهوا لخواتيمها، وتركوا عواقبها مهملات.
    الهيكل المنطقي لأطروحة الكاتب قد يقود إلى النتيجة التي توصل لها، إلا أن ترويضه للمعطيات الموضوعية للوصول إلى حكم مسبق يجعل ذلك الحكم فاسداً، بل باطلاً. فالفاسد، كما يقـول الأصوليون (علماء أصول الدين)، يقع صحيحاً في جملته، ولكن تنقصه بعض الشروط ليكون صحيحاً، أما الباطل فغير صحيح من أصله. ما هي عوامل البطلان؟ توسل الكاتب للوصول إلى حكمه بأسباب لا تُحتسب إن أخضعت لتحليل عابر، ويقود التحليل الامبيريقي الدقيق لها إلى استكشاف ما فيها من افتراضات فواسد. ذلك منهج في التحليل سفاح لأنه لا ينجب إلا وليداً غير مكتمل الخلقة، ولا يقود إلا لنتائج لا بلاغ فيها ولا كفاية. وما هي الأسباب التي ارتكى عليها الكاتب؟ نحصر تلك الأسباب في خمس مقامات:
    · · الجنوب ظل عائقاً أمام انطلاق الشمال
    · · الجنوب تمرس في ابتزاز الشمال
    · · الحقد العنصري ضد الشمال وروح التشفي والانتقام ما برحا يملآن جوانح الجنوبيين
    · · الجنوب جعل السودان نهباً للتدخل الخارجي في شئونه "حتى من الصغار"
    · · تمادي الحركة في التزيد في محادثات ماشاكوس
    إعاقة الجنوب لانطلاقة الشمال
    ليس صحيحاً أن الجنوب حال دون انطلاق الشمال، بل الصحيح هو أن الحرب هي التي وقفت عائقاً أمام تطور كليهما، فالحرب هي أس الداء. لهذا يقمن بنا أن نبحث عن الأسباب التي قادت إلى اندلاع تلك الحرب، ثم استشرائها. نعرف جميعاً (أو ينبغي أن نعرف) أنه منذ استقلال السودان في مطلع يناير 1956 كان مطلب جميع القوى السياسية الجنوبية هو الوحدة الاتحادية التي يتاح في ظلها لأهل الجنوب أن يديروا شئونهم بأنفسهم. ولا أريد هنا العودة للحديث المكرور عن وعد الطبقة الحاكمة لأهل الجنوب بالفيدر يشن كثمن لمساندتهم إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، لأن في ما كتب ابيل الير حول تلك المأساة ما يغني. عوضاً عن ذلك، أحاول أن أبين، من جانب، مواقف الجنوبيين المعلنة يومذاك، ومن جانب آخر، مواقف الساسة الشماليين ذوي الرؤية البصيرة، إلى جانب مواقف الذين غهبوا عن الحق فادخلوا السودان بغَهَبهم ذلك في مفازة مجدبة مهلكة.
    · · في نوفمبر 1954 كتب بنجامين لوكي إلى وزيري خارجية بريطانيا ومصر بصورة إلى رئيس الوزراء، إسماعيل الأزهري يؤكد أن مطلب الجنوب هو الفيدرالية. أردف لوكي قائلاً: " إن لم يتحقق هذا فلا سبيل للجنوب إلا أن ينسلخ عن الشمال كما انسلخت باكستان عن الهند".
    · · في مايو 1955 كتب عبد الرحمن سولي (جنوبي مسلم) إلى الحاكم العام يقول أن البديل الوحيد عن الفيدرالية هو الانفصال .
    · · بعد إعلان الاستقلال مباشرة خاطب ستانسلاوس بياسما، زعيم المعارضة في مجلس الشيوخ المجلس قائلاً: "قبلنا إعلان الاستقلال ولكن الجنوبيين لا يرضون وضعاً أدنى من الفيدرالية، وينتظرون ما سيأتي به الغد حول الفيدريشن".
    · · عُقيب إعلان الاستقلال استقبل السـيد عبد الرحمن المهدي قيادات الحكومة القومية (الحكومة التي أنشئت بعد إعلان الاستقلال)، وكان من بينهم رئيس الوزراء إسماعيل الأزهري، ووزير الدفاع عبد الله خليل، ورئيس حزب الأمة صديق المهدي مع نخبة من زعماء الجنوب. في ذلك الاجتماع سأل السيد عبد الرحمن ستانسلاوس بياسما "ما الـذي يريد الجنوب؟" قال بياسما "الجنوب لا يريد أكثر من أن يحكم نفسه بنفسه في ظـل سودان موحد". التفت السيد الحكيم إلى رجالات السياسة والحكم من الشماليين قائلاً: "لقد عجزت التركية عن قهر الجنوب، وعجز أبوي المهدي عن السـيطرة عليه، ولم يتمكن من السيطرة على ذلك الإقليم إلا البريطانيون بالكاد. اذهبوا وأعطوهم مـا يطلبون" (مذكرات ستانلاوس، 1990).
    الكتابة، إذن، كانت واضحة على الجدران قبل إعلان الاستقلال وبعده، لم يتغاباها إلا الذين ظنوا أن الدول تبنى بالتشاطر. فمع وضوح رأي الجنوبيين (بمسلمهم وغير مسلمهم) حول ما يطمحون إليه لكيما يبقى الجنوب جزءاً لا يتجزأ من السودان، اجتمع رأي أحزاب الشمال في مايو 1958 (لجنة الدستور) على رفض الفيدرالية بدعوى أن "عيوبها تفوق محاسنها". ليتهم اكتفوا بذلك، قالوا أيضاً (مبارك زروق ومحمد احمد محجوب): "نحن لم نَعِد الجنوب بالفيدرالية، وإنما وعدنا بالنظر إليها بعين الاعتبار". ذلك عِيّ في الفعال لذنا جميعاً عنه بالصمت، أو باركناه بالسكوت. وكما يقول بشار:
    وعِيُّ الفعال كعِيِّ المقال وفي الصمت عِيّ كعِيَّ الكَلِم
    هذه الخفة في تناول كبريات الأمور دفعت الجنوبيين للخروج من اجتماعات لجنة الدستور حتى لا يُكسبوا قراراتها أية مشروعية، على الأقل بالنسبة للجنوب. وقبل خروجهم، عبر عن رأيهم الأب ساترنينو لاهوري قائلاً" "ليس لدى الجنوبيين أي نوايا سيئة نحو الشمال، وليس لديه نية في الانفصال. وأن أراد فليس هناك قوة في الأرض تحول دون ذلك. نطالب بالدخول في وحدة فيدرالية، وسيقوم الجنوب بالانفصال عن الشمال في أية لحظة يهدر فيها حقه في الوحدة الفيدرالية". منذ ذلك الوقت اصبح ساترنينو في نظر حكومات الشمال داعية للانفصال وطورد حتى اغتيل في الحدود اليوغندية. أو هل تَملى في هذه الوقائع دعاة فصل الجنوب المحدثين، القائلين أن ليس للجنوبيين غاية غير محو الهوية العربية ـ الإسلامية للسودان!
    من بين كل القوى الشمالية السودانية لم يثبت على موقفه حول ضرورة منح الجنوب حكماً ذاتياً يدير فيه شئونه بنفسه غير الحزب الشيوعي (بيان حسن الطاهر زروق باسم الجبهة المعادية للاستعمار في عام 1955)، والحزب الجمهوري (مسودة دستور فيدرالي للسودان التي طرحها محمود محمد طه في ديسمبر 1955)، ورجل متفرد كان هو الدرة اللامعة في تاج السياسة السودانية، باستشرافه لمقومات الوحدة بين الشمال والجنوب، ذلكم هو إبراهيم بدري. في موقفه ذاك الذي ظل ثابتاً عليه منذ مؤتمر جوبا ذهب بدري إلى طرح قضايا لم تفقد حتي اللحظة راهنيتها : اثر الرق على العلاقات بين الجنوب والشمال وفي تعميق المخاوف في نفوس الجنوبيين، حق الجنوب في الفيدرالية كضمان لبقائه في سودان موحد، قضايا المناطق المشابهة للجنوب (خص منها جبال النوبة والنيل الأزرق)، والتي نسميها في الأدبيات المعاصرة المناطق المهمشة. ومن المذهل أن لم يَنبرِ من الشماليين من أعضاء اللجنة الوزارية حول الجنوب (ضمت علي عبد الرحمن، وزير المعارف؛ عبد الله خليل، وزير الدفاع؛ محمد نور الدين، وزير الحكم المحلي؛ أمين السيد، وزير الصحة، بنجامين لوكي، وزير الثروة المعدنية، ستانسلاوس بياسما، وزير النقل الميكانيكي، يوسف العجب، وزير الدولة)، أو اللجنة الاستشارية الملحقة بها (إبراهيم بدري، حسن أحمد عثمان الكد، عبد الله ميرغني، محي الدين صابر، حسن محجوب، بشير محمد سعيد، محمد علي محيميد، أحمد السيد حمد) غير إبراهيم بدري ليدافع عن حق الجنوب في حكم نفسه بنفسه، بالرغم من أن الاعتراف بذلك الحق كان شرط لزوم عند إعلان الاستقلال. ومن المذهل أيضاً أن اجتماع اللجنة المشار إليها كان فـي مارس 1956، أي بعد شهرين من إعلان الاستقلال.
    ما الذي كان يدور في أذهان الحاكمين حول ذلك المطلب الذي قبلوه، فيما يبدو، مخادعة وخَتْلاً؟ عن ذلك الرأي عبر الأستاذ محمد زيادة في مقال افتتاحي لجريدة صوت السودان (15 فبراير 1956)، قال " أول المنادين بفكرة الاتحاد الفيدرالي هو المستر لوس نائب مدير الاستوائية الذي دعا لهذه الفكرة في صفوف المتعلمين الجنوبيين واتخذ منهم دعاة لها في كل انحاء المديرية الاستوائية ثم قامت لجنة جوبا السياسية على أساسها .. ثم نشأ حزب الأحرار الجنوبي أخيراً للدفاع عنها، ولهذا فأن مطالبة أبناء الجنوب بالاتحاد الفيدرالي إنما نشأت من عوامل سياسية استهدفها الاستعمار يستفيد منها في نهاية المطاف" .
    المغفور له وليام لوس، إن كان حقاً هو الذي أورث الجنوبيين فكرة الفيدريشن، قد أورث أيضاً أهل الشمال والجنوب البرلمان الوستمنستري، وحيدة الخدمة العامة، والفصل بين السلطات، والقضاء المستقل، واستقلال الجامعات، كمـا أورثـهم دسـتور ستانلي بيكر (دستور الحكم الذاتي) الذي نسب للاستعمار ولكن أصبح بقوة العلي القدير هو نفسه دستور الاستقلال، ثم قَبَره عبود ليعود مرة أخرى، بذاته وصفاته، دستوراً للسودان عندما أصبح الصبح في 21 أكتوبر 1964 وانهد السجن وانزوى السجان، كما صدح وردي. ما أقبحها مغالطة النفس، فكل تلك المؤسسات والمفاهيم (لا الفيدرالية وحدها) خلفها لنا لوس وصحبه ممن يسميهم البعض السلف الصالح، ولم تنحدر إلينا من الدولة المهدية أو مملكة المسبعات. الخيار والانتقاء بين الموروثات الاستعمارية كان هو خيار كبارنا في الشمال، وليس للجنوب يد فيه.
    الاستعمار أيضاً أورث دولة أخرى (الهند) الفيدرالية في إطار حكم مركزي متين، فنظام الحكم الاتحادي في ذلك القطر تمت صياغته على يد لجنة الهند برئاسة السير ستافورد كريبس في نوفمبر 1949. رغم هذا ذهب نهرو وصحبه إلى إعادة تنظيم الولايات مراعاة لمطالب أهلها، ودون وعد منهم لأهل تلك الولايات عند الاستقلال بأن "ينظروا لمطالبهم المشروعة بعين الاعتبار". ففي عام 1952 أعيد تنظيم ولايات الهند إرضاء لرغبات الناطقين بلغة التيلوق والذين تقاسمتهم ولايتا مدراس وحيدر أباد، فقامت ولاية اندرا براديش كولاية للناطقين بلسان التيلوق. وفي عام 1956 أعيد رسم 14 ولايـة و6 أقـاليم اتحاديـة (union territories) لتحقيق نفس الغرض. وفي عام 1960 قسمت بومباي التي ضمت الناطقين بلغة القوجرات والناطقين بالماراثي إلى ولايتي ماهارشتيا وقوجرات. إعادة التنظيم الإدارى لدولة الهند إمتثالاً لواقع سياسي، لم يُسمها نهرو مؤامرة لمحو الشخصية الهندوكية، بل اعتبرها ضرباً من المعمار الإدارى الضروري لتمتين وحدة بلاده.
    بعد اكثر من ثلاثة عقود من الزمان، عدنا أعقابنا لنعلن الحكم الفيدرالي ونباهي به أيما مباهاة وكأنه فتح القدير. لم نرده للوس أو قوم لوس، ولم نسأل النفس: لماذا رفضناه بالأمس، ولماذا نقبله اليوم؟ ترى أو لا تقتضي الرجولة أن نعترف أن المسئولية عن تلك الحرب التي ظلت رحاها تدور على قطبها أكثر من ثلاثين عاماً تعود، في المقام الأول، إلى الذين تنكروا للعهود، وتغابوا عن الوعود في الشمال، لا لذنب أتاه الجنوب إلينا. أم أن هذا ماض ينبغي أن لا نستذكر، لأن كل موقف نتخذ هو مرجع ذاته. مسئولية حكام الشمال عن استمرار الحرب حتى أكتوبر 1964 "في عضم رقبتهم" لاشأن للجنوب، ولاشأن للإمبريالية، ولا شأن للصهيونية بها. فلنملك الشجاعة ونعترف بالذنب.
    وإن وقفنا عند أكتوبر 1964 فلأنها تمثل مرحلة فارقة في تاريخ السياسة السودانية. ليت الصحافة السودانية تعيد إلى الذاكرة الخطاب الرصين الذي ألقاه سر الختم الخليفة في افتتاح مؤتمر المائدة المستديرة. لم يغفل سر الختم دور الاستعمار في إشعال جذوة الصراع، ولكنه وضع ذلك الدور، كما ينبغي، في إطار تاريخي صحيح : مسئولية الحكومات الشمالية عقب الاستقلال عن تعميق الأزمة، والآثار المدمرة التي خلفتها تجارة الرق في نفوس الجنوبيين، خاصة وقد ترسبت من الرق مفاهيم استعلائية في العقل الجمعي الشمالي، لا تقود إلا للتماقت. أما بعد أكتوبر، نعرف جيداً كيف انقبضت تباشير السلام التي لاحت في مؤتمر المائدة المستديرة. فمنذ منتصف الستينيات من القرن الماضي طغى على الساحة السياسية شعار جديد هو أسلمة الدستور. ولاتثريب على الإسلاميين كتيار سياسي في أن يدعوا لما يرون فيه خير الناس، إذ ليسوا هم الإيديولوجيون الوحيدون الذين سعوا لترسيم حدود الحياة في السودان على عينهم (to their image). ونعترف أن لكـثر منهـم صبابـة بالشريعـة (أياً كان المعنى لذلك التعبير). ولكن ثمة مشكلات في الطرح الإسلاموي السياسي (وأي طرح حدى للقضايا في هذا السودان المعقد ) يجدر بأصحاب الطرح التنبه لها. من ذلك، أثر الأطروحة السياسية، في هذه الحالة، على الشق الآخر من القطر الذي لا يدين للإسلام، ويطالب بحقوقه في الوطن كاملة غير منقوصة. هذا مالم يفعلوه ولم تفعله الأحزاب الشمالية التي تداعت على مشروع الدستور الإسلامى حتى كادت تكون فتنة لا ارتجاع لها.
    إعلان الدستور الإسلامى (بعد القراءة الثانية في الجمعية التأسيسية) تبعه خروج ممثلي جبهة الجنوب، حزب سانو، مؤتمر البجة، اتحاد عام جبال النوبة، من الاجتماع حتى يخلوا الساحة لمن لا يأبهون كثيراً، في ظنهم، لتقطيع أوصال السودان في سبيل تحقيق مشروعهم الأيديولوجى. الصوت المعبر عن هؤلاء كان هو صوت ابيل ألير، الشاهد الحي. هذه المجموعة التي لا تقتصر على الجنوبيين كانت تنادي، كبديل لمشروع الدستور الإسلامى، بتبني قرارات لجنة الاثني عشر، كما طالبت بتقسيم السودان إلى أقاليم تسع، باعتبار أن الجنوب سيبقى إقليماً واحد حسب ما نادي بذلك أهله. دعا أيضاً مؤتمر البجة لانفصال إقليم البجة عن مديرية كسلا، كما دعا اتحاد جبال النوبة إلى فصل منطقة الجبال عن جنوب كردفان، كلاهما في إطار سودان موحد (الرأي العام 18 يناير 196. وكان ذلك قبل خمس وثلاثين عاماً من مفاوضات ماشاكوس التي نتمارى اليوم في الحديث في رحابها عن المناطق المهمشة، وكأنها أسطورة انشأها جون ابن دي مابيور على غير مثال قديم. منذ ذلك التاريخ، لم تعد أزمة السودان تقتصر على الجنوب. ماذا كان موقفنا من كل هؤلاء؟ عليهم وعلى من والاهم أطلقنا نعت الجماعات العنصرية. ترى إن كان وليام دينق وابل الير وفيليب عباس غبوش ومحمد احمد عواض وعبد القادر اوكير وأحمد إبراهيم دريج عنصريين، فما الذي بقى ليكون الأصل؟ الجواب سهل، ففي المفهوم السائد في العقل الجمعي الشمالي، نحن مستعربة الشمال وحدنا الأصل في السودان الذي يتضام فيه النوبة (البرابره)، والبجة، وأهل جبال النوبة، والفور، واخوتهم في الغرب، وأهل الانقسنا بهمجهم ووطاويطهم، ثم الجنوب كله، لا تسألن عمن فيه. هؤلاء جميعاً فروع، والفرع لا يعلو على الأصل تماماً كما لا تعلو العين على الحاجب. أسطورة الأصول والفروع هذه حماقة تفتح على أهلها صندوق باندورا، لأنها ستدفع آخرين للقول إن:كان لأهل السودان أصل، فاصلهم النوبُ والزنوج. ثم دعنا عن اللواذ بالأحاديث "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" ، هذا قول جاء من معصوم لا كالرجال، عَقَد لمولاه زيد بن حارثة يوم مؤته على جلة بني هاشم وجعله أميراً على كل أرض وطأها. الأحاديث والقرآن لا ينفيان ما تدركه العيان، خاصة ونحن لا نمتحن الإسلام، وإنما نخاصم سياسات صنعها البشر وأضحت صناعة فاشية استوى حالها على الكذب، والجور، والاستهانة. هذه خصائل لا تقود إلا إلى بوار. وللجاحظ في رسائله قول حكيم في أسباب البوار، قال: "الصدق يوجب الثقة، والكذب يورث التهمة. والعدل يوجب اجتماع القلوب، والجور يورث الفرقة. والاستهانة توجب التباغي، والتباغي مقدمة الشر، وسبب البوار" (رسالة الأسباب والعواقب). لنقلها بوضوح، كثر منا عنصريون حتى النخاع، وما الحديث عن تزيد الجنوبيين، أو مؤامرات العنصريين، أو تهديد هؤلاء للهوية العربية الإسلامية، إلا حجاب ساتر للاستعلاء العرقي، وذريعة لاستدامة الهيمنة السياسية والاقتصادية.


    يتواصل منصور خالد
                  

العنوان الكاتب Date
من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أبوبكر WadalBalad04-13-03, 05:21 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:26 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:28 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:30 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:32 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:35 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:39 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:42 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:45 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:50 PM
  Re: من الطيب مصطفى إلى منصور خالد إلى أحمد سليمان (للتوثيق) والشكر لبكرى أب WadalBalad04-13-03, 05:54 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de